مناورات «الولاية 90» الإيرانيّة

مناورات «الولاية 90» الإيرانيّة

24/01/2012

مناورات «الولاية 90» الإيرانيّة

مناورات «الولاية 90» الإيرانيّة
رسائل ومفاعيل
_______العميد الركن الدكتور أمين محمّد حطيط*_______


المناورات البحريّة الإيرانيّة الأخيرة، «الولاية 90»، وما تضمّنته من رسائل إلى العرب والغرب على حدٍّ سواء، ومدى تأثيرها على مسار الأزمة السوريّة، نقاط تناولها الخبير الإستراتيجي والعسكري، العميد الرّكن الدكتور أمين حطيط، في مقالة نُشرت في صحيفة «الثورة» السوريّة في الثاني من الشهر الفائت.  

عندما لوَّح الغرب بفرض حظر نفطي على إيران، تبعَه «تبرُّعٌ عربي» سخيّ بتعويض النقص عالميّاً إثر الحظر. ظنَّ أصحاب التهديد والكرم أنّ إيران قد تنحني هذه المرّة وتنصاع للإبتزاز والتهويل، وتستجيب للمطالب الغربيّة بالنَّأي بنفسها عن المسألة السوريّة التي سفَّهَت بصمود السوريّين وقوّاتهم المسلحة أحلام الغرب وبعض المحيط العربي والإسلامي، أحلام تمثَّلت بالسّعي لإسقاط النظام واستبداله بنظام عميل يصالح «إسرائيل»، ويُقاد غربيّاً مِن قِبَل مجموعة من عملاء المخابرات الغربيّة من فرنسيّين وأميركيّين وصهاينة.
لكنّ إيران، وكالعادة، ردَّت على السلوك العدائي على طريقتها التي يحاول الغرب أن لا يفهمها، ونظَّمت مناورات عسكريّة مركَّبة شاركت فيها أساساً أسلحة الجوّ والبحر، وكان لسلاح البرّ دور خاص في ما يتعلّق بالشواطئ وحراستها، أو الإسناد البرّي للعمليّات البحريّة، وقد أظهرت إيران في هذه المناورات جديداً في مواضيع ثلاثة:
1- في موضوع التسليح، أظهرت أسلحة بحريّة وصاروخيّة وجويّة جديدة.
2- في موضوع الأداء، أظهرت تنسيقاً عالي المستوى بين أسلحة الجيش الثلاثة، وهذا أمر يعرف أهميّته المختصّون، ونذكر فقط للتدليل على أهميّته بأنّ لجنة فينوغراد «الإسرائيلية» رأت بأنّ أحد أسباب الإخفاق «الإسرائيلي» في حرب تموز 2006 هو تدنّي مستوى التنسيق بين الأسلحة.
3- وأخيراً في موضوع الهدف من المناورات، أظهرت وضوحاً في سعيِها لامتلاك القوّة اللّازمة والفاعلة لإقفال مضيق هرمز بأسرع ما يُمكن.


«سِجن» البحريّة الأميركيّة


وإذا كان الموضوعان الأوّل والثاني من طبيعة عسكريّة محضة أو أبعد من ذلك بقليل، ولا يمكن استبعاد توقُّعهما مِن قِبل المراقبين، فإنّ المسألة الثالثة تُعتبر من المسائل البالغة الأهميّة على الصُّعُد المحليّة والإقليميّة والعالميّة، وذلك بسبب الأهميّة الخاصّة لمضيق هرمز من شتّى النواحي، ونذكِّر ببعض وجوهها:
1- تمرّ في مضيق هرمز 40% من صادرات النفط العالميّة، وتتَّكل أوروبا بصورة خاصّة عليها.
2- تنتشر على الشاطئ الجنوبي للخليج وفي الدّول العربيّة القائمة هناك قواعد عسكريّة أوروبيّة وأميركيّة من الكويت إلى البحرين فقطر والإمارت، ما يجعل إغلاق المضيق بمثابة تحويل للقوى الغربيّة في الخليج مِن قوّة تهديد لإيران، إلى قوّة محاصَرة باليد الايرانيّة.
3- يعمل في الخليج الأسطول الخامس الأميركي بِحُريّة شبه تامّة، وبذهنيّة أنّ الخليج هو بُحيرة أميركيّة، ويكون حصارُه تغييراً للتوصيف، بحيث يصبح «سجناً» للبحريّة الأميركيّة.
وبالتالي يكون حصار الخليج عبر إغلاق المضيق -المدخل الإجباري الوحيد إليه- يحمل رسالة قوّة وتحدٍّ إيراني للغرب في قوّته وهيمنته. وأهميّة هذه الرسالة تتمثَّل بالقول أنَّ الهيبة الردعيّة لأميركا ولحلفائها باتت مشوَّشة وغائبة عن الذِّهن الإيراني إلى الحدِّ الذي لا يجعل لها أهميّة تردع الإيراني عن التحدّي، وهذا الأمر يُعتبر صفعة قويّة في المفهوم الإستراتيجي والعسكري تُوَجَّه إلى الحلف الأطلسي بالجملة، وبِدوله وعلى رأسها أميركا بالمفرَّق.
وبعد نجاح المناورات ميدانيّاً، خرج المسؤول الإيراني لِيُعلن بأنَّ إقفال الخليج بات أمراً سهلاً لِقوّاته، وأنّ الإستمرار في إحكام إقفاله بات ممكناً وبالقدرات العسكريّة المتاحة.

«الرسائل» الإيرانيّة


لقد حقَّقت إيران أهدافها من هذه المناورات، وأبلغت رسائلها بوضوح، كالتالي:
1- إنَّ سياسة التهديد والوعيد الغربيّة، أو إعتماد الغرب لـ «استراتيجيّة الضغط لمنع الحركة والنموّ» الإيراني، هي سياسة عقيمة ولن تغيِّر مسار السياسة الإيرانيّة، وبالتالي فإنَّ الموقف الإيراني في المنطقة عامّة، ومن المسألة السورية خاصّة، هو موقف نهائي لا رجعة فيه، وهو دعم الشعب السوري في خياراته و تمسُّكه بالحركة الإصلاحيّة التي يقودها الرئيس الأسد، ورفض أيّ تدخُّل أجنبي -مهما كان مصادر هذا التدخُّل وأنواعه- وأنَّ إيران تمتلك من القوّة العسكريّة ما يمكِّنها من التصرُّف لإجهاض أيّ تدخُّل أجنبي في سوريا.
2- إنَّ لجوء الغرب إلى العقوبات الإقتصاديّة وحظر النفط الإيراني سيقابله، وبالتأكيد، «حظر إيراني لنقل 40% من صادرات العالم النفطيّة»، وسيكون الألم والضرر الذي سيحلّ بالغرب أعلى درجة من الألم الذي يحلّ بإيران. وهنا لن تكون قيمة عمليّة لسخاء «عرب أميركا» في الخليج، ووعودهم بتعويض النقص في حال الحظر على نفط إيران. فالكلّ سيصبح في الخسارة  سواء.
3- على عرب الخليج أن يفهموا بأنَّ كلّ أساطيل الغرب وقواعده العسكريّة المنتشرة على أراضيهم، لن تتمكَّن من حمايتهم إذا انخرطوا في عمل عدائيٍّ ضدّ إيران، سواء في ذلك تقديم التسهيلات للمعتدي، أم الإنخراط بالعمل العدائي تنفيذيّاً وبشكل مباشر، وإنَّ إمكانات إيران العسكريّة قادرة على تجويف الوعود الغربيّة بالحماية لهم. وبالتالي، إنّ أمن الخليج لن يكون اليوم ولا غداً إلّا قراراً إقليميّاً يتَّخذه أهل الخليج بأنفسهم في تفاهمات وعلاقات مبنيّة على الثقة، بعيدة عن الكيد والتعامل مع الأجنبي.
أمّا في مفاعيل الرسائل، فإنّنا نرى فوريّة في الأثر، وكانت في دعوة إيران، من موقع قوّة، «مجموعة 5+1» إلى مفاوضات صريحة وعمليّة حول الملف النووي الإيراني، (وهنا نذكر بأنَّ السبب المدَّعى به ليُتَّخذ ذريعة لحَظْر النفط هو الملف النووي الإيراني، رغم أنَّ السبب الحقيقي اليوم هو الموقف من سوريا، التي شكَّلت هزيمة الغرب فيها كارثة استراتيجيّة لم تُحدّد أبعادها بعد).
لذلك، ولأنَّ الغرب فهم، كما يبدو، الرسالة التي حملتها المناورات، وعلم أنّه لن يكون بمقدوره أن يفرض الحظر على نفطها وإلَّا غامر بمصالحه النفطيّة، أو دفع الأمور إلى حرب لا يعرف أحد مداها، وهي ستحرق النفط وتعقِّد الأمور وتزيد في مشاكله الإقتصاديّة، ولأنَّه فهم الرسالة، فإنّنا رأينا مسارعة «الإتّحاد الأوروبي» للترحيب بالدعوة الإيرانيّة، ولا نتوقَّف عند المفاوضات بذاتها، وما إذا كانت ستعقِّد أم لا، أو إذا كانت ستنتج أم لا (الأرجح أنّها ستبقى عقيمة)، بل إنَّ الأساسي من الأمور يتمثّل في نجاح إيران في الرّد، وثباتها على مواقفها في خياراتها الإستراتيجيّة، وفهم الغرب لذلك واستيعابه للرسالة، وهذا ما سيُفاقم أزمته في سوريا التي انقلبت اليوم إلى مقبرة لطموحات وأحلام الكثر من عرب، وإقليميّين، وغرب، وصهاينة.

_____________________
* خبير استراتيجي وعسكري، وأستاذ جامعي

اخبار مرتبطة

  بين الحسين عليه السلام ويزيد

بين الحسين عليه السلام ويزيد

  الغنيّ، هو المتَّصل بالله تعالى المنقطعُ إليه

الغنيّ، هو المتَّصل بالله تعالى المنقطعُ إليه

  دوريات

دوريات

24/01/2012

دوريات

نفحات