صاحب الأمر

صاحب الأمر

09/10/2018

المدخل للتشرّف‌ بحقيقة‌ الإمام‌ المنتظَر وبلوغها

 

تهذيب‌ الأخلاق،‌ وتزكية‌ النفس‌

المدخل للتشرّف‌ بحقيقة‌ الإمام‌ المنتظَر وبلوغها

_______ السيّد محمّد حسين الطهراني قدّس سرّه ______

 

(معرفة الإمام) للسيّد محمّد حسين الطهراني قدّس سرّه، بمجلّداته الثمانية عشر، عبارة عن مجموعة من البحوث التفسيرية، والفلسفية، والروائية في الإمامة والولاية بشكل عام، وفي إمامة وولاية أمير المؤمنين والأئمّة المعصومين عليهم السلام، بشكلٍ خاص.

ما يلي، مقتطف من المجلّد الخامس، يبحث الارتباط الوثيق بين التوحيد والتوسّل بصاحب العصر للوصول إلى الحق، وحقيقة الانتظار، وإمكانية اللقاءين الظاهري والباطني بالإمام أرواحنا له الفداء.  

 

 إنّ مجالس‌ التوسّل‌ بوليّ العصر ومحافله‌ هي‌ في‌ غاية‌ الأهمية؛ بَيدَ أنّ التوسّل‌ الذي‌ يقْصَدُ من‌ ورائه‌ الحقّ، والوصول‌  إلی‌ الحقّ، ورفع‌ الحجب‌ الظلمانية‌ والنورانية‌، وكشف‌ حقيقة‌ الولاية‌ والتوحيد، وحصول‌ العرفان‌ الإلهي‌ّ والفناء في‌ ذاته‌ المقدّسة‌، هو التوسّل‌ المرغوب‌ والمحمود. ولذلك‌ فإنّ انتظار الفرج‌ حتّى‌ في‌ عصر الأئمّة‌ عليهم‌ السلام‌، كان‌ يُعتبر من‌ أعظم‌ الأعمال‌ وأكثرها فضيلة‌ .

 إنّ التوسّل‌ بحقيقة‌ ولاية‌ الإمام‌ لكشف‌ حجب‌ الطريق‌ من‌ أفضل‌ الأعمال‌؛ لأنّ توحيد الحقّ من‌ أفضل‌ الأعمال. كما أنّ انتظار الظهور الخارجي‌ّ للإمام‌ بوصفه‌ مقدّماً علی ظهوره‌ الباطني‌ّ، وكشف‌ ولايته،‌ مفيد. وانتظار الظهور الخارجي‌ّ محبوب‌ ومحمود في‌ ضوء ذلك‌ .

 وإذا كنّا نرمي‌  إلی‌ الظهور الخارجي‌ّ وحده‌ دون‌ القصد إلی‌ تلك‌ الحقيقة‌ ومحتواها، فقد بعنا الإمام‌ بِثَمَنٍ بَخسٍ حينئذٍ، وبالتالي‌ فنحن‌ المتضرّرون‌ كثيراً، لأنّ المراد والمقصود ليس‌ التشرّف‌ بحضوره‌ الطبيعي‌ّ؛ وإلاّ فإنّ كثيراً من‌ الناس‌ كانوا يرون‌ الأئمّة‌ في‌ عصورهم،‌ ويحضرون‌ عندهم‌، ويتكلّمون‌ معهم‌، بَيدَ أنّهم‌ كانوا لا خلاق‌ لهم‌ في‌ حقيقتهم‌. ولو كنّا في‌ مجالس‌ التوسّل‌، أو عند الاختلاء بأنفسنا توّاقين‌  إلی‌ لقائه‌، ورزقنا الله‌ ذلك‌، ولم‌ تكن‌ غايتنا لقاء الله‌ وحقيقة‌ الولاية‌، فإنّنا نتشرّف‌ برؤيته‌ علی نفس‌ النسق‌ الذي‌ كان‌ الناس‌ يتشرّفون‌ به‌ برؤية‌ الأئمّة‌ والحضور عندهم‌ آنذاك. وإنّه‌ لغُبْن‌ وضرر كبير أن‌ نتشرّف‌ بخدمته‌ بعد الجدّ والجهد والكدّ والسعي‌، بينما ليس‌ لدينا هدف‌ أعلی وأسمى‌ من‌ اللقاء الظاهري‌ّ، أو أن‌ نتوجّه‌ إليه‌ في‌ قضاء حوائجنا المادّية‌ ورفع‌ ما يهمّنا من‌ أُمورنا الخاصّة‌ أو العامّة‌؛ وهو أمر كان‌ متيسّراً لجميع‌ الناس‌ الذين‌ شهدوا عصر الأئمّة‌ عليهم‌ السلام‌ بدون‌ مشقّة‌ التوسّل‌ .

علی أنّ الشيء القيّم‌ حقّاً هو التشرّف‌ بحقيقة‌ الإمام‌ وبلوغها، والشوق‌  إلی‌ لقائه‌ من‌ حيث‌ آيتية‌ الحقّ سبحانه‌ وتعالی‌، وهذا هو المهمّ؛ وهو من‌ أفضل‌ الأعمال‌، ومثل‌ هذا الانتظار للفرج‌ يحيي‌ القلوب‌ وينعش‌ النفوس‌ ويطيّب‌ الأرواح.

هل ننتفع باللقاء الظاهري للإمام؟

 ما هي‌ القيمة‌ من‌ وراء العلم‌ بزمن‌ ظهوره‌ الخارجي‌ّ لنا؟ ولذلك‌ فقد ورد في‌ الأخبار النهي‌ عن‌ التفحّص‌ والتجسّس‌ في‌ مثل‌ هذه‌ الأمور .

 افرضوا أنـّنا عرفنا زمن‌ ظهوره‌، فماذا نفعل‌ حينئذٍ؟ وما هو واجبنا؟ إنّ واجبنا هو تهذيب‌ النفس‌ الأمّارة‌ وتزكيتها وإعدادها للقبول‌ والتضحية‌ والإيثار .

 نحن مكلّفون‌ بهذه‌ الأمور دائماً، وما علينا إلاّ أن‌ نعيش‌ أجواء تهذيب‌ النفس‌ وتزكيتها، وتطهير الضمير، سواء عرفنا وقت‌ ظهوره‌ أو لم‌ نعرف‌ ذلك‌؛ ولو أخلصنا نيّاتنا وتأهّبنا لذلك‌ فسيحالفنا الحظّ والتوفيق‌ بلقائه‌ الحقيقي؛ ولو لم‌ نكن‌ كذلك‌، فإنّنا لن‌ نقطف‌ شيئاً ذا بال‌ من‌ وراء لقاء جسمه‌ العنصري‌ّ والمادّي‌ّ، ولا نحصل‌ علی نتيجة‌ من‌ هذا اللقاء.

 ولذلك‌ نرى كثيراً من‌ الأشخاص‌ الذين‌ أقاموا في‌ مسجد السّهلة، أو في‌ مسجد الكوفة،‌ أو في‌ غيرهما من‌ الأماكن‌ المقدّسة،‌ أربعينيات‌ متعدّدة‌ لزيارة‌ الإمام‌ وظفروا بذلك‌، إلاّ أنّهم‌ لم‌ يحصلوا علی شي‌ء مهمّ من‌ ذلك اللقاء.

وما ينبغي‌ ذكره‌ هو أنّ الظهور الخارجي‌ّ والعامّ لم ‌يقع‌ للإمام‌ بعد، ومرتبط‌ بأسباب‌ وعلامات‌ لا بدّ من‌ تحقّقها، إلاّ أنّ الظهور الخاصّ والباطني‌ّ ممكن‌ للبعض‌، وبكلمة‌ بديلة‌: إنّ سبيل‌ الوصول‌  إلی‌ الإمام‌ والتشرّف‌ بخدمته‌ مفتوح‌ للجميع‌، غاية‌ الأمر أنه‌ يحتاج‌  إلی‌ تهذيب‌ الأخلاق‌ وتزكية‌ النفس‌ .

 وكلّ من‌ نوى‌ لقاء الله‌‌، وجاهد نفسه‌ لهذا الهدف‌، فسيحظى‌ بظهور الإمام‌ الشخصي‌ّ والباطني‌ّ دون‌ أدنى شكّ، ذلك‌ لأنّ لقاء الحقّ لا يتحقّق‌ بدون‌ اللقاء الآيتي‌ّ والمرآتي‌ّ للإمام‌ .

اللقاء الواقعي‌ّ لإمام‌ الزمان‌ أرواحنا له‌ الفداء

 ومُحصّل الكلام هو: أنّ طريق‌ التشرّف‌ بحقيقة‌ ولاية‌ الإمام‌ مفتوح‌؛ وهذا هو المهمّ، إلاّ أنه‌ يحتاج‌  إلی‌ مجاهدة‌ النفس‌ الأمّارة‌ وتزكية‌ الأخلاق‌ وتطهير الباطن‌، وكذلك‌ يحتاج‌  إلی‌ السير والسلوك‌ في‌ طريق‌ عرفان‌ الحقّ سبحانه‌ وتعالی‌ وتوحيده‌، سواء تحقّق‌ الظهور الخارجي‌ّ والعامّ للإمام‌ عاجلاً، أو لم ‌يتحقّق‌.

 وذلك‌ لأنّ الله‌ جلّ شأنه‌ غير ظالم‌، ولا يمنع‌ فيضه‌، ولم‌ يوصد طريق‌ الوصول‌ أمام‌ المشتاقين‌ التوّاقين‌ .

 هذا الباب‌ مفتوح‌ دائماً، ويرحّب‌ بدعوة‌ المحبّين‌ والمشتاقين‌ والعاشقين‌ ملبّياً لها .

 فما علی عشّاق‌ الجمال‌ الإلهي‌ّ والمشتاقين‌  إلی‌ لقائه‌ جَلَّ وَعَلاَ، إلاّ أن‌ يجدّوا في‌ طريق‌ سير عرفانه‌ وسلوكه‌ بخطىً‌ ثابتة‌ وطيدة، ويوصلوا أنفسهم‌  إلی‌ الغاية المنشودة‌ بالتهذيب‌ والتزكية‌، والمراقبة‌ الشديدة‌، والاهتمام‌ بالواجبات‌ الإلهية‌، والتكالیف‌ السبحانية‌، وحينئذٍ،  سيحبرون‌ بالطلعة‌ المنيرة‌ لإمام‌ الزمان‌ وقطب‌ دائرة‌ الإمكان‌ الذي‌ يمثّل‌ وسيلة‌ الفيض‌ وواسطة‌ الرحمة‌ الرحمانية‌ والرحيمية‌ للحقّ، ويتمتّعون‌ بكلّ السبل‌ المفيدة‌ لتكميل‌ نفوسهم‌، ويستثمرون‌ جميع‌ الاستعدادات‌ الفطرية‌ من‌ أجل‌ التطبيق‌ العملي‌ّ لها بغية‌ الوصول‌  إلی‌ نقطة‌ الكمال‌.

هيمنة الإمام على جميع الأمور

 وينبغي‌ هنا أن‌ نأخذ بعين‌ الاعتبار ثلاث‌ نقاط‌:

الأولى‌: أنّ غيبة‌ الإمام‌ هي‌ من‌ جانبنا لا من‌ جانبه. أي أننا حرمنا أنفسنا من‌ التشرّف بلقائه‌ بسبب‌ ذنوبنا وأنانياتنا واستعلائنا وتكبّرنا‌، لا أنه‌ اعتزل وأخفى نفسه عنّا، وبعبارة‌ أُخرى‌، هو غائب‌ عن أبصارنا، ونحن‌ غير غائبين‌ عليه‌ .

 الثانية‌: أنّ قدرة‌ الإمام‌ وعلمه‌ وإحاطته‌ وسيطرته‌ علی الأمور، لا تتوقّف‌ علی عصر الظهور بحيث‌ نتصوّر أنّها ليست‌ له‌ قبل‌ الظهور، وإذا ما ظهر فسوف‌ تكون‌ له‌. بل‌ هو في‌ الحالَتين‌ يتمتّع‌ بالهيمنة‌ والسيطرة‌ والإحاطة‌ التكوينية‌، وهي كلّها لازمة‌ لولايته‌ الكلّية‌، إلاّ أنَّ هذا الأمر محجوب‌ عن‌ أنظار الناس‌، وعن‌ إدراك‌ العقول‌ والنفوس‌ قبل‌ الظهور، وسيتجلّى‌ بعد الظهور .

 الثالثة‌: أنّ القدرة‌ العملية‌ للإمام‌ وسعته‌ العلمية‌ وإحاطته‌ التكوينية‌ بالأمور لا تنحصر في‌ أعمال‌ الخير والبرّ والإحسان‌ التي‌ نراها خيراً، بل‌ هي‌ الهيمنة‌ والسيطَرة‌ علی جميع‌ الأمور خيرها وشرّها، وبشكل‌ عامّ علی كلّ عمل‌، وكلّ فعل‌، وكلّ موجود من‌ الموجودات‌، لأنّ العالم‌ كلّه‌ خيرات‌ علی أساس‌ النظام‌ الكلّي‌ّ لعالم‌ التكوين‌، ولا شرّ فيه‌ أبداً، والشرّ أمر عَدَمي‌ّ ليس‌ من‌ الله‌، وليس‌ من‌ وليّه‌.

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  إصدارات عربية

إصدارات عربية

نفحات