مكّة المكرّمة :مركز الأرض، وأوّل بيتٍ وُضع للناس

مكّة المكرّمة :مركز الأرض، وأوّل بيتٍ وُضع للناس

23/01/2012

مكّة المكرّمة :مركز الأرض، وأوّل بيتٍ وُضع للناس

مكّة المكرّمة
مركز الأرض، وأوّل بيتٍ وُضع للناس


ــــــ تحقيق: أحمد الحسيني ــــــ


* سُئل أمير المؤمنين عليه السّلام: أين مكّة من بكّة؟ فقال: مكّة أكنافُ الحَرم، وبكّة مكان البيت. ثمّ سُئل: ولِم سُمّيت مكّة؟ قال: لأنّ الله تعالى مَكَّ الأرض من تحتها، (أي دحاها). ثمّ سُئل: فلمَ سُمّيت بكّة؟ قال: لأنّها أبكت عيون الجبّارين والمُذنبين. ونظيرُ ذلك جوابه عليه السلام لشاميٍّ سأله لِمَ سُمّيت مكّة أمّ القرى؟ فقال عليه السلام: لأنّ الأرض دُحيت من تحتها.
* يتناول هذا التحقيق: تاريخ مكّة وموقعها، وأبرز فضائلها والخصائص، مع التعريف بعددٍ من معالمها والمشاعر المقدّسة القريبة منها، وتحديد حدود الحرم الذي يُقابل الحِلّ.
 

ورد اسمُ مكّة صريحاً في القرآن الكريم مرّة واحدة فقط (الفتح: 24)، ولكنّها ذُكرت في أربع عشرة آية بأسماء وألقاب مختلفة، هي: «بكّة» (آل عمران:96)، و«أمُّ القرى» (الأنعام: 92؛ الشورى:7) و«البلد» (إبراهيم:35؛ البلد: 1و2؛ البقرة:126) و«البلد الأمين» (التين:3) و«البلدة» (النمل:91) و«الحرم» (القصص:57؛ العنكبوت:67) وكلمات من قبيل: «قريتك» (محمد:13)، «القريتين» (الزخرف:31)، «وادٍ غيرِ ذي زرع» (إبراهيم:37).
وقد اضطرب أهلُ اللّغة والمؤرّخون في شرح معنى كلمة «مكّة»، والتفريق بينها وبين «بكّة»، ورَدّهما إلى جذرَيهما اللّغوي، وذهبوا في ذلك مذاهب شتّى، لا يخلو جلُّها من التكلُّف. كما انسحب هذا الإختلاف على حصر الأسماء التي تُعرف بها مكّة المكرّمة، ذلك أنّ أهميّة البلدة المباركة لدى القبائل العربيّة، حدَت بكلٍّ منها لأن تُطلق عليها تسميةً -أو أكثر- خاصّة بها.
في رواية عن أبي عبد الله الصّادق عليه السلام: «موضعُ البيتِ بكّة، والقريةُ مكّة». وعن علّة تسميتها ببكّة، قال عليه السلام: « لبكاء الناس حولها وفيها».

وقد وردت في الروايات الشريفة وجوه أُخر لسبب تسميتها بـ «مكّة» من قبيل: أنّها مشتقّة من مكّ الأرض أي مدّها وتوسعتها، أو أنّها مشتقّة من المكاء [الصفير] نسبة إلى صفير المشركين عند طوافهم حول البيت كما في قوله تعالى: ﴿وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية..﴾ الأنفال:35. أمّا «بكّة»، فقد رُوي أنّها اشتُقّت من البَكّ، وهو الإزدحام، لازدحام الناس إليها، وفيها. وفي رواية عن الإمام الصادق، أنّ من أسمائها «البساسة» و«أم رحم»، قال عليه السلام: «..والبساسة كانوا إذا ظلموا بها بسَّتهم أي أخرجتهم وأهلكتهم، وأمّ رحم كانوا إذا لزموها رُحِموا».
هذا وقد أحصى بعض المؤرّخين ثلاثين إسماً لها، كما ورد ذكرها في المصادر اليونانيّة والرومانيّة القديمة، فذكرها بطليموس الإسكندري باسم «ماكورابا Macoraba ».

الموقع والجغرافيا

تُعتبر شبه الجزيرة العربية أكبر شبه جزيرةٍ في العالم، حيث تبلغ مساحتها نحواً من مليون ميل مربّع. وقد قسّمها الجغرافيّون العرب إلى ثماني مناطق: تهامة، الحجاز، نجد، العروض، اليمن، بادية العراق، بادية الجزيرة، وبادية الشام.
وتُعدُّ مكّة المكرّمة أشهر مُدن الحجاز، بل من أشهر مُدن العالم قاطبة، وهي تقع في غرب شبه الجزيرة العربيّة، عند سفوج جبال السراة، في وادٍ على شكل سهل منبسط، محاطٍ بجبال ذات شعاب، تحيط بالوادي إحاطة كاملة. وقد أَغنت على مرِّ الزمن عن بناء سورٍ لحماية المدينة.
ترتفع عن سطح البحر بما يقارب 300 متر، وتقع على 75 كيلومتراً شرق البحر الأحمر، وفي منطقة جدباء، شديدة الحرارة، شحيحة المياه، ﴿..وادٍ غير ذي زرع..﴾ إبراهيم:37، ما خلا بئر زمزم الذي يُعدُّ مصدر المياه الطبيعيّ الوحيد في المدينة المقدّسة، ولعلّ هذا ما يُفسّر فضيلة مهمّة «السّقاية» للحجّاج وللقوافل المارّة شمالاً نحو الشّام وجنوباً نحو اليمن.
ولمكّة المكرّمة ثلاثة مداخل رئيسة: الشبيكة، والمعلّاة -تُعرف أيضاً بِاسم الحُجُون- وهي المنطقة التي ترتفع عن مستوى أرض المسجد الحرام، والمسفَّلَة وهي ما كان أسفلَه.

تاريخ مكّة


النشأة: درجت معظم المصادر على التأريخ لمكّة المكرّمة بدءاً من عهد نبيّ الله إبراهيم عليه السلام (القرن التاسع عشر قبل الميلاد)، في قصّة الخروج بأهله من الشام إلى الحجاز، وإسكانه زوجته هاجر وابنه إسماعيل في وادٍ غير ذي زرع، ورجوعه من ثمّ إليهما، لِيَجد الموضع وقد أصبح مأهولاً وعامراً، بعد تفجّر عين زمزم بمعجزة إلهيّة، ونزوح قبيلة «جُرهم» -وهم حيٌّ من اليمن- واستيطانها على مقربةٍ منها.


يعتمد هذا السّرد بشكلٍ رئيس على ما ورد في القرآن الكريم، في سوَر «البقرة»، و«إبراهيم» و«الحج» وغيرها، من سيرة خليل الرّحمن، وصولاً إلى رفعه وابنه إسماعيل عليهما السلام القواعدَ من البيت، وسؤاله الله تعالى أن يُريهما مناسكهما، فكان الأذان والحجّ الإبراهيميَّين.  
لكنّ لنا من الروايات ما يؤكّد أنّ مكّة هي أوّل بقعة مُصِّرت على وجه الأرض، فهي البقعة التي هبط فيها النبي آدم عليه السلام عند نزوله من الجنّة، وبنى فيها البيت، وصلّى إليه وطاف حوله. وبقي الموضع مأهولاً ببَنيه بعد وفاته، حتّى دبّ الفساد في ما بينهم فتفرّقوا في البلدان. وفي الرّوايات ما يشير إلى أنّ مكّة كانت مأهولةً حتّى زمن طوفان نوحٍ عليه السلام، فلحق بها الخرابُ بعده، إلّا البيت، إذ عصمَه الله تعالى من الماء.
دافع العلّامة السيّد محمد حسين الطباطبائي قدّس سرّه في (تفسير الميزان: ج 2، ص 290) عن الرأي القائل بقِدم مكّة المكرّمة، معتبراً أنْ لا مُوجب لطرح الأخبار القائلة به، وإن كانت أخبار آحاد، لأنّها ليست معدومة النظير في سائر أبواب المعارف الدينيّة. وممّا يرجّح هذا الرأي، قولُه تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام: ﴿ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك الحرام..﴾ إبراهيم:37، أي أنَّ البيت كان قائماً قبل ذلك، ثمّ درس.

المرجِّح الثاني: ما ورد في خطبة القاصعة في (نهج البلاغة). قال أمير المؤمنين عليه السلام: «ألا ترونَ أنّ الله سبحانه اختبر الأوّلين من لدن آدم صلوات الله عليه إلى الآخرين من هذا العالم بأحجارٍ لا تضرّ ولا تنفع، ولا تُبصر ولا تسمع، فجعلها بيتَه الحرام الذي جعلَه للنّاس قياماً»، وفيه صراحةً أنّ البيت وُضِع من لَدُن آدم عليه السلام.

***


عموماً، بقيت قبيلة «جرهم» في مكّة، وكانت لها سدانة البيت وحجابته، حتى نهاية القرن الثالث الميلادي، عندما استطاعت قبيلة «خُزاعة» السيطرة عليها وتولّي أمرها مدّة ثلاثمائة سنة، وكان سيّدها عمرو بن لَحيّ أوّل من سنَّ عبادة الأوثان، وحرّف ديانة إبراهيم عليه السلام.
إنتقل أمر مكّة بعد ذلك من «خزاعة» إلى «قريش» تحت إمرة «قَصِيّ بن كلاب»، الجدّ الرّابع لرسول الله صلّى الله عليه وآله، ومن بعده تولّى ابنه «عبد مناف» مهامّ القيادة والسقاية، والرّفادة [سقاية الحاجّ وضيافتهم]، ومن بعده إبنه «هاشم»، ومن ثمّ «عبد المطّلب» الذي أعاد حفر بئر زمزم بعد أن كانت معطّلة. وفي أيّام عبد المطّلب عليه السلام، خرج ‍»أبرهة الأشرم» بجيشه يريد هدم الكعبة، في واقعة «أصحاب الفيل» المعروفة، وفي تلك السنة كانت ولادة الرّسول الأعظم صلّى الله عليه وآله.

مكّة قبل الإسلام: في بداية القرن السادس الميلادي (مولد الرسول صلّى الله عليه وآله: 570 م)، كانت مكّة مدينةً ذات كيان مالي وتجاري مستقلّ، ومركز ديني مرموق بفضل الكعبة المعظّمة التي كانت محطّ أنظار الحجّاج الذين يؤمّونها من مختلف البلدان لزيارة البيت الحرام.

أمّا سياسيّاً، فقد ساهم موقع مكّة في منحها «شِبه استقلالٍ سياسي»، كوْنها -وشبه الجزيرة العربيّة عموماً- تقع على خطّ تماسٍ ما بين الأمبراطوريّتَين الفارسيّة والبيزنطيّة، واللّتين تحالف كلٌّ منهما مع فريق من أعراب شبه الجزيرة، وعمِلا بموجب قاعدة: «دفعُ شرِّ العرب بالعرب».

إجتماعيّاً، كانت مكّة ذات نظام قبلي، تسودها العصبيّة والتناحر، وتفشو فيها المآثم من قتل الأولاد ووَأْد البنات، وشيوع الزنا والتعامل بالربا وغير ذلك ممّا يستحقّ إسم الجاهلية، ناهيك عن عبادة الأصنام التي كانت ستاراً للرّذائل والمُوبقات. 

في عهد النبوّة: هي منطلَق الدعوة النبويّة الشريفة، في مرحلَتيها السرّيّة (ثلاث سنوات) والعلنيّة (عشر سنوات)، قاسى خلالهما رسول الله صلّى الله عليه وآله والمسلمون من بعد أشدّ أنواع الإضطهاد والعذاب الذي بلغ مرحلةً متقدّمة مع محاصرة المسلمين في «شعب أبي طالب»، واضطرار العشرات منهم إلى الهجرة إلى الحبشة، وقتل آخرين، ليبلغ ذروته مع محاولة قتل رسول الله صلّى الله عليه وآله، في العشيّة التي «نَبَتْ» به مكّة، فهاجر منها إلى المدينة المنوّرة.
لا شكّ أن بعثة الرسول صلّى الله عليه وآله كان لها أكبر الأثر في تغيير جميع مناحي الحياة في مكّة المكرّمة. فعلى المستوى العقائدي كانت الدعوة إلى التوحيد، ونبذ الشِّرك وعبادة الأوثان، وعلى المستوى الإجتماعي، تعرّف أهل مكّة مع الدعوة النبويّة إلى مفهوم العدالة والمساواة بين بني البشر، وقد تلمّس وجوه قريش خطر هذين العنوانَين على نفوذهم وعلى مصالحهم الإقتصاديّة، المتأتّية من تحويل مكّة إلى محجّةٍ لِعَبَدَة الأوثان، فحاربوا النبيّ الأكرم بشتّى الوسائل، وبعد هجرته حوّلوها إلى بؤرةٍ للتآمر -مع اليهود وغيرهم- على المسلمين، ومنطلَقاً للحملات العسكريّة ضدّ الحاضرة النبويّة في المدينة المنوّرة، حتّى جاء نصرُ الله تعالى لنبيّه صلّى الله عليه وآله، وفتحَ مكّة في العام الثامن للهجرة، فطهّر الكعبة وحطّم الأصنام التي فيها، وجاءه المشركون -وعلى رأسهم أبو سفيان- يعتذرون إليه، فعفا وصفحَ عنهم، فسُمّوا بـ «الطُّلَقَاء»، إشارةً إلى قوله صلّى الله عليه وآله لهم: «إذهبوا فأنتم الطّلقاء»، واشتُهر أبناؤهم من بعدهم بـ «أبناء الطلقاء».



فضل مكّة وخصائصها

أبرزُ فضائل مكّة المكرّمة أنّها حرمُ الله وأمنُه. قال الله تعالى: ﴿..أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء..﴾ القصص:57.
وعن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «إنّ مكّة بلدُ عظّمه الله وعظّم حرمتَه ".."»، ومن حرمتها أنّ كلّ داخلٍ إليها آمن. سُئل الامام الصادق عليه السلام: عن قوله تعالى: ﴿فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا..﴾ آل عمران: 97، فقال: «إذا أحدث العبد في غير الحرم جناية ثمّ فرَّ إلى الحرم، لم يسع لأحدٍ أنْ يأخذه في الحرم ".."». وعنه عليه السلام: «.. ومَن دخله من الوحش والطير كان آمناً من أن يُهاج أو يؤذى، حتّى يخرج من الحرم».

ولأجل حرمتها، حرّم الله تعالى فيها نقضَ الأمن والقتال ابتداءً: ﴿..ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه..﴾ البقرة:191. وعن رسول الله صلّى الله عليه وآله -يوم فتح مكة-: «إن الله حرَّم مكّة يوم خلق السماوات والأرض، وهي حرامٌ إلى أن تقوم الساعة، لم تحلّ لأحد قبلي، ولا تحلّ لِأحدٍ بعدي، ولم تحلّ لي إلّا ساعة من نهار». وعن أمير المؤمنين عليه السلام: «لا تخرجوا بالسيوف إلى الحرم».

هذا، ويستفاد من النصوص أنّ الحرمة تنسحب على كلّ ما فيها: فيحرم فيها الصيد ونزع الشجر، وذبح الصيد وتملّك اللّقطة، مع الإشارة إلى أنّ هذه عناوين عامّة، والأحكام الفقهيّة تبيّن حدود كلٍّ منها، ففي ما خصّ نزع الشجر -مثلاً- ورد عن الامام الصادق عليه السلام: «..إلّا ما أنبتّه أنتَ وغرستَه».

ومن خصائص مكّة، حرمةُ دخول غير المسلم إليها، لقوله تعالى: ﴿..إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا..﴾ التوبة:28. وعن الإمام الصادق عليه السلام في قوله تعالى: ﴿..طهّرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود﴾ البقرة:25: «يعني نُحِّي عن المشركين».
ومن خصائصها أيضاً، أنّ كلَّ ظلمٍ فيها بمثابة الإلحاد، قال تعالى: ﴿..ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم﴾ الحج:25. رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وآله: «احتكارُ الطعام بمكّة إلحاد»، وعن الإمام الصادق عليه السلام في تفسير الآية: «كلُّ ظلمٍ إلحاد، وضربُ الخادم في غير ذنبٍ من ذلك الإلحاد».


* وإلى ذلك، يُكره الإقامة فيها أكثر من سنة، ويُكرهُ رفعُ البناء أعلى من الكعبة المعظَّمة، ويُكره مطالبة الغريم، بدَينٍ أو نحوه.
في المقابل، تُستحبُّ فيها كثرة الصلاة والصيام. ففي الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّ «الصلاة في الحرمين تعدل ألف صلاة»، وعن الإمام السجّاد عليه السلام: «مَن صلّى بمكّة سبعين ركعة فقرأ في كلّ ركعة ب‍ (قل هو الله أحد) و(إنّا أنزلناه) وآية السخرة (الأعراف:54 -56) وآية الكرسي لم يمت إلّا شهيداً، والطّاعم بمكّة كالصائم في ما سواها، وصيام يوم بمكّة يعدل صيام سنة في ما سواها، والماشي بمكّة في عبادة الله عزّ وجلّ».
كذلك يُستحبُّ فيها الإنفاق وختم القرآن الكريم. عن الإمام السجّاد عليه السلام: «مَن ختم القرآن بمكّة لم يَمُت حتى يرى رسول الله صلّى الله عليه وآله، ويرى منزله في الجنة». وعن الإمام الصادق عليه السلام: «.. والدرهم فيها بمائة ألف درهم».

المواضع والمناطق


ترجع قداسة مكّة المكرّمة -أوّلاً- إلى كونها تحتضن الكعبة المقدّسة، بيتَ الله الحرام، وقبلةَ الموحّدين، وأوّلَ بيتٍ وُضِع للنّاس، بإزاء البيت المعمور الذي وُضِع لأهل السماء، كما في الرّوايات، وفي تفسير قوله تعالى: ﴿والبيت المعمور﴾: الطور:4.
يرجع بناء الكعبة إلى عهد النبيِّ آدم عليه السلام، ثمّ جدّد بناءها النبيُّ إبراهيم عليه السلام -كما تقدّم- وتمّ تطهيرها من الأصنام سنة 8 للهجرة على يد رسول الله صلّى الله عليه وآله، وأمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السلام، «وليد الكعبة»، كما هو مثبتٌ في مصادر المسلمين.
* في العام 64 للهجرة رمى الحصين بن النمير -قائد عسكر يزيد بن معاوية- الكعبة بالمنجنيق أثناء حربه مع ابن الزبير، فتطايرت النار وأحرقت أجزاءَ منها. وقد تكرّرت هذه الجريمة سنة 73 على يد الحجّاج الثّقفي. وفي سنة 317 للهجرة نهب «القرامطة» الحجر الأسود من الكعبة، ورُدّ إليها سنة 329. [سوف يُخصّص تحقيق مستقل عن «الكعبة المعظّمة» في عدد لاحق]


ومن معالم مكّة: جبل النور وغار «حراء» حيث هبط الوحي على رسول الله صلّى الله عليه وآله:
ومنها أيضاً، مقبرة المعلّى: وفيها أضرحة عبد المطّلب جدّ رسول الله، وأبي طالب عمّه، وأمّ المؤمنين خديجة، وقد هُدمت قبورهم سلام الله عليهم بعد استيلاء آل سعود على الأراضي المقدّسة في الحجاز.
ومن جملة الأماكن التي عمد بنو سعود على هدمها أو تزييف حقيقتها، البيت الذي وُلد فيه رسول الله صلّى الله عليه وآله، وهو المعروف ابتداءً بـ «دار ابن يوسف»، ثمّ عُرف في العصور اللّاحقة بـ «مولد النبيّ»، وفي جواره من حيث الأهميّة «مولد فاطمة»، أي البيت الذي وُلدت فيه فاطمة الزهراء عليها السلام، كما ذكر إبن اسحاق المكّي في كتابه (أخبار مكّة). وبقِي «مولد النبي» موضع احتفاء كبير للمسلمين مِن مقيمين ومجاورين وحجّاج منذ القرون الأولى للهجرة. ويتحدّث ابن جبير في (رحلته) عن زيارته لمكّة في العام 578 للهجرة، في الفصل المعنون «ذكرُ بعض مشاهدها المعظّمة وآثارها المقدّسة»، يتحدّث عن مشاهدته هناك لـ «مولد النبي»، حيث «بُني مسجد لم يرَ أحفلَ بناءً منه»، موضحاً أنَّ المسلمين كانوا يحرصون على زيارته يوم الإثنين من شهر ربيع الأوّل، وهو «يوم مشهود بمكة دائماً».
يقول الباحث الدكتور محمّد الأرناؤوط: «وقد بقي هذا البيت الشريف يحظى بالرعاية، حتّى نهاية المملكة الهاشميّة في الحجاز، حيث لحق به ما لحق بعض مشاهد وآثار مكّة من هدم في 1926م. وقد ألهم الله تعالى الشيخ عباس قطّان، أمين العاصمة المقدّسة في عهد الدولة السعوديّة، بأن استأذن الملك عبد العزيز بن سعود لإعادة بناء هذا البيت من جديد بعد أن أصبح خربة مهجورة، ليصبح مقرّاً لمكتبة المدينة التي افتُتحت في 1932 م. وقد ذكر لي الصديق الدكتور أبو بكر باقادر خلال زيارتي إلى مكّة في 2002 م، أنّ الكثير من الحجّاج والزّوار كانوا يتظاهرون بزيارة المكتبة ومطالعة الكتب فيها للتواصل الروحي مع المكان الذي وُلد فيه الرسول».

ومن المواضع والمشاعر المقدّسة في مكّة نذكر:

1- عرفات (عرفة): تقع على بُعد 21 كيلومتراً جنوب شرق مدينة مكّة، وهي عبارة عن ميدان واسع أرضه مستوية يقرب طوله من ميلين وعرضه كذلك. يقصدها الحجيج في اليوم التاسع من ذي الحجّة لأداء الواجب الأوّل من واجبات حجّ التمتّع بعد الإحرام من مكّة المكرّمة. وجاء في الحديث الشريف: «الحجُّ عرفة».

2- مزدلفة: وهي على فرسخٍ من «مِنَى» ولها إسمان آخران: «جَمْع»، و«المشعر الحرام» وفيها يلتقط الحجّاج -عادةً- «جَمرات الرَّمي»، وهي حصيّات يرمي بها الحاجّ الجمراتِ الكبرى والوسطى والصغرى.

3- وادي محسِّر (على وزن معلِّم): هو وادٍ بين المُزدلفة ومِنى، وفي هذا الوادي أهلك اللهُ تعالى «أصحاب الفيل» ﴿فجعلهم كعصفٍ مأكول﴾ الفيل:5، ويمرّ الحاج في هذا الوادي وهو يحمل الحصيّ التي جمعها في المزدلفة.

4- مِنَى (بكسر الميم وفتح النّون): يقصده الحجيج في اليوم العاشر من ذي الحجّة، وفيه رمي الجمرة وذبح الهَدْي والتقصير. قيل إنّه سُمّي بذلك لأن آدم عليه السلام تمنّى فيه الجنّة، وقيل: لما يُمنى، أي يُراق به من دماء الأضاحي. قال في (معجم البلدان): إنّها بُليدَة على فرسخٍ من مكّة، طولها ميلان، تعمر أيّام الموسم فقط، وفيها الجمرات الثلاث.



حدودُ الحَرَم


تقدّم أنَّ مكة هي حرمُ الله تعالى، وتترتّب على ذلك جملة آداب وأحكام، وهنا يُطرح السؤال عن الحدود الجغرافيّة لهذا الحَرَم، أي مِن أين يبدأ المسلم بمراعاة هذه الآداب والإلتزام بتلك الأحكام.
رُوي عن الإمام الباقر عليه السلام: «حَرَّمَ اللهُ حرمَه بريداً في بريد أن يختلى خلاه [جزُّ الرّطب من النبات] ويعضد شجره إلّا شجرة الإذخِر [نبات عريض الأوراق طيب الرائحة]، أو يصاد طيرُه ".."».
وعن الإمام الكاظم عليه السلام: «مَن كان مِن مكّة على مسيرة عشرة أميال، لم يدخلها إلَّا بإحرام».
* فائدة حول حدود الحرم: حدّدت حدود الحرم في الروايات وأقوال العلماء بأنّها بريدٌ في بريد. والبريد أربعة فراسخ شرعيّة، فتكون المساحة التقريبيّة للحرم ستة عشر فرسخاً مربّعاً. وهذه المساحة التي تزيد على مكّة بقليل، لها أحكام خاصّة باعتبارها الحرم الإلهي الآمن. والأقوال متفاوتة بشأن حدود الحرم في كلّ طرف من أطراف مدينة مكّة، أشهرها وأرضاها يبيِّن حدود الحرم بما يلي: من طريق المدينة: على ثلاثة أميال دون التنعيم. ومن طريق اليمن: طرف أضاءة لبن في ثنية لبن، على سبعة أميال. ومن طريق جدّة: منقطع الأعشاش، على عشرة أميال. ومن طريق الطائف: على طريق عرفة من بطن نمرة، على أحد عشر ميلاً. ومن طريق العراق: على ثنية خلّ بجبل المقطع، على سبعة أميال. ومن طريق الجعرانة: في شعب آل عبد الله بن خالد، على تسعة أميال. ومن المؤكّد أنَّ هذه المسافات تقريبيّة. وقد حسب أيضاً بعض المدقِّقين المسافة الدقيقة لهذه الحدود إلى جدار المسجد الحرام، عادّاً إيّاها بالذراع، فكان بينها وبين القياسات المذكورة آنفا بعض الإختلاف.
ويجب عند الدخول إلى منطقة الحرم -يُقابلها الحِلّ- الإحرام، ويُستحبُّ الغسل قبل الدّخول إلى مكّة، وأن يدخلها من أعلاها، ويكون على سكينة ووقار. ويستحبُّ عند الخروج التصدّق، وأن يخرج من المنطقة التي تقع أسفل الحرم المقدّس.

اخبار مرتبطة

  بين الحسين عليه السلام ويزيد

بين الحسين عليه السلام ويزيد

  الغنيّ، هو المتَّصل بالله تعالى المنقطعُ إليه

الغنيّ، هو المتَّصل بالله تعالى المنقطعُ إليه

  دوريات

دوريات

24/01/2012

دوريات

نفحات