بصائر

بصائر

20/07/2012

رؤيةُ ليلة القدر

رؤيةُ ليلة القدر
معرفةُ النَّفْس مدخلاً

_____الميرزا جواد الملِكي التبريزي_____


 تبصرة للميرزا جواد الملَكي التّبريزي رحمه الله أوردها في كتاب (المراقبات)، عن ضرورة بذل الجهد ورفع الهمّة في شهر رمضان المبارك إلى أعلى مستوياتها لإدراك ليلة القدر، وتحصيل معرفتِها عياناً، وأنّ هذه المعرفة المرجوّة على صِلةٍ وثيقةٍ بمعرفة النّفس.

يجدرُ بالمؤمن أن يُكثر في شهر رمضان المبارك من الدّعاء لكي يوفّقَه الله تعالى لعبادة ليلة القدر وليلة الفطر، من أوّل الشّهر إلى وقت حضور كلٍّ منهما، فإنْ هو صَدَق في الدُّعاء، فإنّ الكريمَ تعالى لا يردُّ دعاءَه، فيكتب له الفوز بهذا الأمر العظيم.
ولعَظَمة ليلة القدر، يليق -للمؤمن بالقرآن الكريم- أن يتفرّغ سنةً كاملةً للإحياء والعبادة، لتحصيل الإطمئنان بِدَرْكها، كيف لا والقرآن المجيد صريحٌ في أنّها خيرٌ من ألف شهر، والألف شهر أزيَدُ من ثمانين سنة، فمَن عَمِل سنةً واستفاد أجر ثمانين سنة فهو من الرّابحين الفائزين، فكيف بمن اجتهدَ في الدّعاء أقلّ من شهرٍ واحد.
وبالجملة، فإنّ مَنْ لم يجد في نفسه اهتماماً لدَرْك ليلة القدر -بهذا المقدار القليل أيضاً- فهو مريض الإيمان، فَلْيُعالِج إيمانَه.
ونظيرُ ليلة القدر في وجوب الإهتمام، ليلةُ الفِطر ويومُه، وذَوو الهِمَم العالية كان همُّهم أن يُكشَف لهم في هذه اللّيلة عمّا يتَنزَّل من السَّماء إلى الأرض من الملائكة والتّقديرات.

ممّا يُعمَل لِرؤية ليلةِ القدر

وقد رُوي لنيلِ معرفتها عَملان:
1- قراءة سورة الدّخان في كلّ ليلة مائة مرّة، من اللّيلة الأولى إلى ليلة الجُهَني. [ليلة ثلاث وعشرين]
2- أو قراءة سورة القدر ألف مرّة -عوضاً عن قراءة سورة الدّخان- من اللّيلة الأولى إلى اللّيلة الثالثة والعشرين.
* وأورد السيّد إبن طاوس روايةً في (الإقبال) لنيلِ فضيلة ليلة القدر، وهذه الرّواية وإنْ لم يثبت اعتبارُها، إلَّا أنّها من أجل عظَمة أمرِها ينبغي أن يُعمَل بها رجاءً لصحّتها وثبوتِها في الواقع، وهي ما رواه عن ابن عبّاس أنّه قال:
«يا رسول الله، طوبى لِمَن رأى ليلة القدر، فقال له: يا ابن عباس، ألا أُعلِّمك صلاةً إذا صلّيتها رأيتَ بها ليلة القدر، كلّ ليلة عشرين مرّة وأفضل، فقال: علِّمني صلّى الله عليك، فقال له: تصلّي أربع ركعات في تسليمة واحدة ويكون بعد العشاء الأولى وتكون قبل الوتر، في الرّكعة الأولى فاتحة الكتاب و(قل يا أيّها الكافرون) ثلاث مرّات و(قل هو الله أحد) ثلاث مرّات، وفي الثّانية فاتحة الكتاب و(قل يا أيّها الكافرون) ثلاث مرّات و(قل هو الله أحد) ثلاث مرّات، وفي الثّالثة والرّابعة مثل ذلك، فإذا سلَّمت تقول ثلاث عشرة مرّة: أستغفر الله. فَوَحَقِّ مَن بعثني بالحقّ نبياً مَن صلّى هذه الصلاة وسبَّح في آخرها ثلاث عشرة مرة، واستغفَر الله، فإنّه يرى ليلة القدر كلّما صلّى بهذه الصّلاة، ويوم القيامة يُشفَّع في سبعمائة ألف من أُمّتي، وغفر الله له ولوالديه إن شاء الله تعالى».
* أقول: لم يُعلم المُراد من الرّواية صريحاً، ويمكن أن يكون المُراد أنّه يحصل له من الثّواب ما يعادل أفضل من لذّة رؤية ليلة القدر عشرين مرّة، نظير ما رُوي من أنَّ ثواب تسبيحة خيرٌ من مُلْك سليمان، فلا يبقى استبعاد.
وأمّا إن كان المراد أنّ ثواب هذه الصّلاة أفضل من ثواب القدر، وأزيد من ثواب عبادة ليلة القدر عشرين مرّة؛ كما فهمَه صاحبُ الكتاب الذي نقل عنه السيّد إبن طاوس قدّس سرّه هذه الرّواية، فهو مستبعَد.
فإن قلتَ: وما معنى رؤية ليلة القدر، وما معنى لذّة الرّؤية؟
قلتُ: رؤية ليلة القدر عبارة عن كشفِ ما يُفتح فيها من نزول الأمر إلى الأرض، كما يُكشَف لإمام العصر عليه السلام في هذه اللّيلة.

معرفةُ النّفسِ تورثُ المكاشَفة
وإنْ أردْتَ لهذا الإجمال توضيحاً ما، فاعلم أنّ لله تعالى بين عالمَي الأرواح والأجسام عالماً يُسمّى عالم المِثال والبرزخ. وهو عالَمٌ بين العالمَين؛ ليس مضيّقاً مُظلماً مثل عالم الأجسام، ولا واسعاً نيّراً مثل عالَم الأرواح، لأنّ عالَم الأرواح مجرّدٌ عن كَدَر المادّة وضِيق الصُّورة والمقدار، وعالمُ الأجسام مقيّدٌ بالمادّة والصُّورة، وأمّا عالَم المِثال فَمجرَّدٌ عن المادّة ولكنّه مُقيّدٌ بالصُّورة والمقدار.
وعالَم المِثال مُشتملٌ على عوالِم كثيرة، وكلُّ موجود في عالم الأجسام له صُوَر مختلفة في هذه العوالم المثاليّة غير الصورة التي هو عليها في عالم الأجسام.
ثمّ إنّ كلَّ ما في هذا العالَم الجسماني إنّما يوجد بعد وجوده في العالمَين الأوّلَّين بِنَحْو وجودٍ يليق بهما، بل كلّ موجود في عالم المثال إنّما ينزل إليه من خزائن الله التي أُشير في القرآن إليها بقوله تعالى: ﴿وإن مِن شيءٍ إلاّ عندنا خزائِنُهُ..﴾ الحجر:21، وكلّ جسمٍ وجسمانيٍّ في هذا العالم إنّما ينزل إليه من عالم المثال بتوسُّط ملائكة الله.
والذي تدلّ عليه الأخبار أنّ أحكام كلّ سَنة من تقدير أرزاق موجودات هذا العالم وآجالها، تنزل إلى الأرض في ليلة القدر، وينكشف ذلك لِمَن هو خليفةُ الله في الأرض في هذه اللّيلة، ويُسمَّى انكشاف نزول الأمر -بتوسُّط الملائكة له- رؤية ليلة القدر، ولذّة هذا الكشف ومشاهدة نزول الأمر والملائكة إنّما يعرفُهما أهلهما، ولعلّ ذلك من قبيل ما أراها الله تعالى لإبراهيم الخليل عليه السلام من ملكوت السَّماوات والأرض.
ولكلِّ إنسانٍ نصيبٌ كاملٌ من هذه العَوالم مخصوصٌ به، وأغلب النّاس غافلون عن عوالِمهم المثاليّة، وغافلون عن غفلتِهم أيضاً، وكذلك عن عوالمهم الرّوحانيّة، إلَّا مَنْ مَنَّ اللهُ عليه بمعرفة النَّفْس، ومعرفة عالم المِثال في طريق معرفة النَّفس، لأنّ حقيقة النّفْس من عالم الأرواح؛ فمَن كُشِفَ له حجابُ المادَّة عن وجه روحِه ونفْسه ورأى نفْسَه مُجرَّدة عن المادّة في عالم المثال، يسهل له الإنتقال إلى حقيقة روحه المجرّدة عن الصُّورة أيضاً، وهذه المعرفة للنّفس هي المُراد من قوله صلّى الله عليه وآله: «مَن عَرف نفسه فقد عَرف ربّه».
ووجهُ ارتباط معرفة النّفس بمعرفة الرَّبّ لا يعرفه إلَّا مَن وُفِّق لهذه المعرفة، وهذا المقدار من البيان كافٍ في ما نحن بصدده من تعريف ما يزول به الإنكار والإستبعاد، لِدَرْك حقيقة ليلة القدر للعاملين العابدين، لأجل تحصيل الشَّوق اللّازم للوصول.


اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

20/07/2012

دوريات

  كتب أجنبيّة

كتب أجنبيّة

نفحات