بصائر

بصائر

منذ 4 أيام

موعظة حسَنة

 

موعظة حسَنة

حَذارِ حِلم الله تعالى وصبرَه

ــــــــــــــــــــــــــــــــ الفقيه الشيخ حسين قُلي همداني ــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

الفقيه العارف الشيخ حسين قُلي (أي عبد الحسين) همداني. ينتهي نسبه إلى الصحابيّ الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري. قرأ على الشيخ مرتضى الأنصاري في الفقه والأصول، وعلى الحكيم الشيخ هادي السبزواري في الفلسفة، ولازم الفقيهَ العارف السيد علي التُّسْتَري، وتلمّذ عليه في السير والسلوك، وامتنع -بإشارة من أستاذه التّستري- عن التصدّي للمرجعية والفتيا.

من أبرز تلامذته، كلٌّ من ميرزا جواد الملَكي التبريزي (صاحب المراقبات)، والشيخ موسى شرارة العاملي. قصد كربلاء المقدّسة سنة 1894م، فوافته المنيّة بها زائراً، ودُفن في الحائر الحسيني الشريف.

يتضمّن النصّ التالي، مقتطفات من إحدى رسائله الأخلاقية، يخاطب فيها أبناء الدنيا المغترّين بزخارفها، محذّراً إياهم من شديد فتْكها بمصائرهم، ومستعرضاً مشاهدَ من يوم القيامة المهول.

إشارة إلى أن المادة منقولة عن كتاب (تذكرة المتّقين) للفقيه الشيخ محمّد بهاري همداني؛ ترجمة وتحقيق الشيخ حسين كوراني.

«شعائر»

 

يا قرينَ الأطفال، ويا حمّالَ الأثقال، أيها المحبوسُ في بئر الجاه، المسمومُ من أفعى المال، يا غريقَ بحر الدنيا، وأسيرَ هموم الآمال...

ألم تسمع ولم تقرأ ﴿إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ..﴾؟ [محمّد:36]

ألم تسمع ما قاله لقمان الحكيم، العالِمُ بالغَيب، لولده: «بنيّ.. إنّ الدنيا بحرٌ عميقٌ غرق فيها الأكثرون».. وأنا الحقير أقول، عن تحقيق: «ونحن منهم».

إذا أردتَ أن تفهم لُبَّ حِكمته، فكِّر في حقيقة لفْظِ «عميق»، وانظر ما أكثر جواهر الحكمة التي أدرجها في هذا الصندوق الصغير.. هديّةً للمتفكّرين..

يكفي أن تعلم أنّ في البحر حيتاناً، وأسماكاً.. وحيوانات عجيبة كثيرة، ومهالكُه الغريبة لا تُحصى..

كلُّ مَن غرق في هذا البحر أطلعَ رأسه من بين أطباق نار الجحيم، وسيبقى في العذاب الأليم..

ناس هذا البحر هم «النَّسْناس»، وسباحتهم إلى ساحة الوسواس.. وقراصنته هم جنود إبليس، وسلاحُ حربهم الخدعةُ والتلبيس.. [النّسناس: إشارة إلى قوله تعالى: ﴿إنْ هُمْ إلّا كَالْأَنْعَامِ﴾، كما في المرويّ عن سيّد الشهداء عليه السلام: الكافي، ج 8، ص 244]

إذا سألتَ عن عمق هذا البحر فسأقول لك: لا يتناهى.. وإذا كنت لا تصدّق فانظر إلى غوّاصي هذا البحر، يعني أهل الدنيا من الأوّلين والآخرين، فسترى أنهم جميعاً غرقوا فيه، ولم يصل أحدٌ منهم إلى قعره.

وإذا أردتَ أن تفهم ذلك أفضل.. فانظر في حالك الخَرِب التعيس، وكيف أنّك مهما كنت تملك، تظلّ أيضاً تطلب المزيد، ولا يقف حرصك عند حدّ...

 

 

أوثَقوا يد العقل، وأطلَقوا يدَ الهوى..

يا سيّدي..كيف أذلّتْ هذه الدنيا الناس.. وجعلت قلوبهم التي خُلقت للمحبّة والمعرفة، اسطبلاً للخيل والبِغال.. جوارحُهم متعفّنة من القاذورات، وقلوبهم لا تعرف الخضوعَ والخشوع آناً من الآنات، ولم يذوقوا ذرّةً من حلاوة الطاعة..

لا في كيانهم من التوبةِ أثر، ولا في أوهام تفكيرهم النّحس عن الله جلّ جلالُه خَبَر.

ليلَ نهارَ؛ يمزّقون بسيف لسانهم وسنانه عِرضَ المسلمين، ومالَهم، وعصمتهم، إرْباً إرْبا..

قلوبُهم خالية من الذِّكر والفِكر.. مملوءةٌ بالحِيلة والمَكر..

أوثَقوا يدَ العقل، وأطلَقوا يد الهوى..

أيّ جراحات أثخَنتْ بها تلك الأيدي كبدَ الدِّين.. وأيّ مصائب ألحقَتها بالشَّرع الشريف..

خلعوا لباس الإلهيّين.. وارتدوا ثياب الإفرنجيّين.. استبدلوا أطعمة الإسلام وأشربتَه بسمِّ النصارى والدهريّين، وزقّومهم.. تركوا آداب الشرع.. والتزموا بآداب الكفر..

لا نحن في عاقبة أمرنا فكّرنا، ولا بجميل صُنع الله بالأمم الماضية اعتبرنا..

بلى.. لقد انطلتْ عليهم حيلة صبره وحلمه، وغفلوا عن سلطته العظيمة.. فنزعوا لباسَ الخجل والحياء، وتابعوا خُطى الجرأة، فارتكبوا المعصية في حضور عزّه وجلاله..

 

يومُ حصادِ الزَّرْعِ في الدنيا

ماذا أقول عن شرّ ذلك اليوم المملوء بالآه والحرقة، الذي أذاب خوفه قلوب الخائفين.. و كيف لا تذوبُ قلوبهم من يومٍ أرضه نارٌ محرِقة، وصراطه أحدُّ من السيف القاطع..

الناسُ كالجراد المنتشر.. الأبدانُ غارقةٌ في العَرَق.. واللّحوم والعِظامُ تحترق..

أحاطت جهنّمُ بهم، وسُدَّت في وجوههم سُبل الفرار..

الصحفُ تتطاير عن اليمين واليسار..الناس في دهشةٍ وانتظار، والملائكةُ الغِلاظُ الشِّداد في جيئةٍ وذهاب، يتشدّدون في تنفيذ العقوبة الإلهية على المَرَدَة والعصاة..

أحد أسماء ذلك اليوم، «يومُ التَّناد».. يُنادي المنادي: يا أهل الجنّة اركبوا، وينادي آخر: يا أهل النار اخسأوا..

واحدٌ يُكسى خِلعةً.. وآخرُ يُسحب على وجهه.. طائفة أسكرها الشراب الطهور، وقومٌ أحال الزقومُ والضَّريعُ أكبادَهم إرْباً إرْباً.

 

تركُ المعصية.. وإلا فالسكوتُ أولى

يا فداءً لقلوبٍ أشرق فيها النورُ الإلهيّ، فجلالة مرتبتهم لا تتناهى..

فصلُوا أنفسَهم عن العالَم واتّصلوا بعالَم الأنوار، فاستناروا بنور المعرفة.. ورَكَلَ زهدُهم الدنيا، ونبت توكّلهم في أرض التوحيد..

نفروا من خلْق هذا العالم، واطمأنّوا إلى مقام القُرب..

فِكرهم نور، وذِكرهم نور، وباطنهم وظاهرهم، وجِسمهم وروحُهم، وخيالهم وعقلهم وجَنانُهم كلّه نور، وغارق في بحر النور..

كفى... أين أنا -اللّا طاهر- من مدح الطاهرين ووصْفهم...

أمثالنا نحن، يجب أن نهتمّ بالوصول إلى ترك المعصية.. إذا كنا قد أحكمْنا أصلَ الإيمان..

لقد خدعتنا الدنيا، وأصمَّتْنا وأعمَتْنا بحيث إنّ مثل هذه المواعظ لا تؤثّر أبداً في قلوبنا القاسية.

كلّ ما أعرفه أنّ واجب المريض الرجوع إلى الطبيب وإطاعته، وواجبُ الطبيب المعالجة.. والآن.. لا المريض مطيع.. ولا الطبيبُ حاذق.. ولكن إذا كان المريض مطيعاً، فإنّ الله الرحيم سيُوصله -دون شكّ- إلى طبيبٍ حاذق.. وإنْ لم يكن مطيعاً.. فالسكوتُ أَوْلى.

 

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

  شعر

شعر

منذ 4 أيام

نهج الكوثرية

  تاريخ و بلدان

تاريخ و بلدان

منذ 4 أيام

تاريخ و بلدان

نفحات