الحكومة العالمية الواحدة: المناخات المؤاتية

الحكومة العالمية الواحدة: المناخات المؤاتية

14/06/2005

تكشف النظرة الشمولية في مسيرة النبوات أن من أبرز ثمراتها البعيدة والنهائية إقامة الحكومة العالمية الموحدة، بل يعتبر ذلك من أوضح ماينتج عن استحضار أخذ العهد على النبيين بالإعتقاد بنبوة النبي الخاتم، وبشاراتهم به، وادخار ن

تكشف النظرة الشمولية في مسيرة النبوات أن من أبرز ثمراتها البعيدة والنهائية إقامة الحكومة العالمية الموحدة، بل يعتبر ذلك من أوضح ماينتج عن استحضار أخذ العهد على النبيين بالإعتقاد بنبوة النبي

الخاتم، وبشاراتهم به، وادخار نبي الله عيسى لنصرة خاتم أوصيائه.

بسم الله الرحمن الرحيم
أعد لملتقى "الإمام المهدي" عليه صلوات الرحمن
الذي يقام في مشهد -إيران. في    شهر ذي الحجة 1424 هـ

*مدخل
تكشف النظرة الشمولية في مسيرة النبوات أن من أبرز ثمراتها البعيدة والنهائية إقامة الحكومة العالمية الموحدة، بل يعتبر ذلك من أوضح ماينتج عن استحضار أخذ العهد على النبيين بالإعتقاد بنبوة النبي

الخاتم، وبشاراتهم به، وادخار نبي الله عيسى لنصرة خاتم أوصيائه. 

وبناءً عليه فإن موقع الحكومة العالمية الواحدة من منظومة الرؤية الكونية التوحيدية، هو  موقع أوان الثمرة من الشجرة، وهو مايحتم أن يبدأ الحديث عنها بالحديث عن البذرة –على الأقل- حتى لايفرض

الحديث عما قبل ذلك على البحث مساراً يستتبع الإطالة.

ويشكل الحديث عن "دحو الأرض" ما يشبه البذرة، كما يشكل ماقبل ذلك من عوالم ماقبل الدنيا الحديث عن مصدر البذرة ومراحل تكونها.

ومن الملفت جداً أن النص الديني يتحدث عن نقطة واحدة هي مكة والبيت الحرام بالخصوص، بل وجوار الكعبة، ويقدم هذه النقطة منطلقاً لحدثين عالميين هما " دحو الأرض" و " الحكومة

العالمية" على يد " المهدي المنتظر" صلوات الله تعالى وسلامه عليه، ويحمل ذلك – في مايحمل – الإشارة إلى أن هذه البداية بدحو الأرض تبلغ ذروتها مع هذا الحدث العالمي، بدء إعلان

الحكومة العالمية الواحدة.

* دحو الأرض
وهذا المصطلح قرآني، قال تعالى: والأرضَ بعد ذلك دحاها.[النازعات 30]
ودحوت الشيء دحواً: بسطته[1]
 فمعنى دحو الأرض بسطها، أي جعلها مبسوطة، ولذلك كان من أسمائها:البسيطة. والبسط هو المَدّ، قال تعالى:  والأرضَ مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون.[

الحِجر19] *

* وهو الذي مد الارض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون [ الرعد 3 ] *

* في القرآن الكريم

بالإضافة إلى الآيات المتقدمة، نجد الحديث قي القرآن الكريم عن الأرض باعتبارها نعمة أنعم الله تعالى بها على الإنسان، فهي الفراش للإنسانية والمهد:

* الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون  [ البقرة 22 ] *

* الذي جعل لكم الأرض مهداً وسلك لكم فيها سبلاً وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجاً من نبات شتى *  كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآياتٍ لأولي النهى * منها خلقناكم وفيها نعيدكم

ومنها نخرجكم تارة أخرى [ طه 53 - 55 ] *

والإنسان هو خليفة الله تعالى فيها: * إني جاعلٌ في الأرض خليفة [ البقرة 30]*

وكل مافيها فهو للإنسان:

*هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً [ البقرة 29] *

وعلى هذا الإنسان أن يصلح فيها ولا يفسد:

* ولا تعثوا في الأرض مفسدين [ البقرة 60 ]*


فليس هذا الفراش دائماً، ولاهذا المهد أبدياً:

* قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الارض مستقر ومتاع إلى حين * قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون [ الأعراف 24- 25 ] *

ومن الآيات الجامعة في الحديث عن دحو الأرض وزوالها وما بينهما وما بعد، قوله تعالى:

* أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها * رفع سمكها فسواها * وأغطش ليلها وأخرج ضحاها * والارض بعد ذلك دحاها * أخرج منها ماءها ومرعاها * والجبال أرساها * متاعاً لكم

ولأنعامكم * فإذا جاءت الطامة الكبرى * يوم يتذكر الانسان ما سعى * وبرزت الجحيم لمن يرى * فأما من طغى* وآثر الحياة الدنيا * فإن الجحيم هي المأوى* وأما من خاف مقام ربه

ونهى النفس عن الهوى* فإن الجنة هي المأوى [ النازعات 27-41 ] *

* في الروايات

أ- عن الإمام الباقر عليه السلام: " لما أراد الله تعالى أن يخلق الارض أمر الرياح فضربن وجه الماء حتى صار موجاً ثم أزبد فصار زبداً واحداً، فجمعه في موضع البيت ، ثم جعله جبلاً من زبد

ثم دحا الارض من تحته وهو قول الله تعالى : " إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركاً ".[2]
 

ب- وعنه عليه السلام: " عن أبى حمزة الثمالى قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام في المسجد الحرام : لأي شئ سماه الله العتيق ؟ فقال : إنه ليس من بيت وضعه الله على وجه

الأرض إلا له رب وسكان يسكنونه غير هذا البيت، فإنه لا رب له إلا الله تعالى ، وهو الحرم. ثم قال :إن الله تعالى خلقه قبل الأرض، ثم خلق الأرض من بعده فدحاها من تحته".[3]

ت- عن الإمام الصادق عليه السلام: "إن الله تعالى دحا الأرض من تحت الكعبة إلى منى، ثم دحاها من منى إلى عرفات، ثم دحاها من عرفات إلى منى، فالأرض من عرفات ، و عرفات من منى،

ومنى من الكعبة".[4]

وما تقدم صريح في دحو الأرض وأنه كان من تحت الكعبة، أي من "موضع البيت" الذي هو "للناس" " قياماً ومثابة وأمناً"كما صرح بذلك القرآن الكريم، وهو صريح أيضاً في أن كل ما

يتحقق على الأرض لن يعدو كونه حلقة في سلسلة، فالآتي – بعد الدنيا -  أوسع دائرة وأبعد أثراً.[5]
 

* العولمة الأصـيلة

وينبغي أن يعنى الخطاب الإسلامي الدعوي بما تحفل به نصوص دحو الأرض والحج من أبعاد العولمة الأصيلة والحقيقية لاالمدعاة التي يروِّج لها المستعمرون اليوم لبسط هيمنتهم على العالم.

إن الحديث عن دحو الأرض من مكان بيتٍ هو لكل الناس حديث عن أسرة واحدة لاتلغي وحدتَها كلُّ مظاهر الكثرة والتعدد، وإذا أضفنا إلى ذلك مايحفل به النص المعصوم حول "بني آدم" و"

الناس" " والعالمين" أمكننا أن نلتقط التأسيس الديني للحكومة العالمية الواحدة، وإن شئت قلت: للعولمة، التي يطل علينا في الألفية الثالثة من يظنون أنهم السباقون إلى ابتكارها وتقديمها إلى

الناس.

 والفرق كبير جداً بين العمل للتوحيد بين من هم وحدة حقيقية أصلاً، الذين خلقهم ربٌّ واحد هو الذي جعل لهم الأرض فراشاً ومهداً وحدد لهم القانون الذي يجب اتباعه، وأمهلهم وفق مقتضيات الإختيار التي

شاءها لهم، ولم يهملهم، وبين محاولة توحيد المتباينات البشرية التي لايعرف أصلها، أو تعتبر الطبيعة مصدرها! أو أنها تحدرت من حيوانات تطورت فأصبحت على ماهي عليه!

كما أن الفرق كبير جداً بين "عولمة" يظن أنها ذروة الجامعية والحكومة العالمية الواحدة، وبين "عولمة" بين الأحياء، تشكل حلقة من سلسلة "عولمة شاملة لكل الأجيال في يوم الحساب وعالم

العدل.

* حركة النبوات: الخطوط العريضة

وقد شاء الله تعالى أن يكون أول إنسان هو أول نبي من منظومة النبوة التي تستلزم "الوصاية" فلكل نبي أوصياء[6]
 ومع أول نبي كان الإعلان الإلهي عن بداية مسيرة التكامل البشري على قاعدة احترام القانون: "فإما يأتينكم مني هدىً فمن تبع هداي فلا يضل ولا يشقى، ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة

ضنكا.."

والهدى المقصود هو نفسه – أيضاً-  الذي ورد التعبير عنه بالمعرفة، مما يوضح أن الآية تشير إلى موقع المعرفة من النص الديني، وهو الموقع الطليعي الذي يكفي في بيان كونه الهدف من عملية

الخلق كلها قوله تعالى: وماخلقت الجن والإنس إلا ليعبدون. الذاريات 56

والعبادة هي اكتمال الطاعة، ولاطاعة بدون قناعة، ولاقناعة بدون معرفة، وهو مايعني توقف العبادة على المعرفة، وتناسبها الدائم معها، فبمقدار ماتكون تكون. ومن هنا " فسَّر المفسرون "

ليعبدون"  بقولهم ليعرفون". [7]

وتواصلت حركة النبوات في سلسلة مترابطة لاتنفصم عراها "لانفرق بين أحد ٍ من رسله" بدءاً من آدم عليه السلام وإلى النبي محمد صلى الله عليه وآله، الخاتم لما سبق والفاتح لما استقبل والمهيمن

على ذلك كله.

وعندما نحاول استخلاص الخطوط العريضة لمسيرة النبوة المباركة، فإننا نجد أن أهمها هو التالي:

1-  التزام مبدأ " أن الإنسان مخلوق مختار".2- مرجعية العقل في هذا الإختيار.

3- المساواة بين جميع الناس.  4- حاكمية القانون.

وتشكل هذه الأسس الضرورات التي لابد منها في طريق بلوغ الهدف من عملية الخلق الذي هو المعرفة كما تقدمت الإشارة.

وهي نفسها الأسس التي لايمكن الحديث عن الحكومة العالمية الواحدة، بمعزلٍ عنها.

وهذه وقفة سريعة عند كلٍّ منها:

* " أن الإنسان مخلوق مختار"

والمراد بهذا المبدأ هو ما يطابق التفسير السليم لقوله تعالى" لاإكراه في الدين" وهو أن الآية المباركة تتحدث عن أصل تكويني في بنية الإنسان فقد خلقه الله تعالى عصياً على أن تُقهر إرادته، وأن

يُكره على الإعتقاد بما لا يريد، بل إنه يعتقد بما يريد، ويدين به.[8]
 

وينبغي التفريق بوضوح بين معنى " أن الإنسان مختار" وبين معنى" أن الإنسان مخلوق مختار" فالأول يمكن أن يلتقي مع " أصالة الإنسان" بمعنى أنه رب نفسه والطبيعة، بينما يصب

الثاني في " كرامة الإنسان" لاأصالته، ويلتزم بأنه مخلوق مربوب ولكنه مختار.

وفي الآية المتقدمة " فإما يأتينكم مني هدى"  تثبيت مبدأ هذا الإختيار، ومثلها قوله تعالى: قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدى فمن تيع هداي فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون. والذين

كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون. البقرة 38-39.

والآيات والنصوص الدالة على هذا المبدأ كثيرة، إلا أني هنا بصدد بيان تثبيت المبدأ منذ بداية المسيرة البشرية على وجه الأرض.[9]

ولدى التدقيق في تثبيت أصل مبدأ الإختيار، يتجلى أنه في حقيقته يعني أن الإنسان مخلوق حر، فلا معنى للإختيار إلا بالحرية في الإختيار، لأن منح الإختيار نقيض سلب الحرية منه، فالإختيار والحرية

وجهان لحقيقة واحدة".

* مرجعية العقل

والمراد بمرجعية العقل في هذا الإختيار، أن العقل هو الحَكم في تحديد الإختيار الرشيد وتمييزه من الإختيار السفهي.

ومن الوضوح بمكان أن جميع الأنبياء كانوا يدعون أممهم والناس إلى التحاكم إلى العقل، وحواراتُ الأنبياء مع الفراعنة والملأ، وسائرُ حواراتهم مبنية على ذلك.

إن "العقل" و "النبوة" بل و "العصمة" وجهان لحقيقة واحدة، هي "الحجة" و "الدليل" و "البرهان".

إن لله على الناس حجتين، ظاهرة وباطنة، فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة عليهم السلام، وأما الباطنة فالعقول"[10]

يقول أمير المؤمنين عليه السلام:

"فبعث فيهم رسله، وواتر إليهم أنبياءه، ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكروهم منسي نعمته، ويحتجوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا لهم دفائن العقول."[11]

وبين هدى العقل وهوى النفس تُختصر رحلة البشرية على وجه الأرض:

"فلا تتبعوا الهوى" [النساء 135] "ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله" [ص 26]

وكان الأنبياء دائماً يصرون على تحكيم العقل وعلى الحوار وإقامة البرهان، وعلى اجتناب " الهوى" بل إن ذلك يلخص الهدف من بعثتهم".

* المساواة بين جميع الناس

 لم يحمل أي دين بصيغته الأصيلة أي تفريق بين الناس، بل كانت جميع الرسالات السماوية وفق قاعدة "إن أكرمكم عند الله أتقاكم "وهي تعني التفاضل بالتزام القيم وحسن السلوك، وتلغي صلاحية أي

معيار آخر للتفاضل.

وقد تقدم حول الكعبة أنها "أول بيت وضع للناس" وكان مصب الخطاب الديني أبداً مصباً عاماً "للعالمين". 

ويأتي مزيد تسليط الضوء على هذه النقطة بحوله تعالى.

* حاكمية القانون

والمراد بذلك هو أن الإنسان – الفرد أو الجماعة- حين لايذعن لمرجعية العقل في حسن الإختيار، فيسيء الإختيار ويحاول أن يضر بنفسه وبالآخرين، فإن القانون هو الذي ينظم الحيلولة دون

إضراره، كما ينظم سبل التعامل معه إن صدر منه مايُلحق الضرر.

ولم تعرف البشرية رغم تعدد تجاربها في"القانون" نظيراً للقانون الإلهي لامن حيث "موقع القانون" من حركة الحياة، ولا من حيث الشمول لكل حاجات الفرد والجماعة. ولا من حيث "صياغة

القانون" وفق " آلية" تمكن من الإلتزام به بأفضل وجه ممكن.

أما " موقع القانون" فيكفي أنه " حدود الله" .

تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون. البقرة 229

وأما الشمول فأقتصر على ذكر رواية عن الإمام الصادق عليه السلام يقول فيها:

 " ما خلق الله حلالاً ولا حراماً إلا وله حد كحدود دارى هذه، فما كان في الطريق فهو من الطريق، وما كان في الدار فهو من الدار، حتى أرش الخدش فما سواه، والجلدة ونصف الجلدة ".[12]

وأما صياغة القانون وفق آلية تمكن من الإلتزام به فأكتفي هنا بالإشارة بإيجاز إلى فرادة القانون الإلهي في بابي المستحب والمكروه اللذين هما بمثابة التدري والتأهيل للإلتزام بالواجب وترك الحرام.

 هذه هي باختصار شديد أهم الخطوط العريضة لحركة مسيرة النبوة والوصاية على وجه الأرض.

وقد استدعى عمل الأنبياء وأوصيائهم لتثبيت هذه الخطوط العامة، أن يولوا الأهمية لعناوين رئيسة لايمكن تحكيم هذه الخطوط العريضة في حياة الناس دون العناية بهذه العناوين التي هي كما يلي:

1-محاربة الظاهرة الفرعونية في الحكم.
2-محاربة الظاهرة الفرعونية في التملك.
3-تثبيت مبدأ التوزيع العادل للثروة.
4-ضمان الحرية الفردية في سياق الحرية العامة واحترام القانون.

ولاينسجم مع طبيعة هذا الحديث التفصيل في ذلك، فأكتفي بذكر جانب من النص الذي يتحدث عن المساواة في العطاء على يد أمير المؤمنين عليه السلام، فقد روي أنه قال عندما بايعه الناس:
" ... فأنتم أيها الناس، عباد الله المسلمون، والمال مال الله يقسم بينكم بالسوية، وليس لأحد على أحد فضل إلا بالتقوى، وللمتقين عند الله خيرالجزاء وأفضل الثواب، لم يجعل الله الدنيا للمتقين

جزاء، وما عند الله خير للأبرار، إذا كان غداً فاغدوا، فإن عندنا مالاً

اجتمع، فلا يتخلفن أحد كان في عطاء (أي أكان اسمه مثبتاً في سجلات التوزيع) أو لم يكن إذا كان مسلماً حراً، أحضروا رحمكم الله. فاجتمعوا من الغد، ولم يتخلف عنه أحد، فقسم بينهم ثلاثة دنانير

لكل إنسان الشريف والوضيع والأحمر والأسود، لم يفَضِّل أحداً، ولم يتخلف عنه أحد إلا هؤلاء الرهط: طلحة والزبير وعبد الله بن عمر وسعيد بن العاص ومروان بن الحكم وناس معهم."[13]

* دورة الزمن الضرورية
ولم يكن أي نبي من الأنبياء يأمل بتحقيق كل مايصبو إليه في زمنه، بل كان كل هم النبي السابق أن بؤسس للنبي الذي يأتي بعده، وكان حلم الجميع أمرين:

1- ظهور الدين الخاتم الذي يقدم للبشرية الرؤية التوحيدية الأكمل.
2-كما كان حلم الجميع أن يطوي الزمن الدورة الضرورية لبلوغ الرشد البشري كماله الذي يمكن من إقامة الحكومة العالمية الواحدة على يد آخر وصي لآخر نبي صلى الله عليه وعلى آله وجميع

الأنبياء.

 والمقصود بدورة الزمن الضرورية هو أن هذه الخطوط العريضة المتقدمة والعناوين الرئيسة المرتبطة بها، وإن كانت قد طرحت على يد الأنبياء منذ القدم إلا أن تفاعل الناس معها على أوسع نطاق،

وإدراك مدى أهميتها بجذرية وعمق، وتحولها إلى مطلب بشري عالمي شديد الإلحاح، يحتاج – ذلك كله- إلى وقت طويل يخوض فيه هذا الإنسان الذي شاءه الله تعالى مختاراً، تجارب مريرة بسوء

اختياره، تؤدي به في النهاية إلى العودة بقناعة ووعي إلى الحقيقة النبوية التي كانت في متناوله منذ الإنطلاقة إلا أنه أعرض عنها ونأى بجانبه.

وعندما نتأمل في ما حفل به تاريخ البشرية في التعامل مع النص الديني الذي حمل إلى البشرية الخطوط العريضة لحركة النبوات، كما حمل العناوين الرئيسة المرتبطة بها، فإننا سنجد بكل جلاء، أن الدنيا

بكل عصورها والقرون، هي المدى الذي لابد منه لبلوغ البشرية مرحلة متقدمة في فهم الخزين المعرفي الكامن في هذا النص، والإلتزام العملي به.

ولا ينافي ذلك أن يتمكن بعض الناس في كل عصر من التفاعل مع الحقائق بدرجة متقدمة على عصرهم، فالحديث هنا عن تحول التفاعل مع الخزين المعرفي الذي يحمل النص المعصوم رسالته، إلى حالة

عامة مستقرة.

وفي هذا السياق يقع التدرج في الرسالات السماوية، وصولاً إلى خاتمتها المتمثلة في الإسلام، ووصولاً بعد ذلك إلى مرحلة "ليظهره على الدين كله" وتحقق العولمة الحقيقية، بقيام حكومة العدل

العالمية.

ولتوضيح فكرة التدرج هذه، يكفي استحضار ما بذلته البشرية من جهود فكرية دؤوب ومعاناة وعذاب ودماء، لإدراك قيمة الحرية- مثلاً - ومع ذلك فالبشرية

 اليوم تعاني من الظلم والإستبداد، مما يكشف عن الحاجة إلى المزيد من بلورة مفهوم الحرية نظرياً، بالإضافة إلى جهود مضنية لتثبيتها في الواقع العملي.

أو استحضار شديد وضوح مبدأ المساواة بين أفراد النوع الإنساني نظرياً وبين البعد الهائل عن ذلك عملياً، فالتعامل مع الأسود لا يمكن له أن يكون في سلوكنا والتعاطي، كما هو الحال بالنسبة إلى

الأبيض.

إن المعرفة، غير اكتمال المعرفة، وهو أيضاً غير نضج المعرفة، وهو بدوره البداية الحقيقية لتحول العارف إلى معرفة.[14]

إن معنى كون الإنسان مخلوقا مختاراً هو أن يُترك له سلوك النجد الذي يريد، وهو في علم الله تعالى سيخبط خبط عشواء ويذهب في دروب الضلال بعيداً، إلا أنه في النتيجة سيكتشف بملء اختياره أن

الخلاص والسعادة في "هدى الله " الذي أعرض عنه فكانت معيشته ضنكاً.

وقد اقتضت رحمة الله تعالى بالإنسان أن يقدم له – بالإضافة إلى القانون بنسخه المتعددة، ثم بنسخته النهائية- النماذج الفريدة في الحكم ليكون في متناوله أن يقارن بينها وبين مايصبو إليه، وفي هذا

السياق كانت نماذج الحكم على عهد  نبي الله سليمان، والنبي الأعظم وسيد أوصيائه أمير المؤمنين، واحات الضوء في عالم الحكم  المظلم، تشير للأجيال أن تصبو إليها وتحلم بمثيلاتها.

وحيث أن البشرية ستصل في النهاية إلى وعي هذه الحقيقة وإدراكها بعمق، فقد ادخر الله سبحانه آخر وصي لآخر نبي صلى الله عليه وآله ليرعى هذه الحالة في مراحل نموها وتطورها ويقود زمام

البشرية عند اكتمال دورة الزمن الضرورية، ويتولى ترشيدها وتحقيق أهدافها، كما ادخر نبيه عيسى عليه السلام الذي تمس الحاجة إلى وجوده لكثرة أتباعه الذين ضلوا السبيل.

* حركة الفكر والثقافة العالميين: نظرة في الراهن

 عندما يكون الحديث عن الفكر والثقافة، فلا بد من الخروج من كل دوائر جذب الأخطبوط المالي والسياسي والعسكري الذي يصوِّر العالم بسهولة رقيقاً للقطب "الأوحد" الأمريكي وملك يمين له

يتصرف به كيف شاء.

إنها الضحالة التي يربأ المفكر بنفسه عن السقوط في وهدتها.

 وهي بعد الظاهر الذي يحترم المفكر نفسه فيغوص في الأعماق بعيداً عنه.

ينبغي أن نرصد بموضوعية وتبصر ماسيؤول إليه أمر العالم، متسلحين بوعيٍ منطقي للتجارب التي ازدحمت في التاريخ البشري حتى وصلت إلى مايملأ ضجيجه عالم اليوم.

سنهتدي بيسر إلى  الحقيقة التي تملأ آفاق النفس والوجود: أمريكا إلى زوال، وكل التفرعن  والتمرد والطغيان مندثر ولو بعد حين.

ولاتقودنا إلى ذلك مايحلو لبعض القشريين من تسميته " طوباوية النص الديني" واعتماد نفس " منهجية" إدارة جورج بوش – الأب والإبن- في الصدور من أصولية دينية تعتمد

الإسقاطات التاريخية لتصوغ الحاضر والمستقبل على أساسها.

بل يقودنا إلى ذلك ثلاثة عوامل:

الأول: فقه صعود الدول وسقوطها.

الثاني: القراءة المتأنية في تراكم الخزين المعرفي البشري عبر القرون، والتأمل بأناة في نتائجها الفكرية والثقافية التي بلغتها، وكذلك في مآل الحركة التصاعدية والرسم البياني لهذه النتائج.

الثالث: المقارنة الموضوعية بين مابلغه الراهن الفكري والثقافي على مستوى العالم، وبين الخطوط العريضة، والعناوين الرئيسة لحركة النبوات.

وفي مايلي موجز في ذلك:

يتميز عصرنا الحاضر - رغم السلبيات- بالحديث عن خصائص بالغة الأهمية، لم يشهد تاريخ البشرية تداولاً لها وتظهيراً على نطاق واسع و بهذا المستوى، من هذه الخصائص:

1-قيمة المعرفة

2-حقوق الإنسان

3-الحريات

4-القانون

5-وأخيراً: العولمة

وما أرمي إليه بالتحديد هو وفرة طرح هذه القيم أفقياً، وتنامي التعلق بها والتوق إليها في أرجاء المعمورة.

يتضح إذاً أني أستثني صوابية المنطلقات الفكرية التي تصدر منها هذه الطروحات، كما أستثني صوابية المقاربة، فضلاً عن الرائج بقوة من اتخاذ هذه الطروحات ستاراً لنوع آخر من الهيمنة و

الإستعمارأكثر دموية، وأشد افتراساً، كما يجري الآن بعد أحداث الحادي عشر من أيلول.

ولدى التأمل العلمي المتأني في هذه العناوين، ودراستها بموضوعية، نجد أنها محاور أساسية في النص المعصوم، يُعمل على تجذيرها منذ أول نبي وإلى يومنا هذا، وهي تشكل العمود الفقري لمشروعه

المستقبلي في إقامة الحكومة العالمية الواحدة والعادلة".

كما نجد أنها تشكل الترجمة غير المنقحة للخطوط العريضة لحركة النبوات وللعناوين الرئيسة الواقعة في سياقها والمدى.

* المهدي الغوث، والمنقذ، والمنجي

في هذا السياق ينبغي أن تدرس الروايات التي تتحدث عن ظهور " المهدي المنتظر " الذي أجمع المسلمون على حتمية ظهوره عجل الله تعالى فرجه الشريف.

وسنجد بكل وضوح أن الروايات حين توضع في هذا المناخ تكشف عن الترابط بين الماضي والحاضر والمستقبل، لتقدم لنا مشهداً كونياً واحداً وواعداً.

كما سنجد أن التفاصيل الكثيرة التي نغرق فيها فتحجب رؤيتنا عن النظرة الشمولية، تنتظم جميعاً في المشروع الرباني الواحد الذي يظهرأن المؤمنين وأتباع الدين القويم في صلب هذا المشروع، وأن كل

المعرضين عن الهدى الإلهي، متطفلون على العمود الفقري

للمسيرة البشرية، غرباء عن هذا المشروع الماضي قدماً مهما تجاهلوه وتنكروا له، وأن أولى الناس بتحقيق سعادة البشرية والعمل لخدمتها هم أولى الناس بهذا البيت الذي بدأ دحو الأرض من تحته،

وسيأتي اليوم الذي تعود فيه الأمور إلى نصابها، وتوضع فيه النقاط على الحروف.

ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون. الأنبياء 105

ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين. القصص 5

وعلى هذا الأساس، فلنتأمل النصوص التالية:

1-حول اكتمال دورة المعرفة البشرية، وبلوغها الذروة، يقول الإمام الصادق عليه السلام:


‌أ-   العلم سبعة وعشرون جزءاً، وجميع ما جاءت به الرسل جزءان، فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الجزءين، فإذا قام القائم أخرج الخمسة والعشرين جزءاً فبثها في الناس وضم إليها الجزءين

حتى يبثها سبعة و عشرين جزءاً.[15]

‌ب-  إذا قام قائمنا وضع الله يده على رؤوس العباد فجمع بها عقولهم وكملت به أحلامهم.[16]

أما "قيمة المعرفة" فإن حضورها في النص المعصوم في مراحل ما قبل الخلق والهدف منه، وما بعده، وعلى يد كل معصوم، بما لا يدع مجالاً للشك في أن البشرية لم تعرف المعرفة ولا قيمتها إلا بتعليم

المعصومين.

2-وحول حقوق الإنسان و مطلق الحقوق، التي هي المحور في النص الديني وفي حركة دولته العالمية، على يد المهدي المنتظر عليه السلام، هذه بعض الإشارات السريعة.

‌أ-يقفو أثر رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم... يحمل الكل (على الحق) ويقوي الضعيف في الحق.[17]
‌ب-ورد في وصف الإمام المهدي: يدعو إلى الحق.[18]
 إمام الحق[19]
.قائم الحق[20]
 وقد وصفت دولته بـ دولة الحق[21]

‌ج-ورد في زيارته عليه السلام: أللهم أحي بوليك القرآن، وأرنا نوره سرمداً لا ليل فيه، وأحي به القلوب الميتة، واشف به الصدور الوغرة، واجمع به الأهواء المختلفة على الحق، وأقم به الحدود

المعطلة، والأحكام المهملة، حتى لا يبقى حق إلا ظهر ولا عدل إلا زهر.[22]
‌د- يقول الإمام العسكري مخاطباً الإمام المهدي عليهما السلام: تهتز بك أطراف الدنيا بهجة، وتنشر عليك أغصان العز نضرة، وتستقر بواني الحق في قرارها، وتؤوب شوارد الدين إلى

أوكارها.[23]
3-وحول العدالة والحريات، وهما صلب حقوق الإنسان، يكفي ما اشتهر حد التواتر والقطع: يملأ الأرض قسطا و عدلا ً، بعدما ملئت ظلماً وجوراً.. وقد ورد في بعض المصادر بصيغة (يملأ

الدنيا) وثمة وفرة نصوص في هذا المجال المركزي، منها:
‌أ-ويساوي بين الناس حتى لا ترى محتاجاً.[24]

‌ب-  ... نادى مناد من السماء: ألا أيها الناس إن الله قطع عنكم مدة الجبارين والمنافقين وأشياعهم.[25]

‌ج-  ... ووَضع ميزان العدل فلا يظلم أحد أحداً[26]

‌د-   قسم بالسوية وعدل في الرعية[27]

4- وحول القانون.. يستخرج التوراة وسائر كتب الله عز وجل (الأصلية) من غارٍ بأنطاكية، ويحكم بين أهل التوراة بالتوراة وبين أهل الإنجيل بالإنجيل وبين أهل الزبور بالزبور وبين

أهل القرآن بالقرآن.[28]

وليلاحظ أن هذا لا ينافي ما ورد من أن الدستور آنذاك هو القرآن الكريم، فالكتب السماوية من مشكاة واحدة ولا تباين بينها والسابق يشير إلى اللاحق الذي يتكامل معه ولا يناقضه، وعليه فالمراد أن جميع

أتباع الكتب السماوية يلتزمون بمقتضى كتبهم بالعمل بالقرآن الكريم.

وموقع القانون في النص المعصوم موقع "حدود الله تعالى" وهي المحور منذ بداية الحياة، وقد تقدم توضيح ذلك ".." وما هو الهدف هنا توكيد أن المستقبل سيشهد تحقق سلطة القانون العادل.

5-وحول العولمة الحقيقية لا هذه المدعاة:

‌أ-   ... يوم الفتح يوم يفتح الله الدنيا على القائم.[29]

‌ب-  ... يملك الدنيا شرقاً وغرباً.[30]

‌ج-  إذا تناهت الأمور إلى صاحب هذا الأمر رفع الله تبارك وتعالى له كل منخفض من الأرض، وخفض له كل مرتفع منها حتى تكون الدنيا عنده بمنزلة راحته، فأيكم لو كانت في راحته شعرةٌ لم

يبصرها.[31]

من وجهة نظر الإسلام تشكل العولمة مستقبل البشرية الواعد حيث تكتمل دورة المعرفة وتتجلى في أبهى صورها، ويعم العدل وترفرف راية الحرية على ربوع الكرة الأرضية كلها، في ظل القانون

الواحد، ليصبح الحديث عن القرية الكونية الواحدة أمراً واقعاً وحقيقة ماثلة، ينبع من مفهوم الأسرة الكونية الواحدة "خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا"

الحجرات 13. ولذلك فهو حديث ينبض بكل أحاسيس الحب الإنسانية الصادقة، وينأى عن ظلامية الأنانية والهيمنة والإستعلاء، ويربأ بنفسه عنها وعن ذهنية الربحية والجدوى الإقتصادية، وعن كل

ما لا ينبغي للأسرة في علائقها ومعاملاتها، وهو لا ينافي أن يحفظ لكل ذي حق مادي حقه، إلا أن حفظ الحقوق المعنوية هو الأصل.

أما آن لنا أن نكتشف البعد العالمي في الأديان السماوية بصيغتها الأصيلة، التي لا يخلو حتى المحرف منها من حضوره المميز حتى الهيمنة على ما عداه؟

ولا يكاد ينقضي العجب ممن يرى في النص المعصوم، هذا الموقع المتميز للحج ولأحكامه، ثم يفصل بين ذلك وبين أن النص المعصوم، يقدم للبشرية فكرة "الأسرة الواحدة" التي تبدو العولمة أزاءها

طرحاً متخلفاً.

ما معنى أن تكون الدعوة التي يجسدها الإسلام لا تقف عند أي حد؟ وأن يكون كل فرد مدعواً إلى المشاركة في تجمع عالمي، ولو مرة في العمر، ليدخل "البيت" بل "أول بيت" فيشعر أنه في بلده

ويتم صلاته التي لا تؤدى تامة إلا في الوطن؟[32]

يمثل الحج في بعض أبعاده التكريس العملي لفكرة الأسرة العالمية الواحدة، والتدريب الدائم عليها، لتظهر آثار ذلك حيث يمكن، وخاصة في زمن قيام الدولة العالمية الواحدة، التي تنطلق أولى خطواتها من

"البيت الحرام" الذي هو "للناس" جعله الله "مثابة وأمنا" حيث يلتقي –أو ينبغي- جميع أبناء الأبوين آدم وحواء.

أما آن لنا أن نكتشف عالمية الإسلام من خلال الحج مثلاً، الذي ترقى فكرته إلى حد الإعجاز؟

أليس في طليعة أفضل السبل لتهيئة البشرية للحكومة العالمية الواحدة، هذه اللقاءات العالمية الدورية  والقيمية الفريدة؟!

وما أكثر الحقائق الإسلامية التي تجسد هذا البعد، الذي يحمل في طياته دلالات تطور المعرفة البشرية ورقيها وصولاً إلى حيث تصبح العناوين المشار إليها أعلاه مداميك الكرة الأرضية والرواسي.

من هنا فإن تصاعد الحديث عن هذه العناوين الخمسة، وتعلق النفوس بها، وتجذر التوق والشوق إليها -بالرغم من السلبيات- ليس إلا إرهاصات لما سيتحقق في نطاق مشروع المستقبل "الإسلام"

وحكومته العالمية على يد الإمام المهدي المنتظر أرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء.[33]

* وفي الختام

كانت هذه جولة في أفياء المناخات الفكرية والثقافية تطل على المناخ السياسي من بعيد وتلامسه أحياناً، ومن الواضح أن هذه المناخات وحدها هي التي يمكن الحديث عنها بدرجة كبيرة من الجزم واليقين،

في حين يخضع الحديث عن المناخات السياسية لقيام حكومة عالمية عادلة على يد الإمام المهدي أرواحنا فداه  للموائمة بينه وبين النهي عن " التوقيت" والموائمة بينه وبين التفريق بين طبيعة

العلامات الحتمية وغيرها، فلا يصح الإنطلاق من علامات غير حتمية لرسم خارطة سياسية تتمتع بدرجة كبيرة من الجزم واليقين.

إلا أن من الضروري التنبيه بعناية قصوى إلى جملة حقائق تشكل بمجموعها مناخاً سياسياً يأبى إلا أن يكون مقدمة لحدث كبير على مستوى المنطقة والعالم، وهي الآتي:

1- وجود الجمهورية الإسلامية في إيران بما تشكله من واحة ضوء في ظلام الحكومات المقيم، وبما ترتكز إليه من ثراء فكري، وغنى سياسي، ووعي عميق لطبيعة الحكم في عالم الألفية الثالثة،

بالإضافة إلى المنح الإلهية الطبيعية.

2- وجود المقاومة الإسلامية في لبنان، وما أنجزته في مواجهة العدو الصهيوني، مما يعتبر منعطفاً حقيقياً في تاريخ الصراع مع هذا العدو ماتزال فصوله تتوالى وستظل، وهي أبعد أثراً من كل

مانتصور ونحسب، ولتعلمن نبأه بعد حين.

3-  استمرارالإنتفاضة في فلسطين، وهو ماأذهل العرب والمسلمين لاكتشاف أن الأمة مازالت تملك كل هذه القوة الهائلة في داخل القلعة المعادية والثكنة المدججة، قبل أن يذهل دهاقنة الصهيونية

العالمية الذين اكتشفوا أن في بقاء من بقي من الشعب الفلسطيني داخل فلسطين مايهدد وجودهم جذرياً وينذر باقتلاعهم من قلب العالم ال
إسلامي ليعودوا إلى الشتات الذي جاؤوا منه حالمين.

4-  هذا العدوان المغولي على أفغانستان ثم استهداف قلب العالم العربي والإسلامي عبر التنكيل بالعراق ومصادرة حق شعبه المجاهد الأبي في تقرير مصيره باسم الديمقراطية والقضاء على صدام

الطاغية الذي كان هو في غالب سني حكمه العجاف، وكل مقابره الجماعية حقيقة أمريكية تتماهى مع جزاري الهنود الحمر.

5- تنامي الوعي على مستوى العالم الإسلامي والعالم كله، ويجب أن يصغي القلب بإرهاف حس إلى بعيد آثار الفضائيات في تخليص الشعوب من سجون الأنظمة خلف أسوار المحميات الأمريكية

المسماة دولاً، خصوصاً في العالم العربي.

كل هذه الحقائق تصب مجتمعة لصالح أن يكون الحدث القادم هو بدء العد العكسي لنهاية أسطورة القطب الأوحد، لتلحق أمبراطورية الشر بغيرها ممن لم يكن يدور في ذهن الكثيرين أن سرعة زواله

ستكون بهذه الحدة التي تتميز بها نهاية الطواغيت.

وعلى أمل أن يكون ذلك تمهيداً مباشراً لظهور النور المحمدي وطلوع شمس الهدى الإلهي، يجدر بالقلب أن يتلمس وظيفته الأساس في التهذيب والطاعة والقربة، ليكون هذا القلب منتظراً حقيقياً. وأختم

بهذه الرواية:

عن أبي عبد الله ( الإمام الصادق) عليه السلام أنه قال ذات يوم: " ألا أخبركم بما لا يقبل الله عزوجل من العباد عملاً إلا به؟ فقلت : بلى، فقال: شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً

عبده [ ورسوله ] والإقرار بما أمر الله، والولاية لنا، والبراءة من أعدائنا - يعني الائمة خاصة - والتسليم لهم، والورع والاجتهاد والطمأنينة، والإنتظار للقائم عليه السلام، ثم قال : إن لنا

دولة يجيئ الله بها إذا شاء. ثم قال: من سره أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الاخلاق، وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الاجر مثل أجر من أدركه، فجدوا

وانتظروا هنيئاً لكم أيتها العصابة المرحومة".[34]
 
والحمد لله رب العالمين
بتاريخ 4شوال 1424هـ
حسين كوراني
لبنان- بيروت
[email protected]

------------------------------------------------

[1]  الجوهري، الصحاح.
[2] الحويزي، تفسير نور الثقلين5/502. وفيه "جبلاً عن زبد" فليلاحظ.
[3] المصدر.
[4]  المصدر501.
[5]  تنفع هذه الملاحظة في ما سيأتي من أن " العولمة" الحقيقية في هذه الحياة الدنيا، أو الحكومة العالمية الواحدة ليست ذروة المسيرة البشرية ونهاياتها بل هي المدخل إلى ماتشكل كل الحياة

الدنيا مدخلاً له، وهو الحياة الطيبة حيث تتحقق العولمة الحقيقية التي يشارك فيها كل " العالمين" عبر الأجيال والقرون، وهو مايلقي الضوء على بعيد آفاق النص الديني وعميق غوره، وضحالة

النص غير الديني عندما يقارب هذه العناوين الأساسية.
[6] أنظر: المسعودي، إثبات الوصية، حيث ذكر أن لكل نبي اثني عشر وصياً.
[7]  ملا هادي السبزواري، شرح الأسماء الحسنى2/22.( المصادر بحسب نسخة  برنامج المعجم الفقهي، الإصدار الثالث).
[8] أنظر: السيد الطباطبائي، تفسير الميزان ج2 ص342، وكذلك: ج4 ص117، حول الآية الكريمة "لا إكراه في الدين".
[9] انظر الآيات التالية وتفسيرها: وهديناه النجدين  [البلد 10] ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة يونس –99. الميزان 11/64 ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها، الطباطبلئي،

تفسير الميزان 16/253 ولو شاء الله ما أشركوا الميزان 7\313 ولوشاء ربك لآمن في الأرض كلهم جميعا. الميزان 10/126
[10]- المجلسي، بحار الأنوار، ج1 ص137.
[11]- (آية الله) الشيخ حسن زاده آملي، "قرآن وعرفان وبرهان، أز هم جدايي ندارند" (تلازم القرآن والعرفان والبرهان) فارسي، ط3ص44. وانظر: ابن أبي الحديد،

شرح النهج، ج1ص23، الخطبة الأولى.
[12] البرقي، المحاسن1/273.
[13]- الشيخ الطوسي - الأمالي - ص728.
[14]-  ينفع في هذا المجال التأمل في نصوص خاتمية الإسلام المحمدي، ونصوص اكتمال المعرفةعند ظهور المهدي المنتظر عليه السلام، وبثه العلوم الهائلة في الناس، ويأتي بعضها.
[15]- البحار ج52\336.
[16]- الكافي 1\25.
[17]- الفتوحات المكية/327
[18]- الإرشاد/360.
[19]- مقاتل الطالبيين43
[20]- كفاية الأثر213
[21]- كفايةالأثر213.
[22]- مصباح الزائر312 و (البحار102/83).
[23]- كمال الدين445.
[24]- البحار52\390
[25]- ملاحم ابن طاووس\145
[26]- البحار52/194
[27]- النعماني، الغيبة، 237
[28] – نفس المصدر
[29]- المحجة/174
[30]- كمال الدين/2/417
[31]- إثبات الهداة/494/495. وليلاحظ أن جميع النصوص المتقدمة منقولة عن معجم الإمام المهدي عليه صلوا ت الرحمن
[32]- بناء على ما يحدده فقه أهل البيت عليهم السلام.
[33]  يراجع للتوسع: كتاب : في المنهج: ألمعصوم، والنص. للكاتب ص 330-336. وقد استفاد هذا البحث منه  في عدة مواضع بتصرف يسير.
[34] النعماني، الغيبة200.

اخبار مرتبطة

نفحات