البكاء على سيّد الشهداء، تجارةٌ لن تبور

البكاء على سيّد الشهداء، تجارةٌ لن تبور

25/12/2011

البكاء على سيّد الشهداء، تجارةٌ لن تبور

﴿..وابتغوا إليه الوسيلة..﴾
البكاء على سيّد الشهداء، تجارةٌ لن تبور

ـــــ إعداد: علي حمّود ـــــ



موعظة جليلة للعالم الرّبّاني الشيخ جعفر التُّستري رحمه الله من كتابه القيِّم (الأيّام الحسينيّة)، تدور على ضرورة اليقظة، والعودة إلى الله عزّ وجلّ، والحذر من أن نُسلب الوسيلة العظمى في الوصول إليه تعالى؛ وهي التوسّل والبكاء على سيّد الشهداء عليه السلام.  

«أللّهمّ لا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدّنيا أكبر همّنا، ولا مبلغَ علمنا، ولا تسلِّط علينا مَن لا يرحمنا».

لو أنعمتَ النّظر، لعرفتَ ما الذي أَسلم قِيادك إلى يد الظّالم. الظّالم هو نحن. إنّه نفسُنا الأمّارة بالسُّوء.
إذا تفحّصت جيّداً، واستبانَ لك إلى أيّ مدى قد تسلّط هذا الظّالم عليك، وما الذي أنزل من البلايا بك، فإنّك لن يقرّ لك قرار.
عليك أوّلاً أن تلاحظ صفات هذه النّفس التي وَرَدَت الشّكوى منها في بعض الدّعوات، على نمطٍ يعلِّم كيف نشكوها بين يدَي الله جلَّ جلاله: «اللّهمّ إنّا نشكو إليك نفساً بالسّوء أمّارة، وإلى الخطيئة مبادرة، وبمعاصيك مُولَعة..». [مناجاة الشّاكِين]

وتأمّل في الدّعوات التي وردت حول النّفس، والتي نقرأها حين نقف أمام أمير المؤمنين عليه السلام [زيارة أمين الله]: «أللّهمّ صلِّ على محمّدٍ وآلِ محمّد واجعل نفسي مطمئنّة بقدَرِك، راضيةً بقضائك، مُولعةً بذكرك ودعائك..».

هل هذه الدّعوات هي «شعارات» وأكاذيب؟ واللهِ ما دينُنا بدين الشّعارات، ولا ديننا دينَ قشرٍ لا لبّ فيه. لو دقَّقتَ النّظر لوجدْتَ كلّ أعمالك وأفعالك خالية من اللُّباب، ولوجدتَ أدعيتك كلّها مجرّد قالَب لا روح فيه!
في منتصف إحدى اللّيالي، جعل رسول الله صلّى الله عليه وآله وجهَه المبارك على الأرض، وأخذ يبكي حتّى ابتلّت الأرض. تقول أمّ سلَمة: «كان جلُّ دعائه: إلهي لا تكِلني إلى نفسي طرفةَ عينٍ أبداً».
هكذا كان يدعو النبيّ صلّى الله عليه وآله، ونحن -من أوّل العمر حتّى يوم مماتنا- ما انفككنا من قبضة أنفسنا طرفة عين! فكيف سيؤول أمرنا؟!
لا أنتَ عملتَ في ربيع عمرك «أداءً»، ولا أنت عملتَ في الخريف «قضاءً». أتُراكَ أجّلتها إلى وقت المشيب؟!
عمرك كلّه مشغول بالدّنيا: تسعى إلى «وِصالها» في حياتك، وتغتمّ لـ «فراقها» عند وفاتك. إذن ما صِلَتُك بالله تعالى؟! وأيّ سبيل لك إليه؟!

كُن صادقاً .. واعتذر عن التّقصير

إنّ هذا الظّالم [النفس الأمّارة بالسُّوء] لا يدَعُك تتفقّد شأن نفسك. فإن لم تكن من أهل الطّاعة، فهلّا اعتذرتَ -على الأقلّ- عن التّقصير؟!
في عدّة مواضع من دعاء «كُميل» كان أمير المؤمنين عليه السلام يعلّم شيعته، ويدلّّهم على سبيل الإعتذار عن التّقصير، ويعرِّفهم طريقة طلب العذر من المحضر الإلهي.
ألكَ إقبالٌ على أن تعتذر بهذه الفقرات: «وقد أتيتُكَ يا إلهي بعد تقصيري وإسرافي على نفسي معتذراً نادماً..».

أُصدُق في فقرة من هذه الفقرات واعتذر بها، ولا تجعله من كاذب الإعتذار.
وفي اعتذارٍ آخر يقول: «أَتُسلِّطُ النّار على وجوهٍ خرَّت لعظمتك ساجدة ..؟»، أتراكَ سجدْتَ لحدّ الآن سجدة واحدة «لعَظَمته»؟ أم جعلتَهُ «أهوَنَ الناظرين وأخفَّ المُطّلعين»؟
أتُراكَ صادقاً في الإعتذار على الطّاعة والعبادة التي أفلتت من يديك؟
لو أنّ هذا الظّالم يدع النّاس يخشون عاقبة أمرهم، لكان شيئاً حسناً؛ لكنّه لا يدعهم، بل يقول لهم: إيّاكم أن تخافوا.
قل: سأروح إلى القبر، ولا أدري أَهو روضةٌ من رياض الجنّة، أم حفرةٌ من حُفَر النّار؟!
القبر قبران، والكفن كذلك كفنان: أوّلهما حلّة مِن حُلل الجِنان، والثاني سرابيل النّيران.
خَفْ من أنّك لا تدري بأيّ الحالين ستكون.

وابتغوا إليه الوسيلة

أقول لهذا الظّالم الشّقي، قال الله تعالى: ﴿يا أيّها الذين آمنوا اتّقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة لعلّكم تفلحون﴾ المائدة:35.
﴿..لعلّكم..﴾ في الآية تفيد التّرجّي، من أجل إزالة الغرور عمّن يصابوا به، ولئلّا يغترّ أهل الطّاعة بطاعتهم، ولئلّا يجزموا بنجاتهم.
أقول لهذا الظّالم: كلّ الوسائل قد اختطفتَها من يدي، فَدَعِ الوسيلة العظمى، التي هي «الوسيلة الحسينيّة»، دعها لي لتكون وسيلتي.

الوسائل الحسينيّة

كثيرة هي الوسائل الحسينيّة، وليس من هذه الوسائل «معصية الله». إنَّ أمر الدِّين لا يصلح بأهواء النفس!
واعلم أنّ بعض هذه الوسائل مشتركة بين الأئمّة عليهم السلام جميعاً، مثل المحبّة والزّيارة، وبعضها يختصّ بسيِّد الشّهداء عليه السلام.
من وسائل الإمام الحسين عليه السلام «سَقْيُ الماء». وهذا مختصٌّ به عليه السلام، فما ثمّة أحد من الأئمّة والأنبياء قد قُتِل عطشاناً. وما مضى منهم أحدٌ على ظمأ.
من الوسائل «إستغاثة» سيّد الشّهداء و«إغاثته»، فهي ممّا يختصّ به؛ ذلك أنّه ما قُتِل أحد منهم في الميدان حتّى تصدر منه إستغاثة. أمير المؤمنين صلوات الله عليه استُشهد في المحراب، والأئمّة الآخرون قُتِلوا في مواضع مختلفة.
الوسيلة الأخرى هي «معرفة حقّ الحسين عليه السلام». المنادي بهذه الوسيلة هو النّبيّ صلّى الله عليه وآله؛ إذ كان يأخذه على المنبر، ويُجلسه في حضنه، ويقول: «أيّها النّاس! هذا الحسين بن عليّ فاعرفوه».
ومع أنَّ حقّ الأئمّة كافّة ينبغي أن يُعرف، إلّا أنّ هذا يدلّ على أنّ للحسين عليه السلام خصوصيّة. يقول عبدالله بن أبي يعفور: «ذهبتُ من الكوفة إلى المدينة للقاء الإمام الصادق عليه السلام، وهناك قلتُ له: دعاني الشّوق إليك أن تجشّمتُ إليك على مشقّة. فقال عليه السلام: لا تَشكُ ربَّك [يعني إذا كنت عملت هذا لله، فلا تذكر ما عانيتَ فيه]. ثمّ قال عليه السلام: فهلّا أتيتَ مَن كان أعظم حقّاً عليك منّي؟ يقول ابن يعفور: عجبتُ من هذا، وقلت: ومَن أعظم عليّ منك حقّاً وأنت إمامٌ مُفترض الطّاعة؟ قال عليه السلام: الحسينُ بنُ عليّ».
و«البكاء» وسيلة من الوسائل الحسينيّة، والبكاء نفسه على أنواع.
إذا ما أردنا أن نكتب صكّاً أو سنداً فإنّه يُكتب في دفتر الأعمال، تماماً كَسنَد المعاملات؛ إذ يكتبون: إشترى فلان من فلان الدار الفلانيّة، بمبلغ كذا وبشرط كذا.
ونحن الآن نقول: الحسين عليه السلام هو المُشتري، فإنّه يُكتَب: هذا ما اشترى الإمام السّعيد أبو عبدالله الشّهيد.
المشتري هو الإمام.
ولكن ممّن يشتري؟ يشتري من هذا البائع الغارق في بحر الذّنوب، من هذا العبدِ أسودِ الوجه، المحترِق بغضب الله!
وما يشتري؟
في هذه الوسيلة يشتري منك عشرة أنواع من الحزن والبكاء:
أحدها أنّه يشتري منك أن تكون «مهموماً» من دون بكاء.
ويشتري مرتبة أخرى أرفع من الأولى، هي «وجع القلب»، أي أن يتوجّع قلبُك من أجل الإمام.
ويمضي أبعد من هذا، فيشتري كذلك «الدّمع» الذي تغرورق به العيون، ولا يخرج منها.
وهذه كلّها من مضامين الحديث، وليست مسائل مفتعلَة.
ويشتري أيضاً أيّ قدر من الدّمع يخرج من عينيك، حتّى لو لم يجرِ، يشتريه كذلك حين يجري على الخدّ. وإذا جرى على الخدّ ووقع على المحاسن، فإنّه يشتريه أيضاً. وإذا جاوز المحاسن، وجرى على الصّدر، فهو كذلك يشتريه. ويشتري أيضاً ما زاد، كأن يبلغ ذيل الثّوب.
ولكلٍّ من هذه نصّ دالٌّ عليها، ولكلٍّ أجْر، إذا صحب الدّمع أنين فإنّ له أجراً. ويرتفع الصّوت بالتّأوّه والأنين، فيكون له أجر آخر. ويكون أجره أرفع إذا رافقه صراخ.
أمّا المرتبة العاشرة، فهي ما ورد في حديث أبي ذرّ: «حتّى تَزْهقَ أنفسكم».
الآن اكتمل سند العقد: هذا ما اشترى ..
إنّه عليه السلام المشتري، وهو الذي يدفع ثمن دموع العين.
ولا تظنّن أنّ هذه الدّموع التي ذُرفت سوف تجفّ. كلّا، ما هكذا! لقد خلق الله ملائكة يجمعون الدّموع الجارية على ما أصاب سيّد الشّهداء، ويجعلونها في قوارير الجنّة، «فيدفعونها إلى خَزَنَة الجنان، فيمزجونها بماء الحيوان» [أي ماء الحياة الحقيقيّة، كما قال تعالى: ﴿وإنّ الدار الآخرة لهي الحَيَوان﴾].
ثمن هذه «البضاعة» يُدفع نقداً، كما قال الإمام عليه السلام: «ألَا وصلّى الله على الباكين على الحسين رأفة وشفقة». هذا هو الثّمن: أنّ الله يصلّي عليك.
هذا ما يُدفع منه نقداً. أمّا الباقي، فيأتيك على عدّة أقساط: قسط منه وقت احتضارك، وقسط عند دخولك القبر، وآخر وقت سُكناك القبر، وآخر عند خروجك منه، وهكذا حتّى القسط الأخير.

اخبار مرتبطة

  آلُ محمّد صلّى الله عليه وآله  بين الحُبِّ والنّصب

آلُ محمّد صلّى الله عليه وآله بين الحُبِّ والنّصب

  سببُ ازديادِ حُبِّ الدّنيا

سببُ ازديادِ حُبِّ الدّنيا

  دوريات

دوريات

25/12/2011

دوريات

نفحات