أحسن الحديث

أحسن الحديث

منذ أسبوع

حول معنى الخاتم والخاتميّة


 
خاتم النّبيِّين

حول معنى الخاتم والخاتميّة
______الشيخ ناصر مكارم الشيرازي______


 
إستعملت مادّة «ختم» في القرآن في موارد متعدِّدة، وكلّها تعني الإنهاء، أو الختم والغلق، مثل: ﴿اليوم نختم على أفواههم وتكلّمنا أيديهم..﴾ يس:65. ﴿ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة..﴾ البقرة:7.

من هنا يُعلم أنَّ الذين شكَّكوا في دلالة قوله تعالى: ﴿.. ولكن رسول الله وخاتم النبيين..﴾ الأحزاب:40، على كون نبيّ الإسلام صلّى الله عليه وآله خاتم الأنبياء، وانتهاء سلسلة الأنبياء به، غير مطَّلعين على معنى هذه الكلمة تماماً، أو أنّهم تظاهروا بعدم الإحاطة والإطّلاع عليها، وإلَّا فإنَّ مَن له أدنى إحاطة بآداب العرب يعلم أنَّ كلمة «خاتم النبيّين» تدلّ على الخاتميّة. وإذا قيل -عند ذاك- في تفسير هذه الآية غير هذا التّفسير فإنّه تفسير متطفِّل غير متَّزن، كأن نقول: إنَّ نبيَّ الإسلام كان خاتم الأنبياء، أي أنّه زينة الأنبياء، لأنَّ الخاتم آلة زينة للإنسان، ولا يمكن أن يوازي الإنسان في المرتبة مطلقاً، وإذا فسَّرنا الآية بهذا التّفسير فسنكون قد حَطَطْنا من مقام النّبي صلّى الله عليه وآله، وأنزلنا منزلته إلى أدنى المستويات، مع إنّه لا يناسب المعنى اللّغوي، ولذلك فإنَّ هذه الكلمة حيثما استعملت في القرآن الكريم -في ثمانية موارد- فإنّها أعطت معنى الإنهاء والإغلاق.

كيف تتناسب الخاتميّة مع سَيْر الإنسان التكاملي؟
السؤال الأوّل الذي يطرح في هذا البحث هو: هل يمكن أن يتوقّف المجتمع الإنساني؟ أترى يوجد لِسَير البشر التّكاملي حدٌّ محدود؟ ألسنا نرى بأمّ أعيننا أنَّ بشر اليوم قد وصلوا في العلم والثّقافة إلى مرحلة تفوق مستوى سابقيهم؟ فمع هذا الحال كيف يمكن أن يغلق سجلّ النّبوّة مطلقاً، فيُحرم الإنسان من قيادة أنبياء جدد في سَيْره التّكاملي؟ إنَّ الإجابة عن هذا السّؤال تتَّضح بالإلتفات إلى مسألة واحدة، وهي أنَّ الإنسان يصل أحياناً إلى مرتبة من النّضج الفكري والثقافي بحيث يكون قادراً على الإستمرار في طريقه بالإستعانة المستمرّة بالأصول والتّعليمات التي تركها له النّبي الخاتم بصورة جامعة، دون أن يحتاج إلى شريعة جديدة.
وببيانٍ آخر، فإنّ كلّ واحد من الأنبياء السّابقين قد مهَّد جانباً من مسير التّكامل ليكون الإنسان قادراً على سلوك هذا الطّريق الصّعب نحو التّكامل وينال الأهليّة لاستقبال منهج كامل وجامع لهذا الطّريق على يد آخر نبي أُرسل مِن قِبَل الله تعالى. من البديهي أنّه مع استلام الخريطة الكاملة والمخطّط الجامع سوف لا تكون هناك حاجة إلى مخطّط آخر، وهذا في الحقيقة هو التّعبير الذي ورد في الروايات الدالّة على كونه صلّى الله عليه وآله خاتماً، والتي عدَّت نبيّ الإسلام آخر لبنة، أو واضع آخر لبنة في قصر الرّسالة البديع المُحكم. وكلّ ذلك يؤكِّد عدم الحاجة إلى دين جديد وشريعة مستحدثة.
أمّا في ما يتعلَّق بمسألة القيادة والإمامة، والتي تعني الإشراف التّام على تنفيذ هذه الأصول، والأخذ بأيدي النّاس في هذا الطريق، فهي مسألة أخرى لا يمكن أن يستغني الإنسان عنها في أيِّ حين، ولذلك فإنَّ ختام سلسلة النّبوّة لا يعني أبداً نهاية سلسلة الإمامة، لأنَّ «تبيين» و«توضيح» هذه الأصول و«تحقُّقها في الخارج» لا يمكن أن يتمّ من دون الإستعانة بوجود قائد وإمام معصوم.



اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

  إصدارات

إصدارات

منذ أسبوع

دوريات

نفحات