الإنتظار الحقيقي، ووَهْمُ الإنتظار

الإنتظار الحقيقي، ووَهْمُ الإنتظار

منذ 3 أيام

الإنتظار الحقيقي، ووَهْمُ الإنتظار

الإنتظار الحقيقي، ووَهْمُ الإنتظار
«ما أكثر الضّجيج، وأقلَّ الحجيج»

إعداد: علي بركات

هذه القصّة مُعرَّبة من الفارسيّة من كتاب (مطلع أنوار)، الجزء الأوّل، الصفحة 117-119، وهو كتاب يمثّل الدورة المحقّقة والمنقَّحة للمكتوبات الخطيّة: المراسلات، والمواعظ، لسماحة آية الله السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطّهراني قدّس سره، وقد تمّت مطابقة القصّة مع المتن الفارسي للكتاب.
جديرٌ بالتَّذكير، أنً العلّامة الطّهراني فقيهٌ عارف، كما شَهد له الإمام الخامنئي دام ظلّه، وهو كبير تلامذة السيّد الطباطبائي صاحب (تفسير الميزان)، وأستاذ الشَّهيد مطهَّري رضوان الله عليهم أجمعين.

تكمُن أهميّة هذه الرواية للقصّة في توثيق السيّد الطّهراني لها، بذِكْرِ تفاصيل تُعزِّز الثّقة بمضمونها، علماً بأنّ العِبرة هامّة جداً حتّى في فرض عدم الثّبوت، وتتلخّص العِبرة في ضرورة الحَذَر من «وَهْم الإنتظار»، و«وَهْم الولاية» الذي هو ذات الحذر من ادّعاء الإيمان، و«إخراج النّفس من حدِّ التّقصير»، لأنّه يتنافى مع قوله تعالى: ﴿وما يؤمن أكثرهم بالله إلَّا وهم مشركون﴾ يوسف:106.
المُنتظِرون الحقيقيّون قليل، وواجبنا في عصر الغَيْبة أن نُهذِّب أنفسنا طلباً لرضا الله تعالى، وقد أَمَرنا سبحانه أن نأتي البيوت من أبوابها فنطلب رضا إمام زماننا، لأنّه صاحب الأمر الذي يتنزَّل في ليلة القدر، من دون أن نقع في وَهْم الوصول إليه، والإستعداد لنصرته عليه السلام، بل نرجو ذلك ونَحذَر من سُوء العاقبة، ونخاف من ذنوبنا ومساوىء الأخلاق.
 والمقياس هو «الرِّسالة العمليَّة والأحكام الشرعيَّة»: فهي حدود الله تعالى التي يَظهر عليه السلام لتطبيقها، ﴿..يوم يأتي بعض آيات ربّك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل..﴾ الأنعام:158.

«شعائر»   

                                           
القصة
قال السيّد الطّهراني قدّس سرّه:
نقل الآغا «مير جهاني» هذه الحكاية (وهو من وُعّاظ خراسان الشَّهيرين، ومن محترمي العتبة الرضويّة المقدّسة، كما أنّه رجلٌ عالم)، وقد سمع «العبد» [السيّد الطهراني يقصد نفسه] هذا النَّقل أيضاً من الميرزا «أحمد مصطفى سَنْگر» في النّجف الأشرف، ومن سائر الأصدقاء، وهو كما يلي:
كان في الحِلّة رجلٌ كثير العبادة والزّهد، وكان عالِماً، وكان يدعو النّاس إلى انتظار فرج حضرة بقيّة الله عجّل الله  تعالى فرجه الشريف، وكان يدعوهم إلى البكاء والنُّدبة والدُّعاء بتعجيل الظُّهور، إلى أن وصل الأمر بجماعة منهم -وقد كان همُّهم وغمُّهم الدُّعاء للفَرَج- إلى تشكيل مجالس خاصّة للدُّعاء بذلك والقيام عليها، واشتروا كلّهم سيوفاً، انتظاراً لظهور الإمام. كان إسم ذلك الرجل «الشّيخ علي الحِلّاوي»، وإلى الآن وبعد سنين، ثمّة مقام للإمام الحجّة عجّل الله تعالى فرجه ما يزال قائماً في منزله.
في أحد الأيّام، كان الشّيخ عليّ ذاهباً من الكاظميَّين إلى الحِلّة، فتشرّف في الطّريق بلقاء الإمام وأظهر له كثيراً من الأدب، وطلب منه الظُّهور.
فقال له الإمام: إنَّ العِدّة التي وَعد ربِّي أن تتوفّر، لم تجهز إلى الآن، والثّلاثمائة وثلاثة عشر لم يَكتملوا بعد.
فقال له: روحي فداك. الآن يوجد في الحِلّة أكثر من ألف شخص ينتظرون الفَرَج، وإن تَظهروا فإنّ جميع هؤلاء الأشخاص الذين يُشكّلون المجالس باستمرار، والذين ينقطعون إلى البكاء بسبب فراقكم، سيكونون في رِكابكم المُبارَك، وهم مُستعدُّون لخدمتكم.
فقال له الإمام: ليس الأمر كما تقول، ولا يوجد في الحِلّة من المحبِّين لي أكثر من شخصَيْن، أحدهما أنت والثّاني شابٌّ قصَّاب، ومع ذلك إذا ذهبتَ إلى الحِلّة، فاجمع كلّ المُدّعين في منزلك وبشِّرهم بِقُدومي، ومن غير أن يَتنبّه أحد، أحضِر خروفَين إلى سطح المنزل واربطهما قبل أن يأتوا، وانتظِر حتّى آتي.
دخل الشّيخ عليّ مدينة الحِلّة، ودعا النَّاس إلى منزله وبشَّرهم بحضور الإمام عليه السلام. اجتمع المُحبُّون وابتهجوا .. رشُّوا العطر .. أشعلوا البخور .. وزيَّنوا المكان بالأنوار، وكانوا يَعدُّون اللّحظات انتظاراً لحضور الإمام عليه السلام.
في هذه الأثناء تحرّك نورٌ أخضر من جهة القِبلة، إلى أن نزل إلى سطح منزل الشّيخ عليّ.
خرج الإمام من خلال هذا النُّور، واستقرَّ في سطح المنزل.
نادى الإمام الشابّ القصّاب أوّلاً، فصعد إلى السَّطح وأمره بذبح أحد الخروفَين بالقرب من الميزاب. قام الشَّاب بذبح الخروف، فجرى الدَّم في الميزاب، فقال الجميع لبعضهم: يا للعَجَب، لقد قَتَل الإمامُ الشّابَّ! نخشى أن يناديَنا الإمام ويذبحنا على السّطح نحن أيضاً!!
 وفي هذه الأثناء نادى الإمامُ الشّيخَ عليّ، فصعد إلى السّطح، فقال له الإمام: شيخ عليّ، إذبح الخروف الآخر بالقرب من الميزاب، فذبح الخروف وجرى دمه في الميزاب، فسَيْطر الخوف والوحشة على النّاس، وصار كلٌّ منهم  يقول لصاحبه: لقد قُتل الشّيخ عليّ أيضاً، سيقوم الآن الإمام بدعوتنا ثمّ يقطع رؤوسنا واحداً واحداً، فخاف كلّ واحدٍ منهم على نفسه، كلٌّ منهم إلى زاوية بحيث لا يراه أحد، واختار طريقاً للهرب.
شيئاً فشيئاً إنسحبوا كلُّهم ولم يبقَ أحد منهم، فقال الإمام: يا شيخ عليّ، نادِ أصحابك لكي يأتوا وينصروني، وادْعُهم لكي يأتوا إلى السّطح. وطالت مناداة الشّيخ عليّ، لكنّه لم يسمع جواباً، فأشرف على الدار، فإذا به لا يَجْد ولو شخصاً واحداً في المنزل!!
قال الإمام عليه السلام: أهؤلاء هُم الأنصار الذين كنتَ تَظنّ أنّهم لا يَقِرُّ لهم قرارٌ لِغَيْبتي، وأنّهم جميعهم حاضرون لِشرب كأس الشَّهادة في ركابي؟!

زيارة صاحب الأمر عليه السّلام يومَ الجمعة
أوردَ السيّد الجليل إبن طاوس قدّس سرّه هذا الزيارة للإمام المنتظر عجَّلَ الله تعالى فرجَهُ الشريف، وهي تُقرَأ يومَ الجمعة، وهُوَ اليَوم الذي يظهر فيه صلوات الله عليه:

السَّلامُ عَلَيْكَ يا حُجَّةَ الله فِي أَرْضِهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا عَيْنَ الله فِي خَلْقِهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا نُورَ الله الَّذِي يَهْتَدِي بِهِ المُهتَدونَ، ويُفَرَّجُ بِهِ عَنِ المُؤْمِنِينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّها المُهَذَّبُ الخائِفُ [على دين الله]، السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّها الوَليُّ النّاصِحُ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا سَفِينَةَ النَّجاةِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا عَيْنَ الحَياةِ، السَّلامُ عَلَيْكَ، صَلّى الله عَلَيْكَ وَعَلى آلِ بَيْتِكَ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ، عَجَّلَ الله لَكَ ما وَعَدَكَ مِنَ النَّصْرِ وَظُهُورِ الاَمْرِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا مَوْلايَ، أَنا مَوْلاكَ عَارِفٌ بِأُولاكَ وأُخْراكَ. أَتَقَرَّبُ إِلى الله تَعالى بِكَ وَبِآلِ بَيْتِكَ، وَأَنْتَظِرُ ظُهُورَكَ وَظُهُورَ الحَقِّ عَلى يَدَيْكَ، وَأَسْأَلُ الله أَنْ يُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْ يَجْعَلَنِي مِنَ المُنْتَظِرِينَ لَكَ وَالتَّابِعِينَ وَالنَّاصِرِينَ لَكَ عَلى أَعْدائِكَ، وَالمُسْتَشْهَدِينَ بَيْنَ يَدَيْكَ فِي جُمْلَةِ أَوْلِيائِكَ، يا مَوْلايَ يا صاحِبَ الزَّمانِ، صَلَواتُ الله عَلَيْكَ وَعَلى آلِ بَيْتِكَ، هذا يَوْمُ الجُمُعَةِ، وَهُوَ يَوْمُكَ المُتَوَقَّعُ فِيهِ ظُهُورُكَ، وَالفَرَجُ فِيهِ لِلْمُؤْمِنِينَ عَلى يَدَيْكَ، وَقَتْلُ الكافِرِينَ بِسَيْفِكَ، وَأَنا يا مَوْلايَ فِيهِ ضَيْفُكَ وَجارُكَ، وَأَنْتَ يا مَولايَ كَرِيمٌ مِنْ أَوْلادِ الكِرامِ، وَمَأْمُورٌ بِالضِّيافَةِ وَالإجارَةِ فَأَضِفْنِي وَأَجِرْنِي صَلَواتُ الله عَلَيْكَ وعَلى أَهْلِ بَيْتِكَ الطَّاهِرِينَ.

قالَ السَّيِّد ابن طاووس: وأَنا اتمثَّل بعد هذهِ الزيارة بهذا الشِعر وأُشيرُ إليهِ عليه السلام وأقول:
نَزيلُكَ حَيْثُ ما اتَّجَهْتْ رِكابي         ‌وَضَيْفُكَ حَيْثُ كُنْتُ مِنَ البِلادِ.


 

اخبار مرتبطة

  مجلة شعائر الـعدد الثامن عشر-شهر ذو القعدة 1432 - تشرين الأوّل 2011

مجلة شعائر الـعدد الثامن عشر-شهر ذو القعدة 1432 - تشرين الأوّل 2011

نفحات