الملف

الملف

08/02/2013

آياتُ البشائر

آياتُ البشائر
مختاراتٌ من (تفسير الميزان)
ـــــ إعداد «أسرة التحرير» ـــــ


في القرآنِ الكريمِ آياتٌ كثيرةٌ، تتحدّثُ بالمباشرةِ أو بالواسطةِ عن بشاراتِ الأنبياء السّابقين برسولِ الله صلّى الله عليه وآله، أو تتحدّثُ عن نتائجِ هذه البشارات التي يجمعُها معرفةُ الأُممِ السّابقة وخصوصاً اليهود والنّصارى بسَيّد النّبيّين معرفةً تامّة ﴿كَمَا يَعْرِفُوْنَ أَبْنَاءَهُم﴾.
ما يلي، مختاراتٌ حولَ أبرز هذه الآيات المباركة، تقدّمها «شعائر» من (تفسير الميزان) للعلّامة الطّباطبائي قدّس سرّه.

الآية الأولى: قولُه تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ..﴾ الصّف:6.
".." هذه الآية، والّتي قبلَها، والآياتُ الثّلاثُ بعدَها، مَسوقَةٌ لتسجيلِ أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله رسولٌ معلومُ الرّسالةِ عندَ المؤمنين، أرسلَه اللهُ تعالى بالهُدى ودينِ الحقِّ لِيُظهرَه على الدِّينِ كلِّه وَلَو كَرِهَ الكافرونَ من أهلِ الكتاب، وما جاءَ به من الدِّينِ نورٌ ساطعٌ من عند الله، يريدُ المشركون لِيُطفئوه بأفواهِهم، واللهُ مُتِمُّ نورِه وَلَو كَرِهَ المشركون.
ومن ذلك يُعلَم أنّ قولَه تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ..﴾ الصّف:6، إلخ، كالتّوطئةِ لِما سيُذكَر من كَوْنِ النّبيّ صلّى الله عليه وآله رسولاً مبشَّراً به مِن قَبل، أرسلَه اللهُ بالهُدى ودينِ الحقّ، ودينُه نورُه تعالى يَهتدي به النّاس.
".." وقوله: ﴿..وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ..﴾ الصّف:6، إشارةٌ إلى الشَّطر الثّاني من رسالتِه عليه السلام، وقد أشارَ إلى الشَّطْرِ الأوّل بقولِه: ﴿..مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ..﴾ الصّف:6.
التّأمّل في المعارف الإلهيّة التي يدعو إليها الاسلام
يكشف أنّها أدقّ ممّا في غيره من الشّرائع السّماويّة
السّابقة، وخاصّة التّوحيد.
ويعودُ مَعنى كلامِه: ﴿..إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا..﴾ الصفّ:6 إلخ، إلى أنّي رسولٌ من الله إليكم، أدعو إلى شريعةِ التّوراةِ ومنهاجِها -﴿..وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ..﴾ آل عمران:50- وهي شريعةٌ سَيُكمِلُها اللهُ بِبَعْثِ نَبيٍّ ﴿..يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ..﴾ الصفّ:6.
وإلى ذلك الإشارة بقولِه تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ..﴾ الأعراف:157، وآيات أخرى تَصِفُ القرآن.
والآية، أعني قولَه تعالى: ﴿..وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي..﴾ الصفّ:6، وإنْ كانت مصرِّحةً بالبشارة، لكنّها لا تدلُّ على كَوْنِها مذكورةً في كتابِه عليه السلام، غير أنّ آيةَ الأعراف المنقولة آنفاً: ﴿..يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ..﴾ الأعراف: 157، وكذا قولُه تعالى في صفةِ النّبيِّ صلّى الله عليه وآله: ﴿..ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ..﴾ الفتح:29، يَدلّان على ذلك.
وقوله تعالى: ﴿.. اسْمُهُ أَحْمَدُ..﴾ الصفّ:6، دلالةُ السِّياقِ على تعبيرِ عيسى عليه السلام عنه صلّى الله عليه وآله بأحمد، وعلى كَوْنِه اسماً له يُعرَفُ به عندَ النّاس، كما كان يُسمّى بمحمّد، ظاهرةٌ لا سترةَ عليها، ويدلُّ عليه قَولُ حسّان:
صلّى الإلهُ ومَن يَحُفُّ بعَرشِهِ والطَّيّبونَ على المبارَكِ أحمَدِ

ومن أشعار أبي طالب قولُه:

وقالوا لأحمدَ أنت امرؤٌ خلوفُ اللّسانِ ضعيفُ السّبَبِ
ألا إنّ أحمدَ قد جاءَهم بحقٍّ وَلَم يأتِهم بالكَذِبِ

وقولُه مخاطباً العبّاس وحمزة وجعفراً وعليِّاً عليه السلام يُوصيهم بنَصر النّبيّ صلّى الله عليه وآله:

كونوا فدًى لَكُم أُمّي وما وَلَدَتْ في نَصْرِ أحمدَ دونَ النّاسِ أتراسا

ومن شعره فيه صلّى الله عليه وآله، وقد سمّاه باسمِه الآخر، محمّد:
أَلَم تعلَموا أنّا وجَدْنا محمّداً نبيّاً كموسى خُطَّ في أوّلِ الكُتبِ
ويُستفاد من البيت أنّهم عثَروا على وجودِ البشارة به صلّى الله عليه وآله في الكُتُبِ السّماويّةِ التي كانت عندَ أهلِ الكتاب يومَئذ ذاك.
تعبيرُ عيسى عليه السلام عنه صلّى الله عليه وآله بأحمَد
يدلُّ بوضوحٍ على كَوْنِه اسماً له يُعرَف به عندَ النّاس
كما كانَ يُسمّى بمُحمّد.
ويؤيّدُه أيضاً إيمانُ جماعةٍ من أهلِ الكتاب من اليهود والنّصارى، وفيهم قومٌ من علمائهم كَعبدِ الله بنِ سلام وغيرِه، وقد كانوا يسمَعون هذه الآياتِ القرآنيّةَ التي تذكرُ البشارةَ به صلّى الله عليه وآله، وذِكْرَه في التّوراة والإنجيل، فتلقّوه بالقَبولِ ولم يُكذِّبوه ولا أظهَروا فيه شيئاً من الشّكِّ والتّرديد.
وأمّا خُلُوّ الأناجيلِ الدّائرةِ اليوم عن بشارة عيسى بما فيها من الصّراحة، فالقرآن -وهو آيةٌ معجزةٌ باقية- في غنًى عن تصديقِها، وقد تقدّم البحثُ عن سندِها واعتبارِها في الجزء الثّالث من الكتاب.
وقوله تعالى: ﴿..فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ الصّف:6، ضمير «جاء» لأَحمد صلّى الله عليه وآله، وضمير «هم» لبَني إسرائيل، أو لَهم ولغيرِهم، والمرادُ بالبيّناتِ البشارةُ ومعجزةُ القرآن وسائرُ آياتِ النّبوّة.
والمعنى: فَلَمّا جاءَ أحمدُ -المبشَّر به- بني إسرائيل، أو أتاهُم وغيرَهم بالآياتِ البيّنةِ التي منها بشارةُ عيسى عليه السلام، قالوا هذا سحرٌ مُبين، وقُرِئ: هذا ساحرٌ مُبين. (المصدر: ج 19، ص 251)
***


الآية الثانية: قوله تعالى: ﴿..الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ..﴾ البقرة:146، الضميرُ في قولِه يعرفونه، راجعٌ إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله دونَ الكتاب، والدّليلُ عليه تشبيهُ هذه
المعرفة بمعرفةِ الأبناء، فإنّ ذلك إنّما يحسنُ في الانسان، ولا يُقالُ في الكتاب، إنّ فلاناً يعرفُه أو يعلمُه، كما يعرفُ ابنَه "..".
فالمعنى أنّ أهلَ الكتابِ يعرفون رسولَ الله صلّى الله عليه وآله بما عندَهم من بشاراتِ الكُتب، كما يعرفون أبناءَهم، ﴿..وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ البقرة:146.
(المصدر: ج 1، ص 327)

***


قولُه تعالى: ﴿..الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ..﴾ البقرة:146، هذا إخبارٌ عمّا شَهِدَ به اللهُ سبحانَه في الكُتُبِ المنزَلةِ على أهلِ الكتاب، وعَلِمَه علماءُ أهلِ الكتاب ممّا عندَهم من كُتب الأنبياء من البشارة بعد البشارة بالنّبيّ صلّى الله عليه وآله، وَوَصْفِه بما لا يعتَريه شَكٌّ ولا يطرَأُ عليه رَيب. فَهُم بما استَحضروا من نعتِه صلّى الله عليه وآله يعرفونَه بعينِه كما يعرفون أبناءَهم.

كان بعضُ علمائهم يكتمونَ ما عندَهم من بشاراتِه
ونعوتِه صلّى الله عليه وآله، ويستَنكفونَ عن الإيمانِ به.

قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ..﴾ الأعراف:157
وقال تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ..﴾ الفتح:29.
وقال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آَيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ الشعراء:197.
ولمّا كانَ بعضُ علمائِهم يكتمونَ ما عندَهم من بشاراتِه ونعوتِه صلّى الله عليه وآله، ويستنكفونَ عن الإيمانِ به، بَيَّنَ اللهُ تعالى خسرانَهم في أمرِهم، فقال: ﴿..الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ الأنعام:12 "..".
(المصدر: ج 7، ص 40)

***

الآية الثالثة: قولُه تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ البقرة:89.
قولُه تعالى: ﴿..وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا..﴾ البقرة:89، (يدلُّ) على وقوعِ تَعرُّضٍ بهم من كفّار العرب، وأنّهم كانوا يستَفتحون، أي يطلبونَ الفتحَ عليهم ببِعثة النّبيّ صلّى الله عليه وآله وهجرتِه- وأنّ ذلك الاستفتاحَ قد استمرَّ منهم قبلَ الهجرة، بحيث كان الكفّارُ من العرب أيضاً يعرفونَ ذلك منهم لمكانِ قولِه تعالى: ﴿وَكَانُوا﴾ وقولِه تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا﴾ -أي عرَفوا أنّه هو بانطباقِ ما كانَ عندَهم من الأوصافِ عليه- ﴿ كَفَرُوا﴾. (المصدر: ج 1، ص 222)
كانوا قبلَ البعثةِ والهجرة يَستنصرونَ بالنّبيّ صلّى الله عليه وآله
وبالكتابِ النّازلِ عليه، ثمّ لمّا نزلَ بِهم النّبيُّ صلّى الله عليه وآله
ونزلَ عليه القرآن، وعرَفوا أنّه هو، كفروا وأَنكَروا، بَغْياً وحَسَداً.

يُحدِّث بتحنُّنِكَ، ويُخبرُ أفهامَ العارفين بشفَقَتِك 
 

فسبحانَك يا مَن ليسَ في البحار قَطَرات، ولا في متونِ الأرض جَنَبات، ولا في رِتاجِ الرّياحِ حَرَكات، ولا في قلوبِ العبادِ خَطَرات، ولا في الأبصارِ لَمَحات، ولا على متونِ السَّحابِ نَفَحات، إلّا وهي في قدرَتك مُتحيِّرات.
أمّا السّماءُ فَتُخبرُ عن عجائبِك، وأمّا الأرضُ فتدلُّ على مدائحِك، وأمّا الرّياحُ فتنشرُ فوائدَك، وأمّا السّحابُ فتهطلُ مواهبَك، وكلُّ ذلك يحدِّثُ بتَحنُّنِك ويُخبِرُ أفهامَ العارفين بشفَقَتِك.


اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

08/02/2013

دوريات

نفحات