بسملة

بسملة

07/06/2013

الدّعاء سلاحُ المؤمن

 

الدّعاء سلاحُ المؤمن

·        الشّيخ حسين كوراني

 

أشهُر الدّورة الثّقافيّة - العمليّة الأبرز، موسمُ التّأسيس للعُمر كلِّه. موسمُ الزّرعِ في قلبِ القَلب والشِّغاف ومستقَرِّ السّرائر.

لكي يُخرِجَ الزّرعُ شَطْأَه المحمّديَّ فيَتآزَر إلى أن يستوي على سُوقِه ويُعجبَ الزُّرّاع، فإنّ الواجبَ أمران لا بُدّ منهما:

الأوّل: عدمُ الاكتفاء بالموادّ النّظريّة في هذه الدّورة.

           الثّاني: فقهُ محوريّة الدّعاء.

أكثرُ الجيل الحَرَكيّ المتديّن الرّاهن، من مدرسة الإسلام النّظريّ. تَعلَّمنا كيف نمدحُ الإسلام، ونقدّم نماذجَ منه تمّ اختيارُها كَردّةِ فعلٍ على ما حملَه الغزو الثّقافيّ. قليلٌ مّا هم، مَن تجاوزوا أَخْذَ «العِلم والخَبر» بهذه المعلومة أو تلك ليَعملوا. لم يبلغ مسمعَ القلب نداء: «العلمُ يهتفُ بالعَمل، فإنْ أجابَه وإلّا ارتَحَل».

تشبهُ حالُنا طبيباً أمكنَه أن يتخرّج دون المشاركة بحُصص التّدريب إلّا ما نَدر. وفي هذا النّادر كان شاردَ الذِّهن، فؤادُه هواء.

والدّعاءُ في حقيقتِه تطبيقٌ وعَمل، فهو أكثر «المتضرّرين» من استشراء مرض الاكتفاء بالإسلام النّظريّ.

كان «خطّ الإمام» مفصلاً في تاريخ الأجيال الحَرَكيّة وغيرها. أعاد الإمامُ الخمينيّ طرحَ الإسلام على حقيقتِه.

***

قبل الإمام الخميني كان كثيرٌ من المؤمنين في دار الإسلام يعرفون دورةَ رجب وشعبان وشهر رمضان، ويلتزمونها، إلّا أنّ الحَرَكيّين منهم في غاية النّدرة، لأنّ الإسلام الحَرَكيّ -في الغالب- تركَ الأورادَ والأذكارَ للعَجَزة، وللمحطّات الحَرِجة التي يحتاجُ «العاملُ» «الواعي» أن يتزوّد فيها بـ «الوقود الإيمانيّ». كما قالَ بعضُهم.

في التّسعينات، سمعتُ من امرأةٍ عجوز، من قرية «برعشيت» في جبل عامل، أنّها لم تَترك صلاةَ اللّيل وصومَ رجب وشعبان وشهر رمضان منذ ثلاثين سنة. وحين رَفَعتْ يدَيها بالدّعاء لمُجاهدي المقاومة الإسلاميّة -وكان كلامُها ما يزال يملأُ مسامعَ قلبي- أدركتُ أمرَين:

1- أنّ هذه المؤمنة العَجوز، في «خطّ الإمام» و«مقاومة» و«حزب الله» أكثر منّي.

2- أنّ تماهي ثقافة الإمام الخمينيّ وفكرِه ونهجِه مع فكر كبارِ علماء «جبل عامل» عبر القرون، كالشّهيدَين، والبهائيّ، والحرّ العامليّ، والكَراجكيّ، وغيرهم، هي سرُّ استجابةِ أهلِنا الفريدة لنائب الإمام المنتَظر عجّل الله تعالى فرجه الشّريف.

تَتلخَّصُ الثّقافةُ الإسلاميّة في أنّها ثقافةُ رجب وشعبان وشهر رمضان، كما تتلخّصُ في أنّها «ثقافة الدّعاء» ومَن جمعَ بين عبادة الأشهُر والدّعاء فقد حازَ الشّجرةَ والثّمرة، وطابقَ حسابَ الحقلِ والبَيدر.

***

في شهر رجب يتمُّ زرعُ التّوحيدِ في القَلب في خطّ العقل، أو تعزيزُه، أو إعادةُ زَرْعِه، والتّوحيد رفضٌ واستقامة –كما أُمِرتَ- في خطّ رَفْضِ كلِّ الآلهة من الهَوى إلى أعلى صرحٍ نَمروديٍّ يظنّ أنّه يبْلُغ الأسباب. «لا إله...إلّا اللهُ»، ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ... وَيُؤْمِنْ بِاللهِ﴾ البقرة:256.

السّورَتان الأبرز اللّتان تُستَحبّ قراءتُهما في رجب أكثر من أيّ سورةٍ أو ذكرٍ أو وِرْدٍ، في الصّلوات وغيرها، هما: «الجُحُد»: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ...﴾ وسورةُ «التّوحيد» التي بلغَ استحبابُ قراءتها -في عملٍ مستَحبّ واحدٍ من مستحبّاتها في شهر رجب- عشرة آلاف مرّة.

وفي شهر شعبان يترك المحمّديّ الذين لا يعبدُ ما يعبدون «دارَ النّدوة» وبني أميّة وشيعةَ آل أبي سفيان كما سمّاهم الإمامُ الحسين عليه السلام، ليحملَ رايةَ التّوحيد يغذُّ السّيرَ في دروب الجهادَين مع «شّجَرة النُّبُوّة» محمّدٍ وآل محمّد. صلّى الله عليه وعليهم أجمعين.

وفي شهر رمضان يبلغُ كلٌّ قدْرَه مع صاحبِ القَدر والأمر، سالكاً أحدَ دربَين: النّصر، والعنوان «بَدْر»، أو الشّهادة، والعنوانُ والشّعارُ والدِّثار: والحالُ والفعلُ والمقالُ والمآل: «فُزْتُ وَرَبِّ الكَعْبَة. قَتَلَنِي ابنُ اليَهوديّة».

تلك خلاصةُ رحلةِ عمرِ الموحِّد كلِّه تُظهِّر خارطتَها دورةُ الأشهر الثّلاثة. الأهمّ، أنّ كلَّ دورةِ الجُهد والجهاد، والحياة والمكان، لا قيمةَ لها بدون الدّعاء. ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ..﴾ الفرقان:77.

***

وما كلُّ طَلَبٍ دعاء. قد يكون الطَّلَبُ «مُكَاءً وَتَصْدِيَةً»: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ * لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ الأنفال:34-37.

صلاة هؤلاء مُكاءٌ وتَصْدِيَة، لأنّها كانت بلا لُبٍّ وحقيقة. لبُّ الصّلاة والحقيقة، الدّعاءُ الحقيقيّ.

الدّعاء -حسب تفسير الميزان- قسمان: فكريٌّ وفِطريّ. الفكريُّ ما جالَ في الفِكر وطَفا على السّطح فَلَفَظَه اللّسان. والفطريُّ ما كان حالاً، وسيرورةً، وصيرورةً ثمّ مقالاً. إنّه تمامُ الواقعيّة وكمالُها. إقرارٌ بالفَقر المُطلَق. لا شوبَ للإنّيّة. أمّا الأنانيّة فقد دُفِنَتْ واندرسَ قبرُها. هذا الدّعاءُ هو المرادُ بقولِه تعالى: ﴿..أَسْتَجِبْ لَكُمْ..﴾ غافر:60، أو ﴿..أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ..البقرة:186 وما عداه هو المشارُ إليه بقولِه تعالى ﴿..إِذَا دَعَانِ.. البقرة:186 أي إذا غادرَ شكلَ الدّعاء الفكريّ إلى الدّعاء الفطريّ.

***

الدّعاء سلاحُ المؤمن. به بدأَ هذا العصرُ الخمينيّ، وبه يواصلُ الإمامُ الخامنئيّ الزّحف، يَرْقُلُ بالأمّةِ من نصرٍ إلى فَتح.

بثقافةِ رجب وشعبان وشهر رمضان، ثقافةِ الدّعاءِ الحالِ والمَقال دَخَل النّاسُ في دين الله أفواجاً في خطِّ ولاية الفقيه، ومدرسةِ السّيّد القاضي القُدوة وسائرِ الفُقهاء العرفاء.

هذا الدّعاء ونهجُه هو الذي حقَّقَ حُلُمَ زوال «إسرائيلهم» التي اجتَثّتْ جذورَها المقاومةُ الإسلاميّةُ الدّاعيةُ المتهجّدة.

ليست مهمّةُ هذا السّلاح تحقيقُ التّوازن الاستراتيجيّ. مهمّةُ سلاح الدّعاء تحقيقُ التّفوّق الاستراتيجيّ.

اخبار مرتبطة

  أيُّها العزيز

أيُّها العزيز

  دوريات

دوريات

07/06/2013

دوريات

نفحات