الملف

الملف

11/05/2020

وقائع ما بعد كرامة الاستسقاء

 

 

لو شئتُ لما ناظرتُك...

وقائع ما بعد كرامة الاستسقاء

 

من الطبيعي جداً أن لهذا الحدث النوعي -أي نزول المطر بدعاء الإمام الرضا عليه السلام- آثاره المدويّة، لا في عاصمة العباسيّين فقط، بل في جميع أرجاء العالم الإسلامي آنذاك. وما أنا بصدده هنا الحديث عن بعض الآثار المدويّة في العاصمة العباسية آنذاك.

ولكي نقترب من أجواء هذا الحدث العظيم:

- تصوّر حصول مثل هذه الحادثة في واشنطن اليوم.

- فكيف ستكون آثارها على القادة وكبار القوم وصغارهم؟

- وهل ستهفو القلوب إلى غير مَن جرتْ على يديه هذه المكرمة الإلهية العجيبة؟

* والأهمّ من ذلك كلّه:

- أنّ هذه الكرامة الإلهيّة، في هذا الحدث النوعيّ، قد حصلت على يد مَن كان حسّاده والمناوؤن له بين القادة ودهاقنة العباسيّين، أكثر بكثير من الموالين له.

- أن لا ننسى أنّ المأمون سار بعكس التيّار العباسي، وأنّه هو في قرارة نفسه لم يكن يريد أن يزداد تعلّق الناس بالإمام الرضا عليه السلام، بل كان يريد الاستفادة من وجوده لتقوية مُلكه.

نستحضر هذه الخصوصيات، ونتابع البحث عن وقائع ما بعد صلاة الاستسقاء، ولحسن الحظّ نجد رواية طويلة عن الإمام الجواد بن الإمام الرضا عليهما السلام، أوردها الشيخ الصدوق في (عيون أخبار الرضا عليه السلام). وخلاصة ما في هذه الرواية:

1- عظمتْ البركة في البلاد بنزول المطر بدعاء الرضا عليه السلام.

2- تحرّك الحسّاد للإمام الذين كانوا حول المأمون من عباسيّين وغيرهم.

3- حرّض بعضهم المأمون على الإمام، وأوغروا صدره بالتخويف من انتقال الخلافة إلى أهل البيت.

4- تجاوب معهم المأمون، واعترف بأنّه تورط وهو يفكّر بالمخرج المناسب.

5- قال له الحاجب حميد بن مهران: دعني أجادله لأحطّ من قدره.

6- وافق المأمون وعُقد مجلس خاصّ لذلك، حضره كبار القوم.

7- بدأ هذا الشخص -واسمه حميد بن مهران- بالتطاول على الإمام الرضا والتقليل من شأن نزول المطر.

8- وممّا قاله للإمام ما خلاصته: إنْ كنتَ صاحب كرامات ومعاجز، فمُرْ هذين الأسدَين -وأشار إلى صورة أسدَين على مسند المأمون- ليفترساني.

9- فغضب الإمام الرضا عليه السلام، وأمر صورة الأسدين، فتحوّلت أسدَين وافترستا حميد بن مهران!! إلى آخر الحادثة كما في هذه الرواية عن الإمام الجواد عليه السلام، يصف تداعيات استجابة دعاء أبيه الرضا عليه السلام، بالاستسقاء للقوم:

«..قال الإمام (الجواد) محمّد بن عليّ بن موسى عليهم السلام:

1- وعظّم اللهُ تبارك وتعالى البركةَ في البلاد بدعاء الرضا عليه السلام.

2- وقد كان للمأمون مَن يريد أن يكون هو وليَّ عهده من دون الرضا عليه السلام، وحسّادٌ كانوا بحضرة المأمون للرضا عليه السلام.

3- فقال للمأمون بعض أولئك: يا أميرَ المؤمنين:

* أُعيذك بالله أن تكون تأريخ الخلفاء في إخراجك هذا الشرف العميم والفخر العظيم، من بيت ولد العباس إلى بيت ولد عليّ.

* لقد أَعنتَ على نفسك وأهلك؛ جئت بهذا الساحر ولدِ السّحَرة، وقد كان خاملاً فأظهَرتَه، ومتّضعاً فرفعتَه، ومَنسِيّاً فذكّرتَ به، ومُستَخَفاً فنوّهت به.

* قد ملأ الدنيا مخرقة وتشوّفاً بهذا المطر الوارد عند دعائه.

* ما أخوَفني أن يُخرِج هذا الرجل هذا الأمر عن ولد العباس إلى ولد عليّ.

 *بل ما أخوفني أن يتوصّل بسحره إلى إزالة نعمتك والتواثب على مملكتك. هل جنى أحدٌ على نفسِه ومُلكِه مثل جنايتك؟

4- فقال المأمون:

* كان هذا الرجل مستتراً عنّا يدعو إلى نفسه.

* فأردنا أن نجعله وليّ عهدنا ليكون دعاؤه لنا، وليعترف بالملك والخلافة لنا، وليعتقد فيه المفتونون به أنّه ليس ممّا ادّعى في قليلٍ ولا في كثير، وأنّ هذا الأمر لنا دونه، وقد خشينا إنْ تركناه على تلك الحالة أن ينفتق علينا منه ما لا نسدّه، ويأتي علينا منه ما لا نطيقه.

* والآن، فإذ قد فعلنا به ما فعلناه، وأخطأنا في أمره بما أخطأنا، وأشرفنا من الهلاك بالتنويه به على ما أشرفنا، فليس يجوز التهاون في أمره، ولكنّا نحتاج أن نضعَ منه قليلاً قليلاً، حتى نصوّره عند الرعايا بصورة مَن لا يستحقّ لهذا الأمر، ثمّ ندبّر فيه بما يحسم عنّا موادَّ بلائه.

5- قال الرجل: يا أمير المؤمنين، فولّني مجادلته فإنّي أُفحمه وأصحابَه، وأضع مِن قَدرِه، فلولا هيبتك في نفسي لأنزلتُه منزلتَه وبيّنتُ للناس قصوره عما رشّحته له.

قال المأمون: ما شيءٌ أحبّ إليّ من هذا.

6- قال: فاجمعْ جماعة وجوه مملكتك من القوّاد والقضاة وخيار الفقهاء، لأُبيّن نقصَه بحضرتهم، فيكون أخذاً له عن محلّه الذي أحللتَه فيه، على علمٍ منهم بصواب فعلك.

7- قال: فجمعَ الخلقَ الفاضلين من رعيّته في مجلس واسع قعد فيه لهم، وأقعد الرضا عليه السلام بين يدَيه في مرتبته التي جعلها له، فابتدأ هذا الحاجب المتضمّن للوضع من الرضا عليه السلام، وقال له:

8- إنّ الناس قد أكثروا عنك الحكايات وأسرفوا في وصفك بما أرى أنّك إنْ وقفتَ عليه برئتَ إليهم منه. وذلك أنّك قد دعوتَ اللهَ في المطر المعتادِ مجيئه، فجاء فجعلوه آيةً معجزةً لك، أوجبوا لك بها أنْ لا نظيرَ لك في الدنيا، وهذا أمير المؤمنين أدام الله مُلكه وبقاءه لا يوازى بأحدٍ إلّا رَجَح به، وقد أحلّك المحلّ الذي قد عرفتَ، فليس من حقّه عليك أن تسوّغ الكاذبين لك وعليه ما يتكذّبونه.

9- فقال الرضا عليه السلام: (ما أدفعُ عبادَ اللهِ عن التحدّث بنِعَمِ اللهِ عَلَيَّ، وإنْ كنتُ لا أبغي بذلك أشراً ولا بطراً، وأمّا ذِكرُك صاحبَك الذي أحلّني ما أحلّني، فما أحلّني إلّا المحلَّ الذي أَحلّه ملكُ مصر يوسفَ الصدّيقَ عليه السلام، وكانت حالهما ما قد علمتَ).

10- فغضب الحاجب عند ذلك، وقال: يا ابن موسى، لقد عدوتَ طَورك وتجاوزتَ قدْرَك أنْ بعثَ اللهُ بمطرٍ مُقدِّرٍ وقتُه، لا يتقدّم ولا يتأخّر، جعلتَه آيةً تستطيلُ بها، وصَولةً تصولُ بها، كأنّك جئتَ بمثل آيةِ الخليل إبراهيم عليه السلام، لمّا أخذ رؤوسَ الطَّير بيده، ودعا أعضاءها التي كان فرّقها على الجبال، فأتينَه سعياً، وتركّبنَ على الرؤوس، وخَفَقنَ وطِرْنَ بإذن الله تعالى، فإنْ كنتَ صادقاً في ما تُوهِم فأحيِ هذَين وسلِّطهما عليّ، فإنّ ذلك يكون حينئذٍ آيةً معجزةً؛ فأمّا المطر المعتاد مجيئه، فلستَ أنتَ أحقّ بأنْ يكون جاء بدعائك من غيرك الذي دعا كما دعوتَ.

وكان الحاجب أشار إلى أسدَين مصوّرَين على مسند المأمون الذي كان مستنداً إليه، وكانا متقابلين على المسند.

11- فغضب عليّ بن موسى عليهما السلام، وصاح بالصّورتين: (دونَكما الفاجرَ، فافتَرِساه ولا تُبقِيا له عيناً ولا أثراً).

فوثبت الصورتان وقد عادتا أسدَين، فتناولا الحاجب ورضّضاه، وهشّماه، وأكلاه، ولَحَسا دمَه، والقومُ ينظرون متحيّرين ممّا يبصرون.

12- فلمّا فرغا منه أقبلا على الرضا عليه السلام، وقالا: يا وليّ الله في أرضه، ماذا تأمرنا نفعل بهذا، أنفعل به ما فعلنا بهذا؟ يشيران إلى المأمون.

13- فغشيَ على المأمون ممّا سمع منهما.

14- فقال الرضا عليه السلام: (قفا)، فوقفا.

15- قال الرضا عليه السلام: (صبُّوا عليه ماءَ وردٍ وطيّبوه). فَفُعِل ذلك به، وعاد الأسدان يقولان: أتأذنُ لنا أنْ نُلحقَه بصاحِبِه الذي أفنيناه؟

16- قال: (لا، فإنّ لله عزّ وجلّ فيه تدبيراً هو مُمضيه). فقالا: ماذا تأمرنا؟ قال: (عودا إلى مقرّكما كما كنتما). فصارا إلى المسند، وصارا صورتَين كما كانتا.

17- فقال المأمون: الحمد لله الذي كفاني شرّ حميد بن مهران، يعني الرجلَ المفترَس.

18- ثمّ قال (المأمون) للرضا عليه السلام: يا ابن رسول الله، هذا الأمر لجدّكم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ثمّ لكم، فلو شئتَ لنزلتُ عنه لك.

19- فقال الرضا عليه السلام: (لو شئتُ لما ناظرتُك ولم أسألك، فإنّ الله تعالى قد أعطاني من طاعةِ سائر خلقِه مثلَ ما رأيتَ مِن طاعة هاتَين الصورتين، إلّا جهّال بني آدم، فإنّهم وإنْ خسروا حظوظَهم فلِلّه عزّ وجلّ فيهم تدبير، وقد أمَرَني بِتركِ الاعتراض عليك، وإظهار ما أظهرتُه من العمل من تحت يدك، كما أمَر يوسفَ بالعمل من تحت يد فرعون مصر).

20- فما زال المأمون ضئيلاً في نفسه إلى أن قضى في عليّ بن موسى الرضا عليه السلام ما قضى».

 

اخبار مرتبطة

  تاريخ و بلدان

تاريخ و بلدان

نفحات