بصائر

بصائر

08/02/2013

فقهُ الاستخارة


فقهُ الاستخارة
موارِدُها، وجوازُ الاستنابة فيها
ـــــ الفقيه المحقّق الشيخ يوسف البحراني رحمه الله ـــــ


مِن أبرز المجازر الثّقافيّة للغزو الثّقافي المتَموضع في حال الثّورة المضادّة لعصر الإمام الخمينيّ قدّس سرّه، موقفُ الكثير من المُتديِّنين من الاستخارة!
منهم مَن يُحاربُ الاستخارةَ ويَستخير! وربّما سرّاً!! ومنهم مَن يحاربُها ولا يَستخير لكنّه يَستشير! يُنَظِّرُ لضرورةِ الاستشارة مُمْعِناً في عدوانيّته للاستخارة. هي عندَه تخلُّفٌ ولا عقلانيّة. أمّا الاستشارة، والقانونيّة منها، فَهي تَحَضُّرٌ ورُقِيّ. فإن قيلَ له إنَّ الاستخارةَ طَلَبُ المَشُورة من الله تعالى، والرّواياتُ فيها وافرة، فكّرَ وقدّرَ ودخلَ في التّفاصيل، مُتَلَجْلِجاً مُرْبَكاً.
ينبغي التّدبُّر في العلاقة الجذريّة بين سوء الموقف من الاستخارة، وبين مرَض العصر: «ضعف الإيمان بالغَيب».
ما يلي، نموذجٌ من مقارباتِ الفُقهاء الكبار لموضوعِ الاستخارة، كما وردتْ في كتاب (الحدائق النّاضرة)، للفقيه الشيخ يوسف البحراني رضوان الله عليه (ت: 1186 للهجرة). «شعائر»


المُستَفادُ من الأخبار استحبابُ الاستخارة لكلِّ شيءٍ، وتأكُّدها حتّى في المستحبَّات، وأنَّ الأفضل وقوعها في الأوقات الشّريفة والأماكن المَنيفة، والرِّضا بما خَرَجَت به، وإنْ كَرِهتْهُ النّفس .وممّا يؤكِّدُ هذا، ما رواه السّيّدُ ابنُ طاوس بأسانيدَ عن الإمام الصّادق عليه السلام، قال: «كنَّا نتعلَّمُ الاستخارةَ كما نتعلَّمُ السُّورةَ من القرآن. ثم قال عليه السلام: ما أُبالي إذا استخَرْتُ اللهَ على أيِّ جنبَيَّ وقعتُ»، وفي روايةٍ أخرى «على أيِّ طريقٍ وَقَعْتُ».
ورَوى البَرقيّ في (المحاسن)، عن محمّد بن مضارب، قال: «قال أبو عبد الله عليه السلام: مَنْ دَخلَ في أمرٍ بغير استخارةٍ ثمَّ ابتُليَ، لم يُؤجَر»، ورواه ابنُ طاوس بأسانيدَ عديدة، وفيه دلالةٌ على ذمِّ تاركِ الاستخارة في الأمورِ التي يأتي بها .
وروى في (المحاسن) أيضاً عنه عليه السلام أنَّه قال: «قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ: مِن شقاءِ عبدي أنْ يَعمَلَ الأعمالَ فلا يَستخيرُني» .
وروى في (المحاسن) أيضاً بإسناده عن عثمان بن عيسى، عن بعض أصحابه، قال: «قلتُ لأبي عبد الله عليه السلام: مَن أكرمُ الخَلْقِ على الله؟ قال: أكثرُهُم ذِكْراً لله وأَعْمَلُهم بطاعتِه، قلت: مَن أَبْغضُ الخَلْقِ إلى الله؟ قال: مَنْ يَتَّهِمُ الله، قلتُ: وَأَحَدٌ يَتَّهم الله؟ قال: نعم، مَن استَخارَ اللهَ فجاءتْهُ الخِيرة بِما يَكره فَسَخِطَ، فذلكَ الّذي يتَّهِمُ اللهَ».
وروى الشّيخ في (التّهذيب) عن عيسى بن عبد الله، عن أبيه، عن جدِّه، عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: «قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ: إنَّ عبدي يَستخيرُني فأَخِيرُ له فيَغضَب».
***
المفهومُ من ظواهر الأخبار الواردة في الاستخارة أنّ صاحبَ الحاجة هو المباشر للاستخارة، ولم أقفْ على نصٍّ صريحٍ أو ظاهرٍ في الاستنابة فيها، إلَّا أنَّ مَن عاصرناهم من العلماء، كلُّهم على العملِ بالنّيابة .
ولم أَقِفْ أيضاً في كلامِ أحدٍ من أصحابنا على مَنْ تعرَّضَ للكلامِ في ذلك، إلَّا على كلامِ المحقِّق الشّريف ملا أبي الحسن العامليّ المُجاوِر بالنّجف الأشرف حيّاً ومَيتاً، في شرحه على (المفاتيح)، وشيخِنا أبي الحسن، الشّيخ سليمان البحراني في كتاب (الفوائد النّجفيّة .(
أمّا الأوّل منهما [العاملي]، فإنَّه قالَ في بحث صلاة الاستخارة: «ثمَّ لا يَخفى أنَّ المُستفادَ من جميعِ ما مرَّ أنَّ الاستخارةَ ينبغي أن تكونَ ممَّن يريدُ الأمر، بأنْ يتصدَّاها هو بنفسه، ولعلَّ ما اشتُهر من استنابةِ الغير على جهة الاستشفاع، وذلك وإنْ لم نَجِد له نصّاً إلَّا أنَّ التّجربات تدلُّ على صحَّته» .
وأمَّا الثّاني منهما [البحراني]، فإنّه قال: «فائدة في جواز النّيابة عن الغَير في الاستخارة: لم أقف على نصٍّ في جواز النّيابة، ويُمكن الاستدلالُ على ذلك بوجوه..». ثمَّ ذكرَ وجوهاً عشرة، أكثرُها عليلة، قد اعترفَ بالطَّعن فيها، وأقربُها إلى الاعتبارِ وجوهٌ أربعة:
أحدها: ما ذكره من قوله: «من القواعد أنَّ كلّ ما يصحُّ مباشرتُه يصحُّ التّوكيلُ فيه، إلَّا في مواضعَ مخصوصةٍ ذكرَها العلماء واختلفوا في أشياءَ منها، وليسَ هذا الموضعُ من تلك المواضع».
وثانيها: ما ذكرَه من أنَّ «العلماء في زماننا مُطْبِقون على استعمالِ ذلك، ولم نَجِد أحداً من مشايخِنا الذين عاصَرناهم يتوقَّفُ فيه، ونقلوا عن مشايخِهم نحوَ ذلك. ولعلَّه كافٍ في مثل ذلك».
وثالثها: «أنَّ الاستخارة مشاورةٌ لله تعالى، كما ورد به النّصُّ عن مولانا الإمام الصّادق عليه السلام، ولا ريبَ أنَّ المشاورة تصحُّ النّيابةُ فيها، فإنَّ مَن استشارَ أحداً فقد يستشيرُ بنفسِه، وقد يكلِّفُ مَن يَستشيرُ له، كما في استشارة عليّ بن مهزيار للجواد عليه السلام».
ورابعها: «أنَّ مشاورةَ المؤمن نوعٌ من أنواع الاستخارة، وقد وردَ في رواية عليِّ بن مهزيار ما هو صريحٌ في النّيابة فيها، ولا فرقَ بين هذا النّوع وغيره»، إلى أن قال قدّس سرّه: «فهذه عشرةُ وجوه، ومجموعُها يصلحُ مَدركاً لمثلِ هذا الأمر، ومسلكاً لهذا الشأن، وإن تطرَّق على بعضِها المناقشة. واللهُ العالم». انتهى كلامُه زِيدَ مقامُه .
أقول: وممّا خطرَ على البال في هذه الحال، أنَّه لا ريب أنَّ الاستخارة بأيِّ المعاني المتقدِّمة ترجعُ إلى الطَّلب منه سبحانه، ولا رَيْب أنَّه من المتَّفق عليه بين ذَوي العقول -وساعدتْ عليه النُّقولُ عن آلِ الرّسول صلّى الله عليه وآله- هو أنَّ مَن طلبَ حاجةً من سلطانٍ عظيمِ الشَّأن، فإنَّ الأنجحَ في قضائها والأرجحَ في حصولِها وإمضائها هو أن يُوَسِّط بعضَ مقرَّبي حضرةِ ذلك السّلطان في التماسِها منه، بحيث يكون نائباً عن صاحب الحاجة في سؤالِها من ذلك السُّلطان، والنّيابةُ في الاستخارةِ منه سبحانَه من هذا القَبيل، وهذا بحمدِ الله أوضحُ برهانٍ على ذلك ودَليل. واللهُ العالِم .

الاستخارة عند شيخ الفقهاء العارفين، المقدّس الشيخ بهجت قدّس سرُّه
قال المقدّس الشيخ بهجت قدّس سرّه: الاستخارة هي بمَعنى طلب تعيينِ الخير والشَّرّ، وهي ارتباطٌ تكوينيٌّ بين الخَالقِ والمخلوق.
كلّما أردتُ الاستخارة لنفسي فإنِّي استخير بالسُّبحة، ثمَّ أستخيرُ على التَّرْك أيضاً، وإذا كانت الخيرة وَسَطاً فإنِّي لا أعمل بها، إلّا إذا كان فعلُها جيّداً وتَرْكُها سيِّئاً.
لقد شُوهد أنَّ البعض قد استخارَ بالقرآن الكريم، فرأى في آية الاستخارة القضيّة نفسَها، حتّى بالإسم، بل كان بعضُهم يخبرُ عن القضيّة المستخَار عنها بالسُّبحة أيضاً. والقصّة المعروفة التي حصلت كما يبدو مع السيّد حسين القمّي، عندما استخارَ عندَ أستاذِه بالسُّبحة، فقالَ له في الجواب: هل تُريد الذّهابَ إلى الحجّ [المستَحبّ]؟ إنْ شاء الله جيّدة.
ومع هذا، فإنَّ بعضَ المصابين بعمَى الباطن لا يعتقدون بأصلِ الاستخارة، سواء كانت بالقرآن أم بالسُّبحة.
يقول السّيّد الخميني قدّس سرّه: «ليس عجيباً ما يصدرُ عن أولئك الذين يستخيرون بالقرآن ويُخبِرون عن القضيّة المستخَار عنها، ولكنّ العجيب ما يصدرُ عن أولئك الذين يستخيرون بالسُّبحة، ويُخبرون عن القضيّة».
كان السيّد البروجرديّ قدّس سرّه يقول للتّجّار [غير الموقنين بالاستخارة]: «لا تستَخيروا في التّجارة، لأنّكم لو خَسِرتُم، فستَعتبرونَ -عندئذٍ- أنّ الاستخارةَ هي سببُ خسارَتِكم وإفلاسِكم». لا يعلم مثلُ هؤلاء الأشخاص أنّهم لو أقدموا على تلك الأعمال من غير استخارة، ماذا كان لِيَحدث، وأيّ خسارة في أموالِهم وأنفسِهم كانوا سيُبتَلون بها، هي أشدُّ ممّا أُصيبوا به.
من كتاب (في مدرسة الشيخ بهجت قدّس سرّه) 

 

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

08/02/2013

دوريات

نفحات