الملف

الملف

07/05/2019

الشهادة الثالثة في الأذان بين الاستحباب والوجوب

 

«تركوا السُنّة بُغضاً لعليّ...»

الشهادة الثالثة في الأذان بين الاستحباب والوجوب

  • السيّد علي الحسيني الميلاني

* هذه المقالة مختصر بحث قيّم قدّمه العلامة السيد علي الحسيني الميلاني، في ندوة أقامها «مركز الأبحاث العقائدية» في مدينة قمّ، وطُبع سنة 1421 هجرية، تحت عنوان: (الشهادة بالولاية في الأذان).

ونظراً لمحدوديّة المساحة المتاحة، عمدنا إلى حذف المصادر التي أرجع إليها سماحته بالتفصيل، لتوفّر الكتاب بنسختيه الورقية والإلكترونية.

«شعائر»

 

تارة نبحث عن مسألة الشهادة بولاية أمير المؤمنين في الأذان، في ما بيننا نحن الشيعة الإماميّة الاثني عشريّة، وتارة نجيب عن سؤال يردُنا من غيرنا ومن خارج الطائفة، ويكون طرف البحث فيه من غير أصحابنا. فمنهج البحث حينئذٍ يختلف.

أمّا في أصحابنا، فلم أجد أحداً، لا من السابقين ولا من اللاحقين، من كبار فقهائنا ومراجع التقليد، يفتي بعدم جواز الشهادة بولاية أمير المؤمنين في الأذان، ومن يتّتبع ويستقصي أقوال العلماء منذ أكثر من ألف سنة وإلى يومنا هذا، ويراجع كتبهم ورسائلهم العمليّة، لا يجد فتوى بعدم جواز هذه الشهادة.

فلو ادّعى أحد أنّه من علماء هذه الطائفة، وتجرّأ على الفتوى بالحرمة، أو التزم بترك الشهادة هذه، فعليه إقامة الدليل العلمي القطعي الذي يتمكّن أن يستند إليه في فتواه أمام هذا القول، أي القول بالجواز، الذي نتمكّن من دعوى الإجماع عليه بين أصحابنا.

وكلامنا مع من هو لائق للإفتاء، وله الحق في التصدّي لهذا المنصب، أي منصب المرجعيّة في الطائفة، وأمّا لو لم يكن أهلاً لذلك، فلا كلام لنا معه أبداً.

أمّا أصحابنا بعد الاتّفاق على الجواز:

- منهم من يقول باستحباب هذه الشهادة في الأذان، ويجعل هذه الشهادة جزءاً مستحبّاً مندوباً من أجزاء الأذان، كما هو الحال في القنوت بالنسبة إلى الصلاة، وهؤلاء هم الأكثر الأغلب من أصحابنا.

- وهناك عدّة من فقهائنا يقولون بالجزئيّة الواجبة، بحيث لو تركت هذه الشهادة في الأذان عمداً، لم يُثب هذا المؤذّن على أذانه أصلاً، ولم يطع الأمر بالأذان.

- ومن الفقهاء من يقول بأنّ الشهادة الثالثة أصبحت منذ عهد بعيد من شعائر هذا المذهب، ومن هذا الحيث يجب إتيانها في الأذان.

معنى الأذان والشهادة وولاية عليّ عليه السلام

- «الأذان»: هو في اللغة العربية وفي القرآن والسنّة وفي الاستعمالات الفصيحة: الإعلان، أي الإعلام.

- «الشهادة»: هي القول عن علم حاصل عن طريق البصر أو البصيرة، ولذا يعتبر في الشهادة أن تكون عن علم، فالشهادة عن ظنّ وشكّ لا تعتبر.

- «ولاية أمير المؤمنين»: يعني القول بأولويّته عليه السلام، بالناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، بلا فصل.

لاحظوا، إذاً، أننا في الأذان، نعلن ونخبر الناس إخباراً عامّاً: بأنّنا نعتقد بأولويّة عليٍّ عليه السلام بالناس بعد رسول الله. هذا معنى «الشهادة بولاية عليّ» في الأذان. وهذا القول قول عام، نعلن عنه على المآذن وغير المآذن، ونُسمع جميع العالَمين بهذا الاعتقاد.

 وهذا الاعتقاد الذي نحن عليه لم يكن اعتقاداً جزافياً اعتباطياً، وإنّما هناك أدلة تعضد هذا الاعتقاد وتدعم هذا الاعتقاد، فنعلن عن هذا الاعتقاد للعالم، ونتّخذ الأذان وسيلة للإعلان عن هذا الاعتقاد.

الشهادة بالولاية لا بقصد الجزئية

إذا لم يكن إعلاننا عن ولايتنا لأمير المؤمنين في الأذان بقصد جزئية هذه الشهادة في الأذان، فأيّ مانع من ذلك؟

وإذا لم يكن من قصد هذا المؤذّن أن تكون هذه الشهادة جزءاً أصليّاً، وفصلاً من فصول الأذان، وإنّما يريد أنْ يعلن للعالم عن اعتقاده بأولوية الإمام عليّ بالناس بعد رسول الله، فما المانع منه؟ هل من مانعٍ كتاباً، أو سُنّةً، أو عقلاً؟ فعلى من يدّعي المنع إقامة الدليل.

ولذا، قرّر علماؤنا أنّ ذكر الله سبحانه بعد الشهادة الأولى بما هو أهله، وذِكر النبيّ بعد الشهادة الثانية بالصلاة والسلام عليه مثلاً، مستحبّ، وأنّ تكلّم المؤذّن بكلام عادي في أثناء الأذان جائز، ولا يضرّ بأذانه، فكيف إذا كان كلامه ومقصده الإعلان عن ولاية أمير المؤمنين، وهو يعتقد بأنّ الشهادة برسالة رسول الله إنْ لم تكن ملحَقةً ومكمّلة بالشهادة بولاية عليّ عليه السلام، فهي شهادة ناقصة؟

حتّى إذا لم يكن عندنا دليل على الجواز، فمجرّد أصالة عدم المنع، ومجرّد أصالة الإباحة تكفي، بما هي من الأصول العملية العقليّة والنقليّة على جواز هذا الإعلان في الأذان.

الشهادة بالولاية بقصد الجزئية المستحبة

في كتاب (الاحتجاج) للشيخ الطبرسي، من ضمن إحتجاجات أمير المؤمنين عليه السلام على المهاجرين والأنصار، هذه الرواية التي يستشهد بها علماؤنا، بل يستدلّون بها في كتبهم الفقهيّة:

«...القاسم بن معاوية، قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: هؤلاء -أي المخالفون- يروون حديثاً في أنّه لمّا أُسري برسول الله رأى على العرش مكتوباً: لا إله إلّا الله محمّد رسول الله [ فلان ] الصدّيق!

فقال عليه السلام: سبحان الله، غيّروا كلّ شيء حتّى هذا؟ -ثمّ أورد متن الحديث، وفي آخره قول الصادق عليه السلام: فإذا قال أحدكم: لا إله إلّا الله محمّد رسول الله، فليَقُل: عليٌّ أمير المؤمنين».

هذا الخبر ليس بنصّ، وإنّما يدلّ على استحباب ذكر أمير المؤمنين بعد رسول الله في الأذان، بعمومه وإطلاقه، لأنّ الإمام عليه السلام، قال: «فإذا قال أحدكم -في أيّ مكان، في أيّ مورد، على إطلاقه وعمومه- لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، فليقل: عليّ أمير المؤمنين»، والأذان أحد الموارد، فتكون الرواية هذه منطبقة على الأذان.

وفي رواية -وهذه الرواية عجيبة إنصافاً- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، بعد أنْ وُضعت السيدة فاطمة بنت أسد عليها السلام في القبر، لقّنها بنفسه، فكان ممّا لقّنها به ولايةُ عليّ بن أبي طالب، ولدها. هذا في (خصائص أمير المؤمنين) للشريف الرضي، وفي (الأمالي) للصدوق.

وأرى أنّ هذا الخبر هو قطعيّ، هذا باعتقادي، فحتّى السيدة فاطمة بنت أسد عليها السلام، يجب أن تكون معتقدة بولاية أمير المؤمنين، وتشهد بها، وسوف تُسأل عن شهادتها، سلام الله عليها.

فائدة صغيرة

جاء في (السيرة الحلبيّة) ما نصّه: «وعن أبي يوسف -وهو تلميذ أبي حنيفة إمام الحنفيّة: لا أرى بأساً أن يقول المؤذّن في أذانه: السلام عليك أيّها الأمير ورحمة الله وبركاته! حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح، الصلاة يرحمك الله»، يقصد خليفة الوقت، أيّاً كان ذلك الخليفة. ولذا كان مؤذّن عمر بن عبد العزيز يفعله.

فإذا لم يكن بأس في أنْ يخاطب المؤذّن خليفة الوقت وأمير مؤمنينهم في الأذان بهذا الخطاب، فالشهادة بولاية أمير المؤمنين، حقّاً، ليس فيها أيّ بأس، بل إنّها من أحبّ الأمور إلى الله سبحانه وتعالى، ولو تجرّأنا وأفتينا بالجزئيّة الواجبة فنحن حينئذٍ ربّما نكون في سعة، لكنّ هذا القول أعرض عنه المشهور، وكان ممّا لا يُعمَل به بين أصحابنا.

تصرفات المخالفين في الأذان

وأمّا أهل الخلاف، فعندهم تصرّفان في الأذان: حذف «حيّ على خير العمل»، وإضافة «الصلاة خير من النوم»، ولم يقم دليلٌ عليهما. هذا في شرح (التجريد) للقوشجي الأشعري...

ويدلّ على وجود «حيّ على خير العمل» في الأذان في زمن رسول الله وبعد زمنه: الحديث في (كنز العمّال): «كان بلال يؤذّن في الصبح فيقول: حيّ على خير العمل».

وكذا هو في (السيرة الحلبيّة)، وذكر أنّ عبدالله بن عمر، والإمام السجّاد عليه السلام، كانا يقولان في أذانهما: «حيّ على خير العمل»، وأمّا «الصلاة خير من النوم»، فعندهم روايات كثيرة على أنّها بدعة، فراجعوا.

الشهادة بالولاية شعار المذهب

بعد أن أثبتنا الجزئيّة الاستحبابيّة للشهادة الثالثة في الأذان، فلا يقولنّ أحدٌ إنّها مستحبّة، ولا مانع من ترك المستحب، فهذا التوهّم في غير محلّه. لأنّ هذا العمل الاستحبابي، أصبح شعاراً للشيعة، ومن هنا أفتى بعض كبار فقهائنا كالسيد الحكيم رحمة الله عليه، في كتاب (المستمسك) بوجوب الشهادة الثالثة في الأذان، بلحاظ أنّه شعارٌ للمذهب، وتركُه يضرّ به، بل يجب أن يحافظ عليه، لأنّه محافظة على المذهب، لا سيّما أن المخالفين حاربوا المذهب الحقّ وشعاراته بالقول والفعل.

فكثير من الأمور يعترفون بكونها من صلب الشريعة المقدّسة، إلاّ أنّهم يتركونها بذريعة أنها شعارٌ للشيعة، وسوف أشير إلى بعض هذه الموارد:

- في كتاب (الوجيز) للغزالي في الفقه، وفي غيره، ينصّون على أنّ تسطيح القبر أفضل من تسنيمه، إلاّ أنّ التسطيح لمّا أصبح شعاراً للشيعة فلا بدّ وأن يُترك هذا العمل.

- عن الزمخشري في (تفسيره)، بتفسير قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ..﴾، يقول: «إنّ مقتضى الآية جواز الصلاة على آحاد المسلمين، لكن لمّا اتّخذت الرافضة ذلك في أئمّتهم، منعناه». (الأحزاب:43)

- كذلك ينصّون على أنّ السنّة النبويّة التختّمُ باليمين، لكنّ الشيعة لمّا اتّخذت التختّم باليمين شعاراً لهم، أصبحوا يلتزمون بالتختّم باليسار. وأوّل مَن اتّخذ التختّم باليسار، خلاف السنّة، هو معاوية.

ثمّ إنّ الغرض من مخالفة السنّة النبويّة في جميع هذه المواضع هو بغض أمير المؤمنين عليه السلام، وقد جاء التصريح بهذا في بعض تلك المواضع، كقضيّة «ترك التلبية». فقد أخرج النسائي والبيهقي عن سعيد بن جبير قال: «كان ابن عبّاس بعرَفة، فقال: يا سعيد ما لي لا أسمع الناس يلبّون؟

فقلت: يخافون، فخرج ابن عباس من فسطاطه فقال: لبّيك اللّهُمّ لبّيك، وإنْ رغمَ أنفُ معاوية، اللّهُمّ العَنْهُم فقد تركوا السنّة من بُغض عليّ».

قال السندي في تعليق النسائي: «أي لأجل بغضه، أي وهو كان يتقيّد بالسنن، فهؤلاء تركوها بغضاً له».

وهكذا يكون إنكار الشهادة الثالثة محاربة للشيعة والتشيّع، لأنّ الشهادة الثالثة شعار التشيّع والشيعة، ويكون خدمة لغير الشيعة، ويكون متابعة لِما عليه غير الإماميّة في محاربتهم للشعائر.

 

دعاء اليوم الثامن

«اللّهُمّ ارزُقني فيه رحمةَ الأيتام، وإطعامَ الطعام، وإفشاءَ السلام، ومجانبةَ اللِّئامِ وصُحبةَ الكرام، بطَوْلِكَ يا ملجأَ الآملين».

* الطَّوْل: هو الفضل والإحسان بلا حدّ.

* مجانبة اللئام و مصاحبة الكرام: البخل يكون، في الأصل، في الماديات، أما اللّؤم ففي المعنويات.

* من هم الذين يجب اجتناب مصاحبتهم؟

عن أبي عبد الله الصادق، عن أبيه عليهما السلام، قال: «قال لي عليّ بن الحسين، صلوات الله عليهما: يا بنيّ، انظرْ خمسةً، فلا تُصاحِبْهم ولا تُحادِثْهم ولا تُرافِقْهُم في طريق.

فقلت: يا أبَه، مَن هم؟ قال:

إيّاكَ ومصاحبةَ الكذّاب، فإنّه بمنزلة السّراب يقرّبُ لك البعيدَ ويُباعِدُ لك القريب.

وإيّاكَ ومصاحبةَ الفاسق، فإنّه بائعُك بأكلةٍ أو أقلّ من ذلك.

وإيّاكَ ومصاحبةَ البخيل، فإنّه يَخذُلُكَ في مالِه أحوجَ ما تكونُ إليه.

وإيّاكَ ومصاحبةَ الأحمق، فإنّه يريدُ أن ينفعَك فيضرّك.

وإيّاكَ ومصاحبةَ القاطعِ لِرَحِمِه، فإنّي وجدتُه ملعوناً في كتاب الله عزّ وجلّ..».

 

دعاء اليوم التاسع

«اللّهُمّ اجعلْ لي فيه نصيباً من رحمتِكَ الواسعة، واهْدِني فيه لبراهينِكَ الساطعة، وخُذْ بناصيتي إلى مرضاتِكَ الجامعة، بمحبّتِكَ يا أملَ المشتاقين».

خصّ الله تعالى ذاته المقدّسة بالرحمة في القرآن الكريم، ومن ذلك قوله سبحانه في ثلاث مواضع من سورة (الأنعام/12/54/133): ﴿..كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ..﴾، ﴿..كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ..﴾، ﴿وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ..﴾.

وعن أمير المؤمنين عليه السلام: «الدعاء مفتاحُ الرحمة ومصباح الظُّلْمة».

ومن مظانّ الرحمة: المواسم العبادية، مثل شهر رجب، وشعبان، وشهر رمضان، وليلة القدر، وأيّام الحجّ، والأيام البِيض من كلّ شهر، وليلة الجمعة ويومها.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: «مَن وافقَ منكم يومَ الجمعةِ فلا يشتغلنّ بشيءٍ غير العبادة، فإنّ فيه يغفرُ اللهُ للعباد، ويُنزلُ عليهم الرحمة».

 

اخبار مرتبطة

  إصدارات

إصدارات

07/05/2019

إصدارات

نفحات