يزكيهم

يزكيهم

11/05/2020

الموت رحمة للنفوس المستبصرة

 

الفقيه السيد محمّد العيناثي العاملي

الموت رحمة للنفوس المستبصرة

 

كتاب (آداب النفس) للعارف الفقيه السيد محمّد العيناثي العاملي، المتوفّى بعد 1088 هجرية، ضمّنه مواعظ «تدعو إلى الرغبة في الدار الباقية والزهد في هذه الفانية»، ومنه هذا المختصر في الحثّ على الاستعداد للموت ولقاء الله تعالى.

 

 

* كان بعض السلف إذا رأى جنازة لا يحدّث نفسه بشيء سوى ما هو مفعول به وصائر إليه، ونحن لا ننظر الآن إلى جماعة يحضرون الجنائز إلّا وأكثرهم يضحكون ويلهون، ولا يتكلّمون إلّا في تراثه وما خلّفه لورثته، ولا يتفكّر واحد منهم –إلّا ما شاء عزّ وجلّ– في جنازة نفسه وفي حاله إذا حُمل عليها، ولا سبب لهذه العلّة إلّا قسوة القلب بكثرة المعاصي والذنوب، حتّى نسينا الله تعالى واليوم الآخر والأهوال التي بين أيدينا.

 

* مَثلُ النفس من الجسد كمثل الصبيّ في المكتب؛ إذا أحكمت ما يُراد منها -بكونها معه- فليس إلّا المفارقة، كما وأنّ الصبيّ إذا أحكم ما يُراد منه في المكتب استغنى عن حمل اللّوح والقلم...فهكذا حكم النفس مع الجسد إذا هي أحكمت أمر المحسوسات بطريق الحواسّ، وأمر المعقولات بطريق الفكر والرؤية، وعرفت أمور حقائق هذا العالم من الكون والفساد، وارتفعت بعد ذلك بطريق الرياضات التي هي البراهين إلى معرفة الأمور الفائتة عن الحواسّ وارتاضت فيها وعرفتها حقّ معرفتها، واستبان لها أمر عالمها ومبدئها ومعادها، وعاينت بعين البصيرة أحوال أبناء جنسها من السابقين الّذين مضوا على سُنن الهدى وارتقوا إلى السماء وفسحة الأفلاك وسعة السماوات، اشتاقت هي عند ذلك إلى الصعود واللحوق بأبناء جنسها، ولا يمكنها ذلك إلّا بمفارقتها هذا الجسد الثقيل؛ وهو بالموت.

ولو لم يكن الموت لكانت ممنوعةً عن الوصول إلى هناك. فإذاً، الموت حكمة ورحمة ونعمة من الله سبحانه للنفوس الخيّرة المستبصرة.

* اِعلم أن النفس ما دامت مع هذا الجسد إلى الوقت المعلوم، فإنها متعوبةٌ بكثرة غمومها لإصلاح أمر هذا الجسد، شقيّة بشدّة عنايتها في ما تتكلّف من الأعمال الشاقّة والصنائع المتعبة لاكتساب المال والمتاع والأثاث، وما يحتاج إليه الإنسان في طول حياته الدنيا. ثمّ اعلم أن النفس ما دامت مربوطةً بالجسد، فلا راحة لها دون مفارقته...

اخبار مرتبطة

نفحات