البسملة
هل هي آية.. وما تفسيرُها؟

البسملة هل هي آية.. وما تفسيرُها؟

25/11/2011

البسملة هل هي آية.. وما تفسيرُها؟

البسملة
هل هي آية.. وما تفسيرُها؟
____________إعداد: «شعائر»____________

«بسم الله الرحمن الرحيم أقربُ إلى اسم الله الأعظم من سوادِ العين إلى بياضها». الإمام  العسكري عليه السلام
بحثٌ للشيخ البهائي قدّس سرّه من رسالته «العروة الوثقى» يتناول فيه «البسملة» من حيث كوْنها الآية الأولى من كلّ سورة -ما عدا براءة- أو الأولى من الفاتحة فحسب، أو غير ذلك من الآراء، ثمّ يبحث في طبيعة بائها، ومتعلّقها، والأصل اللّغوي لكلمة «اسم»، تعرضه «شعائر»، مختصراً مع بعض التصرّف.

 أَطبقت الأمَّة على أنَّ البسملة بعضُ آيةٍ مِن القرآن، ولكنْ طال تشاجرهم في شأنها أوائل السُّوَر الكريمة المصدّرة بها في المصاحف المجيدة:
1- هل هي هناك جزء من كلّ واحدة من تلك السُّوَر سواء الفاتحة وغيرها؟
2- أم أنَّها جزء من الفاتحة وحدها لا غير؟
3- أم أنَّها ليست جزءاً من شيءٍ منها، بل هي آية مستقلّة من القرآن أُنزِلَت للفصل بها بين السُّوَر؟
4- أم أنَّها لم تنزل إلَّا بعض آية في سورة النَّمل وليست جزءاً من غيرها، وإنَّما يأتي بها التَّالي والكاتب في أوائل السُّوَر تَبَرُّكاً وتَيَمُّناً باسمه جلَّ وعلا؟
5- أم أنَّها آيات من القرآن أُنزِلَت بعدد السُّوَر المصدَّرة بها من غير أن يكون شيءٌ منها جزءاً لشيءٍ منها؟
والقول الأوّل هو مذهب أصحابنا رضي الله عنهم، وقد وردت به الروايات عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام، وعليه فقهاءُ مكَّة والكوفة وقُرَّاؤهما سوى حمزة، ووافقهم سعيد بن جبير، والزهري، وابن المبارك، وقالون مِن قُرَّاء المدينة، وبِهِ قال أكثر الشافعيّة.
والقول الثّاني هو المختار عند بعض الشافعيّة.
والقول الثَّالث هو الرَّاجِح عند مُتَأخِّري فقهاء الحنفيَّة، وإن كان المشهور بين قدمائهم هو القول الرّابع، وهو الذي قال به قرَّاء البصرة والشّام والمدينة إلَّا قالون، وعليه فقهاء هذه الأمصار كَمالِك والأوزاعي، ووافقهم حمزة مِن قُرَّاء الكوفة.


وأمّا القول الخامس، فقد نسبه الجزري إلى أحمد وداود، فلا عبرة بما قيل إنَّه مجرَّد إحتمال لم يَقُل به أحد.
ولنا ما رُوِيَ عن أمِّ سلمة رضي الله عنها عن النَّبيّ صلّى الله عليه وآله، أنّه قرأ سورة الفاتحة وعَدَّ ﴿بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين﴾ آية، وما رُوِيَ أنَّه صلّى الله عليه وآله قال: «فاتحة الكتاب سبع آيات أولاهنّ بسم الله الرَّحمن الرَّحيم».
ولاختلاف ظاهر هذَين الحديثَين اختُلف في أنَّها آيةٌ برأسها أم مع ما بعدها. وأمَّا الجمع بينهما بأنَّ الثّاني من قبيل قولنا: أوّل البروج الدّرجة الأولى من الحمل، وأوّل آيات الفاتحة حرف الباء، فهو كما ترى.
وبعضهم روى حديث أمّ سلمة رضي الله عنها بوجه لا يُخالف هذا الحديث، هكذا قال: قرأ رسول الله صلّى الله عليه وآله الفاتحة، فعدَّ ﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾ آية، و﴿الحمد لله ربِّ العالمين﴾ آية، و﴿الرَّحمن الرَّحيم﴾ آية، و﴿مالك يوم الدين﴾ آية، و﴿إيّاك نعبد وإياك نستعين﴾ آية، و﴿إهدنا الصراط المستقيم﴾ آية، و﴿صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين﴾ آية.
ولنا أيضاً ما رواه أصحابنا في الصّحيح عن محمّد بن مسلم، قال: «سألت أبا عبد الله، جعفر بن محمّد الصّادق عليهما السلام عن السَّبع المثاني والقرآن العظيم هي الفاتحة؟ قال: نعم، قلت: بسم الله الرّحمن الرّحيم مِن السَّبع؟ قال: نعم، هي أفضلهنّ».
وما رَووه أيضاً في الصّحيح من أنَّ يحيى بن عمران الهمداني كتب إلى أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليهما السلام يسأله عن مُصلٍّ قرأ البسملة في الفاتحة، فلمّا صار إلى السُّورة ترك البسملة، فكتب عليه السلام بخطِّه: يُعيدها.
 وأمَّا الإستدلال على هذا المذهب بالرِّواية عن ابن عبّاس رضي الله عنهما، أنّه قال حين ترك النّاس البسملة في أوائل السُّوَر: «مَنْ تركها فقد ترك مائة وأربع عشر آية من كتاب الله»، ففيه ما فيه، لأنَّه إنَّما يدلّ على بطلان القول الثّاني والثّالث والرّابع لا على الأوّل، لانطباقها على الخامس، على أنَّ في متنها خَلَلاً يبعُد صدورُ مثلِه عن مثله، لخلوّ [سورة] براءة عن التّسمية، فالصّواب [مائة و] ثلاث عشر آية، وإصلاحه [الخلل] بأنَّه يرى تصديرها بها، أو نزول الفاتحة مرَّتين، أو أنَّه ألحقَ المعدوم بالمتروك تغليباً وتوبيخاً، أو أنَّ غرضه تركها مطلقاً حتّى من [سورة] النَّمل، وجعَلَ المتروك منها آية ".."

وأمَّا الاستدلال بالإجماع على أنَّ ما بين الدفَّتَين كلام الله جلَّ وعلا، واتّفاق الأمة على إثباتها في المصاحف مع مبالغتهم في تجريد القرآن [عماّ سواه]، فَنِعْم الاستدلال على ما هو المُدَّعى من جزئيَّتها للسُّوَر المصدّرة بها.
ثمّ في هذا المقام بحثٌ يحسُن التَّنبيه عليه، وهو أنَّه لا خلاف بين فقهائنا رضوان الله عليهم في أنّ كلّ ما تَواتَر من القراءات يجوز القراءة به في الصَّلاة، ولم يفرِّقوا بين تخالفها في الصِّفات أو في إثبات بعض الحروف والكلمات كَمَلِك ومالِك، وقوله تعالى: ﴿تجري من تحتها الأنهار﴾ بإثبات لفظة «مِن» وتركها.
فالمكلَّف مخيَّر في الصَّلاة بين التَّرك والإثبات، إذ كلٌّ منهما متواتر، وهذا يقتضي الحكم بصحّة صلاة مَنْ ترك البسملة أيضاً، لأنّه قد قَرأ بالمتواتِر من قراءة أبي عمرو، وحمزة، وابن عامر، وورش عن نافع، وقد حكموا ببطلان صلاته، فقد تناقض الحُكمان، فإمّا أن يُصار إلى القدح في تواتر التَّرك وهو كما ترى، أو يقال بعدم كلّيّة تلك القضيّة، ويُجعل حكمهم هذا مُنَبِّهاً على تطرُّق الإستثناء إليها، فكأنَّهم قالوا: كلّ ما تواتر يجوز القراءة به في الصَّلاة إلَّا تَرْك البسملة قبل السُّورة.

باء البسملة

الباء إمّا للإستعانة أو المصاحبة، وربّما رجَحت الأولى بكونها أوفق بقوله تعالى ﴿وإيّاك نستعين﴾، وبأنَّ جعْلَ الإسم الكريم ذريعةً يُتوصَّل بها إلى الفعل يُشعر بزيادة مدخليَّته فيه، حتّى كأنّه لا يتأتَّى ولا يوجد بدونه، والمصاحبةُ عرّية عن ذلك الإشعار والتبرُّك "..". والسُّورة بجملتها مقولة على ألسِنَة العباد إرشاداً لهم إلى طريق التبرُّك بأسمائه، والحمد على نعمائه، والإخلاص في الإقبال عليه، وسؤال الهداية مِن لدنْه تعالى.
وأمَّا متعلّق الباء فلك إضماره خاصّاً أو عامّاً، فعلاً وإسماً، مؤخَّراً ومقدَّماً، [تنتج ثمانية وجوه عن الجمع بينها] ولعلَّ أولى هذه الثَّمانية أوَّلها، أعني الخاصّ الفعلي المؤخَّر، فالتَّقدير: «باسم الله أَقرأُ» لا «أبدأُ». لأنَّ الفعل الذي يلي البسملة وبَدْءُ القارئ بها فيه قراءة [أيّ إنّ فعل القراءة هو الذي يعقب البسملة]، ولوروده خاصّاً عند الذِّكر في قوله تعالى ﴿اقرأ باسم ربك﴾ فكذلك عند الحذف، إذ القرآن يُفسِّر بعضه بعضاً.
وفي الحديث أنَّ النَّبيّ صلّى الله عليه وآله أَمَر مَنْ آوَى إلى فراشه أن يقول: باسمك وبِكَ وَضَعْتُ جنبي وبِكَ أرفعه.
وفي حديث أبي ذرّ وحذيفة رضي الله عنهما أنّه صلّى الله عليه وآله كان إذا آوى إلى فراشه يقول: «باسمك اللّهُمَّ أَحيا وأَموت»، ولأنَّ ما يدلّ على ملابسة الإسم الأقدس المُطلق القراءة، أَوْلى ممّا هو صريح في التّقييد بابتدائها [أي أقرأُ أولى من أبدأ]، كيف والأحقّ بأنْ يُقصد بالبسملة الإستعانة عليه هو القراءة بجملتها، ليقع بأجمعها على الوجه اللَّايق من حضور القلب، وعدم اشتغاله في أثنائها بغير الإقبال على الحقّ جلَّ شأنه.
وما قيل مِن اقتِضاء إضمار «أَبدأ العمل» بحديث الإبتداء لفظاً ومعنىً، وإفضاء تقدير «أقرأ» إلى رفض العمل به لفظاً، فمِمَّا لا يَستحقّ في مثل هذه المقامات الإصغاء إليه فضلاً عن التَّعويل عليه، وأمَّا إيثاره على «قراءتي» [أي كون التقدير: باسم الله قراءتي] فلزيادة التَّقدير حينئذٍ ضرورة إضمار الخبر، إذ تعلُّق الظَّرف بها يَمنع جعلَه خبراً لها، على أنَّ تقدير الفاعل بارزاً ليس كتقديره مُستتِراً، وأمّا تأخير العامل فَلِمَا فيه مِن تقديم ما هو الحقيق بالتّعظيم، ولاقتضائه قَصْر الإستعانة والتَّبرُّك على اسمه جلَّ وعلا قصراً حقيقيّاً أو إضافيّاً قلبيّاً، ردّاً على المُشركين في قولهم: «باسم اللَّات والعزَّى»، وليُوافق تقدُّم الإسم الكريم على ما تَلاه، تَقَدَّم مُسَمَّاه على ما سِواه "..".

حول «اسم»


 الإسم عند البصريِّين من الأسماء المحذوفة الأعجاز المسكَّنة ".." تخفيفاً لكثرة الإستعمال، المبدوّة حال الاستعمال بهمزة الوصل، جرياً على ما هو دأبهم مِن الإبتداء بالمتحرِّك، فقَرَنوها بما يَثبُت في الإبتداء ويَسقط في الوصل قضاء لحقِّ العادة.
واشتقاقه [الاسم] مِن السُّموّ، لأنّه رفعةٌ للمسمَّى، وأصله سُمو كعُضو، وعند الكوفيِّين مِن السِّمة، وأصله وسم، فعوَّضوا عن الواو همزة وَصْل "..".
وقد اشتهر الخلاف في أنَّ الإسم هل هو غير المُسمَّى أو عينُه، ونُسب الأوّل إلى المعتزلة، والثاني إلى الأشاعرة [وقد وقع النزاع] حتىّ قال بعضهم: إنَّ البحث فيه عَبَث، وهو كذلك بحسب الظاهر، فإنّه إن أُريد اللّفظ، فلا مِرية في أنّه غير المُسمَّى، إذ لا يشكّ عاقل في أنَّ لفظ فرس مثلاً غير الحيوان الصَّاهِل، ولفظ نار غير الجسم المُحرِق، ولا حاجة فيه إلى الاستدلال بتألُّف الإسم من أصوات غير قارَّة، واختلافه باختلاف الأمم، وتعدُّده تارةً واتِّحاده أخرى بخلاف المُسمَّى.
وإن أُريد ذاتُ الشَّيء كما في قولنا: «الفرس مركوب»، كان عبارة عن المُسمَّى، [وقيل غير ذلك].
وقد يُقال إنَّه كما قد يُعلم أنَّ مراد اللَّافِظ مِن «الإسم» اللّفظ تارةً، والمُسمَّى أخرى، نحو: زيد كلمة وعمرو متكلّم. فقد لا يُعلم إرادته لأحدهما بخصوصه عند عدم قرينة حاليّة أو مقاليّة معيِّنة للمراد، فحينئذٍ فهل يُحمَل الإسم على اللّفظ أو على المُسمَّى، فهذا هو محلّ النِّزاع بين الفريقَين.
وإدخال الباء على الاسم دون لفظ الجلالة، للإشعار بأنّه كما يُستعان بذاته سبحانه كما قال جلّ شأنه: ﴿..وإيّاك نستعين﴾، كذلك يُستعان بذكر اسمه المقدَّس، ولِمَا في قولنا: ﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾ مِن إبهام قصر الإستعانة والتبرُّك على هذه الأسماء، ولأنَّ الشايع الاستعانة على سبيل التبرّك أن يكون بأسمائه تعالى لا بذاته سبحانه، ولأنّه أوفق بالرَّد على المشركين في قولهم باسم اللَّات والعزى. وأمّا التَّعليل بالفرق بين اليمين والتيمُّن فهو كما ترى.
 ولم يكتبوا الألف على ما هو الرَّسم [أي بسم وليس باسم] لكثرة كتابة بسم الله، فناسبها التَّخفيف بخلاف قوله تعالى ﴿فسبِّح باسم ربك﴾.

اخبار مرتبطة

  أنا قتيلُ هذا الغربِ المُتوحِّش

أنا قتيلُ هذا الغربِ المُتوحِّش

  القلب والحظوظ الدنيويّة

القلب والحظوظ الدنيويّة

  دورياات

دورياات

26/11/2011

دورياات

نفحات