بصائر

بصائر

21/04/2012

إخلاص النية، طهارة السّر

.. بالغداة والعشي، يريدون وجهه
إخلاص النية، طهارة السّر
_____«شعائر»_____


"المراد بالنّيّة الصّادقة: إنبعاث القلب نحو الطّاعة، غير ملحوظ فيه شيء سوى وجه الله سبحانه".
تبصرة في نيّة المؤمن لجميع أعماله وأحواله، تقدّمها «شعائر» من أفضل شرح موسوعي لأدعية الصحيفة السّجّاديّة، وهو كتاب (رياض السالكين في شرح صحيفة سيّد السّاجدين) للسيّد علي خان المدني الشيرازي.



قوله عليه السلام: «وانتهِ بنيَّتي إلى أحسن النيّات» [من دعاء الإمام السجّاد عليه السلام في «مكارم الأخلاق»] الباء: للتّعدية، وتسمَّى باء النّقل، وهي المعاقبة للهمزة في تصيير الفاعل مفعولاً، تقول في قام زيد: أقمت زيداً وقمت به، أي: صيَّرته قائماً. فمعنى «انتهِ بنيَّتي»: إجعلها منتهية إلى أحسن النيّات، أي بالغة إليه.
 
واختلفت عبارات العلماء في تعريف النيّة. فقيل: هي إرادة تُفعل بالقلب، فالإرادة بمنزلة الجنس، والوصف بمنزلة الفصل تخرج به إرادة الله تعالى. وقيل: هي جمع الهمّ في تنفيذ العمل للمعمول له، وأن لا يسنح في السّرّ ذكر غيره. وقيل: هي توجُّه القلب نحو الفعل ابتغاءً لوجه الله تعالى. وقيل: هي الإرادة الباعثة للقدرة المنبعثة عن معرفة كمال الشّيء.
وقال بعض فقهائنا: هي إرادة إيجاد الفعل على الوجه المأمور به شرعاً. وأراد بالإرادة: إرادة الفاعل، فخرجت إرادة الله تعالى لأفعالنا، وبالفعل: ما يعمّ توطين النّفس على التّرك، فدخلت نيّة الصَّوم والإحرام وأمثالها، وبالمأمور به: ما ترجَّح فعله شرعاً، فدخل المندوب وخرج المباح.
والظّاهر أنَّ المراد بالنّيّة في الدّعاء هو مطلق القصد إلى إيقاع فعلٍ معيَّن لعلَّة غائيّة، ولمّا كانت النّيّة بهذا المعنى تنقسم باعتبار غايتها إلى قبيح وحَسَن وأحسن، سأل عليه السلام أن يبلغ بنيَّته أحسن النّيّات. فالقبيح: ما كان غايته أمراً دنيويّاً وحظّاً عاجلاً، وليس له في الآخرة من نصيب، كنيَّة أهل الرِّياء والنّفاق ونحوهم. والحَسَن: ما كان غايته أمراً أخرويّاً، من رغبة في ثواب أو رهبة من عقاب، والأحسن: ما كان غايته وجه الله تعالى لا غير، ويعبَّر عنه بالنّيّة الصّادقة.
قال شيخنا البهائي قدس سره: المراد بالنّيّة الصّادقة: إنبعاث القلب نحو الطّاعة، غير ملحوظ فيه شيء سوى وجه الله سبحانه. قال بعضهم: أفضل ما يتقرّب به العبد إلى الله أن يعلم أنَّه لا يريد العبد من الدّنيا والآخرة غيره، قال الله تعالى: ﴿واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه..﴾ الكهف:28، وهو مقام النّبيِّين والصّدِّيقين والشّهداء.

النّيّة الصادقة من مَلَكات النّفس


رُوي في (مصباح الشّريعة) عن الصادق عليه السلام أنّه قال: «لا بدّ للعبد من خالص النّيّة في كلّ حركة وسكون»، لأنّه إذا لم يكن بهذا المعنى يكون غافلاً، والغافلون قد وصفهم الله تعالى فقال: ﴿..إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا﴾ الفرقان:44، وقال: ﴿..أولئك هم الغافلون﴾ الأعراف:179.
وشرح ذلك بعض العلماء فقال: يجب أن يكون للعبد في كلّ شيءٍ يفعله وعملٍ يعمله نيّة وإخلاص، حتى في مطعمه ومشربه وملبسه ونومه ونكاحه، فإنَّ ذلك كلّه من أعماله التي يُسأَل عنها ويُجازى عليها، فإن كان لله وفي الله كانت في ميزان حسناته، وإن كانت في سبيل الهوى ولغير الله كانت في ميزان سيئاته، وكان صاحبها في الدّنيا على مثال البهائم الرّاتعة والأنعام المهملة السّارحة، ولا يكون على الحقيقة إنساناً مكلَّفاً موفَّقاً، وكان من الذين ذكرهم الله بقوله: ﴿..أغفلنا قلبه عن ذكرنا..﴾ الكهف:28، أي: وجدناه غافلاً، كقولك: دخلت بلدة فأعمرتها، أي: وجدتها عامرة، أو أخرجتها أي: وجدتها خراباً، فهو غافل عمّا يأتيه ويذره، متَّبع لِهَواه في ما يورده ويصدره، وكان أمره فرطاً بغير نيّة في أوّله ولا صحّة في آخره.
 قال بعضهم: ومن هنا يعلم أنّه يمكن أن تجعل العادات عبادات، كالأكل والشرب إذا نوى بهما القوّة على الطاعة، وكالتّطيّب إنْ قصد به إقامة السّنّة، لا استيفاء اللّذات وتودُّد النّسوان، إذ هو معصية. ففي الخبر: «مَن تطيَّب لله جاء يوم القيامة وريحه أطيب من ريح المسك، ومن تطيَّب لغير الله جاء يوم القيامة وريحه أنتن من الجيفة». واجتهد في تصيير ذلك مَلَكة للنّفس.

هل التلفّظ بالنيّة كافٍ؟


قال بعض العارفين: قد يسمع الجاهل ما ذكره أصحاب القلوب من المبالغة والتّأكيد في أمر النّيّة، وأنَّ العمل بدونها لا طائل تحته، كما قال سيّد البشر صلّى الله عليه وآله: «إنّما الأعمال بالنّيّات»، فيظنّ أنّ قوله عند تسبيحه وتدريسه: أسبِّح قربة إلى الله، أو أدرِّس قربة إلى الله، مُحضراً بمعنى هذه الألفاظ على خاطره هو النّيّة، وهيهات إنّما ذلك تحريك لسان وحديث نفس أو فكر وانتقال من خاطر إلى خاطر، والنّيّة عن جميع ذلك بمعزل.
إنّما النّيّة انبعاث النّفس وانعطافها وتوجُّهها ومَيْلها إلى فعل ما فيه غرضها أو بُغيتها إمّا عاجلاً وإمّا آجلاً، وهذا الإنبعاث والمَيْل إذا لم يكن حاصلاً لها، لم يمكنها اختراعه واكتسابه بمجرّد الإرادة المتخيَّلة والنّطق بتلك الألفاظ، وما ذلك إلَّا كقول الشّبعان: أشتهي الطّعام وأميل إليه، قاصداً حصول المَيْل والإشتهاء، وكقول الفارغ: أعشق فلاناً وأحبّه وأنقاد له وأطيعه، بل لا سبيل إلى اكتساب صرف القلب إلى الشّيء وميله إليه وإقباله عليه، إلَّا بتحصيل الأسباب الموجبة لذلك المَيْل والإنبعاث، واجتناب الأمور المنافية لذلك المضادّة له؛ فإنَّ النّفس إنَّما تنبعث إلى الفعل وتقصده وتميل إليه، تحصيلاً للغرض الملائم لها بحسب اعتقادها وما يغلب عليها من الأحوال، فإذا غلبت شهوة النّكاح واشتدَّ توقان النّفس إليه، لا يمكن الموافقة على قصد الولد، بل لا يمكن إلَّا على نيّة قضاء الشّهوة فحسب، وإن قال بلسانه: أفعل السُّنّة وأطلب الولد قربة إلى الله، وقِسْ على ذلك قول المصلِّي عند نيّة الصّلاة، إذا كان منهمكاً في أمور الدّنيا والتّهالك عليها والإنبعاث في طلبها، فإنّه لا يتيسَّر له توجيه قلبه بكلّيّته إلى الصّلاة وتحصيل الميل الصّادق إليها والإقبال الحقيقي عليها، بل يكون دخوله فيها دخول متكلِّف لها متبرِّم بها، ويكون قوله: أصلّي قربة إلى الله كقول الشبعان، أشتهي الطعام، وقول الفارغ: أعشق فلاناً مثلاً.
والحاصل: أنّه لا تحصل النّيّة الكاملة المعتدّ بها في العبادات وغيرها إذا أُريدت بها القربة من دون ذلك الميل والإقبال، وقمع ما يضادّه من الصّوارف والإشتغال، وهو لا يتيسَّر إلَّا بصرف القلب عن الأمور الدّنيويّة، وتطهير النّفس عن الصّفات الذَّميمة الدَّنيّة، وقطع النّظر عن الحظوظ العاجلة بالكلّيّة، وتوجيه القلب إلى المولى وقصده دون جميع ما سواه بالنّيّة، وذلك مَيْل لا يتيسَّر إلَّا لِمَن نوَّر الله قلبه بالعرفان واليقين، وهداه صراط عباده المخلصين.
ولذلك قال أمير المؤمنين وسيّد الوصيين: «تخليص النّيّة من الفساد أشدّ على العاملين من طول الجهاد». ومن هنا يظهر سرّ قوله صلّى الله عليه وآله: «نيّة المؤمن خير من عمله»، فإنَّ النّيّة على هذا الوجه أشقّ من العمل بكثير فتكون أفضل منه، ويتبيَّن لك أنّ قوله صلى الله عليه وآله: «أفضل الأعمال أحمزها»، غير منافٍ لحديث: «نيّة المؤمن خير من عمله»، بل هو كالمؤكِّد والمقرِّر له، والله وليُّ التوفيق.
قال بعض المحقِّقين من علمائنا المتأخِّرين: النّطق لا تعلُّق له بالنّيّة أصلاً، فإنَّ القصد إلى فعل من الأفعال لا يعقل توقُّفه على اللّفظ بوجه من الوجوه، ولا ريب في عدم استحبابه أيضاً، لأنَّ الوظائف الشرعيّة موقوفة على الشّرع ومع فقده فلا توظيف، بل كان فعله على وجه العبادة إدخالاً في الدِّين ما ليس منه، فيكون تشريعاً محرَّماً.

اخبار مرتبطة

  ملحق شعائر 7

ملحق شعائر 7

  أيها العزيز

أيها العزيز

  دوريات

دوريات

21/04/2012

دوريات

نفحات