اعلام

اعلام

13/11/2018

زعيم ثورة العشرين ضدّ الاحتلال البريطاني

زعيم ثورة العشرين ضدّ الاحتلال البريطاني

الفقيه الكبير الشيخ ميرزا محمّد تقيّ الحائري الشيرازي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ الشيخ أحمد التميمي ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* أحد كبار فقهاء الإماميّة، ومشاهير علماء الإسلام في القرن الرابع عشر الهجري.

* جَمع بين العلم والجهاد، فهو صاحب الفتوى التأريخية التي على أساسها اندلعت الثورة العراقيّة الكبرى سنة 1920م ضدّ الاحتلال البريطانيّ.

* قال عنه معاصره السيّد حسن الصّدر: «تقيٌّ نقيّ، عاشرتُه سنين تَقرُب من العشرين، لَم أرَ منه زلّةً ولا أنكرتُ منه خلّة».

* أُعدّت هذه الترجمة المختصرة استناداً إلى ما ورد في كتاب (محمّد تقي الشيرازي) لمؤلفه كامل سلمان الجْبُوري، و(طبقات أعلام الشيعة) للشيخ آغا بُزُرْك الطّهراني، و(تكملة أمل الآمل) للسيّد حسن الصّدر، ومجموعة من المصادر الأخرى.

 

هو الشيخ ميرزا محمّد تقيّ، بن ميرزا محبّ علي، بن ميرزا محمّد علي الشيرازي الحائري. وُلِدَ في شيراز سنة 1256 للهجرة، ونشأ بها.

ينتسِبُ الشيخ الشيرازي إلى بيت علم وأدب وفضل وتقوى، فوالده الحاج ميرزا «محبّ علي» كان من أهل الورع والدِّين ومن عباد الله الصالحين، جاور المشهد الحسينيّ الشريف.

وعمّه الحكيم ميرزا «حبيب الله» من مشاهير الشعراء في شيراز، وأخوه الأكبر الشيخ ميرزا «محمّد علي» من كبار العلماء فيها.

سيرته وأخلاقه

* كان الشيخ الشيرازي على حدٍّ عظيم من التقوى والورع والزّهد والحِلم، وهذا ما يُؤكّده تلميذه الشيخ آغا بُزُرْك الطّهراني في (هديّة الرّازي إلى الإمام المجدّد الشيرازي: 209)، قائلاً:

«كان - رحمه الله - شديد الذكاء والفِطنة، حَسَن الأخلاق، يُذكّر الله رُؤيتُه، عليه ملامِحُ القدّيسين، وكان لا يَطِلب من أحدٍ شيئاً، حتّى الماء، كان إذا عَطِش قام وتناوله هو بنفسه، وكان زاهداً عازفاً عن الدنيا، وقد سُئِل تلميذه... الشيخ محمّد كاظم الشيرازي عن عدالته، فأجاب: اسألوني عن عصمته»!

* لم يحدُث أن غَضِب في وجه أحدٍ حتى لِمَن أساء إليه، دائم البِشر، ولم يكُن يرفع عينيه إلى الأعلى، بل كان مُنحنيَ الرأس خشوعاً وتواضعاً، يحترم كلّ مَنْ يُقابله بمنتهى الأدب والتواضع، ويقوم من مكانه لِمَن يدخل عليه.

ولكنّه في الوقت نفسه، كان عنيفاً وشديداً للغاية أمام الأجانب المحتلّين لأرض العراق، فقد حاول المعتمَد البريطانيّ في العراق «السير برسي كوكس» أن يأخُذ موعد لقاء معه عدّة مرّات، لكنّ طلبه هذا جُوبه في كلّ مرّة بالرفض الشديد من جانبه، وعندما يَئِس من ذلك، قرّر أن يدخُل عليه في داره بصورة مفاجئة وبدون سابق علم، فدخلَ «السير برسي كوكس» مجلس الشيخ الشيرازي، لكنّه لم يَجِد أيّ ترحيبٍ منه ولم يَقُم أمامه، بل وَجَد منه الامتعاض الشديد، وهكذا خرج المعتمَد البريطانيّ خائباً خاسراً من بيته.

* وكان الفقيه الشيرازي زاهداً إلى حدّ بعيد، فقد كانت داره مُستأجرة رُغم وصول أموال كثيرة إليه من مختلف دول العالم. قال أحد العلماء: «رأيتُ ثوب الشيخ الشيرازي (بسيطاً للغاية)، فقُلت لنجله الشيخ ميرزا عبد الحسين: لماذا ثوب الشيخ... هكذا، مع إنّه غير مناسب لموقعه بوصفه الزعيم الروحي الأكبر، والقائد الأوحد لثورة العراق؟

فأجاب بالحرف الواحد: إنّ لوالدي مزرعة في شيراز متوارثة من آبائه تَدرّ عليه في كلّ سنة دخلاً يُقدّر بمائة تومان، ويرى الشيخ الوالد ضرورة تأمين مصاريف ونفقات العائلة من هذه المائة تومان -لا غير- طوال السنة أكلاً ومشرباً وملبساً وإيجار دار وغير ذلك من المصروفات، وحيث إنّ هذا المبلغ لا يكفي بالمرّة لكلّ ضروراتِ العيش للعائلة، فقد اقتصر الشيخ الوالد في ملبسهِ على الملابس المتواضعة، وعدم شراء ملابس جديدة، لكي يكفي المبلغ لسائر الشؤون».

* على الرغم من نُهوضه بأعباء المرجعية الدينية وقيادته للثورة العراقية الكبرى سنة 1920م ضدّ الاحتلال البريطانيّ، لم يتوانَ عن تدبير أمور طلاّب العلم والاجتماع بهم وتلبية حاجاتهم، وهذا ما يُوضّحه السيّد شهاب الدين المرعشيّ النّجفي (أُسرة المجدّد الشيرازي: 186)، قائلاً:

«..وقد صرّح (أي الشيخ الشيرازي) أمامنا نحنُ معشر الطلاب -وكنت في ذلك الوقت أحد الطلاب المحصّلين: (أيّها السادة طلاب العلم الأجلّاء، تَرَوْن بأنفسكم كيف أنّ رجال العشائر ورجالات السياسة يحوطون بي ويزدحمون حولي، وكيفَ أنّ الحرب مع الإنكليز تأخُذ كثيراً من أوقاتي، فأخافُ أن تكون لأحدكم حاجة ولا يمكنه الوصول إليّ. ولِتفادي مثل هذه الحالة فإنّي سأقومُ من الآن فصاعداً بالمشي على شاطئ نهر الحسينية في كربلاء لوحدي، بعد صلاة الفجر في الصباح الباكر جدّاً، فمَنْ أرادَ منكم الالتقاء بي -لِتيسير حاجة أو من أجل مُعضلة علميّة- فليأتني هناك). وهكذا فعَلَ، ولقد رأيتُه بنفسي عدّة مرّات في الصباح الباكر وهو يمشي هناك، انتظاراً منه للقاء مَنْ له حاجة أو مسألة».

* كان رضوان الله عليه دقيقاً للغاية وحَذِراً أشدّ الحذر في إصدار فتاويه، لمعرفتهِ بخطورة ما يَصدُر عنه، ولهذا عُرفَ باحتياطاته الكثيرة، وكان يُرجِعُ مُقلّديه في المسائل الاحتياطية إلى أحد اثنين، هما: شيخ الشريعة الأصفهاني، والسيّد أبو الحسن الأصفهاني.

دراسته وأساتذته

هاجر الشيخ الشيرازي مع أبيه إلى العراق سنة 1271 للهجرة، وهو في الخامسة عشرة من عمره، فأقامَ في كربلاء المقدّسة ودرس في حوزتها العلمية على يد أفذاذ علمائها حتّى غَدا من كواكبها اللامعة ونجومها الثاقبة، ومن أبرز أساتذته في حوزة كربلاء العلمية: الفقيه الكبير الشيخ محمّد حسين الشهير بـ«الفاضل الأردكاني».

ثم هاجر إلى سامرّاء، فحضر على مجدّد الشريعة السيّد محمّد حسن الشيرازي الكبير (صاحب الفتوى الشهيرة بتحريم التنباك)، حتى صار من أجلاّء تلامذته وأركان بحثه، وفي الوقت نفسه كان مُدرّساً لجمعٍ من أفاضل تلامذة أُستاذه الشيرازي الكبير.

بعد وفاة المجدّد الشيرازي سنة 1312 للهجرة، بقيَ في سامرّاء مواصلاً أداء وظائفه من الإفتاء والتدريس وتربية العلماء، إلى أن احتلّت القوات البريطانيّة المستعمِرة مدينة سامرّاء، فاضطرّ إلى مغادرتها في شوّال سنة 1335 للهجرة (1917م) متوجّهاً إلى مدينة الكاظميّة حيث مَكثَ فيها فترة من الزمن، ثم توجّه إلى مدينة كربلاء فوصلها في صفر سنة 1336 للهجرة (1918م)، وبقيَ فيها حتّى وفاته.

تدريسه وتلامذته

تخرّج من مجلس بحث الشيخ الشيرازي جمع غفير من أجلاّء العلماء وأفاضل الفقهاء، وذلك لِدقّة نظره وعُمق فِكره وكثرة غَوره في المطالب الغامضة والمسائل المشكلة، وعن هذا يقول معاصره السيّد حسن الصّدر (تكملة أمل الآمل: 5/ 296): «كانَ بيني وبينهُ مباحثة مذاكرة اثنتي عشرة سنة، لا أسمعُ منه إلاّ الأنظار الدقيقة، والأفكار العميقة، والتنبيهات الرشيقة».

وقد أحصى الأستاذ كامل سلمان الجبوري في كتابه (محمّد تقيّ الشيرازي) أكثر من مائة تلميذٍ له، نذكرُ منهم: الشيخ عبد الكريم الحائري (مؤسّس الحوزة العلمية في قمّ)، والشّيخ محمّد علي الشاه آبادي (أستاذ الإمام الخميني في الحكمة والأخلاق)، والشيخ محمّد جواد البلاغي (العلامة صاحب المؤلفات الشهيرة في الردّ على بِدع اليهود والنصارى والبهائية، وغيرهم)، والشيخ محمّد حسين آل كاشف الغطاء (الفقيه المجدّد)، والسيّد جمال الدين الكلبايكاني، والسيّد عبد الهادي الشيرازي (كلاهما من الفقهاء والعلماء الربّانيّين)، والشيخ آغا بُزُرْك الطّهراني (صاحب موسوعة الذريعة).

مؤلفاته

تَرَك الشيخ الشيرازي العديد من المؤلفات، منها:

- حاشية على كتابي (المكاسب)، و(فرائد الأصول) للشيخ مرتضى الأنصاريّ.

- عدّة رسائل في «صلاةِ الجُمعة»، و«خَلل الصلاة»، وغيرهما.

 - (ديوان شعر) بالفارسيّة، أكثرهُ في مدائح أهل البيت عليهم السلام ومراثيهم.

وقائع عصره

بعد وفاة المجدّد الشيرازي الكبير سنة 1312 للهجرة، تصدّى الشيخ الشيرازي للمرجعيّة الدينية، وإنْ كانت المرجعيّة العامة يومئذٍ للعلَمَيْن الكبيرين: الشيخ الآخوند محمّد كاظم الخراساني، والسيّد محمّد كاظم اليزدي. وقد عاصر الشيخ الشيرازي في مرحلة مرجعيّته أحداثاً سياسيّة كبرى، أبرزها:

1) الاحتلال الروسي لإيران والاحتلال الإيطالي لطرابلس الغرب – ليبيا، سنة 1329 للهجرة (1911م): أصدر الشيخ الشيرازي مع باقي المراجع العظام والعلماء الأعلام فتاوى بوجوب التصدّي للمحتلّين الأجانب.

2) حركة الجهاد ضد الغزو البريطاني للعراق سنة 1332 - 1333 للهجرة (1914م): كان الشيخ الشيرازي في طليعة العلماء الذين أفتوا بالجهاد ضدّ الإنكليز الغُزاة، كما أرسل نجله الشيخ ميرزا محمّد رضا للالتحاق بقوات المجاهدين في البصرة، جنوب العراق.

3) الاحتلال البريطاني للعراق سنة (1335 - 1338 للهجرة) (1917 - 1920م): خلال هذه الفترة استمرَّ الشيخ الشيرازي مع باقي العلماء في السير على منهج مدرسة أهل البيت عليهم السلام، والمتمثّل برفض الاحتلال الأجنبي لبلاد المسلمين، وأبرز حدثٍ فيها هو موقفه من «الاستفتاء» حول طبيعة الحكم في العراق، والذي أرادَ المحتلّون إجراءه بهدف الحصول على آراء تؤيّد الحكم البريطانيّ للعراق، فكان جواب الشيخ الشيرازي على سؤال قُدِّمَ له بهذا الخصوص: «ليسَ لأحدٍ من المسلمين أنْ ينتخب ويختار غير المسلم للإمارة والسلطنة على المسلمين».

4) الثورة العراقيّة الكبرى سنة 1338 للهجرة (1920م): بعد وفاة السيّد اليزدي سنة 1337 للهجرة -وقبلها كانت وفاة الآخوند الخراسانيّ سنة 1329 للهجرة- انتقلت أعباء المرجعيّة الدينية العليا إلى الشيخ الشيرازي. لقد تأكّد لديه خلال فترة الاحتلال البريطاني، أنّ المحتلّين لا يريدون الاستجابة لمطالب الشعب العراقي، بل يحاولون فرض سلطتهم الاستعمارية على البلاد، ومع وصول الوسائل السلميّة المطالبة بالحقوق إلى طريقٍ مسدود، أصدَر الشيخ الشيرازي فتواه التأريخية التي كانت بمثابة إعلان الثورة، وهذا هو نصّها:

«مُطالبة الحقوق واجبةٌ على العراقيّين، ويجب عليهم في ضمن مطالبتهم رعايةَ السلم والأمن، ويجوزُ لهم التوسّل بالقوة الدفاعيّة إذا امتنعَ الإنكليز من قبول مطالبهم».

وبذلك اندلَعتْ الثورة العراقيّة الكبرى ضدّ الاحتلال البريطانيّ في (30 حزيران 1920م).

وفاته ومدفنه

تدهور الوضع الصّحي للشيخ الشيرازي في وقت كانت الثورة العراقيّة على أشدّها، وكانت بأمسّ الحاجة إلى قيادته وتوجيهاته، واستفحلَ به المرض حتّى تُوفّي ليلة الأربعاء الثالث من ذي الحجة سنة 1338 للهجرة (10 آب 1920م)، فثُلِم الإسلام بموته ثلمة عظيمة، وأُشيعَ في حينه أنّه دُسّ له السمّ من عميل بريطانيّ كان يعمل عطّاراً على مقربة من داره، ومنه كانت العقاقير الطبيّة تُشترى لمعالجته، وقد دَسّ بينها ما أدّى إلى تسمّمه وموته -وهذا غير مُستبعدٍ من المحتلّين البريطانيّين وعملائهم- وكان يوم وفاته يوماً تأريخياً مشهوداً، دوّى في العراق والعالم الإسلامي.

ويُذكر أنّ الشيخ الشيرازي كان حين وفاته في النّجف الأشرف، وصلّى عليه الفقيه الكبير شيخ الشريعة الأصفهانيّ، ثم نُقِل جثمانه الطاهر إلى كربلاء المقدّسة، وتجمّع الناسُ من كلّ مكان وشُيّع تشييعاً عظيماً من داره الواقعة في سوق السرّاجين، ودُفِنَ في الصحن الحسينيّ الشريف، ومرقده اليوم معروفٌ يُزار.

وقد أرّخ وفاته الشيخ علي البازي بقوله:

وافتقدت شرعة خير الورى         أرّخ (به فقْد زعيم عظيم).

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

14/11/2018

دوريات

  اجنبية

اجنبية

14/11/2018

اجنبية

نفحات