الملف

الملف

07/05/2019

مقامات أمير المؤمنين في خطاب الإمام الخميني

 

....مظهرٌ لاسم الجمع الإلهيّ

مقامات أمير المؤمنين في خطاب الإمام الخميني

  • إعداد: «شعائر»

* أبعاد متعدّدة لشخصية أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام، عرفها الإمام الخميني، وعاشها في وجدانه وسلوكه لعقود طويلة من عمره الشريف، وهذه المعرفة هي من أسرار سموّ شخصية الإمام الراحل، وعنصر حاسم من عناصر نجاحه في نهضته المباركة.

كلمات قالها الإمام الخمينيّ في غير مناسبة، وشهادات عن عشقه الكبير لإمامه عليه السلام، في هذه المقالة المستقاة من مصادر عدّة.

«شعائر»

 

 

الإمام الخميني عاشقُ أهل بيت العصمة والطهارة، شديدُ التعظيم لهم والتأثّر بهم، وقد تجلّى ذلك في جميع حركاته وسكناته. يذكر بعض المقرّبين منه صفة خروجه لزيارة المشاهد المشرّفة، لا سيّما العتبة العلوية المقدّسة، فيقول:

«كان الإمام عند زيارته للمشاهد المشرّفة، وأضرحة الأئمّة عليهم السلام، وكأنّه يرى الإمام المعصوم ناظراً إليه وحاضراً أمام عينيه... فإذا طرق سمعَه اسمُ أمير المؤمنين أخذته الهيبة... لم يتخلّف أيام إقامته في النجف الأشرف عن زيارة أمير المؤمنين عليه السلام، صيفاً وشتاءً... وبرنامجُه أن يغادر منزله، كلّ ليلة، بعد ثلاث ساعات من مغيب الشمس، قاصداً حرم أمير المؤمنين عليه السلام.

وفي اليوم الذي حصل فيه الانقلاب العسكريّ في العراق، وأُعلنت حالة الطوارئ وحظر التجوال عبر البلاد، افتقده أهل بيته، وفتشّوا عليه في حجرات المنزل، إلى أن صعدوا السطح فرأوه يقرأ الزيارة متّجهاً ناحية مقام أمير المؤمنين عليه السلام.

وكان الإمام الراحل قدّس سرّه، عندما يزور الضريح الشريف لأمير المؤمنين عليه السلام، يلتزم آداباً خاصة، فلا يدخل قبل الاستئذان، وإذا فرغ منه دخل الحرم المطهّر من الجهة الدّنيا للضريح المقدّس، متقيّداً بأن لا يمرّ من جانب الرأس الشريف لحضرة الأمير عليه السلام. وعندما يصل إلى مقابل الضريح يقرأ بكلّ إخلاص زيارة (أمين الله)، ويرجع مجدّداً من عند قدَمي حضرة الأمير عليه السلام، ويجلس في زاوية يقرأ زيارةً أو دعاء، ثمّ يصلّي ركعتَين، ومن ثمّ يغادر الحرم المطهّر، مراعياً الآداب الخاصّة بالخروج».

حكومة القانون

لقد أسكن الإمامُ الخمينيّ أميرَ المؤمنين عليه السلام فكرَه وروحه، فانطلق ليؤسّس الحكومة الإسلامية -حُلم الأنبياء والأولياء- مستلهماً من حكومة عليّ عليه السلام، وممهّداً لحكومة القانون والعدل المطلق؛ حكومةِ بقية الله الأعظم عجّل الله فرجه.

يقول الإمام قدّس سرّه: «حكومة الإسلام هي حكومة القانون، وفي هذا النمط من الحكومة تنحصر الحاكمية بالله تعالى، وبالقانون الذي هو أمرُ الله وحُكمه. فقانون الإسلام، أو أمرُ الله، له السلطان الكامل على جميع الأفراد؛ بدءاً من الرّسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأوصيائه، وصولاً إلى سائر الخلق، هم جميعاً تابعون -وإلى الأبد- للقانون النّازل من عند الله، والـمُبلَّغ بنصّ القرآن وبحديث النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم».

ويقول: «إذا كان رسول الله قد تولّى (القيادة)، فقد كان ذلك بأمرٍ من الله، إذ إنّ الله تعالى هو الذي جعله صلّى الله عليه وآله وسلّم، خليفته في أرضه، لا أنّه قام بتشكيل الحكومة من تلقاء نفسه وأراد أن (يتسيّد الناس).... وكذلك، قام الرّسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم، بحُكم القانون والتزاماً به، بتعيين أمير المؤمنين عليه السّلام للخلافة... لأنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم، كان مأموراً وتابعاً لحكم الله، ومُنفّذاً لأمره سبحانه، فالحكومة في الإسلام تعني اتّباع القانون، والقانونُ وحده هو الحاكم في المجتمع..».

ويؤكّد إمامنا الراحل أنّ حكومة أمير المؤمنين هي الحكومة الإلهية المطلقة والوحيدة التي أرستْ العدالة الاجتماعية بعد حكومة الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله:

«... (سببُ) التمسّك بولاية ذلك العظيم، (لأنّه) الذي يستطيع أن يُقيم العدالة الاجتماعية والعدالة الحقيقية، وهو الذي له القدرة على إجرائها. فلا نحن ولا كلّ البشر نستطيع أن نُجري هذه العدالة ونطبّقها، (ولم يوجَد) بين البشر -بعد رسول الله- مَن يستطيع إقامة العدالة بذلك النحو، فيأمرُ (الله تعالى) رسولَه حينئذٍ أن ينصّب (بعده) أمير المؤمنين المؤهّل لإجراء العدالة -بكلّ معنى الكلمة- في المجتمع، والمؤهّل لتشكيل حكومة إلهيّة».

عِرفان عليّ عليه السلام

مع تعدّد المدارس العرفانية واختلاف اتّجاهاتها، يرى الإمام الخمينيّ أنّ المدرسة العرفانية على هدْي تعاليم أمير المؤمنين هي أسلم المدارس وأقومها، حيث إنّ جميع المدارس الأخرى انحرفت عن الطريق المستقيم. ويخاطب الإمام الراحل المنحرفين عن النهج العرفانيّ، فيقول:

«يا أيّها (العرفاء)، ألستم تقولون إنّ سيّد هذه المدرسة وإمامها هو عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وتدّعون أنّكم تنتسبون إليه؟ دُلّوني، إذاً، على مغارة كان يلوذ‏ إليها لسنواتٍ طوال!

هل نصب عليّ بن أبي طالب عليه السلام خيمة في الصحراء واعتزل الناس؟

هل تخلّى عليه السلام عن أمور المسلمين وقضاياهم، وتفرّغ للعبادة (لا غير) كما تفعلون أنتم؟ ألم يكن يعيش هموم المسلمين ومشاكلهم؟

هذا هو إمام العارفين، وهذا هو إمام المتصوّفة. دلّوني هل يوجد أحد منكم مثل عليّ بن أبي طالب عليه السلام؟ فلو كان السير إلى الله أن يختبئ الإنسان في بيته، أو أن يقبعَ في زاوية من زوايا المسجد، لكان الأَولى بفعل ذلك رسولُ الله صلّى الله عليه وآله، والإمام عليّ عليه السلام، وأئمّة أهل البيت عليهم السلام».

الافتخار بأمير المؤمنين على أبواب الرحيل

«نحن نفخر بأنّنا أتباع مذهبٍ وَضع أُسُسه -بأمرٍ من الله ورسوله الأكرم صلّى الله عليه وآله- أميرُ المؤمنين عليّ بن أبي طالب، هذا العبد المحرّر من جميع الأغلال، المكلّف بتحرير البشرية من كافّة القيود والعبوديات.

نحن نفخر بأنّ من فيض إمامنا المعصوم كان (نهج البلاغة)، وهو -بعدَ القرآن الكريم- أعظمُ دستورٍ للحياة بشؤونها المادّية والمعنوية، وأسمى كتاب لتحرير الإنسان، وتعاليمُه في التربية المعنوية وإدارة أمور الحكم هي أنجح سبيل للخلاص».

بهذه الكلمات القصار أنهى إمامنا الخميني رضوان الله عليه حياته وهو يلهج بذكر عليّ عليه السلام، وقد قال الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله: «ذِكرُ عليٍّ عبادة».

يروي أحد المقرّبين مشاهداته في الساعات الأخيرة من حياة الإمام الخميني، فيقول : «كنتُ واقفاً عند رأس الإمام وهو راقد على سريره في المستشفى، قبل حوالي 48 ساعة من وفاته، شعرتُ بأنّه يذوب، وكان يقول: (الألم يؤذيني كثيراً)، ولكن ردّة فعله تجاه الآلام الشديدة كانت ذكرَ الله تبارك وتعالى، وذِكرَ مولاه عليّ عليه السلام».

المقام المعنوي لأمير المؤمنين عليه السلام

دأب الإمام الخميني قدّس سرّه على إبراز المقام السامي والعظيم لأمير المؤمنين عليه السلام، طوالَ حياته الشريفة؛ في مؤلّفاته، ودروسه الحوزوية، أو في البيانات والخطب إبّان الثورة وبعدها. ويكفي وصفه لأمير المؤمنين عليه السلام، قائلاً: «عليٌّ هو التجلّي العظيم لله تعالى».

ويتحدّث الإمام عن الأبعاد الوجودية لأمير المؤمنين عليه السلام، فيقول: «هذا العظيم يمتاز بشخصية ذات أبعاد كثيرة، ومظهرٌ لاسم الجمع الإلهيّ الذي يحوي جميع الأسماء والصفات، فجميعُ الأسماء والصفات الإلهية في ظهورها وبروزها في الدنيا وفي العالم ظهرتْ في هذه الشخصية بواسطة الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله، وإنّ أبعاده الخفيّة هي أكثر من تلك الأبعاد الظاهرة... لقد اجتمعتْ في رجلٍ واحد، في شخصية واحدة جهاتُ متناقضة ومتضادّة، (إنه) يمتلكُ جميع الأوصاف وجميع الكمالات».

ويقول في موضع آخر: «الملائكة تضعُ أجنحتها تحت قدم أمير المؤمنين عليه السلام... فقد انتشر الإسلام في الدنيا واشتُهر في العالم بواسطته. وفي ظلّ قيادته وُجد المجتمع المحترم والحرّ والممتلئ حيوية وفضيلة، فمن الطبيعيّ أن تخضع له الملائكة...».

 

دعاء اليوم السابع

«اللّهُمّ أعِنّي فيه على صياِمه وقيامه، واجنُبني فيه من هَفَواته وآثامِه، وارزُقني فيه ذِكرَك وشُكرَك بِدوامِه، بتوفيقِكَ يا وليَّ المؤمنين».

دوام الشكر لله تعالى من صفات الأنبياء، قال الله تعالى (الإسراء/3): ﴿ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا﴾.

وقد بلغ من شكر رسول الله صلّى الله عليه وآله أن بلالاً رآه يتضرّع إلى الله تعالى ويبكي، فقال له: يا رسول الله، أتبكي وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ فقال: «يا بلال، أفلا أكون عبداً شكوراً؟...».

وقد علّق المحقّق الأردبيلي على هذه الرواية بالقول: «وفي هذه دلالة على أن العبد الشَّكور هو الذي يبكي كثيراً». ومن مصاديق شكره سبحانه برّ الوالدين، لقوله تعالى (لقمان/14): ﴿...أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾.

وفي (مصباح) الكفعمي حول ثواب من دعا بهذا الدعاء في يومه: «..يُعطى في الجنّة ما يُعطى الشهداء والسعداء والأولياء».

 

اخبار مرتبطة

  إصدارات

إصدارات

07/05/2019

إصدارات

نفحات