بسملة

بسملة

07/04/2019

لماذا استبدل الاستعمار اسم الحجاز بـ«السعوديّة»


لماذا استبدل الاستعمار اسم الحجاز بـ«السعوديّة»
ولماذا حكَّم «آل سعود» في رقاب البلاد والأجيال؟
بقلم: الشيخ حسين كَوْراني


لعلاقة آل سعود ببريطانيا تاريخ طويل يرجع المعروف منه إلى ما قبل حوالي ثلاثة قرون إلا ربعاً، أقيمت في أواخرها الدولة السعوديّة الأولى والثانية، ثم زال حكم آل سعود وهرب عبد العزيز مع أبيه إلى الكويت ليحلّ الأب -ومعه ابنه عبد العزيز في حوالي الخامسة والعشرين من عمره- ضيفاً ثقيلاً على حاكمها الشيخ مبارك الصباح الذي كان يحظى بعناية خاصة من بريطانيا (العظمى) أيام لم يكن لعبد العزيز ذكرٌ ولا لأبيه حولٌ لتنفيذ مخطّطات بريطانيا في استكمال قضم الحجاز وسائر البلاد العربيّة، ولا ينافي ذلك ما يرجّح من أن بريطانيا اغتالت «الشيخ مبارك» بالسّم لما سيتّضح من أن التأييد البريطانيّ له ولغيره -حتّى للشريف حسين- كان مرحليّاً لأنّ العمود الفقريّ في مخطّطات بريطانيا وحلفائها كان تمليك البلاد والعباد لآل سعود لأنّهم يهود.


***


موضوع الحديث هنا -وفي الحلقات القادمة- عن أبرز مخطّطات الاستعمار في القرن الأخير من حوالي القرون الثلاثة هذه، وبالتّحديد يوم قررت بريطانيا ما يلي:
أولاً: أنّ الإستراتيجيّة الحصريّة لمنع مخاطر «الإحياء الإسلاميّ» (الذي تقدم الحديث عنه من خلال مذكرة الكابتن براي المبسوطة والتي كتبها عام 1917م)، هي فصل المسلمين عن تاريخهم ونبيّهم ليتحقّق «القضاء على الإسلام» فلا تبقى في الأمّة روحٌ إسلاميّة أصيلة تهدّد المستعمر بالعودة إلى الإسلام «الإحياء الإسلاميّ».
ثانياً: أنّ سرَّ نجاح هذه الإستراتيجيّة، والعمود الفقريّ الضامن لاستمرار السياسات المبنيّة عليها هو عدم تنبُّه المسلمين إلى هذا الفصل، لتبقى -بحسب الظاهر- المشاعر الملتهبة في العالم الإسلاميّ بحبّ النبيّ صلّى الله عليه وآله، وحبّ الإسلام، والتلهّف للعيش في ظلاله، والتزام مفاهيمه وتطبيق أحكامه بنفس الزّخم الذي عانت بريطانيا من ويلاته في الهند وأفغانستان بشكل خاصّ، قبل أن تُحكم قبضتها على البلاد العربيّة، وتستكمل إسقاط «الدولة العثمانيّة»، ولذلك بدأت تخطّط -مذ ذاك- لمنع الإحياء الإسلاميّ.
إنّ استبدال مشاعر المسلمين الحقيقيّة تجاه النبيّ الأعظم والإسلام، بمشاعر ظاهرها الإسلام وباطنها الانحراف عن صراطه المستقيم، يحقّق هدفين:
1- عدم تنبّه المسلمين لفصلهم عن دينهم.
2- عُقم هذه المشاعر، واستحالة أن تلد انبعاثاً في الأمة يهدّد المستعمر أو يُلحق الضرر باستراتيجيّته.
ثالثاً: ولم تطل رحلة بريطانيا في البحث عن صيغة إسلام منزوع الفتيل، يلهب مشاعر معتنقيه في الظاهر، ويقودهم في الواقع إلى أودية البعد عن الإسلام، فقد وجدت بريطانيا في «المُلك العَضوض» الذي أجمع المسلمون على أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله، قد حذّر منه، وهو «الإسلام الأمويّ» النموذج المثاليّ الذي يجب أن يُحاكى ويبنى على أُسسه، ولكن مع تغييراتٍ بريطانيّة جذريّة وشديدة الخصوصيّة والتّعمية، لتقدّم لأمّتنا «الإسلام البريطانيّ» المُمَوَّه بـ«الإسلام الأمويّ»!
***
كيف خطّطت بريطانيا لاستبدال الإسلام المحمّديّ بـ«الإسلام البريطانيّ» المُمَوَّه بـ«الإسلام الأمويّ»؟
 قرّرت بريطانيا العمل ضمن الخطوط العامة التالية:
* الخط العام الأول: نقل الحاكميّة باسم الإسلام الى اليهود واختيار سلالة يهوديّة، بدلاً من اختيار شخص، وتسمية الحجاز باسم هذه السلالة: «المملكة العربيّة السعوديّة»، كمدخل مفصليّ لفصل المسلمين عن تاريخهم الذي هو تاريخ الحجاز، وتكتمل إقامة السدّ الدائم والأقوى في وجه «الإحياء الإسلاميّ».
 أملى على بريطانيا هذا التشدّد في الاحتراز أمران:
الأول: أن المُلك الأمويّ الذي انتهى -دون انتهاء مشروعه السياسيّ- عام 132 هجريّ، كان قد تعرّض لانتكاسة شديدة استمرّت حوالي ثمان سنوات هي مدّة حكم عبد الله بن الزبير، وفي أواخر حكمه يئس الأمويّون من استمرار مُلكهم، ولم يستمرّ إلا بأعجوبة، ففيما كان مروان بن الحكم -بحسب (الطبري: 4/418)- يستعدّ ليبايع عبدالله بن الزبير، وصل عبيدالله بن زياد فارّاً من البصرة، وحرّض مروان على مواصلة حمل الراية الأمويّة فاستجاب له وانتصر على ابن الزبير، واستمر الملك الأمويّ.
 الثاني: أن المشروع السياسيّ للمُلك الأمويّ قد تعرّض لخطر الإلغاء في عهد «المعتضد العباسيّ» عام 284 هجريّ، الذي بلغه أن العامّة تلهج بذكر معاوية، فأصدر كتاباً مطوّلاً أورده الطبريّ في (تاريخه: 8/132)، وأمر أن يُقرأ في بغداد بعد صلاة الجمعة فلم يُقرأ، وبالتالي لم يعمّم على الحواضر الإسلاميّة، والسبب هو خوف العباسيّين من تحوّل الخلافة إلى أهل البيت عليهم السلام، جرّاء ما يؤول إليه أمر هذا الكتاب من نسفٍ لأسس المشروع الأمويّ الذي اضطُرّ العباسيون لاعتماده بعد القضاء على المُلك الأمويّ.
لكي تضمن بريطانيا عدم تعرّض «الإسلام البريطانيّ المُمَوّه بالإسلام الأمويّ»، لِما تعرّض له «الإسلام الأمويّ» وجدت أنّ الخطّ الأحمر الذي لا يُمْكنها التساهل فيه، هو أن تنقل حاكميّة الإسلام والمُلك باسمه إلى يهوديٍّ تُسمّى الحجاز باسم سلالته التي تتوارث زعامة الحرمين والبلاد والعباد.
حدا بريطانيا على قرار نقل الحاكميّة النهائيّ هذا، معادلة أنّه إذا كان المُلك الأمويّ بتحالفه مع اليهود قد تمكّن من إرساء مشروعٍ سياسيّ فرض نفسه حتى على العباسيّين ومَن بعدهم -ولو بنسبٍ مختلفة- فإنّ المُلك اليهوديّ في واقعه، المتظاهر بالإسلام في الظاهر، أقدر على تحقيق الفصل بين المسلمين ونبيّهم وإسلامه.
* الخط العامّ الثاني لسياسات تنفيذ الإستراتيجيّة البريطانيّة: اختيار هذه السلالة على ثلاث قواعد:
الأولى: أن يكون الشخص الأوّل من هذه السلالة، والذي تتعامل معه بريطانيا مباشرةً وتوقّع معه معاهدة نقل حاكميَة البلاد والعباد إليه، مستعداً أتمّ الاستعداد للتنازل عن الأمّة ومقدّراتها، وبتعبير عبد العزيز نفسه «يضحك على الله!» ( أنظر: مذكّرات فيلبي، في حديثه مع عبد العزيز، عندما سلّمه رسالة «ابن عمّه» «بن غوريون»، وانظر الوثيقة الشهيرة بخطّ عبد العزيز في التنازل عن فلسطين).
الثانية: أن يكون هذا اليهوديُّ الأوّلُ من هذه السلالة قد «مَرَدَ على النفاق» فيتمكّن بمنتهى اليسر من تقمّص دور سلطان المسلمين، وخادم الحرمَين الشريفين، وحامل راية السلفيّة، والذّود عن حياض المسلمين، وهو في الوقت ذاته مولعٌ بالولوغ في دمائهم لاستئصالهم وإبادتهم، لا يستثني من ذلك إلا مَن بايعه ومحضه الولاء واستقام على ذلك.
الثالثة: أن تتولّى بريطانيا تغطيته الكاملة، فتسدّ كلّ الثغرات التي قد تكشف حقيقته، إنْ في النَّسب، أو المواقف السياسيّة التي تفرضها عليه بريطانيا، أو في فساد العقيدة، أو السلوك.
* الخط العامّ الثالث لسياسات تنفيذ الإستراتيجيّة البريطانيّة:
إظهار هذا اليهوديّ الذي تسلّمه رقابنا وبلادنا والمقدّرات في صورة نبيّ!.
يقول (فيلبي) في كتابه (مذكراتي مع الملك عبد العزيز: ص: 5-6، ط: الدار العربيّة للموسوعات - 2014م): «ومنذ عصر إبراهيم إلى حكم آل سعود ".." لم يجد العلماء في بلاد العرب منذ فترة طويلة إلا القليل الذي يبدو غريباً أو غير مألوف، أو الذي يُعتبر ثورة وتجديداً ".." ولكن الفترة الأخيرة التي حكم فيها الملك بن عبد العزيز آل سعود، قد شهدت توقُّفاً وانفصالاً عن الماضي كما كان في أصوله، مثلها مثل هذه الزلزلة الجيولوجيّة الكبيرة التي انحسرت عن خلْق وادي الرافدين والبحر الأحمر»، إلى أن يقول فيلبي: «وقد أصبح الوجَل والقلق يساوران المرء بالنسبة لمستقبل هذه الأعمال العظيمة والرسالة الضخمة التي سُجِّلت في الفترة السابقة، وفي ظل ملك عظيم ".." وعلى الأجيال المقبلة من العرب أن تبرهن على أهليتها واستحقاقها لمثل هذه الفرصة التي أتاحها لها ملك من أعظم الرجال في تاريخ بلادها الطويل».
* الخط العامّ الرابع لسياسات تنفيذ الإستراتيجيّة البريطانيّة:
اختراع الدين الوهّابيّ باسم «الوهّابيّة»
حين وجدت بريطانيا أن السبيل الوحيد لمنع الإحياء الإسلاميّ، أي للقضاء على الإسلام يتوقّف على فصل المسلمين عن نبيّهم وتاريخهم، ولا يتحقق ذلك بأفضل الصور لمصلحة المستعمِر إلا بنقل حاكميّة العالم الإسلاميّ -وبالخصوص الحرمين الشريفين- إلى سلالة يهوديّة تسمّي البلاد باسمها ليصبح أهل البلاد «سعوديّين»! بدل أن يكونوا -كما هم- حجازيّين، اتّخذت -بريطانيا- قرارين مركزيّين:
الأول: النفخ في «عبد العزيز آل سعود» وإظهاره في صورة نبيّ، كما تقدّم.
الثاني: وحيث إنه لا يمكن تحقيق زلزالٍ اجتماعيّ، بمستوى الزلزال الذي نتج عنه «خلق وادي الرافدين والبحر الأحمر» كما مرّ في كلام فيلبي، بدون أطروحة فكريّة، فلا نبيّ بلا دين، كان لا بدّ لبريطانيا من إتقان «اختراع الدين الوهّابيّ» باسم الوهّابيّة.
***
ولحسن حظِّ البحث العلميّ في هذا المجال أن «فيلبي» ألّف كتاباّ في الوهابيّة (382 صفحة) باسم: تاريخ نجد ودعوة محمد بن عبد الوهاب السلفيّة. تعريب: عمر الديسراوي. الطبعة الأولى 2009م. الناشر: مكتبة مدبولي - القاهرة.
وبما أنّ «فيلبي» أو «سنت جون فيلبي»، أو «هاري سنت جون بريدجر»، أو «الحاج عبدالله فيلبي»، ليس إلا ضابط اتصالات المخابرات البريطانيّة فإن كلّ ما كتبه -في مؤلّفاته الكثيرة، أو في رسائله الثمانية عشر إلى مسؤوله (السير كوكس)- يكشف خطط (بريطانيا العظمى) التي كانت لا تغيب عنها الشمس!
تستنتج من هذا الكتاب بوضوح أنّ المخابرات البريطانيّة لم تصنع الدين الوهّابيّ بمقاسات محمّد بن عبد الوهّاب بل بمقاسات ابن تيميّة، وتلمس كيف أن فيلبي -بما يمثّل- كان المرشد الروحيّ الملهِم لابن عبد الوهّاب، كما كان المرشد الروحيّ والأمنيّ والسياسيّ والقائد العسكريّ الميدانيّ الدائم في حروب عبد العزيز بن سعود.
***
يقوم الدين الوهّابيّ البريطانيّ الذي عرف باسم «الوهّابيّة» على الأسس التالية:
1- تكفير كلّ الذين يعبدون غير الله.
2- وجوب «الجهاد»، و«الغزو» لمحاربتهم لإدخالهم في الإسلام، وردْعهم عن الشرك.
3- وجوب إقامة «الحدود، والتعزيرات»، واعتبار أدنى تساهل في ذلك من «الكبائر».
4- دوام وجوب «الأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر»، والتشدّد فيهما لحفظ «حدود الله».
***
لا شكّ في أنّ هذه «الأسس»، هي من حيث الأصل سليمة، إلا أن المفاهيم شيء، والمصاديق شيء آخر، ولقد ادّعى الأمويّون تطبيق أسس الإسلام وأحكامَه، فكان من النتائج أن صارت طاعة الله تعني طاعة الحاكم وإنْ كان جائراً، وصار وجوب الجهاد يعني أن يحارب معاوية الإمام عليّاً عليه السلام، ويغتالَ الإمامَ الحسن عليه السلام، ويوصي ابنه يزيد، بقتل الإمام الحسين عليه السلام، وصارت إقامة الحدود تعني تبرئة مثل «الوليد بن عُقبة» و«المغيرة بن شعبة»، وصار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعني أن يقول «عبيدالله بن زياد» للشهيد العظيم «مسلم بن عقيل» -قُبَيْل شهادته: «أنت بالمدينة تشرب الخمر»!
ولئن كان الأمويّون قد أمعنوا في تحريف الكَلِم عن مَواضِعِه إلى هذا الحدّ، فإنّ المخطّطين الإستراتيجيّين البريطانيّين ذهبوا إلى أبعد من ذلك بكثير.
كان هدف الأمويّين حُكم المسلمين باسم الإسلام. قال معاوية: «إني واللهِ ما قاتلتُكم لتصلّوا ولا لتصوموا، ولا لتحجّوا ولا لتزكُّوا، إنّكم لتفعلون ذلك، ولكنّي قاتلتكم لأتأمّر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون..».
أما بريطانيا فقد كان هدفها القضاء على الإسلام والمسلمين باسم الإسلام، ليحكم بلاد المسلمين اليهود من آل سعود وغيرهم.
ويثبت البحث المتأنّي في «الوثائق البريطانيّة» وغيرها ممّا أرّخ لمرحلة قضم «الحلفاء» لبلادنا، أنّ بريطانيا وجدت أنّ أفضل السُّبل لتحقيق هذا الهدف الاستعماريّ، هو المبادئ التي أقامت عليها المخابرات البريطانيّة «الدين البريطانيّ الوهّابيّ»، والأسس المتقدِّمة تلخيصٌ لهذه المبادئ.
***
تمسّ الحاجة إلى دراسة المرامي الحقيقيّة لبريطانيا من اعتماد هذه الأسس، وتكون الدراسة علميّة ومنهجيّة إذا اعتمدت تطبيقات «عبد العزيز آل سعود» لهذه الأسس، برعاية «جون فيلبي» و«مجلس الرّبع» أي القوم، الذي ترأسّه «فيلبي» وأشركت معه المخابرات البريطانيّة عدداً من كبار العملاء من عدّة دولٍ عربيّة، وكان هذا المجلس هو مركز القيادة الحقيقيّ الذي يلتزم «عبد العزيز» قراراته حرفيّاً.
***
للحديث في هذا المجال آفاقه الرحبة والخصبة، غير أني أقتصر هنا على هذه الخلاصة:
بما أنّ المسلمين شيعةً وسنّة مجمعون على جواز «التّوسُّل» وعدم منافاته للتوحيد الخالص، وبما أنّ الوهابيّة الأمويّة اعتبرت «التوسّل» شركاً، وبما أنّ بريطانيا تريد استئصال الإسلام، وهو يتحقّق بشكله الأوفى بالقضاء على المسلمين، فلم تجد بريطانيا لتحقيق هذا الهدف باسم الإسلام أفضل من اعتماد مبدأ «تكفير كلّ الذين يعبدون غير الله»!
يمكّنها هذا المبدأ من مواصلة الحروب ضد كلّ مَن يعتقد بجواز «التوسّل» أي ضدّ الشيعة والسنّة، وتبرير كلّ أنواع البطش والتمثيل والإحراق الجماعيّ -كما تكرّر حصوله في معارك بريطانيا باسم عبد العزيز آل سعود- وسائر أنواع الإبادة، كما يمكّنها وجوب إقامة الحدود، ووجوب الأمر بالمعروف من تحقيق هدفين:
الأول: إسكات الصوت المعارض، والإمعان في إبادة المسلمين، استكمالاً لمخطّط القضاء على الإسلام بالقضاء على المسلمين لأن بقاءهم على قيد الحياة يُنذر بمخاطر «الإحياء الإسلاميّ».
الثاني: تنفير المسلمين -وغيرهم- من الإسلام، استكمالاً -أيضاً- لمخطّط القضاء على الإسلام.
وفي تاريخ «الدّين البريطانيّ الوهّابيّ» الأدلة القطعيّة على هذه الحقائق، وهي تفوق حدّ الحصر، وأذكر لإثبات ذلك بعض المصادر -الوهّابيّة- الحافلة بالأمثلة والشواهد التي تؤكّد هذه الأدلّة.
من المصادر:
1- الجزء الثاني من «تاريخ ابن غنّام» المخصّص لغزوات محمّد بن عبد الوهّاب، وقد رتّبه المؤلّف على غرار كُتب الحَوليّات كتاريخ الطبريّ وغيره، وتعمّد نفس لغة الحديث عن غزوات النبيّ صلّى الله عليه وآله، ومنها: وقُتل من المسلمين كذا ومن المشركين كذا!
2- «جزيرة العرب في القرن 20» لحافظ وهبة وهو مصريٌّ كان مستشار عبد العزيز آل سعود، وأحد أركان «مجلس الرَّبع» الذي كان -كما مرّت الإشارة- مجلس القيادة البريطانيّ في الحجاز، برئاسة جون فيلبي.
3- «50 عاماً في جزيرة العرب» لحافظ وهبة أيضاً.
4- «صقر الجزيرة» لأحمد عبد الغفور عطّار، وهو -بعد كتاب تاريخ آل سعود الآتي ذكره- من أبرز مصادر مرحلة تثبيت بريطانيا تمليك الحجاز والبلاد العربيّة لآل سعود. عن هذا الكتاب، قال «ناصر السعيد»: «أخذ عبد العزيز آل سعود يُمليه عليه طيلة سنة يقعد "العطّار" تحت قدمَي الملك ليدوّن ما يقوله»، فكتاب «صقر الجزيرة» إملاء عبد العزيز آل سعود، وهو حافلٌ بما يفضحه، خصوصاً حول فظائع مجزرة «الطائف».
5- «تاريخ آل سعود» لناصر السعيد الذي اختطفته مسلحون في بيروت عام 1979م، واختفى أثره بعد ذلك. قيل إنه سُلِّم لآل سعود، فألقوه في «الربع الخالي».
ترجع فرادة هذا الكتاب المجهول قدره لأسباب عديدة جداً، منها:
أ- أنّ المؤلف «ناصر السعيد» هو المعارض الأول والأبرز لآل سعود وكان شاهد عيان على شطرٍ هامٍّ من الوقائع التي أوردها في كتابه.
ب- أنه من مدينة «حائل»، ومن قبيلة «شُمَّر» التي كانت العقبة الأصعب في طريق الاحتلال البريطانيّ وزحْف جيشه بقيادة «فيلبي» باسم «عبد العزيز آل سعود»، وقد طال حصار «حائل» العصيّة على الغزاة، ويئس «فيلبي» واستعدّ للانسحاب، فأنقذه مسربٌ فتحه له بعض العملاء.
يتحدّث «ناصر السعيد» عن «حصار حائل» مستنداً إلى من كانوا في قلب المواجهة، فيذكر التفاصيل الموثّقة والأسماء، ومنها أسماء هؤلاء العملاء، ويتحدّث عن زيارة «عبد العزيز آل سعود» لمدينة «حائل» بعد مدّة من احتلالها، وكيف أنّ جدّته رفضت استلام «هديّة» عبد العزيز التي وزّعها على أهل المدينة، فاقتادها الجلاوزة إلى السجن وكان حفيدها الصغير «ناصر السعيد» معها في السجن.
ت- أن المؤلّف حجازيٌّ أمضى عمره ناشطاً في معارضة آل سعود، من داخل الحجاز وخارجه، خصوصاً في مصر أيام «عبد الناصر» وكان له برنامجٌ خاصٌّ في إذاعة «صوت العرب» ضدّ النظام السعوديّ إلى جانب أنشطة إعلاميّة هامّة ومختلفة، وكان على تواصلٍ دائمٍ ومنظّم مع المعارضين الذين كانت الحجاز تزخرُ بهم، وبينهم عددٌ كبيرٌ ممّن خاضوا المعارك ضد المحتلّ البريطانيّ وأداته عبد العزيز، ولذلك فقد تمكّن من توثيق الوقائع العسكريّة أو الأمنيّة التي تحدّث عنها توثيقاً دقيقاً.
ث- أن المؤلّف يُورد قوائم طويلة -لا توجد في مصدر آخر- بأسماء ضحايا المجازر السعوديّة بالإحراق الجماعيّ وغيره، وأسماء العلماء «السنّة» الذين قتلهم آل سعود، والعلماء الذين سُجنوا وماتوا جميعاً في السجن، وأسماء ضحايا «آل فهد»، وأسماء الحجازيّين الذين تطوّعوا للجهاد في فلسطين قبل النكبة، وغير ذلك من القوائم والوثائق النادرة.
تمسّ الحاجة جداً وبأولويّةٍ بالغة إلى تحويل هذا الكتاب الفريد في بابه إلى موسوعة ناصر السعيد في تاريخ آل سعود، تتضمّن خرائط المدن والأماكن التي وقعت فيها معارك عبد العزيز آل سعود بقيادة «شكسبير» أو «فيلبي» وغيرهما من الضبّاط الإنجليز، كما تتضمّن هذه الموسوعة تراجم العلماء وما أمكن من القتلى والشهداء، وتراجم القادة الميدانيّين الذين واجهوا مشروع بريطانيا في تمليك عبد العزيز وأسرته رقاب البلاد والعباد.
***
من أوجب الواجبات الجسام في هذا العصر، ونحن في قلب المنازلة الفاصلة بين الأمّة بقيادة إيران الإسلام، وبين الاستعمار الغربيّ ومرحلة سايكس - بيكو، بل ويلاتها والنكبات أن نتبصّر كيف كان التأسيس الاستعماريّ بريطانيًاً، شاركت فيه أميركا ثمّ تفرّدت بالتنفيذ، وكيف أنّ المحور في التخطيط والتنفيذ كان سلالة آل سعود من يهود من بني القينقاع.

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

09/04/2019

الموعود

  عربية

عربية

09/04/2019

عربية

نفحات