حديثُ الملائكة عن تربةِ كربلاء

حديثُ الملائكة عن تربةِ كربلاء

منذ يومين

حديثُ الملائكة عن تربةِ كربلاء

حديثُ الملائكة عن تربةِ كربلاء
ماذا قال جبرئيل، وميكائيل، وملَك الماء؟
--- العلّامة المحقّق السيّد محمّد الجلالي*-----

«لم يُذكر اسم "كربلاء" في تراث العرب القديم، وإنّما جاء على لسان الغيب، وسمعَه العربُ أوّل مرّة في حديث النبيّ صلّى الله عليه وآله، وكلّ ما أخبر به من أنباء المستقبل وحوادثه، فهو من الغَيب الموحى إليه».
كيف تحدّث رسول الله صلّى الله عليه وآله عن كربلاء وتربتها، «تربة الحسين» عليه السلام؟ في هذا السّياق تقدّم «شعائر» مقتطفاً من بحثٍ موسّع للعلّامة المحقّق الكبير السيّد محمّد الجلالي الحسيني.

للغَيب والإيمان به، موقعٌ متميّز في حضارة الدّين، والرّسالات كلّها، وفي الإسلام كذلك، حتى جُعل من صفات المؤمنين أنهم: ﴿..يؤمنون بالغيب..﴾ البقرة:3، و قد جاء الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله بأنباء الغيب التي أوحاها الله إليه، وكلّ ما أخبر به من أنباء المستقبل وحوادثه، فهو من الغيب الموحى إليه، إذ هو ﴿وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى * علمه شديد القوى﴾ النجم:3-5
كانت واقعة خروج الحسين إلى أرض العراق وقتْله هناك من دلائل النبوّة، وشواهدِ صدقها حقّاً، وقد استفاضت بذلك الأخبار. وقد أورد كثيراً من هذه الأخبار البيهقي في (دلائل النبوّة) وكذلك أبو نعيم في (دلائل النبوّة) وهما مطبوعان متداولان.
 وممّا نقله ابن عساكر (في موسوعته «تاريخ دمشق»):

*عن عليٍّ عليه السلام قال: «دخلتُ على رسول الله صلّى الله عليه وآله وعيناه تفيضان فقلت: يا نبيَّ الله، أغضبَك أحد؟ ما شأن عينَيك تفيضان؟ قال: بل قام من عندي جبرئيل قبلُ، فحدّثني أنّ الحسين يُقتَل بشطّ الفرات».
** وزار ملك القَطْر (الماء) رسول الله صلّى الله عليه وآله، فدخل الحسين يتوثّب على رسول الله، فقال الملَك: «أما إنّ أمّتك ستقتلُه».

 وقد روى هذه الأنباء عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: عليٌّ أمير المؤمنين عليه السلام، وأمّ سَلَمة أمّ المؤمنين، وزينب أمّ المؤمنين، وأمّ الفضل مرضعة الحسين، وعائشة بنت أبي بكر، ومن الصّحابة: أنس بن مالك، وأبو أمامة، وفي حديثه: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله لنسائه: لا تُبكوا هذا الصّبيّ -يعني حسيناً- فكان يومُ أمِّ سلمة، فنزل جبرئيل، فدخل رسول الله صلّى الله عليه وآله وقال لأمّ سلمة: لا تَدَعي أحداً يدخل عليَّ. فجاء الحسين، وأراد أن يدخل، فأخذته أمُّ سلمة فاحتضنتْهُ وجعلتْ تُناغيه وتُسكِتُه، فلمّا اشتدّ في البكاء خلَّت عنه، فدخل حتى جلس في حِجْر رسول الله صلّى الله عليه وآله. فقال جبرئيل للنبيّ: إنّ أمَّتك ستقتل ابنك هذا، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله قد احتَضن حسيناً، كاسفَ البال مهموماً. فخرج إلى أصحابه وهم جلوسٌ فقال لهم: إنّ أمَّتي يقتلون هذا، وفي القوم أبو بكر وعمر. أهـ.
 ".." وبذلك يكون الحسين عليه السلام ومقتله مِن شواهد النبوّة والرّسالة ودلائلها الواضحة، وبهذا تتحقّق مصداقيّة قول رسول الله صلّى الله عليه وآله: «.. وأنا من حسين».
 إنَّ نزول جبرئيل بالأنباء إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله أمرٌ مألوف، إذ هو ملَك الوحي، وموصل الأنباء، أمّا نزول ملك القطْر -المطر- وإخباره بذلك، فهو أمرٌ يستوقِفُ القارئ! فهل في ذلك دلالة خفيّة على موضوع فقدان الماء في قضيّة كربلاء، والعطش الذي سيَتصاعد مثل الدّخان، من أبنية الحسين، يوم عاشوراء؟

كربلاء وتربتُها
لم يُذكر اسم «كربلاء» في تراث العرب القديم، وإنّما جاء على لسان الغَيب، وسمعه العرب أوّل مرّة في حديث النبيّ صلّى الله عليه وآله، في ما رواه سعيد بن جهمان، قال: إنّ جبرئيل أتى النبيّ صلّى الله عليه وآله بترابٍ من تربةِ القريةِ التي يُقتَل فيها الحسين، وقيل: اسمُها كربلاء! فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «كربٌ وبلاء».
 فلا بدّ من أن يكون هذا الإسم موضوعاً على تلك القرية، لكنَّ تداولها بدأ منذ هذا الحديث، وأمّا استيحاء الكرب والبلاء منه، فلم يُؤثَر (قبل) هذا النَّصّ، بالرّغم من إيحاء حروف الكلمة، ودلالتها التصوّريّة التي لا يُمكن إنكارها.
* وعليٌّ عليه السلام أيضاً سأل عن هذا الاسم واستوحى منه المعنى نفسه.
 قال الرّاوي: «رجعنا مع عليٍّ من صِفّين، فانتهينا إلى موضعٍ، فقال: ما يُسمّى هذا الموضع؟ قلنا: كربلاء! قال: كربٌ وبلاء، ثمّ قعدَ على رابية وقال: يُقتَل هاهنا قومٌ أفضل شهداء على ظَهر الأرض ".."».
* والحسينُ نفسه، حين نزل كربلاء، تساءل: ما اسمُ هذه الأرض؟ قالوا: كربلاء. قال عليه السلام: كربٌ وبلاء!

* إحضارُ عيّنة من تربة كربلاء

 وبعد حديث الغَيب (من رسول الله  صلّى الله عليه وآله)، كان إحضارُ عيّنة من تربة كربلاء، التي تكرّر الحديث عنها، دعماً من الرسول صلّى الله عليه وآله، لكلّ ذلك الحديث بمصداق، ونموذجٍ من تربتها، ليكون دليلاً عينيّاً من دلائل النبوّة ومعجزاتها. ففي حديث عليٍّ عليه السلام،عن النبيِّ صلّى الله عليه وآله: «قال جبرئيل: هل أُشِمُّك من تربته؟ ".." فمدّ يده فقبض قبضةً من تراب، فأعطانيها».

* وفي حديث أنس: فجاءه بسهلة، أو ترابٍ أحمر، فأخذتْه أمّ سلمة فجعلتْه في ثوبها.
   * وفي حديث أبي أمامة: فخرج على أصحابه وهم جلوس... قال: هذه تربتُه، فأراهم إيّاها.
* ولِأُمّ سَلَمة -أمّ المؤمنين- شأنٌ أكبر مع هذه التّربة، فقد رَوت حديثه بشيءٍ من التفصيل: «.. فاستيقظ وفي يده تربةٌ حمراء وقال: أخبرني جبرئيل: أنّ ابني هذا –الحسين- يُقتل بأرض العراق، فهذه تربتُها، أهلُ هذه المدرة يقتلونه». بل زادها رسول الله صلّى الله عليه وآله شرفاً بأنْ استودعَها تلك التربة، وكانت تحتفظُ بها. 
 وفي ما رَوته -أم سلمة- قالت: «كان الحسن والحسين يلعبان بين يدَي النبيّ صلّى الله عليه وآله في بيتي، فنزل جبرئيل فقال: يا محمّد، إنّ أمّتك تقتل ابنك هذا من بعدك، وأومأَ بيده إلى الحسين. فبكى رسول الله صلّى الله عليه وآله، وضمّه إلى صدره، ثمّ قال: وديعةٌ عندك هذه التّربة، فشمّها رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وقال: ويح كرب وبلاء. وقال: يا أمّ سلمة، إذا تحوّلت هذه التربة دماً فاعلمي أنّ ابني قد قُتل. فجعلتْها أمّ سلمة في قارورة، ثمّ جعلت تنظر إليها كلّ يوم وتقول: إنّ يوماً تحوّلين دماً لَيومٌ عظيم».
 وهذه التفاصيل اختصّت بها أمّ سلمة من بين زوجات النبيّ صلّى الله عليه وآله.
 أمّا حديث التّربة فقد رواه غيرها من النّساء أيضاً:
* فعائشة قالت: «فأشار له جبرئيل إلى الطَّفّ بالعراق، وأخذ تربة حمراء، فأراه إيّاها فقال: هذه تربةُ مصرعِه».
* وزينب «أمّ المؤمنين» رَوَت: «فأراني تربةً حمراء».
* وأمّ الفضل -مرضعة الحسين- قالت: «وأتاني بتربةٍ من تربتِه حمراء».
والعجيب في أحاديثهنّ، كلّهن، وأحاديث مَن غيرهنّ، أنّها تحتوي على جامعٍ مشترك هو الحُمرة لون الدّم، إلّا أنّ حديث أمّ سلمة احتوى على تحوّل التربة إلى دمٍ في يوم عاشوراء.
فما هذه الأسرار التي تحتويها هذه الأخبار؟
وما سرّ هذه التّربة التي: تفيض دمعةُ النّاظر إليها، وتتحوّل إلى دم، وتوحي الكرب، والدمّ، والقتل، والبلاء! ولها رائحة خاصّة، وكان طِيبُها دليلاً عليها لِمن يهواها: فلمّا أُجري الماء على قبر الحسين -في عصر المتوكِّل العبّاسي- نضبَ بعد أربعين يوماً، وامّحى أثر القبر، فجاء أعرابيٌّ من بني أسد، فجعل يأخذ قبضةً ويشمُّها، حتى وقع على قبر الحسين وبكاه، وقال: بأبي وأمِّي ما كان أطيبَك، وأطيب تربتَك ميتاً، ثمّ بكى وأنشأ يقول:

أرادوا ليُخفوا قبرَه عن وليِّه   فطِيب ترابِ القبرِ دلّ على القبرِ.

وهل يُمكن الإطّلاع على تلك الأسرار إلّا من خلال أنباء الغَيب التي تُوحيها السماء على سيّد الأنبياء؟
إنّ من أعظم دلائل النبوّة والإمامة، تحقّق تلك التنبّؤات كلّها. ولا تزال تربة كربلاء ذاتها، تتحوّل يوم عاشوراء إلى دمٍ قانٍ. ولا يزال الموالون للحسين يعرفونها من رائحتها. ولا زال تراب كربلاء، يقدَّس، ويُتقرّب إلى الله تعالى بالسّجود عليه لطهارته وشرفه عند الله سبحانه، ويُتبرَّك به ويُستشفى به، لأنّ دم الحسين أُرِيق عليه، في سبيل الله. ولا زالت أرضُ كربلاء توحي المآسي والكرب والبلاء، وتجري عليها المصائب والآلام، وتجري فيها أنهار الدّماء لأنها كربٌ وبلاء.
*من كتابه: (الإمام الحسين عليه السلام: سِماته وسيرته)

اخبار مرتبطة

  أنا قتيلُ هذا الغربِ المُتوحِّش

أنا قتيلُ هذا الغربِ المُتوحِّش

  القلب والحظوظ الدنيويّة

القلب والحظوظ الدنيويّة

  دورياات

دورياات

منذ يومين

دورياات

نفحات