بسملة

بسملة

08/03/2013

ولايةُ الفقيه، هي ولايةُ القانون


ولايةُ الفقيه، هي ولايةُ القانون

* الشيخ حسين كوراني


* «..الحكومة في الإسلام هي حكومة القانون. حكومة رسول الله صلّى الله عليه وآله
وحكومة أمير المؤمنين سلام الله عليه هي حكومة القانون..»

أطروحةُ ولايةِ الفقيه مشروعٌ حضاريٌّ يلبّي نزوعَ البشريّة إلى حكومةِ القانون وثقافتِه. إنّها بكلِّ علميّة وموضوعيّة، أطروحةُ النّظامِ الدّوليّ الجديد الأصيلة والحقيقيّة، في مقابل ما طرَحتْه أميركا ولم يُمكنها أن تتقدّمَ في تتفيذِه خطوةً واحدة، والسّبب أنّ «ولاية الفقيه» لها بالمرصاد.
ما أنجزتْه «ولاية الفقيه» حتّى الآن عالميٌّ بامتياز. أوضحُه أنّها حوّلت إزالةَ «إسرائيل» من حُلُمٍ يُشبه المستحيلَ إلى هدفٍ حقيقيٍّ قريبِ المَنال.
هذا الإنجازُ وحدَه، يؤسِّسُ لإعادةِ صياغةِ الخارطة السّياسيّة العالميّة. يقدّمُ العالَميّةَ بديلاً عن «العَولمة». ﴿الحمد لله ربّ العالمين﴾ الفاتحة:2.


**
من أشدّ أطياف المشهدِ الثّقافيّ غرابة وتهافتاً، التّنكُّر لأطروحةِ ولاية الفقيه حدَّ التّندّر، فيما يسودُ التّنافسُ حدَّ الاستهلاك في التّرنُّم بثابتةِ «حكومة القانون» و«دولة القانون» و«ثقافة القانون».
الفقيهُ قانونيّ. خبيرٌ في القانون. مرجعٌ دستوريّ. وحُكم القانون فصلُ الخطاب، للقانون ولايةٌ لا يحدِّدها غيرُ الفقيه بهذا القانون. ولايةُ الفقيه إذاً هي ولايةُ القانون.
أوائل انتصار الثّورة الإسلاميّة في إيران، قالَ الإمام الخمينيّ:
«لا تخافوا "ولاية الفقيه" فالفقيهُ لا يرمي إلى استعمالِ القوّة وفرضِ آرائه على الشّعب ولو فعلَ ذلك لسقطتْ ولايتُه. القانونُ في الإسلام فوقَ كلِّ شيء، هو الحاكمُ الحقيقيّ. رسولُ الله صلّى الله عليه وآله كان تابعاً للقانون الإلهيّ ولم يكن قادراً على تجاهلِه. يقولُ الله سبحانه وتعالى في كتابِه المجيد: ﴿ولَو تَقَوَّلَ عَلَيَنَا بَعضَ الأَقاويل لأخَذنَا منه باليَمين ثُمَّ لَقَطَعنَا مِنهُ الوَتينَ﴾ الحاقة:44-46. إذاً، لم يكن رسول الله صلّى الله عليه وآله دكتاتوراً، ولم يكن الإمام عليّ عليه السلام دكتاتوراً، حتّى يكونَ فقيهُ هذا اليوم دكتاتوراً. لا وجودَ للدّكتاتوريّة في ولاية الفقيه مطلقاً ".."».
( صحيفة الإمام، ج 10، ص: 226)
**
تمسُّ الحاجةُ إلى معالجة محورَين:
الأوّل: تضخيمُ الخلاف التّفصيليّ بينَ الفقهاء حولَ ولايةِ الفقيه، واعتبارُه خلافاً بنيويّاً بمستوى النّفي والإثبات، رغم إجماعِ الفقهاء على أنّ للفقيهِ موقعَ «إقامة الحدود» أي إدارة أساسِ الحُكم عمليّاً، وموقعَ المرجع القانونيّ الذي يُشبهه «المجلس الدّستوريّ». والنّتيجة الإجماعُ على مبدأ «ولاية الفقيه» سواء بسعتِه وشمولِه، كما هو رأيُ الإمام الخمينيّ والعديد من كبار الفقهاء الأقدمين والمعاصرين، أو بحدودِ منصبِ القاضي كما هو رأي الآخرين.
الثّاني: التزامُ المشروع السّياسيّ القائم على ولاية الفقيه، دون اكتمالِ «اليقين الثّقافيّ» بمبدأ «ولاية الفقيه» واليقين باكتمالِ المنظومة الثّقافيّة القائمة على الفقه، سواء في باب المفاهيم والبناء الثّقافيّ، أو في باب التّشريعِ والأحكامِ الخمسة.
قد يتسبّبُ ضعفُ اليقين هذا بظاهرتَين: تثقيفِ الملتزمين لخطِّ ولايةِ الفقيه بالثّقافة المعادية. والتّهاونِ بالحكم الشّرعيّ وبالخصوص المكروه والمستحبّ، وتفاقم التّفلُّت من الواجب، والوقوع في الحرام إلى حدّ اعتبارِ توظيفِ المُدرِّسة «السّافرة» في مدرسة إسلاميّة مثلاً، معاصَرةً، وانفتاحاً، وتحضُّراً، أو خَللَاً يُمكن التّعايش معَه!!
**
لَئِن كان مفهوماً أنّ لغير الإسلاميّ منطلقاته الخاصّة في تنكِّره لولاية الفقيه، فما هو السّببُ في «ضعف يقين» بعض الإسلاميّين بها، وما هو السّبب في التّهاون بثقافةِ الأحكام الخمسة وحدودها، إلى حدّ اليقين بحاجتنا إلى الثّقافة الماديّة لمَلإ الفراغ!
بمنطقِ الحَمل على الأحسن، لا يبقى إلّا «الغزو الثّقافيّ المُستَتر» -على غرار الشِّرك الخفيّ- الذي يجعل فريستَه تتوجّسُ حتّى من اللّفظ والشّكل. تركيبُ اللّفظتين «ولاية» و«الفقيه» يستفزُّ المعاصرةَ والمعاصرين والحداثةَ الموهومةَ في الحداثويّين، وكلَّ طبقات التّحضّرِ المُدّعى والعقلانيّة المُفتراة.
يذكّر لفظ الوالي هؤلاء -ولا أبرّئُ نفسي من أصلِ العدوى- بالوالي العثمانيّ، أو والي سَجستان وطبرستان وغيرهما.
ويذكِّرهم أو يذكِّرنا لفظُ الفقيه بوعّاظ السّلاطين وعلماء البلاط، أو على حدّ تعبير الإمام الخمينيّ نفسِه -في معرضِ ردِّه على الحداثويّين الواهمين- بأنَ «ولاية الفقيه» تُذكِّرُهم بـ «العمامة والعصا».
قد يبدو هذا التّحليلُ لمقاربات بعضِ «الإسلاميّين» السّلبيّة، تسطيحاً. وقد يلجأُ البعضُ إلى اعتمادِ «نظريّة المؤامرة» لِيَجِدَ عبرَها القاسمَ المشترك بين الاستعمارِ الجديد و«الحداثويّين» فيُقدِّم ما يعمِّقُ التّحليلَ لِيَصحَّ السّكوتُ عليه.

فأيُّ التّحليلين أحقُّ أن يُتّبع؟

***
يحسمُ الجدلَ التّنبُّهُ إلى أنّ ضراوة فتكِ الغزو الثّقافيّ قد تجاوزت بنا عصرَ «نظريّة المؤامرة» بخصائصِها آنذاك، وهو ما يستدعي إعادةَ النّظرِ في حقيقةِ التّآمر الجديد المتناغمِ مع الاستعمار الجديد، وسيوصلُنا ذلك إلى أنّ من أوضحِ مصاديق «التّسطيح للحقائق» أن نستغربَ كيف يبني مثقّفٌ مسلمٌ «عدوانيّته» «العقلانيّة!» على أساس دلالةِ الألفاظ التي يقولُ فقهُ اللّغة إنّها دلالةٌ متحوّلةٌ -ضمن ضوابط- وليست من الثّوابت.
والأمثلة على ذلك -للكثير من الإسلاميّين- لا تكاد تحصى: منها التّعامل مع أطروحة «ولاية الفقيه».
لقد حذّرَ رسولُ الله صلّى الله عليه وآله من مَرضِ تبدّل المفاهيم حينَ «يُصبح المعروفُ منكراً والمنكرُ معروفاً».
**
عندما يُنجز الغزو الثّقافيُّ الاستلابَ في مفهوم، تظهرُ آثارُه في التّعامل مع الألفاظ. لا تكمنُ الخطورةُ في استفزاز هذا اللّفظ أو ذاك للمشاعر. إرهافُ الحسِّ أساسُ حُسن الاستماع ﴿..فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ..﴾ الزمر:18. المشكلةُ في تَكوّن الحسِّ في مناخ ثقافةِ الإرساليّات والاستشراق والاستغراب، والغزو العسكريّ وإمبراطوريّات الإعلام والإعلان وسائرِ أسلحة الغزو الثّقافيّ، بعيداً عن خيرِ العبادة «التفكّر» والتدبّر.
من أخطر النّتائج، التزامُ المسار السّياسيّ لولاية الفقيه، والتباسُ التّأصيل إلى حيث تختلطُ ثقافةُ الفقه وأحكامِه الخمسة أو تُستبدل بِسِلَعِ الغزو الثّقافيّ و«وَجباتِه السّريعة».
دونَ هذا الخطر درجاتُ استلابٍ جزئيٍّ ومراتب.
لعلاجِ مرضِ ضَعفِ اليقين الثّقافيّ وكلِّ ظواهره الخطيرة، أكّدَ وليُّ الأمر الإمام الخامنئيّ على مدرسةِ السّيّد القاضي «القدوة». إنّه تأكيدٌ على «خطّ الإمام» وثوابتِه.
لا يُمكن تعزيزُ المشروعِ السّياسيّ العالميّ لأطروحةِ ولايةِ الفقيه بثقافةٍ مستعارةٍ لا تفرّقُ بينَ الاقتباسِ والالتباس.
***


اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

نفحات