التّمحيص في زمن الغَيبة

التّمحيص في زمن الغَيبة

25/11/2011

التّمحيص في زمن الغَيبة

التّمحيص في زمن الغَيبة
حاجة البشريّة إلى المنقذ

ـــــ الشهيد السيّد محمّد صادق الصدر ـــــ

يتحدّث الشهيد السيّد محمد صادق الصدر رضوان الله عليه في الجزء الثاني من (موسوعة الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف) عن أربع درجات للتَّمحيص الإلهي الكبير في عصر ما قبل الظُّهور، والتي تشارك بشكل وآخر في بناء العدل في اليوم الموعود، وأنّ هذه الدّرجات كلّما ارتفعت قلّ المتّصفون بها، والعكس بالعكس.

توجد أربع درجات للتَّمحيص في زمن الغَيْبة الكُبرى:
الدَّرجة الأولى: الإخلاص التَّام والوَعي الكامل الذي يَتَمثَّل باستعداد الفرد للتَّضحية بِكُلِّ غالٍ ورخيص على الإطلاق في سبيل العدل الإلهي وتطبيق تعاليم الرَّبّ العظيم وأهدافه الكبرى، ويكون مثل هذا الفرد مؤهَّلاً لِنَيْل بعض درجات القيادة والسُّلطة العسكريّة أو المَدَنيّة في اليوم الموعود.

الدَّرجة الثّانية: الإخلاص الثّابت المهمّ الذي يتمثَّل في قدرة الفرد على السَّيطرة بإرادته على كلِّ صعوبة وإغراء مرَّ به في حياته، من درجات الخوف والطَّمع المعروفة، بِغَضِّ النَّظر عن أنّه لو مرَّ في حياته بدرجة أعلى من التَّمحيص والمصاعب فهل يستطيع النَّجاح أيضاً أم لا. وهذا هو الذي يُفرِّق هذه الدَّرجة عن سابقتها.
وهذه الدرجة هي التي تؤهّل الفرد لأن يکون واحداً من القواعد الشعبيّة الصّالحة لدولة الحقّ في اليوم الموعود، أو أن يکون جنديّاً محارباً خلال الفتح العالمي في ذلك اليوم.

الدّرجة الثّالثة: الإخلاص الإقتضائي، وهو أن يكون الفرد مُحِبّاً للحقِّ والعدل الإلهي في دخيلة نفسه، ومُسايراً لظروف الظُّلم أو الإغراء إلى حدٍّ ما أيضاً.
فإنَّنا نجد في كثير من الأفراد إنفكاكاً بين العقيدة والسُّلوك. فبينما نَجِد عقيدته صالحة، نَجِد سلوكه مُنحرفاً نتيجةً لاضطراره وظروفه الشاذَّة واحتياجه إلى لقمة العيش.
وهو في ذات الوقت من الممکن أن يکون مدرکاً لمعنى الظّلم و فظاعته، وللمسؤوليّة تجاه تعاليم الله العادلة، ولکنّه يشعر بالقصور عن تطبيقها نتيجةً لظروف الضغط والظُّلم التي يعيشها. ومن ثمّ فهو يدفن عقيدته وَوَعيه في قلبه ويُساير الظلم والإغراء إلى بعض الخطوات.
ويُمكن في حقِّ مثل هذا الفرد، أنَّه بمجرَّد أن ترتفع ظروف الظُّلم ويبدأ التَّطبيق العادل، فإنَّه سوف يَنطلق إخلاصه الإقتضائي الكامِن بعد أن ارتفع عنه المانِع، ويكون له حركة فعَّالة في المشارَكة والتَّعاون في ظروف التَّطبيق الجديد.

الدَّرجة الرّابعة: أن لا يوجد الإخلاص بِأيّ درجة من الدَّرجات السَّابقة، ولكن يكون الفرد قد شَعَر بوضوح، نتيجة لظروف التَّمحيص العالمي، بفشل التَّجارب التي عاشتها المبادىء، والفلسفات التي ادَّعَت حلَّ مشاكل العالم، وتذليل مصاعبه، ونشر العدالة والرَّفاه في ربوعه. فإنَّ هذه المبادىء [المدّعية] بعد أن تَعيش التَّجربة والتَّطبيق وتَتَمخَّض عن نتائجها الرَّئيسيّة، سوف يبدو بوضوح للأعمِّ الأغلب مِن البشر أنّها لم تَتَمخَّض إلّا عن الفساد والضَّياع، نتيجة لقصورها الذّاتي، وقد أضافت إلى مشكلات العالم، لا أنّها قد ذلّلت منها شيئاً.
عندئذ ينبثق شعور خفيّ، في اللّاشعور، بالحاجة العالميّة الماسّة إلى الحلّ الناجز الذي يُنقذ العالم من ورطته، وهذا الحل -وإن لم يکن ملتفَتاً إليه بوضوح، أو معروفاً بتفاصيله- توقُّعٌ نفسيّ غامض، يُمکن انطباقه على أوّل دعوة محتملة الصّدق. ومن هنا تفوز مثل هذه الدعوة بتأييد کلّ من يمثل هذه الدرجة من نتائج التمحيص.
فهذه هي الدَّرجات الأربع التي يَتَمخَّض عنها التَّمحيص الإلهي الكبير في عصر ما قبل الظُّهور، والتي تشارك بشكل وآخر في بناء العدل في اليوم الموعود.
ونحن نستطيع أن نُلاحظ بوضوح أنَّ هذه الدَّرجات كلَّما ارتفعت قلَّ الأفراد المُتَّصِفون بها مِن البشر، وكلَّما نزلت زاد الأفراد المُتَّصفون بها بطبيعة الحال.
ومن هنا كان المُتِّصِفون بالدَّرجة الأولى من الإخلاص قليلين في البشر، وهم الذين لا يَحتَجِب عنهم الإمام المهدي عليه السلام خلال الغَيْبة الكبرى، كما كان المُتَّصِفون بالدَّرجة الرّابعة هم أكثر البشريّة في العصر المباشر لِما قبل الظُّهور، وتختلف الدَّرجتان الثّانية والثّالثة في ما بين هذين الحَدَّين مِن العَدد.


 

اخبار مرتبطة

  أنا قتيلُ هذا الغربِ المُتوحِّش

أنا قتيلُ هذا الغربِ المُتوحِّش

  القلب والحظوظ الدنيويّة

القلب والحظوظ الدنيويّة

  دورياات

دورياات

26/11/2011

دورياات

نفحات