الملف

الملف

منذ 5 أيام

أمُّ الزَّهراء، وسيّدةُ أُمّهات المؤمنين

أمُّ الزَّهراء، وسيّدةُ أُمّهات المؤمنين
النّسب.. وأوّلُ مَن أسلَم
ـــــ إختيار وتوثيق: أسرة التحريرـــــ


«..كانت أحبّ أزواجِه إليه وأكرمهنّ عليه وأفضلهنّ عنده، وأمّ بَنيه وبناتِه ومسلِّيتَه كما ذكر صلّى الله عليه وآله ومفرّجةَ غمومِه. ولم يكن بينَه وبينها اختلافٌ أيّامَ حياتِها حتّى قُبِضَت وهو عنها راضٍ ولها شاكر، رحمةُ الله ورضوانُه عليها..». (القاضي النعمان المغربي، شرح الأخبار: ج 3، ص 22)
ملامح مختارَة من المصادر المعتبرَة، في أخبار سيّدة أمّهات المؤمنين السيّدة خديجة، تقدّمها «شعائر» بعضَ وفاءٍ لأُمّ الزّهراء، وبهجة قلب المصطفى صلّى الله عليه وآله.


الإسم والنَّسَب

«خديجة بنتُ خُوَيْلِد بنِ أسد بنِ عبد العزّى بنِ قصيّ بن كلاب بنِ مرّة بنِ كعب بنِ لؤيّ بنِ غالبِ بن فِهر».

الأب


 «خوَيلد بنُ أسد بنِ عبد العزّى بن قصيّ "..". من قريش: والدُ "خديجة" أمّ المؤمنين. جاهليّ [أي عاش في العصر الجاهلي، ولم يُدرك الإسلام]. كان من الفرسان، يلقَّب بـ "آبي الخَسْف". [أبيّ الضَّيْم]
قال يحيى بن عروة بن الزبير بن العوّام، وهو من حفَدَته:
أبٌ لي، آبيَ الخَسْف، لو تعلمونه وفارسُ "معروفٍ" رئيس الكتائبِ
و"معروف" اسمُ فرسٍ للزُّبَيْر».

(الزركلي، الأعلام: ج 2، ص 325)

* و«العوّام» والدُ الزّبير هو أخو السيّدة خديجة، فيكون الزّبير ابنَ أخيها.
قال الزّبيدي: «و"آبي الخَسف": لَقَبُ خُوَيْلدِ بنِ أَسَدِ بنِ عبْدِ العزّى، والِد خَدِيجَةَ زَوْجِ النبيِّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، وجَدُّ الزُّبَيْرِ بنِ العوّامِ بنِ خُوَيْلد ..».

(الزبيدي، تاج العروس: ج 19، ص 133)

 خوَيلد في مواجهة «تُبَّع»
* وكما هي حادثة مواجهة عبد المطّلب جدّ النبيّ صلّى الله عليه وآله لأَبرهة معروفة ومفصليّة في تاريخ مكّة، تنقلُ المصادر مواجهةً مماثلةً لِخُويلد والدِ أمِّ المؤمنين السيّدة خديجة.
قال الحلبيّ: «المحفوظُ عن أهل العلم أنّ خويلدَ بنَ أسد ماتَ قبل حرب الفجار".." قال بعضُهم وهو الذي نازع تُبَّعاً، أي حين أرادَ أخذَ الحَجرِ الأسود إلى اليمن، فقام في ذلك خُوَيْلِد، وقام معه جماعةٌ من قريش، ثمّ رأى تبّع في منامِه ما ردعَه عن ذلك، فتركَ الحجرَ الأسود مكانه».

(الحلبي، السيرة الحلبية: ج 1، ص 225)

** وقال ابنُ إسحاق في سيرته: «فلمّا أراد [تُبّع] الشّخوصَ إلى اليمن أرادَ أن يُخرِجَ حجرَ الرُّكن فيخرجَ به معه، فاجتمعتْ قريشٌ إلى خُوَيلد بن أسد بن عبد العزّى بن قُصيّ، فقالوا: ما دخلَ علينا يا خوَيلد، إنْ ذهبَ هذا بحجرِنا؟!
قال: وما ذاك؟ قالوا: تُبَّع يريدُ أن يأخذ حَجرَنا يحملُه إلى أرضه.
فقال خُوَيلد: الموتُ أحسنُ من ذلك.
ثمّ أخذَ السيفَ وخرج، وخرجتْ معه قريشٌ بسيوفِهم، حتّى أتوا تُبّعاً فقالوا: ماذا تريد يا تُبّع إلى الرُّكن؟ فقال: أردتُ أن أخرجَ به إلى قومي.
فقالت قريش: ألموتُ أقربُ إلى ذلك. ثمّ خرجوا حتّى أتوا الرّكن فقاموا عندَه فحالوا بينَه وبين ما أراد من ذلك، فقال خوَيلد في ذلك شعراً:

دَعيني أمَّ عمروٍ ولا تلومي  ومهلاً عاذلي لا تعذليني 
دعيني لا أخذتُ الخَسْفَ منهم  وبيتِ الله حتّى يقتلوني 
فما عُذري وهذا السّيفُ عندي  وعضبٌ نالَ قائمه يميني 
ولكنْ لم أحِدْ عنها مَحيداً وإني راهقٌ ما أرهقوني
    (ابن اسحاق، السيَر والمغازي: ج 1، ص 31 - 32)


يجدر التأمّل جيداً في قول عبد المطّلب رضي الله تعالى عنه: «ما وجدتُ أحداً ورِثَ العلمَ الأقدمَ غير خوَيلد بن أسد»، واستحضار ما تبنّاه الشيخ الصّدوق عليه الرحمة حول أنّ خطّ الوصاية الإلهيّة كان مستمرّاً في آباء النبيّ صلّى الله عليه وآله، ليؤسَّس على ذلك أصلٌ أصيل في التعرّف إلى المنبت التوحيدي لأمّ المؤمنين خديجة رضوان الله تعالى عليها.

 خويلد مع عبد المطّلب
* في بعض المصادر أنّ خوَيلد انحازَ إلى عبد المطّلب جدِّ النبيّ صلّى الله عليه وآله، حين حسَدَته قريشٌ على حفر بئر «زَمزَم». قال ابنُ أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة):
«..عن عبد الله بن عثمان بنِ سليمان قال: سمعتُ أبي يقول: لمّا حُفِرت زمزم، وأدركَ منها عبد المطّلب ما أدرك، وجدتْ قريشٌ في أنفُسِها ممّا أُعطِي عبد المطّلب، فَلَقِيَه خوَيلدُ بنُ أسد بن عبد العزّى فقال: يا ابنَ سلمى، لقد سُقيتَ ماء رَغَداً، ونثَلتَ عاديةً حسداً.
فقال له عبد المطّلب: يا ابنَ أسد، أما إنّك تشرك في فضلِها، واللهِ لا يُساعدُني أحدٌ عليها ببِرّ، ولا يقوم معي بارزاً إلّا بذلتُ له خيرَ الصّهر.
فقال خوَيلد بن أسد:
أقولُ وما قولي عليهم بسُبَّةٍ    إليك ابنَ سلمى أنت حافرُ زمزمِ
حَفيرةِ إبراهيمَ يومَ ابنِ هاجرٍ     ورَكْضَةُ جبريلٍ على عهدِ آدمِ

فقال عبد المطّلب: ما وجدتُ أحداً ورِثَ العلمَ الأقدم غيرَ خوَيلد بن أسد».

(ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج 15، ص 217)

وقد أوردَ «البلاذري» هذَين البيتَين لِخُوَيلد باختلافٍ يسير. جاء في (أنساب الأشراف): «وقال خوَيلد بن أسد:
أقولُ وما قولي عليَّ بِهَيّنٍ إليك ابنَ سلمى أنتَ حافرُ زمزمِ
حفيرةِ إبراهيمَ يومَ ابنِ هاجرٍ وركضةُ جبريلٍ على عهدِ آدمِ».
** العِلم الأقدم
يجدرُ التأمّل جيّداً في قول عبد المطّلب رضي الله تعالى عنه: «ما وجدتُ أحداً ورِثَ العلمَ الأقدمَ غير خوَيلد بن أسد»، واستحضار ما تبنّاه الشيخ الصّدوق عليه الرّحمة حول أنّ خطّ الوصاية الإلهيّة كان مستمرّاً في آباء النبيّ صلّى الله عليه وآله، ليؤسَّس على ذلك أصلٌ أصيل في التعرّف إلى المنبت التوحيدي لأمّ المؤمنين خديجة رضوان الله تعالى عليها.

الأُم


 «..أُمُّها من الفَواطم التّسع، وهي فاطمة بنت زائدة بنِ الأَصمّ، ينتهي نسبُها إلى عامر بن لؤيّ. قال الشيخ صاحب (الوسائل) في منظومتِه :

زَوجاتُهُ خَديجَة وَفَضلُها أبانَ عَنْهُ بَذلُها وفِعلُها
بنتِ خُوَيلد الفَتى المُكرّمِ الماجِدِ المُؤيّدِ المُعظّمِ
لَهَا مِنَ الجَنَّةِ بَيتٌ مِنْ قَصَبْ لا صَخَب فيه لَها ولا نَصَبْ
 وَهذه صُورةُ لفظِ الخَبَرِ عَن النبيِّ المُصطفى المطهَّرِ».

(الشيخ محمد باقر الكجوري، الخصائص الفاطمية: ج 1، ص 438)


 وقد وردَ التعريفُ بوالدة أمّ المؤمنين السيّدة خديجة، وجدّاتها كما يلي:
قال ابنُ هشام: «..فاطمة بنت زائدة بنِ الأصمّ بنِ رواحة بن حجر بن عبد بن مَعيص بن عامر بن لؤيّ بن غالبِ بن فهر. وأمُّ فاطمة: هالة بنت عبد مناف بنِ الحارث بن عمرو بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤيّ بن غالب بن فهر. وأمُّ هالة: قلابة بنت سعيد بن سعد بنِ سِهم بن عمرو بن هصيص بن كعبِ بن لؤي بنِ غالب بن فهر».
(ابن هشام الحميري، السيرة النبوية: ج 1، ص 122)

 وفي ترجمة الإمام الحسن المجتَبى عليه السلام، قال أبو الفرج الأصبهاني:
«الحسنُ بن عليّ عليهما السلام، ويُكنّى أبا محمّد، وأمّه فاطمةُ بنتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله، وكانت فاطمة تُكنّى أمّ أبيها، ذكر ذلك ".." عن جعفر بن محمّد عن أبيه.
وأمّها خديجة، تُكنّى أم هند بنت خوَيلد بنِ أسد بن عبد العزّى بن قصيّ.
وأمّها فاطمة بنت زائدة بنِ الأصمّ بن هرم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤيّ.
وأمّها هالة بنت عبد مناف بن الحارث بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بنِ لؤيّ.
وأُمّها العرقة وهي قلابة بنت سعيد بن سِهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بنِ لؤيّ. وإنّما سُمِّيَت العرقة لطِيب عرقِها وعِطرِها، وكانت مبدِنَة وكانت إذا عَرِقَت فاحت رائحةُ الطِّيب منها فسُمِّيَت العرقة.
وأمُّها عاتكة بنت عبد العزّى بن قصيّ. وأمُّها الحظيا وهي ريطة الصّغرى بنت كعب بنِ سعد بنِ تَيم بن مرّة بن كعبِ بنِ لؤيّ. وأمّها مارية، ويقال قيلة بنت حذافة بن جمح. وأمّها ليلى بنت عامر الخيار بن غيسان، واسمُه الحَرث بن عبد عمرو بن عمر بنِ قويّ بن ملكان بنِ أفصى، من خزاعة. وأمّها سَلمى بنت سعد بنِ كعب بنِ عمرو من خزاعة. وأمّها ليلى بنت عابس بن الظّرب بن الحَرث بنِ فهر بنِ مالك بن النَّضْر بنِ كنانة. وأمّها سلمى بنت لؤيّ بن غالب. وأمّها ليلى بنت محارب بنِ فهر. وأمّها عاتكة بنت مخلد بن النّضر بن كنانة. وأمّها الوارثة بنت الحرث بن مالك بن كنانة. وأمّها مارية بنت سعد بن زيد مناة بن تميم. وأُمُّها أسماء بنت جشم بنِ بكر بنِ حبيب بنِ عمرو بنِ غنم بن ثعلب بنِ وائل بن قاسط بنِ هنب بن أفصى بن دغمي بنِ جديلة بنِ أسد بنِ ربيعة بنِ نزار».

(أبو الفرج الأصبهاني، مقاتل الطالبيّين: ص 29 - 30)


 

***

من أقارب سيّدة أمّهات المؤمنين عليها السلام

 قال الزُّبَيْدي في (تاج العروس):
* نُهَيَّةُ، كَسُمَيَّة: ابْنةُ سعيدِ بنِ سِهْمٍ، أُمُّ وَلَدِ أسَدِ بنِ عبدِ العُزَّى بنِ قصيّ، وهي أُمُّ خُوَيْلدِ بنِ أَسَدٍ المَذْكُور، جَدَّةُ السيِّدَةِ خَدِيجَة، رضِيَ الله تعالى عنها. (ج 20، ص 273)
** والعَوَّامُ وَالِدُ الزُّبَيْرِ الصَّحَابِيِّ، وهو ابنُ خُوَيْلدِ بنِ أَسَدِ بنِ عَبْدِ العُزَّى القُرَشِيّ. (ج 17، ص 512)
*** وهالَةُ بنتُ خُوَيْلِد بنِ أَسَد، أُخْتُ خَدِيجَة أُمِّ المُؤْمِنين: صَحابِيَّةٌ -رضي الله تعالَى عَنْهُما- وَهي أُمُّ أبي العاصِ بن الرَّبِيعِ، وقد جاءَ ذِكْرُها في البُخاري. (ج 15، ص 821)
**** ووَرَقةُ بنُ نوْفل بنِ أسَدِ بنِ عبْد العُزّى بنِ قُصيّ وهو ابنُ عمِّ أمِّ المؤمنين، وجدّةِ أهلِ البيتِ خَديجَة بنتِ خُوَيْلِد بنِ أسَدِ بنِ عبد العُزّى، رضي الله عنهما. وقال ابنُ مَنْدَه: «اختُلِفَ في إسْلامِه، والأظْهَر أنّه ماتَ قبْل الرِّسالة، وبعْدَ النّبوّة». (ج 13، ص 478)
وقال النُّوَيْري في (نهاية الإرب): «فأمّا بنو أسد، فمنهم خديجةُ بنتُ خوَيلد بن أسد: زوجُ النّبىِّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، ومنهم: الزّبيرُ بنُ العوّامِ بنِ خوَيلد بن أسد». (النويري، نهاية الإرب في فنون الأدب: ج 2، ص 358)

 وقال ابنُ سعد في (الطبقات الكبرى):
* السّائبُ بنُ العوّام بنِ خوَيلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصيّ، وأُمّه صفيّة بنت عبد المطّلب بنِ هاشم بنِ عبد مناف بن قصيّ، وهو أخو الزبير بن العوّام، وشهِد أُحُداً والخندقَ والمشاهدَ كلَّها مع رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، وقُتِلَ يوم اليمامة شهيداً، سنة ثنتَي عشرة في خلافة أبي بكر الصديق وليس له عَقِب». (ج 4، ص 119)
** خالدُ بنُ حزام بنِ خوَيلد بنِ أسد بن عبد العزّى بن قصيّ ".." كان قديمَ الإسلام بمكّة وهاجرَ إلى أرض الحبشة ".." خرجَ خالدُ بن حزام مهاجراً إلى أرض الحبشة في المرّة الثانية فنهش بالطّريق فمات قبل أن يدخلَ أرضَ الحبشة، فنزَلت فيه: ومَن يخرج من بيتِه مهاجراً إلى الله ورسولِه ثمّ يُدركه الموتُ فقد وقعَ أجرُه على الله..». (ج 4، ص 119)
 وجاء في كتاب (شرح الأخبار) للقاضي النعمان: «.. وممّن قتلَه عليٌّ صلوات الله عليه [في بدر] نوفلُ بنُ خوَيلدِ بنِ أسد، وكان من شَياطين قريش، وهو الذي قرنَ أبا بكر وطلحة لمّا أسلما في حبلٍ وعذَّبَهما، وكانا يُسَمّيان القرينَين».


معرفةُ السيّدة خديجة بنُبوّة رسول الله صلّى الله عليه وآله

إضافةً إلى أنّ منبتَ أمّ المؤمنين السيّدة خديجة عليها السلام، منبتٌ توحيدي، حنيفيٌّ إبراهيميّ، كما تشيرُ حادثةُ مؤازرة أبيها خوَيلد لعبدِ المطّلب رضي الله تعالى عنه، فإنّ من المستفيضِ في أمّهاتِ المصادر خبرُ الغَمامة التي رآها «مَيْسَرَة» ثمّ رأَتْها السيّدة خديجة تظلِّل رسولَ الله صلّى الله عليه وآله، وأخبار آخرى مشابهة منها: حديث الرّاهب «نسطورا»، وقد أورده «النُّويري» في (نهاية الإرب) كما يلي:
«ذِكرُ خروج رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم إلى الشام المرّة الثانية في التجارة وحديث "نسطورا": ولمّا بلغ رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم خمساً وعشرين سنة قال له عمُّه أبو طالب: أنا رجلٌ لا مالَ لي، وقد اشتدَّ الزمانُ علينا، وهذه عِيرُ قومِك قد حضرَ خروجُها إلى الشام، وخديجةُ بنتُ خوَيلد تبعثُ رجالاً من قومِك في عِيراتِها، فلو جئتَها فعرضتَ نفسَك عليها لَأَسرَعت إليك؛ وبلغ خديجةَ ذلك، فأرسلتْ إليه تقول: أنا أُعطيك ضعفَ ما أُعطي رجلاً من قومك.
فقال أبو طالب: هذا رزقٌ ساقَه اللهُ إليك. فخرجَ رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ومعه مَيْسَرَة غلامُ خديجة، وجعل عمومتُه يوصون به أهلَ العِير، فساروا حتّى قدِموا بُصرى، فنزلا في ظلِّ شجرة، فقال نسطورا الرّاهب: ما نزلَ تحت هذه الشجرةِ قطّ إلَّا نَبِىّ.
ثمّ سأل مَيْسرَة عن رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم فقال: أفي عينَيه حُمرة؟ قال: نعم، لا تُفارقه.
قال: هو نبىّ، وهو آخرُ الأنبياء.
ثمّ باع رسولُ الله صلّى اللَّه عليه [وآله] وسلّم سِلعة، فوقعَ بينَه وبين رجلٍ تلاحٍ، فقال له [الرَّجُل]: إحلِفْ باللَّاتِ والعُزّى، فقال رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم: ما حلفتُ بهما قطَّ، وإنّي لَأَمُرُّ فَأُعرِضُ عنهما، فقال الرّجل: ألقولُ قولُك. ثمّ قال لِمَيسرَة: هذا واللهِ نبىٌّ تجِده أحبارُنا منعوتاً في كُتُبِهم؛ وكان مَيسرة إذا كانت الهاجرة واشتدَّ الحرُّ يرى ملَكين يُظِلّان رسولَ الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم من الشّمس، فوَعى ذلك كلَّه، وباعوا تجارتَهم، وربحوا ضعفَ ما كانوا يربحون ".." [وساق النّويري الحديث، وذكر رؤيةَ السيدة خديجة الغمامة تظلّل رسول الله صلّى الله عليه وآله، إلى أن قال]:
فلمّا دخلَ ميسرةُ عليها أخبرَته بما رأَت، فقال: قد رأيتُ هذا مذ خَرَجنا من الشّام، وأخبرَها بما قال نسطورا، وبما قال الآخرُ الذي حالفَه في البيع، وقدِم رسولُ الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم بتجارتِها، فَرَبِحت ضعفَ ما كانت تربح، وأضعفَت له ما سمَّت له».


أوّلُ مّن أسلَمَ خديجة؟

«..عن عائشة قالت: إنّ أوّلَ مَن أسلمَ خديجة.
[و] عن عفيف الكِنْدي قال: جئتُ في الجاهليّة إلى مكّة وأنا أريدُ أن أبتاعَ لأهلي من ثيابِها وعِطرها، فنزلتُ على العبّاس بنِ عبد المطّلب. قال: فأنا عندَه وأنا أنظرُ إلى الكعبة وقد حلّقت الشمسُ فارتفَعت، إذ أقبلَ شابٌّ حتّى دنا من الكعبة فرفعَ رأسَه إلى السماء فنظرَ ثمَّ استقبلَ الكعبةَ قائماً مستقبلَها، إذ جاء غلامٌ حتّى قامَ عن يمينِه، ثمّ لم يلبث إلّا يسيراً حتّى جاءت امرأةٌ فقامت خلفَهما، ثمّ ركعَ الشابُّ فركعَ الغلامُ ورَكعت المرأة، ثمّ رفعَ الشابُّ رأسَه ورفعَ الغلامُ رأسَه ورفعتِ المرأةُ رأسَها، ثمّ خرَّ الشابُّ ساجداً وخرَّ الغلامُ ساجداً وخرّتِ المرأة.
قال: فقلتُ: يا عبّاس، إنّي أرى أمراً عظيماً. فقال العبّاس: أمرٌ عظيم، هل تدري مَن هذا الشابّ؟ قلتُ: لا، ما أدري. قال: هذا محمّدُ بنُ عبدِ الله بنِ عبدِ المطّلب ابنُ أخي. هل تدري مَن هذا الغلام؟ قلت: لا، ما أدري. قال: عليُّ بنُ أبي طالب بنِ عبدِ المطّلب ابنُ أخي. هل تدري مَن هذه المرأة؟ قلت: لا، ما أدري. قال: هذه خديجة بنتُ خوَيلد زوجةُ ابنِ أخي هذا. إنّ ابنَ أخي هذا الذي ترى حدَّثَنا أنّ ربَّه ربّ السّماوات والأرض أمرَه بهذا الدِّين الذي هو عليه، فهو عليه، ولا واللهِ ما علمتُ على ظهرِ الأرضِ كلِّها على هذا الدِّينِ غير هؤلاء الثلاثة. قال عفيف: فَتَمَنَّيتُ بعدُ أنّي كنتُ رابعَهم».

(ابن سعد، الطبقات الكبرى: ج 8، ص 17 - 18)
وفاةُ السيّدة خديجة

 قال الشيخ المفيد قدّس سرّه: «شهرُ رمضانَ المبارك، وفى يوم العاشر منه سنة عشر من البعثة وهى قبل الهجرة بثلاث سنين، تُوفِّيت أمُّ المؤمنين خديجة بنت خوَيلد رضي الله عنها وأسكنَها جنّاتِ النّعيم». (الشيخ المفيد، مسار الشيعة: ص 6 - 7)
 وقال ابنُ سعد في (الطّبقات): «.. تُوفِّي أبو طالب للنّصف من شوّال في السنة العاشرة من حين نُبِّئ رسولُ الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، وهو يومئذٍ ابنُ بضع وثمانين سنة، وتوفِّيت خديجة بعدَه بشهرٍ وخمسة أيّام، وهي يومئذٍ بنتُ خمسٍ وستّين سنة، فاجتمَعت على رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم مصيبَتان؛ موتُ خديجة بنت خوَيلد، وموت أبي طالب عمّه». (ابن سعد، الطبقات الكبرى: ج 1، ص 125)


ومن عجيبِ أمرِهم

قال الفقيه الكراجكي الطرابلسي (من أعلام القرن الخامس):
«ومن عجيب أمرِهم: تفضيلُهم عائشة بنت أبي بكر على جميع أزواج النبيّ، وبهجتُهم بتسميتِها أمّ المؤمنين ".." وكثرة ترحُّمِهم عليها، وإظهارُهم الخشوع والبكاء عند ذكرِها، ثمّ لا يذكرون خديجة بنت خوَيلد وفضلُها متَّفقٌ عليه، وعلُوُّ قدرِها لا شكَّ فيه، وهي أوّلُ مَن آمنَ برسول الله صلّى الله عليه وآله، وأنفقَت عليه مالَها، وكان يُكثِرُ ذكرَها، ويُحسِنُ الثّناءَ عليها، ويقول: ما نفعَني مالٌ كَمالِها، ورزقَه اللهُ الولدَ منها، ولم يتزوّج في حياتِها إكراماً منه لها، ولِكثرةِ ما كان يذكرُها قالت له عائشة يوماً: تُكثِرُ من ذكر خديجة وقد أبدَلك اللهُ مَن هو خيرٌ منها؟ فقال صلّى الله عليه وآله: كلّا والله، ما بدّلت بها مَن هو خيرٌ منها، صدَّقَتني إذ كذَّبَني النّاس، وآوَتني إذ طرَدني النّاس، وأسعَدَتني بمالِها، ورزقَني اللهُ الولدَ منها، ولم أُرزَق من غيرها ".."
ومن عجيب أمر الحَشوية، ووقاحتِهم في العِناد والعصبيّة: أنّهم يقولون: إنّ معاوية بن أبي سفيان خالُ المؤمنين، ويقولون: إنّه استحقَّ ذلك بسببِ أنّ أختَه أمّ حبيبة بنت أبي سفيان إحدى أزواج النبيّ الذين هم بنصِّ القرآن للمؤمنين أُمّهات، ولا يسمّون محمّد بن أبي بكر خال المؤمنين، بل لا يذكرونه بذكرٍ جميل، وأختُه عائشة أعظمُ أزواج النبيّ صلّى الله عليه وآله عندهم قدراً، وأجلُّ الأُمّهات في مذهبِهم فضلاً وذكراً، وليس تُدانيها عندهم أمّ حبيبة، ولا تقاربُها، ولا أبوها كأبيها، فلِم لا يسمّون محمّدَ بن أبي بكر خالَ المؤمنين، ويكون أحقّ بذلك من معاوية بن أبي سفيان ".."

(أبو الفتح الكراجكي، التعجّب من أغلاط العامّة في مسألة الإمامة: ص 102)




اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

منذ 5 أيام

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات