موقف

موقف

08/03/2013

مفكّر إسلامي مشكّك


﴿واعبدُ ربّك حتّى يأتيك اليقين﴾ 
«مفكِّرٌ إسلاميٌّ» مشكّك!
ـــــ إعداد: «شعائر» ـــــ

يُلاحَظُ أنَّ العقودَ الأخيرة من حياتنا المعاصرة شَهدَت ظهورَ تيّاراتٍ ثقافيّة وفلسفيّة متنوّعة في الغرب عموماً، وفي أوروبا بالتَّحديد، والسِّمَةُ العامّة لهذه التيّارات -على اختلافِها وتَضادِّها- سمةُ التَّمرُّد والتّشكيك في المعرفة والكَيْنونة.
وقد واكبَ ظهورَ هذه الفلسفات التّشكيكيّة تطويرُ الدِّراسات اللّغويّة التي بدأت مع العقد الثّالث من القرن العشرين، حيث استَثمر التّيّار التّفكيكيّ أو التّشكيكيّ معطيات هذه الدّراسات «الأَلسُنيّة»، ووظّفها لصالح «تفكيكيّته» أو «تشكيكيّته»، وذلك بأنْ فَصَل بين «دوالّ اللّغة» و «مدلولاتها»، فحَذَف الأخيرة وجعلَها غائبة، ليُشير بذلك إلى عدمِ وجود مركزٍ معرفيٍّ ثابت، بقدر ما يَخضع الأمر لقراءاتٍ استمراريّةٍ لا نهائيّةٍ، أيْ جعلَ استخلاصَ الدَّلالةِ المعرفيّة لا نهايةَ أو لا ثباتَ لها، وهو أمرٌ يَتَساوَقُ ويَتناغمُ مع الفلسفة التّشكيكيّة التي لا تَجْنَح إلى يقينٍ معرفيٍّ أو إلى معرفة يقينيّة، ومن ثمّ يظلّ «المعنى» أو «الدّلالة» أو «القِيَم» لا ثبات ولا استقرار لِمَفهوماتها.
ومن الطّبيعيّ حينما يَنسحب هذا التّشكيكُ على الظَّواهِر جميعاً، فإنَّ النَّتيجة تظلُّ تشكيكاً بكلِّ شيءٍ، وفي مقدّمة ذلك: التّشكيكُ أساساً بما وراء الوجود «المُبدع» وإرسالات السَّماء، وكلّ ما هو «مقدَّس» بحسب تعبير الموضة المُشار إليها.
وإذا كان المناخ الأُوروبيّ يَسمحُ -لاعتباراتٍ متعدِّدة- بولادة هذه التّيّارات ونظائرها، فإنّ من الغريب والمؤسف أن نَجِدَ انعكاسات التّيارات المذكورة على «الشّرق»، وعلى المجتمعَين العربيّ والإسلاميّ تحديداً، حيث هُرِع أفرادٌ كثيرون إلى اعتناق عقائد هذه التّيّارات المُتعاقبة «المتداخلة والمُتضادّة أيضاً»، مع أنّها «غريبة» تماماً على المناخ العربيّ والإسلاميّ! إلاّ أنّ «نَزعة التّغريب» التي تَطَبَّع عليها هؤلاء الأفراد تفسّرُ لنا تَبَنِّيهم الفكر الغربيّ، وتَخَلِّيهم عن قِيَمِ الوحي ومبادئ الإسلام العُليا.
ولكنّ الأسى الأشدّ مرارةً أن نلحظَ «الإسلاميِّين» بدورهم، قد بهرَتْهُم زِينةُ الحياةِ المنعَزِلة عن السَّماء في المناخ الأُوروبيّ، فهرِعوا بدورهم إلى محاورة «الانحراف» المذكور، وبدأوا يَنشرون دراساتهم التّفكيكيّة والتّشكيكيّة حول مختلَف ضُروب المعرفة، وفي مقدّمتها التَّعامُل مع النّصّ القرآنيِّ الكريم، بدءاً بالوحي، وانتهاءً بـ «التّفسير بالرَّأي»، بحسب ما تَلَقّوه من التّيّار الأُوروبيّ الذي أطلق العنان لمفهوم «القراءة»، أو «السُّلطة للقارئ» يَعبث ما يشاء بدوالّ النّصّ، حافراً ومنقِّباً ومهدّماً، تقليداً لأسياده المُنعزلين عن السَّماء ومبادئها.
وإذا أضفنا -أخيراً- إلى ما تقدّم، ظاهرةَ «العَوْلمة» في سنواتِنا المُعاصرة، وما تَستهدفه من السَّيطرة على الإيديولوجيّات جميعاً؛ حينئذٍ نجد أنّ الضّرورة الإسلاميّة تفرض علينا:
أوّلا: أن نتعامل مع هذه الظَّواهر وفْقاً لما يَفرضه «القانونُ العقليّ»، وفي مقدّمة ذلك: «اليقين المعرفيّ»، وليس «التّشكيك».
ومن ثمّ: القيام بمهمّة «تأصيل» ما يَتَّفق مع مبادئنا، و«الرَّدّ» على الانحرافات التي طَبَعت سلوك ما يُسمّى بـ «الإسلاميِّين»، المُنشطرين بين مَن «يُشكّك» وبين «يساريّ» أو «ليبراليّ» إسلاميٍّ يَستعينُ في صياغة فكره، حتّى بالمبادئ المُنتسبة إلى الإلحاد.

* مختصر بتصرّف من مقدّمة ناشر كتاب (الدّيمقراطية) للعلّامة الشّيخ محمّد سند

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

نفحات