أعلام

أعلام

11/05/2020

أُسوةُ العِلم والعَمل

أُسوةُ العِلم والعَمل

الفقيه الكبير السيّد أبو الحسن الموسوي الأصفهاني

_____ إعداد: «شعائر» _____

  • هو العالِم الربّاني والفقيه الأصولي، السيّد أبو الحسن بن محمّد بن عبد الحميد الموسوي الأصفهاني النّجفي، أحد كبار فُقهاء الإماميّة ومراجع التقليد في القرن الرابع عشر الهجري.
  • وُلِدَ في إحدى قرى أصفهان سنة 1284 للهجرة، ونشأ بها، ثمّ انتقل إلى أصفهان ودرس فيها.
  • هاجر إلى النّجف الأشرف سنة 1308 للهجرة وأكمل دراسته، حتى بلغ درجة الاجتهاد ومقام المرجعيّة.
  • من أبرز أساتذته: الآخوند الشّيخ محمّد كاظم الخراساني، والشّيخ ميرزا حبيب الله الرشتي.
  • من أبرز تلامذته من مراجع التقليد: السيّد عبد الأعلى السبزواري، والشيخ محمّد تقي بهجت.
  • له دورٌ بارزٌ في مواجهة السياسة الماكرة للمحتلّين البريطانيّين، وعارض تدخلهم في شؤون العراق.
  • من مؤلّفاته القيّمة: (وسيلةُ النّجاة)، و(شرح كفاية الأصول).
  • قالَ عنهُ معاصرهُ وزميلهُ في الدرس السيّد محسن الأمين: «كان عالِماً من أعلام الدين، وإماماً من أعظم أئمة المسلمين».
  • تُوفّي في الكاظميّة ليلة الثلاثاء 9 ذو الحجّة سنة 1365 للهجرة، وشُيّع تشييعاً عظيماً لم يسبق له مثيل، ودُفِنَ في مقبرة أُستاذه الآخوند الخراساني، والواقعة في الحُجرة الأُولى عن يسار الداخل إلى الصحن الشريف لأمير المؤمنين عليه السّلام، من باب الإمام الرّضا عليه السّلام (باب الساعة).

 

المواقف السياسية

تزامن دخوله إلى حوزة النجف مع بدايات ثورة التنباك المشهورة بقيادة الميرزا الشيرازي الأول، فقد كانت عبارة عن أبرز مواجهة بين السلطة الحاكمة في إيران والمؤسسة الدينية، المتمثلة في المرجعية العليا إلى ذلك الحين.

تلك الظروف أتت كتجربة سياسية ملموسة للسيد أبو الحسن وهو ابن 25 سنة، وحامل درجة الاجتهاد العلمية، كما اختصّ باعتناء أستاذه الآخوند الخراساني من خلال الحضور المستمر للدروس وملازمته، فحذا حذوه في هذا الجانب. فعلى هذا الأساس دخل كأحد المؤهّلين ضمن قائمة الأسماء المشرفين على القوانين المشرّعة في المجلس التشريعي الإيراني بغية تطبيقها بالشريعة الإسلامية، لكنه فضّل مزاولة أعماله في النجف ولم يلبِّ الطلب.

وعندما شهد العراق منعطفاً آخر بعد أحداث ثورة العشرين، ورحيل قائدها الميرزا الشيرازي الثاني، عاد السيّد الأصفهاني إلى الساحة من جديد، ليقوم هو وبمعيّة بعض من الشخصيات الدينية الأخرى كالميرزا النائيني، والشيخ مهدي الخالصي، برفض احتلال العراق على يد البريطانيين وتواجدهم على أراضي المسلمين، فأفتى الشيخ الخالصي بتحريم العملية الانتخابية لتعيين أعضاء لجنة كتابة الدستور العراقي، وحظي ذلك بتأييد من الأصفهاني والنائيني، والذي أدّى إلى نفي الشيخ الخالصي أولاً إلى الحجاز، والأصفهاني والنائيني والسيّد علي الشهرستاني إلى إيران، بسبب شدة اعتراضهم على إبعاد الخالصي. (دائرة المعارف الإسلامية الكبرى: 212 - 213)

ومن مواقفه السياسية فتواه بحرمة محاربة الأتراك إذا هاجموا العراق في قضية النـزاع على مدينة الموصل، التي لـم تُحسم حتّى ذلك الوقت، بين العراق وتركيا، حيث كان الاستعمار البريطاني وراء تحريك المسألة سنة 1923م. (دورية الفقاهة، العدد 17)

أُمنيتان!

يُنقل عن السيّد الاصفهاني رضوان الله عليه قوله: «لديّ أُمنيتان عزيزتان، وعلى الدوام فكري مشغول بهماـ وأتمنى أن تتحقّقا.

 أوّلهما: شراء المساكن وقطع الأراضي المحيطة بحرم الإمامين عليّ الهادي والحسن العسكريّ عـليهما السلام في سامراء، وإسكان الشيعة فيها.

وثانيهما: أن أسمع ذكر الشهادة الثالثة في الأذان من منارة المسجد الحرام».

ووجّه له الملك ابن سعود دعوةً لزيارة مكّة المكرمة، فقبل دعوته بـشـرط أن يـقوم بتعمير وإعادة بناء قبور الأئمة عليهم السلام، في البقيع. (مدوّنة أعلام الشيعة الإمامية)

الدَعم البريطانيّ .. ذِلّة وإهانة

نقل السيّد باقر بلاط وزير تشريفات البلاط الملكي في العراق: «لَمّا ورد الملك عبدالله (ملك الأردن) ضيفاً على الملك فيصل الثاني في بغداد، رتّبتُ له زيارة إلى حرم الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، وكان من العادة أن يتم لقاء الضيوف مع مراجع الدين في الحرم الشريف أيضاً، المرجع الأعلى في ذلك الوقت هو السيّد أبو الحسن الأصفهاني.

بعد العناق والتحيات وكلمات جانبية، وجّه السيّد الأصفهاني السؤال التالي إلى الملك: من أين تُؤمّن الموارد المالية للأردن؟

كان السؤال بالنسبة إلى الملك محرجاً، وغير متوقع، فأجاب: نحن دول صغيرة، لا بدّ لتأمين وضعنا سياسياً واقتصادياً أنْ نعتمد على الدول العظمى، ولقد تكفّلت بريطانيا بتزويدنا المياه الصالحة للشرب وتأسيس محطة كهرباء، ونحن لها من الشاكرين الأوفياء.

واستمرّ الملك يُمجّد الإنجليز، وأنّهم عقول متفتّحة ومتطوّرة. فردّ عليه السيّد الأصفهاني: أليس من المؤسف أنْ نمدّ نحن المسلمون أيدينا الى المشركين، في اعتقادنا إنّ هذه ذِلة وإهانة، إنّني مستعد أن أمدّكم بالمال قدر ما تحتاجون لتعتمدوا على أنفسكم وتستغنوا عن الدعم البريطانيّ المشروط بالتبعية السياسيّة والثقافيّة.

بهذا الكلام أضحى الملك صغيراً بين يدي السيّد، فانكمش واعتدل في مجلسه بعد تلك الغطرسة والتكبّر». (قَصصٌ وخواطر:455)

مكارمُ الأخلاقِ

يعمد الكثير من مراجعنا العظام إلى تشكيل لجنة للإجابة على تساؤلات الناس؛ إلّا أنّ ما يُنقل عن أحوال السيّد أبو الحسن الأصفهاني أنّه كان يرفض أن يجيب أحد عنه، وكان بنفسه يجيب على تساؤلات الناس الكثيرة.

وفضلاً عن قيامه بالتدريس والبحث اليومي وحضوره صلاة الجماعة في أوقاتها، والفسح في المجال لزائريه بزيارته ومقابلته في مختلف الأوقات، فإنه مكلّف بقراءة البريد في كل يوم والإجابة على الفتاوى والرسائل بقلمه دون أن يساعده أحد في ذلك، وكم ستكون دهشة القارئ عظيمة إذا علم بأنّ نصف ما يستورد بريد النجف من الرسائل اليومية إنّما هو معنوَن باسمه، ونصف ما يستصدر البريد، إنما يستصدره من مكتبه وبقلمه، والرد على أغلب هذه الرسائل لا يخلو من تعب وكلفة ومشقّة. فالكثير من هذه الرسائل يتضمّن فتاوى ليس من السهل الإجابة عليها قبل تأمّل طويل لعدم حصول نظائرها من قبل، أو تداخل مشاكلها بعضها في بعض.

وللأسف الشديد، فقد كان يصل إلى السيّد الكثير من الرسائل، التي تكيل له السباب والشتائم محاولة تثبيطه أو إسقاطه نفسياً، وهنا كان يبرز في السيّد، قدّس سرّه، خُلق الأنبياء، فكان يقابل هذه الإساءة بالحسنة، فممّا ينقل عنه، أنه كان يقرأ الرسائل التي تصله جميعاً بنفسه لا بواسطة أحد إطلاقاً، وكان يضع أمامه في الغرفة وهو يقرأ الرسائل، إناءً كبيراً مليئاً بالماء، فإذا رأى في الرسالة الشتم والسب والإهانة أخذها ووضعها في إناء الماء ليمحو آثارها وحتى لا يطّلع عليها أحد، وأحياناً كان يجمع هذه الرسائل وفي طريق ذهابه إلى الكوفة كان يرميها في نهر الفرات أو نهر الكوفة، وهو يريد أن يدفن سرّ الناس وأن يُنهي المشكلة بالتي هي أحسن!! (المرجعية العاملة: 187)

هيبة العلماء واحترامهم

بعد أن وصل رضا خان إلى الحكم في إيران أصدر في سنة 1929م، قانون اللباس الموحّد الشكل، بحيث فرض على الرجال ارتداء القبعة على الرأس والسروال (البنطلون) والسترة (الجاكيت) على الطراز الأوروبي، كما وحّد زيّ رجال الدين، ومنعهم من ارتدائه إلا بإذن خاص.

وخلال خمس عشرة سنة من حكمه اضطر مائة ألف من رجال الدين إلى ترك الزيّ الديني، وعامل رجالَ الدين بقسوة بالغة.

وعندما طرد رضا خان من الحكم، أرسل السيّد أبو الحسن الأصفهاني جماعة من رجال الدين، وأعطى كلّ واحد منهم كمية من المال، وقال لهم: إنّ شأنكم فقط هو أن تمشوا في شوارع طهران جيئة وذهاباً من الصباح إلى المساء. وليس أكثر من هذا، حتّى يطمئنّ الناس أنّ الدين قد رجع إلى البلاد، وهكذا وبعد فترة وجيزة تمكّن قدّس سرّه، بحنكته وذكائه من أن يعيد هيبة وسمعة العلماء في إيران. (المرجعية العاملة: 81)

ويذكر السيّد محسن الأمين في (أعيانه) كيف احترمه السيّد الأصفهاني وقدّره، واحتفى به أيّما احتفاء، عندما قام الأمين بزيارة العتبات المقدسة في العراق وإيران عام 1352 - 1353 للهجرة، يقول السيّد الأمين: «فقد أوفد وفداً من قبله لاستقبالنا في كربلاء وآخر لاستقبالنا في خان الحماد، وخرج لملاقاتنا في جمع غفير من العلماء والفضلاء والوجهاء وغيرهم حين دخولنا النجف، وأنزلنا في داره ليلة وصولنا للنجف، ثمّ كرّر الزيارة لنا بعد وصولنا للنجف في أغلب الأيام، كما كرّر الزيارة لنا بمنزلنا بالكوفة.

ولمّا عزمنا على التوجّه لزيارة الرضا عليه السلام، حضر إلى منزلنا وطلب إخلاء المجلس، ثمّ قال: أتريد السفر إلى إيران؟

قلت:نعم. فقال: يلزم أن تستعد للباس يقي البرد لأنّ إيران باردة وكثيرة الثلج، وكان ذلك في أوائل نيسان. ثمّ قال: وأين تريد أن تنزل في طهران؟

قلت: أنا رجل درويش لا أبالي أين أنزل.

قال: هذا لا يمكن، إنّ إيران ليست جبل عامل، فلا بدّ من نزولك في منزل معروف....

ثمّ قال: إذا لزمك أمر في كرمانشاه، فراجع فلاناً، وإذا لزمك أمر في طهران فراجع فلاناً، وإذا لزمك أمر في خراسان فراجع فلاناً. ثمّ طلب دفتراً فكتب أسماءهم فيه بخط يده فشكرته على ذلك...

وبعد سفرنا إلى إيران كان يستخبر عن أحوالنا في كلّ بلدة نصلها، وعن جزئيات أمورنا وكلياتها في جميع مدن إيران وبلدانها، وتأتيه أخبارنا في كلّ يومٍ، وكلّ مكان. ولمّا رجعنا من إيران إلى العراق بعدما أقمنا في إيران نحو خمسة أشهر ونصف شهر التقينا به في كربلاء، فأول ما رأيناه قال: أتريد أن نكلّمك بالفارسي أو بالعربي؟

قلت: بما شئت.

فقال: لا تذكر لي شيئاً ممّا جرى لك في إيران، كلّه عندي علمه، وأخبارك كانت تأتيني يوماً فيوم، وساعةً فساعة».

الأموالُ الطاهرةُ

تحدّث أحد العلماء، قائلاً: «إنّه ذات يوم كنتُ حاضراً عند أُستاذي السيّد الأصفهاني، أخبروا سماحته أنّ مجموعة من الوافدين من بغداد يريدون إذن الدخول عليه، سأل عن هويتهم، أجابوه: إنّه السفير الإيراني في بغداد، مضافاً إلى مبعوث الملك رضا خان بهلوي، فأذِنَ لهم بالدخول...

ابتدأ المبعوث حديثه قائلاً: إنّ سعادة الملك يعتقد بأن لا مانع من وجود وكلائكم واستمرار عملهم التبليغي في إيران، وكذا إرسالهم الحقوق الشرعية إليكم من إيران إلى النّجف الأشرف، لكن يا حبّذا لو تعرّفونا عليهم بأسمائهم. فامتعض السيّد من كلام المبعوث، وقال لهُ: لا ضرورة لتعرّفكم عليهم، وكذا ليس لي حاجة بهداياكم هذه، فاحملوها واذهبوا عني. حينذاك كلما حاول المبعوث أن يتقبّل السيّد الهدايا منه ويتراجع عن قراره لم يستطع. فلما غادر الوفد أشار السيّد الأصفهاني إلى بعض الموثقين الحاضرين عنده، وقال: إنّهم أرادوا أن يتعرفوا على وكلائي من أجل إيذائهم ومطاردتهم». (خُلُقُ الأعلام:1/251)

صدقةُ السرّ

تحدّث أحد طلبة العلوم الدينيّة عن سبب إعجابه وانجذابه لشخصية السيّد الأصفهاني، قائلاً: «كان السيّد يخرج عند بداية الفجر إلى حرم أمير المؤمنين عليه السّلام، ليصلّي الصبح... وذات يوم، تأخّر السيّد في الخروج من المنزل، ولم يكن أحدٌ من مرافقيه قد حضر أيضاً... فانتظرتُه كثيراً وهممتُ بالذهاب إلى الحرم لوحدي، وإذا بالسيّد خرج يمشي وحيداً، فمشيتُ خلفه بمسافة، ولم يكن يدري أو يتوقع أحداً يمشي وراءه، وكانت السماء مظلمة وأذان الصبح بعدُ لَمْ يَحِنْ، مشى السيّد الأصفهاني حتى رأيتُه أدخل ظرفاً ويبدو فيه نقود من طرف باب منزل أحد الفقراء، ثمّ واصل مشيه». (قَصصٌ وخواطر:379)

اخبار مرتبطة

نفحات