كربلاء، مدرسة الذِّكر والعبادة

كربلاء، مدرسة الذِّكر والعبادة

25/11/2011

كربلاء، مدرسة الذِّكر والعبادة


كربلاء، مدرسة الذِّكر والعبادة

 الشيخ حسين كوراني

موسم الهجرة إلى رسول الله مع الحسين هذا العام، كربلائيٌّ بامتياز..
هذه الكربلائيّة عالميّة. يزيد العصر يحتضر. قد تطول حشرجات الإحتضار وتعظم خسائرها والأضرار. في النِّهاية: لكلِّ محتضرٍ نعشٌ جاهز، وقبرٌ محفور. يضرى بطش الفرعون على أبواب نهايته، إلّا أنّ غالب بطشه يرتدُّ إليه.
تتّسم إطلالة عاشوراء هذا العام، بأنَّ «الغرب» يستعدُّ للرحيل عن «شرق النُّبُوَّات» لتنحسر شمسُ الشيطان الأكبر المصطنعة عن أرض الحضارة والفكر وحبّ الناس كلّ الناس في أربع رياح الأرض.
بدأ الإعداد للملمة الفلول عندما صدّعت حرب تموز  وحرب غزّة أركان «إسرائيلهم».  تسارعت وتيرة «وداعاً سورية» الهرقليّة المعاصرة بصمود الشعب العراقي أمام محاولات شَرْعنة الإحتلال.
يودّع الغرب المستعمر «أرض النبوّات» ويهود الكيان الصهيوني على أبواب مرحلة ﴿..إن يريدون إلا فرارا﴾ الأحزاب:13.  الهاجس الذي يؤرّقهم جميعاً -المستعمر والمحتل- هو «روح كربلاء».
أدركوا أنّ بقاءهم في هذا الشرق مستحيل. لابد -بزعمهم- من إعادة التّموضع، إلّا أنَّهم لم يُدركوا أنّ بقاء ذهنية الإحتلال والتفرعن والإستعمار والإستكبار مصيرها الزوال حتى في الغرب.
يرجع السبب -في عدم إدراكهم هذا- إلى عجزهم عن فهم أي بُعدٍ من أبعاد عالميّة «روح كربلاء» وثقافة عاشوراء.
بنى المتصهينون امبراطوريتهم على الجماجم والأشلاء، ومصادرة مصائر الشعوب ﴿..وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار﴾ الحشر:2.

***

لا نبالغ، ولا نُغرق في التِّمنّي. ندرك خطورة المرحلة، فنذكّر أنفسنا برفع وتيرة الجهاد: 
      والحربُ قد بدأت وكلّ دقيقة            كرصاصة الأعداء إنْ ذهبتْ سُدى
ننطلق في ذلك مع وليِّ أمر المسلمين في هدْي رؤيته المسدَّدة.
يقول سماحته: «لقد ضَعُفَتْ أمريكا اليوم كثيراً عمّا كانت عليه قبل عشرين عاماً. لم تَعُدْ لأمريكا اليوم هيبتها وقدرتها كما في السابق، وقد لحقتْ بها هزائم تزيد من ضعفها يوماً بعد يوم، ووقعت في ورطات راحت تغوص فيها أكثر مع مُضيّ الزمن، لترسم مستقبلاً خطراً لأمريكا، ولكلّ من ورّط نفسه في غمرات السياسة الخطيرة اتّكالاً عليها. هذه هي تجربتنا وهذه هي نظرتنا. وهذا هو الواقع الذي أمامنا ولكنْ ينبغي مع ذلك عدم الغرور بهذا الواقع. ينبغي معرفة أنّ الرحمة الإلهيّة والعون الإلهي منوطان بحركة الإنسان المؤمن وسعيه الدؤوب وعمله الصالح. يجب أن نتواجد في الساحة ولا ننسى الشعور بالواجب والإحساس بالمسؤولية والجهاد. الجهاد في الميادين المختلفة هو واجبنا، وضمانة تقدُّمنا وانتصارنا. ثمّة جهاد حتى في الساحة السياسية، وهناك جهاد في الميدان الثقافي، وفي المضمار الإعلامي وعالم الإتصال أيضاً، وفي الصُّعد الإجتماعية أيضاً ثمة جهاد. ليس الجهاد مجرّد الجهاد العسكري بل شتّى مستويات الحياة الإنسانية إنما هي سوحٌ جهاديّة..».
لا يكاد يخلو خطابٌ لسماحته من ربط كلّ هذا المسار المظفَّر، والمستقبل الواعد بمفجِّر الصحوة الإسلامية بإذن الله تعالى الإمام الخميني قدّس سرّه، «الذي فتح أمامنا هذا الطريق». كان الإمام يردِّد: «كلّ ما عندنا من عاشوراء».

***
 
ما هي طبيعة خطابنا العالمي؟
يجب أن تكون ثقافيّة مبدئيّة، ترتكز إلى مكارم الأخلاق المحمديّة، وآفاق المعنويَة والروح.
لقد تعبت البشرية من التسطيح والظَّواهريَّة، وثقافة الجسد المُموَّهة بالمعنى.
بتاريخ 2011/05/04 قال الإمام الخامنئي: «العالم كلّه اليوم متعطّش للمعنويَّة وهذه المعنوية موجودة في الإسلام ".." معنويَّةٌ من دون عُزلة. من دون انفصالٍ عن الحياة. معنويَّةٌ تواكب السياسة. عرفانٌ مع النشاط الاجتماعي والتَّضرُّع والبكاء بين يدَي الله تعالى، والجهاد في سبيله..».
تلكم هي  ثقافة عاشوراء و«روح عاشوراء».
كانت المعركة ستنشب في يوم تاسوعاء، فأرسل الإمام الحسين أخاه أبا الفضل العباس لاستعلام الأمر «فلمّا أخبره العباس بقولهم قال له الحسين: إرجعْ إليهم فإن استطعت أن تؤخّرهم إلى غَدْوَة، لعلّنا نصلّي لربّنا هذه اللّيلة وندعوه ونستغفره، فهو-سبحانه- يعلم أنّي كنت أحبّ الصلاة له، وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار».
وكانت السِّمة العامة لكلِّ الكربلائيّين من أصحاب سيّد الشهداء عليه السلام، العبادة والذّكر. قال الشهيد حبيب بن مظاهر في وصفهم: «عُبَّاد أهل هذا المصر( الكوفة) المتهجِّدين بالأسحار، والذَّاكرين الله كثيراً».

***

يبحث العالم بأسره اليوم عن الأمن النفسي، والسلام، والطمأنينة والسعادة. ليس العالم بحاجة إلى المتعطِّشين للسُّلطة فقد سئِمتهم الأعصار والقرون، ولا أمراء الحرب والبطش والتنكيل ومصادرة الحرّيات وحقّ الوجود والعيش الكريم. أولاء هم الذين لفظتْهم تجارب البشرية المعذّبة.
تمسُّ حاجة عالَم اليوم إلى المقتدين بحبيب بن مظاهر وأقرانه، ومالك الأشتر وسربه،  إلى عُبّاد المقاومة الإسلامية والحرس الثوري الشهداء والمنتظرين. إلى قومٍ «كأنّ قلوبهم القناديل» «رهبان اللّيل، ليوث النَّهار»، ﴿..أشدّاء على الكفَّار رحماء بينهم..﴾ الفتح:29، «لا تأخذهم في الله لومة لائم». وتلك هي ثقافة عاشوراء و«روح كربلاء».
مفصلان مائزان بين خطِّ الجهاد البدريِّ الكربلائيّ، وبين اعوجاج السلطويِّين المتصهينين الذين يشهد العصر اندحارهم: التَّرف، ومزامير الشيطان. والضابطة التزام الحكم الشرعي بلا مواربة بدعوى الإنفتاح، ولا تحجُّرٍ بتوهُّم الأصالة وحفظ حدود الله. فتوى المرجع الشرعيّ هي الحَكَم.
من هذين المفصلين المسربين تتسلّل «ثقافة الإستبدال» ومن أسوأ مفرداتها أن ننسى أو نجهل أنّ كربلاء مدرسة كثرة الصلاة وتلاوة القرآن وكثرة الدعاء والإستغفار. مدرسة الذّكر والعبادة. ولا يُمكن للذِّكر إلّا أن يكون كثيراً كما أمر الله تعالى، ولا يُمكن للعبادة إلّا أن تكون في مستوى الهدف من الخلق ﴿لِيَعْبُدُون﴾. أللهمَّ ارزقنا.

اخبار مرتبطة

  أنا قتيلُ هذا الغربِ المُتوحِّش

أنا قتيلُ هذا الغربِ المُتوحِّش

  القلب والحظوظ الدنيويّة

القلب والحظوظ الدنيويّة

  دورياات

دورياات

26/11/2011

دورياات

نفحات