الملف

الملف

11/05/2020

﴿مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ...﴾

 

﴿مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ...﴾

الحجّ وفادةٌ إلى الله وفرارٌ إليه من الذّنوب

 

اقرأ في الملف

استهلال

دعاء الأنبياء يوم عرفة

موسم وداع الدنيا والخلق

العلامة الحلّي

مستحبّات مناسك حجّ الإسلام وتمامِه

المرجع الديني السيّد الكلبايكاني  قدّس سرّه

المراقبات لمَن لم يحضر الموسم

الشيخ حسين كوراني

أمير الحجّ في كلّ عام

الشيخ حسين كوراني

 

استهلال

 

رُوي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال لعليٍّ عليه السلام: ألا أُعلِّمُكَ دعاءَ يومِ عرَفة، وهُو دعاءُ مَن كانَ قَبلي مِنَ الأَنبِياءِ عليهم السلام؟

تَقولُ: لا إلهَ إلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلكُ ولَهُ الحَمدُ، يُحيي ويُميتُ وهُوَ حَيٌّ لا يَموتُ، بِيَدِهِ الخَيرُ وهُوَ عَلى كُلِّ شَيء قَديرٌ. اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ كَالَّذي تَقُولُ، وخَيرًا مِمّا نَقولُ، وفَوقَ ما يَقولُ القائِلونَ. اللّهُمَّ لَكَ صَلاتي ونُسُكي ومَحيايَ ومَماتي، ولَكَ بَراءَتي، وبِكَ حَولي، ومِنكَ قُوَّتي. اللّهُمَّ إنّي أعوذُ بِكَ مِنَ الفَقرِ، ومِن وَساوِسِ الصُّدورِ، ومِن شَتاتِ الأَمرِ ومِن عَذابِ القَبرِ. اللّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ خَيرَ الرِّياحِ، وأعوذُ بِكَ مِن شَرِّ ما تَجيءُ بِهِ الرِّياحُ، وأسأَلُكَ خَيرَ اللَّيلِ وخَيرَ النَّهارِ.

(انظر: الفقيه الصدوق: 2/542،الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام: 5/183)

 

 

موسم وداع الدنيا والخلْق

موجز في التعريف بأشهُر «الحجّ» وأصنافه

  • العلّامة الحلّي

* رُوي عن مولانا الإمام الصادق عليه السلام في بيان أسرار الحجّ و دقائقه، قولُه صلوات الله عليه من ضمن حديثٍ طويل: «اذا أردتَ الحجّ، فجرّدْ قلبَك للهِ عزّ و جلّ... من كلّ شُغْلٍ شاغِل... وفوِّض أمورَك كلّها إلى خالقِك، وتوكّلْ عليه... وسلّم لقضائه وحُكمه وقَدَره، وودِّعِ الدنيا والراحةَ والخَلق..».

تتضمّن هذه المقالة تعريفاً موجزاً بمعنى «الحجّ» شرعاً، وبيان أصنافه وأشهُره التي لا يجوز الإحرام في ما عداها، نقلاً مختصراً عن كتابَي (تذكرة الفقهاء)، و(قواعد الأحكام) للعلامة الحلّي، الحسن بن يوسف بن المطهّر، المتوفّى سنة 726 هجرية.

«شعائر»

 

* «الحجّ» لغةً القصد، وشرعاً القصدُ إلى بيت الله تعالى بمكّة مع أداء مناسك مخصوصة عنده؛ وهو من أعظم أركان الإسلام. وهو واجبٌ وندب:

* فالواجب: إمّا بأصل الشرع، وهو «حجّة الإسلام» مرّة واحدة في العمر على الفور، وإمّا بسببٍ: كالنّذر وشبهه، أو بالإفساد، أو بالاستئجار؛ ويتكرّر بتكرّر السبب.

* والمندوب: ما عداه، كفاقد الشروط، والمتبرَّعِ به.

* وإنما يجب بشروط، وهي خمسة في حِجّة الإسلام: التكليف، والحرية، والاستطاعة، ومؤونة عياله، وإمكان المسير.

* وشرائط النذر وشِبهه أربعة: التكليف، والحرية، والإسلام، وإذن الزوج.

* وشرائط النيابة ثلاثة: الإسلام، والتكليف، وأن لا يكون عليه حجّ واجب بالأصالة أو بالنذر المضيّق، أو الإفساد، أو الاستئجار المضيّق. ولو عجز -مَن استقرّ عليه وجوب الحجّ- عنه ولو مشياً، صحّت نيابته.

* وشرط المندوب ألا يكون عليه حجّ واجب، وإذنُ الوالي على مَن له عليه ولاية؛ كالزوج والمولى والأب.

(القواعد: 1/397)

بيان أشهُر الحجّ

أشهر الحجّ: شوّال، وذو القعدة، وذو الحجّة عند أكثر علمائنا:

1) لقوله تعالى ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ...﴾ [البقرة:197] وأقلّ الجمع ثلاثة.

2) وما رواه زرارة عن الباقر عليه السلام في تفسير الآية: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ...﴾، قال عليه السلام: «شوّال وذو القعدة وذو الحجّة، ليس لأحدٍ أن يُحرِمَ بالحجّ في سواهنّ، وليس لأحدٍ أن يُحرِمَ قبلَ الوقتِ الذي وقّتَ رسولُ الله صلّى الله عليه‌ وآله وسلّم، وإنّما مثَلُ ذلك مثَلُ مَن صلّى أربعاً في السّفر وتركَ الثّنتين».

2) ولأنّه يصح أن يقع في باقي ذي الحجّة شي‌ء من أفعال الحجّ، كالطواف، والسّعي، وذبْح الهدي.

* وقال بعض علمائنا هي: شوّال، وذو القعدة، وإلى قبل الفجر من عاشر ذي الحجّة:

1) لقوله تعالى ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ...﴾ [البقرة: 197] ولا يمكن فرضُه بعد طلوع الفجر من يوم النحر.

2) ولقوله تعالى ﴿...فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ...﴾ [ البقرة: 197 ] وهو سائغٌ يوم النحر، لأنّه يمكنه التحلّل في أوّله.

* وقال بعض علمائنا: هي شوّال، وذو القعدة، وإلى طلوع الفجر من ليلة النحر.

واعلم: أنّه لا فائدة كثيرة في هذا النزاع، للإجماع على أنّه لو فاته الموقفان فقد فاته الحجّ، وأنّه يصحّ كثير من أفعال الحجّ يوم العاشر، وما بعده.

(التّذكِرة: 7/183)

أنواع الحجّ

أنواع الحجّ ثلاثة: تمتّع، وقِران، وإفراد، بلا خلافٍ بين العلماء.

ونحن نقول: العُمرة إنْ تقدّمت على الحجّ، كان تمتّعاً، وإن تأخّرتْ؛ فإن انضمّ إليه «سياقُ هَدْي» فهو قِران، وإلاّ فإفراد، لما رواه معاوية بن عمّار -في الحسن- عن الصادق عليه السلام: «الحجّ ثلاثةُ أصناف: حجٌّ مفرد، وقِران، وتمتّعٌ بالعمرة إلى الحجّ، وبها أمرَ رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، والفضلُ فيها، ولا نأمرُ الناسَ إلاّ بها».

* وصورة التمتّع: أن يُحرِم من الميقات بالعمرة المتمتّع بها‌ إلى الحجّ.

- ثمّ يدخل مكّة، فيطوف سبعة أشواط بالبيت، ويصلّي ركعتَيه بالمقام.

- ثم يسعى بين الصّفا والمروة سبعة أشواط.

- ثم يقصّر، وقد أحلّ من كلّ شي‌ء أحرم منه إلاّ الصيد، لكونه في الحرم، فإنْ خرج منه، جاز له الصيد أيضاً.

- فإذا كان يوم التروية، أحرم للحجّ، ولا يتعيّن هذا اليوم، بل يستحبّ، والواجب ما يعلم أنّه يدرك الوقوف معه.

- ثم يمضي إلى «عرفات»، فيقف بها إلى الغروب من يوم عرفة.

- ثم يفيض إلى «المِشعر» فيقف به بعد طلوع فجر العيد.

- ثم يفيض إلى «مِنى» [ بعد طلوع شمس العيد ] فيحلق بها يوم النّحر، ويذبح هَدْيَه، ويرمي جمرة العقبة.

- ثم يأتي مكّة ليومه إن شاء، وإلاّ فمن غده، فيطوف طواف الحجّ، ويصلّي ركعتَيه، ويسعى سعيَ الحجّ، ويطوف طواف النساء، ويصلّي ركعتَيه.

- ثم يعود إلى مِنى فيرمي ما تخلّف عليه من الجمار الثلاث يوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، وإن شاء أقام بمنى حتّى يرمي جماره الثلاث يوم الحادي عشر والثاني عشر. ثم إن اتّقى [ الصيد والنساء ] جاز له أن ينفر بعد الزوال إلى مكّة للطوافين والسعي، وإلاّ أقام إلى الثالث عشر.

* وصورة الإفراد: أن يحرم من الميقات أو من حيث يصحّ له الإحرام منه بالحجّ.

- ثم يمضي إلى «عرفات» فيقف بها.

- ثم يمضي إلى «المشعر» فيقف به.

- ثم يأتي «مِنى» فيقضي مناسكه بها.

- ثم يطوف بالبيت ويصلّي ركعتيه، ويسعى بين الصفا والمروة، ويطوف طواف النساء ويصلّي ركعتيه.

- ثم يأتي بعمرة مفردة بعد الحجّ والإحلال منه، يأتي بها من أدنى الحلّ. [ أي أقرب مكان إلى الحرَم، وفي أيامنا هو ميقات التنعيم على قول ]

* وصورة القِران كالإفراد: إلاّ أنّه يضيف إلى إحرامه سياقَ الهدي. هذا مذهب علماء أهل البيت عليهم السلام.

 (التّذكِرة: 7/167)

أفضلية حجّ التمتّع

قال علماؤنا: حجّ التمتّع أفضل الأنواع:

1) لقوله تعالى ﴿...ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ...﴾ [البقرة: 196] وهو يدلّ على أنّه فرضُهم، فلا يجزئهم غيره.

وروى المسلمون السنّة عن ابن عباس وعائشة وغيرهما، أنّ النبي صلى الله عليه وآله أمر أصحابه لمّا طافوا بالبيت أن يحلّوا ويجعلوها عمرة، فنقلهم من الإفراد والقِران إلى المتعة، ولا ينقلهم إلاّ إلى الأفضل.

ولم يختلف عندهم الرواية عن النبي صلّى الله عليه وآله أنّه لمّا قدم مكّة أمر أصحابه أن يحلّوا إلاّ مَن ساق هَدْياً، وثبت على إحرامه. فقام إليه سراقة بن مالك بن جشعم المدلجيّ، فقال: يا رسول الله، هذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أم للأبد؟

فقال: (لا، للأبد إلى يوم القيامة)، وشبّك أصابعه، وأنزل الله في ذلك قرآناً: ﴿...فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ...﴾ [البقرة: 196]

2) ولأنّ التمتّع منصوصٌ عليه في كتاب الله تعالى، لقوله ﴿...فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ...﴾ دون سائر الأنساك.

3) ولأنّ المتمتّع يجتمع له الحجّ والعمرة في أشهر الحجّ، مع كمالهما وكمال أفعالهما على وجه اليسر والسهولة.

قال ابن قدامة، صاحب (المغني: 3/239) من الحنابلة: «قال عروة: نهى أبو بكر وعمر عن المتعة، فقال ابن عباس: أراهم سيهلكون. أقول: قال النبيّ، ويقول: نهى عنها أبو بكر وعمر!

وسُئل ابن عمر عن متعة الحجّ فأمر بها، فقالوا: إنّك تخالف أباك، فقال: عمر لم يقل الذي يقولون، فلمّا أكثروا عليه قال: أفكتاب اللهِ أحقّ أن تتّبعوا أم عمر؟».

(التّذكِرة: 7/170)

 

«اللّهُمّ إنّي أنقلبُ على لا إلهَ إلاّ الله»

من مستحبّات مناسك حجّ الإسلام وتمامِه

  • المرجع الديني السيّد محمّد رضا الكلبايكاني قدّس سرّه

 

* الحجّ ركنٌ من أركان الاسلام لا يكون المسلم مؤمناً إلاّ بأداء هذه الفريضة المقدّسة، لو توفرّت فيه شروط الوجوب. فقد روي عن المعصومين عليهم السلام: «بُني الاسلام على خمس: الصلاة والزكاة والحجّ والصوم والولاية..».

وعن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «وفدُ الله ثلاثة: الحاجّ والمعتمِر والغازي، دعاهم الله فأجابوه، وسألوه فأعطاهم».

يتضمّن النصّ التالي، المقتطف من رسالة (مناسك الحجّ) للمرجع الديني الراحل السيّد محمّد رضا الكلبايكاني، تعريفاً بعددٍ من المستحبات التي يؤتى بها في مكّة المكرّمة والبقاع المقدّسة التي حولها.

وأوّل ما يشدّ انتباه المتتبّع لمستحبّات الحجّ والعمرة، هو وفرة الأدعية والأذكار التي يستحبّ تردادها في سائر المواقيت، حتى أنّ الحاج أو المعتمر لا يكاد يرقى جبلاً أو يهبط وادياً أو ينسك منسكاً –بدءاً من الاستعداد للإحرام، وانتهاءً إلى وداع البيت الحرام ومكّة المكرّمة- إلا وهو يلهج بذكر الله تقدّست آلاؤه.

تبقى الإشارة إلى أنّ المستحبات الواردة في هذه المقالة، هي مختارات من جملة، كما آثرنا –نظراً لمحدودية المساحة المتاحة- إحالة القارئ إلى المصنّفات المختصّة للوقوف على الأعمال والأدعية المشار إليها آنفاً، وفي مقدّمها (مفاتيح الجنان) للمحدّث الشيخ عباس القمي، و(مصباح المتهجّد) للشيخ الطوسي، و(إقبال الأعمال) للسيّد ابن طاوس رضوان الله عليهم أجمعين.

«شعائر»

من مستحبّات الإحرام

- توفير شعر الرأس قبل الإحرام من أول ذي القعدة، ويتأكّد الاستحباب عند هلال ذي الحجّة.

- الإحرام في ثياب القطن، وأفضلها البيض.

- أن يكون عقيب صلاة الظهر.

- الشرط في أثناء نيّة الإحرام، أن يحلّه (الله تعالى) حيث حبسه عن إتمام نسكه. بمعنى أنّه إذا منعه مانع من إتمام الحج أو العمرة، كالمرض أو نحوه، فيتحلّل من إحرامه بمجرد حصول ذلك المنع؛ بأن يقول: «اللهمّ إنْ عرَض لي عارض يحبسني، فحلّني حيث حبَستني».

ولو لم يشترط هذا الشرط، فلا يتحلّل من إحرامه حتى يصل الهدْي إلى محلّ ذبحه.

مكروهات الإحرام، اثنا عشر، منها:

- الإحرام في الثياب السود، والمصبوغة بالألوان، إلّا أنّ ظاهر بعض الأخبار المعتبرة عدم كراهة الثياب الخضر.

- النوم على الفراش الأسود، والوسادة السوداء.

- الاحتباء، وهو الجلوس على الإليتين، ومد الساقين، وتشبيك اليدين على الرجلين، على المشهور.

- غسل البدن بالماء البارد.

من مستحبّات دخول الحرم

يستحبّ لدخول الحرم أمور، منها:

- دخول الحرم ماشياً حافياً حاملاً نعلَيه بيده، تواضعاً وخشوعاً لله تعالى. ولو تمكّن من بقائه هكذا حتى يدخل مكّة والمسجد الحرام، فهو أولى له.

- مضغ «الإذخر» وهو نبت معروف بمكة.

من مستحبّات دخول مكة

يستحبّ لدخول مكّة المكرّمة أمور، منها:

- دخول مكّة من الطريق الأعلى إن أمكن من عقبة كداء، بالفتح والمد.

من مستحبات دخول المسجد الحرام

- الغسل من منزله، أو من بئر ميمون في الأبطح.

- الدخول من باب »بني شيبة«، وهو مقابل باب السلام على الظاهر.

من مستحبّات الطواف

- الطواف حول الكعبة الشريفة حافياً.

- استلام الحجر، وتقبيله في كلّ شوط إن أمكن، وإلا اكتفى بالإشارة إليه مع التكبير.

- الطواف عند الزوال.

- غضّ البصر عند الطواف.

- القرب من البيت حال الطواف.

- قراءة الأدعية المأثورة عن أهل البيت عليهم السلام.

من مكروهات الطواف

- الكلام بغير ذكر الله تعالى.

- الضحك، والتمطّي، والتثاؤب، وفرقعة الأصابع، وكل ما يُكره في الصلاة.

- مدافعة البول والغائط، بل الريح أيضاً.

- الأكل والشراب.

من مستحبّات ركعتي الطواف

- قراءة سورة التوحيد (قل هو الله أحد) بعد (الحمد) في الركعة الأولى، وقراءة سورة الجحد (قل يا أيها الكافرون) بعد (الحمد) في الركعة الثانية.

من مستحبّات السعي

- الخروج إلى الصفا من الباب الذي يقابل الحجر الأسود، وهو الباب الذي كان يخرج منه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ويسمّى الآن «باب الصفا».

- الصعود على الصفا بحيث ينظر إلى البيت إن أمكن، فإن النظر إلى البيت مستحبٌّ أيضاً.

- ويستحبّ أن يكثر الإنسان من استيداع الله دينه، ونفسه، وأهل بيته حين وقوفه على الصفا.

- إطالة الوقوف على الصفا، ففي الحديث: «مَن أراد أنْ يكثُرَ ماله فليُطِلِ الوقوفَ في الصفا».

- إذا وصل المروة فليصعد عليها وليصنع كما صنع على الصفا.

- أن يجدّ في البكاء ويدعو كثيراً ويتباكى، ويقرأ هذا الدعاء: «اللهمّ إنّي أسألُكَ حُسنَ الظّنِّ بكَ على كلِّ حالٍ، وصِدقَ النّيّةِ في التّوكُّلِ عليك...».

 من مستحبّات إحرام الحج

- إيقاع الإحرام بعد صلاة، وأفضل الإحرام أن يكون بعد صلاة الظهر...

- إيقاع الإحرام في المسجد الحرام، والأفضل أن يكون في حِجر إسماعيل أو مقام إبراهيم.

- الخروج إلى مِنى بعد الإحرام وأداء الصلاة المكتوبة.

- أن يلبّي في طريقه، حتى إذا أشرف على الأبطح رفع صوته بالتلبية.

- المبيت في مِنى ليلة عرفة مشغولاً بالعبادة، والدعاء، والابتهال، والأفضل له أن يبيت في مسجد الخَيف.

- الصلاة في المسجد والإقامة فيه حتى طلوع الفجر، ويُكره الخروج قبل الفجر، بل الأحوط ترك الخروج، والأولى البقاء في مسجد الخَيف مشغولاً بالعبادة، والتعقيب، حتى طلوع الشمس، فحينئذٍ يفيض إلى عرفات.

- التلبية عند كلّ صعود وهبوط، حتى يصل إلى عرفات.

بعض ما يستحبّ في الموقف بعرفات:

- الوقوف في ميسرة الجبل -أي الطرف الذي يكون على يسار القادم من مكّة إذا استقبل الجبل بوجهه- في السفح منه، ويكره الصعود على الجبل.

- الإكثار من الدعاء والبكاء، فإنّ ذلك يوم دعاء ومسألة، وليس هناك موطن أحبّ إلى الشيطان، من أن يذهل العبد فيه، من ذلك الموطن هذا، والدعاء أفضل الأعمال في ذلك اليوم.

- التوبة والاستغفار من ذنوبه، ويعدّها واحداً واحداً إنْ تمكن، وإلّا استغفر ربه منها جميعاً.

- الصلاة على النبيّ محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، والإكثار من الأدعية والأذكار، بل الأحوط عدم ترك الدعاء والاستغفار، بل الصلاة والذكر.

من مستحبّات الوقوف بالمشعر الحرام

- ويستحبّ الإكثار من قول «اللهمّ اعتِقْني من النار».

- الوقوف قريباً من الجبل في سفحه متوجّهاً إلى القبلة الشريفة.

- التشهّد بالشهادتين والصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، وذكر الأئمّة عليهم السلام، واحداً بعد واحد، والدعاء لهم، وللحجّة المنتظَر عليه السلام بتعجيل الفرج، والبراءة من أعدائهم، بل الأحوط أن لا يترك الذكر والصلاة على النبيّ وآله.

- الاجتهاد في الدعاء ليلة العيد بل ينبغي إحياؤها.

- أن يصلّي المغرب والعشاء في المشعر.

- الصعود على «قزح» وهو جبل هناك، وذكر الله تعالى عليه، ووطؤه برجليك حافياً، خصوصاً في الصرورة حجّة الإسلام، بل الأحوط ذلك.

- الاعتراف لله تعالى بخطاياه وذنوبه، سبع مرات حين طلوع الشمس على جبل «ثبير»، ويستغفر منها.

- ذكر الله تعالى عند الإفاضة، أي عندما يتوجّه إلى مِنى، ويستحبّ أيضاً الاستغفار.

- السعي في «وادي محسّر» للراكب والماشي على سكينة ووقار، ولا أقل من مائة ذراع، ودون ذلك مائة خطوة.

- أن يقول حين السعي: «اللهمّ سلّم عهدي، واقبَلْ توبتي، وأَجِبْ دعوتي، واخلفني فيما تركتُ بعدي».

- لو ترك السعي في وادي محسّر جهلاً أو عمداً أو سهواً، استحبّ له الرجوع للسعي فيه.

- التقاط الحصيات لرمي الجمار في مِنى، وهي سبعون حصاة، ولا بأس بالزيادة استظهاراً، وهو أولى.

بعض ما يستحب في الحصيات

- أن تلتقَط من المشعر ليلاً.

- أن تكون كحلية - أي بلون الكحل.

- أن تكون منقّطة بلون غير لونها.

- أن تكون غير مكسورة.

من مستحبّات رمي الجمرات

- أن يبتعد عنها بمقدار عشرة أذرع، والأفضل خمسة عشر ذراعاً.

- أن يضع الحصيات في يده اليسرى ويرمي باليد اليمنى.

- أن يقول عند الرمي ما رواه معاوية بن عمار عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام: «اللهمّ إنّ هذه حصيات فاحصِهِنّ لي، وارفعهنّ في عملي».

- أن يقول عند كلّ حصاة يرميها «الله أكبر، اللهم ادحَرْ عنّي الشيطان...». إلى آخر الدعاء.

من مستحبّات الهَدْي

- أن يتولّى الحاجّ الذبح أو النحر بنفسه، فإنْ لم يقدر الذبح أو النحر، فليَضعْ يده على يد الذابح أو الناحر.

- والأولى أن يقول بعد ذلك أيضاً: «اللهمّ تقبّل منّي كما تقبّلْتَ من إبراهيم خليلِك وموسى كليمِك ومحمّدٍ حبيبِك صلّى الله عليه وآله وعليهم».

من مستحبّات الحلق أو التقصير

مستحبّات الحلق أو التقصير، يؤتى بها برجاء المطلوبية، ومنها:

- استقبال القبلة، والتسمية عند الحلق أو التقصير.

- ويستحبّ أن يدفن شعره في مِنى، أو في خيمته.

من مستحبات أعمال مكة المكرمة

- يستحب أيضاً في طواف الزيارة (الحجّ) والسعي، وطواف النساء، جميع ما يستحبّ في الطواف والسعي للعمرة، على نحو ما مرّ.

من مستحبّات منى

يؤتى بها برجاء المطلوبية، ومنها:

- يستحب البقاء نهاراً في مِنى، والمقام فيها أفضل من المجيء إلى مكّة للطواف المستحب.

من مستحبّات وأعمال مسجد الخَيف

- يستحبّ بل ينبغي لمَن أقام في مِنى، أن يصلّي جميع صلواته في مسجد الخَيف: الفرائض والنوافل، وأفضلها مصلّى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.

استحباب شرب الماء من زمزم

- يستحبّ الشرب من ماء زمزم بل يستحبّ الارتواء منه، فإنّ فيه الشفاء، ويصرف الداء، وبه تُنال الحاجات، وتُدرَك الطلبات.

- ويستحبّ حمل ماء زمزم وإهداؤه واستهداؤه، فلقد ورد عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أنه كان يستهدي من ماء زمزم وهو بالمدينة.

 

من مستحبّات مكة المكرمة

يستحب مؤكّداً للحاج، مدة بقائه بمكة المكرمة عدة أمور، منها:

- بعد الانتهاء من طواف الحجّ، يستحب طواف أسبوع -أي سبعة أشواط- وصلاة ركعتين عن أبيه وأمه وزوجته وولده وخاصته وجميع أهل بلده، لكل واحد طواف سبعة أشواط مع ركعتيه. ويجزيه طواف واحد بصلاته عن الجميع، ولكنه لو أفرد لكلّ واحد طوافاً وصلاة مستقلة كان أولى.

- يستحبّ أيضاً بل ينبغي زيارة مولد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بمكة، وهو الآن مسجد في زقاق بسوق الليل يسمى «زقاق المولد»، فيصلّي فيه ويدعو الله تعالى.

- ختم القرآن الكريم في مكّة المعظّمة.

- العزم على العودة من قابل، فإنّ ذلك يزيد في العمر، كما أنّ العزم على عدم العود من قواطع الأجل.

- إتيان الحطيم، وهو ما بين باب الكعبة والحجر الأسود، وفيه تاب الله تعالى على آدم. ورُوي أنه أشرف البقاع، والصلاة عنده، والدعاء والتعلّق بأستار الكعبة في هذا المكان، وعند المستجار أيضاً.

- الاضطجاع في هذا المسجد قليلاً، ليلاً أو نهاراً.

- صلاة ركعتين في هذا المسجد.

- لو جاوزه استحبّ له الرجوع والتدارك.

- ويستحبّ أيضاً الصلاة في مسجد «غدير خم» والاكثار من الابتهال والدعاء في هذا المسجد.

من مستحبات وداع الكعبة والخروج منها

مستحبّات وداع مكّة والكعبة الشريفة كثيرة، ولكننا نقتصر على البعض منها:

- إذا أراد الحاج الخروج إلى أهله، فلا يخرج حتى يشتري بدرهم تمراً، ويتصدّق به على الفقراء، يعطيهم قبضة، فيكون ذلك كفارة لما كان منه في الحرم، أو حال إحرامه لمّا دخل في الحج.

- السجود طويلاً عند باب المسجد.

- ثمّ يقوم قائماً على قدميه، ويستقبل القبلة الشريفة ويقول: «اللهمّ إنّي أنقلب على لا إله إلا الله».

- ثم يخرج من باب الحناطين.

 

فضل زيارة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم

أيّها الحاج الكريم، لا شكّ أنّك على علم بأنّ من تمام الحج زيارة قبر الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم، في المدينة المنوّرة، والتبرّك بلثم تلك الأعتاب الطاهرة، والحضور في تلك المشاهد الشريفة، فإنّ زيارة النبيّ مستحبة عيناً، وعلى الأخص تستحبّ على الحاج، وتركها جفاء لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.

ولقد ورد في الحديث الشريف عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم، أنّه قال: «مَن أتى مكَة حّاجاً ولم يزُرني إلى المدينة جَفوتُه يوم القيامة، ومَن أتاني زائراً وجبتْ له شفاعتي، ومن وجبتْ له شفاعتي وجبتْ له الجنة».

وقال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام: «أتمّوا برسول الله حجّكم إذا خرجتم من بيت الله، فإنّ تركَه جفاءٌ، وبذلك أُمِرتُم، وأتمّوا بالقبور التي ألزمكم الله حقّها وزيارتها، واطلبوا الرزقَ عندها».

وقال الإمام أبو عبد الله الصادق عليه السلام: «إذا حجّ أحدكم فليختِم بزيارتنا، لأنّ ذلك من تمام الحجّ».

من مستحبّات المدينة المنورة

- يستحبّ الغسل لدخول المدينة المنورة.

- الغسل أيضاً لدخول المسجد الشريف، وزيارة قبر الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم، ويكفي الغسل الأول.

- الدخول إلى المسجد الشريف من «باب جبرئيل»، وهو الذي يكون من جهة البقيع.

- الاستئذان.

- التكبير مائة مرة.

- صلاة ركعتين تحيّة للمسجد النبويّ الشريف.

- إتيان قبر الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله واستلامه وتقبيله، إنْ أمكن، واستقبال الحجرة الشريفة، ممّا يلي الرأس الشريف، والتوجّه إلى الحجرة لا إلى القبلة.

- ويستحبّ أن تبلّغ النبيّ السلام والتحية عن أبويك وعمّن تحبّه من أهلك وأصدقائك، فتقول وأنت واقف عند الرأس الشريف: «السلام عليك يا نبيّ الله، من أبي وأمي وولدي وخاصّتي وجميع أهل بلدي...».

- توجّه بعد ذلك إلى القبلة، وأسنِد ظهرك إلى شبّاك القبر إنْ أمكن، وإلا فاجعل القبر خلفك، وقلْ ما كان يقوله الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليهما السلام، بعد زيارة النبيّ: «اللهمّ إليك ألجأتُ أمري، وإلى قبر نبيّك محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، عبدِك ورسولِك أسندتُ ظهري...».

- ويستحب قراءة سورة (القدر) أحد عشر مرة، واسألِ الله تعالى حاجتك فإنها تقضى إن شاء الله تعالى.

- ويستحب أيضاً الصلاة في مسجد الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم ما استطعت، فإنّ الصلاة في المسجد النبويّ الشريف تعدل عشرة آلاف صلاة في ما سواه، وعلى الأخصّ بين القبر والمنبر.

- ويستحبّ الصوم في المدينة لقضاء الحاجة وإن كان الانسان مسافراً، وينبغي أن يكون الصوم يوم الأربعاء والخميس والجمعة.

- ويستحبّ بعد الفراغ من زيارة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، زيارة بضعته الطاهرة، فاطمة الزهراء عليها السلام، فإنّ زيارتها من المستحبّات الأكيدة، ولها فضل عظيم وثوابها جسيم.

- إذا فرغت من زيارة النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم وبضعته الطاهرة عليها السلام، جدير بك أن تأتي المنبر الشريف، فتبرّك بذلك المنبر وأمسك الرمانتين اللّتين في أسفله بيدَيك، ومرّغ وجهك وعينيك بهما وبالمنبر إنْ أمكن، فإنّه شفاء للعينَين.

- ويستحبّ أيضاً الصلاة في «مقام جبرئيل» الذي كان يقوم فيه إذا استأذن على النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم.

- ويستحب الاعتكاف في المسجد النبويّ الشريف إن استطعت، وإن استطعت أن لا تتكلّم في الأيام إلّا ما لا بدّ منه فافعل.

زيارة أئمة البقيع

- يستحبّ استحباباً مؤكّداً زيارة أئمة البقيع عليهم السلام، فإذا فرغتَ من زيارة النبّي الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم وبضعته الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام، فتوجّه إلى البقيع لزيارة الأئمة الأربعة من أئمّة أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، ثم تزور معهم فاطمة بنت أسد.

- ويستحبّ أيضاً زيارة إبراهيم بن رسول الله صلّى الله علية وآله وسلّم.

 

لمَن لم يحضر الموسم

مراقبات العشر الأوائل من ذي الحجّة

  • الشيخ حسين كَوراني*

﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ..﴾ التوبة:36.

حول هذه الآية الكريمة، قال الشيخ الطوسي عليه الرحمة: «بيَّن الله تعالى أمر هذه الاثني عشر شهراً: ﴿..مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ..﴾؛ وهي ذو القعدة، وذو الحجّة، والمحرّم، ورجب: ثلاثة سَرْدٌ وواحد فَرْدُ، كما يعتقده العرب. ومعنى (حُرُم) أنّه يَعْظُمُ انتهاك المحارم فيها أكثر ممّا يعظم في غيرها...».

ويلاحظ هنا أنّ السرّ في حرمة الأشهر الحرم تربويّ أولاً، يتفرّع عليه الكفّ عن القتال فيها، وأنّ هذا السّر التربويّ مرتبط جذرياً بتهذيب النفوس، لأنّ الكفّ عن ظلم النفس في هذه الأشهر ربما أدّى إلى ترك الظلم بكلّ أشكاله.

العشر الأوائل

تستحق العشر الأوائل أن يهتم بها من لا يوفَّق للحجّ، كما يهتم بها الحجّاج إجمالاً، وإن كان للتفصيل حديث ذو شجون. غير أنّ الاهتمام بهذه العشر وغيرها من مواسم العبادة فرع الاهتمام بهذا اللون من آداب الإسلام، وهنا بيت القصيد.

وهذه الأيام العشر المعلومات، قد روي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، في عظمتها ما يجعل المؤدّي للأعمال التي ورد الحثّ عليها في هذه الأيام شريكاً للحجّاج في حجّهم، كما يأتي بيانه بحول الله تعالى.

 وتجمِع كلمات العلماء على فضيلة خاصة للعشر الأوائل من شهر ذي الحجّة، وقد وردت لها أعمال، وتشترك في عظيم فضلها -بالإضافة إلى أعمالها- التي تدلّ على خصوصية، عدة أسباب وهي كما يلي:

1) أنّها الأيام المعلومات التي وردت في القرآن الكريم بناء لروايات منها ما ذكره الشيخ الطوسي عن الإمام الصادق عليه السلام: «الأيّامُ المعلوماتُ هي العشر الأول من ذي الحجّة».

والمقصود في الرواية ما ورد في قوله تعالى: ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * ليَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ الحج:27-28.

2) أنّها العشر التي ورد الحديث عنها في ميقات النبيّ موسى عليه السلام، في قوله تعالى:

أ- ﴿وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً..﴾ البقرة:51.

ب- ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً..﴾ الأعراف:142.

وقد أورد الشيخ الطوسي عليه الرحمة والرضوان، بعض خصائص العشر الأُوَل من ذي الحجة وما يرتبط بها، فقال:

«وعشر ذي الحجّة يسمّى بالأيام المعلومات. والمعدودات ثلاثة أيام بعدها، وتسمّى أيام الذبح والتشريق، وأيام مِنى، ويوم الثامن يوم التروية، والتاسع يوم عرفة، والعاشر يوم النحر، وهو يوم الحج الأكبر وليلة الحادي عشر... والثاني عشر يوم النفر الأول، والثالث عشر يوم النفر الثاني».

وفي كلام الشيخ الطوسي رحمه الله تعالى، التأكيد على المستحب المضيَّع وهو المبيت في منى ليلة التاسع، كما يأتي في محله إن شاء الله تعالى.

ومن المؤسف جداً أن هذه الأيام الفضيلة «المعلومات» مع لياليها الميقات والمقسم بها، تنقضي بالغفلة عنها التي تكاد تكون مطبقة، فمَن يتوجّه إلى الحج ينشغل -عموماً- بأداء المناسك واللقاءات ولا يكاد يتسنّى له التفاعل مع هذا الموسم الإلهي الخاص بالطريقة المناسبة، ومَن لا يتوجّه إلى الحج يظنّ أنّه ليس معنيّاً بالعبادة في «أيام الحجّ» وهو ما يحرمنا -في الغالب- من خير عميم.

وبالإضافة إلى العشر الأوائل، يحتضن شهر ذي الحجّة مناسبات عبادية شديدة الأهمية، ولو لم يكن إلّا عيد الغدير، الذي هو يوم الفصل في كمال الدين وتمام النعمة باستمرار الإسلام المحمّديّ الأصيل، لكفى به سبباً لتشريف الشهر كلّه.

 

قبول العمل بشرط التولّي

إنْ كفلتَ يتيماً فأنت والرسول في الجنة كهاتين، فما هو مقام كافل الرسول؟!!

من الأولويات في موسم الحج سواء للحاج أو لغيره، التدقيق في مدى اتّباعه لرسول الله صلّى الله عليه وآله، فليس الإسلام ولا الإيمان إلّا حُسن اتّباع مَن أمر الله تعالى باتّباعه. قال تعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله..﴾ آل عمران:31.

ومن الواضح في سياق هذه الآية المباركة أن نحبّ مَن أحبّ رسول الله ونعادي عدوّه، لأنه لا سوء عاقبة أشد من أن تقود الغفلة قلباً أعمى إلى حبّ أعداء رسول الله، ومعاداة مَن أحبّه، أو أمَر المصطفى بحبّه.

أبو سفيان تجسيد العداء لرسول الله صلّى الله عليه وآله، ومعاوية ويزيد تجسيد العداء لأهل بيت رسول الله الذين أمر الله تعالى ورسوله بحبّهم، وليس عداء معاوية ويزيد وأضرابهما من الأمويين لأهل البيت إلّا حقداً دفيناً على المصطفى الحبيب الرؤوف الرحيم بما آتاه الله تعالى.

وفي المقابل النقيض كان أبو طالب تجسيد الحبّ لرسول الله صلّى الله عليه وآله، وقد لاقى من قريش وأبي سفيانها والأمويين بالخصوص أقسى الأمرَّين، دفاعاً عن رسول الله، ولو لم يكن إلّا حصار الشِّعب لكفى.

وتروي جميع المصادرالمعنية بلا استثناء عظيم بلائه وشديد تفانيه بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وآله، كما تروي شِعره الجمّ الوافر المتميّز بلغة التوحيد، والاعتقاد الصريح بنبوّة محمّد صلّى الله عليه وآله.

وكان ابنه عليّ بن أبي طالب بشهادة كلّ الخلق من الإنس والملائكة وغيرهم، وكما عبّرت الصدّيقة الكبرى الزهراءعليها صلوات الرحمن: «كلّما فَغرت فاغرة للحرب فاها، قذف [الرسول] أخاه في لَهَواتِها، مكدوداً في ذات الله» والدفاع عن رسول الله صلّى الله عليه وآله؛ يقيه بنفسه من محاولات أبي سفيان والأمويين وسائر القرشيين، حتى كانت سيرته كلّها وقاية لنفس المصطفى بنفسه، وهي نفسه، كما كان الحال ليلة المبيت على فراشه ليلة الهجرة.

والسؤال المركزيّ:

هل ثمّة سوء عاقبة أشدّ قبحاً من أن يجد مدّعٍ للتوحيد واتّباع الرسول، نفسه في حضن أبي سفيان ومعاوية ويزيد أو في مجلسهم أو على أعتابهم، أو محبّاً لهم، أو غير مصحِر بالبراءة منهم، ومجاهر بأعلى الصوت بلعنهم.

وهل ثمّة حسن عاقبة ودليل اتّباع للمصطفى الحبيب صلّى الله عليه وآله، أكثر بهاء، وأمضى حجّة من أن يجد المسلم نفسه مُوادّاً لمن وادّ الله ورسوله، محاداً لمَن حادهّما؟

ومَن لم يحفظ حقّ أبي طالب على كلّ مسلم في التفاني وبذل المهجة ردءاً لرسول الله صلّى الله عليه وآله، فلن يهتدي السبيل إلى الوفاء لابنه عليّ الذي لا يُذكر اسمه إلّا مع أبي طالب.

وللحاجّ بالخصوص أقول:

عرّج على مقابر قريش، وزرِ المولى عبد المطّلب والمولى أبا طالب وسيّدة أمهات المؤمنين خديجة، وافتح في قلبك صفحة نور، عنوانها: حبّ رسول الله صلّى الله عليه وآله، وسطرها الأول: حبّ كافله، ولا تُضحِك الشيطان عليك، يقنعك بأنّك إنْ كفلت يتيماً فأنتَ والرسول في الجنة كهاتين، ولكن كافل الرسول في ذلك الضحضاح المفترى والمزعوم!!!

سلامة العقيدة أولاً، ولا سبيل إليها إلّا بِحُسن اتّباع الرسول.

عندها يبلغ القلب معقد الأمل في أن يتقبّل منه العمل، فيؤدي عمل كلّ يوم من العشر الأوائل، وهو حيث أراد له المصطفى الحبيب أن يكون، في خطّ طاعة الله تعالى والسير في مدارج رضاه عزّ وجلّ.

الحجّ مع الحسين عليه السلام

من المهم للحاج وغيره، الاستفادة القصوى من خصوصية يوم التروية كمحطة استعدادٍ لأعظم أعمال الحجّ، وهو الوقوف بعرفة. ومن الواضح أنّ الثواب العظيم الذي يحظى به هذا الوقت القصير وهو نصف نهار، لا يختص بمَن حضر الموقف في عرفة، بل هو ثواب عظيم جداً لمن زار الإمام الحسين عليه السلام في هذا اليوم، كما هو ثواب نوعي لمَن عرف حرمة هذا الوقت، وتفرّغ فيه لعبادة الله تعالى في أيّ مكان وُجد.

وما يجب أن يعرفه الجميع هو الآتي:

1) أن ليلة عرفة عنوان مستقل، عن يوم عرفة.

2) أن ثواب يوم عرفة أعظم من ثواب ليلته.

3) أنّ العنصر المشترك بين عمل الليلة واليوم هو زيارة الإمام الحسين عليه السلام، في أيّ مكان كان المؤمن، في الحج أو كربلاء، أو غيرهما.

4) ويرتبط بذلك، التنبيه على أنّ الحج الواجب يبقى واجباً ولا تغني عنه زيارة الإمام الحسين عليه السلام، ولا يجوز تركه إطلاقاً، ولو زار كربلاء ما زار، إلّا أنّ هذا في نفس الوقت لا يعني أنّ الحجّ المستحب والتواجد في الموقف في عرفة لمَن أدّى الحج الواجب سابقاً، أفضل من زيارة الإمام الحسين في يوم عرفة، بل إنّ زيارة واحدة لسيّد الشهداء يوم عرفة لا يمكن أن يقاس بها الحج المستحب بالغاً ما بلغ.

والفائدة العملية أن يتنبّه القلب إلى أن هذا العنصر المشترك في عمل ليلة عرفة ويومها، وهو زيارة سيد الشهداء عليه السلام، شديد الأهمية، لأنّه يوصل القلب إلى أعتاب خير خلق الله المصطفى الحبيب صلّى الله عليه وآله.

يضاف إلى ذلك أن يوم التروية هو يوم خروج الإمام الحسين عليه السلام من مكّة، ويوم شهادة القائدين الكبيرين مسلم وهانيء، وهل يجتمع الوفاء لرسول الله صلّى الله عليه وآله والمودة في القربى إلّا بمواكبة القلب الدائمة للخطى المحمّدية في الطريق إلى محرّم وكربلاء.

يوم التروية حسيني، وليلة عرفة ويومها حسينيان، وليس وِرد المؤمن في يوم عرفة إلّا دعاء الحسين، في يوم ملوّن بلون الدم الحسيني. أوَ يعقل مع ذلك كله أن لا يكون القلب حسينياً، ثمّ يدّعي حب رسول الله صلّى الله عليه وآله؟

الحج دورة إبراهيمية مهدوية في السياق الإلهي الذي شاءه تعالى فيضاً محمّدياً.

الحجّ توحّد السعي والطواف، والرمل والهرولة، والعام والخاص، والحلق والرمي والذبح -بكل معانيه- على عتبة التوحيد، وفي محراب عظمة الله العليّ القدير الواحد الأحد الفرد الصمد، تقدست آلاؤه، وجلّ ثناؤه.

والمدخل الحصري لسلامة الحج وكلّ قصد: اتّباع المصطفى الحبيب، والقيام لله، طوافاً حول الكعبة التي جعلها الله تعالى ﴿..مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا..﴾ البقرة:125، ليحرموا مخبِتين، و«قياماً لهم» ليحلّوا قائمين بانتظار القائم عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

________________

* مختارات من كتاب (الأيام المعلومات) لسماحته

 

أمير الحجّ في كلّ عام

الشيخ حسين كَوراني

4 ذ.ق 1426

(1)

ونحن نتجاذب أطراف الحديث، قال:

من هو أمير الحجّ، هذه السنة؟

قلت: أميرَ الحاجّ تقصد أم الحجّ؟

أمّا أمير الحاجّ فهو من تحدّده سلطة موازين القوى والأمر الواقع، وحيث إنّ «السلطة» فعلاً بيد «بوش» وأضرابه، ومركز قطبها «الأوحد»! خارج حدود دار الإسلام، فإنّ الحاجّ في سنتنا كغيرها بدون أمير، فمَن أراده الانقلاب المعاصر على الأعقاب أميراً لا إمرة له، والأمير الحقيقيّ يرى تراثه نهباً.

وأمّا أمير الحجّ، أمير قافلة الوجود بإذن ربّها، أمير الزمان والمكان والعقل والقلب والحياة، فهو مَن خَلق الله تعالى كلّ ذلك لأجله، ولولاه لمَا كان آدم عليه السلام، ولا زيد في الوجود ولاعمرو!

أوَليس الحجّ هو القصد؟

أوَليس القصد حركة قلب؟

وهل يختلف القصد إلّا باختلاف الاختيار، بل هل يتحدّد أو يتقوّم إلّا به؟

وهل يمكن الفصل بين منْح الله تعالى الاختيار بأجلى صوره للمخلوق الأكرم، وبين «جدوائية» هذا المشروع الإلهي المتقوّمة بالمصطفى الحبيب محمّد وآل محمّد صلّى الله عليه وعليهم.

أمير الحج محمّد، وأمير العقل والقلب العقل المحمّدي، وقلبه ونفسه وروحه، وسائر تجليات الحقيقة المحمدية: «كلّنا محمّد».

كائناً مَن كان أمير الحاجّ، وسواء في عهد النبوّة، وامتداده اليسير في عمر الزمن، أم في عهد الانقلاب على الأعقاب، اِصغِ إليه في صلاته المقبولة أو المُكاء والتصدية، ستجده يقول: «وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله. اللّهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد».

أمير الحج إذاً، حتى لأمير الحاجّ هو المصطفى الحبيب، وهو صلّى الله عليه وآله قد حدّد للأمّة مرجعها من بعده ورُكنها الذي تأوي إليه، وقائدها والإمام. ﴿بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ..﴾ هود:86.

ألا تجمع الأمّة على الكثير من الثوابت، ومنها ما أسّسه صلّى الله عليه وآله وسلّم بقوله: «النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض»؟!

إنّ الصلاة بدون الصلاة عليهم حجٌّ بلا أمير، بل حجٌّ مع يزيد، وتَنَكُّرٌ للحسين في مكّة لتحمّله الغربة إلى كربلاء، فكيف هو الحج بدون معرفتهم التي لا معنى لادّعائها بدون تنسّم أريجهم في كلّ منسك من مناسك الحج؟

(2)

قال: لا شكّ في ذلك ولا ريب، ولكنّي أسأل عن أمير الحج في هذا العام وفي كلّ عام.

قلت: مهلاً أيها العزيز، ففي ما قلته لك وقدمته بين يديك -في البعد العملي- كل الشكّ وكل الرَّيب! وهو يكشف بجلاء عن شديد اهتزاز البعد النظري.

مَن كان أمير الحاجّ عندما غادر الإمام الحسين مكّة؟

هل تشي أقوالنا والأفعال بأنّنا الأمّة الوسط؟

هل نستحضر حقاً أنّنا أمّة خير خلق الله تعالى، وسيّد رسله؟

هل نحج مع رسول الله صلّى الله عليه وآله؟

 ألخّص لك الأمر في خطين عريضين:

1- ما هو مدى تجديد الحجيج العهد بالحبيب الذي أُمرنا بحبِّه بما لا يقوى قلب على تحمّل  أدنى إعراض عنه:

* ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ التوبة 24.

* «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من نفسه، وتكون عترتي أحبّ إليه من عترته».

أليس بديهياً أن يبحث المحبّ عن منزل حبيبه؟ فهل نعرف بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله؟ هل نعرف أين ولد؟ وأين كان يسكن في مكة عند بدء نزول الوحي في حراء؟ وعندما نزلت سورة (المدّثر) و(المزمّل)؟ وأين كان صلّى الله عليه وآله عندما أُمر أن يصدع بما يُؤمر ويعرض عن الجاهلين؟

أين هو دار الأرقم؟ وأين وضعت الصخرة على بلال وهو ينادي: «أحدٌ أحد»! بل أين كانت شهادة أوّل شهيدين ياسر وسميّة، وأين دُفنا؟!

أين هو شِعب أبي طالب؟ وأين دار الندوة الذي شهد توثّب المولى أبي طالب على عتاة قريش، وتوثّب المولى الحمزة دفاعاً عن الوحي والنبوة!

وأين كان رسول الله يصلّي ومعه المولى أبو الحسن، حين قال عمّه الكافل لأعظم يتيم: «صِل جناح ابن عمّك»؟!!

أين وقف سيّد الرسل طه الرؤوف الرحيم، وهو يأمر نفسه المرتضى أن يزيل الأصنام عن ظهر الكعبة ليتمحّض الحجّ في التوحيد، ويتجلّى التوحيد بالحجّ ويتجوهر؟ أين تمّ دفن اللات والعزّى وهبل؟ وما علاقة استحباب الدخول إلى الحرم من باب السلام بمكان دفن هذه الأصنام؟!

من أين دخل المصطفى إلى مكّة يوم الفتح في الرابع من ذي الحجّة؟ من أيّ باب من أبواب الحرم هبّ الحرم لاستقباله؟

أين كان منزل المصطفى الحبيب الذي توالت إيذاءات أبي لهب وأم جميل له فيه، حتى نزلت ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾؟

أين؟ أين؟ وألف أين، يلخص جوابها سؤال يقول: لماذا نجد في المنطقة الصناعية بمكة شارعاً باسم «أبي لهب»!!!!

 (3)

* لم يتملّك صاحبي أن يخفي ذعره، فتلفّت يمنة ويسرة، ولمّا لم يجد أحداً، قال:

ما عن هذا سألت وإن كان هو الحجَّ المضيَّع، والقصدَ المُتَنَكَّب، ولكني سألت عن أمير الحج في هذا العام، وفي كل عام.

فقلت: «وتسألني عن زمزم هاك أدمعي»!!!

أيّها العزيز حاجّاً كنت بالروح أو الجسد، أو بالروح وحسب، لا سبيل إلى المحمّدية البيضاء إلّا بحبّه صلّى الله عليه وآله، ولا سبيل إلى حبّه إلا بحبّ أهل البيت عليهم السلام، وليس من المودّة في القربى أن يغفل القلب في «ديار الأحبة» عن الوله إلى من عرف موقعه الأثير عند سيّد الخلق أجمعين.

وللحاج بالخصوص أقول: عرّج على مقابر قريش، وزُر المولى عبد المطّلب والمولى أبا طالب وسيّدة أمهات المؤمنين خديجة، وافتح في قلبك صفحة نورٍ، عنوانها: حبّ رسول الله صلّى الله عليه وآله، وسطرُها الأول: حبّ كافله، ولا تُضحك الشيطان عليك، يقنعك بأنّك إن كفلت يتيماً فأنت والرسول في الجنة، ولكنّ كافل الرسول في ذلك الضحضاح المفترى والمزعوم.

سلامة العقيدة أولاً، ولا سبيل إليها إلّا بحسن اتّباع الرسول، أي اِبذِر بذرتها المعافاة لتنمو، وستشرق في قلبك أنوار التوحيد لتكتشف بنفسك الفارق الجوهري، الذي يفصل بين الإيمان والكفر.

عندها يبلغ القلب معقد الأمل في تقبّل العمل، فيؤديّ مناسكه، وهو حيث أراد له المصطفى الحبيب أن يكون، في خطّ طاعة الله تعالى، والسير في مدارج رضاه عزّ وجلّ، مع أمير الحاجّ المؤتمّ بإمام زمانه.

2- وعندها يا صاح فقط -وهذا هو الخط العريض الثاني الذي كنت أريد الوقوف عنده- يتاح التعرف على شروط الائتمام بالنجم الثاقب من أهل البيت، الذي هو الأمير المحمّدي لقافلة الوجود بإذن الله تعالى، والذي لولاه لذهبت الأرض؟!

عندها يصبح السؤال عن أمير الحاجّ أو أمير الحجّ سؤالاً عملياً، لا يدخل في باب الادّعاء المقيت: ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ الصف:3.

(4)

بعد قرار العقل بإيداع حبّة القلب والمهجة للأعتاب المحمّدية والعقل الأتم، وإثبات ذلك بالوفاء للمولى أبي طالب بالخصوص، يبقى على مَن يريد الوصول إلى إمام زمانه أمير الحج والقلب والحياة، أن يُعنى بمنسكَين:

1- حبّ الحسين عليه السلام.

 فكما هو العجب لا يكاد ينقضي من الغفلة المطبقة عن الربط بين البيت وبين أهل البيت، كذلك هو العجب لا ينقضي من الغفلة المطبقة على الكثيرين الكثيرين، عن الربط بين روح أيّ منسكٍ عباديٍّ وبين الحسين عليه السلام.

«كلّهم نور واحد» إلّا أنّ للارتباط بالحسين عليه السلام، شأناً خاصاً في الوصول إلى رضوان الله تعالى في الصراط المحمّدي. «حسين منّي وأنا من حسين»!

يضاف إلى ذلك أنّ يوم التروية هو يوم خروج الإمام الحسين عليه السلام من مكّة، ويوم شهادة القائدين الكبيرين مسلم وهانئ، وهل يجتمع الوفاء لرسول الله صلّى الله عليه وآله والمودّة في القربى، إلّا بمواكبة القلب الدائمة للخطى المحمّدية في الطريق إلى محرّم وكربلاء. اللّهمّ ارزقنا.

يوم التروية حسيني، وليلة عرفة ويومها حسينيّان، وليس وِرد المؤمن في يوم عرفة إلّا دعاء الحسين، في يوم ملوَّنٍ بفردوس الدم الحسيني. أوَ يعقل مع ذلك كلّه أن لا يكون القلب حسينياً، ثمّ يدعي البحث عن أمير الحج أو الحاجّ، وهو فرع حبّ رسول الله صلّى الله عليه وآله.

2- حمل همّ المسلمين.

ألم يقل المصطفى الحبيب سيّد الرسل صلّى الله عليه وآله: «مَن أصبح لا يهتمّ بأمور المسلمين فليس بِمسلم»؟

لا ينفصل حمل همّ المسلمين إطلاقاً عن خفقة القلب مع مظلومية كلّ مظلوم مستضعَف، ولو لم يكن مسلماً. فالوقوف مع العدل وضدّ الظلم لا يتجزّأ.

ما هو الحال في فلسطين؟ وماذا يجري ضدّ المسلمين كلّهم والبشرية جمعاء في العراق؟

أيّ معاناة يتجرّع غصصها أهلنا في فلسطين والعراق وأفغانستان، وتعصف بهم أهوالها؟

كيف هي حال هؤلاء؟

وألف كيف!!

(5)

مَن أحبّ المصطفى صادقاً، والعلامة حبّ الحسين، أكثر من حبّه لعترته، والعلامة حمل الهمّ مستسهلاً ما استوعره المترفون، فهو أمير الحاجّ والحجّ، بل أمير الجنة!

هذا القلب المحمديُّ الذي صاغت كلّ شغاف قلبه المحمّدية البيضاء والعلويّة العليا بإذن الله تعالى، سيجد بلا أدنى ارتياب أنّه يقترب رويداً رويداً من خيمة المولى وصيّ رسول الله الإمام المهدي المنتظر، وإن لم يعرفها، بل ربما وجد أنّ الإمام بكرمه المحمّديّ الإلهيّ، قد بسط عليه غامر حنانه واللطف، وخاطب قلبه!

*روي عن محمّد بن عثمان العمري رضي الله عنه، أنّه قال: «والله إنّ صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كلّ سنةٍ، يرى الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه».

وروي عن عبد الله بن جعفر الحميري، أنّه قال: «سألت محمد بن عثمان العمري - رضي الله عنه - فقلت له: رأيت صاحب هذا الأمر؟

فقال: نعم، وآخر عهدي به عند بيت الله الحرام وهو يقول : (اللهمّ انجِز لي ما وعدتَني).

قال محمّد بن عثمان رضي الله عنه وأرضاه: ورأيته صلوات الله عليه متعلّقاً بأستار الكعبة في المستجار، وهو يقول: (اللهمّ انتقِم لي من أعدائك)».

* ينبغي للحاج بشكلٍ خاص، أن يعيش قلبه مع وصيّ رسول الله، صاحب العصر والزمان عجّل الله فرجه الشريف.

وفي رُبى عرفات أصغر منطقة جغرافياً، يجزم المؤمن بوجوده فيها مع إمام زمانه، باب الاتصال برسول الله وبالله تعالى.

وفي بعض المنقولات المعتبرة نقلاً عنه عليه صلوات الرحمن، أنّه يزور خيم الحجّاج، وأنّ للعزاء في عرفة ولخصوص ذكر عمّه أبي الفضل العباس، موقعاً خاصاً لديه سلام الله تعالى عليه.

لا حجّ بدون معرفة الإمام، فهو باب حطّة المحمّدي، ومَن عرف إمام زمانه أمكنه أن يعرف الفرق بين أمير الحاجّ وبين أمير الحجّ.

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  إصدارات

إصدارات

11/05/2020

إصدارات

نفحات