الملف

الملف

19/05/2012

قراءة في المَنهج
الشيخ حسين كوراني

تدوينُ السِّيرة
قراءة في المَنهج
ــــــــــــــالشيخ حسين كوراني ــــــــــــــ

لم تكن إمبراطوريات الجَور وفيّةً لرسول الله صلّى الله عليه وآله، بل كان كلُّ همِّها الحكمُ باسمِه، ولذلك كان الإصرارُ على  الفصلِ بين العقيدة، والسِّيرة، وقد شكّلَ ذلك المنطلَقَ للشُّبهة المتداولة في فصل «بَشَرِيَّة الرّسول» عن الوحي والرّسالة.
حول الفصل بين العقيدة والسِّيرة، كتب الشيخ حسين كوراني، ما يلي:
«شعائر»
 

تواجهُ منهجَ كتابة السِّيرة إشكاليّتان:
* الأولى: اعتماد «الحَوْليّات» وحدة سردِ الأحداث بدلاً عن الموضوعات.
* الثانية: الفصلُ بين السّيرة، وبين ما أجمعَ عليه المسلمون من أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله، هو سرُّ الخلق بإذنِه تعالى، والشاهد على النبيِّين، و«الإنسان الأوّل»، و«النّورُ الأوّل» إلى غير ذلك من الثوابت الإسلاميّة المتّفق عليها عبر القرون.
**

* لا يُمكن للمسلم أن يحقّق «التّأسّي»، و«حُسن الإقتداء» إلّا في ضوء سيرة النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله، وسيرة أهل البيت عليهم السلام، التي هي في جوهرِها تجلّي الكتاب والسُّنّة، وتفسيرهما العملي، فهل يُتيح المنهجُ المعتمَد في تدوين السيرة، يُسْرَ التواصل مع «سيرة المعصوم»؟
تختلف دلالةُ «سيرة المعصوم» عن تاريخ «الحوليّات» الذي يعتمد وحدة السَّنة «الحَوْل» ليثْبت ما بلغَه من تاريخ المعصوم ويدوِّنه.
أبرزُ موارد الإختلاف أنّ من يقرأ تاريخ المعصوم في المصادر المختلفة، يبقى توّاقاً إلى معرفة لُباب سيرة المعصومين عليهم السلام في مفاصل فقهِ القلب والحياة، ولا يقنعُ بالحصيلة التي جمعَها بجهدٍ من ثنايا سرْد الأحداث التي تُقدَّم -في الغالب- بطريقة مشوبة باختلافِ الرّواة، ومستويات تفاعلِهم مع المشهد.
يرى الشهيد مطهّري-بحقّ- أنّ تاريخ الحوليّات «سَيْرٌ» وليس «سِيرة»، أي أنّه عرْضٌ لمَسار الأحداث، وليس استنباطاً للسِّيرة يستكشفُ الرّؤيةَ، ويَنظم المواقفَ المنسجمةَ معها من موضوعٍ محدّد.
وحيث إنّ الحقيقة ذاتُ وجوهٍ وأبعاد، لا بدّ من التعامل معها كلِّها لِيُمكن التقاطُ مشهدِها المُكتمل، فمن الطبيعيّ أنْ يتسبّبَ عدمُ إدراج المواقف المرتبطة بموضوعٍ واحدٍ، في سياقٍ واحد، باختلالِ الصّورة الملتقطَة، أو قلبِها جزئيّاً أو كليّاً.
يعني ذلك أنْ يواجه التّواصل مع مفرداتِ السّيرة الموزّعة نقصاً في الإحاطة بالكثير من هذه المفردات، وربّما عجزاً في الرِّبط بين ما يندرجُ في موضوعٍ واحد، ويُترجَم هذا وذاك خللاً في المدى المعرفيّ يحدُّ من مساحة التّأسّي، أو يُحدِث حجاباً دونَه، أو قطعاً في سياقِه.
يُخفِّفُ من حدِّةِ سلبيّة هذه الإشكاليّة أنّها من باب منهجيّة تدوين السّيرة، رغم أنّها تؤثّر سلباً على استنباط السّيرة من حيث الوقت وعدم تيسير التّأسّي، بل وربّما حرمان الكثيرين من فوائدها. إنّ الوصول إليها ممكن، لكنّه يحتاجُ الوقتَ الكافي لتنضيدِ المفردات ونظْمِها في موضوعات، والبناء على النتائج، ولا ترقى هذه الإشكاليّة إلى مستوى تقديم معطياتٍ خاطئة قد تتسبّب بأضرارٍ عقائديّة بالغة، كما هو شأنُ الإشكاليّة الثانية.

* الفصلُ بين السّيرة والرؤية التوحيديّة للكون والإنسان

يُجمِعُ المسلمون على ثلاثة أُسُس:
الأوّل: أنّ خلْق الله تعالى للإنسان وكَوْنه الماديّ، قد بدأ بخلقِ أوّل نبيٍّ هو آدم عليه السلام.
الثاني: أنّ مشروع الهُدى الإلهي: ﴿..فإمّا يأتينكم منّي هدىً..﴾ البقرة:38، كان يعني في عِلم الله تعالى إرسالَ الأنبياء وإنزالَ الرّسالات السّماويّة على مراحل، خاتمتُها القرآن الكريم المنزلُ على سيّد النبيّين وخاتمهم صلّى الله عليه وآله.
الثالث: وعندما يُطرَحُ السّؤال عن معنى الخاتميّة، نجدُ الإجماع على أنّها خاتميّة البِعثة فقط، لأنّه صلّى الله عليه وآله أوّلُ الأنبياءِ خلْقاً وآخرُهم بَعْثاً، كما أثبتَ ذلك عنه المسلمون على اختلاف مذاهبِهم، عبر رواياتٍ متعدّدة تصرِّحُ جميعاً بخلْقِه وثبوت نبوّته صلّى الله عليه وآله، وآدمُ عليه السلام «مُنجدِلٌ في طينتِه» أو «منخولٌ في طينتِه» أو «بين الطِّين والماء»، وغير ذلك.
لا يتعارضُ هذا المعنى للخاتميّة مع الأساس الأوّل، لأنّ الحديث في الأوّل عن خلْقِ الإنسان من ماءٍ وتراب، وبهذا المعنى كان النبيُّ آدم عليه السلام أوّلَ إنسانٍ خلقَه الله تعالى، إلّا أنّ أبا البشر والنبيَّ الأوّل في التّسلسل حين فتح عينيه رأي أنواراً -كما يُصرِّح الشيخ المفيد في عرْضه للصّحيح من الرّوايات- فسألَ اللهَ تعالى عنها، وجاءَه الجواب الإلهي: «محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين، ولولاهم ما خلقتُك».
وعندما نرجع إلى المصادر الأمّ نجدُ كبارَ العلماء يتحدّثون عن بَدء الخلق بلغةٍ واحدة؛ من حيث الخطّ العريض العامّ الذي يُترجَم باختصار إلى أنّ رسول الله محمّداً صلّى الله عليه وآله هو الإنسانُ الأوّل، وقُطبُ دائرةِ الإمكانِ والوجود، وفي الرّوايات التي يقفُ عند بعضها كبارُ المفسّرين بإجلال، أنّ أوّل ما خلقَ اللهُ تعالى: «نور نبيِّكَ يا جابر»، «ومنه خَلَقَ كلَّ خير».
لست هنا بصدد التفصيل في ذلك ولا الإستدلال عليه، بل أنا بصدَد الإلفات إليه، والتّأسيسِ عليه لموضوع «تدوين السّيرة».
السؤالان المركزيّان المحيِّران:
1-  لماذا يتمُّ تغييبُ هذه الأُسس كلّها عند تدوين السّيرة، فإذا المنهج المعتمَد لتدوين سِيرة «سرّ الوجود بإذن الله تعالى» و«الإنسان الكامل»، و«سيّد النبيّين والأوّلين والآخرين» لا يختلفُ إطلاقاً عن منهج تدوين سيرة أيّ شخص؟
2-  لماذا تتمّ دراسة مفردات السّيرة ومرويّاتها بمعزلٍ عن هذه العَظَمة الإلهيّة لأقرب الخلْق إلى الله تعالى، الذي «لم يُبعَث نبيٌّ إلّا بالإعتقاد به صلّى الله عليه وآله»؟

* تبدأُ دراسةُ سِيرة النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله من مرحلة الجاهليّة وظُلماتِها، وقريش وانحرافاتِها، ومكّة وأصنامها، لِيُقدَّم رسول الله صلّى الله عليه وآله كفردٍ من هذه البيئة، إلّا أنّه مختلفٌ عنها جذريّاً، فهو الصّادق الأمين، المتعبّد في غار «حِراء»، وينطلق التدوين في المسار المعروف الحافل بما لا يتناسب مع عَظَمته صلّى الله عليه وآله، حتّى عند مَن غابت عنه الأُسسُ المتقدّمة.
* أكتفي هنا بذكرِ نموذجٍ واحدٍ من هذه المُنافيات للعَظَمة المحمّدية، وهي ما درج على تلقينِه غالب تدوين السّيرة من أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله -والعياذُ بالله- لم يتأكّد من نبوّته إلّا عندما طَمْأَنَه ورقةُ بنُ نوفل!! 
أخلُصُ من ذلك إلى توكيد عظيم الفائدة الحصريّ للبَدء بتدوين سيرة رسول الله صلّى الله عليه وآله من مرحلة ما قبل الخلْق، من النّشأة الأولى، بعد تصفية الرّوايات الكثيرة جدّاً حول تلك المرحلة لِيتمّ اعتمادُ المتّفق عليه بين المسلمين، وهو ما أولاه كبارُ العلماء عنايةً قصوى عبر القرون.
سنَجدُ أنّ محاور البحث في هذا المجال متعدّدة جداً ورواياتُها وفيرة، وبينها رواياتٌ مبسوطة جدّاً.
من هذه المحاور: بَدْءُ الخَلْق. روايات النُّور وهي حوالي المائتي رواية. روايات الطِّينة. روايات عالم الذرّ، أو النشأة الأولى كما يرجِّح هذه التّسمية السيّد الطّباطبائي في (تفسير الميزان). روايات أَخْذ ميثاقِ النبيّين والشهادة على الأنبياء.
كما سنجد أنّ هذه الرّوايات ترتبط بآياتٍ من كتاب الله تعالى، وأنّ البحث فيها قرآنيٌّ بامتياز، وأنّ العلماء اعتمدوا في دراستِها وتحليلِها نفس المنهج الإستنباطي الفقهي، الذي هو أرقى تجليّات «المنهج العقلي»، وهو بدوره مصدر «قيمة»
«المنهج التّجريبي»، كما ثبت في محلِّه. [يراجع: (في المنهج: ألمعصوم والنّصّ)، للكاتب]

* أبرزُ إيجابيّات هذا المنهج:

يُمكن اختصارُ سلبيّات المنهج المعتمَد فعلاً في تدوين السّيرة بالفصل بين العقيدة والسّيرة، وعليه فإنّ من بين أبرز إيجابيّات المنهج المقترَح، النتائج التّالية:
أوّلاً: تصحيحُ الإعتقاد برسول الله صلّى الله عليه وآله.
ثانياً: تعميقُ حبِّه صلّى الله عليه وآله، في العقول والقلوب.
ثالثاً: تَيسيرُ حُسنِ الإقتداءِ به صلّى الله عليه وآله.
عنيتُ بتصحيحِ الإعتقاد برسول الله صلّى الله عليه وآله، الحيلولة دون المعرفة الناقصة الناشئة من الفصل بين العقيدة والسّيرة، والتي قد تستقرُّ على نقصِها ويُمضي المسلمُ عمرَه محروماً من الإعتقاد برسول الله صلّى الله عليه وآله بما يتناسب مع ما أجمعَ عليه المسلمون، وقد تتعافى وتكتمل، وذلك إذا أُتيح للمسلم أن يدرسَ العقيدة الإسلامية بمستوىً معتدٍّ به من العُمق والتفصيل، ليكتشف أنّ عليه أن يُعيدَ النّظرَ في كلِّ ما اختزنَه خلال دراسة السّيرة من مفردات «حَوليّات» السّيرة، والرُّؤى التي عقدَ القلبَ عليها، أو بقِيتْ حائرةً يبحثُ لها عن صيغةٍ نهائيّة، قد يطولُ انتظارُ الوصولِ إليها، أو يتعذّر.
وحيث إنّ أكثر المسلمين لا يُتاحُ لهم التعمّق في دراسة العقيدة إلّا بعد الإطلاع على «السّيرة»، فإنّ الخسارةَ في هذا المجال فادحة، تترك أسوأَ الأضرار على تعميق حبِّ المسلم برسول الله صلّى الله عليه وآله ، وعلى تَيسير الإقتداء به صلّى الله عليه وآله.
يُمكنُ اسيضاحُ بعضِ أبعادِ هذه الخسارة، من خلال استعراض تجربة فردٍ مسلمٍ درسَ السّيرة النبويّة وفقَ المنهج المعتمَد لتدوينها، واختزنَ الكثير من الحوادث والمفردات من قبيل ما تقدّم عن «وَرقة بن نوفل»، وتثبيته -والعياذ بالله- لرسول الله عندما كان «غير موقن»! بنبوّته، أو ترك الرّسول الغنمَ مع صاحبِه ليذهبَ إلى استماعِ الغناء، أو «النّهي عن تأبيرِ النّخل»،  أوحمْله بعض نسائِه على عاتقه لتشاهدَ حفل الغناء في بيت الجيران! أو عدم معرفتِه وجهَ الحكمة في هذا الموقف أو ذاك وتدخُّل بعض الصحابة لحسمِ الموقف بتقديم الرّأي السّديد! ثمّ أُتيح لهذا الفرد المسلم -الذي اختزن هذا وأشباهه، واختزن رؤىً مبنيّة عليها- أن يتعمّقَ في تفسير الآيات التي تتحدّث عن مرحلة ما قبل الخلْق، وأخْذِ ميثاق النبيّين بالإقرار بنبوّة سيّد النبيّين صلّى الله عليه وآله، فأيُّ فِصامٍ معرفيٍّ سيكتشفُه في نفسه، وكم تشتدُّ معاناتُه ليستبرىءَ ويَطْهُر، ويحسنَ إسلامُه.
 

* «دفناً دفناً»، و«بشريَّة الرّسول»

من الأسباب الرئيسة التي أدّت إلى كثرة الوضع والتخليط في نصوص السّيرة، أنّ إمبراطوريات الجَور التي قامت باسم الإسلام، لم تكن وفيّةً لرسول الله صلّى الله عليه وآله، بل كانت متسلّقةً تركِّز على أمرَين: التّظاهر بالإسلام،  وتبهيت عَظَمة رسول الله صلّى الله عليه وآله.
قال عليٌّ عليه السلام: «إنّ العرب كرِهت أمرَ محمّدٍ صلّى الله عليه وآله، وحَسدته على ما آتاه اللهُ من فضلِه، واستطالت أيّاَمَه، حتّى قَذفتْ زوجتَه، ونَفّرَت به ناقتَه، مع عظيمِ إحسانِه إليها، وجسيمِ مِنَنِه عندها، وأجمعتْ مذ كان حيّاً على صرف الأمر عن أهل بيتِه بعد موتِه، ولولا أنّ قريشاً جعلت اسمَه ذريعةً إلى الرّياسة، وسُلَّماً إلى العزّ والإمرة، لما عبدتِ اللهَ بعد موته يوماً واحداً، ولَارْتَدّت في حافِرتها، وعاد قارحُها جَذعاً، وبازِلُها بكراً، ثمّ فتح الله عليها الفتوح، فأثْرَتْ بعد الفاقة، وتَمَوَّلَتْ بعد الجهد والمَخمصة، فَحَسُنَ في عيونِها من الإسلام ما كان سَمْجاً، وثبت في قلوب كثيرٍ منها من الدِّين ما كان مضطرباً، وقالت: لولا أنّه حقّ، لما كان كذا. ثمّ نسبتْ تلك الفتوح إلى آراء وُلاتِها، وحُسنِ تدبير الأمراءِ القائمين بها، فتأكّد عند الناس نباهةُ قومٍ وخمول آخرين، فكنّا نحن ممّن خملَ ذكرُه، وخَبتْ نارُه، وانقطع صوتُه وَصِيتُه، حتّى أكل الدّهرُ علينا وشرِب، ومضت السّنون والأحقابُ بما فيها، ومات كثيرٌ ممّن يعرِف، ونشأ كثيرٌ ممّن لا يَعرف..».   (إبن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 20: ص 298299، إسماعيليان)
ولأنّ فترةَ التأسيس لتدوين السّيرة كما أرادها البلاط، أمويّة بامتياز، فإنّ خير ما يكشف عن الحقد الدّفين الذي كان النّظام الأموي يُكنِّه لرسول الله صلّى الله عليه وآله، هو الحوار الذي دار بين المُغيرة بن شعبة ومعاوية.
قال المغيرة: «..قلتُ له وقد خلوتُ به: إنّك قد بلغتَ سِنَّاً ".." فلو أظهرتَ عدلاً، وبسطتَ خيراً، فإنّك قد كبرت. ولو نظرتَ إلى إخوتِك من بني هاشم، فوصلتَ أرحامَهم، فوَاللهِ ما عندهم اليوم شيءٌ تخافُه، وإنّ ذلك ممّا يبقى لك ذكرُه وثوابه».
فقال: «هيهاتَ هيهات! أيُّ ذكرٍ أرجو بقاءَه! ملَكَ أخو تَيْمٍ فعدل وفعلَ ما فعل، فما عدا أنْ هلكَ حتّى هلكَ ذكرُه، إلّا أن يقول قائل: أبو بكر، ثمّ ملَك أخو عديٍّ، فاجتهدَ وشمّرَ عشر سنين، فما عدا أنْ هلكَ حتّى هلكَ ذكرُه، إلّا أن يقول قائل: عمر. وإنّ ابن أبي كبشة ليُصاحُ به كلَّ يومٍ خمس مرّات: أشهدُ أنّ محمّداً رسولُ الله، فأيُّ عملٍ يبقى، وأيُّ ذكرٍ يدوم بعد هذا لا أباً لك! لا واللهِ إلّا دفْناً دَفْنا». (المسعودي، مُروج الذّهب، ج 2: ص 54، برنامج المكتبة الشاملة)
وفي (شرح النّهج) لابن أبي الحديد أيضاً: «روى أحمد بنُ أبي طاهر في كتاب (أخبار الملوك) أنّ معاوية سمع المؤذِّن يقول: أشهدُ أنّ محمّداً رسولُ الله، فقال: للهِ أبوك يا ابنَ عبدِ الله! لقد كنتَ عاليَ الهمّة، ما رضيتَ لنفسِك إلّا أن يُقرَنَ اسمُك باسمِ ربِّ العالمين».

* سيرةُ أهل البيت عليهم السلام

* ممّا حمل إمبراطوريّات الجور على التّعتيم على روايات ما قبل الخَلْق، أنّها تتحدّث عن الحقيقة المحمّديّة بما يشمل أهلَ البيت عليهم السلام.
* ولئِن كان حقدُ الأنظمة المتسلِّقة الجائرة على رسول الله صلّى الله عليه وآله يحملهم على الوضع والإفتراء لتشويه صورتِه، فإنّ حقدَهم على أهل البيت عليهم السلام، حملَهم على «الدّفن، الدّفن» كما تقدّم في كلام معاوية، بل إنّ أبرز أسباب الحقد على رسول الله صلّى الله عليه وآله، هو الحقدُ على أهل البيت عليهم السلام، لسببَين:

الأول: أنّ عليّاً عليه السلام، قتلَ «الآباءَ، والأخوالَ، والإخوة» في جهاده بين يدَي رسول الله صلّى الله عليه وآله.
الثاني: التأكيد الإلهي - النبويّ على عَظَمة أهل البيت، وقيادتهم للأُمّة بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى اكتمال إمامةِ اثنَي عشر إماماً «كلّهم من قريش». وهو ما جعل منْعَ أهل البيت من الحكم، وفصْل الأمّة عنهم محور صراع الجاهليّة المركزيّ. يشترك في ذلك الأوّلون من النّواصب  والآخرون، الأُمويّون والعباسيّون وغيرهم كابنِ الزّبير الذي ينقل عنه «المسعودي» قوله لابن عبّاس: «إنّي لَأَكْتُمُ بُغضَكم أهْلَ هذا البيت منذ أربعين سنة!». 
كما ينقل عنه ابن أبي الحديد ما يلي: «وكان عبدُ الله بن الزّبير يُبغِضُ عليّاً عليه السلام، ويَنتقِصُه ".." وروى عمر بن شبّه، وابنُ الكلبيّ، والواقديّ، وغيرُهم من رواة السِّير، أنّه مكثَ أيّام ادّعائه الخلافة أربعين جمعةً لا يُصلّي فيها على النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، وقال: لا يمنعُني من ذكرِه إلّا أن تشمخَ رجالٌ بآنافها. وفي رواية محمد بن حبيب وأبى عبيدة معمّر بن المثنى: إنّ له أُهَيْلَ سوءٍ يُنغِضون رؤوسَهم عند ذكرِه».

* سيرةُ أهل البيت عليهم السلام: لا تعدِل برسول الله أحداً

لا فرقَ في منهج تدوين السّيرة أن يكون المدوَّنُ سيرةَ النبيّ صلّى الله عليه وآله، أو سيرةَ أهل البيت عليهم السلام، فقد أجمع المسلمون، على وحدة الحقيقة المحمّديّة بجميع تجلّياتها، لا يُناقشُ في ذلك عالمٌ بالقرآن الكريم والسُّنّة النبويّة، شرط أن لا تضربَه لوثةُ بلاط الحكّام المُتَسلِّلين النّواصب.
* «سُئِل الإمام أبو بكر بن داود: أخديجةُ أفضل أم عائشة؟ فأجاب بأنّ عائشة  أَقْرَأَها رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم من جبرئيل، وخديجة أَقْرَأَها جبرئيلُ السّلامَ من ربِّها على لسانِ نبيِّه!
فقِيل: خديجة أفضل أم فاطمة؟ فقال: قال رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم: فاطمة بضعةٌ منّي، ولا أعدِلُ ببضعةِ رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم أحداً.
وهو استقراءٌ حَسَن. يشهدُ بذلك أنّ "أبا لُبابة" لمّا ربطَ نفسه وحلف أن لا يحلَّه إلّا رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، فجاءت فاطمة لِتحلَّه فأبى من أجل قَسمِه، فقال رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم: إنّما فاطمة بضعةٌ منّي ".." ومن شرفها أنّ المهديَّ الذي يملأُ الأرضَ عدلاً من وُلدِها ".."» (ابن الدّمشقي، جواهر المطالب، ج 1: ص 151 -152، دانش)

 * وما ينطبق على الصّدِّيقة الكبرى البضعة عليها السلام ينطبقُ على أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام، وعلى مَن كان بحكم الزهراء عليها السلام؛ من أبنائها الأئمّة الذين سمّاهم رسولُ الله صلّى الله عليه وآله بالإسم، ورُوي ذلك في روايات مستفيضة في المصادر الشيعيّة والسُّنيّة.
وأَكتفي هنا بذكر رواية واحدة حول اشتراك أهل البيت عليهم السلام مع رسول الله صلّى الله عليه وآله، في خصائص مرحلة ما قبل الخلْق وغيرها، وهي الرّواية التالية:
قال الشّيخ «الماحوزيّ» في كتابه (الأربعون):
«الحديث الحادي والثلاثون }توسُّل آدم عليه السلام بأصحاب الكساء عليهم السلام{: "الحموي" في كتاب (فرائد السّمطين)، بأسناده عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله أنّه قال:
لمّا خلقَ اللهُ آدم أبا البشر، ونفخَ فيه من روحِه، التفتَ آدمُ يُمنةَ العرش، فإذا في النّور خمسةُ أشباحٍ سُجّداً وركّعاً. قال آدم: يا ربِّ هل خلقتَ أحداً من طينٍ قبلي؟
قال: لا يا آدم.
  [لا ينافي أنّهم عليهم السلام كانوا أنواراً، كما هو واضح]
قال: فمَن هؤلاء الخمسة الذين أَراهم في هيئتي وصورتِي؟
قال: هؤلاء خمسةٌ من وُلدِك، لولاهم ما خلقتُك، هؤلاء خمسةٌ شَققتُ لهم خمسةَ أسماءٍ من أسمائي، لولاهم ما خلقتُ الجنّة ولا النّار، ولا العرشَ ولا الكرسيّ، ولا السّماءَ ولا الأرض، ولا الملائكةَ ولا الجنَّ ولا الإنس. فأنا المحمودُ وهذا محمّد، وأنا العالي وهذا عليّ، وأنا الفاطرُ وهذه فاطمة، وأنا ذو الإحسان وهذا الحَسن، وأنا المُحسِنُ وهذا الحسين، آليتُ بعزّتي أنّه لا يأتيني أحدٌ بمثقالِ ذرّةٍ من خردلٍ من بغضِ أحدِهم إلّا أدخلتُه ناري ولا أبالي.
يا آدم، هؤلاء صفوتي من خَلْقِي، بهم أُنجِيهم وبهم أُهلِكُهم، فإذا كان لك إليَّ حاجةٌ فَبِهؤلاء توسّل.
فقال النبيُّ صلّى الله عليه وآله: نحنُ سفينةُ النّجاة، مَن تعلّقَ بها نجا، ومن حادَ عنها هلك، فمَن كان له إلى الله حاجة، فَلْيَسأَل بنا أهلَ البيت
».
أضاف الشيخ الماحوزي: «أقول: أمثالُ هذه الأخبار لا تُحصى كثرةً، وفيها دلالةٌ قاطعةٌ على أفضليّتِه عليه السلام، بل أفضلية زوجتِه فاطمة عليها السلام، ووَلدَيه الحسن والحسين عليهما السلام على مَن عدا النبيّ صلّى الله عليه وآله، حتّى أُولي العَزم، والأخبارُ به مستفيضة، وقد أفردَها بعضُ أصحابِنا بالتّصنيف..». (الشيخ الماحوزي، كتاب الأربعين: ص 395، مطبعة أمير)

* سيرة أمير المؤمنين عليه السلام

يُحتِّمُ اعتمادُ هذا المنهج في تدوين سيرة أمير المؤمنين عليه السلام، وفرةُ العلماء الشيعة والسنّة الذين تحدّثوا عن الرّوايات المشتركة بين سيّد النبيّين وسيّد أوصيائه، ومن محاور هذه الروايات:
1-  أنّهما نورٌ واحد.
2- وأنّ الأنبياء بُعثِوا على الإقرار بولاية سيّد النبيّين، وولاية أمير المؤمنين صلّى الله عليهما وآلهما.

* من روايات المحور الأول: 
أ- «أورد ابنُ شيرويه الدّيلمي -وهو من أعيان العلماء السُّنة- في كتاب (الفردوس، في باب الخاء)، قال بإسناده عن سلمان الفارسي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: خُلِقْتُ أنا وعليّ من نورٍ واحدٍ قبلَ أن يخلقَ اللهُ آدمَ بأربعةِ آلاف عام، فلمّا خلقَ الله تعالى آدمَ ركّب ذلك النّور في صُلبِه، فلم نزَل في شيءٍ واحدٍ حتّى افترقنا في صُلب عبدِ المطّلب، ففيّ النبوّة، وفي عليٍّ الخلافة». (السيد هاشم البحراني، غاية المرام، ج 1: ص 30 – بتصرّف)

ب- قال السيّد ابن طاوس: «..قولُه صلّى الله عليه وآله: كنتُ أنا وعليّ نوراً بين يدَي الله.
فمن ذلك ما رواه أحمدُ بن حنبل [في] مُسندِه عن زاذان عن سلمان قال: سمعتُ حبيبي رسولَ الله صلّى الله عليه وآله يقول: كنتُ أنا وعليّ نوراً بين يدَي الله عزَّ وجلّ قبل أن يخلق آدمَ بأربعة عشر ألف عام ، فلمّا خلق اللهُ تعالى آدم قسم ذلك النّور جزئَين، فجزءٌ أنا وجزءٌ عليّ..».  (السيد ابن طاوس، الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف: ص 15، الخيام)

* ومن روايات المحور الثاني:

قال السيّد علي الميلاني في (نفحات الأزهار):
* «حديثُ بعْث الأنبياء على ولاية سيّدنا عليٍّ عليه السلام، وقد رواه جماعةٌ من أعلام أهل السُّنّة، ومنهم: 1- الحاكم النيسابوري. 2- أبو إسحاق الثّعلبي. 3- أبو نعيم الأصفهاني. 4- الخطيب الخَوارزمي. 5- عبد الرزّاق الرّسعني. 6- السيّد علي الهمداني. 7- السيّد شهاب الدين أحمد. 8- شمس الدين الجيلاني. 9- عبد الوهاب بن محمّد رفيع الدين أحمد. 10- ميرزا محمّد البدخشاني».
* ثمّ استعرضَ السيّد الميلاني روايةَ كلٍّ من العلماء المتقدّمة أسماؤهم، أكتفي هنا بذكر بعضها. قال:
أ- رواية الحاكم: رواه بسندِه عن عبد الله بن مسعود حيث قال: حدّثني محمّد بن المظفّر الحافظ، نا [مختصر حدّثنا] عبد الله بن محمّد بن غزوان، نا عليّ بنُ جابر، نا محمّد بن خالد بن عبد الله، نا محمّد بن فضيل، نا محمّد بن سوقة عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله قال: قال النبيُّ صلّى الله عليه وآله: «أتاني ملَكٌ فقال يا محمّد: واسأَل مَن أرسلنا من قبلِك من رُسلِنا على ما بُعِثوا، قال: قلتُ: على ما بُعِثوا؟ قال: على ولايتِك وولايةِ عليِّ بنِ أبي طالب». قال الحاكم: تفرّد به عليُّ بن جابر عن محمد بن خالد عن محمد بن فضيل، ولم نكتب إلّا عن ابن مظفّر، وهو عندنا حافظٌ ثقةٌ مأمون.
 ب- رواية شهاب الدين أحمد: رواه عن أبي هريرة قال: قال رسول صلّى الله عليه وآله: «لمّا أُسْرِيَ بي ليلةَ المعراج فاجتمعَ عليَّ الأنبياءُ في السّماء فأوحى اللهُ إليَّ: سَلْهُمْ يا محمّد، بماذا بُعِثتُم؟ قالوا: بُعِثنا على شهادة أنْ لا إله إلّا الله، وعلى الإقرار بنُبوّتك، والولاية لعليِّ بنِ أبي طالب».
أوردَه الشيخ المرتضى العارف الربّاني السيّد شرف الدين عليّ الهمداني في بعض تصانيفه وقال: رواه الحافظ أبو نعيم.
ج- رواية عبد الوهاب بن محمّد: رواه عن أبي نعيم الأصبهاني عن أبي هريرة، مثله.   (السيد علي الميلاني، نفحات الأزهار:  ج ص 258، مهر)

* لدى تطبيق هذا المنهج في تدوين السّيرة، سنَجِدُ التّلازم بين سيرة النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله، وسيرة سيِّدِ أوصيائه عليه وعليهم السلام، مبدأً متأَصِّلاً تناول العلماءُ المسلمون عبر القرون رواياتِه الكثيرةَ بالبحث والتّحليل، إلّا أنّها بقِيت في مظانّها لا يصلُ إليها إلّا مَن تعمّدَ البحث والتّنقيب، ولو أنّها كانت قد أُورِدت كمدخلٍ إلى السِّيرة –سواءً سيرة النبيّ أم الوصيّ صلّى الله عليهما وآلهما- لَاختَلفَ الأمر، وأمكنَ انتشارُها بين النّاس على نطاقٍ واسع.
* هَبْ أنّ العذرَ في ما مضى كان يتداخلُ مع بطش إمبراطوريات الجَور، وتعقُّبهم كلَّ مَن يتحدّث في فضائل أمير المؤمنين وأهل البيت عليهم السلام، فما عذرُ مَن يُصِرُّ على تغييب هذا الحشد الكبير من الرِّوايات، وهي على العموم تُقدِّم تفسيراً لآياتٍ من القرآن الكريم، في المراحل والأجواء التي يُمكن فيها تقديمُ هذه الرّوايات، خصوصاً في عصرنا حيث أصبحَ بالإمكان إيصالُ المعلومة إلى أربع رياح الأرض بغاية اليُسر وأدنى كلفة.
***

يبقى من الضّروريّ جداً، الوقوف على أبرز العَقبات التي تمنعُ اعتمادَ هذا المنهج، وهي الخلافُ المنهجيّ الجوهريّ، المُتمثِّلُ بعلاماتِ الإستفهام العريضة عند طيفٍ من الإسلاميّين في كلِّ بلدٍ إسلامي، يوصِدُ كلَّ منافذَ الفِكر والتأمّل والسُّماع والحوار دون مَن يريد أن يحدِّثه أو يتحدَّث بروايات «ما قبل الخلْق» و«عوالم النّور»، و«النِّور الواحد»، و«النّشأة الأولى» عموماً.
يرى غالبُ هذا الطّيف أنّ كلَّ هذا أو جُلَّه تجديفٌ وإسرائيليّات، ويرى أَمْثلُهم طريقةً أنّ النّجاة في الإحتياط، فمِمّا يُغتَنم عدمُ التعرّض لهذه الروايات، والضّرْبُ عنها صفحاً! 
لقد تعاظم هذا الطّيفُ مع تَغلغُل الغزو الثقافي في مفاصل الأُمّة التعليميّة والتربويّة، فالغزو الثقافيّ يعني بدءَ اجتياح الثقافةِ الماديّة للثقافةِ الإنسانيّة بما هو الإنسان روحٌ وجَسد، وهي حصراً الثقافة الدينيّة، بل الإسلاميّة منها بالخصوص.
وبديهيٌّ أنّ الغيبَ نقيضُ «الشّهادة» التي تحشرُ الثقافةُ الماديّةُ الوجودَ ببعضِ أجزائها. لذلك كان عدوانُ الغزو الثقافي -وما يزال- مُنصبّاً على الغَيب والغَيبيّات؛ ومن أبرز مصاديقِهما ما يرتبطُ بحديث الخَلْق، وما قبل الخلْق.
ظلَّ تعاظمُ هذا الطّيفِ المَغزوِّ ثقافياً -وهو يحسبُ أنّه يُحسِن صنعاً- في مسار تعاظمٍ مُطّرد، إلى انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران، بقيادة عبدٍ صالحٍ فقيهٍ نوعيّ، وفيلسوفٍ من الدّرجة الأولى.
مع الإمام الخميني بدأت الأمّة تتعرّف على آفاقٍ ثقافيّة عقائديّة، كان سدُّ الغزوِ الثقافيِّ والموج المتلاطمِ للحداثة المغلوطة والعقلانيّة المدّعاة، قد حال دونَها، فإذا كثيرٌ منا في عداد ﴿المُغْرَقين﴾.
اكتشفنا مع الإمام الخميني أنّ لغة «النّور الأوّل» و«النّور الواحد»  وروايات «الطِّينة» وغيرها، ليست «طلاسم»، ولا «إسرائيليّات»، بل هي لغةُ القرآن الكريم، والرّوايات الشريفة، لغة ﴿..أنبئهم بأسمائهم..﴾ البقرة:33، ولغة «نورُ نبيِّك يا جابر».
واكتشفنا مع أبي مصطفى رضوان الله تعالى عليه، أنّ اللّغة التي طالما اعتبرناها رطانةً يُعرِض أَمْثلُنا عنها لأنّه لا يفهمُها ولا يريدُ أن يفهمَها، ويتوجّسُ منها خيفةَ الإنحراف، عنيتُ لغةَ: «العقل الكلّ»، و«جمْع الجمْع»  و«السِّرّ المُقنَّع بالسِّر»، وما شابه ذلك، هي لغةٌ علميّةٌ تخصّصيّة، كتب الإمام عنها في رسالتِه إلى غورباتشوف ما حاصله: أنّ المتميّز بذكائه يحتاجُ إلى عمرٍ مديدٍ ليتعاملَ مع كنوزِها والأسرار.
* يُشكِّلُ التصالحُ مع «خطّ الإمام»، وَوَعْي أنّه لا ينحصرُ بالسّياسة والثورة على الطّاغوت، مدخلاً إلى التّصالح مع  هذه الخزائن العقائديّة المُغيَّبة.

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

  دوريات

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات