نورٌ من نور عاشوراء

نورٌ من نور عاشوراء

26/11/2011

نورٌ من نور عاشوراء

نورٌ من نور عاشوراء
الثّورة الإسلاميّة في إيران
_______ السيّد محمّد حسين رئيس زاده*  _______

«إنَّ علاقة الثَّورة الإسلاميّة في إيران بقضيّة عاشوراء، هي بالمعنى الفلسفي الوجودي علاقة المَعلول بالعلَّة. وهي بالمعنى التَّاريخي والنَّهضوي العلَّة الرَّئيسيّة والسَّبب الأساسي للحركات الإصلاحيّة والتَّحرُّريّة في العالم الإسلامي وخصوصاً في إيران».
مقال للسيّد محمّد حسين رئيس زاده، يلقي الضّوء على العناوين العقائديّة والجهاديّة التي استلهمها الإمام الخميني قدّس سرّه من عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام.

يُمكن القول إنَّ الحوادث والوقائع التي تجري في العالم هي على ثلاثة أقسام:
1- الحوادث التي تجري بدون اختيار أو إرادة جدِّيّة مِن القائم بها، فتَحدُث بدون تخطيط، كحوادث السَّيْر التي نشاهدها يوميّاً في العالم. وهذه الحوادث ليس وراءها رسالة ولا هدف ثقافي أو معنوي، ولا تَصلح لأن تكون أُسوةً للآخرين، ولا يوجد فيها دروس يُمكن الأخذ بها. بل إنَّ غاية الأمر هي أنْ تكون عِبرة للآخَرين.
2- الوقائع التي تحدث بالإختيار والإرادة الجدَّيّة مِن القائم بها، ولكن ليس وراءها رسالة فكريّة أخلاقيّة ومعنويّة وسياسيّة، كالحروب التي قام بها بعض الملوك لفتح البلاد والأقاليم؛ فإنَّ هذه الوقائع أيضاً لا تَصلح لأنْ تكون أُسوةً للآخرين؛ لأنَّها لم تَحمل رسالة إلی الآخرين حتّی يتَّبعونها، بل إنَّ صاحب العلاقة قد لا يريد من الآخرين أن يتَّبعوه في هذا الأمر. وغاية الأمر أنّها هنا أيضاً عِبرة للآخرين. إنَّ هذه الحوادث والوقائع يُمكن أن نسمِّيها بالوقائع العارِضة أو الطَّارِئة، وهي تَحدُث في زمانٍ خاصّ تختصّ به، وتنتهي بانتهائه.
3- الحوادث والوقائع التي تَحدث بالإرادة والتَّخطيط، وتحمل رسالة فكريّة وأخلاقيّة ومعنويّة وسياسيّة؛ ويريد القائم بها أنْ يَسلك الآخرون سلوكه، وأنْ تكون الواقعة‌ أُسوة ونموذجاً للآخرين، كَحَركة الأنبياء في التَّاريخ، أو النَّهضة الإصلاحيّة في أوروبا، [مع فارق القياس]، إلخ.
وهذه الحوادث لا تبقى عادةً مَحصورة في ظرفها الزَّمني والمكاني، بل تَتجاوز الظُّروف الزَّمنيّة والمحليَّة، وتَصلح لأنْ تكون أُسوةً ونموذجاً. وهذه الوقائع هي التي ولَّدت الحركات الإصلاحيّة والتَّحرُّريّة في العالم.
 تَنتسِب واقعة عاشوراء إلى هذا القسم الثّالث مِن الحوادث في حياة الإنسان، وهي صالحة للإستمرار واقتداء الآخرين بها، لأنَّها حادثة إراديّة واختياريّة، وتتضمَّن فِكراً ومنهجاً ورسالة إلی الآخرين. والقائم بها يُريد لها أن تكون مِثالاً يُقتدى به لِسائر الثَّورات والحركات النّهضويّة في العالم.
 ويمكن أن نقول إنَّ السِّرّ في إخراج الإمام الحسين عليه السلام لعياله وأهل بيته معه في مسيرته الإستشهاديّة، -مع علمه بأنّهم سوف يَقعون أسْرى بِيَدِ الأعداء- هو أن تكون هذه الواقعة سبيلَ هدايةٍ للنَّاس ضدّ الطَّواغيت، وإحياءً للدِّين، وحفاظاً على الإسلام ومِلّة رسول ‌الله صلّى الله عليه وآله.
 والسِّرُّ أيضاً هو في تأكيد أئمّة الهدى عليهم السلام على إحياء هذه الواقعة من خلال حثَّ المؤمنين على إقامة المسيرات ومجالس العزاء على مرِّ العصور والأزمنة، وذلك من أجل أن تتحوَّل إلى منهج وسلوك غايتُه إحياء الرِّسالة المُحمَّديّة.

الثَّورة الحسينيّة المُتَجَدِّدة


العلاقة بين عاشوراء والثَّورة الإسلاميّة‌ في إيران: إنَّ علاقة الثَّورة الإسلاميّة في إيران بقضيّة عاشوراء، هي بالمعنى الفلسفي الوجودي علاقة المَعلول بالعلَّة. وهي بالمعنى التَّاريخي والنَّهضوي العلَّة الرَّئيسيّة والسَّبب الأساسي للحركات الإصلاحيّة والتَّحرُّريّة في العالم الإسلامي وخصوصاً في إيران.
ولذا فإنَّ قضيّة عاشوراء هي العلّة المُحدِثة والمُبقِية للثَّورة، وهي الرُّوح المستمرّ للنَّهضة الإسلاميّة المعاصرة.
لقد شَرِب شعبنا من هذه المدرسة وتربَّى على هَدْيِ كلماتها، وتخلَّقَ بأخلاقها، وعلى هذه المسيرة العظمى ترسَّخ حبُّ الحسين وأولاده وشعاراته في عروق شعبنا وأمَّتنا، فتجلَّى الدَّم الحسيني في حركتهم. فبالإقتداء بالإمام الحسين عليه السلام قاموا بالثَّورة بقيادة الإمام الخميني رضوان الله عليه، وهكذا في صيانتها والدِّفاع عنها واستمراريَّتها حتّی الآن.
وهذا ما أشار إليه الإمام رضوان الله عليه من خلال كلماته المأثورة:
- «إنَّ انتصار الثّورة الإسلاميّة كان مِن بركات تلك النَّهضة: لولا نهضة سيِّد الشُّهداء عليه السلام لَمَا استطعنا تحقيق النَّصر في ثورتنا هذه».
- «إنَّ ثورتنا هي امتداد لِنهضة الحسين عليه السلام، وإنَّها تَبَعٌ لتلك النَّهضة، وهي شعاعٌ مِن أشعَّتها».
- «كونوا على يقين مِن أنَّه لو لم تَكُن مواكب العزاء هذه موجودة، ولو لم تَكُن المواكب والمراثي موجودة لَمَا انطلقت إنتفاضة 15 خرداد (5 حزيران 1963)».
- «أجل، إنَّ الحقّ مُنتَصِر. لكنّ للنَّصر مفاتيح ورموزاً ينبغي لنا العثور عليها ومعرفتها ".." علينا أن نعرف رمز بقاء الشِّيعة طوال الزَّمن الماضي منذ عصر أمير المؤمنين عليه السلام حتّى الآن ".." إنَّ أحد هذه الرُّموز الكبرى -وهو أكبرها- قضيّة سيِّد الشُّهداء عليه السلام، وإذا أردنا أن يكون بلدنا مستقلّاً وحُرّاً ينبغي أن نحفظ هذا الرَّمز».
- وعن تأثير الثّورة الحسينيّة على المؤمنات يقول قدّس سرّه: «هذه المجالس هي التي خَرَّجَت أمَّهاتٍ يَفقِدْنَ أبناءهنَّ، ثمَّ يَقلنَ بأنَّ لديهنَّ غيرهم، وأنّهنَّ مستعدَّات للتَّضحية بهم أيضاً. إنَّها مجالس سيِّد الشُّهداء ومجالس الأدعية من دعاء كميل وغيره، هي التي تَصنع مثل هذه النَّماذج وتَبْنيها».

لقد استَلهم الإمام الخميني رضوان الله عليه مِن الملحمة العاشورائيّة والمدرسة الحسينيّة، ما يُسدِّد قراراته الكبرى في تأسيس الثَّورة واستمراريَّتها. ولقد تزوَّد الشعب الإيراني بالثَّقافة ‌العاشورائيّة ومعاني المدرسة ‌الحسينيّة، التي تقوم ركائزها على عدَّة عناصر أساسيّة:
1- روحيّةُ الإستشهاد وثقافتها.
2- المواجهة المستمرَّة لأهل الحقّ ضدَّ الباطل.
3- مواجهة الطَّاغوت والإطاحة به.
4- التَّبَعيَّة المحضة لله تعالى، وطلب رضاه، والتّسليم لأمره.
5- الدِّفاع عن مصالح الأمّة والوطن.
6- حماية المجتمع من الجريمة والفساد على قاعدة «الأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر».

إنطلاقاً من أنَّ الثّورة الإسلاميّة في إيران هي وليدة المدرسة الحسينيّة، فسَنَجِد قواسم مشتركة بينهما، وهنا أُشير بالإختصار إلى بعضها:
1 – في الغاية والهدف: إنَّ أهداف هذه الثَّورة هي نفسها التي حمل رايتها الإمام الحسين عليه السلام من خلال نهضته العاشورائيّة؛ وعلى ما بَيَّن الإمام عليه السلام، فإنَّ هذه الأهداف هي: طَلَب الإصلاح في الأمّة الإسلاميّة، وتنفيذ الأحكام الإسلاميّة في المجتمع الإسلامي، وتأسيس الحكومة الإسلاميّة والرُّجوع إلى سيرة أبيه وجدِّه صلوات الله عليهما في الحكومة والدَّولة، والقيام ضدّ الطَّاغوت والسُّلطان الجائر النّاكث لعهد الله والمُستحِلّ لِحُرَمه تعالى.
في زمن الشَّاه المخلوع لم تُطبَّق الأحكام الدِّينيّة في المجتمع، وإنَّما كانت أحكاماً منسيَّة على مستوى الدَّولة والمؤسَّسات الحكوميّة. بل أكثر من ذلك، فقد كانت مهمّة الشَّاه ونظامه مركَّزة على إزالة مظاهر الإسلام في الدَّولة والمجتمع.
وكان أبوه قد عمد من قبل إلى إلزام النِّساء بِكَشف الحجاب، وتَعامَل مع المُلتزمات بالحجاب والعفَّة بالشِّدَّة، بل إنَّه قَتَل كثيراتٍ منهنّ في السَّنوات الأخيرة من حكومته لهذا السَّبب.
 إضافةً إلى ذلك، فقد غَيَّر الشَّاه التَّقويم الهجري الشَّمسي الذي يُشير إلى هجرة النّبيّ صلّى الله عليه وآله، إلى التَّقويم «الشَّاهنشاهي» الذي يَرمز إلى طبيعة النِّظام الملكي في إيران قبل الإسلام بألف سنة، مع أنَّ خمسة وتسعين بالمائة من الإيرانيِّين هم مسلمون وملتزمون بالإسلام وأحكامه.
قبل انتصار الثّورة، كان تركيز الشَّاه ودعاياته عبر الصُّحف والمجلَّات المنتشرة، والإذاعات والتَّلفزات الإيرانيّة، ومناهج  المدارس والجامعات الحكوميّة، على تحقير الدِّين وتضعيفه، وإلقاء الشُّبُهات حول الإسلام. كما أنَّه كان يَدعم مراكز الفساد والفحشاء، ويُشدّد الضَّغط في المقابل على المراكز الدِّينيّة.
خُلاصة الكلام، أنّ الحقّ -في زمن الشّاه- كان لا يُعمل به والباطل لا يُتناهى عنه، لذا قام الشَّعب الإيراني بثورته المُظَفَّرة بقيادة علماء الدِّين وفي مقدِّمهم الإمام الخميني، وأَسقط الشَّاه ممهّداً بذلك لتطبيق أحكام الإسلام في المجتمع والدّولة.
2- في القيادة: إنَّ قيادة كلتا الحركَتَين كانت قيادة دينيّة. في قضيّة عاشوراء كان الإمام المعصوم هو القائد، وفي الثَّورة كان نائب الإمام المعصوم هو القائد أيضاً.
لقد استلهم الإمام الخميني من خامس أهل الكساء وتَجَلِّي الحقيقة المحمَّديّة الإلتزام بحدود الله تعالى، فكان مُتَّصِفاً بالصِّفات الإيمانيّة، ولم يَكُن عنده هوىً ولا طَمَع دنيوي، فقد جاهد نفسه وتغلَّب عليها وقام بالثَّورة لأجل أداء وظيفته وتكليفه، وكان دائماً يقول: «إنّنا مكلَّفون بواجباتنا، ولسنا مكلَّفين بضمان النَّتائج».
لقد كان المهمّ لديه هو العمل بمسؤوليّاته الدِّينيّة حيال المجتمع والدِّين، ولذا رَفَض أيّ تسوية مع الشَّاه أو مع الولايات المتّحدة، ولم يَخَف أحداً، بل كان فعله وقوله من مصاديق الحديث الشَّريف: «مَن خاف مِن الله خاف منه كلُّ شيء، ومَن لم يَخَفِ الله خاف مِن كلِّ شيء».
3 – عدم التَّساوي في معادلة القوى بين الجبهتَين من حيث العدد ومن حيث الإمكانات: في كربلاء كان عدد أفراد جبهة الحقّ 73 مجاهداً في مقابل أكثر من 30000 محارب. وفي تجربة الثّورة لم نحارب الشَّاه وعملاءه، بل كنَّا نواجه أميركا والإتّحاد السّوفياتي في ذاك الوقت، وبعد الإنتصار وقعت الحرب، وفُرِض علينا أن نُواجه جيش صدّام والقوى العالميّة والإقليميّة. والآن لا تزال الثورة تواجه التَّحديّات من جميع القوى الإستكباريّة والإقليميّة.
4- في المنهجيّة: منهجنا في الثّورة الإسلاميّة في إيران هو منهج الإمام الحسين عليه السلام في قضيَّة عاشوراء، ويتّضح ذلك من خلال النقاط التاليّة:
أ- كانت بدايةُ حركته الإمام عليه السلام بِطَلبٍ ودعوةٍ مِن أهل الكوفة، ولذا فقد أَسَّس عليه السلام حَرَكَته على أساسٍ شعبيّ، حيث ضمَّت إليها شرائح مختلفة. والإمام الخميني رضوان الله عليه بدأ أيضاً حركته وثورته بالإعتماد على الشَّعب.
ب- منهج الإمام الحسين عليه السلام في قضيّة عاشوراء، كان منهجاً دفاعيّاً؛ لم يَبدأ بالقتال، بل دعا أنصاره وأصحابه لِيُدافعوا عن أنفسهم. وفي الثّورة الإسلاميّة أيضاً كان منهج الإمام دفاعيّاً ولا يَقوم على ‌العنف العسكري، ولم يَسمح باستخدام السِّلاح، مع أنَّ الشّاه دَخَل بكامل جيشه للقضاء على الثّورة والثَّوريّين.
 ج- تطبيق الحدود الإلهيّة: لقد استنّ الإمام الخمينيّ بسُنّة رسول الله وأوصيائه عليهم السلام فلم يَخرج عن حدود الإسلام والضَّوابط الدِّينيّة، بل سار بطريق القرآن، وإبّان الثورة ضدّ الشاه رفض قادتُها أيّ عملٍ مخالفٍ للأحكام الإسلاميّة.
هذه بعض ملامح التَّواصل والإشتراك الجوهري بين عاشوراء الحسين عليه السلام والثّورة التي قادها الإمام الخميني قدّس سرّه قبل أكثر مِن ثلاثين عاماً. وها هي الجمهوريّة الإسلاميّة تُواصِل مسيرتها باقتدارٍ وعزّةٍ في مواجهة قوى الشَّرّ العالميّة، وفي مقدّمهم الولايات المتّحدة الأميركيّة.
إنّ ثبات الجمهوريّة اليوم بقيادة الإمام السيّد عليّ الخامنئي دام ظلّه، إنَّما يَعود أصلاً وأساساً إلى ذلك الإلتزام الوَطيد بِرُوح عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام، ورسالة النّبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله.
 _____________________________
* المستشار الثقافي للجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة في بيروت

اخبار مرتبطة

  أنا قتيلُ هذا الغربِ المُتوحِّش

أنا قتيلُ هذا الغربِ المُتوحِّش

  القلب والحظوظ الدنيويّة

القلب والحظوظ الدنيويّة

  دورياات

دورياات

26/11/2011

دورياات

نفحات