فكر ونظر

فكر ونظر

16/10/2012

الإنسان الكامل

الإنسان الكامل
الفرق بين نوع الإنسان، ومطلق الحيوان*

_____مجتهدة أصفهان_____

في كتاب (النّفحات الرّحمانيّة والواردات القلبيّة)، أوردت الفقيهة الكبيرة الرّاحلة السّيّدة بيكم أمين (التي كانت تعرف باسم «مجتهدة أصفهان» وتنشر مؤلّفاتها -ومنها تفسير القرآن الكريم- بإسم «سيّدة إيرانيّة») تحقيقاً حول الفرق بين الإنسان الكامل وغيره، وقد أوردَته في سياق الحديث حول قوله تعالى: ﴿إنما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم واذا تليت عليهم آياته زادتهم ايماناً وعلى ربهم يتوكلون﴾ الأنفال:2.
وقد اختارت «شعائر» هذا النّص لأهميّته.

إعلم أنّ الفرق بين الإنسان الكامل وغيره، إنّما هو كالفرق بين نوع الإنسان ومطلَق الحيوان.
فكما أنّ الإنسان مخصوصٌ بالنّفس النّاطقة التي ليس لغيره من الحيوانات نصيبٌ منها، فكذلك للإنسان الكامل قوّةٌ قدسيّةٌ ملكوتيّة، ونفْسٌ لاهوتيّةٌ، ليس لنوع الإنسان نصيبٌ منهما، وذلك لتضييعٍ منهم، لا لعدم استعدادهم لذلك في أصل الخِلقة، لأنّ لكلِّ فردٍ من أفراد الإنسان قوّةً واستعداداً لصيرورته كذلك.
بيان ذلك: أنّ الحيوان بما هو حيوان، له روح بخاريٌّ يتعلّق بجسده، وتتشعّب منه قواه الظَّاهرة والباطنة، كالقوى الطّبيعيّة من النّامية والحسّاسة والحسّ المشترك، وقوّة الخيال وغيرها، فنفسه وروحه متعلِّقتان بجسده، بحيث إنْ عدمت قواه الطبيعيّة تَنعدم ذاتُه.
والإنسان مع ذلك كلّه، له قوّة وحقيقة فوق ذلك، وهي التي يعبر عنها بالنّفس النّاطقة، وهي مع كونها من عالم ما فوق الطّبيعيّة {فإنَّها}:
تارةً، لتوجُّهها إلى المادَّة وتعلُّقها بالقوى الحيوانيّة، كأنَّها صارت منها فتتغيّر بتغييرها، كما أنَّ الإنسان غير الكامل لِكَونه محبّاً للدّنيا وزخرفها إذا أقبلت الدّنيا إليه يَنشرح قلبه ويَنبسط، وإذا أَدْبَرت عنه يَنقبض صدره. ولشدَّة تعلُّقه بها ربّما يتوهّم أن ليس للإنسان إلَّا هذا الجسد المركّب من المادّة والصّورة وقواها المنطبعة فيها، فلذا يَتوهَّم بعض النّاس أنَّه إذا مات فات. وذلك لأنّه لا يرى في نفسه شيئاً إلَّا هذه القوى الطّبيعيّة، فيتصوّر أنّه بعد انحلال مادّة بدنه ورجوع عناصره إلى أصلها لا يبقى منه شيء.
وأخرى، لتعلُّقها بمبدئها صارت قويّة، بحيث تدرك ارتباطها بربّها وخالقها، وترى أنّ قواها الطّبيعيّة المتعلِّقة بنفسها متعلِّقةٌ بِمُبدعها..
بعبارة أخرى: إنَّ الإنسان قبل تكميله يكون ناقصاً وضعيفا، {وتكون} نفسه مع تجرُّدها متعلِّقة بمادَّة بدنه، فلذا يخاف من الموت لِما يرى فيه من فقدان ذاته ويتوهَّم {أنّه} إذا مات، فات.
وأمّا إذا صار كاملاً في العِلم والمعرفة، فحينئذٍ يُمكن له إدراك تجرُّد روحه ونفسه عن المادّة ولوازمها، وأيضاً يدرك أنَّ قواه الظاهريّة والباطنيّة إنّما تكونان من شُعاع نفسه.
ولست أقول إنّه حينئذٍ يصير مستقلّاً في الوجود كي يمكن له إدراك ذاته كذلك، بل المُراد أنّه حينئذٍ يَرى بدنه وقواه من الطّبيعيّة والإنسانيّة متعلِّقة بروحه الملكوتيّة التي هي متعلِّقة بالله تعالى وتقدّس.
وبالجملة، إنّ الإنسان الكامل هو الذي يجد نفسه من آثار وجود الله تعالى، كما أنَّه يرى قواه النّفسانيّة من آثار نفسه، فالإنسان الذي {لم يصل} إلى الكمال بعدُ، تتغيَّر نفسه بتغيُّر بدنه وتتأثَّر بتأثُّره، لكن إذا صار كاملاً ومتمكِّناً ﴿في مقعد صدق..﴾ القمر:55، لم تتغيَّر بتغيُّره ولم تتأثَّر بتأثُّره لِما فيها من القوّة والاستقلال بالنّسبة إلى بدنه، فحينئذٍ تصير بالنّسبة إليه كالشّمس بالنّسبة إلى العالم.
بل إذا انقَطَعت علاقتُها من البدن يزيد كمالها وإشراقها ويتولَّد منها قوى أخرى على مناسبة أخلاقها التي اكتَسَبَتْها، فإنْ ترسَّخت فيها الأخلاق الملكوتيَّة الإلهيّة تتولّد منها القوى التي بها تُدرك ملائكة الرَّحمة والمقرَّبين من أهل الله تعالى، ".." بخلاف مَن اكتَسَب الأخلاق الذَّميمة من السَّبُعيّة والبهيميَّة، فإنّه بعد قطع تعلُّقه عن بدنه يتولّد منه قوى يُدرِك بها صُوَر أعماله وأخلاقه ﴿..وما ربك بظلام للعبيد﴾ فصلت:46. ".."
____________________________
*من كتاب (النفحات الرحمانية والواردات القلبيّة) - النفحة الثامنة.

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

16/10/2012

دوريات

نفحات