الملف

الملف

14/01/2019

التشكيك والاستغراب

التشكيك والاستغراب

أخطر الحُجب دون التمسُّك بولاية الزهراء عليها السلام

 

ما هي الصورة في ذهني وذهنك عن الصِّديقة الكبرى عليها صلوات الرحمن؟

هل يخشع القلب في محراب عظَمة الصِّديقة الكبرى، فيفقه بعض دلالات أنّها من المعدن المحمّديّ والحقيقة المحمّدية صلّى الله عليه وآله وسلّم، من دون أن تدخل الأبوّة والبنوّة -على عظَمتها- في الحساب؟

وأنّها من حيث الموقع و«الدور» في حِفظ دين الله تعالى، وهو خطّ العقل والإنسانية السواء، تضاهي الأنبياء والأولياء، على أقل تقدير، بل تفوق أكثرهم؟

لتوضيح بعض الخصوصيات التي تضعنا في بداية الطريق، لنصل -إنْ سلكناه- إلى التدرّج في التعرّف على مكامن العظَمة الفاطمية المستمَدّة من التبتّل، وهو الانقطاع إلى الله تعالى، يجدر الوقوف على عتبة قرّة عين المصطفى الحبيب، نُحفي بابها السؤال ونستخبره الحال.

والهدف، بالتحديد، أن ندرك أيّ منحدَرٍ صعبٍ ننحدر، حين تكون الصورة الذهنية المتحكّمة بآداب ولايتنا للزهراء عليها السلام، أوهى من بيت العنكبوت، تتلخّص في أنّنا أمام مثقّفة مؤمنة صابرة، منحتْ أباها العطف والحنان، ورضِيَت بعليٍّ -رغم فقره- وارتجلت خطبة تُعجز البلغاء، وتكشف عن مدى الحضور والوعي المميّزَين!.

إنّ هذه الصورة المشوّشة المغلوطة، نتيجة طبيعية لعوامل تضافرت لتوصلنا إلى هذا المنحدر، ويمكن تلخيص هذه العوامل بالتالي:

أ) الإعراض التامّ أو النسبيّ عن الروايات «الغَيبيّة» حول عظَمتها عليها السلام، كروايات النّور، وروايات التزويج بأمر الله تعالى، وحفْل الزفاف في السماء، وكراماتها: من قبيل «الجفنة»، و«التّمر بلا نوى»، وغير ذلك.

ب) الوقوع في أسْر ربط العظَمة بالموقع «الدنيويّ» وإن كان دينيّاً. أي بموقع السلطة الظاهرية، حتى إذا كانت ناتجة باستحقاق عن سلطة إلهية باطنية، الأمر الذي يتحكّم -ولو عبر اللاوعي- بالصورة الذهنية التي ترتسم عن الشخص، فيتراءى لنا خطأً أنّ الصِّدّيقة عليها السلام، لا تأتي في مرتبة المعصومين الأنبياء والأئمّة الذين أحلّهم اللهُ تعالى هذا الموقع، بما له من سلطة ظاهرية، بقطع النظر عن القدرة على إعمالها وعدمه.

ومن الواضح أنّ الموقع الإلهيّ لا يرتبط بالسلطة الظاهرية بالفعل أو بالقوّة؛ فقد كان نبيّ الله موسى -على نبيّنا وآله وعليه الصلاة والسلام- نبيّاً، وأمَره اللهُ تعالى أن يتتلمذ على يد عبدٍ صالح آتاه الله تعالى من لدنه علماً، ولم يكن نبيّاً، أو لم تثبت نبوّته.

بناءً على هذا، فإنّ كون الصدّيقة الكبرى عليها السلام، معصومة من المعصومين الأربعة عشر، وعدم كونها إماماً أو نبيّاً، لا ينبغي أن يوحي، للوعي فينا أو اللاوعي، بظلال سلبية تترك أثرها في الصورة التي ترتسم في الذهن لتشكّل مفتاح العلاقة بها، ورمز آداب الولاية تجاهها.

ج) تحكّم الرواسب الجاهلية والعادات والتقاليد حول النظرة إلى المرأة في دائرة الوعي واللاوعي، والثاني أكثر شيوعاً، ممّا يحُول دون تبلور ثقافة إسلامية حقيقية تعترف للمرأة بجدارة تبوُّء أسمى المراتب الإيمانية. فالإسلام يخاطب الإنسان؛ لا فرق في ذلك بين المرأة والرجل، واختلاف الوظيفة لا يعني إطلاقاً اختلاف المنزلة الإيمانية التي يمكن الوصول إليها. وعلى هذا الأساس، فإنّ مصطلح «سيّدة نساء العالمين» يزخر عندما نطلقه -عادة- بهذه الرواسب، الأمر الذي يقصر بنا عن التفاعل مع آفاق دلالته الرحيبة. ولا شكّ أنّ هذا العامل يتفاعل تلقائياً مع سابقه، فيزداد اللّبس ويشتدّ الإبهام.

د) انتشار خَلل إنزال المعصومين في غير مرتبتهم التي رتّبهم الله تعالى فيها، ليصل الأمر في التعاطي مع المعصوم إلى حدّ وكأنّه «عالِم بامتياز»، وهو ما يترك أثره البعيد على النظرة إلى الصدّيقة الكبرى ومعرفتها عليها السلام؛ فإذا كانت النظرة إلى المعصوم الرجل هي هذه، فكيف هي، إذاً، بالنسبة إلى المرأة المعصومة، في ظلّ الرواسب المشار إليها.

هـ) انتشار الجهل بعظَمة موقفها الإلهيّ النبويّ بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وبَعيد آثاره المركزية والجذرية في حفظ الإسلام واستمراره، مع إمكان التمييز بوضوح بين الإسلام المحمّديّ الأصيل، والإسلام المُفتَرى. ومن مظاهر انتشار هذا الجهل:

1) الإصرار على تسمية خطبتها في المسجد النبويّ، بـ«الخطبة الفدَكِيّة»، وكأنّ الدافع في الخطبة «عقاريّ»! ولئنْ كانت التقية تبرّر ذلك سابقاً، فما هو مبرّره الآن؟

2) تجنّب الحديث عن ظلامتها عليها السلام، إمّا بحجّة أنّ هذه الأبحاث تاريخية ولم تعد مُلِحَّة، أو من منطلق التشكيك، أو انسياقاً مع فهم خاطئ لمفهوم الوحدة الإسلامية، أو تحت تأثير ذلك كلّه. علماً بأنّ ما يرتبط بحركة المعصوم في التبليغ لا يُمكن إلَّا أن يكون في متن الاهتمام، فكيف يعقل أن تكون ناقة صالح ناقة الله تعالى، ولا يكون بابُ فاطمة بابَ الله عزّ وجلّ؟ وبهذا يظهر مدى التجنّي المتمثّل في التشكيك.

وهذا العامل -انتشار الجهل بعظَمة موقفها بعد وفاة المصطفى الحبيب صلّى الله عليه وآله وسلّم- هو الأخطر من بين كلّ الحُجب التي تحول دون القيام بواجب آداب ولاية الصدّيقة الكبرى عليها السلام.

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

  إصدارات

إصدارات

14/01/2019

إصدارات

نفحات