الملف

الملف

15/03/2019

«حبّه علامة الإيمان»

«حبّه علامة الإيمان»

أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام

 

اقرأ في الملف

استهلال

 

مقامات أمير المؤمنين في خطاب الإمام الخميني

إعداد: «شعائر»

وجوب تعظيم يوم ميلاد سيّد الأوصياء

الميرزا جواد الملَكي التبريزي

أمير المؤمنين مجتمَع الفضائل والقيم الإنسانية

الإمام الخامنئي

مصادر الحديث النبوي: «يا عليّ، لا يُحبّك إلا مؤمنٌ..»

المرجع الديني السيّد شهاب الدين المرعشي قدّس سرّه

الكعبة المشرّفة بمولد قبلة المتّقين

الشيخ أحمد صمادي

وصية أمير المؤمنين لمحمّد بن أبي بكر

رواية إبراهيم بن محمّد الثقفي الكوفي

قبسٌ من مناقب سيّد الأوصياء

إعداد: «شعائر»

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

استهلال

بصيرةٌ لِمُبصِر، وعبرةٌ لناظِر

قال الإمام عليّ عليه السلام: «لَا تَكُنْ مِمَّنْ يَرْجُو الآخِرَةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ، ويُرَجِّي التَّوْبَةَ بِطُولِ الأَمَلِ، يَقُولُ فِي الدُّنْيَا بِقَوْلِ الزَّاهِدِينَ، ويَعْمَلُ فِيهَا بِعَمَلِ الرَّاغِبِينَ، إِنْ أُعْطِيَ مِنْهَا لَمْ يَشْبَعْ، وإِنْ مُنِعَ مِنْهَا لَمْ يَقْنَعْ، يَعْجِزُ عَنْ شُكْرِ مَا أُوتِيَ ويَبْتَغِي الزِّيَادَةَ فِيمَا بَقِيَ، يَنْهَى ولَا يَنْتَهيِ، ويَأْمُرُ بِمَا لَا يَأْتِي، يُحِبُّ الصَّالِحِينَ ولَا يَعْمَلُ عَمَلَهُمْ، ويُبْغِضُ الْمُذْنِبِينَ وهُوَ أَحَدُهُمْ، يَكْرَه الْمَوْتَ لِكَثْرَةِ ذُنُوبِه، ويُقِيمُ عَلَى مَا يَكْرَه الْمَوْتَ مِنْ أَجْلِه.

إِنْ سَقِمَ ظَلَّ نَادِماً وإِنْ صَحَّ أَمِنَ لَاهِياً، يُعْجَبُ بِنَفْسِه إِذَا عُوفِيَ ويَقْنَطُ إِذَا ابْتُلِيَ، إِنْ أَصَابَه بَلَاءٌ دَعَا مُضْطَرّاً، وإِنْ نَالَه رَخَاءٌ أَعْرَضَ مُغْتَرّاً..».

قال الرضيّ جمع نهج البلاغة: «ولو لم يكن في هذا الكتاب إلّا هذا الكلام، لكفى به موعظة ناجعة وحكمة بالغة، وبصيرة لمبصر، وعبرة لناظر».

 

عينُ التوحيد ونفس النبوّة

مقامات أمير المؤمنين في خطاب الإمام الخميني*

  • إعداد: «شعائر»

*  من معاني حديث رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ضربة عليٍّ يومَ الخندقِ أفضَلُ مِنْ عِبادة الثَّقَلَيْن»، أنّ  هذه الضربة أسمى من صلاة الأنبياء.

*  إن أعظم نازلة حلّت بالاسلام هي غصبُ أمير المؤمنين عليه السلام حكومتَه... المصيبة التي حلّت بأمير المؤمنين وبالإسلام، أخطر وأشدّ من تلك التي نزلت بسيّد الشهداء عليه السلام في كربلاء. إنها «أعظم المصائب»، حيث حُرم الناس بسببها من إدراك معنى الاسلام، وحقيقة الأهداف التي يسعى إليها.

يتوجّب على المسلمين الاحتفاء مدى الدهر، بالسنوات الخمس التي قضاها أمير المؤمنين في الحكم، لأنها كانت للعدالة، ولله تعالى. وهو احتفاءٌ بسلطة يتمنّى حاكمها -أمير المؤمنين عليه السلام- الموت لاحتمال تعرّض ذِمّية لسرقة خلخالها في أطراف بلاده. ويتعيّن على البشرية إقامة مراسم العزاء للمصاب العظيم المتمثّل بنهاية هذه الحقبة.

*  يقول أمير المؤمنين عليه السلام في دعاء كميل: «حتّى تكوَن أعمالي وأورادي كلُّها ورداً واحداً». أما نحن فلا نعلم كم لنا من الأوراد الأذكار؛ وِرد البنون، ذكرُ العيال، والمنزل، والسياسة، والأنانية، والمال والجاه. وإذا ارتقينا أصبحت أورادنا وِردَ الجنة، والحور العين، والنجاة من النار.

لكن أولئك الذين لديهم وردٌ واحدٌ، لا غير، هم أصحاب القلوب النقية المتّجهة نحو نوره الواحد سبحانه، الذين لا يؤمنون سوى به وبتوحيده الذاتي والفعلي والصفاتي، وقلوبهم مصبوغة بالصبغة الإلهية بشكل كامل. فهؤلاء لا يتملّكون المال إلا لينفقوه كلّه في سبيل الله، ولا يسألون الله الولدَ، إلا ليكون مُحبّاً للمعبود سبحانه، مردّداً كلمة التوحيد: لا إلهَ إلّا الله.

*  كمال عمل الأولياء والأنبياء إنّما هو بلحاظ الجوانب الباطنيّة فيه، وأما صورة العمل، فليس لها قيمة كبيرة. لم تنزل الآيات من سورة الدهر المباركة في مدح أمير المؤمنين وأهل بيته الطاهرين لمجرّد أنهم آثروا المسكين واليتيمَ والأسير على أنفسهم، فتصدّقوا عليهم بأقراص من الخبز، بل ورد مدحُهم عليهم السلام في التنزيل، بلحاظ ما انطوت عليه أنفسهم الشريفة من حقيقة الإخلاص وخشوع القلب في محضر الحقّ تبارك وتعالى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* بتصرّف في العبارة، نقلاً عن الموقع الإلكتروني: imam-khomeini.ir

 

الولاية ركن الإسلام وشرط الإيمان

وجوب تعظيم يوم ميلاد سيّد الأوصياء

 

  • الميرزا جواد الملَكي التبريزي قدّس سرّه

لا بدّ من تعظيم اليوم الثالث عشر من شهر رجب، بلحاظ أنّه يوم ولادة سيّد الأوصياء أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام. ولهذا اليوم في حكم العقل شأن من الشّأن، يقصر عنه البيان؛ فإنّ ما نزل على وجه الأرض في هذا اليوم، واستبان من نور ولاية خاتم الأولياء -والولاية شرط الإيمان وركنه- هو كالجزء الأخير للعلّة التامّة من الإيمان والإسلام، وتلك نعمة لا يقدَّر قدرها.

 

اعلم أنّ الإنسان إذا تنكّر للعقل ولم يحتكم إليه، فكلّ شيءٍ عنده سواء، ولا ترجيح ولا تكليف؛ فأمره أمر البهائم، يأكل ويتمتّع حتّى يدركه الموت. وأمّا إذا جعل العقل حاكماً على حركاته وسكناته، فله بالنسبة إلى كلّ ما في الوجود حكمٌ فعليّ أو تقديريّ. فإذا عقلَ العاقل أنّ سيّداً من أولياء الله سببُ نجاته من عذاب أو عقوبة، توجّب عليه، حكماً، شكره بقدر هذه الفائدة.

فكيف إذا قطع العاقل بأنّ أمر العالم قبل بعثة النبيّ صلّى الله عليه وآله، انجرّ إلى أن انطمست أنوار الهداية في بحر الضلالة، وانتهى أمر العالمين إلى أن خرطوا أخشاباً، وصنعوا أحجاراً، فعبدوها وجعلوها بمنزلة ربّ العالمين، وخالق المخلوقين، وسجدوا لها سجود العبادة، ووضعوا لها مناسك. خربوا بظلمهم البلاد، وأهلكوا العباد، واتّبعوا الشهوات، وضيّعوا الصّلوات، وأنكروا القرابات، ووأدوا البنات.

فبعث الله جلّ جلاله رسولَه صلّى الله عليه وآله علَماً للهداية، وأنزل عليه الكتاب، فدفع به الجهالات، وجمع به الحلوم، وأكمل به العلوم، وأتمّ به النور، حتّى أورى قبسَ القابس، فأضاء به الطريق، وسلك به السبيل، قد جاء من الله بنور وكتاب مبين؛ فشرع شريعة كاملة، وسنّ لجميع حركات الإنسان وسكَناته أحكاماً خاصّة -حتّى أرش الخدش- تنطوي على جلب المصالح ودفع المفاسد، وبيّن لأمّته جميع ما يقرّبهم من الله تبارك وتعالى، ويُفضي بهم إلى الجنّة، ويباعد بينهم وبين النار، ولم يترك شيئاً من الأشياء، ولا حالاً من الحالات، كلّية أو جزئيّة، شريفة أو وضيعة، كبيرة أو صغيرة، إلا وبيّن حكم الله فيها، بما اقتضته حكمته البالغة التي لا تبلغ كُنهها عقول العقلاء، وأوهام الحكماء، فجاء بشريعة تامّة، كاملة جامعة لحُكم الظاهر والباطن، وسياسة الدّين والدّنيا..

وبالجملة، انتشر في زمانه وزمن أوصيائه من العلوم ما يملأ الخافقين؛ من علم الفقه، وعلم الأخلاق والمعارف، وأتمّ الحكمة في أمّته بزمنٍ يسير، فبلغ منها ما لم تبلغه حكمة القدماء على امتداد أزمانهم المتطاولة.

ومتى عرف الإنسانُ العاقل عظَمة نعمة البعثة مثلما عرفتَ -واعتقد في نفسه أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان لرسول الله صلّى الله عليه وآله، أخاً ووزيراً، بمنزلة هارون من موسى، خلا النبوّة، وأيقن أنه باب مدينة علمه صلَى الله عليه وآله، ولم يقم أمر الإسلام إلا بسيفه، وتدور الهداية مدار تعليمه، وجعله الله في محكم كتابه نفس النبيّ صلّى الله عليه وآله، وجعل ولايته ركناً للإسلام، وشرطاً في الإيمان- يعرف بذلك شيئاً من عظَمة شأن هذا اليوم، ويستنشق رَوحاً من رفيع مقامه.

وقد تقرّر في محلّة، أنّ الشكر على قدر النعمة. ومن مصاديق شكر نعمة الولاية تعظيمُ هذا اليوم بالقلب والروح، فمَن عظُم في نفسه جلالةُ زمانٍ أو شرافة مكان، فلا بدّ أن يعامله على قدر جلاله وشرفه، وأوّل ذلك أن لا يضيّعه ولا يتركه معطّلاً، بل يصرفه بكلّ ما يعتقد شرفه وعظمتَه، ولا شرفَ فوق شرف الإخلاص لله تعالى في العبادة؛ من الصوم، والصلاة، والإنفاق في سبيل الله، وتعظيم شعائر الله، والتزيّن بالذّكر والفِكر في الباطن، وارتداء اللّباس النظيف في الظاهر، وإظهار الفرح والسرور في المحيّا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* (المراقبات: ص 108 - 117، بتصرّف)

 

صاحب العصا والمَيسم*

أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالبٍ عليه السلام، هو المنجي من الهلَكات الذي ذكرَه الله تبارك وتعالى في محكم الآيات، فقال: ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ الزخرف:4..

وقد أجمع الموافق والمخالف على أن فضائل أمير المؤمنين أخفاها أولياؤه تقيّةً، وجهد أعداؤه في طمسها حنقاً وبُغضاً، ومع هذه وتلك، فقد انتشر من آياته الباهرات، وكراماته القاهرات ما ملأ الخافقين؛ فهو النبأ العظيم، والصراط المستقيم، والقرآن الكريم.

وهو اسم الله الأعظم، والبيت الحرام، وصفا وزمزم، وصاحب العصا والمَيسم.

وهو مظهر العجائب، ونقطة دائرة المطالب.

وهو معلّم جبرئيل، وأمير ميكائيل، وسيّدُ عزرائيل.

وهو قاسمُ طوبى وسقر..سيّدُ البشر، ومَن أبى فقد كفر.

وهو ملاذ اللائذين، وغياث المضطرّين.

وهو سرّ الأسرار.. وإمام الأطهار.. نعمةُ الله على الأبرار، ونقمته على الفجّار..

فلأوليائه أن يفرحوا يوم ولادته.. ويجعلوه العيد الأكبر..

(المراقبات)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* إشارة إلى ما في النبويّ الشريف من أن أمير المؤمنين معه عصا موسى، ويَسِم الناس في القيامة بين أعينهم: هذا مؤمن، وهذا كافر.

 

 

 

تكامُل الصفات المتباينة في شخصه عليه السلام

أمير المؤمنين مجتمَع الفضائل والقيم الإنسانية

  • الإمام الخامنئي

إنّ حياة أمير المؤمنين عليه السلام أشبه ما تكون بمحيطٍ لا تتيسّر الإحاطة بآفاقه من نظرة واحدة، أو حتى عبر دراسة طويلة؛ فالمحيط من حيثما تأتيه تجده زاخراً بالعظَمة، ومجتمعاً لبحور بعيدة القعر. ولا مبالغة في هذا القول، بل هو صدًى لعَجْز رجُلٍ درسَ حياة أمير المؤمنين لسنوات متمادية، واستشعر هذا الإحساس في نفسه، وأدرك أنّ شخصية عليّ عليه السلام لا يمكن سبر أغوارها بأسباب الفهم المتعارف من ذهن وعقل وذاكرة وإدراكات عادية؛ لأنّ أسباب الفهم المتاحة للإنسان، أدنى من أن تبيّن ماهية أمير المؤمنين عليه السلام، اللّهم إلا مَن بلغ مقام الكشف المعنويّ.

 

لقد اجتمعت في شخص أمير المؤمنين، وعلى نحوٍ جميل، صفات متضادّة ومتعارضة، حتى أضحت بذاتها وجوداً رائعاً. ولن تجد مثل هذه الصفات اجتمعت في أحدٍ من الخلق، فضلاً عن وفرتها فيه، إلا أمير المؤمنين عليه السلام. وفي ما يلي، أعرض لنماذج منها.

اللِّين والحَزْم

الرأفة واللين لا تنسجمان مع الحزم والصلابة، لكنّ عطف أمير المؤمنين ورأفته ولينه في السّنام الأعلى، على التحقيق.

ما أكثر الذين يمدّون يد العون للمساكين، ويتفقّدون الأُسَر الفقيرة، إلا أن أمير المؤمنين، لا غير، بادر إلى هذا العمل في أيام حكومته وقدرته وسلطته الظاهرية. ومن ثَم كان هذا العمل دأبه على الدوام، فلم يكتفِ بأدائه مرات معدودات. ولم يكن، سلام الله عليه،  يقتصر على تقديم العون المادّي فحسب، بل يتفقّد الأسر، ويُحادث الشيوخ وكبار السنّ، ويجالس المكفوفين، ويلاطف الصغار؛ يأنس بهم ويُدخل البهجة إلى قلوبهم ويقدّم العون لهم. هكذا كان أمير المؤمنين عليه السلام في رحمته ورأفته.....

في المقابل، حينما عزم جماعة من المتعصّبين، وذوي الفهم الخاطئ على زعزعة الحكم لأسباب واهية، عمد أمير المؤمنين عليه السلام إلى نُصحهم ومحاججتهم، فبعث إليهم بالرسل والوسطاء...لكن ذلك كله لك يُجدِ معهم نفعاً.

 وفي نهاية المطاف -وحتّى حينما اصطفّ الجيشان للقتال في النهروان- قدّم لهم النصيحة وأرشدهم، فلمّا أعرضوا ونأوا قرر انتهاج الحزم، فدفع الراية لبعض أنصاره معلناً أنّ كلّ مَن انضوى تحتها فهو آمِن.

كان أهل النهروان الخوارج اثني عشر ألف رجل، وانضوى منهم ثمانية آلاف تحت الراية، فصفح أمير المؤمنين عنهم جميعاً، على الرغم ممّا تكنّه صدورهم من عداء، ورغم موقفهم وعزمهم على القتال ولَهجهم بَسبّ أمير المؤمنين عليه السلام؛ فهم ما داموا قد اعتزلوا القتال فليذهبوا حيث شاؤوا. وبقي منهم أربعة آلاف أصرّوا على مقاتلته، فلما رأى إصرارهم على قتاله عزم على قتالهم، وأخبرهم أنه لن ينجو منهم عشرة، فحاربهم في وقعة النهروان المعروفة، وقُتل منهم عدد كبير. هذا هو عليّ نفسه حينما يرى في مقابله فئة خبيثة تسلك منهجاً غادراً، يكون مصداق قوله تعالى: ﴿..أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ..﴾. لاحظوا كيف تجسّدت هذه الخاصية في أمير المؤمنين عليه السلام على هذا النحو الجميل، فقلبُه بما أوتي من الرأفة والرقّة لا يُطيق رؤية يتيم حزين، بينما نراه يقف بحزم إزاء فئة منحرفة، تنتهج أسلوبا مقيتاً وملتوياً وتقتل الأبرياء، فيقضي عليها -وقوامها أربعة آلاف رجل- في بضع ساعات. هذا درسٌ لنا في كيفية توازن الشخصية. 

السلطة والورَع

المثال الآخر هو ورعُ أمير المؤمنين من ناحية، وسلطته الظاهرية الدنيوية من ناحية أخرى. والورع يعني: اجتناب كل ما يُحتمل فيه الكراهية، -فضلاً عن المحرّمات والشُبهات- ولكن هل ينسجم الورع مع السلطة؟ هل يتسنّى للإنسان أن يكون ورعاً إلى هذا الحدّ، وهو في سدّة الحكم؟

يتعامل الحاكم مع قضايا عامّة وينفّذ القوانين، وربّما انطوى تنفيذ قانون بعينه، في مكان ما، على الظلم لأحدهم، والمكلّف بتنفيذ القانون بشرٌ خطّاء قد يسيء تطبيقَه. فكيف يتأتى للمرء التزام الورع في كلّ التفاصيل الجزئية التي تستعصي الإحاطة بها؟ لأجل ذلك، يبدو، في الظاهر، أنّ السلطة والورع لا يجتمعان، إلاّ أنّ أمير المؤمنين جمعهما؛ أي التزام أقصى درجات الورع وإقامة أقوى سلطة في آنٍ معاً، وهذا مما يثير الدهشة.

لم يكن يجامل أحداً؛ فإذا استشعر من والٍ ضعفاً أو أحسّ أنه غير جدير بمنصبه، عزله. كان محمّد بن أبي بكر بمنزلة ولده، وكان يحبّه محبة أبنائه. ومحمّدُ أيضاً كان ينظر إلى أمير المؤمنين نظرة الولد إلى الوالد، وتلميذاً مخلصاً تربّى في حِجر الإمام، فانتدبه والياً على مصر، ثم كتب له فيما بعد كتاباً بعزله، لعدم كفاءته في إدارة البلاد، وعيّن مكانه مالك الأشتر....

القوّة والمظلومية

هل كان ثمة رجل أقوى من أمير المؤمنين عليه السلام في زمنه، أو له بعضٌ من تلك القوة الحيدرية؟ لم يتحدّ علياً أحدٌ، ولم يجرأ أحد على ادّعاء ذلك حتى يوم شهادته. هذا الإنسان نفسه كان -مع تلك القوّة- أشدّ أهل زمانه مظلومية، ولعلّه أكثر من ظُلم في تاريخ الإسلام. القوّة والمظلومية لا تجتمعان؛ فالمتعارَف أنّ الأقوياء لا يُظلمون، غير أنّ أمير المؤمنين عليه السلام ظُلم.

الزّهد وإعمار الأرض

المثال الآخر هو الزهد وإعمار الدنيا. أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السلام مثالٌ في زهده وإعراضه عن الدنيا، ولعل «الزهد» أبرز مواضيع (نهج البلاغة). لكنه عليه السلام، على الرغم من إعراضه عن الدنيا وزهده فيها، أمضى خمسة وعشرين عاماً -هي الفترة ما بين وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وتسلّمه الخلافةالظاهرية- ينفق من ماله الخاصّ في أعمال العمران؛ فكان يزرع البساتين، ويحفر الآبار، ويشقّ الأنهار. والمدهش أنه كان يتصدّق بذلك كلّه في سبيل الله تعالى.

ومن المناسب أن نتنبّه إلى أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان أكثر أهل زمانه ثروةً، وقد نُقل عنه قوله: «..وصدقتي اليوم لو قُسّمت على بني هاشم لَوسِعَتهم»، لكنه عليه السلام، مع ذلك الثراء كان يعيش حياة متقشّفة إلى أبعد الحدود؛ لأنه كان ينفق تلك الثروة كلّها في سبيل الله تعالى.

هذا ما تصدّق به عبدُ الله عليّ...

أبو نَيْزَر بن النجاشيّ ملكِ الحبشة، من أصحاب أمير المؤمنين، عيّنه عليه السلام قيّماً على بعض أراضيه ومزارعه، وابنُه «نصر» أحد شهداء كربلاء بين يدَي الإمام الحسين عليه السلام، قال أبو نيزر:

«جاءني عليّ بن أبي طالب عليه السلام وأنا أقوم بالضّيعتين؛ عين أبي نيزر والبُغَيبِغَة، فقال: (هل عندك من طعام؟).

فقلت: عندنا طعامٌ لا أرضاه لك، قَرْعٌ من قرع الضّيعة صنعتُه بإهالة سنخة (أي بسَمْن غير جيّد) فقال: (عَلَيَّ به).

فقام إلى الرّبيع (جَدول الماء)، فغسل يده فأصابَ من ذلك (الطعام) شيئاً، ثم رجع إلى الربيع فغسل يده بالرّمل حتى أنقاها، ثم ضمّ يديه؛ كلّ واحدة إلى أختها، ثم شرب بها حسّاً من الربيع، ثم قال: (يا أبا نَيزر، إن الأكفّ أنظفُ الآنية). ثم مسح من ذلك الماء على بطنه، ثم قال: (مَن أدخله بطنُه النار، فأبعدَه الله).

ثمّ أخذ المِعول وانحدر إلى العين فأقبل يضربُ فيها، وأبطأ عليه الماء، فخرج وقد تفضخّت جبهتُه عرقاً، فاستشفّ العرقَ من جبينه، ثم أخذ المِعول وعاد إلى العين، فأقبل يضرب فيها وجعل يهينم، فانثالت كأنها عُنق جَزور، فخرج مسرعاً فقال: (أُشهِدُ الله أنها صدقة، عَلَيَّ بدواةٍ وصحيفة)!

فعجّلتُ بها إليه، فكتب: (بسم الله الرّحمن الرّحيم. هذا ما تصدّق به عبدُ الله عليُّ أمير المؤمنين؛ تصدّق بالضّيعتَين المعروفتَين بعَين أبي نيزر والبُغيبغة على فقراء أهل المدينة وابن السبيل، ليقيَ اللهُ وجهي حرّ النار يومَ القيامة، ولا تُباعا ولا تُوهَبا حتّى يرثَهما اللهُ وهو خيرُ الوارثين، إلا أن يحتاجَ الحسنُ أو الحسين، فهما طلقٌ لهما، ليس لأحدٍ غيرهما).

قال أبو نيزر: فركبَ الحسينَ دينٌ، فحملَ إليه معاوية بعين أبي نيزر مائتي ألف دينار، فأبى الحسينُ أن يبيع، وقال: إنما تصدّق بها أبي ليقيَ اللهُ بها وجهَه حرّ النار».

(انظر: مناقب ابن سليمان الكوفي:2/81)

 

 

«يا عليّ، لا يُحبّك إلا مؤمنٌ، ولا يُبغضك إلّا منافق»

ثبتٌ بعددٍ من مصادر المسلمين السُنّة لهذا الحديث النبويّ*

  • المرجع الديني السيّد شهاب الدين المرعشي قدّس سرّه

 

عن الصحابيّ الجليل أبي ذرّ الغفاريّ رضوان الله عليه، قال: «سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول لعليّ عليه السلام: إنّ اللهَ أخذَ ميثاقَ المؤمنِ على حبّك، وأخذَ ميثاقَ المنافقين على بُغضك، فلو ضربتَ خيشومَ المؤمنِ ما أبغضَكَ، ولو نثرتَ الدنانيرَ على المنافقِ ما أحبّكَ، لا يُحبّك إلّا مؤمنٌ، ولا يُبغِضُكَ إلّا منافقٌ».

 

حديثُ أبي ذرّ رواه جماعة من أعلام القوم في كُتبهم؛ منهم:

العلّامة جمال الدين محمّد بن مكرم الأنصاريّ في (مختصر تاريخ دمشق:17/147، والنسخة مصورة من مكتبة إسلامبول)، قال: «ورُوي عن أبي ذرّ، قال: سمعتُ رسول الله...»، إلى آخر الحديث المتقدّم بلفظه.

منهم: العلّامة يحيى بن الحسن في (الطبقات والزهر في أعيان مصر، والنسخة مصورة من مخطوطة دار الكتب المصرية)، قال: «وأخرج مسلم في صحيحه عنه صلّى الله عليه [وآله] وسلّم أنه قال: يا عليّ، لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق».

ومنهم: العلامة محمّد بن يحيى بهران اليماني الزيدي في (ابتسام البرق في شرح منظومة القصص الحقّ: ص 283، ط بيروت)، قال: «وذكر الكفار والمنافقين في هذه الأحاديث وغيرها تدلّ على أن مبغضي عليّ عليه السلام، وأهل بيته من الكفّار والمنافقين، وهو مقتضى الحديث الصحيح: لا يحبّك إلّا مؤمنٌ، ولا يُبغضك إلا منافقٌ».

ومنهم: العلّامة شهاب الدين أحمد بن محمّد الحنفي المصري في (تفسير آية المودة: ص 73، والنسخة مصورة من إحدى مكتبات قمّ الشخصية)، قال: «قال له النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم: لا يحبُّك إلا مؤمنٌ، ولا يبغضُكَ إلّا منافق. فقال عليّ: واللهِ إنّه لَعَهدُ النبيّ الأميّ إليَّ؛ ألَا يحبّني إلّا مؤمنٌ، ولا يبغضني إلّا منافقٌ».

ومنهم: العلّامة المؤرّخ المحدّث الشيخ أبو القاسم عليّ بن هبة الله الشافعي الدمشقي الشهير بابن عساكر في (الأشراف على معرفة الأطراف: 4/198، والنسخة مصورة من مخطوطة مكتبة جستربيتي)، قال: «كان النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم يقول: لا يحبّ عليّاً منافقٌ، ولا يُبغضه مؤمنٌ».

ومنهم: العلّامة محمّد بن موسى الخوارزمي الحنفي في (الرسالة: ص 12)، قال: «وقال النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم لعليّ: لا يحبُّكَ إلّا مؤمنٌ، ولا يبغضُك إلّا منافقٌ».

ومنهم: العلامة السيد أحمد بن محمّد بن أحمد الحسيني الخافي في (التبر المذاب:  ص 36، نسخة مكتبتنا العامة بقم)، قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم: أيُّها الناس أُوصيكُم بِحبِّ ذي القُربى؛ أخي وابن عمي عليّ بن أبي طالب، لا يحبّه إلّا مؤمنٌ ولا يُبغضه إلّا منافقٌ، مَن أحبّه فقد أحبّني، ومَن أبغضَه فقد أبغضَني، ومَن أبغضَني عذّبه اللهُ بالنار».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(انظر: شرح إحقاق الحقّ: 21/356 فما بعد)

 

أوانُ ظهور النبوّة

الكعبة المشرّفة بمولد قبلة المتّقين

  • الشيخ أحمد صمادي*

بعد ثلاثين سنة من عام الفيل، وقبل عشر سنوات من بعثة الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله، وبالتحديد في يوم الجمعة، الثالث عشر من شهر رجب الأصب، كانت الكعبة على موعد مع ولادة أمير المؤمنين عليه السلام، فقد التجأت إليها فاطمة بنت أسد عليها السلام، وبإلهامٍ ربّاني، بعد أن أتمّت شهرها التاسع وأحسّت بألم المخاض، فتعلّقت بأستار الكعبة، وألصقت نفسها بجدارها من الجانب الغربي عند الركن اليماني من جهة المُستجار، ودعت ربَّها: «...فبحقّ الذي بنى هذا البيت، وبحقِّ المولود الذي في بطني، لمّا يسّرت عَلَيَّ وِلادتي».

ما أن أنهت السيدة فاطمة بنت أسد كلامها حتى انشقّ لها جدارُ الكعبة، ونوديت نداءً خفيّاً، أن يا فاطمة ادخلي بيت ربِّك، فدخلت ثمّ ارتأب الصَّدع، والناس يعاينون ما يحدث بذهولٍ واستغراب، وكان من بين الحاضرين العباس بن عبد المطلب، ويزيد بن قعنب، وفريق من بني هاشم، وجماعة من بني عبد العزّى.

قالوا: فحاولنا أن نفتح باب الكعبة ليدخل بعض النساء لمساعدتها في أمر الولادة، فلم ينفتح الباب، فعلمنا أنّ ذلك من أمر الله تعالى.

وفي اليوم الثالث، خرجت فاطمة بنت أسد عليها السلام من الجهة التي دخلت منها، وهي تحمل وليَّ الله عليّ بن أبي طالب عليه السلام. فاستقبلها أبو طالب عليه السلام مهنّئاً لها، فناولته وليدَه الحبيب فضمّه إلى صدره، ثم أعطاه لمحمّدٍ صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقبّله وحمد الله على ظهوره، وحنّكه وأذّن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، ففتح عليه السلام عينيه وضحك في وجه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ثمّ نحر أبو طالب الأنعام وأقام وليمة على شرف الوليد المبارك.

وقد ولدته أمّه على الرخامة الحمراء الكائنة بين الاسطوانتين، بين الباب والركن اليماني. ولمّا وُلد عليه السلام، سجد معطيًا ظهره للأصنام المنصوبة فوق الكعبة، وهو يقول: «أشهدُ أنْ لا اله إلّا الله وحدَه لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنّ محمّدًا رسولُ الله، تُختم به النبوّة وتُختم بي الوصيّة..».

وقد حدّثت فاطمة بنت أسد عليها السلام عمّا جرى معها، قالت: «إنّي دخلت بيت الله الحرام، فأكلتُ من ثمار الجنة وأرزاقها، فلمّا أردتُ أن أخرج هتف بي هاتف: يا فاطمة، سمّيه عليّاً، فهو عليّ، والله العليّ الأعلى يقول: (إنّي شققُت اسمَه مِن اسمي وأدّبتُه بِأدبي، وأوقفتُه على غامضِ علمي، وهو الذي يكسر الأصنام في بيتي، وهو الذي يؤذِّنُ فوق ظهرِ بيتي ويقدّسُني ويمجّدُني، فطوبى لمَن أحبّه وأطاعَه، ووَيلٌ لمَن أبغضه وعصاه)».

ثمّ قالت عليها السلام: «فولدت عليّاً ولِرسولِ الله ثلاثون سنة، فأحبَّه رسولُ الله حبّاً شديداً، وقال: (اجعلي مهدَه بقربِ فراشي)، وكان يَلي أكثر تربيته...ويقول: هذا أخي، ووليّي... وخليفتي».

وقد هبط جبرئيل على النبيّ عند ولادة عليّ عليه السلام مهنئًا له، قال صلّى الله عليه وآله: «هبطَ حبيبي جبرئيل عليه السلام، في وقتِ ولادة عليٍّ عليه السلام، فقال: يا حبيبَ الله، اللهُ يُقرئك السلام ويهنِّئُك بولادة أخيكَ عليّ، ويقول: هذا أوان ظهور نبوّتك وإعلان وحيك، وكشفِ رسالتك، إذ أيّدتُك بأخيك ووزيرك وصنْوِك وخليفتك، ومَن شددتُ به أزرَك، وأعليتُ به ذكرَك».

أثر الشّقّ على جدار الكعبة

من المعلوم أنّ للكعبة بابًا يمكن الدخول منه، ولكن فاطمة بنت أسد عليها السلام، لم تدخل من الباب، بل انشقّ لها الجدار، ليكون أوضح وأدلّ على أنّ الولادة بأمرٍ ربّانيٍّ لا يستند إلى الصدفة والاتفاق، جعله الله تعالى ليطّلع عليه الناس حتى مستقبلاً، وليعرفوا أنّ عليّاً عليه السلام هو الذي اصطفاه اللهُ عزّ وجلّ بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله، وممّا يؤكد ذلك: أنّ أثَر الشقّ على الجدار ما يزال واضحاً وماثلاً للعيان حتى يومنا هذا، وسيبقى رغم تجديد بناء الكعبة أكثر من مرة. وقد جهد أعداء الله لإخفائه بشتى الوسائل فلم يُفلحوا، وكيف يقدرون على إخفاء ما يريد الحقّ تبارك وتعالى إظهاره؟!

بل إنّ لإدخال والدة أمير المؤمنين عليه السلام من عند المستجار من جانب الركن اليماني -حيث يستحبّ الالتصاق والتضرّع والدعاء، وطلب الحوائج- دلالات أخرى، تؤكد أن الله سبحانه وتعالى يريد حثّ المسلمين على الالتصاق بحائط الكعبة عند المستجار، لإعلامهم بذلك الحدث المبارك.

كما أنّ لولادته عليه السلام على الرخامة الحمراء بين الاسطوانتَين –وهي التي يُستحبّ الصلاة عليها والدعاء بالمأثور لمَن دخل الكعبة بعد الاغتسال- سرّاً آخر، وقد عقد الحرّ العامليّ في (الوسائل) باباً لذلك.

الحكمة من ولادة أمير المؤمنين عليه السلام في جوف الكعبة

لو نظرنا إلى أصغر أمر يصدر عن الله سبحانه، لوجدنا حكمة ربانية كامنة فيه، فلا بدّ أن هناك حكمة وسرّاً وراء تلك الولادة المباركة والميمونة. فما هو هذا السرّ؟

يقول الأديب المصري عبد الفتاح عبد المقصود في إحدى محاضراته: «إنّ الله تعالى جعل ولادة عليّ عليه السلام في الكعبة، التي يتّجه إليها المسلمون خمس مرات على الأقل في اليوم، غير الاتجاه إليها عند الذبح، والصلاة على الأموات، ودفن الموتى وغيرها، حتى يلتفت المسلم إلى حقيقة عليّ عليه السلام كلّما اتّجه إلى الكعبة في صلاته..».

أما العلامة الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء، فقد طرح  البحث والسؤال بطريقة أخرى. يقول في (جنة المأوى): «لا ينبغي أن يقال: ما سرّ تولّد أمير المؤمنين عليه السلام في الكعبة، بل اللازم أن نقول: ما سرّ شرف الكعبة، وهو تولّده فيها؟».

وقال في مقام الجواب: «لعلّ سرّ هذا الرمز الإلهيّ والإيماء الربوبيّ، إشارة إلى ما بين أمير المؤمنين عليه السلام، وبين الكعبة أعزّها الله تعالى، من المناسبة، فكما أنّ الصلاة لا تُقبل ولا تَصحّ إلا بالتوجّه إليها، فكذلك الأعمال لا تُقبل إلّا بالتوجّه إليه، والاعتماد على الأخذ منه ومن ذرّيته، والتقرّب إلى الله بولايتهم وولايته، فهم كعبة الأرواح وهي كعبة الأشباح، وهم كعبة الأسرار والمعاني، وهي كعبة الظواهر والمباني..».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* مدرّس في الحوزة العلمية – جبل عامل

 

 

أفضل الفقه الورعُ في دين الله

وصية أمير المؤمنين لمحمّد بن أبي بكر

  • رواية الثّقفي الكوفي

بعث محمّد بن أبي بكر، أيام ولايته على مصر من قِبل أمير المؤمنين، كتاباً إليه عليه السلام، يسأله جوامع من الحرام والحلال والسُّنن والمواعظ.

فأجابه أمير المؤمنين، وكتب إليه عمّا سأله من القضاء، وذِكر الموت والحساب، وكتب في الوضوء ومواقيت الصلاة، والأدب، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومسائل أخَر متفرّقة.

يتضمّن النصّ التالي، مختارات من أجوبته صلوات الله عليه، في باب الموعظة، دون ما يتصل بالقضاء وشؤون الولاية والإدارة، نوردها نقلاً عن الجزء الأول من كتاب (الغارات)، لأبي إسحاق، إبراهيم بن محمّد الثقفي الكوفي، المتوفّى سنة 283 هجرية.

«شعائر»

 

«بسم الله الرّحمن الرّحيم، مِن عبد الله أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، إلى محمّد بن أبي بكر وأهل مصر، سلامٌ عليكم.

فإنّي أحمدُ إليكم اللهَ الذي لا إله إلّا هو.

أمّا بعد، فقد وصل إليّ كتابُك فقرأتُه، وفهمت ما سألتَني عنه، وأعجبني اهتمامُك بما لا بدّ لكَ منه، وما لا يُصلِح المسلمين غيرُه، وظننتُ أنّ الذي دلّك عليه نيّةٌ صالحة، ورأيٌ غير مدخولٍ ولا خسيس، وقد بعثتُ إليك أبواب الأقضية، جامعاً لك فيها، ولا قوّةَ إلا بالله وحسبُنا اللهُ ونِعْمَ الوكيل».

إلى أن يقول صلوات الله عليه:

«...واعلَموا عبادَ الله أنّكم إنِ اتّقيتُم ربَّكم وحفِظتُم نبيَّكم في أهلِ بيته، فقد عبدتُموه بأفضل ما عُبِد... وإنْ كان غيرُكم أطولَ صلاةً منكم وأكثرَ صياماً، إذ كنتُم أتقى لله وأنصحَ لِأولياءِ الأمرِ، من آلِ محمّدٍ، وأخشع.

في الاستعداد للموت وما بعده

واحذروا عبادَ الله الموتَ ونزولَه... فإنّه يدخل بأمرٍ عظيم...

واعلموا عبادَ الله أنّ الموتَ ليس منه فوتٌ... فإنّكم طرداءُ الموتِ... فهو ألزمُ لكم مِن ظِلِّكم، معقودٌ بِنواصيكم، والدّنيا تُطوى من خلفِكم، فأكثِروا ذكرَ الموتِ عند ما تُنازِعُكم إليه أنفسُكم من الشّهوات، فإنّه كفى بالموت واعظاً، وكان رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، كثيراً ما يوصي أصحابَه بِذِكرِ الموت فيقول: (أكثِروا ذكرَ الموتِ، فإنّه هادمُ اللّذاتِ، حائلٌ بينكم وبين الشّهوات).

واحذروا القبرَ وضمّتَه وضِيقَه وظُلمتَه وغُربتَه... إنّ المسلمَ إذا دُفن قالت له الأرضُ: مرحباً وأهلاً قد كنتَ مِمّن أُحبُّ أنْ يمشيَ على ظهري، فإذا وُلّيتُكَ فستَعلمُ كيف صُنعي بك، فيتّسع له مدّ البَصر، وإذا دُفِن الكافر قالت له الأرضُ: لا مرحباً ولا أهلاً، قد كنتَ مِمّن أُبغضُ أن تمشي على ظهري، فإذا وُلّيتُك فستَعلم كيف صُنعي بك، فتَنضمّ عليه حتى تلتقي أضلاعُه.

واعلَموا أنّ المعيشةَ الضّنْكَ التي قال الله تعالى: ﴿..فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا..﴾ هي عذابُ القبر...  (طه:124)

واعلموا عبادَ الله أنّ ما بعدَ القبرِ أشدّ من القبر، يومٌ يشيبُ فيه الصغيرُ و يَسكرُ فيه الكبيرُ، ويسقطُ فيه الجنينُ، وتَذهلُ كلّ مرضعةٍ عمّا أرضعت...

واعلموا عبادَ الله أنّ ما بعد ذلك اليوم أشدّ وأدهى على مَن لم يَغفِر اللهُ له... فإنّه يصير إلى نارٍ قعرُها بعيدٌ وحَرُّها شديد ... فإنِ استطعتُم عبادَ الله أن يشتدَّ خوفُكم مِن ربِّكم ويَحسن بِه ظنُّكم فافعلوا، فإنَّ العبدَ إنّما تكون طاعتُه على قدرِ خوفِه...

في الصلاة والوضوء

اُنظُر، يا محمّد، صلاتَك كيف تُصلّيها، فإنّما أنتَ إمامٌ ينبغي لك أن تتمَّها... وأن تُصلّيها لوقتِها...

ثمّ الوضوء؛ فإنّه من تمامِ الصّلاة، اغسِلْ كفَّيك ثلاث مرات، وتَمَضْمَض ثلاث مرات، واستَنشِقْ ثلاث مرات... قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: (الوضوءُ نصفُ الإيمان).

اُنظر صلاةَ الظّهر فصلِّها لِوقتِها، ولا تعجلْ بها عن الوقتِ لِفراغ، ولا تؤخِّرها عن الوقت لِشغلٍ...

ثمّ انظُر ركوعَك وسجودَك، فإنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كان أتمَّ الناس صلاةً وأحفظَهُم لها...

اِعلم، يا محمّد، أنّ كلّ شيءٍ من عملِك يَتبعُ صلاتَك، واعلم أنّ مَن ضيَّع الصلاةَ فهو لغيرها أضيَع...

جوامع الإسلام

اعلم، يا محمّد، أنّ أفضلَ الفقه الورعُ في دِين الله... أوصيك بسبعٍ هنّ من جوامع الإسلام:

- تخشى الله عزّ وجلّ ولا تخشَ الناس في الله، وخيرُ القولِ ما صدّقه العملُ.

- ولا تقضِ في أمرٍ واحدٍ بقضاءَين مختلفَين؛ فيَختلف أمرُك وتزيغ عن الحقّ.

- وأحبَّ لعامّة رعيّتِك ما تحبُّ لنفسك وأهل بيتك، واكرَهْ لهم ما تكره لنفسِك وأهل بيتك، - فإنَّ ذلك أوجَبُ للحجّة وأصلحُ للرعية.

- وخُضِ الغَمَرات إلى الحقّ.

- ولا تخَفْ في الله لومةَ لائمٍ.

- وانصَحِ المرءَ إذا استشارك.

- واجعَلْ نفسَك أسوةً لِقريبِ المؤمنين وبعيدهم.

 

 

معاوية ينظر في كتاب أمير المؤمنين عليه السلام

قال الثّقَفيُّ في كتاب (الغارات):

«إنّ عليّاً عليه السلام لمّا أجاب محمّد بن أبي بكر بهذا الجواب –أي الجواب الذي ورد ذِكرُه في هذه المقالة- كان ينظر فيه ويتعلّمه ويقضي به، فلمّا ظُهر عليه وقُتل، أخذ عمرو بن العاص كُتبَه أجمع، فبعث بها إلى معاوية بن أبي سفيان.

وكان معاوية ينظر في هذا الكتاب ويُعجبه، فقال الوليد بن عقبة، وهو عند معاوية لمّا رأى إعجاب معاوية به: مُرْ بهذه الأحاديث أن تُحرَق.

فقال له معاوية: مَه يا ابنَ أبي معيط، إنّه لا رأيَ لك.

فقال له الوليد: إنّه لا رأيَ لك، أفمِن الرأيِ أنْ يعلمَ الناسُ أنّ أحاديث أبي ترابٍ عندك؟! تتعلّمُ منها وتقضي بقضاءه؟! فعلامَ تقاتله؟!

فقال معاوية: ويحَك، أتأمرُني أنْ أحرقَ عِلماً مثل هذا؟! واللهِ ما سمعتُ بعلمٍ أجمعَ منه ولا أحكمَ ولا أوضحَ.

فقال الوليد: إن كنتَ تعجبُ من علمه وقضائه، فعلامَ تُقاتله؟

فقال معاوية: لولا أنّ أبا ترابٍ قتلَ عثمان، ثمّ أفتانا لأخذنا عنه!

ثمّ سكت هنيئةً، ثم نظر إلى جلسائه، فقال: إنّا لا نقول إنّ هذه مِن كُتب عليّ بن أبي طالب، ولكنّا نقول: إنّ هذه من كُتب أبي بكر، كانت عند ابنه محمّد، فنحن نقضي بها ونُفتي!

(المصدر: 1/251)

 

ما أنا لكم بخازن...

قبسٌ من مناقب سيّد الأوصياء

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ إعداد: «شعائر» ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

على الرغم من التغييب الممنهج لفضائل أمير المؤمنين عليه السلام من قبل حكّام الجور، إلّا أنّ ما تسرّب منها يشي بمنهاج عدل ورحمة لا يقوم به إلّا ربيبُ الوحي، ومَن كان من خاتم النبيّين صلّى الله عليه وآله كـ«الصُّنو من الصّنو».

ما يلي، صوَر ناطقة من أحوال أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ودُرر من بيّناته اخترناها من مصادر عدّة، أبرزها (تاريخ ابن عساكر)، و(الغارات) للثقفي الكوفي، و(شرح نهج البلاغة) لابن أبي الحديد.

 

* ذُكر عند ابن عبّاس أميرُ المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فقال: «إنّكم تذكرون رجلاً كان يسمع وطْأ جبرئيل فوق بيته».

* يُروى أنّه عليه السلام لمّا كان يفرغ من الجهاد يتفرّغ لتعليم النّاس والقضاء بينهم، فإذا فرغ من ذلك اشتغل في حائط [بستان] له يعمل فيه بيده، وهو مع ذلك ذاكرٌ لله جلّ جلاله.

* وكان إذا صلّى الفجر لم يزل معقّباً إلى أن تطلع الشمس، فإذا طلعت اجتمع إليه الفقراء والمساكين وغيرهم من النّاس؛ فيعلّمهم الفقه والقرآن، وكان له وقت يقوم فيه من مجلسه ذلك.

* وسُئل الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام: لِمَ سمّي أميرُ المؤمنين، أميرَ المؤمنين؟

فقال: «لأنّ مِيرة المؤمنين منه، هو كان يَميرهم العلم». [الميرة: الطعام الذي يدّخره الانسان]

..وهذا اليقين

* عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «جلس أمير المؤمنين صلوات الله عليه إلى حائط مائل يقضي بين النّاس. فقال بعضهم: لا تقعدْ تحت هذا الحائط فإنّه مُعور [أي ذو شقّ وخلل يُخاف منه]. فقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: حرَس إمرءاً أجلُه.

فلمّا قام أمير المؤمنين سقط الحائط. قال [الصادق] عليه السلام: وكان أمير المؤمنين ممّا يفعل هذا وأشباهه، وهذا اليقين».

* أتى أعرابيّ أميرَ المؤمنين عليه السلام وهو في المسجد، فقال: مظلوم. قال: ادنُ منّي، فدنا، فقال: يا أمير المؤمنين مظلوم، قال: ادنُ. فدنا حتّى وضع يديه على ركبتيه. قال عليه السلام: ما ظُلامتك؟ فشكا ظلامته. فقال: يا أعرابيّ أنا أعظمُ ظُلامةً منك، ظلمني المَدَر والوبَر، ولم يبقَ بيت من العرب إلاّ وقد دخلَتْ مظلمتي عليهم، وما زلتُ مظلوماً حتّى قعدتُ مقعدي هذا، إنْ كان عقيل بن أبي طالب ليرمد، فما يدَعُهم يذرّونه حتّى يأتوني فأُذرّ، وما بعيني رمد. ثمّ كتب له بظلامته ورحل.

..ما مات أحدٌ منهم حتّى كان نبيَّ قومه

* سُئل الأصبغ بن نباتة، وكان من شرَطة الخميس -أي الجيش: ما كان منزلة أمير المؤمنين فيكم؟

فقال للسائل: ما أدري ما تقول، إلاّ أنّ سيوفنا كانت على عواتقنا، فمن أومى إليه ضربناه بها. وكان يقول لنا: «تشرّطوا، فواللهِ ما اشتراطُكم لذهبٍ ولا لفضّة، وما اشتراطكم إلاّ للموت، إنّ قوماً من قَبلكم من بني إسرائيل تشارطوا بينهم، فما مات أحدٌ منهم حتّى كان نبيَّ قومه، أو نبيَّ قريته، أو نبيَّ نفسه، وإنّكم لَبمنزلتهم، غير أنّكم لستم بأنبياء».

* وكان عليه السلام يقول: «إنّ أهل الجنّة ينظرون إلى منازل شيعتنا، كما ينظر الإنسان إلى الكواكب».

* وعنه عليه السلام: «إنّ البلاء أسرعُ إلى شيعتنا من السيل إلى قرار الوادي».

* أتت امرأتان عليّاً عليه السلام عند القِسمة؛ إحداهما من العرب والأُخرى من الموالي؛ فأعطى كلّ واحدة خمسة وعشرين درهماً وكُرّاً من الطعام، فقالت العربية: يا أمير المؤمنين، إنّي امرأة من العرب وهذه امرأة من العجم!

فقال عليه السلام : «إنّي لا أجد لبني إسماعيل في هذا الفيء فضلاً على بني إسحاق».

أفتروني مانعاً نفسي ومُعطيكم؟

* لمّا ولّي عليّ عليه السلام، صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: إنّي والله لا أرزؤكم من فيئكم درهماً ما قام لي عِذْقٌ بيثرب، فلتصدّقكم أنفسكم، أفتروني مانعاً نفسي ومُعطيكم؟  [العِذق: شجر النخيل]

فقام إليه عقيل أخوه، فقال: والله لتجعلني وأسودَ بالمدينة سواء!

فقال عليه السلام: اجلس، أما كان هَهنا أحد يتكلّم غيرك؟ وما فضلك عليه إلاّ بسابقةٍ، أو بتقوى.

* عن عبد الرّحمن البرجمي، عن جدّته قالت: كان عليّ عليه السلام يقسم فينا الأبزار، يصرّه صرراً، الحرف [حبّ كالخردل]، والكمّون، وكذا، وكذا.

* أعطى أمير المؤمنين عليّ عليه السلام النّاس في عام واحد ثلاثة أعطية، ثمّ قدِم عليه خراج أصفهان، فقال: أيّها النّاس اغدوا فخذوا، فوالله ما أنا لكم بخازن.

ثمّ أمر ببيت المال فكُنس ونُضح، فصلّى فيه ركعتين ثمّ قال: يا دنيا غرِّي غيري. ثمّ خرج فإذا هو بحبال على باب المسجد فقال: ما هذه الحبال؟ فقيل: جيء بها من أرض كسرى.

 فقال: اقسموها بين المسلمين، فكأنّهم ازدروها فنقضها بعضهم، فإذا هي كتّان يعمل فتأسّفوا فيها فبلغ الحبل من آخر النّهار دراهم.

* وأُتي إليه بأحمال فاكهة، فأمر ببيعها وأن يُطرح ثمنها في بيت المال.

إنّما أُمرنا أن نأخذ منهم العفو

* عن عبد الملك بن عمير، قال: حدّثني رجل من ثقيف، أنّ عليّاً استعمله على «عُكبرا» [بلدة على شاطئ دجلة]، ولم يكن السواد يسكنه المصلّون. فقال لي بين أيديهم: لَتستوفي خراجهم ولا يجدون فيك رُخصة، ولا يجدون فيك ضعفاً.

ثمّ قال لي: إذا كان عند الظهر فرُحْ إليَّ. فرحت إليه فلم أجد عليه حاجباً يحجبني دونه، (فقال لي): إنّي لم أستطع أن أقول لك إلاّ الذي قلتُ لك بين أيديهم، إنّهم قوم خُدَّعْ، ولكنّي آمرك الآن بما تأخذهم به، فإنْ أنت فعلتَ وإلاّ أخذك اللهُ به دوني! فإن يبلغني عنك خلاف ما أمرتك عزلتُك، فلا تبيعنّ لهم رزقاً يأكلونه، ولا كسوةَ شتاءٍ ولا صيف، ولا تضربنّ رجلاً منهم سوطاً في طلب درهم، ولا تُهيّجه في طلب درهم، فإنّا لم نؤمَر بذلك، ولا تبيعنّ لهم دابّة يعملون عليها، إنّما أُمرنا أن نأخذ منهم العفو.

قلت: إذاً أجيئك كما ذهبت. قال عليه السلام: وإن فعلتَ!

فذهبت فتتبّعت ما أمرني به فرجعتُ، واللهِ، ما بقيَ عليَّ درهمٌ واحد إلاّ وفيتُه.

* وروي أنّ عليّاً عليه السلام كان يكتب إلى أمراء الأجناد: «أُنشِدُكم اللهَ في فلاّحي الأرض أن يُظلموا قِبَلكم».

* وكان عليه السلام إذا بعث مصدّقه -أي جامع الصدقات- قال له: «إذا أتيتَ على ربّ المال فقلْ له: تصدّقْ، رحمَك الله، ممّا أعطاك الله، فإن ولّى عنك فلا تراجعه».

* ومتى بلغه عن أحد من ولاته جنايةً كتب إليه: «..إذا أتاك كتابي هذا فاحتفظْ بما في يديك من عملنا حتّى نبعثَ إليك مَن يتسلَّمه منك.

ثمّ يرفع طرْفَه إلى السماء فيقول: اللّهمّ إنّك تعلمُ إنّي لم آمُرهم بظلمِ خلقِك، ولا بتركِ حقّك».

أصنعُ كما صنع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم

* كان عليٌّ عليه السلام يعطي الناس من الجمعة إلى الجمعة.. ويقول: «كان خليلي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لا يحبس شيئاً لغد، وكان أبو بكر يفعل ذلك -أي يحبس- وقد رأى عمر بن الخطّاب في ذلك رأياً أنْ دوَّن الدواوين وأخّر المال من سنة إلى سنة، وأمّا أنا فأصنع كما صنع خليلي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم».

* وكان صلوات الله عليه يأخذ الجزية من كلّ صنع، من صاحب الإبرِ الإبرَ، ومن صاحب المسالّ المسالَّ، ومن صاحب الحبال حبالاً، ثمّ يدعو العرفاء فيُعطيهم الذهب والفضّة فيقتسمونه ثمّ يقول: خذوا هذا فاقتسموه، فيقولون: لا حاجة لنا فيه، فيقول: أخذتم خياره وتركتم عليَّ شراره، لتحملنّه.

* وروي أن أمير المؤمنين صلوات الله عليه، كان يعرض السجون في كلّ يوم جمعة، فمن كان عليه حدّ أقامه، ومن لم يكن عليه خلّى سبيله.

* وكان عليه السلام، يُخرج أهل السجون؛ من أُحبس في دَين أو تهمة إلى الجمعة [أي صلاة الجمعة] فيشهدونها، ويضمنّهم الأولياء حتّى يردّونهم. وكذا الفسّاق، يُخرجهم إلى الجمعة، ويأمر بالتضييق عليهم.

* وإذا أخذ شاهد زور؛ فإن كان غريباً بعث به إلى حيّه، وإنْ كان سوقياً بعث به إلى سوقه فطِيف به، ثمّ يحبسه أيّاماً ثمّ يُخلي سبيله.

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

15/03/2019

دوريات

  إصدارات عربية

إصدارات عربية

نفحات