الملف

الملف

11/05/2020

صلاة الاستسقاء

 

صلاة الاستسقاء

المأمون مستنجداً: قد احتبسَ المطر... فلو دعوتَ الله

 

تقدّم أن الإمام الرضا عليه السلام، اعتمد -عقب قبوله ولايةَ العهد على إكراه- جملة خطوات قوّضت دسائس المأمون، وحوّلت هذا المنصب الذي أراده العباسيّ شرَكاً، إلى منبرٍ رضويّ لتجديد تعاليم الوحي.

ويأتي الحديث ههنا عن صلاة الإمام الرضا في الاستسقاء،كنموذج عن تطبيقه صلوات الله عليه مبدأ اعتماد الكرامات، في مواجهة النزعة المادية المهيمنة على البلاط العبّاسي، وعلى النخَب الدائرة في فلكه، وبالتالي على مختلف الشرائح الاجتماعية، لا سيما مع انتشار الأفكار الإلحادية الناجمة عن التأثّر بالفلسفات الأعجمية.

وسنرى كيف أن هذه الكرامة الواحدة منه عليه السلام، تفرّعت عليها اثنتا عشرة كرامة، وذلك حين يُسمّي الإمام أحد عشر بلداً تقصد كُلّاً منها سحابة بعينها، والثانية عشرة أنّ سحابة مَن حضر الصلاة مسامِتةٌ لرؤوسهم حتى يرجعوا إلى بيوتهم ومقارّهم.

نقل السيد الميلاني (4/214)، عن الحمويني في (فرائد السّمطين)، أنه قال:

«رأيت في كُتب أهل البيت عليهم السلام، أنّ المأمون لمّا جعل عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام وليّ عهده، احتبس المطر، فجعل بعض حاشية المأمون والمتعصّبين على الرضا يقولون: انظروا ما جاءنا عليّ بن موسى الرضا، وليّ عهدنا، فحُبس عنّا المطر، واتّصل ذلك بالمأمون واشتدّ عليه، فقال للرضا: قد احتبس عنّا المطر، فلو دعوتَ الله تعالى أن يمطر الناس.

قال الرضا: (نعم).

قال: فمتى تفعل ذلك؟ وكان ذلك يوم الجمعة.

فقال: (يوم الاثنين، فإنّ رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم، أتاني البارحة في منامي ومعه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، فقال: يا بنيّ انتظر يوم الاثنين، فابرز فيه إلى الصحراء واستسقِ، فإنّ الله عزّ وجلّ يسقيهم، وأخبِرهُم بما يُريك اللهُ ممّا لا يعلمون ليزداد علمُهم بفضلك ومكانك من ربّك عزّ وجلّ).

فلمّا كان يوم الاثنين غدا عليُّ بن موسى الرضا إلى الصحراء، وخرج الخلائق ينظرون، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: (اللّهمّ يا ربّ، أنت عظّمتَ حقَّنا أهلَ البيت، فتوسَّلوا بنا كما أمَرتَ، وأمّلوا فضلَك ورحمتَك، وتوقّعوا إحسانك ونعمتك، فاسقِهم سقياً نافعاً عامّاً غير ضارّ، وليكنِ ابتداءُ مطرِهم بعد انصرافهم من مشهدِهم هذا إلى منازلهم ومقارّهم).

قال: فوَالّذي بعَث محمّداً نبيّاً، لقد نسجتِ الرياح الغيومَ وأرعدت وأبرقتْ، وتحرّك الناس كأنّهم يريدون التنحّي عن المطر.

فقال الرضا: (على رسلكم أيُّها الناس، فليس هذا الغَيم لكم، إنّما هو لأهل بلد كذا).

فمضت السحابة وعبرت، ثمّ جاءت سحابة أخرى تشتمل على رعد وبرق فتحرّكوا، فقال الرضا عليه السّلام: (على رسلكم، فما هذه لكم إنّما هي لبلد كذا).

ثمّ أقبلت سحابة حادية عشر، فقال: (يا أيُّها الناس، هذه بعثَها اللهُ لكم، فاشكروا الله على تفضّله عليكم، وقوموا إلى مقارّكم ومنازلكم، فإنّها مُسامِتَةٌ لرؤوسكم ممسكةٌ عنكم، إلى أن تدخلوا مقارّكم، ثمّ يأتيكم من الخير ما يليقُ بكرم الله عزّ وجلّ).

ونزل الرضا عن المنبر وانصرف الناس، فما زالت السحابة مُمسِكةً إلى أنْ قربوا من منازلهم، ثمّ جاءت بوابل المطر، فملأت الأودية والحياض والغدران والفلوات، فجعل الناس يقولون: هنيئاً لِولد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كرامات الله.

ثمّ برز إليهم الرضا عليه السّلام وحضرت الجماعة الكثيرة منهم، فقال:

(يا أيّها الناس، اتّقوا الله في نِعَم الله عليكم، فلا تنفّروها عنكم بِمعاصِيه، بل استَديموها بطاعتِه وشكرِه على نِعَمِه وأياديه، واعلموا أنّكم لا تشكرون اللهَ عزّ وجلّ بشيءٍ بعد الإيمان بالله، وبعد الاعتراف بحقوق أولياء الله مِن آل محمّدٍ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، أحبّ إليه من معاونتكم لإخوانكم المؤمنين على دنياهم التي هي معبَرٌ لهم تعبر بهم إلى جنان ربّهم، فإنّ مَن فعل ذلك كان من خاصّة الله تعالى)...».

 

 

سمّاه اللهُ «الرّضا»...

* في (عيون أخبار الرضا عليه السلام)، أن الإمام الكاظم عليه السلام، كان يُسمّي ولدَه عليّاً عليه السلام «الرِّضا»، وكان يقول: ادعوا لي ولديَ الرضا... وإذا خاطبه قال: «يا أبا الحسن».

* وفيه أيضاً، أن رجلاً قال للإمام الجواد عليه السلام: إنّ قوماً من مخالفيكم يزعمون أنّ أباكَ إنّما سمّاه المأمون «الرِّضا» لمّا رضيه لولاية عهده؟

فقال عليه السلام: كذَبوا والله وفجَروا، بلِ الله تبارك وتعالى سمّاه بـ«الرضا عليه السلام»، لأنّه كان رضىً لله عزّ وجلّ في سمائه، ورضىً لرسوله والأئمّة بعده صلوات الله عليهم، في أرضِه.

فقيل له: ألم يكن كلّ واحد من آبائك الماضين عليهم السلام، رضىً لله عزّ وجلّ ولرسوله والأئمّة بعده عليهم السلام؟ فقال: بلى.

قيل: فلمَ سُمّي أبوك عليه السلام من بينهم الرّضا؟

قال: لأنّه رضيَ به المخالفونَ من أعدائه كما رضيَ به الموافقون من أوليائِه، ولم يكُن ذلك لأحدٍ من آبائه عليهم السلام، فلذلك سُمِّي من بينهم الرضا عليه السلام.

 

اخبار مرتبطة

  تاريخ و بلدان

تاريخ و بلدان

نفحات