الإمام الحسن العسكري عليه السلام الحادي عشر من أئمّة المسلمين

الإمام الحسن العسكري عليه السلام الحادي عشر من أئمّة المسلمين

منذ 6 أيام

الإمام الحسن العسكري عليه السلام الحادي عشر من أئمّة المسلمين

«إثنا عشر إماماً، كلُّهم من قريش»
الإمام الحسن العسكري عليه السلام الحادي عشر من أئمّة المسلمين
ــــــــــــ الشيخ حسين كوراني ــــــــــــ


•  هو الإمام الحسن العسكري بن عليّ الهادي (العسكري) بن الإمام محمّد الجواد بن الإمام عليّ بن موسى الرضا عليهم السلام.
• كان يُعرف بابن الرِّضا، كغيره من الأئمّة بعد الإمام الرِّضا، عليهم صلوات الله تعالى وسلامُه.
• يُعرَف هو ووالده الإمام الهادي عليهما السلام بلقب «العَسْكريّين»؛ قيل إنّها نسبة إلى منطقة في «سامرّاء» كان اسمها «عسكر سامرّا» كما في (معجم البلدان)، حيث قال: «عسكر سامرّا: قد تقدّم ذكر سامرّا بما فيه كفاية، وهذا العسكر يُنسب إلى المعتصم، وقد نُسب إليه قومٌ من الأجِلَّاء، منهم: عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، رضي اللهُ عنه، يُكنَّى أبا الحسن الهادي، وُلد بالمدينة ونُقل إلى سامرّا، وابنُه الحسن بن عليّ وُلد بالمدينة أيضاً ونُقل إلى سامرّا فُسمّيا بالعسكريّين لذلك، فأمّا عليّ فمات في رجب سنة 254 ومُقامُه بسامرّا عشرين سنة، وأمّا الحسن فمات بسامرّا أيضاً سنة 260 ودُفنا بسامرّا وقبورُهما مشهورة هناك». (الحموي: معجم البلدان: ج 4، ص 123)    

• إثنا عشر إماماً، كلُّهم من قريش: من الثوابت الدينيّة المتّفق عليها بين جميع المسلمين، أنّ الخلفاء بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله، النّقباء، الأئمّة والأسباط، إثنا عشر، تستمرّ إمامتُهم إلى قيام الساعة.
• ومن الثوابت أيضاً أنّه يجبُ على كلِّ مسلمٍ في كلِّ عصر أن تكون في عُنُقِه بيعةٌ لإمامِ زمانه.
• في ضوء هاتين الثابتتَين، يجب على كلّ مسلم أن يعرف «الأئمّة الإثني عشر» الذين حدّدهم رسول الله صلّى الله عليه وآله طريقاً إلى سلامة الإسلام وتحقيق الإيمان، ليتمكّن المسلم في كلّ عصر أن يبايع إمام زمانه، ولا تكون ميتتُه جاهليّة كما ورد عن رسول الله صلّى الله عليه وآله.
• ورغم الإختلاف الشديد المفتَعل في تحديد «الأئمّة الإثني عشر» فإنّ واجب براءة الذِّمّة بين يدَي الله تعالى في مجال معرفتهم، يُوجب على كلّ مسلمٍ أن يطّلع على كلمات العلماء المسلمين -وليس النواصب مسلمين-  وسَيجد بما لا يقبل الشك أنّ الأمّة بأجيالها -وفي مختلف العصور- كانت وفيّةً لرسول الله صلّى الله عليه وآله، وقد عرفت أئمّتها ودوَّن علماؤها في كُتبهم سيرتَهم وأسماءَهم ومناقبَهم ومكارمَ أخلاقهم، ومواقفَهم في مواجهة الطواغيت.
• لا يعني ما تقدّم أنّ الأمّة اهتدت طريقها إلى أخذ العقائد والفقه عن «الأئمّة الإثني عشر» عليهم السلام، ولا يعني أنّ الأمّة  استطاعت أن تجاهر بحبّها لهم، والتواصل معهم فضلاً عن موالاتهم، بل يعني معرفة «الأئمّة الإثني عشر» والخشوع في محراب عَظَمتِهم المحمّديّة الإلهيَّة، وقد عبّر العلماء في مجاميعهم عن هذه المعرفة بما يكشف بوضوح سُمُوَّ المكانة الإجتماعية لكلٍّ منهم في قلوب المسلمين.

• سَأُورد في ما يلي نموذجاً من المصادر السُّنِّية، ليكون للقارىء أن يقيس عليه ما ورد في سائر المصادر حول «الأئمّة الإثني عشر». مع حفظ نسبة التّفاوت بين عالمٍ وآخر، ويكون الهدف من هذا القياس مقاربة الجو العامّ للحديث عن «الأئمّة الإثني عشر»، في كُتب غير «الشيعة» من المسلمين، ليُشكِّل هذا الجو العام حافزاً لتتبُّع نصوص علماء الأمّة حول أهل البيت -عليهم السلام- عموماً، وحول «الأئمّة الإثني عشر» بالخصوص.

• اخترت هذا النّص من كتاب (الصّواعق المحرقة في الرّد على الرافضة وأهل الزَّندقة) وقد  أورد عدّة مؤلّفين أنّ اسمه (الصّواعق المحرقة في الرد على أهل البِدع والضَّلال والزَّندقة) للحافظ ابن حجر الهيثمي، وهو كتاب يرفعُه خصوم «الشيعة» رايةً في مهاجمتهم، ومع ذلك فقد ورد فيه -إلى جانب الكثير النوعيّ حول أهل البيت عليهم السلام- ترجمة الإمام الحسين  والأئمّة التسعة من ذُرِّيَّته عليه وعليهم السلام، وقد حفلت تراجمُهم جميعاً بالدُّرر المحمّدية الإلهيّة التي قد لا نجد بعضها في كثيرٍ من كتابات بعض الشيعة.

• وحيث إنّ الحديث هنا على أعتاب الإمام العسكري، فسأُورد النصّ الذي يختصّ به عليه السلام. قال الحافظ ابن حَجر الهيثمي في آخر ترجمة الإمام الهادي عليه السلام:
• «تُوفِّي رضي الله عنه بسرّ مَن رأى في جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين ومائتين، ودُفن بداره وعمرُه أربعون سنة، وكان المتوكِّل أشخصَه من المدينة إليها سنة ثلاثٍ وأربعين، فأقام بها إلى أن قضى عن أربعة ذكور وأنثى أجلُّهم "أبو محمّد الحسن الخالص" وجعل ابن خلِّكان هذا هو "العسكريّ". وُلد سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، ووقع لبهلول معه أنّه رآه وهو صبيٌّ يبكي والصّبيان يلعبون فظنَّ أنه يتحسّر على ما في أيديهم فقال: أَشتري لك ما تلعب به؟
فقال: يا قليلَ العقل ما لِلّعبِ خُلقنا.
فقال [بهلول] له: فلماذا خُلِقنا؟
قال: للعلم والعبادة.
فقال له: من أين لك ذلك؟
قال من قول الله عزَّ و جَلّ: ﴿أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون﴾ المؤمنون:115. ثمّ سأله [بهلول] أنْ يعظَه فوعظه بأبيات، ثم خرَّ الحسنُ مغشيّاً عليه.
فلمّا أفاق قال له [بهلول]: ما نَزَلَ بك وأنت صغيرٌ، لا ذنبَ لك؟
فقال: إليك عنّي يا بهلول، إنّي رأيت والدتي تُوقد النّار بالحطب الكبار فلا تتّقدُ إلّا بالصّغار، وإنّي أخشى أن أكون من صغار حطب نار جهنَّم.
•  ولمّا حُبِس، قُحِطَ الناسُ بسرَّ مَن رأى قحْطاً شديداً، فأمر الخليفة المعتمد إبن المتوكِّل بالخروج للإستسقاء ثلاثة أيّام فلم يُسقوا، فخرج النَّصارى ومعهم راهبٌ كلَّما مدَّ يده إلى السماء هطلتْ، ثمّ في اليوم الثاني كذلك فشكَّ بعضُ الجهلة، وارتدَّ بعضُهم، فشقَّ ذلك على الخليفة، فأمرَ بإحضار "الحسن الخالص" وقال له: أدرِكْ أمَّة جدِّك رسول الله، قبل أن يهلكوا.
•  فقال الحسن يخرجون غداً وأنا اُزيل الشكَّ إنْ شاء الله، وكلّم الخليفة في إطلاق أصحابه من السِّجن فأطلقَهم، فلمّا خرج النَّاسُ للإستسقاء، ورفع الرَّاهب يده مع النّصارى غيَّمت السَّماء، فأمر الحسنُ بالقبض على يده فإذا فيها عظمُ آدميّ، فأخذه من يده وقال: إسْتَسْقِ! فرفع يده فزال الغيمُ وطلعت الشّمس! فعجب الناس من ذلك، فقال الخليفة للحسن: ما هذا يا أبا محمّد؟ فقال: هذا عَظْمُ نبيٍّ ظفر به هذا الراهب من بعض القبور، وما كُشِفَ من عظم نبيٍّ تحت السماء إلّا هطلت بالمطر، فامتحنوا ذلك العَظم فكان كما قال، وزالت الشُّبهة عن النّاس، ورجع الحسن إلى داره، وأقام عزيزاً مكرَّماً وصِلاتُ الخليفة تصل إليه كلَّ وقت إلى أن مات بسرَّ من رأى، ودُفن عند أبيه وعمِّه وعمرُه ثمانية وعشرون سنة، ويُقال إنّه سُمَّ أيضاً.
•  ولم يخلف غير ولده أبي القاسم محمد الحجّة وعمره عند وفاة أبيه خمسُ سنين لكن آتاه الله فيها الحكمة، ويُسمّى القائم المنتظر، قِيل لأنّه ستر بالمدينة وغاب فلم يُعرف أين ذهب ".."».

***
• أقف -مع هذا النصّ- عند ثلاثة محاور:

1- ﴿..وآتيناه الحكم صبيّاً﴾ مريم:12.
2- الحديث في النص حول ثلاثة أئمّة: الهادي والعسكري والمهديّ عليهم السلام.
3- إنقاذ الأمّة من الشكّ في عاصمة القطب الأوحد في ذلك الزمان. «أدرِك أمّة جدّك»


• في المحور الأول، ﴿وآتيناه الحكم صبيَّاً﴾ أذكُرُ ملاحظتين:


• الأولى: الإلفات إلى عظيم  دلالات عِلم الإمام العسكري عليه السلام في صِغره، وأهميّة أن يسوقَها عالمٌ مسلم، يُصنَّف في سياق مَن لا يعتقد بالإمام العسكري.
• الثانية: وحيث قد اختصر «ابن حَجر» هذا الحوار بين الإمام العسكري في صباه، مع «بهلول» فسأُوردها  كما رواها مفصّلة عالم سنّي آخر هو
«العلّامة عفيف الدين عبد الله بن أسعد اليافعي الشافعي اليمني» في (روض الرياحين في مناقب الصالحين: ص 67، ط: مصر) قال:

 الحكاية السادسة والخمسون عن بهلول رضي الله عنه قال:


بينما أنا ذات يوم في بعض ".." [الشوارع] وإذا الصّبيان يلعبون بالجوز واللّوز، وإذا بصبيٍّ ينظر إليهم ويبكي.
فقلت: هذا صبيٌّ يتحسَّر على ما في أيدي الصّبيان ولا شيء معه فيلعب به، فقلت له: أيْ بنَي ما يُبكيك؟ أشتري لك من الجوز واللّوز ما تلعب به مع الصّبيان؟
فرفع بصره إليّ وقال: يا قليل العقل، ما للّعب خُلقنا؟ فقلت: أَيْ بنَي، فلماذا خُلقنا؟ قال: لِلعلم والعبادة. قلت: من أين لك ذلك بارك الله تعالى فيك؟ قال: من قوله عزّ وجلّ: ﴿أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون﴾ المؤمنون:115.  قلت له: أيْ بنَي، إنّي أراك حكيماً فعِظني وأوجِز، فأنشأ يقول:
أرى الدنيا تجهز بانطلاقِ    مشمرة على قدمٍ وساقِ 
فلا الدنيا بباقيةٍ لِحَيٍّ ولا حيٌّ على الدنيا بباقِ
كأنّ الموت والحَدَثان فيها إلى نفس الفتى فرسا سباقِ
 فيا مغرورُ بالدنيا رويداً   ومنها خذ لنفسك بالوثاقِ

قال بهلول رضي الله عنه:

 ثمّ رمق السماء بعينيه وأشار إليها بكفّيه ودموعُه تنحدر على خدّيه، وأنشأ يقول:

يا مَن إليه المُبتَهل  يا من عليه المُتكّلْ 
يا من إذا ما آملٌ يرجوه لم يخطِ الأملْ

 قال: فلمّا أتمّ كلامه خرّ مغشيّاً عليه، فرفعتُ رأسَه إلى حِجري ونفضتُ التراب عن وجهه بكُمّي، فلمّا أفاق قلت، أيْ بنَي، ما نزل بك وأنت صبيٌّ صغير لم يُكتَب عليك ذنب؟ قال: إليك عنّي يا بهلول، إنّي رأيت والدتي تُوقد النار بالحَطب الكبار فلا يتّقد لها إلّا بالصغار، وأنا أخشى أن أكون من صغار حطب جهنّم. فقلتُ له: أيْ بنَي، أراك حكيماً فعِظني وأوجِز. فأنشأَ يقول:
                                                                

غفلت وحادي الموت في أثري يحدُو  فإن لم أَرُحْ يوماً فلا بدَّ أن أغدُو 
أنعم جسمي باللباس ولينه وليس لجسمي من لباس البِلى بُدُّ
كأنّي به قد مرّ في برزخ البلى ومن فوقه ردمٌ ومن تحته لحدُ
وقد ذهبت منّي المحاسنُ وانْمَحَتْ  ولم يبقَ فوق العَظم لحمٌ ولا جلدُ
أرى العمر قد ولّى ولم أدرك المنى وليس معي زادٌ وفي سفري بعدُ
وقد كنت جاهرتُ المهيمن عاصياً وأحدثتُ أحداثاً وليس لها ردُّ
وأرخيتُ خوف الناس ستراً من الحيا    وما خفتُ من سرّي غداً عنده يبدو
بلى خفتُه لكن وثقتُ بحلمه وأنْ ليس يعفو غيرُه فله الحمدُ
فلو لم يكن شيءٌ سوى الموت والبلا ولم يكُ من ربّي وعيدٌ ولا وعدُ
لكان لنا في الموت شغلٌ وفي البلا  عن اللّهو لكن زال عن رأينا الرّشدُ
عسى غافرُ الزلّات يغفر زلّتي  فقد يغفرُ المولى إذا أذنب العبدُ
أنا عبدُ سوءٍ خنتُ مولاي عهدَه  كذلك عبد السوء ليس له عهدُ
فكيف إذا أحرقت بالنار جثتي ونارك لا يقوى لها الحجر الصّلدُ
أنا الفرد عند الموت والفرد في البَلى وأُبعَث فرداً فارحم الفردَ يا فردُ

 قال بهلول: فلمّا فرغ من كلامه وقعتُ مغشيّاً عليّ وانصرف الصبيّ، فلمّا أفقتُ نظرتُ إلى الصّبيان فلم أرَه معهم، فقلت لهم: مَن يكون ذلك الغلام؟ قالوا: وما عرفته؟ قلت: لا. قالوا: ذاك من أولاد الحسين بن عليّ بن أبي طالب رضوان الله عليهم أجمعين. قلت: قد عجبتُ من أين تكون هذه الثمرة إلّا من تلك الشجرة، نفعنا الله تعالى به وبآبائه آمين.
• وأما في المحور الثاني، وهو «الحديث في نَصّ إبن حَجر» حول  ثلاثة أئمّة: الهادي والعسكري والمهدي عليهم السلام، فأكتفي بالتذكير بأنّ هذا النَّص يرِد في سياق نصٍّ طويل يترجم فيه صاحب (الصّواعق المحرقة) للتّسعة من ذريّة الحسين عليهم السلام، وهو هنا يصرّح باسم «المهديّ المنتظَر» إبن الإمام العسكري، إبن الإمام الهادي عليهم السلام.
• ويبقى المحور الثالث: إنقاذُ الأمّة من الشكّ في عاصمة القطب الأوحد في ذلك الزمان. «أَدْرِك أمّةَ جدّك» وهو واضح الدّلالة على محورٍ عقائدي بالغ الأهميّة سيُسأَل كلُّ مسلمٍ عنه يوم القيامة، وهو أنّ لأهلِ البيت عليهم السلام حقوقاً إلهيّةً عظيمةً في عُنُق كلّ مسلم، بل في عُنُق كلّ إنسان، لأنّ الهدى الإلهي لم يستمرّ من خلال الحكّام وأنظمة الجَوْر، الذين كُتِب التاريخ الإسلامي ويُكتَب وكأنّهم هم الذين حفظوا بدولِهم استمرارَ الإسلام، وكأنَّ الأئمّة الإثني عشر كانوا على الهامش، أو اكتفوا بالتعليم والتوجيه ولم يستفِد منهم إلّا فريقٌ من العلماء.
• من واجبنا العمل الجادّ لإعادة كتابة التاريخ على أساس عصور الأئمّة الإثني عشر، الذين كانت مهمّة كلٍّ منهم إنقاذ الأمّة من الضلال وإدارة شؤون الأمّة والسير بها إلى سلامة التوحيد وجوهرة الإنسانيّة، وتجاوز المنعطفات الحادّة التي يمكن لحادثة «الإستسقاء» الواردة في نصِّ «إبن حَجَر» -رغم عَظَمتها- أن تكون شاهداً صغيراً عليها.


اخبار مرتبطة

  قرن الإسلام، وعصرُ الشعوب

قرن الإسلام، وعصرُ الشعوب

  المُشايَعة والمتابَعة

المُشايَعة والمتابَعة

  دوريات

دوريات

منذ 6 أيام

دوريات

نفحات