كتاب شعائر 6 - القسم الأول

كتاب شعائر 6 - القسم الأول

منذ 0 ساعات

كتاب شعائر 6 - القسم الأول

مختصَر

«أعمال شهر رمضان»

الجزء الثالث من سلسلة (مناهل الرجاء) للشيخ حسين كوراني

 

 

 

إعداد: أسرة تحرير «شعائر»

 

 

إصدار المركز الإسلامي

بيروت - لبنان

 

 

 

تقديم

هذا الكتاب هو اختصارُ الجزء الثالث من سلسلة (مناهل الرجاء)، ويرجع السبب في عدم التوسّع في اختصار هذا الجزء -كما في سابقَيه- إلى كثرة الأعمال وكثرة النقاط العمليّة التي تمسّ الحاجة إليها في شهر الله تعالى الذي كان شَهرا رجب وشعبان تمهيداً له.

يُمكن اعتماد هذا المختصَر كبرنامجٍ عمليّ يوميّ طيلة الشهر الكريم وإلى يوم العيد.

سيجد القارئ أنه أمام منهجٍ في تقديم العبادات يراعي الأسس التالية:

1- محاولة استقصاء جميع الأعمال المروية عن المعصومين عليهم السلام.

2-  اعتماد عدد من أبرز أمّهات المصادر لكبار الفقهاء خصوصاً الشيخ المفيد، والشيخ الطوسي، والشهيدَين الأول والثاني..

3-  تظهير نصوص «سيّد العلماء المراقبين» السيد ابن طاوس قدّس سرّه، وإعطاؤها الأولوية في مقام بيان خصائص المراقبات، وبدرجة ثانية نصوص الفقيه العارف «المَلَكي التبريزي» صاحب كتاب (المراقبات).

4- التركيز على إبراز العناية بالسّند خصوصاً في نصوص السيد ابن طاوس للردّ العملي على شبهة لدى بعض المتأثّرين عن غير قصد بالغزو الثقافي الذين يحاربون بعض الأعمال العبادية المؤقّتة وغيرها، متذرّعين بمغالطة «السّند» ناسينَ أنّ الفقه التخصّصي «الجواهري» -بتعبير الإمام الخميني قدّس سرّه- أعمق بكثيرٍ من مجرّد دراسة «السّند» كما ثبت في محلّه.

أكتفي هنا بالإلفات إلى أنّ ضعف السّند لا ينتج إلا حُرمةَ نسبة هذا المتن إلى المعصوم، وعليه فلو أنّ شخصاً عمل بالمضمون برجاء الصدور، ولم يكن مضمون المتن منافياً للثوابت الشرعية فلا شُبهة في جواز هذا العمل، بل يحثّ عليه كبار الفقهاء.

***


كان لا بدّ من الإضاءة على المنهج المعتمَد لتكتمل مهمّة هذا الكتاب في إثبات أنّ من أظهرِ ما يحقّق حُسن الاقتداء بسيّد النبيّين صلّى الله عليه وآله، أن تكون حركة القلب والحياة لكلّ مؤمن مرتبطة بالأعمال العبادية المؤقّتة وغيرها. والله تعالى من وراء القصد.

حسين كوراني

لبنان- بيروت

26 شعبان 1434 هجرية


 

1
شهر رمضان

مراسم افتتاح الضيافة

* ضيافة الله

  * الشّياطين مغلولة

    * العتق من النّار

       * أدب الدّخول في ضيافة الرحمن

          * أعمال اللّيلة الأولى

            * الأدعية العامّة للّيالي

              * صلاة اللّيلة الأولى

               * اللّقمة الحلال

                 * الأعمال العامّة لليوم الأول

                    * الأعمال العامّة لكلّ يوم

                      * الأعمال الخاصة لكلّ يوم

                         * دعاء اليوم الأوّل

                           * أعمال كلّ ليلة

                              * تقديم الصلاة، أو الإفطار؟

                                * آداب الإفطار

                                   * ما بعـد الإفطار

                                      * دعاء الافتتاح

                                         * صلوات كـلّ ليـلة

                                            * ترجيح الأولى: الألـف ركعـة

    * صلاة اللّيلة الثانية

   * السّحور

            * نية الصوم

                        * أيَّ صوم نريد؟

 

       

ضيافةُ الله

ألحمدُ لله الذي بلَّغنا شهرَ الصيام والقيام، ونسأله سبحانه أن لا يجعل حظّنا منه الجوعَ والعطش. ما هكذا الظنُّ به ولا المعروفُ من فضله، وقد أُمرنا أن نُردّد في رجب «عادتُك الإحسانُ إلى المُسيئين». وفي شعبان: «إلهي لو أردتَ هواني لم تَهْدِني».

وها هي بركاتُ الشهر الكريم تتواصل، فترفع منسوب الأمل الواعد إلى أعلى مستوياته.

* ورد في خطبة رسول الله صلّى الله عليه وآله:

«أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ أَبْوَابَ الْجِنَانِ فِي هَذَا الشَّهْرِ مُفَتَّحَةٌ، فَاسْأَلُوا رَبَّكُمْ أَنْ لا يَغلقَهَا عَلَيكُم، وَأَبْوَابَ النِّيرَانِ مُغَلَّقَةٌ، فَاسْأَلُوا رَبَّكُمْ أَنْ لا يَفتَحَها عَلَيْكُمْ، وَالشَّيَاطِينَ مَغْلُولَةٌ، فَاسْأَلُوا رَبَّكُمْ أَنْ لا يُسَلِّطَهَا عَلَيْكُمْ».

وفي الروايات الحديثُ عن فتح أبواب السماء أو أبواب الجنان إذا أتبعَ المؤمنُ الصلاةَ على النبيّ بالصلاة على آله صلّى الله عليه وآله.[1]

كما ورد أنّ أبواب الجنان تفتَح كلّ يوم في أوقات الصلاة، وقد ورد في الرواية تحديدُ سبب الفتح بصعود الأعمال.[2]

وقال صدر المتألّهين رحمه الله تعالى:

«وإذا غُلّقت أبواب النيران فُتحت أبوابُ الجنان، بل هي على شكلِ البابِ الذي إذا فُتح على موضعٍ انسدَّ عن موضعٍ آخر، فعينُ غلْق أبواب إحداهما عينُ فتْح أبواب الأخرى».[3]

والشياطين مغلولة

قال السّيّد ابن طاوس عليه الرحمة: «إعلم أن الرواية وردتْ بذلك متظاهرة ومعانيها متواترة متناصرة، ونحن نذكر من طُرقنا إليه ألفاظ الشيخ محمد بن يعقوب (الكليني) فإنّ كُتبه كلّها معتمدٌ عليها، وقد روى عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام، قال: كان رسولُ الله صلّى الله عليه وآله يُقبل بوجهه الى الناس فيقول: يا معشرَ الناس، إذا طلع هلالُ شهر رمضان غُلَّت مَرَدَةُ الشياطين، وفُتحت [أبواب السماء و] أبواب الجنان وأبواب الرحمة، وغلِّقت أبواب النار، واستُجيب الدعاء، وكان لله فيه عند كلّ فطرٍ عتقاءُ يعتقُهم الله من النار، ومنادٍ ينادي كلّ ليلة: هل من سائل، هل من مستغفر، أللّهمّ أعطِ كلّ مُنفقٍ خلفاً، وأعطِ كلّ مُمسك تَلَفاً، حتّى إذا طلع هلالُ شوّال نُودي المؤمنون أنِ اغدوا الى جوائزكم فهو يوم الجائزة، ثمّ قال أبو جعفر عليه السلام: أما والذي نفسي بيده، ما هي بجائزة الدنانير والدراهم».

أضاف السّيّد: «ورأيتُ حديثَ خطبة النبي صلّى الله عليه وآله روايةَ أحمد بن محمّد بن عياش في كتاب الأغسال، بنسخةٍ تاريخُ كتابتها ربيع الآخر سنة سبع وعشرين وأربعمائة، يقول بأسناده إلى مولانا عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنّه قال: لمّا كان أولُ ليلة من شهر رمضان قام رسولُ الله صلّى الله عليه وآله، فحمدَ الله وأثنى عليه ثمّ قال: أيّها الناس، قد كَفاكُمُ اللهُ عدوَّكم من الجنّ والإنس، وَوعدَكم الإجابةَ وقال ادعوني أستجبْ لكم، ألا وقد وكّلَ اللهُ سبحانه وتعالى بكلّ شيطان مَريد سبعةً من الملائكة، فليس بمحلولٍ حتّى ينقضيَ شهرُ رمضان، ألا وأبواب السماء مفتّحة من أول ليلةٍ منه الى آخر ليلةٍ منه، ألا والدعاءُ فيه مقبول. حتّى إذا كان أولَ ليلة من العشر قام فحمدَ الله وأثنى عليه، وقال مثلَ ذلك، ثم قام وشَمَّر وشدَّ المئزرَ وبرز من بيتِه واعتكفَ وأحيا اللّيلَ كلّه، وكان يغتسلُ كلّ ليلةٍ منه بين العشاءَين».[4]

* وتسأل:

إذا كانت كلّ هذه الأمور موجودة في شهر الله تعالى خصوصاً أنّ الشياطين مغلولة، فلماذا نُذنب إذاً؟

وقد سأل أحدهم السّيّد ابن طاوس عليه الرحمة سؤالاً قريباً من هذا، فأجابه السّيّد عليه الرحمة بإجابات عدّة من جملتها قولُه: «إن العبد له قبل شهر رمضان ذنوبٌ قد سوّدَت قلبَه وعقلَه، وصارت حجاباً بينه وبين الله جلّ جلالُه، فلا يُستبعد أن تكون ذنوبه السالفة كافيةً في استمرار غفلته، فلا يؤثّر منعُ الشياطين عند الإنسان لعظيم مصيبتِه».[5]

خلاصة الجواب أنّ مَن ارتكبَ ذنوباً كثيرة قبل شهر رمضان المبارك، يبقى يرتكبُ المعاصي بزَخم الذنوب التي ارتكبَها. أللّهمّ أعنّا على أنفسنا.

أعمال اللّيلة الأولى

هذه اللّيلة الأولى هي افتتاح هذا الموسم الإلهي، موسم شهر رمضان المبارك، وبما أنّ كلّ التركيز على شهرَي رجب وشعبان من أجل شهر رمضان، وها قد أطلّ الشهر الكريم العظيم، فكيف نستقبلُه؟

المطلوب أولاً، أن نهتمّ باللّيلة الأولى قبل حلولها أو أول حلولها بالاستهلال فنكون جاهزين للاستهلال قبل غروب الشمس.

كان كلّ ما تقدّم من اهتمام بمراقبة النفس والعبادة، من أجل أن نرفع من مستوى تفاعلنا واستقبالنا لشهر الله تعالى.

للساعات الأولى من الضيافة -أيّ ضيافة- أهميّة خاصّة، قد تترك ظلالها على كلّ فترة الضيافة، وقد تتحكّم بالنتائج التي تحصل منها، ولا بدّ للقلب من التنبّه بامتياز لهذه الخصوصية، فيغتنم فرصة مستهلّ ضيافة الرحمن، ويأخذ بنصيبٍ وافرٍ من الدعاء، لا سيّما وأنّ أجواء شهر الله تعالى لم تلوَّث بعد بذنوبه ولا بذنوب غيره، وإن كان، فما تزال الأمور في بداياتها، وَلْيَحْذر القلب من أن يكون حالُه كحال مَن شارك في ضيافة، وعندما أزفت ساعة الدخول إلى رحاب صاحب الدعوة انشغلَ عنه بأمور هامشيّة، رغم أنّه يرى الجميع منصرفين إلى السلام عليه والحديث معه، والقيام بفروض التحية والاحترام.

العتق من النار!

أول ليلة من شهر رمضان جديرة بالاستعداد لها لاغتنام كلّ ما أمكن من لحظاتها.

فيها يعتقُ الله تعالى أعداداً كبيرة من الخَلْق. فهل نعمل بما يرفع من مستوى رجائنا أن تكون رقابنا من بين تلك الرقاب؟

عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا كانت أوَّل ليلةٍ من شهر رمضان غَفرَ اللهُ لِمَن شاء من الخَلق، فإذا كانت اللّيلة الّتي تليها ضاعفَهُم، فإذا كانت اللّيلة الّتي تليها ضاعف كلّ ما أَعتَق، حتّى إذا كانت آخر ليلة في شهر رمضان ضاعَفَ مثلما أعتَقَ في كلِّ ليلةٍ».[6]

وقد أورد الشيخ المفيد عليه الرحمة والرضوان، في (أمالي المفيد) ما يلي:

«إنَّ للهِ تعالى في آخرِ كلِّ يومٍ من شهر رمضان عند الإفطار ألف ألف عتيق من النّار، فإذا كانت ليلة الجمعة ويوم الجمعة أَعتَق في كلِّ ساعةٍ منهما ألف ألف عتيقٍ من النّار، وكلُّهم قد استَوجَبوا العذاب، فإذا كان في آخر [يومٍ من] شهر رمضان، أَعتقَ اللهُ في ذلك اليوم بِعددِ ما أعتَق من أوَّل الشّهر إلى آخره».[7]

عندما يهتمّ الإنسان بعتق رقبتِه من النار ويفتتح هذا الموسم الإلهي بطلب الرحمة، فإنّه يعبّر بذلك عن يَقَظةٍ وتنبُّهٍ خاصَّين، وعن خروجٍ من الغفلة، ويصبح أكثر استحقاقاً للرحمة الإلهيّة ويختلف حالُه جذرياً عمّن يمضي هذه اللّيلة غافلاً عن افتتاح الموسم الإلهي الكبير، موسم الضيافة الخاصّة والرحمة الأوسع، ورحمَ اللهُ مَن بذلَ قُصارى جهده في الدعاء لغيره -خصوصاً للمجاهدين بالنّصر وقضاء الحوائج- فإنّ في ذلك مظنّةً متميّزةً لقبوله وقضاء جميع حوائجه.

* أدبُ الدّخول إلى ضيافة الرّحمن

قال السيّد ابن طاوس عليه الرحمة: «ويكونُ على الجالسِ (في هذه الضّيافة) المُخالفِ لصاحب الرِّسالة، آثارُ الحياءِ والخَجالة، لأجل ما كان قد أَسلَف مِن سوءِ المعاملةِ لِمالِكِ الجلالة، وليَظهرْ عليه من حُسنِ الظّنّ والشُّكر للمالك الرّحيم الشّفيق كيف شرَّفَه بالإذن له في الدّخول والجلوس مع أهل الإقبال والتّوفيق إن شاء الله تعالى».[8]

 

أضاف السّيّد: «واعلَم أنّني لمّا رأيتُ أنّ شهرَ رمضان أوّل سنة السّعادات بالعبادات، وأنَّ فيه ليلةَ القدر الّتي فيها تدبيرُ أمور السّنة وإجابة الدَّعوات، اقتَضى ذلك أنِّي أوَدِّعُ السّنة الماضية وأستَقبلُ السّنة الآتية بصلاة الشُّكر كيف سَلَّمني من أخطارِ ذلك العام الماضي، وشرَّفَني بخِلَع التَّراضي، وأغناني عن التَّقاضي، وفرَّغني لاستقبال هذا العام الحاضر، ولم يَمنعني من الظَّفر بالسّعادة والعبادة فيه بمرضٍ ولا عَرَضٍ باطنٍ ولا ظاهرٍ. ".." ثمّ إنّني أُحْضِرُ هذا الكتاب، عملَ شهر الصِّيام، وأُقبِّله وأجعلُه على رأسي وعيني، وأضمُّه إلى صدري وقلبي، وأراه قد وَصَل إليَّ من مالِكِ أمري ليَفتح به عليَّ أبوابَ خَيري وبرِّي ونصري، وأتلقَّاه بِحَمدي وشُكري، وشُكرِ الرَّسول الّذي كان سبباً لصلاح أمري، كما اقتَضى حكمُ الإسلام تعظيمَ المشاعر في البيت الحرام وتقبيلَها بفَم الاحترام والإكرام. ".." ثمّ إنَّني أبدأُ بالفعل، فاسألُ اللهَ جلَّ جلالُه العفوَ عمّا جرى من ظلمي له وحَيْفي عليه، وكلّما هوَّنْتُ به من تطهير القلب وإصلاحه لِنَظر اللهِ جلَّ جلالُه إليه، والعفوَ عن كلّ جارحةٍ أهمَلتْ شيئاً من مهمَّاتها وعباداتها، والاجتهاد في التَّوبة النّصوح من جناياتها، والصّدقة عن كلّ جارحة بما تَهَيَّأ من الصَّدقات، لقول الله جلَّ جلاله: ﴿..إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ..هود:114. أتصدَّقُ عن أيّام السّنة المستقبلة عن كلِّ يومٍ وليلة برغيفٍ، لأجل ما رويناه من فضل الصَّدقة وفائدته».[9]

* الدعاء عند رؤية الهلال

أوّل ما ينبغي أن نستقبلَ به هذه اللّيلة المباركة عند رؤية الهلال المبارك هو الدعاء. عن الإمام الباقر عليه السلام: «كان رسولُ الله صلّى الله عليه وآله، إذا أهلّ هلالُ شهر رمضان استقبلَ القبلةَ ورفع يدَيه فقال:

«أللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنا بِالأمْنِ وَالإيْمانِ، وَالسَّلامَةِ وَالإسْلامِ، وَالعافِيَةِ المُجَلَّلَةِ، والرِّزقِ الواسِعِ ودَفْعِ الأسْقامِ، أللَّهمَّ ارْزُقنا صِيامَهُ وقِيامَهُ وَتِلاوَةَ القُرْآنِ فيه، أللَّهُمَّ سَلِّمْهُ لنا وتَسَلَّمْهُ منَّا وسلِّمْنا فيه».[10]

 

* وفي رواية ثانية:

«أللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنا بِالأمْنِ وَالإيْمانِ، وَالسَّلامَةِ وَالإسْلامِ، وَالعافِيَةِ المُجَلَّلَةِ، والرِّزقِ الواسِعِ، ودَفْعِ الأسْقامِ، وَالعَوْنِ عَلى الصَّلاةِ وَالصِّيامِ وَالقِيامِ وَتِلاوَةِ القُرْآنِ، أللَّهُمَّ سَلِّمْنا لِشَهْرِ رَمَضانَ وَتَسَلَّمْهُ مِنَّا وَسَلِّمْنا فِيْهِ حَتَّى يَنْقَضِي عَنَّا شَهْرُ رَمَضانَ وَقَدْ عَفَوْتَ عَنَّا وَغَفَرْتَ لَنا وَرَحِمْتَنا».[11]

* عن الإمام الصّادق عليه السلام: «كان عليٌّ عليه السلام، إذا كان بالكوفة يخرجُ والنَّاس معه يَتَراءى هلالَ شهر رمضان (أي ليستهلّ)، فإذا رآه قال: أللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنا بِالأمْنِ وَالإيْمانِ، وَالسَّلامَةِ وَالإسْلامِ، وصحَّةٍ من السّقمِ، وفراغٍ لِطاعتِكَ من الشّغلِ، واكفِنا بالقَليلِ من النَّوم، يا رحيمُ».[12]

* الغُسـل: علاج الحَكّة

من مستحبّات اللّيلة الأولى من شهر رمضان المبارك، الغُسل، فقد ورد عن الإمام الصّادق عليه السلام: «يستَحبّ الغُسل في أوّل ليلة من شهر رمضان وليلةَ النّصف منه». وتحدّد روايةٌ وقتَ هذا الغسل «أوّلِّ اللّيل»، وفي رواية ثانية أنّه «بين صلاة المغرب والعشاء»، ولكنّ السّيّد ابن طاوس اختار أنّ وقته «قبل العشاء».

كما تتضمّن رواية ثالثة فائدة هامّة لهذا الغسل في أوّل ليلة من شهر رمضان، وهي أنّ مَن يصاب عادةً بالحكّة في جسدِه فباستطاعته أن يداوي هذه الحكّة بهذا الغسل المستحبّ.

عن الإمام الصّادق عليه السلام: «مَن أَحَبَّ أنْ لا يكون به الحكّة، فليَغتسل أوّل ليلةٍ من شهر رمضان، فإنَّه مَن اغتَسَل في أوَّلِ ليلةٍ منه لا يُصيبُه حكّةٌ إلى شهرِ رمضان مِن قابل».[13]

وفي رواية أخرى طريقةٌ خاصّة للغسل في هذه اللّيلة:

عن الإمام الصادق عليه السلام: «مَن اغتَسل أوَّل ليلةٍ من شهر رمضان في نهرٍ جارٍ، ويصبُّ على رأسه ثلاثين كفّاً من الماء، طَهُر إلى شهر رمضان من قابل».[14]

* صلاةُ الشكر

عن الإمام الصّادق عليه السلام: «إذا أنعمَ اللهُ عزَّ وجلَّ عليك بنعمةٍ فصلِّ ركعتَين، تقرأ في الأولى بـ (فاتحة الكتاب) و(قل هو الله أحد)، وتقرأ في الثّانية بـ (فاتحة الكتاب) و(قل يا أيّها الكافرون)، وتقول في الرَّكعة الأولى في رُكوعك وسُجودك: ألحمدُ لله، شكراً شكراً وحمداً، وتقول في الرّكعة الثّانية في ركوعك وسجودك: ألحمدُ للهِ الّذي استجابَ دُعائي وأعطاني مسألتي».[15]

والنيّةُ التي تنبغي في هذه الصلاة في بداية شهر رمضان، كما تقدّم في كلام السيّد، شكرُ الله تعالى على نعمة السلامة من أخطار السنة الماضية، ونعمة التوفيق للدّخول في هذه السنة الجديدة، والإذن بالمشاركة في ضيافته سبحانه، والتوفيق للصيام.

* فاستَقبل الشهرَ بالقرآن

ينبغي للمؤمن أن يُعطي الأولوية المطلقة بدءاً من أوّل هذه اللّيلة، لقراءة القرآن الكريم، وذِكر الله تعالى وخاصّة الاستغفار، اللّذَين ورد الحثّ عليهما بعناية خاصّة في جميع أوقات شهر الله تعالى.

عن الإمام الصّادق عليه السلام: «إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ: فَغُرَّةُ الشهور شهرُ الله، وهو شهرُ رمضان، وقلبُ شهرِ رمضان ليلةُ القدر ".." فاستقبلِ الشّهرَ بالقرآن».[16]

* كَثرةُ الاستغفار والدّعاء

وعنه عليه السلام: «قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: عليكم في شهر رمضان بكَثرة الاستغفار والدّعاء، فأمّا الدّعاء فيُدفَع به عنكم البلاء، وأمّا الاستغفار فيمحو ذنوبَكم».[17]

* زيارة سيّد الشّهداء عليه السلام

وقد ورد في أعمال هذه اللّيلة التأكيد على زيارة سيد الشهداء عليه السلام.

عن الإمام الصادق عليه السلام: «أنَّه سُئل عن زيارة أبي عبد الله عليه السلام، فقيل: هل في ذلك وقتٌ هو أفضلُ من وقتٍ؟ فقال: زُوروه صلَّى الله عليه في كلّ وقتٍ وفي كلّ حينٍ، فإنَّ زيارتّه عليه السلام خيرُ موضوع، فمَن أكثرَ منها فقد استَكثَرَ من الخَير ومَن قَلَّلَ قُلِّل له، وتَحَرُّوا بزيارتِكم الأوقات الشّريفة، فإنَّ الأعمالَ الصالحة فيها مُضاعَفةٌ، وهي أوقاتُ مَهبطِ الملائكةِ لِزيارته.

قال (الراوي): فسُئِل عن زيارته في شهر رمضان؟ فقال: مَن جاءَه عليه السلام خاشِعاً محتسباً مُستقيلاً مُستغفراً، فشَهدَ قبرَه في إحدى ثلاث ليالٍ من شهر رمضان: أوَّل ليلةٍ من الشّهر، أو ليلة النّصف، أو آخر ليلةٍ منه، تَساقَطت عنه ذنوبُه وخطاياهُ الّتي اجتَرَحَها، كما يَتساقطُ هشيمُ الوَرَق بالرِّيح العاصِف، حتَّى أنَّه يكون من ذنوبِه كَهيئة يوم وَلدَتْه أمُّه، وكانَ له مع ذلك مِن الأجرِ مثلُ أجرِ مَن حجَّ في عامِه ذلك واعتَمَر، ويُناديه مَلَكان يَسمع نداءَهما كلُّ ذي رُوحٍ إلّا الثّقلين من الجنِّ والإِنس، يقول أحدُهُما: يا عبدَ اللهِ طَهُرْتَ فاستأنِفِ العمل، ويقولُ الآخَر: يا عبدَ اللهِ، أحسَنْتَ فأبْشِر بمغفرةٍ من الله وفضلٍ».[18]

والمُراد في الرواية هو الزيارة من قُرب، أي أن يذهب الزائر إلى كربلاء، ويتشرّف بزيارة الإمام عليه السلام، إلّا أنّ الزيارة من بُعد أيضاً ذات فضل كبير، فينبغي أن لا تُترك خصوصاً مع تمنّي الزيارة وعدم التمكّن منها.

* أوّل كلّ شهر؟

أوّلُ كلّ شهر هو عندَ رؤية هلاله. قال السيّدُ ابن طاوس عليه الرحمة: «ورأيتُ في كتابٍ صغيرٍ عندنا أوّلُه مسألة للمفيد محمّد بن محمّد بن النعمان في عصمة الأنبياء عليهم السلام، أنّه سُئل عن أوّل الشهر أهو اللّيل أم النهار، فقال: أوّلُه اللّيل».[19]

أدعية اللّيلة الأولى

أدعية اللّيلة الأولى من شهر رمضان كثيرة جدّاً، وردت في (الكافي) و(البحار) و(الوسائل)، وغيرها، وقد استقصاها السّيّد ابن طاوس عليه الرحمة والرضوان في (إقبال الأعمال)[20]، ومَن لم يتيسّر له الرجوع إليه فيُمكنه الرجوع إلى (مفاتيح الجنان)، فقد أورد المحدّث القمّي شطراً منها ضمن القائمة الوافية التي أوردَها لأعمال اللّيلة.

وحيث لا يتّسع المقام لإيرادها، فسأذكر بعضها.

1- دعاء الإمام السجّاد خ عند دخول شهر رمضان، وهو الدعاء الرابع والأربعون من أدعية الصحيفة السجّادية.

2- قال السّيّد ابن طاوس عليه الرحمة: «ورويتُ هذا الدعاء بعدّة طُرق، وإنّما ذُكر هَهنا لفظُ ابن بابويه من كتاب (مَن لا يحضره الفقيه)، فقال ما هذا لفظه:

ورُوي عن العبد الصّالح موسى بن جعفر عليهما السلام فقال: اُدْعُ بهذا الدُّعاء في شَهر رَمَضان مستقبَلَ دخولِ السَّنة، وذكر أنَّ مَن دعا به مُخلصاً مُحتسباً لم يُصبْه في تلك السّنة فتنةٌ ولا آفةٌ في دِينِه ودُنياه وبَدَنِه، ووَقاه اللهُ شرَّ ما يأتي به في تلك السّنة:

أللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي دانَ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ، وَبِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيءٍ، وَبِعِزَّتِكَ الَّتِي قَهَرْتَ بِها كُلَّ شَيءٍ، وَبِعَظَمَتِكَ الَّتِي تَواضَعَ لَها كُلُّ شَيْءٍ، وَبِقُوَّتِكَ الَّتِي خَضَعَ لَها كُلُّ شَيءٍ، وَبِجَبَرُوتِكَ الَّتِي غَلَبَتْ كُلَّ شَيءٍ، وَبِعِلْمِكَ الَّذِي أَحاطَ بِكُلِّ شَيءٍ، يا نُورُ يا قُدُّوسُ، يا أَوَّلُ قَبْلَ كُلِّ شَيءٍ، وَيا باقِياً بَعْدَ كُلِّ شَيءٍ، يا اللهُ يا رَحْمنُ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تُغَيِّرُ النِّعَمَ، وَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تُنْزِلُ النِّقَمَ، وَاغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتِي تَقْطَعُ الرَّجاءَ، وَاغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتِي تُدِيلُ الأَعْداءَ، وَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تَرُدُّ الدُّعاءَ، وَاغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتِي تُنْزِلُ البَلاء، وَاغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتِي تَحْبِسُ غَيْثَ السَّماء، وَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تَكْشِفُ الغِطاء، وَاغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتِي تُعَجِّلُ الفَناء، وَاغْفِر لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تُورِثُ النَّدَمَ، وَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تَهْتِكُ العِصَمَ، وَأَلْبِسْنِي دِرْعَكَ الحَصِينَةَ الَّتِي لا تُرامُ، وَعافِنِي مِنْ شَرِّ ما أخافُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ فِي مُسْتَقْبَلِ سَنَتِي هذِه.

أللَّهُمَّ رَبَّ السَّماواتِ السَّبْعِ، وَرَبَّ الأَرضِينَ السَّبْعِ وَما فِيهِنَّ وَما بَيْنَهُنَّ وَرَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ، وَرَبَّ السَّبْعِ المَثانِي وَالقُرْآنِ العَظِيمِ، وَرَبَّ إِسْرافِيلَ وَمِيكائِيلَ وَجَبْرائِيلَ، ورَبَّ مُحَمَّدٍ خاتَمِ النَّبِيِّينَ وسَيِّدِ المُرْسَلِينَ، أَسْأَلُكَ بِكَ وَبِما تسَمَّيْتَ بِهِ، يا عَظِيمُ أَنتَ الَّذِي تَمُنُّ بِالعَظِيمِ، وَتَدْفَعُ كُلَّ مَحْذُورٍ، وَتُعْطِي كُلَّ جَزِيلٍ، وَتُضاعِفُ من الحَسناتِ الكثيرَ بِالقَلِيلِ، وَتَفْعَلُ ما تَشاءُ.

يا قَدِيرُ يا اللهُ يا رَحْمنُ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحمَّدٍ، وَأَلْبِسْنِي فِي مُسْتَقْبَلِ سَنَتِي هذِهِ سِتْرَكَ، وَأضِئ وَجْهِي بِنُورِكَ، وَأَحِبَّنِي بِمَحَبَّتِكَ، وَبَلِّغْ بي رِضْوانَكَ وَشَرِيفَ كَرائِمِك وجزيلَ عطائِكَ، مِنْ خَيْرِ ما عِنْدَكَ وَمِنْ خَيْرِ ما أَنْتَ مُعْطِيهِ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ سِوى مَن لا يعدِلهُ عندَكَ أحَدٌ في الدُّنيا والآخِرَةِ، وَأَلْبِسْنِي مَعَ ذلِكَ عافِيَتَكَ.

يا مَوْضِعَ كُلِّ شَكْوى، وَيا شاهِدَ كُلِّ نَجْوى، وَيا عالِمَ كُلِّ خَفِيَّةٍ، وَيا دافِعَ ما تَشاءُ مِنْ بَلِيَّةٍ، يا كَرِيمَ العَفْوِ، يا حَسَنَ التَّجاوُزِ، تَوَفَّنِي عَلى مِلَّةِ إِبْراهِيمَ وَفِطْرَتِهِ، وَعَلى دِينِ مُحَمَّدٍ صَلّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسُنَّتِهِ، وَعَلى خَيْرِ الوَفاةِ فَتَوَفَّنِي مُوالِياً لأوْلِيائِكَ، وَمُعادِياً لأعْدائِكَ.

أللَّهُمَّ وَامْنَعْني [فِي هذِهِ السَّنَةِ] من كُلِّ عَمَلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ يُباعِدُنِي مِنْكَ، وَاجْلِبْنِي إِلى كُلِّ عَمَلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ يُقَرِّبُنِي مِنْكَ فِي هذِهِ السَّنَةِ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَامْنَعْنِي مِنْ كُلِّ عَمَلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ يَكُونُ مِنِّي أَخافُ سوءَ عاقِبَتِهِ، وَأَخافُ مَقْتَكَ إِيَّايَ عَلَيْهِ، حذارِ أَنْ تَصْرِفَ وَجْهَكَ الكَرِيمَ عَنِّي فَأَسْتَوْجِبَ بِهِ نَقْصاً مِنْ حَظٍّ لِي عِنْدَكَ، يا رَؤُوفُ يا رَحِيمُ.

أللَّهُمَّ اجْعَلْنِي فِي مُسْتَقْبَلِ هذِهِ السَّنّة فِي حِفْظِكَ وَفِي جِوارِكَ وَفِي كَنَفِكَ، وَجَلِّلْنِي عافِيَتَكَ، وَهَبْ لِي كَرامَتَكَ، عَزَّ جارُكَ، وَجَلَّ ثَناؤُكَ، وَلا إِلهَ غَيْرُكَ. أللَّهُمَّ اجْعَلْنِي تابِعاً لِصالِحِي مَنْ مَضى مِنْ أَوْلِيائِكَ، وَأَلْحِقْنِي بِهِمْ، وَاجْعَلْنِي مُسَلِّما لِمَنْ قالَ بِالصِّدْقِ عَلَيْكَ مِنْهُمْ، وأَعُوذُ بِكَ يا إلهي أَنْ تُحِيطَ بِي خَطِيئَتِي وَظُلْمِي وَإِسْرافِي عَلى نَفْسِي وَاتِّباعِي لِهَوايَ وَاشْتِغالِي بِشَهَواتِي فَيَحُولَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَحْمَتِكَ وَرِضْوانِكَ، فَأَكُونَ مَنْسِيّاً عِنْدَكَ، مُتَعَرِّضاً لِسَخَطِكَ وَنقْمَتِكَ.

أللَّهُمَّ وَفِّقْنِي لِكُلِّ عَمَلٍ صالِحٍ تَرْضى بِهِ عَنِّي، وَقَرِّبْنِي إِلَيْكَ زُلْفى. أللَّهُمَّ كَما كَفَيْتَ نَبِيَّكَ مُحَمَّداً صلواتكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ هَوْلَ عَدُوِّهِ، وَفَرَّجْتَ هَمَّهُ، وَكَشَفْتَ كَرْبَه، وَصَدَقْتَهُ وَعْدَكَ، وَأَنْجَزْتَ لَهُ عَهْدَكَ، أللَّهُمَّ فَبِذلِكَ فَاكْفِنِي هَوْلَ هذِهِ السَّنَةِ وَآفاتِها وأَسْقامَها وَفِتَنَها وَشُرُورَها وَأَحْزانَها وَضِيقَ المَعاشِ فِيها، وَبَلِّغْنِي بِرَحْمَتِكَ كَمالَ العافِيَةِ بِتَمامِ دَوامِ النِّعْمَةِ عِنْدِي إِلى مُنْتَهى أَجَلِي.

أَسْأَلُكَ سُؤالَ مَنْ أَساءَ وَظَلَمَ وَاسْتَكانَ وَاعْتَرَفَ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تَغْفِرَ لِي ما مَضى مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي حَصَرَتْها حَفَظَتُكَ وَأَحْصَاها كِرامُ مَلائِكَتكَ عَلَيَّ، وَأَنْ تَعْصِمَنِي اللَّهمَّ مِنَ الذُّنُوبِ فِي ما بَقِيَ مِنْ عُمْرِي إِلى مُنْتَهى أَجَلِي، يا اللهُ يا رَحْمنُ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ وَآتِنِي كُلَّ ما سَأَلْتُكَ وَرَغِبْتُ فِيْهِ إِلَيْكَ، فَإِنَّكَ أَمَرْتَنِي بِالدُّعاءِ وَتَكَفَّلْتَ بِالإجابَةِ، يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ».[21]

- وقال السّيّد أيضاً:

«دعاءٌ آخر وجدناه في كتابٍ ذُكر أنّه بخطّ الرضيّ الموسويّ رحمه الله، فيه أدعية، يقول فيه: ويقول عند دخول شهر رمضان: أللَّهمَّ إنَّ هذا شهرُ رمضان الّذي أنزَلْتَ فيه القُرآنَ، هدًى لِلنّاسِ وبَيِّناتٍ مِن الهُدى والفُرْقانِ قد حَضَر. يا ربِّ أَعوذُ بكَ فيه مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ، ومِن مَكْرِهِ وحِيَلِه، وخِداعِهِ وحَبائلِه، وجُنودِهِ وخَيْلِه، ورَجِله ووَساوِسِهِ، ومِن الضَّلالِ بعدَ الهُدَى، ومِن الكُفرِ بعدَ الإيمانِ، ومِن النِّفاقِ والرِّياءِ والجِناياتِ، ومِن شَرِّ الوَسْواسِ الخَنَّاسِ، الّذي يُوَسوِسُ في صُدورِ النّاسِ، مِن الجِنَّةِ والنَّاس. أللَّهمَّ وارْزُقْني صِيامَهُ وقِيامَهُ، والعملَ فيه بِطاعَتِكَ، وطاعةِ رَسُولِكَ وأُولِي الأمرِ عَليهِ وعَليهِم السَّلام، وما قرَّبَ منكَ، وجَنِّبْنِي مَعاصِيكَ، وارْزُقْني فيهِ التَّوبَةَ والإنَابَةَ والإجابَةَ، وأَعِذْني فيهِ مِن الغِيبةِ والكَسَلِ والفَشَلِ، واسْتَجِبْ لي فيهِ الدُّعاءَ، وأَصِحَّ لي فيه جِسمي وعقلي، وفَرِّغْني فيهِ لِطاعَتِكَ وما قرَّب منكَ، يا كَريمُ يا جَوادُ يا كريمُ، صَلِّ على مُحمَّدٍ وعلى أهلِ بيتِ مُحمَّدٍ عليه وعليهم السَّلامُ، وكذلكَ فافْعَلْ بِنا يا أرْحَمَ الرَّاحِمينَ».[22]

4- دعاءُ الجوشن الكبير. ورد الحثّ الشّديد على قراءته في هذه اللّيلة، والثواب الذي يُعطاه قارئه عظيم، وختام هذا الثواب أنّ مَن دعا بهذا الدعاء يُنادى: «اُدخل الجَنّةَ بغيرِ حساب».[23]

 * الأدعية العامة للّيالي

ينبغي التنبّه إلى أنّ ما تقدّم كان حول الأدعية الخاصّة باللّيلة الأولى، وهناك أدعية تقرَأ في كلّ ليلة بما يشمل اللّيلة الأولى، وأشهرُها «دعاء الافتتاح»، وينبغي البدء بأدعية اللّيالي، العامّة في اللّيلة الأولى فليُلاحظ.

ومن الأدعية العامّة في كلّ ليلة، هذا الدعاء:

«أللَّهُمَّ رَبَّ شَهْرِ رَمَضَانَ الَّذِي أنْزَلْتَ فِيهِ القُرْآنَ، وافْتَرَضْتَ عَلى عِبَادِكَ فِيهِ الصِّيامَ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وارْزُقْنِي حَجَّ بَيْتِكَ الحَرامِ فِي عَامِي هَذا وفِي كُلِّ عَامٍ، واغْفِرْ لِي تِلْكَ الذُّنُوبَ العِظَامَ، فَإنَّهُ لا يَغْفِرُهَا غَيْرُكَ يَا رَحْمَنُ يا عَلاَّمُ».

وقد وردَ في ثوابه: «مَن قال هذا الدّعاء في كلّ ليلة من شهر رمضان، غُفرت له ذنوب أربعين سنة».[24]

* صلاة اللّيلة الأولى

ينطبق هذا العنوان على أربع صلوات:

الأولى: قال السيّد في (الإقبال): «محمّد بن أبي قرّة في عمل أوّل يوم من شهر رمضان، عن العالم صلوات الله عليه، قال: مَن صلَّى عند دخول شهر رمضان بِركعتَين تَطوُّعاً، قرأ في أولهما (أمّ الكتاب) و(إنّا فتحنا لك فتحاً مبيناً)، والأخرى ما أحبَّ، رفع اللهُ عنه السُّوءَ في سَنَتِه ولم يزل في حِرز الله إلى مثلها من قابل».[25]

ومن الواضح أنّ تعبير «عند دخول شهر رمضان» هو من الرّواية، ويتحقّق ذلك بحلول أوّلِ ليلةٍ منه كما تقدّم عن الشيخ المفيد، وليس في الرواية أنّ الصلاة من «عمل أوّلِ يوم».

الثّانية: مرويّة عن الإمام الصّادق خ، وهي أطوَل بكثير، وهي عبارة عن ركعتَين، يقرأ في كلِّ ركعةٍ (الحمد) مرّة وسورة (الأنعام). وقد وَرَد في ثوابها: «كفاهُ اللهُ تعالى ما يَخافهُ من ذلك الشّهر ووَقاه من المخاوف والأسقام».[26]

وليست هذه الصلاة خاصّة باللّيلة الأولى من شهر رمضان، بل تُصلّى في أوّل ليلة من كلّ شهر.

الثالثة: خاصّة بهذه اللّيلة، وهي مرويّة عن أمير المؤمنين خ في حديثٍ طويل يذكرُ صلاة كلّ ليلة من ليالي شهر رمضان، وقد ورد فيه:

«مَنْ صلَّى في أوَّلِ ليلةٍ من شهر رمضان أربع ركعات، يقرأُ في كلِّ ركعةٍ (الحمد) مرّة، وخمس عشرة مرة (قُل هو اللهُ أحد)، أعطاهُ اللهُ ثوابَ الصِّدّيقين والشُّهداء، وغَفَر له جميع ذنوبه، وكانَ يومَ القيامةِ مِن الفائزين».[27]

الرابعة: وهي صلاةٌ تقعُ ضمن ترتيبٍ معيّن لصلوات شهر رمضان المبارك، وحصّة هذه اللّيلة من هذا الترتيب هي عشرون ركعة، ثماني ركعات منها بعد المغرب، واثنتا عشرة ركعة بعد العشاء (كلّ ركعتَين بتسليمة) يقرأ في كلّ ركعة (الحمد) مرّة، و(قل هو الله أحد) مرّة، أو ثلاث مرّات، أو خمس مرّات، أو سبع مرّات، أو عشر مرّات، يختار المُصلّي العددَ الذي يناسبُه.

ويأتي الحديث عنها بالتفصيل إنْ شاء الله تعالى.

اللّقمة الحلال

وفي طليعة أولويات الاهتمام بشهر رمضان، التدقيق في المَكسب والدَّخل المالي عموماً، حذراً من أن يكتشف الصائم متأخّراً أنّه كان في ضيافة الله تعالى كاللّصّ الذي يُشارك في ضيافة مَن سرق منه، وهو يلبس الثياب التي كانت من جملة ما سرق.

إنّ عدم التدقيق في الدَّخل المالي وسائر الممتلكات قد يجعل الصائم أيضاً يأكل طعاماً مختلطاً بالحرام الذي سُرق من الفقراء والمحتاجين!

من هنا كان التفكير باللّقمة الحلال التي ترافق الصوم من أوّله إلى آخره، بالغَ الأهمية.

نبّهَ على ذلك سيّدُ العلماء المراقبين السيّد ابن طاوس عليه الرحمة، وخلاصة ما يظهر من كلامه قدّس سرّه، أنّ على الصائم أن يهتمّ بلقمته الحلال في شهر رمضان المبارك، وقد يُظنّ أنّ هذه المسألة عاديّة جدّاً ومفروغٌ منها، إلا أنّ الحقيقة أنّه ليس من السهل أن يعرف المرء أنّ هذه اللّقمة حلالٌ أو ليست حلالاً، لكثرة الحكّام الظَّلَمة الذين تعاقبوا واغتصبوا أموالَ الناس، ممّا أدّى إلى ضياع كثيرٍ من الحقوق وهَدْرِها، وطَمْسِ معالم إعادة الأمور إلى نصابها.

لذلك، فينبغي أن يبذلَ الصائمُ الجهدَ في هذا المجال، ويوليه عناية خاصّة، ويتعامل مع ما يملك كما أُمرنا أن نتعامل مع المال الذي نعلم أنّه من مصدرٍ حرام، ولكن لا يُمكننا إرجاع الحقّ إلى أهلِه لعدم معرفتهم. يقتضي الاحتياط في هذه الحال تخميسَ المال مرّتين. وبناءً على ذلك فينبغي لمَن يريد أن يصوم حقيقةً -حتّى إذا كان مطمئناً الاطمئنان العادي إلى لقمته الحلال- أن يستظْهِر بتخميس كلّ ما يتقلّب فيه، أي يحتاط الصائم فيخمّس كلّ ما يستعمله في شهر رمضان المبارك مرّة ثانية، غير الخُمس العادي الذي يفترَض أنّه قد أدّاه، والسبب في هذا الاحتياط هو أنّه في ضيافة الرحمن، وفي أفضل الشهور، وهو يريد أن يوفَّق للتوبة النصوح، و أن يقبلَه الله عزّ وجلّ، ولذلك فهو يبذلُ قُصارى جهده من أجل أن يطمئنَّ إلى أنّه يتقلّبُ في حلال.

ومن الواضح أنّ هذا ليس واجباً، فالواجب هو إخراج الخُمس مرّة واحدة، إلا أنه مستوى متقدّم من الاحتياط في الوصول إلى الاطمئنان باللّقمة الحلال.

والفائدة العملية في هذا المجال أن يتأمّل كلٌّ منّا في ما حوله وفي ما يتقلّب فيه، هل يوجد شيء لم يخمّسه، هل يوجَد شيء فيه شُبهة، فيخرج من العُهدة فيه بالطُّرق الشرعية المقرّرة.

وبديهيٌّ أنّ من لم يخمّس أصلاً تكون فائدته العملية ممّا تقدّم كبيرة جدّاً، حيث إنّه أمامَ كلامٍ عن خُمسٍ آخر بعد الخُمس الأوّل، فما هو إذاً حال مَن لم يخمّس أبداً؟!

على كلّ مسلمٍ أن يسأل نفسه، كيف يصوم ويطلب من الله عزّ وجلّ أن يتقبّله وهو يتقلّب في الحرام.

ويؤكّد السيّد ابن طاوس كثيراً على مسألة اللّقمة الحلال بشكل خاصّ، وينقل الرواية التالية:

«قال الراوي: قلتُ للإمام الهادي خ: روَينا عن آبائك أنّه يأتي على الناس زمانٌ لا يكون شيءٌ أعزّ من أخٍ أنيس، أو كسبِ درهمٍ من حلال، فقال: يا أبا محمّد، إنّ العزيز موجود، ولكنّك في زمانٍ ليس فيه شيءٌ أعسرُ من درهمٍ حلال، أو أخٍِ في الله عزّ وجلّ».[28]

وتبيّن الرواية مدى الجُهد الذي يجب أن يبذَل للاطمئنان إلى اللقمة الحلال.

الأعمال العامّة لليوم الأوّل

هناك مستحبّات عامّة لليوم الأوّل من كلّ شهر، ومستحباتٌ خاصّة باليوم الأوّل من شهر رمضان.

* من القسم الأوّل، أي الأعمال العامّة لكلّ أوّل شهر، أذكر ما يلي:

1- قراءة سورة (الحمد) سبع مرّات، وذلك نافعٌ لوجع العين.[29]

2- كما ورد أنّه يستحبّ في اليوم الأوّل من كلّ شهر أكلُ شيءٍ من الجِبن، وأنّ له فوائد هامّة.[30]

وبعد أن أورد السّيّد هذه الرواية في كتابه (الدروع الواقية)، قال:

«فإيّاكَ أن تستبعدَ مثل هذه الآثار، وقد رواها هارون بن موسى وهو من الأخيار، وكم لله جلّ جلاله في بلاده وعباده من الأسرار، ما لم يُطْلع عليه إلّا مَن شاء من رُسله وخواصّه الأطهار. فيجبُ التسليمُ والرضا والقبول، ممّن شهدتْ بوجوب تصديقه العقولُ».[31]

ومن المهمّ التأمّل في طريقة تعامل العلماء مع الأمور المستغرَبة، التزاماً منهم بالمنهج العقلي السليم الذي لا يعتبر الاستغراب دليلاً، ويدقّق في السنَد ويلتزم بما ورد عن المعصوم. ولا يهمّ بعد ذلك ماذا تقول «روح العصر»!

3- الغُسل

وقد ورد الحثّ عليه بطريقتَين:

الغسل في ماءٍ جارٍ، ومَن لم يتمكّن من ذلك فليَغتسل كما يمكنه، ويصبّ على رأسه ثلاثين كفّاً من الماء، فإنّ ذلك يُورث الأمن من جميع الآلام والأسقام في تلك السَّنَة.

4- ضربُ الوجه بكفٍّ من ماء الورد لينجوَ من المذلَّة والفقر، وأن يصبَّ شيئاً منه على رأسه ليأمنَ من البرسام، وهو نوعٌ من الورم في الدماغ ينتجُ عنه الأرَق و نوعٌ من الجنون.

حول ما تقدّم قال السّيّد ابن طاوس رحمه الله تعالى:

«عن جعفر بن محمّد -الإمام الصّادق- عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين صلوات الله عليهم أنَّه قال: مَنِ اغتَسل أوّل يوم من السّنة، في ماءٍ جارٍ، وصَبَّ على رأسه ثلاثين غَرفة، كان دواءً لِسَنَتِه. وإنّ أوّلَ كلّ سنة أوّل يوم من شهر رمضان.

وعنه عليه السلام: أنَّ مَن ضَربَ وجهَه بِكَفِّ ماء ورد أَمِنَ ذلك اليوم من المذلَّة والفقر، ومَن وَضَعَ على رأسه من ماءِ ورد، أَمِنَ تلك السّنة من البِرسام،[32] فلا تَدَعُوا ما نُوصيكُم به».[33]

جواب شبهة الاستغراب: ثواب الحَسَنة الواحدة الخالد، أعظم!

علّقَ السيّد ابن طاوس على ما تقدّم بقوله: «لعلّ خاطرَ بعض مَن يقفُ على هذه الرواية يستبعدُ ما تضمّنَته من العناية، ويقول: كيف يقتضي ثلاثون غَرفة من الماء استمرار العافية طولَ سنتِه وزوالَ أخطار الأدواء؟ فاعلم أنّ كلّ مسلمٍ فإنّه يعتقدُ أنّ الله جلّ جلاله يُعطي على الحسنة الواحدة في دار البقاء، من الخلود ودوام العافية وكمال النّعماء، ما يحتمل أن يقدّم لهذا العبد المُغتَسل في دار الفناء بعضَ ذلك العطاء، وهو ما ذُكر من العافية والشفاء».[34]

5- صلاة أوّل كلّ شهر

قال السّيّد ابن طاوس عليه الرّحمة: «كان أبو جعفر محمّد (الجواد) بن عليّ (الرّضا) عليهما السلام، إذا دَخلَ شهرٌ جديدٌ يُصلِّي أوّل يومٍ منه ركعتَين، يقرأ في أوّل ركعة (قل هو الله أحد) ثلاثين مرّة بِعَدد أيّام الشّهر، وفي الرّكعة الثّانية (إنّا أنزلناه في ليلة القدر) مثل ذلك، ويتَصَدَّق بما يتَسَهَّل، فيشتري به سلامة ذلك الشّهر كلّه. ووجدتُ هذا الحديث مرويّاً أيضاً عن مولانا جعفر بن محمّد الصّادق ج ".." ورأيتُ في غيرِ هذه الرّواية زيادةً وهي: ويُستحبُّ إذا فرغْتَ من هذه الصّلاة أن تقول:

بسم الله الرّحمن الرّحيم ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍهود:6. ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌالأنعام:17. بسمِ اللهِ الرَّحمن الرَّحيم ﴿سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًاالطلاق:7. ﴿.. مَا شَاءَ اللهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ..الكهف:39. ﴿.. حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُآل عمران:173. ﴿.. وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِغافر:44. ﴿.. لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَالأنبياء:87. ﴿.. رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌالقصص:24. ﴿.. رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَالأنبياء:89».[35]

الاقتداء بالعترة، اقتداءٌ بسيّد النبيّين صلّى الله عليه وآله

أضاف: «وقد عرفْتَ أنَّ العترة من ذرّيّة النّبيّ صلوات الله عليه وآله الّذين كانوا قائمين مقامَه في فعاله ومَقاله، قالوا: إنَّ ما نَرويه فإنّه عنه، ومأخوذٌ منه، فهُم قدوةٌ لِمن اقتَدى بفعلِهم وقَولهم، وهداةٌ لِمن عرَف شرَفَ محلِّهم، فاقْتَدِ في السّلامة من خطر كلّ شهرٍ كما أشار إليه مولانا محمّد بن عليّ الجواد صلوات الله عليه».[36]

* صلاة أوّل الشهر بصيغة ثانية

قال السيّد: «وقد روينا أنّ صلاة أوّل كلّ شهر ركعتان، يقرأ في الأولى (الحمد) و(قل هو الله أحد) مرّة، وفي الثانية (الحمد) و(إنّا أنزلناه) مرّة. ولعلّ هذه الرواية الخفيفة مختصّةٌ بمَن يكون وقتُه ضيّقاً عن قراءة ثلاثين مرّة في كلّ ركعة، إمّا على طريق سفر، أو لأجل مَرَضٍ أو غير ذلك من الأعذار».[37]

 

6- الصـَّدَقـة

تقدّم عن الإمام الجواد قولُه عليه السلام: «ويتصدّق بما يَتَسهَّل، فيشتري به سلامةَ ذلك الشهر كلّه»، وقد تحدّث السيّد عن أدب هذه الصدَقة عن الشهر كلّه التي وردت في الرواية المتقدّمة، فقال:

«وينبغي أن تتذكَّر عند صَدَقتك أنَّ هذه الصّدقة الّتي في يديك إنّما هي لله جلَّ جلالُه، ومِن إحسانه إليك، والّذي تشتريه من السّلامة هو أيضاً من ذخائره الّتي يملكُها هو جلَّ جلالُه، وتريد أنت منه جلَّ جلالُه أنْ يُنعِمَ بها عليك، وأنت مُلْكُه على اليقين لا تشكّ في ذلك إن كنتَ من العارفين، فأَحضِر بقلبك عند صلاتك وصدقتك هذه أنّك تشتري ما يَملكهُ اللهُ جلّ جلالُه لِمَن يَملكهُ اللهُ جلَّ جلالُه، فالمُشتري -وهو أنت، كما قلناه- مُلْكُه، والّذي تشتري به السّلامة -وهو الصّدقة- مُلْكه، وأنَّ السّلامة الّتي تَشتريها مُلْكُه، فاحذرْ أنْ تَغفل عمَّا أشَرنا إليه، فقد كرَّرناه لِيكونَ على خاطرك الاعتمادُ عليه. فإذا أدَّيْتَ الأمانة في صلاتك وصَدَقتك، وخَلُصَت نيّتُك في معاملتك للهِ جلَّ جلالُه ومراقبتُك، فكُن واثقاً بالسّلامة من أخطار شَهرك، ومُصدِّقاً في ذلك وُلاةَ أمرك، وحَسَنَ الظّنّ بالله جلَّ جلالُه في صِيانتِك ونَصرِك».[38]

7- الدعاء لصاحب العصر عليه السلام

 قال السيّد ابن طاوس عليه الرحمة:

1- «وممّا يَنبغي أنْ تَعرفَهُ من سبيلِ أهلِ التّوفيق وتَعلمَهُ، فهو أبلغ في الظَّفرِ بالسَّلامة على التَّحقيق، وذلك أنْ تَبدأ في قلبك عند صلاة الرّكعتَين، وعند الصَّدَقة والدُّعاء، بِتَقديم ذِكرِ سلامة مَنْ يَجبُ الاهتمامُ بسلامتِه قبلَ سلامتِك، وهو الّذي تَعتقدُ أنَّه إمامُكَ وسَببُ سعادتِك في دنياكَ وآخِرَتِك. واعلمْ أنَّه، صلواتُ الله عليه، غيرُ محتاجٍ إلى تَوَصُّلِك بصلاتِك وصدَقَتِك ودُعائِك في سلامتِه مِن شهره، لكن إذا نَصَرْتَه جازاك اللهُ جلَّ جلالُه بِنَصره، وجَعَلَكَ في حصنٍ حَريز، قال اللهُ جلَّ جلالُه: ﴿..وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ الحجّ:40. ولأنَّ مِن كمالِ الوفاء لِنائبِ خاتَم الأنبياء، أنْ تُقدّمه قبلَ نفسك في كلِّ خيرٍ تقدرُ عليه، ودَفْعِ كلِّ محذورٍ أنْ يَصِلَ إليه. وكذا عادةُ كلّ إنسانٍ مع مَن هو أعزّ مِن نفسه عليه. ولأنّك إذا استفتَحْتَ أبوابَ القبول، بطاعة الله جلَّ جلالُه والرَّسول، فيُرجى أنْ تُفتح الأبوابُ لأجلهم، فتُدخل أنتَ نفسَك في ضيافة الدُّخول تحت ظلِّهم، وعلى موائد فضلهم».[39]

2- «فصلٌ، في ما نذكرُه ممّا يُختَم به كلّ ليلةٍ من شهر رمضان: إعلَم أنَّ حديثَ كلِّ ضيفٍ مع صاحبِ ضِيافتِه، وكلِّ مُسْتَخفِرٍ بخفير، فحديثُه مع المقصود بخفارته، وإذا كان الإنسانُ في شهرِ رمضان قد اتَّخَذ خفيراً وحامِياً، كما تقدَّم التّنبيه عليه [40]، فيَنبغي كلّ ليلةٍ بعد فَراغِ عَمَلِه، أنْ يَقصدَ بِقلبِه خفيرَهُ ومُضِيفَهُ، ويَعرضَ عَمَلَه عليه، ويَتَوجَّهَ إلى الله جلَّ جلالُه بالحامي والخَفِير والمُضِيف، وبِكُلِّ مَن يَعزُّ عليه، وبكلِّ وسيلةٍ إليه ".." ليكون الحامي الخفير هو المتولِّي لتكميل [عمله] من النّقصان، ويكون الوسيط بينَه وبين الله جلّ جلالُه في تسليمِ العمل إليه، من باب قبول أهل الإخلاص والأمان».

3- «ومن وظائف كلّ ليلة، أن يبدأَ العبدُ في كلِّ دعاءٍ مبرور، ويَختمَ في كلّ عملٍ مشكورٍ، بذِكر مَن يَعتقدُ أنَّه نائبُ الله جلَّ جلالُه في عباده وبلاده ".."».

4- «من الرّواية في الدّعاء لمَن أشرنا إليه صلواتُ الله عليه، ما ذكرَه جماعةٌ من أصحابنا، وقد اختَرنا ما ذكره ابنُ أبي قرّة في كتابه، فقال بأسناده الى عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضال، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، بأسناده عن الصّالحين عليهم السلام، قال:

وكرِّرْ في ليلة ثلاث وعشرين من شهرِ رمضان قائماً وقاعداً وعلى كلِّ حالٍ، والشّهر كلّه، وكيفَ أمْكَنَكَ، ومَتى حَضَرَكَ في دَهْرِكَ، تقولُ بعدَ تمجيدِ الله تعالى، والصَّلاة على النّبيِّ وآلِه عليهم السلام:

أللّهُمَّ كُنْ لِوَلِيِّكَ القائِمِ بِأمرِكَ الحُجَّةِ بْنِ الحَسَنِ المهْدِيّ، عَلَيه وَعَلَى آبائِهِ أفضَلُ الصَّلَاةِ والسَّلامِ، فِي هذِهِ السَّاعَةِ وَفِي كُلِّ سَاعَةٍ وَلِيّاً وَحافِظاً وَقَائِداً وَنَاصِراً وَدَلِيلاً وَمُؤَيِّداً، حَتّى تُسْكِنَهُ أرْضَكَ طَوْعاً وَتُمَتِّعَهُ فِيها طُولاً وَعَرْضاً وَتَجْعَلَهُ وَذُرِّيَتَهُ مِنَ الأئِمَّةِ الوارِثينَ.

أللَّهُمَّ انْصُرْهُ وَانْتَصِرْ بِهِ، وَاجْعَلِ النَّصْرَ مِنْكَ لَهُ وَعَلَى يَدِهِ، وَاجْعَلِ النَّصْرَ لَهُ وَالفَتحَ عَلى وَجْهِهِ، وَلا تُوَجِّهِ الأمرَ إلَى غَيْرِهِ.

أللَّهُمَّ أظْهِرْ بِهِ دِينَكَ وَسُنَّةَ نَبِيّكَ حَتَّى لا يَسْتَخْفِيَ بِشَيءٍ مِنَ الحَقِّ مَخافَةَ أَحَدٍ مِنَ الخَلْقِ.

أللَّهُمَّ إنّي أرْغَبُ إِلَيكَ فِي دَولَةٍ كَرِيمةٍ تُعِزُّ بِهَا الإسلامَ وأهلَهُ وَتُذِلُّ بها النِّفاقَ وَأهلَهُ، وَتَجْعَلُنا فِيها مِنَ الدُّعَاةِ إلى طَاعَتِكَ وَالقَادَةِ إلَى سَبِيلِكَ، وَآتِنا فِي الدُّنيا حَسَنةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنةً وَقِنا عَذَابَ النَّارِ، واجْمَعْ لَنَا خَيرَ الدَّارَيْنِ واقْضِ عَنّا جَمِيعَ مَا تُحِبُّ فِيهِما، وَاجْعَلْ لَنَا فِي ذلِكَ الخِيَرَةَ بِرَحمَتِكَ وَمَنِّكَ فِي عَافِيةٍ آمينَ رَبَّ العَالَمِينَ، وَزِدْنا مِن فَضْلِكَ وَيَدِكَ المَلْأى فَإنَّ كُلَّ مُعْطٍ يَنقُصُ مِنْ مُلْكِهِ وَعَطَاؤُكِ يَزِيدُ فِي مُلْكِكَ».[41]

* تَجدرُ الإشارةُ إلى أنَّ المُستفيضَ في المصادر هو الدُّعاء المُختصَر المشهور، وقد رواه الشّيخ الطُّوسيّ في (التّهذيب: ج 3، ص 102)، وفي (مصباح المُتهجّد، ص 630)، ولفظُ (التّهذيب) ما يلي: «محمَّدُ بنُ عيسى بإسناده عن الصّادِقِين عليهم السلام، قال: وَكَرِّر في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان هذا الدُّعاء ساجداً وقائماً وقاعداً وعلى كلِّ حالٍ، وفي الشَّهر كلِّه، وكيفَ أمكنَكَ، ومَتى حَضَرَك مِن دَهرِكَ، تقولُ بعد تمجيدِ اللهِ تعالى والصَّلاة على النّبيّ عليه وآله السَّلام:

(أللَّهُمَّ كُنْ لِوَلِيِّكَ فلانِ بنِ فلان في هَذهِ السَّاعةِ وفي كُلِّ ساعةٍ وَلِيّاً وحافِظاً وقائِداً وناصِراً ودَلِيلاً وعَيْناً، حتّى تُسْكِنَهُ أرضَكَ طَوْعاً وتُمَكِّنَهُ فيها طَويلاً)».

 

الأعمال العامّة لكلّ يوم من أيّام شهر رمضان

أذكر منها:

1- الدّعاء بعد كلّ فريضة، وقد وردتْ تحت هذا العنوان عدّة أدعية، منها:

أ- «يا عَلِيُّ يا عَظِيمُ، يا غَفُورُ يا رَحِيمُ، أنْتَ الرَّبُّ العَظيمُ الَّذي ليْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهُوَ السَّمِيعُ البَصيرُ، وهَذا شَهرٌ عَظَّمْتَهُ وكرَّمْتَهُ وشَرَّفْتَهُ وفَضَّلْتَهُ عَلى الشُّهورِ، وهُوَ الشَّهْرُ الَّذي فَرَضْتَ صِيامَهُ عَلَيَّ، وهُوَ شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أنْزَلْتَ فِيهِ القُرآنَ، هُدًى لِلنَّاسِ وبَيِّناتٍ مِنَ الهُدَى والفُرْقَانِ، وَجَعَلْتَ فِيهِ لَيْلَةَ القَدْرِ وجَعَلْتَها خَيْراً مِن ألْفِ شَهْرٍ، فَيَاذا المَنِّ ولا يُمَنُّ عَلَيْكَ، مُنَّ عَليَّ بِفَكاكِ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ، فِي مَنْ تَمُنُّ عَليْهِ، وأدْخِلْنِي الجَنَّةَ بِرَحْمَتِكَ يا أرْحَمَ الرَّاحِمينَ».[42]

ب- «أللَّهُمَّ أدْخِلْ عَلى أهْلِ القُبُورِ السُّرُورَ، أللَّهُمَّ أَغْنِ كُلَّ فَقِيرٍ، أللَّهُمَّ أشْبِعْ كُلَّ جَائِعٍ، أللَّهُمَّ اكْسُ كُلَّ عُرْيَانٍ، أللَّهُمَّ اقْضِ دَيْنَ كُلِّ مَدِينٍ، أللَّهُمَّ فَرِّجْ عَنْ كُلِّ مَكْرُوبٍ، أللَّهُمَّ رُدَّ كُلَّ غَرِيبٍ، أللَّهُمَّ فُكَّ كُلَّ أسِيرٍ، أللَّهُمَّ أَصْلِحْ كُلَّ فَاسِدٍ مِنْ أمُورِ المُسْلِمِينَ، أللَّهُمَّ اشْفِ كُلَّ مَرِيضٍ، أللَّهُمَّ سُدَّ فَقْرَنا بِغِنَاكَ، أللَّهُمَّ غَيِّرْ سُوءَ حَالِنا بِحُسْنِ حَالِكَ، أللَّهُمَّ اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وأغْنِنَا مِنَ الفَقْرِ، إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ».

وقد تقدّم ذكرُه في أعمال اليوم الواحد والعشرين من شهر شعبان، في سياق «أدعية الغَيبة»، وأنّه في الحقيقة دعاءٌ للإمام صاحب الزّمان، لأنّ هذه المضامين الواردة فيه لا تتحقّق إلا عند ظهوره عجّل الله تعالى فرجه الشّريف.

وقد ذكر الشهيد الأوّل في مجموعته التي هي بخطّه أنّه قد ورد في الحثّ عليه عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «مَن دعا بهذا الدّعاء في (شهر) رمضان بعد كلّ فريضة غفرَ اللهُ له ذنوبَه إلى يوم القيامة».[43]

ت- «أللّهُمَّ ارْزُقْنِي حَجَّ بَيْتِك الحَرامِ فِي عامِي هذا وَفِي كُلِّ عامٍ ما أَبْقَيْتَنِي فِي يُسْرٍ مِنْكَ وَعافِيَةٍ وَسَعَةِ رِزْقِ، وَلا تُخْلِنِي مِنْ تِلْكَ المَواقِفِ الكَرِيِمَةِ وَالمَشاهِدِ الشَّرِيفَةِ، وَزِيارَةِ قَبْرِ نَبِيِّكَ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَفِي جَمِيعِ حَوائِجِ الدُّنْيا وَالآخرةِ فَكُنْ لِي. أللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِي ما تَقْضِي وَتُقَدِّرُ مِنَ الأمْرِ المَحْتُومِ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ مِنَ القَضاء الَّذِي لا يُرَدُّ وَلا يُبَدَّلُ أَنْ تَكْتُبَنِي مِنْ حُجَّاجِ بَيْتِكَ الحَرامِ المَبْرُورِ حَجُّهُم، المَشْكُورِ سَعيُهُم، المَغْفُورِ ذُنُوبُهُم، المُكَفَّرِ عَنْهُمْ سَيِّئاتُهُمْ، وَاجْعَلْ فِيما تَقْضِي وَتُقَدِّرُ أَنْ تُطِيلَ عُمْرِي وَتُوَسِّعَ عَلَيَّ رِزْقِي، وَتؤَدِّيَ عَنِّي أَمانَتِي وَدَيْنِي، آمِينَ رَبَّ العالَمِينَ».[44]

ث- دعاء الحجّ[45]:

«روى الكليني في (الكافي) عَن أبي بصير، قال: كانَ الصّادق عليه السلام يدعو بهذا الدُّعاء في شَهر رمضان:

أللّهُمَّ إِنِّي بِكَ وَمِنْكَ أَطْلُبُ حاجَتِي، وَمَنْ طَلَبَ حاجَةً إِلى النّاسِ فَإِنِّي لا أَطْلُبُ حاجَتِي إِلّا مِنْكَ وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ، وَأَسْأَلُكَ بِفَضْلِكَ وَرِضْوانِكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، وَأَنْ تَجْعَلَ لِي فِي عامِي هذا إِلى بَيْتِكَ الحَرامِ سَبِيلاً حِجَّةً مَبْرُورَةً مُتَقَبَّلَةً زاكِيَةً خالصةً لَكَ، تقرُّ بِها عَيْنِي وَتَرْفَعُ بِها دَرَجَتِي، وَتَرْزُقُنِي أَنْ أَغُضَّ بَصَرِي وَأَنْ أَحْفَظَ فَرْجِي وَأَنْ أَكُفَّ بِها عَنْ جَمِيعِ مَحارِمِكَ حَتَّى لا يَكُونَ شَيءٌ آثَرَ عِنْدِي مِنْ طاعَتِكَ

وَخَشْيَتِكَ، وَالعَمَلِ بِما أَحْبَبْتَ وَالتَّرْكِ لِما كَرِهْتَ وَنَهَيْتَ عَنْهُ، وَاجْعَلْ ذلِكَ فِي يُسْرٍ وَيَسارٍ وَعافِيَةٍ وَما أَنْعَمْتَ بِهِ عَلَيِّ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ وَفاتِي قَتْلاً فِي سَبِيلِكَ تَحْتَ رايَةِ نَبِيِّكَ مَعَ أَوْلِيائِكَ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تَقْتُلَ بِي أَعْداءكَ وَأَعْداءَ رَسُولِكَ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تُكْرِمَنِي بِهَوانِ مَنْ شِئْتَ مِنْ خَلْقِكَ، وَلا تُهِنِّي بِكَرامَةِ أَحَدٍ مِنْ أَوْلِيائِكَ. أللّهُمَّ اجْعَلْ لِي مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً، حَسْبِيَ اللهُ ما شاءَ اللهُ».[46]

ج- «أللَّهُمَّ رَبَّ شَهْرِ رَمَضَانَ الَّذِي أنْزَلْتَ فِيهِ القُرْآنَ، وافْتَرضْتَ عَلى عِبَادِكَ فِيهِ الصِّيامَ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وارْزُقْنِي حَجَّ بَيْتِكَ الحَرامِ فِي عَامِي هَذا وفِي كُلِّ عَامٍ، واغْفِرْ لِي تِلْكَ الذُّنُوبَ العِظَامَ، فَإنَّهُ لا يَغْفِرُهَا غَيْرُكَ يَا رَحْمَانُ يا عَلاَّمُ».

وقد ورد في ثوابه: «مَن قال هذا الدعاء في كلّ ليلة من شهر رمضان غُفرت له ذنوبُ أربعين سنة».[47]

الأعمال الخاصّة

وأمّا الأعمال الخاصّة باليوم الأوّل من شهر رمضان، فهي الأدعية الخاصّة بهذا اليوم، وسأذكر منها ما يلي:

1- الدعاء الأوّل:

سأُورد هنا دعاء مفتتَح السَّنة الذي ذكرَه السيّد ابن طاوس عليه الرحمة لفرادة المضمون بشكلٍ عامّ، وأهميّة أن تُتاح للمؤمن وقفة مع النّفْس بين يدَي الله تعالى على باب السّنة الجديدة، تكون شاملة مستوعبة لكلّ مسارب النفس وتشعُّب الأهواء، وَلَئن كان الدعاء متضمّناً لفقرات معروفة من أدعية معروفة، فإنّ طريقة التضمين خاصّة، وفقراته الأُخَرَ غير المضمّنة أشدّ خصوصيّة كما سترى.

وقد تحدّث السيّد حول هذا الدعاء فقال:

«دعاءٌ آخر إنْ دعوتَ به أوّلَ ليلةٍ من شهر الصيام فقدِّم لفظ: ليلَتي هذه على يومي هذا، وإنْ دعوتَ به أوّل يومٍ من الشهر فادْعُ باللّفظة التي تأتي فيه، والذي رجحَ في خاطري أنّ الدعاءَ به في أوّلِ يوم منه. رويناه بأسنادنا الى أبي محمّد هارون بن موسى التّلعَكْبري، بأسناده إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: يقولُ عند حضور شهر رمضان:

أللَّهُمَّ هَذَا شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَك، الذي أَنْزَلْتَ فِيهِ القُرْآنَ، وَجَعَلْتَهُ هُدىً لِلنَّاسِ، وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الهُدَى وَالفُرْقَانِ، قَدْ حَضَرَ فَسَلِّمْنَا فِيهِ وَسَلِّمْهُ لَنَا، وَتَسَلَّمْهُ مِنَّا في يُسْرٍ مِنْكَ وَعَافِيَةٍ، وَأَسْأَلُكَ اللّهُمَّ أَنْ تَغْفِرَ لي في شَهْرِي هَذَا، وَتَرْحَمَنِي فِيهِ، وَتَعْتِقَ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ، وَتُعْطِيَني فِيهِ خَيْرَ ما أَعْطَيْتَ أَحَداً منْ خَلْقِكَ، وَخَيْرَ ما أَنْتَ مُعْطِيهِ، وَلا تَجَعَلْهُ آَخِرَ شَهْرِ رَمَضَان صُمْتُهُ لَكَ مُنْذُ أَنْ أَسْكَنْتَني أَرْضَكَ إلى يَوْمِي هَذَا، وَاجْعَلْهُ عَلَيَّ أتَمَّهِ نِعْمَةً،[48] وَأَعَمَّهِ عَافِيَةً، وَأَوْسَعَهِ رِزْقَاً وَأَجَزَلَهُ وَأَهْنَأَهُ. أللَّهُمَّ إنّي أَعُوذُ بِكَ وَبِوَجْهِكَ الكَرِيمِ وَمُلْكِكَ العَظِيمِ أَنْ تَغرُبَ َالشَّمْسُ مِنْ يَوْمي هَذَا، أَوْ يَنْقَضِيَ بَقِيَّةُ هَذَا اليَوْمِ، أَوْ يَطْلُعَ الفَجْرُ مِنَ لَيْلَتي هذِهِ، أوْ يَخرُجَ هذَا الشَّهْرُ وَلَكَ قِبَلِيْ مَعَهُ[49] تَبِعَةٌ، أَوْ ذَنْبٌ، أَوْ خَطِيئَةٌ تُرِيدُ أَنْ تُقايِسَني بذلك أَوْ تُؤَاخِذَني به، أَوْ تقِفَني [50] به مَوْقِفَ خِزْيٍ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، أَوْ تُعَذِّبَني بِهَا يَوْمَ ألقَاكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. أللَّهمَّ إنِّي أدْعوكَ لِهَمٍّ لا يُفَرِّجُه غيرُك، ولِرَحمةٍ لا تُنالُ إلّا بِكَ، ولِكَرْبٍ لا يَكشفُهُ إلَّا أنتَ، ولِرَغبةٍ لا تُبلَغُ إلَّا بِكَ، ولِحاجةٍ لا تُقضَى دُونَك. أللَّهُمَّ فَكَمَا كَاَنَ مِنْ شَأْنِكَ ما أَرَدْتَني بِهِ مِنْ مَسْأَلَتِكَ، وَرَحِمْتَني بِهِ مِنْ ذِكْرِكَ، فَلْيَكُنْ مِنْ شَأْنِكَ سَيّدِي الإِجَابَةُ فِيمَا دَعَوْتُكَ، وَالنَّجَاةُ لي فِيمَا قَدْ فَزعْتُ إلَيْكَ مِنْهُ، أللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمِّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَافْتَحْ لي مِنْ خَزَائِن رَحْمَتِكَ رَحْمَةً لا تُعَذِّبُني بَعْدَهَا أَبَداً في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَارْزُقْنِي مِنْ فَضْلِكَ الوَاسِعِ رِزْقَاً حَلَالاً طَيِّباً لا تُفْقِرُني بَعْدَهُ إلى أَحَدٍ سِوَاكَ أَبَداً، تَزِيدُني بذلكَ لَك شُكْراً وَإلَيْكَ فَاقَةً وفقراً، وَبِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ غِنَىً وَتَعَفُّفاً. أللَّهُمَّ إنّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ يَكُوْنَ جَزَاءُ إحْسَانِكَ الإِسَاءَةَ مِنِّي، أللَّهُمَّ إنّي أَعُوُذُ بِكَ أَنْ أُصْلِحَ عَمَلِي فِي مَا بَيْني وَبَيْنَ النَّاسِ وَأُفْسِدَهُ فِيمَا بيْنِي وَبَيْنَكَ، أللَّهُمَّ إني أَعُوُذُ بِكَ أَنْ تَحُولَ سَرِيرَتي بَيْنِي وَبَينَكَ أَوْ تَكُونَ مُخَالِفَةً لَِطَاعَتِكَ. أللَّهُمَّ إنّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ يكُوَنَ شَيْءٌ مِنَ الَأشْيَاءِ آثَرَ عنْدِي مِنْ طَاعَتِكَ، أللَّهُمَّ إني أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَعْمَلَ مِنْ طَاعَتِكَ قَلِيلاً أَوْ كَثِيراً أُرِيدُ بِهِ أَحَداً غَيْرَكَ، أَوْ أَعْمَلَ عَمَلاً يُخَالِطُهُ رِيَاءٌ، أللَّهُمَّ إني أَعُوْذُ بِكَ مِنْ هَوىً يُرْدِي مَنْ يَركَبُهُ، أللَّهُمَّ إنّي أَعُوْذُ بِكَ أَنْ أَجَعَلَ شَيْئاً مِنْ شُكْرِي فِي مَا أَنْعَمْتَ بِهِ عَلَيَّ لِغَيْرِكَ أَطْلُبُ بِهِ رِضَا خَلْقِكَ، أللَّهُمَّ إني أَعُوْذُ بِكَ أَنْ أَتَعَدَّى حَدّاً مِنْ حُدُودِكَ، أَتَزَيَّنُ بِذلِكَ لِلنَّاسِ وَأَرْكُنُ بِهِ إلى الدُّنْيَا. أللَّهُمَّ إنّي أَعُوْذُ بعَفْوِكَ من عُقوبتِك، وَأَعُوْذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَأَعُوذُ بِطَاعَتِكَ مِنْ مَعْصِيَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ جَلَّ ثَنَاءُ وَجْهِكَ، لا أُحْصِي الثَّنَاءَ عَلَيْكَ وَلَوْ حَرِصْتُ، وَأَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ على نَفْسِكَ سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ. أللَّهُمَّ إنّي أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْكَ مِنْ مَظَالِمَ كَثِيرَةٍ لِعِبَادِكَ عِنْدِي، فَأيُّما عَبْدٍ مِنْ عِبَادِكَ أَوْ أَمَةٍ مِنْ إمَائِكَ كَانَتْ لَهُ قِبَلي مَظْلُمَةٌ ظَلَمْتُهُ إيَّاهَا في مَالِه، أَوْ بَدَنِهِ، أَوْ عِرْضِهِ (أي كرامتِه)، لا أَسْتَطِيعُ أَدَاءَ ذَلِكَ إلَيْهِ وَلا أَتَحَلَّلُهَا مِنْهُ، فَصَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَرْضِهِ أنتَ عَنِّي بِمَا شِئْتَ، وَكَيْفَ شِئْتَ، وَهَبْهَا لي، وَمَا تَصْنَعُ يا سَيِّدِي بِعَذَابِي وَقَدْ وَسِعَتْ رَحْمَتُكَ كُلَّ شَيْءٍ، وَمَا عَلَيْكَ يَا رَبُّ أَنْ تُكَرِمَني بِرَحْمَتِكَ، وَلا تُهِينَنِي بِعَذَابِكَ، وَلا ينْقصُكَ يَا رَبُّ أَنْ تَفعَلَ بِي ما سَأَلْتُكَ، وَأَنْتَ وَاجِدٌ لِكُلِّ شَيْءٍ. أللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَغْفِرُكَ، وَأَتُوبُ إلَيْكَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ تُبْتُ إلَيْكَ مِنْهُ ثُمَّ عُدْتُ فِيهِ، وَمِمَّا ضَيَّعْتُ مِنْ فَرَائِضِكَ وَأَدَاءِ حَقِّكَ مِنَ الصَّلاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصِّيَامِ وَالجِهَادِ، وَالحَجِّ وَالعُمْرَةِ، وَإسْبَاغِ الوُضُوءِ، وَالغُسْلِ مِنَ الجَنَابَةِ، وَقِيَامِ اللَّيْلِ، وَكَثْرَةِ الذِّكْرِ، وَكَفَّارَةِ اليَمِينِ، وَالاسْتِرْجَاعِ في المَعْصِيَةِ، وَالصُّدُودِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ قَصَّرْتُ فِيهِ، مِنْ فَرِيضَةٍ، أَوْ سُنَّةٍ، فإنَّي أَسْتَغْفِرُكَ، وَأَتُوبُ إلَيْكَ مِنْهُ، وَمِمَّا رَكِبْتُ مِنَ الكَبَائِرِ، وَأَتَيْتُ مِنَ المَعَاصِي، وَعَمِلْتُ مِنَ الذُّنُوبِ، وَاجْتَرَحْتُ مِنَ السَّيِّئاتِ، وَأَصَبْتُ مِنَ الشَّهَوَاتِ، وَبَاشَرْتُ مِنَ الخَطَايَا، مِمَّا عَمِلْتُهُ مِنْ ذَلِكَ عَمْداً أَوْ خَطَأً، سِرَّاً أَوْ عَلَانِيَةً، فَإنِّي أَتُوبُ إلَيْكَ مِنْهُ، وَمِنْ سَفْكِ الدَّمِ، وَعُقُوقِ الوَالِدَيْنِ وَقَطيعَةِ الرَّحِمِ، وَالفَرَارِ مِنَ الزَّحْفِ، وَقَذْفِ المُحْصَنَاتِ، وَأَكْلِ أَمْوَالِ اليَتَامَى ظُلْماً، وَشَهَادَةِ الزُّورِ، وَكِتْماَنِ الشَّهَادَةِ، وَأَنْ أَشْتَرِي بِعَهْدِكَ في نَفْسِي ثَمَناً قَلِيلاً، وَأَكْلِ الرِّبا، وَالغُلُولِ،[51] وَالسُّحْتِ وَالسِّحْرِ، وَالكِتمان، وَالطّيَرَةِ، وَالشِّرْكِ، وَالرِّيَاءِ، وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الخَمْرِ، وَنَقْصِ المِكْيَالِ، وَبَخْسِ المِيَزانِ، وَالشِّقَاقِ، وَالنِفَاقِ، وَنَقْضِ العَهْدِ، وَالفِرْيَةِ وَالخِيَانَةِ، وَالغَدْرِ، وَإخْفَارِ الذِّمّةِ، وَالحَلْفِ،[52] وَالغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ، وَالبُهْتَانِ، وَالهَمْزِ وَاللَّمْزِ، وَالتَنَابُزِ بِالَألْقَابِ، وَأذَى الجَارِ، وَدُخُولِ بَيْتٍ بِغَيْرِ إذْنٍ، وَالفَخْرِ، وَالكِبْرِ، وَالإِشْرَاكِ، وَالإِصْرَارِ، وَالاسْتِكْبَارِ، وَالمَشْيِ في الَأرْضِ مَرَحاً، وَالجَوْرِ في الحُكْمِ، وَالاعْتِدَاءِ في الغَضَبِ، وَرُكُوبِ الحَمِيَّةِ، وَتعضُّدِ الظَّالِمِ، وَعوْنٍ على الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ، وَقِلَّةِ العَدَدِ في الَأهْلِ والمالِ وَالوَلَدِ، وَرُكُوبِ الظَّنِ، وَاتِّبَاعِ الهَوَى، وَالعَمَلِ بِالشَّهْوَةِ، والَأمْرِ بِالمْعرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَر، وَفَسَادٍ في الَأرْضِ، وَجُحُودِ الحَقِّ، وَالإدْلاءِ إلى الحُكَّامِ بِغَيْرِ الحَقِّ، وَالمكْرِ وَالخَدِيعَةِ، والبُخل، وَقَوْلٍ فِي مَا لا أعَلَمُ، وَأَكْلِ المَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ، وَالحَسَدِ، وَالبَغْي وَالدُّعَاءِ إلى الفَاحِشَةِ، وَالتَمَنِّي بِمَا فَضَّلَ اللهُ، وَالإعْجَابِ بِالَنّفِس، وَالمَنِّ بِالعَطِيَّةِ، وَالارْتِكَابِ إلى الظُّلْمِ،[53] وَجُحُودِ القُرْآنِ، وَقَهْرِ اليَتْيم، وَانْتِهَارِ السَّائِلِ، وَالحَنْثِ في الأَيْمَانِ، وَكُلِّ يَميِنٍ كَاذِبِةٍ فَاجِرَةٍ، وَظُلْمِ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ في أمْوَالِهِمْ، وَأَشْعَارِهِمْ، وَأَعْرَاضِهِمُ وَأَبْشَارِهِمْ، وَمَا رَآهُ بَصَرِي، وَسَمِعَهُ سَمْعِي، وَنَطَقَ بِهِ لِسَانِي، وَبَسَطْتُ إلَيْهِ يَدِي، وَنَقَلْتُ قَدَمِي، وَبِاشَرَهْ جِلْدِي، وَحَدَّثْتُ بِهِ نَفْسِي، مِمَّا هُوَ لَكَ مَعْصِيَة، وَكُلِّ يَمِينٍ زُورٍ، وَمِنْ كُلِّ فَاحِشَةٍ وَذَنْبٍ وَخَطِيئَةٍ، عَمِلْتُهَا في سَوَادِ اللَّيْلِ وَبَيَاضِ النَّهَارِ في مَلَأٍ أَوْ خَلَأٍ، مِمَّا عَلِمْتُهُ أَوْ لَمْ أَعْلَمْهُ، ذَكَرْتُهُ أو لَمْ أَذْكُرْهُ، سَمِعْتُهُ أَو لَمْ أَسْمَعْهُ، عَصَيْتُكَ فِيهِ رَبِّي طَرْفَةَ عَينٍ، وَفي مَا سِوَاهَا، مِنْ حِلٍّ أَوْ حَرَامٍ، تَعَدَّيْتُ فِيهِ أَوْ قَصَّرْتُ عَنْهُ، مُنْذُ يَوْمِ خَلَقْتَنِي إلى أَنْ جَلَسْتُ مَجْلسِي هَذَا، فَإنّي أَتُوبُ إلَيْكَ مِنْهُ، وَأَنْتَ يا كَرِيمُ تَوَّابٌ رَحِيمٌ.

أللَّهُمَّ يا ذَا المَنِّ وَالفَضْلِ، وَالمَحَامِدِ الّتي لا تُحْصَى، صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَاقْبَلْ تَوْبَتِي، وَلا تَرُدَّهَا لِكَثْرَةِ ذُنُوبِي، وَمَا أَسْرَفْتُ على نَفْسِي حَتَّى لا أَرْجعَ في ذَنْبٍ تُبْتُ إلَيْكَ مِنْهُ، فَاجْعَلْهَا يا عَزِيزُ تَوْبَةً نَصُوحاً صَادِقَةً مَبْرورَةً لَدَيْكَ، مَقْبُوَلةً مَرْفُوعَةً عِنْدَكَ، في خَزَائِنِكَ التي ذَخَرْتَهَا لَأولِيَائِكَ حِينَ قَبِلْتَهَا مِنْهُمْ، وَرَضِيتَ بِهَا عَنْهُمْ. أللَّهُمَّ إنَّ هذِهِ النَّفْسَ نَفْسُ عَبْدِكَ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ ْتُصَلِّيَ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وأنْ تُحصِّنَها من الذُّنوبِ وتَمنَعَها من الخَطايا وتُحرِزَها من السّيِّئات، وتَجْعَلَهَا في حِصْنٍ حَصِينٍ مَنِيعٍ لا يَصِلُ إليْهَا ذَنْبٌ، وَلا خَطِيئَةٌ، وَلا يُفْسِدُهَا عَيْبٌ وَلا مَعْصِيَة، حَتَّى أَلْقَاكَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَأَنْتَ عَنِّي رَاضٍ، وَأَنَا مَسْرورٌ تَغْبِطُني مَلائِكَتُكَ وَأَنْبِيَاؤُكَ وَجَميعُ خَلْقِكَ، وَقَد قَبِلْتَنِي وَجَعَلْتَني طائعاً طَاهِراً زَاكِياً عِنْدَكَ مِنَ الصَّادِقِينَ.

أللَّهُمَّ إنَّي أَعْتَرِفُ لَكَ بِذُنُوبِي، فَصَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَاجْعَلْهَا ذُنُوباً لا تُظْهِرُهَا لَأحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ، يا غَفَّارَ الذُنُوبِ، يا أَرْحَمَ الرَّاحمِيَن، سُبْحَانَكَ اللّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، عَمِلْتُ سُوءاً وَظَلَمْتُ نَفْسِي، فَصَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَاغْفِرْ لي إنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

أللَّهُمَّ إنْ كَانَ مِنْ عَطَائِكَ ومَنِّكَ وَفَضْلِكَ، وَفي عِلْمِكَ وَقَضَائِكَ أَنْ تَرْزُقَني التَّوْبَةَ، فَصَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَاعْصِمْني بَقِيَّةَ عُمْرِي، وَأَحْسِنْ مَعْونَتي في الجِدِّ وَالاجْتِهَادِ، وَالمُسَارَعَةِ إلى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَالنَّشَاطِ وَالفَرَحِ وَالصّحَّةِ حَتَّى أبْلُغَ في عِبَادَتِكَ وَطَاعَتِكَ التي يَحِقُّ لَكَ عَلَيَّ رِضَاكَ، وَأَنْ تَرْزُقَني بِرَحْمَتِكَ ما أُقِيمُ بِهِ حُدُودَ دِينِكَ، وَحَتَّى أَعْمَلَ في ذَلِكَ بِسُنَنِ نَبِيِّكَ، صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَافْعَلْ ذلِكَ بِجَميعِ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ في مَشَارِقِ الأرْضِ وَمَغَارِبِهَا. أللَّهُمَّ إنَّكَ تَشْكُرُ اليَسِيرَ، وَتَغْفِرُ الكَثِيرَ وَأَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ - تقولها ثلاثاً، ثمّ تقول: أللَّهُمَّ اقْسِمْ لي كُلَّ مَا تُطْفِىءُ بِهِ عَنِّي نَائِرَةَ كُلِّ جَاهِلٍ، وَتُخْمِدُ عَنِّي شُعْلَةَ كُلِّ قَائِلٍ، وَأعْطِنِي هُدًى من كُلِّ ضَلَالَةٍ، وَغِنىً مِنْ كُلِّ فَقْرٍ، وَقُوَّةً مِنْ كُلِّ ضَعْفٍ، وَعِزّاً مِنْ كُلِّ ذُلٍّ، وَرِفْعَةً مِنْ كُلِّ ضِعَةٍ، وَأَمْناً مِنْ كُلِّ خَوْفٍ، وَعَافِيَةً مِنْ كُلِّ بَلَاءٍ. أللَّهُمَّ ارْزُقْني عَمَلاً يَفْتَحُ لي بَابَ كُلِّ يَقِين، وَيَقِيناً يَسُدُّ عَنِّي بَابَ كُلِّ شُبْهَةٍ، وَدُعاءً تَبْسُطُ لي به الإِجَابَةَ، وَخَوْفاً تُيَسِّرُ لي بِهِ كُلَّ رَحْمَةٍ، وَعِصْمَةً تَحوُلُ بَيْنِي وَبَيْنَ الذُنُوبِ، بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاِحِمينَ.

وتضـرَّع الى ربـّك وتقــول:

يا مَن نَهاني عن المَعاصي فَعصيتُه فَلم يَهتكْ سِتري عندَ مَعصيتِه، يا مَن ألبسَني عافيتَه فعصيتُه فلم يَسلُبني عند ذلك عافيةً، يا مَن أكرَمني وأسبغَ عليَّ نعمَه فعصيتُه فلم يُزِلْ عنّي نعمتَه، يا مَن نصحَ لي فتركتُ نصيحتَه فلم يستَدْرِجني عندَ تَركي نصيحتَه. يا مَن أوصاني بوصايا كثيرةٍ لا تُحصى، إشفاقاً منه عليَّ ورحمةً منه لي فتركتُ وصيّتَه، يا مَن كتمَ سيّئاتي وأظهرَ مَحاسني حتّى كأنّي لم أزَلْ أعملُ بطاعتِه، يا مَن أرضيتُ عبادَه بسَخَطِه فلم يَكِلْني إليهم ورزقَني من سَعَتِه، يا مَن دَعاني إلى جنّتِه فاخترتُ النارَ فلم يَمنَعْهُ ذلك أن فتحَ لي بابَ توبتِه. يا مَن أقالَني عظيمَ العَثراتِ وأمرَني بالدّعاء وضَمِنَ لي إجابتَه، يا مَن أَعصيه فيَستُر عليَّ ويغضبُ لي إن عُيِّرتُ بمعصيتِه. يا مَن نها خلقَه عن انتهاك محارمي وأنا مقيمٌ على انتهاك محارمِه، يا مَن أفنيتُ ما أعطاني في معصيتِه فلم يحبسْ عنّي عطيّتَه، يا مَن قَوِيْتُ على المعاصي بكفايتِه فلم يَخذُلني ولم يُخرجني من كفايتِه. يا من بارزتُه بالخطايا فلم يُمَثِّل بي عند جُرأَتي على مبارزتِه، يا مَن أمهلَني حتّى استغنيتُ من لَذّاتي ثمّ وعدَني على تركِها مغفرتَه، يا مَن أدعوه وأنا على معصيتِه فيُجيبني ويقضي حاجتَي بقُدرتِه، يا مَن عصيتُه باللّيل والنهار وقد وكَّلَ بالاستغفار لي ملائكتَه. يا مَن عصيتُه في الشباب والمَشيب وهو يَتَأَنّاني ويفتحُ لي بابَ رحمتِه، يا مَن يشكرُ اليسيرَ في عملي وينسى الكثيرَ من كرامتِه، يا مَن خلَّصَني بقدرتِه ونجّاني بلُطفِه، يا مَن استدرَجَني حتّى جانبتُ محبّتَه، يا مَن فرضَ الكثيرَ لي من إجابتِه على طول إساءتي وتَضييعي فريضتَه. يا مَن يغفرُ ظلمَنا وحُوْبَنا[54] وجُرْأَتَنا وهو لا يجورُ علينا في قضيّتِه، يا مَن نتظالمُ فلا يُؤاخِذُنا بعلمِه ويُمهِلُ حتّى يُحضِرَ المظلومُ بيّنَتَه، يا مَن يُشرِكُ به عبدُه وهو خَلَقَه فلا يتعاظَمُه أن يغفرَ له جريرتَه، يا مَن مَنَّ عليَّ بتوحيدِه وأحصى عليَّ الذنوبَ وأرجو أن يغفرَها لي بمَشيَّته. يا مَن أعذرَ وأنذرَ ثمّ عدتُ بعد الإعذار والإنذار في معصيتِه، يا مَن يعلمُ أنّ حسناتي لا تكونُ ثمناً لأصغرِ نِعَمِه، يا مَن أفنيتُ عمري في معصيتِه فلم يُغلق عنّي بابَ توبتِه. يا ويلي ما أقلَّ حيائي، ويا سبحانَ هذا الرّبِّ ما أعظمَ هيبتَه، ويا ويلي ما أقطعَ لساني عندَ الإعذار، وما عُذري وقد ظهرتْ عليَّ حجّتُه، ها أنا ذا بائحٌ بجُرمي، مُقِرٌّ بذنوبي لربّي ليَرحمَني ويتغمّدَني بمغفرتِه، يا مَنِ الأرضون والسّماواتُ جميعاً في قبضتِه، يا مَن استَحْقَقْتُ عقوبتَه، ها أنا ذا مُقِرٌّ بذَنبي. يا مَن وَسِعَ كلَّ شيءٍ برحمتِه، ها أنا ذا عبدُك الحسيرُ الخاطئ، اِغفرْ له خطيئتَه، يا مَن يُجيرُني في مَحياي ومَماتي، يا مَن هو عُدّتي لظُلمة القبر ووحشتِه، يا مَن هو ثقَتي ورجائي وعُدّتي لعذاب القبر وضَغْطَتِه، يا مَن هو غياثي ومَفزعي وعُدّتي للحساب ودقّتِه، يا مَن عَظُمَ عَفوُه وكَرُمَ صفحُه واشتدّت نَِقْمَتُه. إلهي لا تَخذُلني يوم القيامة، فإنّك عُدّتي للميزان وخِفَّتِه، ها أنا ذا بائحٌ بجُرمي مُقِرٌّ بذَنبي معترفٌ بخطيئَتي، إلهي وخالقي ومولاي صلِّ على محمّدٍ وآلِ محمّدٍ واختِم لي بالشّهادة والرّحمة. أللّهمّ إنّي أسألُك بكلّ اسمٍ هو لكَ يَحِقُّ عليكَ فيه إجابةُ الدّعاء إذا دُعِيتَ به، وأسألُك بحقّ كلّ ذي حقٍّ عليكَ وبحقّكَ على جميعِ مَن دونك، أن تُصلِّيَ على محمّدٍ عبدِكَ ورسولِكَ وآلِ محمّدٍ عبيدِكَ النّجباءِ المَيامين، ومَن أرادني بسُوءٍ فخُذْ بسَمْعِه وبَصرِه، ومن بَين يديَه ومن خلفِه، وامنَعْهُ عنّي بحولِك وقوّتك إنّك على كلِّ شيءٍ قدير. أللّهمّ إنّا نرغبُ اليكَ في دولةٍ كريمةٍ تُعِزُّ بها الإسلامَ وأهلَه، وتُذِلُّ بها النّفاقَ وأهلَه، وتجعَلُنا فيها من الدُّعاةِ إلى طاعتِك والقادةِ إلى سبيلِك، وترزقُنا بها كرامةَ الدّنيا والآخرة، يا أرحمَ الراحمين. أللّهمّ إنّا نشكو إليك غيبةَ نبيّنا عنّا، وكثرةَ عدوّنا وقلّةَ عددِنا، وشدّةَ الفِتَنِ بنا وتَظاهُرَ الزّمان علينا، فَصَلِّ على محمّدٍ وآل محمّدٍ وَأَعِنّا على ذلكَ يا ربّ بفَتحٍ منّك تُعَجِّلُه، ونصرٍ تُعِزُّه، وسلطانِ حقٍّ تُظهِرُه، ورحمةٍ منك تُجلِّلُناها، وعافيتَك فَأَلْبِسنَاها، برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين. أللّهمّ إنّي لم أعملِ الحسنةَ حتّى أَعْطَيْتَنيها، ولم أعملِ السيّئةَ إلّا بعدَ أن زيَّنَها ليَ الشيطانُ الرجيم، أللّهمّ فَصَلّ على محمّدٍ وآل محمّدٍ وَعُد عليَّ بعطائك، ودَاوِ دائي، فإنّ دائيَ الذنوبُ القبيجةُ، ودواءُك وعدُ عفوِك وحلاوةُ رحمتِك. أللّهمّ لا تَهتِكْ سِتري، ولا تُبْدِ عَورتي، وآمِن رَوعَتي، وأَقِلْني عَثرتي، ونفِّسْ كُربَتي، واقضِ عنّي دَيْني وأمانتي، واخْزِ عدوَّك وعدوَّ آلِ محمّدٍ وعدوّي وعدوَّ المؤمنين، من الجنّ والإنس في مشارقِ الأرض ومغاربِها. أللّهُمّ حاجَتي حاجَتي حاجَتي التي إنْ أَعْطَيْتَنيها لم يَضُرَّني ما مَنَعْتَني، وإنْ مَنَعْتَنيها لم يَنفعْني ما أَعطيتني، وهي فَكاكُ رقبَتي من النّار، فَصَلِّ على محمّدٍ وآلِ محمّدٍ وارضَ عنّي، وارضَ عنّي، وارضَ عنّي -حتّى ينقطعَ النَّفَس.

أللّهُمّ إيّاكَ تعمَّدْتُ بحاجَتي وبكَ أنزلتُ مَسكَنَتي، فَلْتَسَعْني رَحمتُك، يا وهّابَ الجنّة، يا وهّابَ المغفرة، لا حولَ ولا قوّةَ إلّا بك، أينَ أطلبُك يا موجوداً في كلّ مكان، في الفيافي مرّةً، وفي القِفَار أخرى؟ لعلّك تسمعُ منّي النداءَ، فقد عَظُمَ جُرمي وقلَّ حيائي، مع تَقَلْقُلِ قلبي وبُعْدِ مَطلبي وكَثرةِ أهوالي. ربِّ أيَّ أهوالي أتذكَّرُ وأيَّها أنسى، فلو لم يَكُن إلّا الموتُ لَكَفى، فكيفَ وما بعدَ الموت أعظمُ وأدهى. يا ثِقلي ودماري وسوءَ سَلَفي وقلّةَ نَظري لنَفسي، حتّى مَتى وإلى مَتى أقول: لكَ العُتبى، مرّةً بعد أخرى، ثمّ لا تَجِدُ عندي صدقاً ولا وفاءً.

أسألُك بحقِّ الذي كنتَ له أنيساً في الظُّلمات، وبحقّ الذين لم يَرضوا بصيام النّهار وبمُكابدةِ اللّيل، حتّى مَضَوا على الأَسِنَّة قُدُماً، فخضَّبوا اللِّحَى بالدّماء، ورمَّلوا الوجوهَ بالثّرى، إلّا عفوتَ عمّن ظلمَ وأساء. يا غَوثاه يا أللهُ يا ربّاه، أعوذُ بكَ من هوىً قد غَلَبَني، ومن عدوٍّ قد استكلبَ عليَّ، ومن دنيا تَزَيَّنَتْ لي، ومن نَفْسٍ أمّارةٍ بالسّوءِ إلّا ما رَحِمَ ربّي، فإنْ كنتَ سيّدي قد رَحِمْتَ مثلي فَارْحَمني، وإنْ كنتَ سيّدي قد قبلتَ مثلي فَاقْبَلني. يا مَن قَبِلَ السَّحَرَةَ فَاقْبَلْني، يا مَن يُغَذِّيني بالنِّعَمِ صباحاً ومساءاً، قد تَراني فريداً وحيداً شاخصاً بَصَرَي مُقلَّداً عَمَلي، قد تَبَرَّأَ جميعُ الخَلْقِ منّي، نَعم وأبي وأُمّي ومَن كان له كَدِّي وسَعيي. إلهي فمَن يقبلُني ومَن يسمعُ ندائي ومَن يُؤنِسُ وحشَتي ومَن يُنطِقُ لساني إذا غُيِّبْتُ في الثَّرَى وَحدي ثمّ سَأَلْتَني بما أنتَ أعلمُ به منّي، فإنْ قلتُ: قد فعلتُ، فأَينَ المهربُ من عدلِك، وإنْ قلتُ: لم أفعل، قلتَ: أَلَم أَكُن أُشاهدُك وأَراك.

يا أللهُ يا كريمَ العفوِ، مَن لي غيرك. إنْ سألتُ غيرَك لم يُعطِني، وإنْ دعوتُ غيرَك لم يُجِبني، رضاكَ يا ربِّ قبلَ لقائك، رضاكَ يا ربّ قبلَ نزولِ النّيران، رضاكَ يا ربّ قبلَ أن تُغَلَّ الأيدي إلى الأعناق، رضاكَ يا ربّ قبلَ أن أُنادي فلا أُجابَ النّداءَ. يا أحقَّ مَن تجاوزَ وعَفا، وَعِزَّتِك لا أقطعُ منّكَ الرّجاء، وإنْ عَظُمَ جُرمي وَقَلَّ حيائي، فقد لَزِقَ بالقلبِ داءٌ ليسَ له دواء، يا مَن لم يَلُذِ اللّائذونَ بمثلِه، يا مَن لم يَتَعرَّضِ المُتعرِّضون لأَكرمَ منه. يا مَن لم تُشَدَّ الرِّحالُ إلى مثلِه، صلِّ على محمّدٍ وآل محمّدٍ واشغَلْْ قلبي بعظيمِ شأنِك، وأَرسِلْ محبَّتَك إليه حتّى ألقاكَ وأوداجي تشخبُ دماً، يا واحدُ يا أجودَ المُنعِمين المُتَكبِّرُ المُتعال، صلِّ على محمّدٍ وآلِ محمّدٍ وافكُك رقبتي من النّارِ برحمتِكَ يا أرحمَ الراحمين.

إلهي، قلَّ شُكري -سيّدي- فَلَمْ تَحْرِمْني، وعَظُمَتْ خَطيئتي سيّدي فَلَمْ تَفْضَحني، ورأيتَني على المعاصي سيّدي فَلَم تَمنَعني ولم تَهتِكْ سِتري، وأَمَرْتَني سيّدي بالطّاعةِ فَضَيَّعتُ ما به أَمَرتَني، فأيُّ فقيرٍ أفقرُ منّي؟

سيّدي إنْ لم تُغنِني، فأيُّ شَقِيٍّ أشقى منّي إنْ لم تَرحمني. فَنِعْمَ الرّبُّ أنت يا سيّدي ونِعْمَ المولى، وبئسَ العبدُ أنا يا سيّدي وَجَدْتَني، أيْ ربّاه، ها أنا ذا بينَ يدَيك، معترفٌ بذنوبي، مُقِرٌّ بالإساءةِ والظُّلمِ على نفسي، مَن أنا يا ربّ فتقصدَ لعذابي، أم (مَن) يدخلُ في مسألتِك إنْ أنتَ رَحِمْتَني. أللّهُمّ إنّي أسألُك من الدّنيا ما أسدُّ به لساني، وأُحْصِنُ به فَرْجي، وأُؤدّي به عنّي أمانتي، وَأَصِلُ به رَحِمِي، وأتِّجِرُ به لآخرتي، ويكونُ لي عَوناً على الحجّ والعُمرة، فإنّه لا حولَ ولا قوّةَ إلّا بك. وَعِزَّتِك يا كريمُ لَأُلِحَّنَّ عليك، وَلَأَطْلِبَنَّ إليك، وَلَأَتَضَرَّعَنَّ إليك، وَلَأبْسِطَنَّها إليك، مع ما اقترَفنا من الآثام، يا سيّدي فَبِمَن أعوذُ وبمَن ألوذ، كلُّ مَنْ أتيتُه في حاجةٍ وسألتُه فائدةً فإليكَ يرشدُني وعليك يَدلُّني، وفي ما عندَك يُرَغِّبُني. فَأسألُكَ بحقِّ محمّدٍ وعليٍّ وفاطمةَ والحسنِ والحسينِ وعليِّ بنِ الحسينِ، ومحمّدِ بنِ عليّ، وجعفرِ بن محمّد، وموسى بنِ جعفر، وعليِّ بنِ موسى، ومحمّدِ بنِ عليّ، وعليِّ بنِ محمّد، والحسنِ بنِ عليّ، والحجَّةِ القائمِ بالحقِّ صلواتُك يا ربّ عليهم أجمعين، وبالشأنِ الذي لهم عندَك، فإنّ لهم عندَك شأناً من الشّأن، أن تُصلِّيَ على محمّدٍ وآلِ محمّد، وأن تفعل بي ( كذا وكذا. وتسأل حوائجَك للدّنيا والآخرة، فإنّها تُقضى إن شاءَ اللهُ تعالى).

ثمّ تقول:

أللّهُمّ ربَّنا ربَّ كلِّ شيء، مُنْزِلَ التّوراةِ والإنجيلِ والزّبورِ والفُرقانِ العظيم، فالقَ الحَبِّ والنَّوى، أعوذُ بكَ من شرِّ كلّ دابّةٍ أنتَ آخذٌ بناصيتِها. أنتَ الأوّلُ فليسَ قبلَك شيءٌ، وأنتَ الآخرُ فَليسَ بعدَك شيءٌ، وأنت الظّاهرُ فليسَ دونَك شيءٌ، فَصَلِّ على محمّدٍ وآلِه واقضِ عنّي الدَّيْنَ وأَغنِني من الفقر. يا خيرَ مَن عُبدِ ويا أشكرَ مَن حُمِدَ، ويا أحلمَ مَن قَهَر، ويا أكرمَ مَن قَدِر، ويا أسمعَ مَن نُودي، ويا أقربَ مَن نُوجي، ويا آمنَ مَن استُجير، ويا أرأَفَ مَن استُغيث، ويا أكرمَ مَن سُئِلَ، ويا أجودَ مَن أعطى، ويا أرحمَ مَن استُرحِمَ، صلِّ على محمّدٍ وآلِ محمّدٍ وارحَم قلّةَ حِيلتي، وامنُن عليَّ بالجنّةِ طَوْلاً منك، وفُكَّ رقبتي من النّار تَفضُّلاً. أللّهُمّ إنّي أَطَعْتُكَ في أحبِّ الأشياء إليكَ وهو التّوحيد، ولم أَعْصِكَ في أكرهِ الأشياء إليك وهو الشِّرك، فَصَلِّ على محمّدٍ وآلِ محمّدٍ واكفِنِي أمرَ عدوّي. أللّهُمّ إنّ لكَ عدوّاً لا يَأْلوني خَبالاً، بصيراً بعُيوبي حريصاً على غِوايتي، يراني هو وقبيلُه من حيثُ لا أراهم، أللّهُمّ فَصَلِّ على محمّدٍ وآلِ محمّد، وأَعِذْ من شرّ شياطين الجنِّ والإنسِ أنفسَنا وأموالَنا وأهالينا وأولادَنا، وما أُغْلِقَتْ عليه أبوابُنا وما أحاطتْ به عوراتُنا[55]. أللّهُمّ وَحَرِّمْني عليه كما حَرَّمْتَ عليه الجنّة، وباعِدْ بيني وبينَه كما باعَدْتَ بين السّماء والأرض، وأبعَدَ من ذلك، أللّهُمّ إنّي أعوذُ بكَ من الشّيطانِ الرّجيم، ومن رِجْسِه، ونصبه، وهَمْزِه ولَمْزِهِ ونَفْخِهِ، وكيدِه ومَكرِه، وسِحرِه ونَزْغِه وفِتنَتِه وغوائلِه، أللّهُمّ إنّي أعوذُ بكَ مِنْهم في الدّنيا والآخرة، وَفي المَحيا والمَماة. يا مسمِّيَ نفسِه بالإسمِ الذي قَضى أنّ حاجةَ مَن يدعوه به مَقضيّة، أسألُك به إذْ لا شفيعَ لي عندَك أَوثقُ منه، أن تُصلِّيَ على محمّدٍ وآلِ محمّد، وأن تفعلَ بي (كذا وكذا، وتَسْأَلْ حاجتَك فإنّها تُقضى إن شاء اللهُ تعالى). ثمّ تقول:

أللّهُمّ إنْ أدخلتَني الجنّةَ فأنتَ محمودٌ، وإنْ عذَّبْتَني فأنتَ محمودٌ، يا مَن هو محمودٌ في كلّ خصالِه، صلِّ على محمّدٍ وآلِ محمّدٍ وافعَلْ بي ما تشاءُ وأنت محمود. إلهي أتُراكَ مُعَذِّبي وقد عفَّرتُ لكَ في التّرابِ خَدّي، أتُراكَ معذّبي وحبُّك في قَلبي، أما إنّك إنْ فعلتَ ذلك بي جمعتَ بيني وبينَ قومٍ طالَ ما عاديتُهم فيك. أللّهُمّ إنّي أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لكَ يحقُّ عليكَ فيه الإجابةُ للدّعاء إذا دُعيتَ به، وأسألُك بحقّ كلِّ ذي حقٍّ عليك وبحقِّكَ على جميع مَن هو دونَك، أن تُصلِّيَ على محمّدٍ عبدِك ورسولِك وآلِه الطّاهرين، ومَن أرادَني أو أرادَ أحداً من إخواني بسُوء، فخُذْ بِسَمْعِه وبَصَرِه، ومن بَين يدَيه ومن خلفِه، وامنَعْني منه بحَولِكَ وقوّتِك. أللّهُمّ ما غابَ عنّي من أمري أو حضرَني، ولم ينطقْ به لساني ولم تَبلُغْهُ مَسألتي أنتَ أعلمُ به منّي، فَصَلِّ على محمّدٍ وآل محمّدٍ وأَصْلِحْهُ لي وَسَهِّلْهُ يا ربّ العالمين. ربّنا لا تُؤاخِذْنا إنْ نَسِينا أو أخطَأْنا، ولا تَحمِلْ علينا إصراً[56] كما حمَلْتَه على الذين من قبلِنا، ربّنا ولا تُحمِّلنا ما لا طاقةَ لنا به واعفُ عنّا واغفر لنا وارحَمنا أنتَ مولانا فانصُرنا على القوم الكافرين. ماذا عليك يا ربّ لو أرضيتَ عنّي كلَّ مَن له قِبَلي تبعةٌ، وأدخلتَني الجنّةَ برحمتِك، وغفرتَ لي ذنوبي، فإنّ مغفرتَك للخاطئين وأَنا مِنهم، فاغفرْ لي خَطَأي يا ربّ العالمين. أللّهُمّ إنّك تَحلمُ عن المُذنبين وتَعفو عن الخاطئين، وأنا عبدُك الخاطئُ المُذنبُ الحسيرُ الشَّقِيُّ، الذي قد أفزعَتْني ذنوبي وَأَوْبقَتْني خَطاياي[57]، ولم أَجِدْ لها سادَّاً ولا غافراً غيرَك يا ذا الجلالِ والإكرام. إلهي استَعْبَدَتْني الدّنيا واستَخْدَمَتْني، فصرتُ حيرانَ بين أطباقِها، فيَا مَن أَحصى القليلَ فشكَرَه، وتجاوزَ عن الكثير فغَفرَهُ بعدَ أن سَترَه، ضاعِفْ ليَ القليلَ في طاعتِك وتقبَّله، وتجاوزْ عن الكثيرِ في معصيتِك فَاغفِرْه، فإنّه لا يغفرُ العظيمَ إلّا العظيمُ، يا أرحمَ الرّاحمين.

أللّهُمّ صلِّ على محمّدٍ وآل محمّد، وأَعِنِّي على صلاةِ اللّيل وصيامِ النّهار، وارزُقني من الوَرَع ما يحجزُني عن معاصيك، واجعلْ عباداتي لكَ أيّام حياتي، واستَعمِلني أيّامَ عُمري بعملٍ تَرضى به عنّي، وزَوِّدني من الدّنيا التّقوى، واجعلْ لي في لقائك خُلفاً من جميع الدّنيا، واجعلْ ما بَقِيَ من عُمري دَرْكاً لما مَضى من أجلي. أيقنتُ أنّكَ أنتَ أرحمُ الرّاحمين في موضعِ العفوِ والرّحمة، وأشدُّ المُعاقبينَ في موضعِ النَّكالِ والنَّقِمَة، وأعظمُ المُتَجبّرين في مَوضعِ الكبرياءِ والعَظَمة، فاسمَعْ يا سميعُ مِدْحَتي، وَأَجِبْ يا رحيمُ دَعوتي، وأَقِلْ يا غفورُ عَثرتي. فَكَم يا إلهي من كُربَةٍ فَرَّجْتَها، وغَمرةٍ قد كَشَفْتَها، وعثرَةٍ قد أقَلْتَها، ورحمةٍ قد نَشَرْتَها، وحلَقةِ بلاءٍ قد فَكَكْتَها، ألحمدُ لله الذي هَدانا لهذا وما كنّا لِنَهْتَدِيَ لولا أنْ هدانا الله.

أللّهُمّ وإنّي أُشْهِدُكَ وَكَفى بكَ شهيداً، فاشْهَد لي بأنّي أشهدُ أنّك أنت اللهُ الذي لا إلهَ إلّا أنتَ ربّي، وأنّ محمّداً رسولَك نَبيّي، وأنّ الدِّينَ الذي شَرَعْتَ له ديني، وأنّ الكتابَ الذي أنزلتَ عليه كتابي، وأنّ عليَّ بن أبي طالبٍ إمامي، وأنّ الأئمّةَ من آلِ محمّدٍ صلواتُك عليه وعليهم أئمّتي. أللّهُمّ إنّي أُشْهِدُكَ وكَفى بكَ شهيداً، فاشْهَد لي بأنّكَ أنتَ اللهُ المُنعِمُ عليَّ لا غيرُك، لكَ الحمدُ بنعمتِك تتمّ الصّالحات. لا إلهَ إلّا اللهُ واللهُ أكبرُ وسبحانَ الله وبِحَمْدِه، وتباركَ اللهُ وتعالى، ولا حولَ ولا قوّةَ إلّا باللهِ العليِّ العظيم، ولا ملجأَ ولا مَنجَى من الله إلّا إليه، عدَدَ الشّفعِ والوِتر، وعددَ كلماتِ ربّي الطيّباتِ المباركات، صدقَ اللهُ وبلَّغَ المُرسَلون ونحنَ على ذلك من الشّاهدين. أللّهُمّ صلِّ على محمّدٍ وآل محمّد، واجعَلْ النّورَ في بَصَري، والنّصيحةَ في صدري، وذِكرَك باللّيل والنّهار على لساني، ومن طَيِّبِ رزقِك الحلالِ غير ممنونٍ ولا محظورٍ فارزُقني. أللّهُمّ إنّي أسألُك خيرَ المعيشةِ معيشةً أَقْوَى بها عَلى جميعِ حاجاتي، وأتوسَّلُ بها في الحياة إلى آخرتي، من غير أن تُتْرِفَني فيها فَأَشقى، وأَوْسِعْ عليَّ من حلالِ رزقِك، وأَفِضْ عليَّ من سَيْبِ فضلِك، نعمةً منكَ سابغةً وعطاءً غيرَ ممنون، ولا تَشغَلْني فيها عن شُكرِ نعمتِك عليَّ بإكثارٍ منها فتُلهيني عجائبُ بَهجتِه، وتَفْتِنَني زَهراتُ زينتِه، ولا بإقلالٍ منها فَيَقصُرَ بعملي كَدُّه، ويملأَ صدري همُّه، بل أَعْطِني من ذلك غنىً عن شِرارِ خَلْقِك، وبلاغاً أنالُ به رضوانَك، يا أرحمَ الرّاحمين. أللّهُمّ إنّي أعوذُ بكَ من شرّ الدّنيا وشرِّ أهلِها وشرِّ ما فيها، ولا تَجْعَلِ الدّنيا عليَّ سِجناً، ولا تجعَلْ فراقَها لي حزناً، أَجِرْني من فتنَتِها، واجعَلْ عملي فيها مقبولاً، وسَعيي فيها مشكوراً، حتّى أصلَ بذلك الى دارِ الحَيَوانِ ومساكنِ الأخيار. أللّهُمّ وإنّي أعوذُ بك من أَزَلِها [58] وزِلزالِها وسَطَواتِ سُلطانِها، ومن شرِّ شياطينِها وبَغْي مَن بَغى عليَّ فيها، فَصَلِّ على محمّدٍ وآله واعصِمني بالسَّكينة، وأَلْبِسني درعَك الحصينة، وأجِنَّني[59] في سترِك الواقي وأَصْلِحْ لي حالي، وبارِكْ لي في أهلي وَوُلدي ومالي. أللّهُمّ صلِّ على محمّدٍ وآله وطَهِّر قَلبي وجَسَدي، وزَكِّ عملي، واقبَلْ سَعيي، واجعَلْ ما عندَك خيراً لي، سيّدي أنا من حُبِّك جائعٌ لا أشبَع، أنا من حبِّكَ ظمآن لا أَروى، وَاشَوقاه إلى مَن يَراني ولا أرَاه. يا حبيبَ مَن تحبَّبَ إليه، يا قُرّةَ عينِ مَن لاذَ به وانقطعَ إليه، قد تَرى وحدَتي من الآدميّين ووَحشتي، فَصَلِّ على محمّدٍ وآله واغفرْ لي وآنِسْ وَحشتي وارْحَم وَحدتي وغُربَتي. أللّهُمّ إنّك عالمٌ بحوائجي غيرُ معلَّم، واسعٌ لها غيرُ متكلِّف، فَصَلِّ على محمّدٍ وآلِه وافعَلْ بي ما أنتَ أعلمُ به منّي من أمر دُنياي وآخرَتي.

أللّهُمّ عَظُمَ الذَّنبُ من عبدِك فَلْيَحسُنِ العفوُ عندَك، يا أهلَ التّقوى وأهلَ المغفرة. أللّهُمّ إنّ عفوَك عن ذَنبي وتَجاوزَك عن خَطيئتي، وصَفْحَك عن ظُلمي، وسَتْرَك عَلى قبيحِ عملي، وحلمَك عَن كبيرِ جُرمي، عندما كان من خَطَأي وعَمدي، أطمَعني في أن أسألَك ما لا أَستوجبُه منك، الذي رزَقتني من رَحمتِك، فَلَم أرَ مولًى كريماً أصبرَ على عبدٍ لئيمٍ منكَ عليَّ يا ربّ، إنّك تَدعوني فَأُوَلّي عنك، وتَتَحبَّبُ إليَّ فأَتبَغَّضُ إليك، وتَتودَّدُ إليَّ فَلا أقبلُ منك، كأنّ لِيَ التّطوّلَ عليك، فَلم يمنَعْكَ ذلك من الرّحمةِ لي والإحسانِ إليّ والتّفَضُّلِ عَلَيَّ بجودِك وَكَرَمِك، فَصَلِّ عَلى محمّدٍ وآلِه وارْحَمْ عبدَك الجاهل، وَعُدْ عليه بفضلِ إحسانِك، إنّكَ جوادٌ كريم، أَيْ جَوادُ أَيْ كَريمُ.

ثـمّ تـقـول:

بسم الله الرّحمن الرّحيم، بسمِ اللهِ بسمِ اللهِ، باسمِ عَالِمِ الغَيب، باسمِ مَن ليس في وحدانيّتِه شَكٌّ ولا رَيبٌ، باسمِ مَن لا فوتَ عليه ولا رغبةَ إلّا إليه، باسمِ المعلومِ غيرِ المَحدودِ والمعروفِ غيرِ المَوصوفِ، باسمِ مَن أماتَ وأحيا، بسمِ مَن له الآخرةُ والأُولى، باسمِ العزيزِ الأعزِّ، باسمِ الجليلِ الأَجَلِّ. باسمِ المحمودِ غيرِ المحدود[60] المستَحقِّ لَه عَلى السرّاء والضرّاء، باسمِ المذكورِ في الشِّدَّةِ والرّخاء، باسمِ المُهَيمنِ الجبّار، باسمِ الحنّانِ المَنّانِ، باسمِ العزيزِ من غيرِ تعزُّزٍ والقَديرِ من غير تَقَدُّر، باسمِ مَن لَم يَزَلْ ولا يَزول، باسمِ اللهِ الذي لا إلهَ إلّا هُوَ الحَيُّ القَيّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْم.

ثـمّ تقــول:

أللّهُمّ صَلِّ على محمّدٍ وآلِه وأَصْلِحْني قبلَ الموت، وَارْحَمني عندَ الموت، واغْفِر لي بعدَ الموت، أللّهُمّ صَلِّ على محمّدٍ وآلِه واحطُطْ عنّا أوزارَنا بالرّحمة، وارجِعْ بِمُسيئنا إلى التّوبة. أللّهُمّ إنّ ذُنوبي قَد كَثُرَتْ وجَلَّتْ عن الصِّفَة، وإنّها صغيرةٌ في جَنبِ عفوِك، فَصَلِّ على محمّدٍ وآلِه واعفُ عنّي، أللّهُمّ إنْ كنتَ ابتَلَيتَني فَصَبِّرني والعافيةُ (والعاقبةُ) أحبُّ إليَّ. أللّهُمّ صَلِّ على محمّدٍ وآلِه وحَسِّنْ ظَنّي بكَ وحَقِّقْه، وبَصِّرْ فِعلي، وأَعْطِني من عفوِكَ بمقدارِ أَمَلي وَلا تُجازِني بسوءِ عَمَلِي فتُهلكنَي، فإنّ كرمَك يَجِلُّ عَن مُجازاةِ مَن أذنبَ وقصَّرَ وعاندَ، وَأَتاكَ عائذاً بفضلِك، هارباً منكَ إليك، مُتَنَجِّزاً ما وعدتَ من الصَّفْحِ عمَّن أحسنَ بكَ ظنّاً. أللّهُمّ صلِّ على محمّدٍ وآلِه واغفرْ لِي والجِلْدُ بارك ( بارد)[61] والنَّفَسُ دَائر، واللِّسانُ مُنطَلِق، والصُّحُفُ مُنْشَرة،[62] والأقلامُ جارية، والتّوبةُ مقبولة، والتّضرُّعُ مَرجوّ، قبلَ أن لا أقدرَ على استغفارِك حينَ يَفنى الأَجَلُ ويَنقطعُ العملُ. أللّهُمّ صلِّ على محمّدٍ وآلِه وتَوَلَّنا ولا تُولِنا غيرَك، أَستَغفرُكَ اللّهُمّ استغفاراً لا يُقدِّر قدَرَه ولا يَنظرُ أمدَه إلّا المستغفَرُ به، وَلا يَدري ماَ وراءَه ولا وراءَ مَا وَرائه، والمرادَ به أحدٌ سواه. أللّهُمّ إنّي أستغفرُك لِما وَعدتُكَ من نَفسي ثمّ أَخلفتُك، وأستغفرُك لمَا تبتُ إليكَ منه ثمّ عدتُ فيه، وأستغفرُك لكلِّ خيرٍ أردتُ به وجهَك ثمّ خالَطَني فيه ما ليسَ لك، وأستغفرُك لكلِّ نعمةٍ أَنْعمتَ بها عليَّ ثمَّ قَوِيتُ بها على مَعصيَتِك».[63]

2- الدّعاء الثّاني:

«عن أبي عبد الله (الإمام الصّادق) عليه السلام قال: إذا حَضَر شهرُ رمضان فقُلْ: أللَّهُمَّ قَدْ حَضَرَ شَهْرُ رَمَضانَ وَقَدِ افْتَرَضْتَ عَلَيْنا صِيامَهُ وَأَنْزَلْتَ فِيْهِ القُرْآنَ هُدىً لِلْنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الهُدى وَالفُرْقانِ، أللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلى صِيامِهِ، أللّهُمَّ تَقَبَّلْهُ مِنَّا وَسَلِّمْنا فِيْهِ وتسَلَّمْهُ منَّا فِي يُسْرٍ مِنْكَ وَعافِيَةٍ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ يا أرْحَمَ الرّاحِمين».[64]

3- الدّعاء الثالث:

وهو ما تتضمّنه الرواية التي وردَ فيها دعاءٌ لكلّ يوم من أيّام الشهر العظيم. وتَرِد في ما يلي موزّعةً على الأيّام مع وقفة عند مضمون دعاء كلّ يوم.

 

دعاء اليوم الأوّل

«أللَّهُمَّ اجْعَلْ صِيامِي فِيْهِ صِيامَ الصَّائِمِينَ، وَقِيامِي فِيْهِ قِيامَ القائِمِينَ، وَنَبِّهْنِي فِيْهِ عَنْ نَوْمَةِ الغافِلِينَ، وَهَبْ لِي جُرْمِي فِيهِ يا إِلهَ العالَمِينَ، وَاعْفُ عَنِّي يا عافِياً عَنِ المُجْرِمِينَ».[65]

وقفة مع مضمونه:

يقفُ بنا هذا الدعاء عند الفرق بين الظاهر والباطن، الشكل والمحتوى، وأنّ التفريقَ بينهما يكون باليَقَظة والخروج من الغفلة ولا يتحقّق ذلك عادةً إلّا إذا تخلّص الإنسان من تَبعات الذنوب وخرجَ من حجابها وأسْرِها وهو ما يتوقّف على عفوِه عزّ وجلّ.

* «أللَّهُمَّ اجْعَلْ صِيامِي فِيْهِ صِيامَ الصَّائِمِينَ»: ما أكثرَ الذين يصومون إلّا أنّ الصومَ الحقيقيّ قليل، إلهي لا أريدُ أن أكون من الصائمين ظاهراً فقط، الذين ليس لهم من صومِهم إلّا الجوع والعطش، فاجعَلني اللّهمّ من الصّائمين حقيقةً، في الباطن والسّريرة.

* «وَقِيامِي فِيْهِ قِيامَ القائِمِينَ»: أريد أن تكونَ عبادتي لكَ يا إلهي عبادةً حقيقيّة، وأَنَّى للتّرابِ وربَّ الأرباب، ما أنا وما عَملي؟

* «وَنَبِّهْنِي فِيْهِ عَنْ نَوْمَةِ الغافِلِينَ»: لا يُمكنني أن أحصلَ على صوم الصائمين وقيام القائمين إلّا إذا نبَّهتَني يا إلهي عن نَومةِ الغافلين، ولا أستحقّ ذلك ما دامتَ مَعاصيَّ تحيطُ بي. إلهي فاعفُ عنّي حتّى أستحقّ إيقاظَك لي وتنبيهَك، فيصبحَ قيامي قيامَ القائمين، وصيامي صيامَ الصائمين.

* «وَهَبْ لِي جُرْمِي فِيهِ يا إِلهَ العالَمِينَ، وَاعْفُ عَنِّي يا عافِياً عَنِ المُجْرِمِينَ»: ختامٌ هو المَدخل، فَبالاعتراف تبدأُ التوبة، وبمقدار ما يكونُ تَكون.

إلهي أنا مُقرٌّ بذنبي، معترفٌ بجُرمي، أنا صاحبُ الدواهي العُظمى! فاعفُ عن جُرمي فما أنا بأوّل مَن عصاك فتُبتَ عليه. ياعافياً عن المجرمين.

* عن الإمام الصادق عليه السلام: «نَمْ نومَ المُعتَبِرين، ولا تَنَمْ نومةَ الغافلين، فإنَّ المُعتبِرين من الأكياس، ينامون استراحةً، ولا ينامون استِبْطاراً. وانْوِ بنومتِكَ تخفيفَ مؤونتِكَ على الملائكة، واعتزالَ النَّفِسِ عن شهواتِها، واختَبِرْ بها نفسَك، وكُن ذا معرفةٍ بأنَّك عاجزٌ ضعيفٌ، لا تقدِرُ على شيءٍ من حركاتِك وسكونِك، إلَّا بِحُكم الله وتقديرِه، وأنَّ النّومَ أخُ الموت، واسْتَدِلّ بها على الموت، الّذي لا تجدُ السّبيلَ إلى الانتباه فيه، والرُّجوعِ إلى صلاحِ ما فاتَ عنك، ومَن نام عن فريضةٍ أو سُنَّةٍ أو نافلةٍ فاتَه بسببِها شيءٌ، فذلك نومُ الغافلين، وسيرةُ الخاسرين، وصاحبُه مغبون، ومَن نام بعد فراغِه من أداءِ الفرائض والسُّنَن والواجبات من الحقوق، فذلك نومٌ محمودٌ..».[66]

 

* أعمال كلّ ليلة

تتوزّع أعمال كلّ ليلة من هذا الشهر العظيم على ثلاث محطّات:

1- الإفطار

2- ما بعدَه قبل النوم، لمَن لم يقوَ على الإحياء.

3- السَّحَر.

***

* أوّلاً: الإفطار

وهو محطّة شديدة الأهميّة للصائم، ولا تمتدّ أهميّتها لفترة زمنيّة طويلة، فهي حركةُ قلب، وإرهافُ إحساس، ونُبلُ مشاعر. تماماً كما هو حالُ مَن دخل إلى ضيافة عامرة وقد نُصبت المائدة. كم يستغرق من الوقت أن ينشرَ على الضيوف بسمَة، ويؤدّي التحية بلبَاقة ولياقة، ويخصّ صاحبَ الضيافة بردّ التحية بأدبٍ جَمّ، وكلمات قلبٍ مفعمةٍ بالشكر، لما بدرَ منه في حقّه من تكريمٍ لا علاقةَ له بالطعام، فهو لمَّا يتذوّقه بعد. وكم هو الفارق بين هذا وبين مَن دخل إلى مثل هذه الضيافة، وكأنّه لا يرى إلّا الطعام. إنّ الفارق الزمني لا يُذكر، ولكن الفارق القِيَميّ والأخلاقيّ كبيرٌ، كبير.

للصّائم فرحتان: فرحةٌ عند إفطاره.. ندرك منها هذه الفرحة التي تلامسُ شغافَ القلوب لدى المشاركة في الضيافة العامرة، بالأدب الجمّ، الذي قد يخدش بهاءَه كلمةٌ من هنا، أو إشارةٌ من هناك. فعَلى ماذا نفطر؟ وكيف سنفطر؟

في الجواب على السؤال الأول ورد ذِكرُ الماء والتَّمر وغيرهما، ولكن الأهمّ من ذلك ما بيّنه السّيّد ابن طاوس عليه الرحمة بقوله: «وكلّما كان الذي يُفطر عليه الإنسان أبعد من الشبهات، وأقرب إلى المراقبات كان أفضل أن يفطرَ به، ويجعله وسيلة ينهض بها في الطاعات، وكسوةً لجسده يقفُ بها بين يدَي سيّده».

وفي الجواب على السؤال الثاني: ورد في آداب الإفطار استحبابُ أذكار مختصَرة، وسورة القدر، ويُمكن للصائم اختيار أحدها، كما ورد استحباب دعاء أطول من الأذكارة والسورة.

والغالب الحثّ على الأول (الأذكار المختصَرة، وسورة القدر)، إلّا أنّ الحثّ على الثاني (الدعاء الطويل) كبير جدّاً. وهما كما يلي:

1- عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ما مِن عبدٍ يصومُ ويقولُ عند إفطاره هذا الدُّعاء، إلّا خَرج من ذنوبِه كَيومِ وَلَدَتْهُ أمُّه، وهو: يا عظيمُ يا عظيمُ يا عظيمُ، أنت اللهُ الّذي لا إلهَ إلّا أنتَ، اغفِرْ ليَ الذَّنبَ العظيم، إنَّه لا يَغفرُ الذَّنبَ العظيمَ إلّا أنتَ يا عظيم».[67]

2- عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام: «أنَّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله كان إذا أفطر قال: أللَّهُمَّ لكَ صُمْنا وعلى رِزْقِكَ أفْطَرْنا، فتَقَبَّلْهُ منَّا، ذَهَبَ الظَّمَأُ، وابْتَلَّتِ العُروقُ، وبَقِيَ الأجْرُ».[68]

3- كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا أراد أنْ يُفطر، قال: «أللَّهُمَّ لكَ صُمْنا وعلى رِزْقِكَ أفْطَرْنا، فتَقَبَّلْ منَّا إنَّك أنتَ السَّميعُ العليمُ».[69]

4- عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «إنَّ لِكُلِّ صائمٍ عند فِطرِه دعوةً مُستجابةً، فإذا كان في أوّلِ لقمة، فقُل: بِسمِ الله، يا واسِعَ المغفرةِ، اغفِرْ لي، فمَن قالها عند إفطاره، غُفِرَ له».[70]

5- عن الإمام الصادق عليه السلام: «مَن قرأ (القَدْر) عند سحورِه وعند إفطارِه ".." كان بينَهما كالمُتشَحِّطِ بِدَمِه في سبيلِ الله.»[71]

6- وأما الدّعاءُ المشار إليه، فقد قال فيه السّيّد ابنُ طاوس عليه الرّحمة:

«وَمِنَ الدّعاء المختَصّ بالإفطارِ في شهرِ الصّيام، ما رَويناه بأَسنادِنا إلى المفضّل بن عمر رحمَه الله:

قال الصّادقُ عليه السلام: إنّ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله قالَ لأمير المؤمنين عليه السلام: يا أبا الحَسن، هذا شهرُ رمضانَ قد أَقبَل، فاجعَلْ دُعاءَك قبل فطورِك، فإنَّ جبرئيلَ عليه السلام جاءَني فقال: يا محمّد، مَن دعا بهذا الدُّعاء في شهرِ رمضان قبلَ أنْ يُفطر، استجابَ اللهُ تعالى دعاءَه، وقَبِلَ صَوْمَه وصلاتَه، واستجابَ له عشرَ دعوات، وغَفَر له ذنبَه، وفرَّج همَّه، ونفَّس كُربتَه، وقضى حوائجَه، وأَنجحَ طَلِبتَه، ورفعَ عملَه مع أعمال النّبيّين والصدِّيقين، وجاءَ يومَ القيامة ووجهُه أَضوأُ من القمر ليلةَ البدر، فقلتُ: ما هو يا جبرئيل؟ فقالَ قُلْ:

أللّهُمَّ ربَّ النُّورِ العَظيمِ، ورَبَّ الكُرسيِّ الرَّفيعِ، وربَّ البَحرِ المسْجورِ، وربَّ الشَّفْعِ الكبيرِ، والنُّورِ العزيزِ، وربَّ التَّوراةِ والإنجيلِ والزَّبورِ، والفُرقانِ العَظيمِ. أنتَ إلهُ مَنْ في السَّماواتِ وإلهُ مَنْ في الأرضِ لا إلهَ فيهما غيرُكَ، وأنتَ جبَّارُ مَنْ في السَّماواتِ وجبَّارُ مَنْ في الأرضِ لا جبَّارَ فيهما غيرُك، وأنتَ مَلِكُ مَنْ في السَّماواتِ ومَلِكُ مَنْ في الأرضِ، لا مَلِكَ فيهِما غيرُكَ، أسْألُكَ باسمِكَ الكبيرِ، ونورِ وجهِكَ المُنيرِ، وبِمُلكِكَ القديمِ، يا حَيُّ يا قَيُّومُ، يا حَيُّ يا قَيُّومُ، يا حَيُّ يا قَيُّومُ، أسألُكَ باسمِكَ الَّذي أشْرَقَ بِهِ كُلُّ شيءٍ، وباسْمِكَ الَّذي أشْرَقَتْ به السَّماواتُ والأرْضُ، وباسمِكَ الَّذي صَلُحَ بهِ الأوَّلونَ، وبِهِ يَصْلُحُ الآخِرون، يا حيَّاً قبلَ كُلِّ حَيّ، ويا حيَّاً بعدَ كُلِّ حيّ، ويا حَيُّ لا إلهَ إلَّا أنتَ، صلِّ على مُحمَّدٍ وآلِ مُحمَّدٍ، واغفِرْ لي ذُنوبي، واجْعَلْ لي مِن أمري يُسْراً وفَرَجاً قريباً، وثَبِّتْني على دينِ محمَّدٍ وآلِ محمَّدٍ، وعلى هُدى محمَّدٍ وآلِ محمَّدٍ، وعلى سُنَّةِ محمَّدٍ وآلِ محمَّدٍ عليه وعليهِمُ السَّلام، واجْعَلْ عمَلي في المرْفوعِ المُتَقَبَّل، وهَبْ لي كَمَا وَهَبْتَ لأوليائِكَ وأهلِ طاعتِكَ، فإنِّي مؤمنٌ بِكَ، ومُتَوكِّلٌ عليكَ، مُنِيبٌ إليكَ، مع مَصِيري إليكَ، وتَجْمَعُ لي ولأهلي ولِوُلْدي الخيرَ كلَّهُ، وتَصْرِفُ عَنِّي وعن وُلْدي وأهلي الشَّرَّ كلَّهُ. أنتَ الحنَّانُ المَنَّانُ بَديعُ السَّماواتِ والأرضِ، تُعطي الخيْرَ مَنْ تشاءُ، وتَصْرِفُه عَمَّنْ تشاءُ، فامْنُنْ عليَّ بِرحمَتِكَ يا أرْحَمَ الرّاحِمينَ».[72]

وقد أوردَ الشيخ الطّوسي الدّعاء المتقدّم باختلاف، خصوصاً في آخره، واختلافٍ في العدد، فقال رضوانُ الله عليه:

«ويُستحَبُّ لمَن صامَ أنْ يدعو بهذا الدُّعاء قبلَ إفطاره، سبعَ مرّات: أللّهُمَّ ربَّ النُّورِ العظيمِ، ورَبَّ الكُرسيِّ الواسِعِ، وربَّ العرشِ العظيمِ، وربَّ البحرِ المسْجورِ، وربَّ الشَّفْعِ والوَتْرِ، وربَّ التَّوراةِ والإنجيلِ، وربَّ الظُّلُمات والنُّورِ وربَّ الظِّلِّ والحَرورِ وربَّ القرآنِ العظيمِ، أنتَ إلهُ مَنْ في السَّماواتِ وإلهُ مَنْ في الأرضِ لا إلهَ فيهما غيرُكَ، وأنتَ جبَّارُ مَنْ في السَّماواتِ وجبَّارُ مَنْ في الأرضِ لا جبَّارَ فيهما غيرُك، وأنتَ خالِقُ مَن في السّماء وخالقُ من في الأرضِ لا خالِقَ فيهما غيرُك، وأنتَ مَلِكُ مَنْ في السَّماءِ ومَلِكُ مَن في الأرضِ لا مَلِكَ فيهما غيرُك، أسْألُكَ باسمِكَ الكبيرِ، ونُورِ وجهِكَ المُنيرِ، وبِمُلكِكَ القديمِ، إنَّك على كلِّ شيءٍ قديرٌ، وباسمِكَ الّذي أشرَقَ لهُ نُورُ حُجُبِكَ، وباسمِكَ الَّذي صَلُحَ بهِ الأوَّلونَ، وبِهِ يَصْلُحُ الآخِرون، يا حيَّاً قبلَ كُلِّ حَيّ، ويا حيَّاً بعد كُلِّ حيّ، ويا حيُّ مُحيِي المَوْتى، يا حَيُّ لا إلهَ إلَّا أنتَ، صلِّ على مُحمَّدٍ وآلِ مُحمَّدٍ، واغْفِر لنَا ذُنوبَنا واقْضِ لنا حوائِجَنَا، واكفِنا ما أهمَّنا مِن أمرِ الدُّنيا والآخرةِ، واجْعَلْ لنا مِن أمرِنا يُسراً وثَبِّتنا على هُدى رَسُولِك محمَّدٍ صلّى الله عليه وآله، واجْعَل لنا مِن كُلِّ غَمٍّ وهَمٍّ وضِيقٍ فرَجاً ومَخرجاً، واجْعَل دُعاءَنا عندكَ في المَرفُوعِ المُتَقَبَّلِ المَرحُومِ، وهَبْ لنا ما وَهَبْتَ لِأهلِ طاعَتِكَ مِن خَلْقِكَ فإنَّا مُؤمنونَ بِك مُنيبُونَ إليكَ مُتَوكِّلونَ عليكَ ومَصيرُنا إليكَ. أللَّهمَّ اجْمَع لنا الخيرَ كلَّه واصْرِفْ عنَّا الشَّرَّ كلَّه إنَّك أنتَ الحنَّانُ المنَّانُ بديعُ السَّماواتِ والأرضِ، تُعطِي الخَيرَ مَن تَشاءُ وتَصرِفُهُ عَمَّن تَشاء. أللَّهمَّ أعطِنا مِنهُ وامنُنْ علينا بِهِ يا أرْحَمَ الرَّاحمين. يا أللهُ يا رحمنُ يا رحيمُ يا ذا الجَلالِ والإكرامِ، يا أللهُ أنت الَّذي ليسَ كَمِثلِه شيءٌ، يا أجْوَدَ مَن سُئِل، يا أكرَمَ مَن أعطَى، يا أرحَمَ مَنِ اسْتُرْحِم، صَلِّ على مُحمَّدٍ وآلِه وارْحَم ضَعفي وقِلَّةَ حيلَتي إنَّك ثِقَتي ورَجائي، وامْنُنْ عليَّ بالجنَّةِ وعافِنِي من النَّارِ بِرَحمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحمين، واجْمَعْ لنا خيرَ الدُّنيا والآخِرةِ بِرَحْمَتِكَ يا أرحَمَ الرَّاحِمين.»[73]

تقديم الصلاة، أو الإفطار؟

قال الشيخ الطوسي عليه الرحمة:

«ورَوى زرارة وفضيل عن أبي جعفر (الإمام الباقر) عليه السلام: في رمضان تُصلّي ثمّ تُفطِر إلَّا أن تكونَ مع قومٍ يَنتظرون الإفطار، فإنْ كنتَ معهم فلا تُخالف عليهم، وأَفْطِرْ ثمَّ صَلِّ، وإلَّا فابْدَأ بالصّلاة. قلتُ: ولِمَ ذلك؟ (أي ما هو السّبب في تقديم الصّلاة عندما لا يكون الصّائم مع قومٍ ينتظرون) قال: لأنّه قد حَضَرَك فرضان: الإفطارُ والصّلاة، فابْدَأ بأفضلِهما، وأفضلُهُما الصَّلاة، ثمّ قال: تُصلِّي وأنتَ صائمٌ، فتُكتَب صلاتُك تلك، فتُختَم بالصَّوم أحبُّ إليّ».[74]

آداب الإفطار

آداب الإفطار

قال السيّد ابن طاوس عليه الرحمة:

«فصلٌ في ما نذكرُه من كيفيّة خروجِ الصّائم من صومِه ودخولِه في حُكم الإفطار. اِعلم أنَّ للصّائم معاملةً كُلِّفَ باستمرارها قبل صَومه، ومع صَومه، وبعد صَومه، فهي مطلوبةٌ منه قبلَ الإفطار، ومعَه، وبعدَه، في اللَّيل والنّهار، وهي طهارةُ قلبِه ممّا يَكرَهُه مَوْلاه، واستعمالُ جوارحِه في ما يُقرِّبه مِن رِضاه، فهذا أمرٌ مرادٌ من العبدِ مدَّة مقامِه في دُنياه.

وأمّا المعاملةُ المُختصّةُ بزيادة شهر رمضان، فإنَّ العبدَ إذا كان مع اللهِ جلَّ جلالُه، يتصرَّفُ بأمرِه في الصَّوم والإفطار، في السِّرّ والإعلان، فَصَومُه طاعةٌ سعيدةٌ، وإفطارُه بأمرِ اللهِ جلَّ جلالُه عبادةٌ أيضاً جديدةٌ. فيَكون خروجُه من الصَّوم إلى حُكم الإفطار، خروجَ مُمْتَثلٍ أمرَ اللهِ جلَّ جلالُه، وتابعٍ لِما يُريده منه من الاختيار، مُتشرِّفاً ومتلذِّذاً بأنَّ سلطانَ الدُّنيا والآخرةِ ارْتَضاه أنْ يكونَ بِبابِه، مُنصرِفاً إلى خدمتِه، مُنتسِباً إلى دولتِه وسُلطتِه، وأنَّه وفَّقهُ للقبول منه، وسَلَّمَه من خطر الإعراضِ عنه. وإيَّاهُ وأنْ يَعتقد أنَّه بدخولِ وقتِ الإفطار، قد أُعْفِيَ من هَيبة المُطالبة بِطهارةِ الأسرار، وإصلاحِ الأعمالِ في اللّيل والنّهار، وهو يعلمُ أنَّ اللهَ جلَّ جلالُه ما أعفاه (من الصِّيام) إلَّا لمزيدِ دوامِ إحسانِه إليه، وإقبالِه بالرَّحمة عليه. وكيفَ يكونُ العبدُ مُتهاوِناً بإقبالِ مالكٍ حاضرٍ مُحسنٍ إليه، ويُهَوِّن من ذلك ما لم يُهَوَّن، ألم يَسمع مَوْلاهُ يقول:  ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِالذّاريات:56.[75]

*وفي هَدي ما تقدّم يُمكن القول:

اعلم أنّ الإفطارَ نوعُ إحلالٍ بعد إحرام، وخروجٌ من الحمى الخاصّ بعد الدخول فيه، وأنّ ما بين الإفطار والإمساك التالي، نوعُ تمتُّعٍ بالحَجّ، يعقبُه دخولُ الحمى مجدّداً في موعد الإحرام التالي، وَلْيَكُن ذلك نصبَ عينَي القلب طيلةَ ضيافة الرحمن، واستحضِرْه في كلّ ليلةٍ عند الإفطار، فإنّك بحول الله تعالى تَجِد بركاتِه في آخرِ سفرِ الحجّ عندما يحينُ موعدُ الخروجِ من البيتِ الحرام، والحَرَم عموماً، إلى عرفات ومِنى ليلةَ العيد، كما تجدها في آخر سفرِ الصّوم، عند موعدِ العودةِ إلى «الدّيار» بعد السابع من شوّال، وانتهاء موسم ضيافة الله تعالى وما يتبعُها من صيامٍ مستَحَبّ.

ما بعـدَ الإفطار

* الغُسل

يُستَحبّ الغُسل في كلّ ليلة مفردَة، أي الأولى، الثالثة، الخامسة، وهكذا.

قال الشيخ الطوسي عليه الرحمة:

«وقد بيَّنّا ليالي الغُسل وهي أربعُ ليالٍ: ليلة سبع عشرة، وتسع عشرة، وإحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وإنِ اغتَسل ليالي الإفراد كلّها وخاصّة ليلة النّصف، كان له فيه فضلٌ كثير».[76]

وفي (العروة الوثقى):

«يُستَحبُّ الغُسل في ليالي الإفراد من شهر رمضان، وتمامِ ليالي العَشر الأخيرة، ويستَحبُّ في ليلة الثالث والعشرين غسلٌ آخر في آخر اللّيل، وأيضاً يستحبّ الغُسل في اليوم الأوّل منه، فعَلى هذا، الأغسال المستحبّة فيه اثنان وعشرون. وقيلَ باستحباب الغُسل في جميع لياليه حتّى ليالي الأزواج، وعليه يصير (اثنَين وثلاثين)، ولكن لا دليلَ عليه، لكنّ الإتيانَ لاحتمال المطلوبيّة في ليالي الأزواج من العُشرَين الأوُلَيَين لا بأس به. والآكد منها: (في) ليالي القدر وليلة النّصف، وليلة سبعة عشر، والخمس وعشرين، والسبع وعشرين، والتسع وعشرين منه».

 

طريقة الغسل: للأمن من حكّة البدن

أضاف في (العروة الوثقى): «يُستحَبّ أن يكون الغُسل في اللّيلة الأولى واليوم الأوّل من شهر رمضان في الماء الجاري، كما أنّه يستحبّ أن يصبّ على رأسه قبلَ الغسل أو بعدَه ثلاثين كفّاً من الماء ليأمنَ من حكّةِ البَدَن، ولكن لا دخلَ لهذا العمل بالغُسل، بل هو مستَحبٌّ مستَقلّ».

* وقتُ الغسل

* في (العروة الوثقى):

«مسألة 16: وقتُ غُسل اللّيالي تمامُ اللّيل، وإنْ كان الأَولى الإتيانُ به أوّلَ اللّيل، بل الأَولى الإتيانُ به قبلَ الغروب أو مقارناً له ليكونَ على غُسلٍ من أوّلِ اللّيل إلى آخرِه، نعم لا يَبعد في ليالي العَشر الأخيرة رَجحانُ الإتيان به بينَ المغرب والعشاء لما نُقل من فعل النّبيّ ح، وقد مرّ أنّ الغسلَ الثاني في اللّيلة الثّالثة والعشرين في آخره.

مسألة 17: إذا تركَ الغُسلَ الأوّلَ في اللّيلة الثّالثة والعشرين في أوّل اللّيل لا يَبعد كفايةُ الغُسل الثاني عنه، وإنْ كان الأولى الإتيانُ بهما آخرَ اللّيل برجاء المطلوبيّة، خصوصاً مع الفصل بينَهما، ويجوزُ الإتيانُ بغُسلٍ واحدٍ بعنوان التّداخل وقصدِ الأمرَين».[77]

 

دعاء الافتتاح

قال السيّدُ ابن طاوس: «فصلٌ في ما نذكرُه من دعاء الافتتاح وغيرِه من الدّعوات التي تتكرّرُ كلّ ليلةٍ إلى آخر شهر ِالفلاح. فَمن ذلك الدّعاءُ الّذي ذكَرَه محمّد بن أبي قرّة بأسناده، فقال: حدَّثني أبو الغنائم محمّد بن محمّد بن محمّد بن عبد الله الحسنيّ، قال : أخبَرنا أبو عمرو محمّد بن محمّد بن نصر السّكونيّ رضي الله عنه، قال: سألتُ أبا بكر أحمد بن محمّد بن عثمان البغداديّ رحمه الله، أن يُخرِجَ إليّ أدعيةَ شهر رمضان الّتي كان عمّه أبو جعفر محمّد بن عثمان بن السّعيد العَمْريّ (السّفير الثّاني للإمام صاحب الزّمان عليه السلام) رضي الله عنه وأرضاه يَدعو بها، فأخرَجَ إليّ دفتراً مجلّداً بأحمر، فنسختُ منه أدعيةً كثيرةً، وكان من جملتها: وتدعو بهذا الدّعاء في كلِّ ليلةٍ من شهرِ رمضان، فإنَّ الدُّعاءَ في هذا الشّهر تسمَعُهُ الملائكةُ وتَستغفرُ لِصاحبِه، وهو: أللَّهمَّ إنِّي أَفْتَتِحُ الثّناءَ بِحَمدِكَ وأنتَ مُسدِّدٌ للصَّوابِ بمَنِّك..»، وأوردَ الدَّعاءَ كما أوْرَده الشّيخ الطّوسيّ عليهما الرّحمة، وسَيأتي بتمامِه.[78]

قال الشيخ الطوسي: «دعاءُ كلِّ ليلةٍ من شَهر رمضان من أوّل الشهر إلى آخرِه:

أللّهُمَّ إِنِّي أَفْتَتِحُ الثَّناءَ بِحَمْدِكَ وَأَنْتَ مُسَدِّدٌ لِلصَّوابِ بِمَنِّكَ، (وَ) أَيْقَنْتُ أَنَّكَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فِي مَوْضِعِ العَفْوِ وَالرَّحْمَةِ، وَأَشَدُّ المُعاقِبِينَ فِي مَوْضِعِ النِّكالِ وَالنَّقِمَةِ، وَأَعْظَمُ المُتَجَبِّرِينَ فِي مَوْضِعِ الكِبْرِياءِ وَالعَظَمَةِ. أللّهُمَّ أَذِنْتَ لِي فِي دُعائِكَ وَمَسْأَلَتِكَ فاسْمَعْ يا سَمِيعُ مِدْحَتِي، وَأَجِبْ يا رَحِيمُ دَعْوَتِي، وَأَقِلْ يا غَفُورُ عَثْرَتِي، فَكَمْ يا إِلهِي مِنْ كُرْبَةٍ قَدْ فَرَّجْتَها، وَهُمُومٍ قَدْ كَشَفْتَها، وَعَثْرَةٍ قَدْ أَقَلْتَها، وَرَحْمَةٍ قَدْ نَشَرْتَها، وَحَلْقَةِ بَلاءٍ قَدْ فَكَكْتَها. الحَمْدُ للهِ الَّذي لَمْ يَتَّخِذْ صاحِبَةً وَلا وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً.

الحَمْدُ للهِ بِجَمِيعِ مَحامِدِهِ كُلِّها عَلى جَمِيعِ نِعَمِهِ كُلِّها، الحَمْدُ للهِ الَّذِي لا مُضادَّ لَهُ فِي مُلْكِهِ وَلا مُنازِعَ لَهُ فِي أَمْرِهِ، الحَمْدُ للهِ الَّذِي لا شَرِيكَ لَهُ فِي خَلْقِهِ وَلا شِبْهَ لَهُ فِي عَظَمَتِهِ، الحَمْدُ للهِ الفاشِي فِي الخَلْقِ أَمْرُهُ وَحَمْدُهُ، الظّاهِرِ بالكَرَمِ مَجْدُهُ الباسِطِ بالجُودِ يَدَهُ، الَّذِي لا تَنْقُصُ خَزائِنُهُ وَلا يَزِيدُهُ كَثرَةُ العَطاءِ إِلّا كَرَماً وجُودَاً، إِنَّهُ هُوَ العَزِيزُ الوَهَّابُ. أللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ قَلِيلاً مِنْ كَثِيرٍ مَعَ حَاجَةٍ بِي إِلَيْهِ عَظِيمَةٍ وِغِناكَ عَنْهُ قَدْيمٌ، وَهُوَ عِنْدِي كَثِيرٌ وَهُوَ عَلَيْكَ سَهْلٌ يَسِيرٌ. أللّهُمَّ إِنَّ عَفْوَكَ عَنْ ذَنْبِي وَتَجاوُزَكَ عَنْ خَطِيئَتِي وَصَفْحَكَ عَنْ ظُلْمِي وَسَتْرَكَ عَلَى قَبِيحِ عَمَلِي، وَحِلْمَكَ عَنْ كَثِيرِ جُرْمِي، عِنْدَما كانَ مِنْ خَطَأي وَعَمْدِي أَطْمَعَنِي فِي أَنْ أَسْأَلَكَ ما لا أسْتَوْجِبُهُ مِنْكَ الَّذِي رَزَقْتَنِي مِنْ رَحْمَتِكَ وَأَرَيْتَنِي مِنْ قُدْرَتِكَ وَعَرَّفْتَنِي مِنْ إِجابَتِكَ، فَصِرْتُ أَدْعُوكَ آمِناً وَأَسْأَلُكَ مُسْتَأْنِسَاً لا خائِفاً وَلا وَجِلاً، مُدِلّاً عَلَيْكَ فِي ما قَصَدْتُ فِيهِ إِلَيْكَ، فَإنْ أَبْطأَ عَنِّي عَتِبْتُ بِجَهْلِي عَلَيْكَ، وَلَعَلَّ الَّذِي أَبْطَأَ عَنِّي هُوَ خَيْرٌ لِي لِعِلْمِكَ بِعاقِبَةِ الأمُورِ، فَلَمْ أَرَ مَوْلىً كَرِيماً أَصْبَرَ عَلى عَبْدٍ لَئيمٍ مِنْكَ عَلَيَّ يا رَبِّ. إِنَّكَ تَدْعُونِي فَأُوَلِّي عَنْكَ، وَتَتَحَبَّبُ إِلَيَّ فَأَتَبَغَّضُ إِلَيْكَ، وَتَتَوَدَّدُ إِلَيَّ فَلا أَقْبَلُ مِنْكَ، كَأَنّ لِيَ التَّطَوُّلَ عَلَيْكَ، وَلَمْ يَمْنَعْكَ ذلِكَ مِنَ الرَّحْمَةِ لِي وَالإحْسانِ إِلَيَّ وَالتَّفَضُّلِ عَلَيَّ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ، فَارْحَمْ عَبْدَكَ الجاهِلَ وَجُدْ عَلَيْهِ بِفَضْلِ إِحْسانِكَ إِنَّكَ جَوادٌ كَرِيمٌ.

الحَمْدُ للهِ مالِكِ المُلْكِ مُجْرِي الفُلْكِ مُسَخِّرِ الرِّياحِ فالِقِ الإصْباحِ، دَيّانِ الدَّينِ رَبِّ العالَمِينَ، الحَمْدُ للهِ عَلى حِلْمِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ وَالحَمْدُ للهِ عَلى عَفْوِهِ بَعْدَ قُدْرَتِهِ وَالحَمْدُ للهِ عَلى طُولِ أَناتِهِ فِي غَضَبِهِ وَهُوَ القادِرُ عَلى ما يُرِيدُ، الحَمْدُ للهِ خالِقِ الخَلْقِ وباسِطِ الرِّزْقِ ذِي الجَلالِ وَالإكْرامِ وَالفَضْلِ وَالإحسانِ الَّذِي بَعُدَ فَلا يُرى وَقَرُبَ فَشَهِدَ النَّجْوى تَبارَكَ وَتَعالى، الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ مُنازِعٌ يُعادِلُهُ وَلا شَبِيهٌ يُشاكِلُهُ وَلا ظَهِيرٌ يُعاضِدُهُ، قَهَرَ بِعِزَّتِهِ الأعِزَّاءَ وَتَواضَعَ لِعَظَمَتِهِ العُظَماءُ فَبَلَغَ بِقُدْرَتِهِ ما يَشاءُ، الحَمْدُ للهِ الَّذِي يُجِيبُنِي حِينَ أُنادِيهِ وَيَسْتُرُ عَلَيَّ كُلَّ عَوْرَةٍ وأَنا أَعْصِيهِ وَيُعَظِّمُ النِّعْمَةَ عَلَيَّ فَلا أُجازِيهِ، فَكَمْ مِنْ مَوْهِبَةٍ هَنِيئَةٍ قَدْ أَعْطانِي وَعَظِيمَةٍ مَخُوفَةٍ قَدْ كَفانِي وَبَهْجَةٍ مُونِقَةٍ قَدْ أَرانِي، فأُثْنِي عَلَيْهِ حامِداً وَأَذْكُرُهُ مُسَبِّحاً. الحَمْدُ للهِ الَّذِي لا يُهْتَكُ حِجابُهُ وَلا يُغْلَقُ بابُهُ وَلا يُرَدُّ سائِلُهُ وَلا يُخَيَّبُ آمِلُهُ، الحَمْدُ للهِ الَّذِي يُؤْمِنُ الخائِفِينَ وَيُنَجِّي الصَّالِحِينَ وَيَرْفَعُ المُسْتَضْعَفِينَ وَيَضَعُ المُسْتَكْبِرِينَ وَيُهْلِكُ مُلُوكَاً وَيَسْتَخْلِفُ آخَرِينَ، الحَمْدُ للهِ قاصِمِ الجَبَّارينَ مُبِيرِ الظَّلَمَةِ مُدْرِكِ الهارِبِينَ نَكالِ الظَّالِمِينَ، صَرِيخِ المُسْتَصرِخِينَ مَوْضِعِ حاجاتِ الطَّالِبِينَ مُعْتَمَدِ المُؤْمِنِينَ، الحَمْدُ للهِ الَّذِي مِنْ خَشْيَتِهِ تَرْعَدُ السَّماء وَسُكَّانُها، وَتَرْجُفُ الأَرْضُ وَعُمَّارُها، وَتَمُوجُ البِحارُ وَمَنْ يَسْبَحُ فِي غَمَراتِها، الحَمْدُ للهِ الَّذِي يَخْلُقُ وَلَمْ يُخْلَقْ، وَيَرْزُقُ وَلا يُرْزَقُ وَيُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ وَيُمِيتُ الأحْياءَ وَيُحْييَ المَوْتى وَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ بِيَدِهِ الخَيْرُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ.

أللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، وَأَمِينِكَ وَصَفِيِّكَ، وَحَبِيبِكَ وَخِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ، وَحافِظِ سِرِّكَ وَمُبَلِّغِ رِسالاتِكِ، أَفْضَلَ وَأَحْسَنَ وَأَجْمَلَ وَأَكْمَلَ، وَأَزْكى وَأَنْمى وَأَطْيَبَ وَأَطْهَرَ، وَأَسْنى وَأَكْثَرَ ما صَلَّيْتَ وَبارَكْتَ وَتَرَحَّمْتَ وَتَحَنَّنْتَ وَسَلَّمْتَ عَلى أَحَدٍ مِنْ عِبادِكَ وَأَنْبِيائِكَ وَرُسُلِكَ وَصَفْوَتِكَ وَأَهْلِ الكَرامَةِ عَلَيْكَ مِنْ خَلْقِكَ،أللّهُمَّ صَلِّ عَلى عَلِيٍّ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ وَوَصِيِّ رَسُولِ رَبِّ العالَمِينَ، وَعَلى الصِّدِّيقَةِ الطَّاهِرَةِ فِاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِساءِ العالَمِينَ، وَصَلِّ عَلى سِبْطَي الرَّحْمَةِ وَإِمامَي الهُدى الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ سَيِّدَيْ شَبابِ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَصَلِّ عَلى أَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ حُجَجِكَ عَلى عِبادِكَ وَأُمَنائِكَ فِي بِلادِكِ صَلاةً كَثِيرَةً دائِمَةً. أللّهُمَّ وَصَلِّ عَلى وَلِيِّ أَمْرِكِ القائِمِ المُؤَمَّلِ وَالعَدْلِ المُنْتَظَرِ، أُحْفُفْهُ بِمَلائِكَتِكَ المُقَرَّبِينَ وَأَيِّدْهُ بِرُوحِ القُدُسِ يا رَبَّ العالَمِينَ، أللّهُمَّ اجْعَلْهُ الدَّاعِيَ إِلى كِتابِكَ وَالقائِمَ بِدِينِكَ، اسْتَخْلِفْهُ فِي الأَرْضِ كَما اسْتَخْلَفْتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِ، مَكِّنْ لَهُ دِينَهُ الَّذِي ارْتَضَيْتَهُ لَهُ، أَبْدِلْهُ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِ أَمْناً يَعْبُدُكَ لا يُشْرِكُ بِكَ شَيْئاً، أللّهُمَّ أَعِزَّهُ وَأَعْزِزْ بِهِ وَانْصُرْهُ وَانْتَصِرْ بِهِ، (و) انْصُرْهُ نَصْراً عَزِيزاً، أللّهُمَّ أَظْهِرْ بِهِ دِينَكَ وَمِلَّةَ نَبِيِّكَ حَتَّى لا يَسْتَخْفِيَ بِشَيءٍ مِنَ الحَقِّ مَخافَةَ أَحَدٍ مِنَ الخَلْقِ. أللّهُمَّ إِنا نَرْغَبُ إِلَيْكَ فِي دَوْلَةٍ كَرِيمَةٍ تُعِزُّ بِها الإسْلامَ وَأَهْلَهُ وَتُذِلُّ بِها النِّفاقَ وَأَهْلَهُ، وَتَجْعَلُنا فِيها مِنَ الدُّعاةِ إِلى طاعَتِكَ وَالقادَةِ إِلى سَبِيلِكَ وَتَرْزُقُنا بِها كَرامَةَ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ. أللّهُمَّ ما عَرَّفْتَنا مِنَ الحَقِّ فَحَمِّلْناهُ وَما قَصُرْنا عَنْهُ فَبَلِّغْناهُ.

أللّهُمَّ الْمُمْ بِهِ شَعَثَنا وَاشْعَبْ بِهِ صَدْعَنا وَارْتُقْ بِهِ فَتْقَنا، وَكَثِّرْ بِهِ قِلَّتَنا وَأَعْزِزْ بِهِ ذِلَّتَنا وَأَغْنِ بِهِ عائِلَنا، وَاقْضِ بِهِ عَنْ مُغْرَمِنا (مَغْرَمِنا)، وَاجْبُرْ بِهِ فَقْرَنا وَسُدَّ بِهِ خَلَّتَنا وَيَسِّرْ بِهِ عُسْرَنا، وَبَيِّضْ بِهِ وُجُوهَنا وَفُكَّ بِهِ أَسْرَنا، وَأَنْجِحْ بِهِ طَلِبَتَنَا وَأَنْجِزْ بِهِ مَواعِيدَنا وَاسْتَجِبْ بِهِ دَعْوَتَنا، وَأَعْطِنا بِهِ فَوْقَ رَغْبَتِنا، يا خَيْرَ المَسْؤُولِينَ وَأَوْسَعَ المُعْطِينَ اشْفِ بِهِ صُدُورَنا وَأَذْهِبْ بِهِ غَيْظَ قُلُوبِنا وَاهْدِنا بِهِ لِما اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَانْصُرْنا عَلى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّنا إِلهَ الحَقِّ آمِينَ. أللّهُمَّ إِنَّا نَشْكُو إِلَيْكَ فَقْدَ نَبِيِّنا وَغَيْبَةَ إمَامِنا وَكَثْرَةَ عَدُوِّنا وَشِدَّةَ الفِتَنِ وَتَظاهُرَ الزَّمانِ عَلَيْنا، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ محمّدٍ وَأَعِنّا عَلى ذلِكَ بِفَتْحٍ تُعَجِّلُهُ وَبِضُرٍ تَكْشِفُهُ، وَنَصْرٍ تُعِزُّهُ وَسُلْطانِ حَقٍّ تُظْهِرُهُ، وَرَحْمَةٍ مِنْكَ تُجَلِّلُناها وَعافِيَةٍ مِنْكَ تُلْبِسُناها بِرَحْمَتِكَ يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ».[79]

صلاة كـلّ ليـلة

تعدّدت الرّوايات حول صلاة كلّ ليلة، وهي على ثلاثة أقسام كما يلي:

1- روايات صلاة الألف ركعة موزّعة على اللّيالي. ويأتي مزيدُ إيضاح، وهي التي ينبغي الاهتمام بها أكثر من غيرها، لِما ستَعرف من رأي الفقهاء، ولأنّ سيّد العلماء المراقبين السيّد ابن طاوس قال عن الصلوات الآتية:

«واعلم أنّني تركتُ ذكرَ صلواتٍ في ليالي شهر رمضان ما وثقتُ بطُرقِها ورُواتها، وصُرِفتُ عن إثباتِها».[80]

2- رواية عن رسول الله صلّى الله عليه وآله[81]، وعن أمير المؤمنين عليه السلام[82] باختلافٍ يسير، وقد وردتْ فيها لكلّ ليلة صلاة خاصّة.

3- صلاة واحدة مختصَرة، يُؤتى بها في كلّ ليلة.

قال الكفعمي: «ويُستَحبُّ أن يصلِّي في كلِّ ليلةٍ من شهر رمضان ركعتَين بـ (الحمد) مرّة، و(التّوحيد) ثلاثاً، فإذا سلَّم قال: سُبْحانَ مَنْ هُوَ حَفِيظٌ لا يَغْفَلُ، سُبْحانَ مَنْ هُوَ رَحِيمٌ لا يَعْجَلُ، سُبْحانَ مَنْ هُوَ قائِمٌ لا يَسْهُو، سُبْحانَ مَنْ هُوَ دائِمٌ لا يَلْهُو. ثمّ يقولُ التّسبيحاتِ الأربعة سبعاً، ثمَّ يقول: سُبحانَكَ سُبحانَكَ يا عظيمُ، اِغْفِرْ ليَ الذَّنبَ العَظيم. ثمَّ تُصلّي على النّبيّ عشراً. مَن صلَّاها غَفرَ اللهُ له سبعين ألف ذنبٍ».[83]

والمراد بالتّسبيحات الأربعة: «سُبْحَانَ اللهِ والحَمْدُ للهِ وَلَا إِلهَ إلّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَر».

ويستطيع المؤمن اختيار إحدى هذه الروايات، إلّا أنّ صلاة الألف ركعة هي الأرجح، ولذلك فسَأقفُ عندها في ما يلي بشيءٍ من التفصيل، ثم أعتمدُ في عمل كلّ يومٍ وليلة ذكرَ هذه الصّلاة -الألف ركعة- أوّلاً، ثم أذكر الصّلاتَين الثانية والثالثة، بالترتيب المذكور آنفاً، والسبب في ذكر الصّلوات الثّلاثة لكلّ ليلة، أن لا يُحرَم من صلاة اللّيلة مَن لا يوفَّق لحصّة تلك اللّيلة من الألف ركعة، ويكون أمام خيارَين آخرَين يُمكنه الأخذُ بأحبِّهما إليه، مع التنبّه جيّداً إلى أنّ الفارقَ بين الأولى وغيرها كبيرٌ جدّاً.

* ترجيحُ الأولى: الألف ركعة

يرجِّح أغلبُ الفقهاء اعتمادَ الألف ركعة التي وردتْ في عدّة روايات، إلّا أنّ هناك اختلافاً في عدّة موارد، والنتيجة العمليّة أنّه يُمكن الإتيان بهذه الألف ركعة بإحدى طريقتَين:

الأولى: عشرون ركعة في كلّ ليلة من أوّل الشهر إلى العشرين منه، وثلاثون لكلّ ليلة من العشر الأخيرة، وثلاثمائة يُؤتى بها ليالي تسع عشرة، وإحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، فيكون المجموع ألف ركعة.

قال الشّهيدان الأول والثاني: «ثمان بعدَ المغرب واثنتا عشرة بعد العشاء، ويجوز العَكس وفي كلّ ليلة من العَشر الأخيرة ثلاثون ركعة: ثمان منها بعد المغرب، والباقي بعد العشاء. ويجوز اثنتا عشرة بعد المغرب، والباقي بعد العشاء».[84]

ويقرأ في كلّ ركعة (الحمد) مرّة، و(التّوحيد) مرّة، أو ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً، أو عشراً، يختار المصلّي بين ذلك، فقد تضمَّنتْ روايةُ هذه الصلاة عن الإمام الصّادق قولَه عليه السلامخ: «تقرأُ في هذه الصّلوات كلِّها، أعني صلاةَ شهر رمضان، الزّيادةَ منها،[85] بـ (الحمد) و(قل هو الله أحد)، إنْ شئتَ مرّةً، وإنْ شئتَ ثلاثَ مرّات، وإنْ شئتَ خمس مرّات، وإنْ شئتَ سبعاً، وإنْ شئتَ عشراً».[86]

وهناك دعاءٌ خاصٌّ بعدَ كلّ ركعتَين، وهو بصيغتَين: مطوَّلَة، ومختصَرة.

ويأتي ذِكر الدعاء المختصَر، في آخر الحديث عن كيفيّة الصّلاة.

الثانية: الصلاة في جميع اللّيالي كما تقدّم، ويتمّ توزيعُها بين المغرب والعشاء، وبعد العشاء، ويقرأ فيها كما تقدّم، ولكن لا تُصلّى العشرون ركعة، ولا الثّلاثون في ليالي القدر، أي لا تُصلَّى عشرون ركعة ليلة تسع عشرة، ولا تُصَلّى ثلاثون ركعة ليلة إحدى وعشرين، ولا ثلاثون ليلة ثلاث وعشرين، فيكون ما نقصَ من الألف ثمانين ركعة، يُؤتى بها كما يلي:

أ- تُفرَّق في أربع جُمَع، في كلّ جمعة عشر ركعات، أربعٌ منها صلاة أمير المؤمنين عليه السلام، وركعتان صلاة فاطمة الزّهراء عليها السلام، وأربع ركعات صلاة جعفر رضوان الله تعالى عليه.

ب- ويُؤتى في ليلة آخر جمعة بعشرين ركعة صلاة أمير المؤمنين عليه السلامخ، وفي ليلة آخر سبت منه بعشرين ركعة صلاة فاطمة عليها السلامد، فيكون ذلك تمامُ ألف ركعة.[87]

وتصرّح كلماتُ العلماء بأنّ بالإمكان الاختيار بين الطريقتَين، وبالإمكان الرجوع في معرفة هذه الصّلوات إلى (مفاتيح الجنان) للمحدّث الشيخ عباس القمّي رحمَه الله تعالى.

 

* الدعاء بعد كلّ ركعتَين

أوردَ الشيخ الطوسي، ونقلَ عنه السيّد ابن طاوس أدعية مطوَّلة يُدعى بها بعد كلّ ركعتَين من العشرين ومن الثلاثين، وبعد كلّ ركعتَين من المائة التي يُؤتى بها في ليالي القدر، ومَن أرادَها يُمكنه الرجوع إلى (مصباح المتهجّد)، أو (الإقبال)، وسَأكتفي هنا بذِكرِ دعاءٍ مختصَر، يُدعى به بعد كلّ ركعتَين: «عن الإمام العسكريّ عليه السلام: وَلْيَكُن ممّا تدعو به كلّ ليلة بينَ كلّ ركعتَين من نوافل شهر رمضان:

أللّهُمَّ اجْعَلْ فِيما تَقْضِي وَتُقَدِّرُ مِنَ الأمْرِ المَحْتُومِ، أَنْ تَجْعَلَنِي مِنْ حُجَّاجِ بَيْتِكَ الحَرامِ المَبْرُورِ حَجُّهُمُ المَشْكُورِ سَعْيُهُمُ المَغْفُورِ ذُنُوبُهُمْ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تُطِيلَ عُمرِي فِي طاعَتِكَ وَتُوَسِّعَ فِي رِزْقِي يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وصلّى اللهُ على مُحمَّدٍ وآلِهِ الطّاهرين».[88]

صلاة اللّيلة الثانية

عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ومَن صلَّى في اللّيلة الثّانية أربع ركعات، يقرأُ في كلِّ ركعة (الحمد) مرّة، و(إنّا أنزلناه في ليلة القدرِ) عشرين مرّة، غَفَرَ اللهُ له جميع ذنوبه».[89]

وقد تقدّم الكلام عن الصّلاة الأخرى التي يُؤتَى بها في كلّ ليلة بطريقة ثابتة.

السّحور: الأكل في وقت السَّحَر

من الرّوايات حول السّحور:

عن رسول الله صلّى الله عليه وآله:

1- «تسَحَّروا وَلَو بِجَرعِ الماء، ألا صلواتُ اللهِ على المُتَسَحِّرين».[90]

2- «السّحورُ بركةٌ، فلا تَدَع أمَّتي السَّحورَ..».[91]

3- «إنَّ اللهَ تبارك وتعالى وملائكتَه يُصلُّونَ على المُستَغفرين والمُتسحِّرين بالأسحار، فلْيَتَسَحَّر أحدُكم ولو بِشربةٍ من ماء..».[92]

«ما مِن مؤمنٍ صامَ فَقَرأ (إنّا أنزلناه في ليلة القدر) عند سَحورِه وعند إفطارِه، إلَّا كان في ما بينهما كالمُتَشحِّط بِدَمِه في سبيل الله».

* آداب السحور

قال السّيّد ابن طاوس عليه الرّحمة: «وأمّا آدابُ السّحور، فمنها:

1- أن يكونَ لك حالٌ مع الله جلَّ جلالُه، تعرف بها أنَّه يُريدكَ أن تَتَسَحَّر.

2- وبماذا تتسحَّر؟

3- ومقدار ما تَتَسَحَّر به.

فإنَّ ذلك يكونُ من أعظم سعادتِك، حيثُ نَقَلَكَ اللهُ جلَّ جلالُه برحمتِه من مُعاملةِ شَهوتِكَ وطبيعتِكَ، إلى تدبيره جلَّ جلالُه في إرادتك «..» فلا تتَسحَّر سحوراً يُثقِلُك عن تمامِ وظائفِ الأسحار، وعن لطائفِ الطَّاعات في إقبال النّهار».[93]

نيّةُ الصوم

قال السيّد: «ويكونُ القصدُ بنيّةِ الصّوم أنّك تعبدُ اللهَ جلَّ جلالُه بِصَومِك واجباً لأنَّه أهلٌ للعبادة، وتعتقدُ أنّه من أعظمِ المِنَّةِ عليك، حيثُ جَعَلَك اللهُ أهلاً لهذه السّعادة، سواء قَصَدْتَ بالنّيّةِ الواحدةِ صَوم الشّهر كلِّه، أو جدَّدْتَ كلَّ يومٍ نيَّةً لِصَوم ذلك اليوم، ليكونَ أبلَغَ لكَ في الظَّفرِ بفضلِه، وإنْ تَهَيَّأَ أن تكون نيِّتُك أنْ تَصومَ عن كلِّ ما شَغَلَ عن الله، فذلك الصَّومُ الّذي تَنافَسَ المُخلصون في مثله».[94]

أيّ صوم نريد؟

وتحدَّث السّيّدُ عليه الرّحمة عن أصناف الصّائمين، إلى أن قال:

«واعلَمْ أنّ لِأهل الصّيام مع استمرار السّاعات واختلافِ الحركات والسَّكنات [درجات]، في أنَّهم ذاكرون أنّهم بين يدَي الله جلَّ جلالُه، وأنَّه مُطّلِعٌ عليهم، وما يلزمُهم لذلك من إقبالِهم عليه، ومعرفةِ حقِّ إحسانِه إليهم، فحالُهُم في الدّرجات على قدرِ استمرار المراقبات، فهُم بينَ مُتَّصل الإقبالِ مُكاشَف ذلك الجلال، وبين متعثِّرٍ بأذيالِ الإهمال، وناهضٍ مِن تَعَثُّره بإمساكِ يدِ الرّحمة له والإفضال، ولا يعلمُ تفصيلَ مقدار مراقباتِهم وتكميل حالاتهم، إلَّا المُطّلِعُ على اختلافِ إرادتِهم. فارحَمْ رُوحَكَ أيُّها العبدُ الضَّعيفُ الّذي قد أحاطَ به التَّهديدُ والتّخويفُ، وعُرض عليه التَّعظيمُ والتَّبجيل والتَّشريف».[95]

***

 

2

شهر رمضان

 

 

 

* هل أيقنَ القلبُ بضيافة الله؟

  * إذا دخلَ شهرُ رمضان فأَجهِدوا أنفسَكم..

    * الاستغفار والدعاء

      * من أدب الضّيافة

        * الحَذر من المكابرة

          * من أينَ يدخلُ أصحابُ المعاصي؟

            * دعاء اليوم الثاني

              * الغُسل في اللّيالي المفردة

                 * صلاة اللّيلة الثالثة

 

 

هل أيقنَ القلبُ بضيافة الله؟

أرادَنا اللهُ عزّ وجلّ أن نصلَ في شهر رمضان المبارك إلى حيث لا يُمكنُنا أن نصلَ بدون ضيافة الرّحمن في شهر الرّحمن.

من حبِّه لنا عزّ وجلّ أنّه أتاحَ لنا المحطّات المكانيّة المميّزة لكي نصلَ من خلالها إلى المراتب العالية، ومن حبّه لنا عزّ وجلّ أنه أقامَ هذه المحطّات الزمنيّة المميّزة، وفي طليعتها شهرُ رمضان المبارك، وبسطَ سبحانَه موائدَ الرحمة في هذا الشهر الكريم، ودعانا إلى الاستزادة من الثواب، وأن نجِدَّ السيرَ في طريق الحصول على رضوانه تقدّست أسماؤه.

هل نتعامل مع هذه الفرصة الإلهيّة الفريدة بالمستوى المطلوب، هل نُدرك ما معنى ضيافة الله عزّ وجلّ، وهل نبذل جهداً من أجل هذه الضيافة يتناسب مع كونها ضيافةَ الله تعالى؟ ألا ينبغي أن نلحّ على أن يقتنعَ القلبُ ويُوقن بأنّه ضيفُ الله!

بلى.. أنت أيّها القلب ضيفُ الله تعالى، سواءً كنت كَالخِرْقَة البالية أو أشدّ من الحجارة قسوةً، ومهما أسرفتَ في مُعاقرة الذنوب والولوغِ في المعاصي.

أيّها القلب، في شهر الله تعالى وضيافة الرّحمن، لا مجالَ بعدُ لتندبَ حظَّك العاثرَ لكثرةِ المعاصي، وتقول: «وَيْلي، كُلّما كَبُرَ سِنِّي كَثُرَتْ ذُنُوبِي».

إن المجالَ الذي فتحَه اللهُ تعالى أمامَك على مصاريعه يستدعي منك حصرَ الهمِّ وبذلَ الجُهدِ في سياق: «أَعُوذُ بجَلالِ وجهِك الكَريمِ أنْ يَنقضيَ عنّي شهرُ رمضانَ أو يَطلُعَ الفجرُ من لَيلتي هذه، ولكَ قِبَلي تَبِعَةٌ أو ذنبٌ تُعذِّبُني عَليه».

يندبُ حظَّه مَن لا تُتاحُ له فرصةٌ لا يحرَم من فيضِها العميمِ إلّا شَقِيّ!

أما وقد أصبَحنا فيها، فَلْنَنْدِبْ حظَّنا على ما يضيعُ من لحظاتِها من دون أن يُستثمَر في فكاك نفوسنا المرتهَنة، وعتقِ رقابنا التي أذلَّتْها واستعبدَتْها أهواؤنا والشّهوات.

أيّها الحبيب: إنّ علينا أن نبذلَ قصارى جهدِنا في شهر رمضان المبارك من أجل الوصول إلى رضوان الله تعالى.

ليس شهرُ رمضان المبارك شهرَ الدّعة والاستراحة والنوم، وليس شهر السّهرات التي نُمضيها في اللّهو والمرح وتَقفية الشِّعر وما شابه. وإنّ من أكبر الحِيَل الشّيطانيّة التي تنطلي على الكثيرين منّا أن نلجأَ إلى مثل هذه الأساليب، وإذا بشهر ضيافةِ الله تعالى، هو شهرُ العطّالين البطّالين.

شهرٌ ينبغي فيه أن نشمِّر عن ساعد الجِدّ، ونتفرّغ لعبادة الرّحمن، ونتفرّغ للأعمال الصّالحة، وإذا بالغَفلة تجعلُه شهرَ «الفَزازير» والجلسات العابثة المُقَهْقِهَة بصخَب الحرام، وثقافتِها وأجوائها التي تنتشرُ في كلّ مكان!

فكيف نتعايشُ مع ذلك، فضلاً عن أن نتقبّلَه ونوغلَ فيه؟

أنا في ضيافة الرّحمن، كيف أسمحُ لنفسي أن أكونَ كرةً يتقاذفُها الشّيطانُ حيث يريد، ويُقنِعُني -بحجّة أنّي كنتُ صائماً- بأنَ لي ملءَ الحقّ في أن أسهرَ وأتندّرَ وأهزأَ كما يحلو لي، من دون أن أحملَ همَّ آخرتي على الإطلاق، وكأنّ شهرَ رمضان هو موسمُ التفنُّن في السّهرات وتمضية الوقت الثّمين بأبخَسِ النتائج وأتفهِها، وتقطيعِ أوصالِ المصير.

صحيحٌ أنّ التّرويحَ عن النّفْس أمرٌ طبيعيّ، و لا بدّ منه ضمنَ الضّوابط الشرعيّة، ومنها أنّه دائماً يجب أن يُقدَّر بقَدَرِه.

لو فَرَضنا أنّ إنساناً حُكِمَ عليه بالإعدام، وأمامَه متَّسَعٌ من الوقت يستطيعُ أن يفعلَ شيئاً من أجل رفْع حُكم الإعدام عنه، فكيف يتصرّف؟

هل ينصرفُ إلى مجالس اللّهو والسّمَر والعبثيّة، ومشاهدة الأفلام المختلفة، أم أنّه يستثمرُ كلّ لحظةٍ من أجل إنقاذ نفسِه؟

إنّ الحاجة إذاً كبيرة، والفرصةُ المتاحةُ عظيمة، والمكتوبُ يقرَأُ من عنوانه، فهل بدَأنا نتعاطى مع الشهر بما يتناسبُ مع فرادته؟

«.. إذا دخلَ شهرُ رمضانَ فَأَجْهِدوا أَنْفُسَكم..»

نقرأُ في دعاء الافتتاح: «وأَيْقَنْتُ أنّكَ أنتَ أرحمُ الرّاحمين في مَوضعِ العفوِ والرّحمة، وأشدُّ المُعاقبينَ في مَوضعِ النَّكالِ والنَّقِمَة..».

ويضعُنا ذلك أمام أصلَين هما مقتَضى العدل، لا بدّ أن نبني سلوكَنا على مراعاتهما.

صحيحٌ أن الله عزّ وجلّ أرحمُ الرّاحمين وأنّنا نتوقّع أن تشملَنا رحمتُه مهما كانت ذنوبنا، إلّا أنّ الصحيح أيضاً أن نتأمّل في زوايا أنفسنا ونراقب أعمالنا حتى لا نُفاجَأ عندما تأتي ملائكةُ ربّنا لتنقلَنا إلى جوار الله عزّ وجلّ، بأنّا أمامَ عمليةِ إلقاءِ القبضِ على مجرمٍ مَرَدَ على الخروج على القانون، وارتكابِ الفظائع والمُوبقات.

﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾. الأنفال:50.

فهل يصحّ لأيٍّ منّا أن يعيشَ الغفلة والإهمال وينصرف عمّا ينبغي الاهتمام به في شهر رمضان ثمّ يُسْلِم نفسه إلى عاقبة من هذا النوع، والعياذُ بالله؟

تحدّث السيد ابن طاوس عليه الرحمة حول الاهتمام بشهر الله تعالى، وقد أوردَ في هذا الفصل بعض الروايات، منها:

عن الإمام الصّادق عليه السلام يوصي وُلدَه: «إذا دخلَ شهرُ رمضانَ فَأَجْهِدُوا أنفسَكم في هذا الشّهر، فإنّ فيه تُقسَمُ الأرزاقُ، وتُكتَبُ الآجالُ، وفيه يُكتَبُ وفدُ اللهِ (أي الحُجّاج) الذين يَفِدون إليه، وفيه ليلةٌ العملُ فيها خيرٌ من العملِ في ألفِ شَهر».[96]

وليس المراد بإجهاد النّفْس تحميلَها ما لا تُطيق، بل المراد هو هذا الجهد الذي نبذله في ما نحبّ عادةً، من قبيل الجُهد الذي يستعذبُه مَن اقتنعَ بأهميّة الرياضة، أو استهواه إنجاز علمي يستدعي منه سَهَراً ومثابرة.

فَلْيَسأل كلٌّ منّا نفسَه: تُرى هل ينطبق عليّ أنّي أُجهِد نفسي حقيقةً في طاعة الله عزّ وجلّ، و عبادته؟

هل أحرصُ على أن أكتفي بالمقدار الذي لا بدّ منه من النوم لأتفرّغ في الوقت الباقي لعبادة ربي عزّ وجلّ، كما يحرص على ذلك الطالبُ المُجِدُّ؟

هل أتعامل مع فترة السَّحَر على أساس أنّها فرصة نادرة للعبادة، وهل ألاحظ في ما أتناول من طعام أن أتقوَّى به على عبادة ربّي، ولا يكون عائقاً يحولُ بيني وبين ذلك؟ هل أحاول استثمار الجوّ الروحاني الإلهي العجيب في وقت السَّحَر، أم أنّي أنشغل بتناول الطعام والتوابع إلى أن يحينَ وقتُ الإمساك؟

هل أُجهد نفسي بقراءة القرآن؟ أوليسَ هذا الشهرُ المباركُ شهرَ قراءة كتاب الله تعالى، والآيةُ بخَتْمَة؟

وأمّا الأرزاق التي تُقسَّم، فليس المراد بها الأرزاق الماديّة فقط، وإن كانت من جملتِها، إلّا أنّ التعبير عامٌّ يشمل الخشوع، الحياء، والعِفّة، والعلم، والورع، إلى غير ذلك، من القِيَم الفاضلة ومكارم الأخلاق والأفعال، فجميعُ ذلك هو من الأرزاق.

الاستغفار والدّعاء

عن أمير المؤمنين عليه السلام: «عَلَيكم في شهرِ رمضان بالاستغفارِ والدُّعاء، أمّا الدُّعاء فَيَدفعُ عنكُم البلاءَ، وأمّا الاستغفار فيَمحو ذنوبَكم».

بمقدار ما يكون المرءُ في معرض الخطر، يتعاظم مستوى حذره، وبمقدار ما يكون الخطأ في الكتابة تطولُ عمليةُ المَحو.

إنّنا مع المولى أبي الحسن عليه السلام في هذا الحديث، أمام حثٍّ على الإكثار من الاستغفار، وعلى الإكثار من الدّعاء، لنَشحنَ شهر رمضان بعبادة الله تعالى على حدِّ تعبير حفيده سيِّد السّاجدين عليه السلام، على ثقةٍ بالله سبحانَه ويَقينٍ بمواعيدِه.

﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ البقرة:186.

وقد وردتْ هذه الآية في عِداد آيات الصّوم.

ويبلغ الحثُّ على الاستزادة من بَذْل الجهد في شهر الله تعالى الآفاقَ التي لا يُدَرك مداها، مع ما أوردَه السيّد ابن طاوس من أنّ رسولَ صلّى الله عليه وآله وسلّم كان إذا دخلَ شهرُ رمضانَ تغيَّرَ لَونُه، وكَثُرَتْ صلاتُه، وابتهلَ بالدّعاءِ، وَأَشفقَ منه.

فِداكَ كلُّ نفوسِ الخَلْقِ يا رسولَ الله.

كلّ هذه المفردات في جانب، و«أَشْفَقَ مِنْه» في جانبٍ آخر!

وهل الإشفاقُ فرعُ المعرفة، وهيبةُ الضّيافة.

أنّى للمُوغل في ظَلام القلب والذَّنْب، أن يفقهَ حرفاً من حالات النّور الأوّل.

أوليسَ الأولى بالقلب أن يوَلّيَ وجهَه شَطْرَ حالاته هو بدلاً عن هذا المُرتقى الصَّعب؟

هل استشعَرتَ أيّها القلبُ ما يدعو إلى تغيُّر اللّون وكَثرةِ الصّلاة، والدّعاءِ بابتهال، وليس مجرّدَ الدّعاء؟

وهل عَراكَ طيفٌ من وَجَل، ومسحةٌ من إشفاق؟

ولماذا كلّ هذه الطّمأنينة التي هي والغفلة سواء؟

لو أنّنا في ضيافة سيّد المعصومين المصطفى الحبيب | فكيف ينبغي أن يكون أدبُنا معه؟ فكيف إذاً ينبغي أن يكون أدبُنا مع الله عزّ وجلّ في ضيافته؟

يُمكننا أن ندركَ من معاني النّصّ المتقدّم أنّه كانت لشهر رمضان في نفسِ المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم مكانةٌ خاصّةٌ جداً، فهل أنا وأنت كذلك بما يتناسبُ معنا؟

من أدب الضيافة

ركَّزَ السيّد ابنُ طاوس في بيان أدبِ الضيافة في الروايات، على ثلاثة محاور:

الأوّل: معرفة أهميّة هذه الضيافة.

الثاني: معرفة حقيقة علاقة الضّيف بالمضيف.

الثالث: معرفة الباب الذي يناسبُ الدخولُ منه حالَ الضّيف.

وقال حول الأوّل:

«واعلم أنّ شهر الصّيام مثلُ دار ضيافةٍ فُتحت للأنام، فيها من سائر أصناف الإكرام والإنعام، ومن ذخائر خُلَع الأمان والرّضوان، وإطلاقِ كثيرٍ من الأسرى...».[97]

وبالمقارنة بين ما ذكرَه هنا وما تقدّم منه في غيره، يتّضح أنّ المرادَ لو أنّ ملكاً من الملوك دعا شخصاً إلى ضيافتِه ووضعَ أمامَه مئاتِ المراسيم، وقال له: خُذْ ما تريدُ من هذه المراسيم وما فيها بدءاً من أصغرِ مرسومٍ ملوكيٍّ شديدِ الأهميّة إلى أعلى مرسوم، فكيفَ يتعاطى الحريصُ على هذه الأمور مع هذه الفرصة المُتاحة؟

وها نحنُ في ضيافة الرّحمن أمام عطايا وَهِبَاتٍ لا تُقاس بها على الإطلاق هذه الهِبات التي يُمكن لأكبر حاكم أو رئيس أو مَلِك أن يعطيها، فهل نعرف قيمة هذه المواهب؟

باستطاعة أيٍّ منّا أن يصبحَ من أهل التقوى، أواليقين، أو يحصل على درجة الشهادة، أو علم التوحيد، إلى غير ذلك من العطايا الكبيرة والمواهب التي يُمضي الإنسان عمرَه في الحصول عليها وقد لا يحالفُه التوفيق.

باستطاعة أيٍّ منّا أن يُمنحَ في شهر الله تعالى «مكارمَ الأخلاق» والحال أنّه قد يكابدُ عشرين سنة أو أكثر ليتخلّصَ من حالة أخلاقيّة سيّئة معيّنة كالرياء أو الحقد أو العُجب، أو استبداد الغضب به، وربّما أخفقَ في الخلاص منها.

إنّ جميع هذه العطايا والمواهب في متناوَل الناس بيُسر، ولكنّها ليست مطلَقة بل بشرطها وشروطها.

وتسأل: حتّى العاصي يُمكنه أن يحصلَ على هذه الهِبات والعَطايا الإلهيّة في شهر رمضان المبارك؟

والجواب: بلى، وبكلّ تأكيد، لأنّ شهر رمضان المبارك ليس للعُبَّاد، والزهّاد، فهؤلاء هم بشكلٍ وبآخر من الواصلين، وشهرُ رمضان المبارك لنا نحن الغافلين، المقصِّرين، والغَرقى في بحار المعاصي والذنوب، لكي نَصل.

الحَذَر من المكابرة

* إلّا أنّ هنا شرطاً أساسيّاً لا بدّ من الالتفات إليه وهو الموضوعيّة وعَدَم المُكابرة، والاعتراف بالخطأ. وهو العنوان الثاني الذي عالجه السيّد بقوله:

«وإنْ كان قد عاملَ اللهَ جلَّ جلالُه قبل الشهر المُشار إليه معاملةً لا يرضاها، وهو خجلان من دخول دار ضيافتِه والحضور بين يدَيه لأجل ما سلفَ من معاصيه [فَلْيَعلم أنّ] لدارِ هذه الضيافة أبواباً كثيرةً بلسانِ الحال: منها بابُ الغَفلة، فلا يُلِمَّ به ولا يدخل منه، لأنه بابٌ لا يصلحُ إلّا لأهل الإهمال».[98]

يريدُ أنّه إذا كان الصّائمُ قد أساءَ إلى الله تعالى وعصاه قبلَ حلول هذا الشّهر، فَلْيَحذر أن يدخلَ إلى دار ضيافتِه عزّ وجلّ من «بابِ الغفلة»، أي أن يدخلَ شهرَ الله تعالى والضيافةَ فيه، وهو سادرٌ في غَفْلتِه.

إنّ من يلبسُ ثياباً ممزّقة، ملطخّة بأنواع اللّوثات، إذا حملَتْه الغفلةُ إلى مجلسٍ رسميٍّ حافل، ثمّ تنبّه لذلك، فإنّه سيذوبُ خَجَلاً وتغمرُه الفضيحة، ويودُّ لو أنّ الأرضَ تبتلعُه بمجرّد أن يرى نفسَه في ذاك المجلس، فيصرخُ القلب بأعلى الصوت: «ما الذي جاء بي؟! وبهذا المنظر؟! وعلى هذه الصورة النكرَاء! إلى هذا المجلس الحاشد!!».

فكيف إذا دخلتُ أنا الغريقُ في بحار الذّنوب -الملطَّخُ بالغِيبة، وبعقوق الوالدين، والحقد، وحبّ الدنيا، وغير ذلك- إلى مجالس الأطهار، وشاركتُ في ضيافة الرّحمن وأنا غافل.

كذلك هو حالُ غفلتِنا أيّها العزيز التي تحملُنا إلى ضيافة الرّحمن فندخل من بابها!

ومَن تَنبَّه منّا واستشعرَ الفضيحة، وحاولَ أن يتدارك الأمر، فإنّ هذا الشعورَ بالفضيحة، وضرامَ نارِ النَّدَم، قد يصلُ من العُمق وقوّة التأثير إلى حيث يكون هو التوبة الحقيقيّة النّصوح التي لا تُضاهى.

أمّا مَن دخل إلى ضيافة الرّحمن وهو غافل، وأقامَ على ذلك، فسيكون مصداق مَن دخل من باب الغفلة كما يعبّر السيّد ابن طاوس، وسيَنقضي الشهر ولا تكون حصيلتُه منه إلّا الجُرأة على ربّه والمزيد من تَراكمات الغفلة.

من أين يدخلُ أصحاب المعاصي؟

هذا هو العنوانُ الثالث الذي يقولُ فيه السيّد عليه الرحمة:

«وإّنما (ينبغي لمثلِه أن) يدخلَ من الباب الذي دخلَ منه قومُ إدريس، وقومُ يونس ج، ومَن كان على مثل سوءِ أعمالهم وظفروا منه بآمالِهم..».

وقِصَّتا قوم إدريس ويونس عليهما السلام متَشابهتان، يجمعُهما الدخولُ من باب الأمل برحمةِ الله تعالى واليقين بعدمِ استحقاقِ الرحمة، بل باستحقاقِ العذاب.[99]

ينبغي للعاصي، صاحبِ الدواهي العُظمى، الذي طالتْ إقامتُه على التمرّد، أن يدخلَ من باب الأمل برحمة الله تعالى، ويكون لسان حالُه:

«إلهي وسيّدي، أنا لا أستحقّ، أعرفُ نفسي، وأنّي عاهدتُك ربِّ مرّةً بعد أُخرى فَلَم تَجِدْ عندي صدقاً ولا وفاءً، إلّا أنّك أكرمُ الأكرمين».

وهكذا يتّضح أنّ خلاصةَ آداب الضيافة هي عدمُ المكابرة، وتَرْكُ العناد، واعتماد الموضوعيّة بأجلى صوَرها، والواقعيّة بأبهى تجلّياتها الممكنة من هذا الآبِق الذي طالَ تَوَثُّبه على المحارم، وتَعَدِّيه حدودَ الله تعالى.

دعاءُ اليوم الثاني

«أللَّهُمَّ قَرِّبْنِي فِيْهِ إِلى مَرْضاتِكَ، وَجَنِّبْنِي فِيْهِ مِنْ سَخَطِكَ وَنَقِماتِكَ، وَوَفِّقْنِي فِيْهِ لِقِراءَةِ آياتِكَ، بِرَحْمَتِكَ يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ».

بينَ القُرب إلى الله تعالى والقُرب إلى مرضاتِه، أبعدُ ممّا بين السّماء والأرض، إلّا أنّه الخطوة الأولى في الاتجاه الصّحيح المؤدّي إلى القُرب وما بعدَه من مراتب الوليّ، ومقعَد الصِّدق، والدِّرع الحَصين.

والمدخلُ إلى ذلك: قراءةُ آياتِ الله. وكيفَ يكونُ للمسلمِ مع القرآن الكريم شأنٌ خاصّ إلّا بتوفيقِ أرحمِ الرّاحمين. أللّهمّ ارزُقنا.

الغسل في الليالي المفردة

سبقت الإشارة إلى ذلك، و من المناسب التّأكيد عليه في هذه اللّيلة. قال السّيّد: «اللّيلة الثّالثة ".." وفيها يستحبّ الغسل، على مقتضى الرّواية الّتي تضمّنت أنّ في كلّ ليلةٍ مفردةٍ من جميع الأشهر يستحبّ الغسل»

صلاة اللّيلة الثالثة

تقدَّمَ أنّي سألتزمُ بذِكر ثلاث صلوات لكلّ ليلة، يُمكن اختيار إحداها مع الانتباه إلى أهميّة ترجيح الأولى (الألف ركعة موزّعة على ليالي الشهر).

1- صلاةُ كلّ ليلة من هذه اللّيالي إلى ليلة العشرين من شهر رمضان هي عشرونَ ركعة، ثمان منها بعد المَغرب والباقي بعد العشاء، في كلّ ركعة (الحمد) مرّة، و(قل هو الله أحد) مرّة، أو ثلاث، أو خَمس، أو سَبع، أو عشر مرّات.

2- عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ومَن صَلّى في اللّيلة الثّالثة من شهرِ رمضانَ عشرَ ركعات، يقرأُ في كلّ رَكعة (الحمد) مرّة، وخمسين مرّة (قل هو اللهُ أحد)، ناداه مُنادٍ من قِبَل الله عزّ وجلّ: ألا إنّ فلانَ بنَ فلان من عُتقاءِ اللهِ من النّار، وَفُتِحَت له أبوابُ السّماوات، ومَن قامَ تلكَ اللّيلةَ فَأَحْياها غَفَرَ اللهُ لَه».[100]

3- قال الكفعمي: «ويُستَحبُّ أن يصلِّي في كلِّ ليلةٍ من شهر رمضان ركعتَين بـ (الحمد) مرّة، و(التّوحيد) ثلاثاً، فإذا سلَّم قال: سُبْحانَ مَنْ هُوَ حَفِيظٌ لا يَغْفَلُ، سُبْحانَ مَنْ هُوَ رَحِيمٌ لا يَعْجَلُ، سُبْحانَ مَنْ هُوَ قائِمٌ لا يَسْهُو، سُبْحانَ مَنْ هُوَ دائِمٌ لا يَلْهُو. ثمّ يقولُ التّسبيحاتِ الأربعة سبعاً، ثمَّ يقول: سُبحانَكَ سُبحانَكَ يا عظيمُ، اِغْفِرْ ليَ الذَّنبَ العَظيم. ثمَّ تُصلّي على النّبيّ عشراً. مَن صلَّاها غَفرَ اللهُ له سبعين ألف ذنبٍ».[101]


 

3

شهر رمضان

 

 

 

* معنى الضّيافة

  * من آداب الضّيافة (2)

1- وداع سَنة واستقبال أخرى

2- شريـط السّنة المـاضـية

3- عـــلامةُ حـبّ الله تعــالـــى

     * دعــــاءُ اليـــوم الثــــالث

        * صـلاة اللّيــلة الرابعـة

 

مَعنى الضّيافة

ما معنى أنّنا في شهر رمضان المبارك في ضيافة الله عزّ وجلّ، وهل هناك وقتٌ لسنا فيه في ضيافة الله سبحانه وتعالى؟

أرأيتَ لو أنّ شخصاً حلَّ ضيفاً على صاحب قصرٍ فأفردَ له جناحاً نزلَ الضيفُ فيه، إلّا أنّه في يومٍ من الأيّام -ورغم أنّه ضيفُه- أراد أن يستضيفَه في طابقٍ آخر وفي جوٍّ آخَر، ألا تكونُ هذه أيضاً ضيافةً رغم أنّه كان سابقاً في ضيافته. إنّها الضيافة المميّزة، وكذلك هي ضيافة الرّحمن لنا في شهرِه العظيم.

إنّنا دائماً في ضيافة ربّنا عزّ وجلّ إلّا أنّنا في هذا الشهر في وضعٍ مميّز.

فكيف نتعامل مع هذه الضيافة؟

من آداب الضيافة مجدّداً

بيّنتُ في الحديث السابق أنّ من واجبنا أن ندركَ تقصيرَنا، ونبذل قُصارى جهدِنا، وأذكر هنا ما يرتبطُ بحقيقة التعامل مع هذا الشهر المبارك، وهذه الضيافة الإلهيّة.

تقدّم حديثُ السيّد ابن طاوس عليه الرحمة عن طريقتِه في استقبال شهر رمضان المبارك، وإليك هنا بعضُ الدروس منه.

1- وداعُ سنة واستقبالُ أخرى

«أودِّعُ السّنةَ الماضيةَ وأستقبلُ السّنةَ الآتيةَ بصلاة الشُّكر، كيفَ سلَّمَني من أخطار ذلك العام الماضي ".." ولم يَمنَعني من الظَّفَر بالسّعادة والعبادة فيه، بمَرَضٍ ولا عَرَضٍ باطنٍ ولا ظَاهر».

2- شريط السّنة الماضية

والمقصودُ بذلك أن يستعرضَ كلٌّ منّا مُجرَيات هذه السنة الماضية، فيسأل نفسَه جادّاً ومتأمّلاً: حقّاً، ماذا جرى عليَّ في السنة الماضية؟

تعرّضتُ لأخطار ونجوتُ منها، والصّعوبات التي واجهتُها؟ والمحرّمات التي ارتكبتُها؟ والطاعات التي وُفِّقتُ لها، وماذا في مجال العلاقات، المستجدّ منها والقديم، وفي باب التعامل مع الآخرين؟

وبالمناسبة فإنّ السيد ابن طاوس عليه الرحمة كان يحتفلُ بمرور سنة، ولكنْ لا على طريقتنا المتعارفة، «عيد الميلاد»، فهو لا يهتمّ بالسَّنة التي أُضيفت إلى عمره بدءاً من الولادة، وإنّما يهتمّ بكلّ سنة مرّت وتمرّ بدءاً من سنّ التّكليف، ويقول: «إنّ سِنَّ التّكليف هو سنُّ التّشريف بالخطاب الإلهيّ». إنّ الإنسان عندما يبلغ ويُصبح مكلّفاً، يصبح مخاطَباً من قِبَل الله عزّ وجلّ بالتكاليف الشرعيّة، ويريدُ الله تعالى منه أن يلتزمَ بها، وهذا شرفٌ لهذا الإنسان، ينبغي أن يتعاملَ معه بمنتَهى الجديّة والاحترام، ومن ذلك أن يحتفلَ بمرور عام أو أكثر على تشريفِه بالخطاب بالتكليف الإلهي.

وأوّل ما يستقبل به السّنة أن يُصلِّي صلاةَ الشّكر، إنه يريد أن يشكرَ الله تعالى لأنه أبقاه وسلّمَه ووفّقَه للتوبة من المعاصي التي وقعَ فيها، كما وفّقَه للطاعات، أو -إنْ كان لم يوفَّق لذلك- يشكرُه لأنّه أبقاه حيّاً ليكونَ باستطاعته أن يَتوب.

ولكَ أن تقدِّر الفوارقَ الضوئيّة بين سنةٍ هذا مستهلُّها والافتتاح، وبين تهافُتِ أجوائنا في «عيد الميلاد» ومُبتَذلاته والكوارث التربويّة التي ترافقُه وتَسري، على متنِ ضَحالة الانبهار، إلى أوساطٍ هي في الأصل في موقع النقيضِ لها.

3- علامةُ حبِّ الله تعالى

يقول السيّد عليه الرحمة: «ثمّ إنّني أُحْضِرُ هذا الكتابَ، عملَ شهر الصّيام -يقصد كتابه (الإقبال)، وباستطاعة أيٍّ منّا أن يستبدلَه بكتاب أعمال شهر رمضان المبارك، أو كتاب دعاء عامّ من قبيل (مفاتيح الجنان)- وأُقَبِّلُه وأجعلُه على رأسي وعَيني وأضمُّه إلى صدري، وأراهُ قد وصلَ إليَّ من مالكِ أمري».

وتسأل: ولماذا لا يصنع ذلك بكتاب الله تعالى، أَوَليسَ أَولى من كتاب دعاء؟

والجواب: لغةُ الحبِّ لا تُحاكيها اللّغات، أرأيتَ لو أنّك قلتَ لأُمٍّ تَشُمُّ قطعةَ قماشٍ من قميصِ ابنها الشّهيد، وتقبّلُها وتَضَعُها على عينَيها وتضمُّها إلى صدرِها: لماذا لا تُقبّلينَ القرآنَ الكريم؟ كم تكون حاجتُك إلى أن تذوبَ خَجَلاً لفَرطِ ما خانَك من إرهاف الحسّ؟

يضيف السيّد ما حاصلُه:

«.. ثمّ إنّني أبدأُ بالفعل، فأسألُ اللهَ جلّ جلالُه العفوَ عمّا جرى من ظُلمي، وكلِّ ما تَساهلتُ به في مجال تطهيرِ القلبِ وإصلاحِه، وأطلبُ من الله عزّ وجلّ العفوَ عن كلِّ جارحةٍ أهملتْ شيئاً من مهمّاتها وعباداتها، وأطلبُ من الله عزّ وجلّ المغفرة، وأجتهدُ في التّوبةِ النّصوح من جناياتها، كما أبادرُ إلى الصّدَقة عن كلّ يومٍ وليلةٍ برغيف، لأجلِ ما رويناه من فضل الصّدَقة وفائدتها..».[102]

وتُلخِّص هذه الفقرة كلَّ ما ينبغي أن يبدأ به المراقبُ لنفسه، بل وما يجدرُ به أن يكونَ عليه، فهي توضح لنا أنّ علينا أن نعترف بظُلمنا، بذنوبنا، ونفكّر طويلاً بكلّ ما تساهَلنا به في مجال تطهير القلب وإصلاحه، فنستعرض ذنوبَ القلب، ثمّ ذنوب الجوارح، ذَنْباً ذَنْباً، ثمّ نجتهد في التوبة النصوح إلى الله عزّ وجلّ، ونعزّز قبول هذه التوبة بالصَّدَقة التي تدفعُ البلاء، وتُطفئ غضبَ الرّب، فنتَصدّق عن كلّ يوم وليلة برَغيف.

وظاهر النصّ الحثُّ على الصَّدَقة في أوّل شهر رمضان المبارك عن السنة القادمة كلّها، عن كلّ يومٍ وليلةٍ برغيف، ومَن لا يستطيع أن يدفعَ ذلك في وقتٍ واحد فباستطاعتِه أن يجزّأه، كما أنّ مَن استطاع أن تكون صدقتُه أكبر، كَأَنْ يدفع عن كلّ يوم وليلة وجبةَ طعامٍ فَلْيَغتنم.

أيّها الحبيب: يجبُ أن ننتبَه جيّداً فنتأدّب بأدب الإسلام الذي علّمنا إيّاه المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم وأهلُ البيت جميعاً عليهم السلام، ومنهم الإمام السجّاد عليه السلام في دعاء السَّحَر، أن يقول أحدُنا بوضوح وصراحة من دون أدنى إبهام: «أَنَا صَاحِبُ الدَّوَاهِي الْعُظْمَى، أَنَا الَّذِي عَلَى سَيِّدِه اجْتَرَى، أَنَا الَّذِي عَصَيْتُ جَبَّارَ السَّمَا، أَنَا الَّذي أَمَرْتَنِي فَعَصَيْتُ، وَنَهَيْتَني فَمَا ارْعَوَيْتُ..»، مطلوبٌ أن نجسِّدَ الاعترافَ الحقيقي بالمعصية والجرأة والتمرّد، وبمقدار عُمق هذا الاعتراف، يكون الأمل بالاستجابة والقبول أكبر.

حُسن الاعتذار هو المَدخل إلى حُسن الإجابة، فَلْيَكُن لسانُ الحال:

«إِلهِي، أنت أَوْسَعُ فَضْلاً وَأَعْظَمُ حِلْماً مِنْ أَنْ تُقايِسَنِي بعملي ".." سَيِّدِي، تَصَدَّقْ عَلَيَّ بِعَفْوِكَ، وَاعْفُ عَنْ تَوْبِيخِي بِكَرَمِ وَجْهِكَ..»

دعاءُ اليوم الثالث

يرتبطُ بهذه المضامين دعاءُ اليوم الثالث من شهر رمضان المبارك الذي جاء فيه:

«أللَّهُمَّ ارْزُقْنِي فِيْهِ الذِّهْنَ وَالتَّنْبِيهَ، وَباعِدْنِي فِيْهِ مِنَ السَّفاهَةِ وَالتَّمْويهِ، وَاجْعَلْ لِي نَصِيباً مِنْ كُلِّ خَيْرٍ تُنْزِلُ فِيْهِ، بِجُودِكَ يا أَجْوَدَ الأجْوَدِينَ».

فرقٌ بين أن أعترفَ بالحقيقة، وبين أن أظلَّ سفيهاً مموّهاً أحاولُ أن أغطّي حقيقةَ أمري ببُرقُعِ دِين، بعمامتي أو بهذا المَظهر الديني أو ذاك.

تمسُّ الحاجة إلى التضرّع إلى الله تعالى ليرزقَنا الذِّهنَ والتّنبيهَ فنخرج من غَياهب الغفلة إلى نور اليَقَظة والوَعي: أللَّهُمَّ ارْزُقْنِي فِيْهِ الذِّهْنَ وَالتَّنْبِيهَ، وَباعِدْنِي فِيْهِ مِنَ السَّفاهَةِ وَالتَّمْويهِ.

وهما متلازمان، فمَن أُعطي الذِّهنَ والتّنبيهَ فقد ابتعدَ عن السّفاهةِ والتمّويه.

أليسَ سَفَهَاً أن يُغِذَّ الإنسانُ السَّيرَ باختياره باتّجاه الهاوية؟

أليسَ سَفَهاً أن تكونَ قيمةُ المال عند الإنسان أغلى من قيمة الثواب؟

أليسَ سَفَهاً أن يكونَ حِرْصُ الإنسان على رِضا الناس أكثرَ من حرصِه على رضا الله عزّ وجلّ؟

صلاة اللّيلة الرابعة

1- حصّةُ هذه اللّيلة من الألف ركعة: وهي عشرون ركعة، ثمانية منها بين المغرب والعشاء، والباقي بعد العشاء، ومَن أراد الأدعية المطوّلة بعد كلَ ركعتَين فَلْيَرجع إلى (الإقبال)، وأمّا مَن أراد الاقتصار على الدعاء المختصَر فيَجِدْهُ في عمل اليوم الأوّل من هذا الكتاب.

2- عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ومَن صَلّى في اللّيلة الرّابعة ثَماني رَكَعات، يقرأُ في كلّ ركعة (الحمد) مرّة، و(إنّا أنزلناهُ في ليلة القَدر) عشرينَ مرّة، رفعَ اللهُ تباركَ وتَعالى عملَه تلكَ اللّيلة كَعَمَلِ سبعةِ أنبياء ممّن بَلَّغَ رسالاتِ ربّه».[103]

3- قال الكفعمي: «ويُستَحبُّ أن يصلِّي في كلِّ ليلةٍ من شهر رمضان ركعتَين بـ (الحمد) مرّة، و(التّوحيد) ثلاثاً، فإذا سلَّم قال: سُبْحانَ مَنْ هُوَ حَفِيظٌ لا يَغْفَلُ، سُبْحانَ مَنْ هُوَ رَحِيمٌ لا يَعْجَلُ، سُبْحانَ مَنْ هُوَ قائِمٌ لا يَسْهُو، سُبْحانَ مَنْ هُوَ دائِمٌ لا يَلْهُو. ثمّ يقولُ التّسبيحاتِ الأربعة سبعاً، ثمَّ يقول: سُبحانَكَ سُبحانَكَ يا عظيمُ، اِغْفِرْ ليَ الذَّنبَ العَظيم. ثمَّ تُصلّي على النّبيّ عشراً. مَن صلَّاها غَفرَ اللهُ له سبعين ألف ذنبٍ».[104]

من المناسب هنا الإشارة إلى ضرورة الرّجوع إلى برنامج عمل اللّيلة الأولى الذي تقدّم بيانُه، لأنّ أكثرَه مشترَك بين جميع اللّيالي.

 

4

شهر رمضان

 

 

* لِنَخْتَبرْ ما نحن عليه

  * مراتبُ الصّوم: صومُ العَوامّ، والخواصّ، وخواصّ الخواصّ

    *ماذا نأكل ونَشرب

      * مَأْكَلُهم حرام

        * مَأْكَلُهم من الشُّبُهات

           * مَأْكَلُهم حلال

              * دعاءُ اليوم الرّابع

                  * صلاةُ اللّيلة الخامسة

 

لِنَخْتَبِرْ مَا نحنُ عليه

في ضيافة الله عزّ وجلّ ينبغي أن نحرصَ على الوصول إلى أفضل المستويات التي يُمكن الوصول إليها في شهر الله سبحانه وتعالى.

لنَتصوّر أنفسَنا وكأنّنا أصبحنا في آخر يومٍ من شهر رمضان المبارك، وهذه ليلةُ العيد على الأبواب ومُنادي ربّنا عزّ وجلّ ينادي: «هَلُمّوا إلى جَوائزِكُم»، وَلْنُفَكِّر من الآن ما هي الجوائز التي نَستَحِقُّها آنذاك؟

لِيُفَكّرْ كلٌّ منّا فيقول: أنا، وبطريقة تَعاطِيَّ مع شهر الله عزّ وجلّ، أيّة جائزة أستَحقّ؟ هل آتي في الرَّعيل الأوّل؟ هل آتي في المُبادرين؟ أم في الدرجة الثّالثة أوالرّابعة؟

صلاتي في شهر رمضان، أعرفُها كيف هي، وأعرفُ حرصي على طاعة ربّي عزّ وجلّ بأيّ درجة، سواءً كانت هذه الدرجة ضعيفة أو متوسّطة أو قويّة.

أعرف أيضاً حِرصي على قراءة القرآن أو عدم حرصي على ذلك.

وهكذا بحيث تستوعبُ الأسئلة التي يطرحُها كلٌّ منّا على نفسه جميع المفردات التي وردتْ في خطبة المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم حولَ شهر رمضان المبارك، ونحن مَدعوّون للاهتمام بها والاستزادة منها، لنعرفَ من خلال هذه الأسئلة طريقةَ تعاملنا معها.

والنتيجة العمليّة هي أن يستطيعَ كلٌّ منّا أن يقدِّر الدرجة التي يستحقّها في مقابل ما هو عليه، أي أنّه إذا استمرّ على الحال التي هو فيها إلى آخر الشهر الكريم فما هي حصيلتُه منه، وما هي الجائزة التي سيُعطاها صبيحةَ يوم الجوائز، يومِ العيد المبارك.

ولا شكّ أنّنا عندما نتصوّر أنفسنا من الآن، في أواخر شهر رمضان المبارك سنشعرُ بدافعٍ أكبر للتعاطي الأفضل مع هذا الشهر.

مراتبُ الصوم

أرادَ لنا اللهُ عزّ وجلّ في ضيافته أن نسمو، ونبتعد عن الحيوانيّة ونحلِّق في الأعالي، والصوم هو الطريق إلى هذا التحليق.

فكيف نتعامل مع الصوم؟ هل نؤدّيه بعضَ حقّه، أم أنّنا نعمد إليه فنُفرغه من محتواه؟

وتختلفُ حالاتُ الصائمين من جهة تَعاطيهم مع الطعام والشراب ما بين الإفطار والإمساك، ومن جهة ما يصومون عنه، ومن جهة القَصد من الصيام وحقيقة النيّة فيه، وينبغي أن نتأمّل في هذه الحالات جميعاً ليتّضح كيف ينبغي أن يكون صومنا، وكيف ينبغي أن نتصرّف لنحفظَ الأساس في الضيافة الإلهيّة ونحافظ على آثاره ونتائجه.

صومُ العوامّ، وصوم الخواصّ، وخواصِّ الخواصّ

قال آية الله التبريزي:

«مراتبُ الصوم ثلاثة، صومُ العوامّ وهو بتَرك الطعام والشراب ".." على ما قرَّرَه الفقهاء من واجباته ومحرّماته، وصومُ الخَواصّ وهو تَرْكُ ذلك -أي ترْك المُفطرات حسبما قرَّره الفقهاء- مع كفِّ الجوارح عن مخالفات الله جلّ جلالُه، وصومُ خواصِّ الخواصّ وهو ترْكُ كلِّ ما هو شاغلٌ عن الله تعالى من حلالٍ أو حرام، ولكلِّ واحدٍ من المرتبتَين الأخيرتَين أصنافٌ كثيرة، لا سيّما الأولى -أي صوم الخواصّ فإنهّا الأولى من الأخيرتَين- فإنّ أصنافَها كثيرةٌ لا تُحصى بعدَد مراتب أصحابِ اليمين من المؤمنين، بل كلُّ نَفسٍ منهم له حدٌّ خاصٌّ لا يُشبه حدَّ صاحبه، ومن أهل المراتب أيضاً مَن يقرُب عملُه من عملِ مَن هو فوقَه، وإنْ لم يَكن من مرتبتِه».[105]         

والمراد بكلمة العوامّ في مصطلح «صوم العوامّ»، الذين هم أهلُ المعاصي، وليس المراد المتعارف بيننا من أنّنا نحن معاشر المشايخ أو معاشر المثقّفين النُّخبة والباقي عوامّ، إنّ هذه الطبقيّة البغيضة مرفوضة في الإسلام، فالنّخبة بحقّ، والخواصّ هم أهلُ الطاعات، أهل الاستقامة على الحقّ وطاعةِ الله تعالى، والعوامّ هم أصحابُ المعاصي.

وبناءً على ذلك، فإذا كان شخصٌ من الناس بحسب الظاهر من علماء الدين، ولكنّه يرتكبُ المعاصي فهو من العوامّ، وصومُه صومُ العوامّ، لأنّ هذا الصوم يجتمع مع المعاصي التي يجتنبُها الخواصُّ الذين يهتمّون بدرجةٍ من الصوم غير اعتياديّة، هي -بالإضافة إلى اجتناب المُفطرات- كَفُّ الجَوارح عن مخالفة الله تعالى.

إمّا أن أعتقد بأنّي في ضيافة الرّحمن، وأنسجم مع هذا الاعتقاد، ويكون أدبي بمستواه، وإمّا أن أكون صريحاً مع نفسي، فأقول إنّي لا أعتقد بضيافة الرّحمن، والعياذُ بالله، وهذا يعني وجودَ خَلَلٍ عقائديّ بُنيَويّ يجب التصدّي لعلاجه، وقد يتمّ ذلك بسرعة من خلال التفكير بخطبة رسول الله |، وهو الطبيبُ الدوّار بطبِّه كما يَصِفُه أمير المؤمنين ×.

إنّنا في شهر الله سبحانه أمام واجبِ رفع مستوى اهتمامنا بالحُكم الشرعي، ورفعِ وتيرة اهتمامنا بمراقبة النّفْس، بالالتفات إلى أنّنا في محضَر الله عزّ وجلّ، وصحيحٌ أنّنا دائماً في محضَر الله سبحانه وتعالى، إلّا أنّنا في هذه الضيافة في محضَرٍ خاصٍّ ومميّز، فَلْنَخرج من صوم العوامّ إلى صوم الخواصّ الذي هو تَرْكُ المُفطرات مع حفظِ الجوارح من مخالفاتِ الله جلَّ جلالُه، وهو يستدعي مزيدَ مراقبةٍ لهذه الجوارح، وخصوصاً اللّسان والعَين والأُذُن، بالتفصيل الذي تقدّم في أواخر عمل شهر شعبان، فَرَاجِع.

وأمّا القسم الثالث: وهو صومُ خواصِّ الخواصّ، فهو كما عرفتَ تَرْكُ كلِّ ما هو شاغلٌ عن الله من حلالٍ أو حرام، أي أنّه بالإضافة إلى تَرْكِ المُفطرات وحفظِ الجوارح يستدعي حضورَ القلب دائماً، واليَقَظة الدائمة، فالمحضَرُ محضَرُ الله عزّ وجلّ، ولا يَصِحُّ للقلب أن يشغلَه عن الله تعالى شاغل، سواءً كان هذا الشاغل حلالاً أم حراماً، بل يبقى مع الله عزّ وجلّ، منقطعاً إليه، مُقيماً على طاعته، عامراً بحبِّه والحنين إلى رضاه.

صحيحٌ أنّ هذه المرتبة عالية جدّاً لسنا من أهلها، إلّا أنّ من الصحيح أيضاً أنّ معرفة هذه المرتبة يجعلنا ندرك الذُّرى التي ينبغي أن نحرصَ على الوصول إليها، وبدلاً من أن يضعَ المؤمن سقفاً معيَّناً للصوم، ويتصوّر أنّ مجرّد امتناعِه عن الطعام يجعلُه في عداد الصائمين الذين يغدون في يوم العيد إلى جوائزهم السَنيّة والعظيمة، -بدلاً من ذلك- يُدرِكُ المؤمنُ عندما يسمعُ الحديثَ عن صوم خواصّ الخواصّ أنّ عليه أن يشمِّرَ عن ساعد الجِدّ، فالطريقُ طويلٌ والسقفُ مرتفعٌ جدّاً، وهو بعدُ سَهْلٌ ممتَنع، أوليسَ من أوضح الواضحات أنّ على الصائم الضيف أن يتنبّه إلى هذه الضيافة على الدّوام؟

ثمّ أليسَ من أوضح الواضحات أنّ مَن هم كذلك في غاية النُّدْرَة؟

ولا حلَّ إلّا باليَقَظة والتضرُّع لمَن يُجيب دعوةَ الدَّاعِ إذا دَعاه، والتّوسُّل إليه بمَن أمرَ بالوقوف ببابِه إنْ أردْنا بابَه، المصطفى الحبيبَ وآلَه الأطهار، صلواتُ الله تعالى عليهم أجمعين.

وإذا كنتُ لا أستطيعُ تَرْكَ كلِّ شاغلٍ عن الله من حلالٍ أو حرام، أي لا أستطيعُ أن أصومَ صومَ خواصّ الخواصّ، فما الذي يمنعُني عن صوم الخواصّ، أي حفظ الجوارح من مخالفاتِ الله عزّ وجلّ؟

ما معنى أن يثبتَ في صحيفة أعمال الصائم أنّه صائمٌ مغتاب؟ أو صائمٌ يُؤذي المؤمنين، أو صائمٌ سيءُ الخُلُق؟

لماذا لا نقرّر أن يكون شهر الصوم شهراً مميّزاً في محاسبة النّفْس، في الحرص على حُسن الخُلُق، في التفكير بكلّ كلمة قبل أن نقولَها وبكلّ عمل قبلَ أن نُقدِمَ عليه؟

لماذا لا نحرص أن نكون سبباً لنشر المحبّة في الأجواء التي نكون فيها في شهر رمضان المبارك؟

لماذا لا يقرّر كلٌّ منّا أن لا يُؤذي أحداً طيلةَ هذا الشهر على الأقلّ، لعلّه بذلك يُوفَّق لأن لا يؤذي أحداً بعد انقضائه؟

إنّ لشهر الله عزّ وجلّ حُرمتَه الخاصّة، فكيف أسمحُ لنفسي وأنا أدَّعي الصيام أن أتصرّف كما لو أنّي لم أسمَع بضيافة الله عزّ وجلّ؟

أيّها العزيز، لا بّد من وقفةٍ مع النَّفْس في هذا المجال.

ماذا نأكل ونشرب

أما أنواع الصّائمين من جهة الطعام والشراب، أي كيف يتعاملون مع الطعام والشراب ما بين الإفطار والإمساك، فيُوضح آيةُ الله التبريزي عليه الرحمة أنّهم على أقسام:

* القسم الأول: الذين يعلمون بأنّ مأكلَهم حرام

قال عن هذا القسم: «منهم من يكون مأكلُه ومَشربُه من الحرام المعلوم، فالأجرُ لمالك الطعام وله وِزْرُ ظُلْمه وغَصْبه، أو مَثله مَثَلُ مَن ركب دابّة مغصوبة إلى بيت الله الحرام، وطاف بالبيت على هذه الدابّة المغصوبة».[106]

* القسم الثاني: الذين يكونُ مَأْكلُهم من الشُّبُهات

وقد قال الشيخ التبريزي فيهم:

«ومنهم مَن يكون مأكلُه من الشُّبهات، وهو على قسمَين: قسمٍ يكون أخْذُ هذا المُشتبَه الواقعي محلَّلاً له في الظاهر، وقسمٍ لا يكون أخْذُه محلَّلاً، ولو في الظاهر، والأوّل يلحق في حُكمه بمَن يكون مَأْكَلُه ومَشربُه من الحلال، وإنْ كان دونَه بدرجة، والثاني بمَن يأكلُ الحرام المعلوم، وإنْ كان فوقَه بدَرَجة».

ومحلّ الحاجة هنا من ذلك هو أنّ الإنسان قد لا يدقِّق في الحكم الشرعي لمَورده المالي، فيكون فيه ما لا يجزم بحليَّتِه، فهو إذاً مالُ شُبهة، يجبُ اجتنابُه، لأنّ المؤمنَ لا يُقدِم إلّا على ما يعلم أنّه حلال، خصوصاً في شهر الصيام.

والنتيجة أنّ المطلوب التدقيق جيّداً فلا تكون هناك شُبهة في مصدر المأَكَل والمَشرب، بل وكلّ ما نتقلّب فيه كما تقدّم.

والواقع أنّ دائرة الابتلاء بهذا النوع، أي المال الشُّبهة، واسعة جدّاً، وأكثر ممّا نتصوّر بكثير، ولا بدّ للصائم من بَذْلِ الجُهد بمسؤوليّة أمام الله تعالى، حتى لا يُطعِمَ أهلَه وأولادَه ويأكل هو ممّا يكون وِزْرَاً عليه، يحاسب به يومَ القيامة.

وربّما أمكنَ تفادي ذلك باليسير من التأمّل، كما أنّه قد يستدعي المزيدَ من العناية والسؤال، وقد تقدّم في حديث اليوم الأوّل ما ينفع فيه.

* القسم الثالث: الذين يكون مَأْكَلُهم حلالاً

وهم على أقسام، تحدّث عنهم آية الله التبريزي بقوله، فقال حول القسم الأوّل:

«ومنهم مَن يكون مَأْكَلُه حلالاً معلوماً ولكنّه مُتْرَفٌ في كيفيّة طعامه بكثَرة الأنواع، ومترَفٌ في مقداره إلى حدِّ الامتلاء، ومَثَلُه مَثَلُ خَسيسِ الطّبعِ الذي يشتغلُ في حضرة حَبيبِه بالالتذاذ بما يكرهُه، وحبيبُه متوقّعٌ أن لا يلتذَّ بشيءٍ غيرَ قُربِه، فلذلك كان عبداً خسيساً لا يَليقُ به إلّا أن يُترَكَ وما يلتذُّ به، وهو بأنْ يُعدَّ عبدَ بطنِه أَولى من أن يُعدَّ عبدَ ربِّه».

ولا بدّ أوّلاً من توضيح أنّ للإنسان أن يأكلَ مقدار حاجة جسمِه من الطعام، وقد تكون أكثرَ من حاجة غيره، إلّا أنّ من الضروريّ التفريقَ بين حاجة الجسم الحقيقية وحاجته الوهميّة الناشئة من الاسترسال وعدم وَضْعِ حدٍّ للجَشَع.

ليس المطلوب أن يأكلَ الصائم ما يُضعِفُه ويمنعُه عن مواصلة الصيام، بل المطلوب أن لا يأكلَ ما لا داعيَ له إلّا العادة، وحبّ الاستزادة.

وإذا لم يدقّق في ذلك واسترسلَ مع شهوة الطعام، فهو عبدُ بَطْنِه!

* القسم الثاني من أقسام مَن يكون مَأْكَلُهم حلالاً

قال المَلَكي التبريزي عليه الرّحمة: «ومنهم مَن يكون حدُّه في الكيفيّة والمقدار فوقَ التّرَف، فَيَصل إلى حدّ الإسراف والتّبذير، وهو ملحَقٌ بمَن يأكلُ الحرام، والأجدر به أن يُعَدّ عاصياً لا مُطيعاً».

فَبالإضافة إلى التنوّع الكثير في الطعام وَكَثْرَةِ كمّيَّته، تصلُ كَثرةُ الكميّة إلى حدّ الإسراف والتبذير، وهذا في حدّ ذاته معصية.

* القسم الثالث: مَأْكَلُه من الحلال بلا تَرَفٍ ولا إسراف

قال التبريزي: «ومنهم من يكون مَأْكَلُه ومُتَقَلَّبُه كلُّه من الحلال بلا تَرَفٍ ولا إسراف، بل يتواضعُ لله تعالى في مقدار طعامِه وشرابه، فتنزل كمّيّتُهما عن الحدّ المحلَّل وغير المكروه، ويترك التلذُّذَ بالطعام والشراب، ويقتصر في الأدام على لونٍ واحد، أو يترك بعض اللّذائذ، وبعضَ الزيادة.

وهؤلاء -أي القسم الثالث- على درجات، ودر

جاتُهم عند ربّهم المراقب لحفظِ مجاهداتِهم ومراقباتِهم محفوظةٌ مجزيَّةٌ مشكورة ".." ويزيدهم من فضلِه بغير حساب، ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ..﴾، بَلْ ولا خَطَرَ على قلبِ بَشَر».[107]

ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ تهذيب النّفْس في كلّ مجالاته، ومنها الصوم، على مراتب ينبغي التدرّجُ فيها، وعدم تكلُّف ما لم تبلغ الهمّة التعامل معه، ولو بَحَمل النفس على ما تكرَه، ويعني ذلك في باب الطعام أن يتدرّجَ الصائم بلا تهاونٍ في الرُّقِيّ من مرتبةٍ إلى أُخرى تدرُّجَ التلميذ من صفٍّ إلى صفّ، ويختلف التدرّج من شخصٍ إلى آخر، فَلِكُلٍّ جسمُه وحاجتُه.

والسؤال الذي يجبُ أن يوجّهَه كلٌّ منّا إلى نفسه: تُرى، من أيّ الأقسام أنا؟ هذا هو السؤال البداية والرفيق والنهاية.

دعاءُ اليوم الرّابع

«أللَّهُمَّ قَوِّنِي فِيْهِ عَلى إِقامَةِ أَمْرِكَ، وَأَذِقْنِي فِيْهِ حَلاوَةَ ذِكْرِكَ، وَأَوْزِعْنِي فِيْهِ لأداءِ شُكْرِكَ بِكَرَمِكَ، وَاحْفَظْنِي فِيْهِ بِحِفْظِكَ وَسَترِكَ، يا أبْصَرَ النَّاظِرِينَ».

يريدُ هذا الدّعاءُ المباركُ أن يُطلّ بنا على الحقائق التالية:

إلهي، قَوِّني في هذا اليوم لإقامةِ أمرِك، بامتثالِ أوامرِك ونَواهيك، وَأَخْرِجني من غَياهبِ الغَفلة إلى أُنس الذِّكرِ وحلاوتِه، واجعَلني أتذوَّقُ حلاوةَ حضورِك عند ذكرِك، واهدِني لشُكرِك على تَوفيقي لطاعتِك، وشُكرِك للسّماحِ لي بتَذوُّق حلاوةِ ذِكرك. إلهي ليسَ ذلك بعمَلي بل بكَرمِك، فما رأيتُ إلّا جميلاً، واحفَظني في يومي هذا بحفظِك، أَدْخِلْنِي في درعِك الحصينةِ التي تجعلُ فيها مَن تريدُ من عبادِك.

صلاة اللّيلة الخامسة

1- وهي كَصَلوات اللّيالي المتقدّمة، عبارة عن عشرين ركعة، كلّ ركعتَين بتسليمة، يقرأُ في كلٍّ منهما (الحمد) مرّة، و(قل هو الله أحد) إمّا مرّة، أو ثلاثاً، أو خَمساً، أو سَبعاً، أو عَشراً، وتُصلّى هذه العشرون على الشكل التّالي: ثماني رَكَعات بعد صلاة المغرب، واثنَتا عشرَة رَكعة بعد صلاة العشاء.

2- عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ومَن صَلّى في اللّيلةِ الخامسةِ ركعتَين، بمائة مرّة (قل هو الله أحد) في كلّ ركعة، فإذا فرغَ صلّى على محمّدٍ وآلِ محمَّدٍ مائة مرّة، زاحمَني يومَ القيامة على باب الجنّة».[108]

ولعلّ المراد بمُزاحمة المصطفى صلّى الله عليه وآله أنّ مَن يصلّي هذه الصّلاة يكون من السّابقين معَه إلى الجنّة.

3- قال الكفعمي: «ويُستَحبُّ أن يصلِّي في كلِّ ليلةٍ من شهر رمضان ركعتَين بـ (الحمد) مرّة، و(التّوحيد) ثلاثاً، فإذا سلَّم قال: سُبْحانَ مَنْ هُوَ حَفِيظٌ لا يَغْفَلُ، سُبْحانَ مَنْ هُوَ رَحِيمٌ لا يَعْجَلُ، سُبْحانَ مَنْ هُوَ قائِمٌ لا يَسْهُو، سُبْحانَ مَنْ هُوَ دائِمٌ لا يَلْهُو. ثمّ يقولُ التّسبيحاتِ الأربعة سبعاً، ثمَّ يقول: سُبحانَكَ سُبحانَكَ يا عظيمُ، اِغْفِرْ ليَ الذَّنبَ العَظيم. ثمَّ تُصلّي على النّبيّ عشراً. مَن صلَّاها غَفرَ اللهُ له سبعين ألف ذنبٍ».[109]

 

 

 

 

 

 

 

5

شهر رمضان

 

 

* الأحكام الشرعيّة تفيضُ حبّاً لنا

  * قضاءُ حوائجنا، مَظهرُ حبِّه لنا

    * دعاءُ اليوم الخامس

      * صلاةُ اللّيلة السّادسة

 

الأحكامُ الشرعيّة تفيضُ حبّاً لنا

هل نشعرُ بحبِّ الله عزّ وجلّ لنا، كما نشعرُ بحبّ الأمّهات؟ مع أنّ حبّ الأمّ ليس إلّا غَيْضَاً من فيض حبّ الله تعالى.

والأحكام الشرعيّة تَطفحُ بالحبّ لنا.

هل نُدرك ما في حُرمة الغِيبة من مخزونِ حبِّ الله تعالى لنا؟

وكَم هو مخزون حبِّه عزّ وجلّ الذي تجسِّدُه حُرمةُ الأذى؟

لقد حرّم اللهُ تعالى أذى المؤمن بشكلٍ خاصّ، وأَذَى الإنسان، أليسَ في هذا مخزونَ حبٍّ عارم؟

وكَم هو مخزونُ حبِّه في سائر أحكامِ حِفظ الكرامة والحقوق، التي تطبعُ الفقهَ الإسلامي بطابعِها، فإذا هو فقهُ كرامة الإنسان.

قضاءُ حوائجِنا، مَظهَرُ حبِّه لنا

كم اهتمَّ اللهُ تعالى بقضاءِ حوائجِنا؟ وكم أكَّدَ على قضاء الحوائج، «مَنْ فَرَّجَ كُرْبَةَ مَلْهٌوفٍ، فَرَّجَ اللهُ تَعالى كُرْبَتَه»، كم في ذلك من دفءِ الحَنان؟

ولقد جعلَ سبحانه الجهاد في سبيلنا ومن أجلنا، لتحريرنا من الطواغيت ووَضْع إصْرِهم عنّا والأغلال، جهاداً في سبيله ومن أجله، وأعطى المجاهدين ثواباً لا يقدَّر، ومَن استُشهد في هذا الطريق، طريقِ الدفاع عن عباد الله فهو من أمراء الجنّة!

إنّه عزّ وجلّ يحبّنا حبّاً لا نظيرَ له على الإطلاق.

صحيحٌ أنّ من واجبنا أن نحبّ الله تعالى، إلّا أنّ من واجبنا أيضاً أن نعرف حبّه عزّ وجلّ لنا، بل لا يُمكننا أن نحبّه تقدّست أسماؤه إلّا إذا انطلقنا من حبّه لنا، من عطفِه علينا، من رحمتِه بنا، «إنَّكَ تَدْعُونِي فَأُوَلِّي عَنْكَ، وَتَتَحَبَّبُ إِلَيَّ فَأَتَبَغَّضُ إِلَيْكَ، وَتَتَوَدَّدُ إِلَيَّ فَلَا أَقْبَلُ مِنْكَ».

«أَلْحَمْدُ للهِ الذي يَحْلُمُ عَنّي كَأَنّي لا ذَنْبَ لِي، فَرَبِّي أَحْمَدُ شَيْءٍ عِنْدِي وَأَحَقُّ بِحَمْدِي»!!

تُرى، ألا نستطيعُ من خلال ذلك أن نكتشفَ بيُسرٍ وبكلّ وضوح أنّ الله عزّ وجلّ لا يريد لأحدٍ منّا أن يدخلَ النار، ومهما كانت معاصينا فإنّه عزّ وجلّ يتقبّلنا إذا رجعنا إليه بصِدق، وكانت توبتُنا توبةً صادقةً نصوحاً؟

دعاءُ اليوم الخامس

«أَللَّهُمَّ اجْعَلْنِي فِيْهِ مِنْ المُسْتَغْفِرِينَ، واجْعَلْنِي فِيْهِ مِنْ عِبادِكَ الصَّالِحينَ القَانِتينَ، وَاجْعَلْنِي فِيْهِ مِنْ أَوْلِيائِكَ المُقَرَّبِينَ، بَرَأْفَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ».

أنا العاصي الغارقُ في المآثمِ يسمحُ لي ربّي بحبِّه لي، بِرَأْفته بي أن أدعوه وكأنّي لا ذنبَ لي، ويسمحُ لي -بل يحبُّ لي- أن أطلبَ منه الدرجاتِ العُلى، إنّه يقول لي: «أُطلبْ أن أجعلَك من الصالحين، من القانتين، أُطلب أن أجعلَك من أوليائي المقرّبين». إلهي أُدرِكُ خطورةَ ذنبي فأحاولُ أن أستغفرَ وأتوب، وأطلب منك الصَّفح والمغفرة، فيُزيِّن ليَ الشيطان حبَّ المعاصي، فإذا باستغفاري شكلٌ بلا محتوى، وقِشرٌ بلا لُبّ.

سيّدي، اجعلني في هذا اليوم من المُستَغفرين.

صلاة اللّيلة السّادسة

1- عشرون رَكعة، في كلّ ركعة (الحمد) مرّة، و(قل هو الله أحد) مرّة، أو ثلاث، أو خَمس، أو سبع، أو عَشر، ثماني رَكعات منها بعد صلاة المغرب، واثنتا عشرة ركعة بعد صلاة العشاء.

2- عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «وَمَن صَلّى في اللّيلة السّادسة من شهر رمضان أربعَ رَكعات، يقرأُ في كلّ ركعة (الحمد) و(تباركَ الذي بِيَدِه المُلك)، فكأنّما صادفَ ليلةَ القدر».[110]

3- قال الكفعمي: «ويُستَحبُّ أن يصلِّي في كلِّ ليلةٍ من شهر رمضان ركعتَين بـ (الحمد) مرّة، و(التّوحيد) ثلاثاً، فإذا سلَّم قال: سُبْحانَ مَنْ هُوَ حَفِيظٌ لا يَغْفَلُ، سُبْحانَ مَنْ هُوَ رَحِيمٌ لا يَعْجَلُ، سُبْحانَ مَنْ هُوَ قائِمٌ لا يَسْهُو، سُبْحانَ مَنْ هُوَ دائِمٌ لا يَلْهُو. ثمّ يقولُ التّسبيحاتِ الأربعة سبعاً، ثمَّ يقول: سُبحانَكَ سُبحانَكَ يا عظيمُ، اِغْفِرْ ليَ الذَّنبَ العَظيم. ثمَّ تُصلّي على النّبيّ عشراً. مَن صلَّاها غَفرَ اللهُ له سبعين ألف ذنبٍ».[111]

 

 

 

 

6

شهر رمضان

 

 

* هل كانَ استعدُادنا مناسباً

   * مَن دخلَ ضيافةً بما لا يُناسب

     * بالتّوبة يتحقّق الاستعداد والتّناسب

       * بَيْعةُ الإمام الرضا عليه السلام

          * دعاءُ اليوم السّادس

             * صلاة اللّيلة السّابعة

 

هل كان استعدادُنا مناسباً

أصبحنا الآن -شِئنا أم أبَينا، رَغبنا أم لم نَرغب- في ضيافة الله عزّ وجلّ.

وإذا كنّا لم نستعدّ قبل دخول شهر رمضان المبارك لاستقباله، فهل يصحّ أن نبقى في غفلة، أم أنّ من واجبنا أن ندركَ أهميّة ضيافة أرحم الرّاحمين، ونبحث عن مدى التناسب بيننا وبين هذه الضيافة؟

مَن دخل ضيافةً بما لا يُناسب

لو أنّ شخصاً مدعوّاً إلى ضيافةٍ مّا، على درجة عالية من الأهميّة، من حيث أعداد المدعوّين، ونوعيّتهم، والموضوع الذي هو محور الدعوة، وقد غفلَ هذا المدعوّ عن الاستعداد المناسب لهذه الضيافة، أو لم يستعدّ لها أصلاً، فلم يَرْتَدِ الثياب المناسبة، وعندما ذهب من دون الاستعداد اللّازم ظَلَّ سادراً في غفلتِه إلى أن دخلتْ أولى لحظات الفترة الرئيسة في موعد هذه الضيافة، وسُلِّطَت الأضواءُ الكاشفة، وبدأ البثّ الفضائي، وسُلِّطَتْ عشرات الكاميرات على المَدعوّين، و ما زالت الغفلة تسيطرُ عليه بشكلٍ أو بآخر.

وفجأة وقع نظرُه في مرآةٍ فاكتشفَ أثناء هذا الحفل النوعيّ أنّ على ثيابه بُقَعَاً من الزيت، أو أنّه ملطّخٌ بالأدران والأوساخ، أو أنّ ثيابه رديئة، ووضعَه الظاهري سيّء جدّاً، لا يناسب هذا المكان على الإطلاق. فكيف يتصرّف هذا الغافل، والحفلُ قد بدأَ وهو منه في الصّميم؟

كما تُقدّر له أن يتصرّف، فهكذا ينبغي أن نتصرّف أنا وأنت وأمثالنا عندما نجد أنفسَنا في ضيافة الرّحمن عزّ وجلّ وقد غمرَتْنا الغفلةُ فلم نستعدّ لهذه الضيافة قبل حلولِها، ومرّت علينا أيّام وليالٍ من هذا الشهر المبارك ولمّا ننتبه بعدُ إلى آداب هذه الضيافة الإلهيّة.

* بالتّوبة يتحقّق الاستعداد والتّناسُب

يا قلب:

إذا كان لهذا عذرٌ من الأعذار، فما هو عذرُ مَن يكتشفُ في ضيافة الله تعالى، التي يشتركُ بها النبيّون والأوصياء وخِيَرةُ عباد الله الصالحين وسائر مَن دعاهم الله عزّ وجلّ، أنّ غفلتَه قد حملتْه إليها مشوَّهَ النَّفْس والفطرة، صفرَ اليدَين من لباس التقوى، خاليَ الوفاض من مكارم الأخلاق؟!!

ثمّ ها هي صورةُ باطنِه تظهرُ في مرآة الحقيقة، على ما هو عليه! يحملُ أطناناً من الحقد، وأطناناً من الغِيبة، وسوء الظنّ، وأطناناً من الجَشَع وحبِّ المال وحبِّ الجاه!! كيف يُمكنُه أن يرضى بهذه الحقيقة الشّوهاء، حقيقته، في هذا المحضَر العظيم ولا يذوبُ خجلاً، ويودّ لو تُسوَّى به الأرض؟!

وهل يُعقل أن يبقى في هذه الضيافة على ما هو عليه؟!

وكيف لا يبذلُ المستحيلَ لتَغيير هذا الوضع؟!

فما هو المطلوب؟

المطلوب أن يُدرِكَ الغافلُ حقيقةَ أمرِه ويتحرّك نحو الانسجام مع هذه الضيافة حتى لا يبقى نَشازاً غريباً عنها، كالضّيف الذي يرتدي ثياباً مُلفتةً عجيبةً في جوٍّ «رسميٍّ» شديدِ الخصوصيّة، ألا يبقى وجوداً نشازاً؟ فحتّى لا أبقى أنا العاصي، صاحبَ هذا المنظر الباطني المُرعب، نشازاً في هذه الضيافة الإلهيّة، ينبغي أن أتحرّك، وأبادر، أن أعملَ شيئاً.

والسؤال هنا: ماذا بِوسع الغافل أن يفعل؟ وكيف يُمكنُه أن يخرجَ ممّا هو فيه؟

والجواب: يجدِّدُ التوبةَ إلى الله عزّ وجلّ.

ولكن، أيَّ توبة؟ هل المُراد كلمات «أستغفرُ اللهَ وأتوبُ إليه»، والبقاء على ما هو عليه؟ وهل هذا إلّا إصرارٌ على الذَّنْب بل عينُ الاستهزاءِ بالله عزّ وجلّ؟

إنّ المطلوبَ منّا -أيّها الحبيب- أن تكونَ التوبة حارّةً، فاعلةً، من الأعماق، أَرأَيتَ إلى الأمّ المفجوعة بَولدِها، هل تحتاجُ إلى مَن يعلّمها كيف تَندب، وتَلطم، وتتفجّع على ابنِها، أم أنّها من شدّة اضطرام نار الحُزن في أعماقها تُصبح معلِّمةً لغيرها في باب التّفجُّع والنَّدْب واللّطْم.

والتوبة التي أنا بصدَدِ الكلام عنها -ويا ليتَ أنّي أكون بصدَدها- من هذا النوع، ليست عبارةً عن كلمات «أَسْتَغْفِرُ اللهَ رَبِّي وَأَتُوبُ إليه» فقط، بل أن يطولَ النَّدَم على ما فرَّطْنا في جَنْبِ الله، فنقول من أعماقِ الأعماق، بل تقولُ شغافُ القَلب:

«وَيْلِي كُلَّمَا طَالَ عُمْرِي زَادَتْ مَعَاصِيَّ، وَيْلِي كُلَّمَا كَبُرَ سِنِّي كَثُرَتْ ذُنُوبِي، فَكَمْ أَتُوبُ وَكَمْ أَعُود، أَمَا آنَ لِي أَنْ أَسْتَحِيَ مِنْ رَبِّي».

«ذاتَ مرّة سَمعتْ أُمُّ سَلَمَة رسولَ الله صلّى الله عليه وآله يقولُ في دُعائه: وَلَا تَكِلْنِي إلى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ أَبَدَاً، فَبَكَتْ أُمُّ سَلَمَة، قال صلّى الله عليه وآله: مَا يُبكِيكِ؟ قالتْ: يا رسولَ الله، أنتَ تقولُ ذلك؟ قال صلّى اللهُ عليه وآله: وَلِمَ لا؟ وَهَذا ابنُ مَتَّى -النّبيّ يونس- وَكَلَه اللهُ إلى نفسِه طَرْفَةَ عَيْنٍ فَكَانَ مِن أمرِه مَا كَانَ».[112]

أيّ معادلة هذه التي نحن عليها: رسولُ الله صلّى الله عليه وآله مُشْفِقٌ وَجِلٌ، ونحن مُطمئنّون، ونشعر أنّنا قُمنا بما علينا، في غَفْلَةٍ عمّا يَجِب!

لِنفسي ولجميع الأعزّاء أقول: نحن مدعوّون إلى التّوبة الصّادقة النّصوح في شهر رمضان المبارك، وَلْنَثِق أنّ ربَّنا نِعْمَ الرّب، يبلغُ قبولُه التّوبةَ إلى حيث يبدِّلُ السيّئاتِ حَسَناتٍ، وَلَديه المَزيد، ورضوانٌ من اللهِ أكبر.

بيعةُ الإمام الرّضا عليه السلام

قال الشيخ المفيد: «وفي السّادس منه أنزلَ اللهُ التوراةَ على موسى بنِ عمرانَ عليه السلام. وفيه من سنة إحدى ومئتَين للهجرة كانت البيعةُ لسيّدنا أبي الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام. وهو يومٌ شريفٌ يتجدّد فيه سرورُ المؤمنين، ويُستَحَبُّ فيه الصَّدَقةُ والمَبَرَّةُ للمساكين، والإكثارُ لشكرِ الله عزَّ اسمُه على ما أظهرَ فيه من حقِّ آلِ محمَّدٍ صلّى الله عليه وآله، وإرغامِ المنافقين».[113]

وقال السيّد ابن طاوس: «ورُويَ أنّه يصلّي يومَ السّادس من شهر رمضان ركعتَين، كلّ ركعة بـ (الحمد) مرّة، وبـ (سورة الإخلاص) خمساً وعشرين مرّة، لأجلِ ما ظهرَ من حقوق مولانا الرضا عليه السلام فيه. وذكرَ المفيد في (التواريخ الشرعيّة) أنّ اليوم السادس من شهر رمضان كانت مبايعةُ المأمون لمولانا الرضا عليه السلام فيه».[114]

دعاءُ اليوم السّادس

«أللَّهُمَّ لا تَخْذُلْنِي فِيْهِ لِتَعَرُّضِ مَعْصِيَتِكَ، وَلا تَضْرِبْنِي بِسِياطِ نَقْمَتِكَ، وَزَحْزِحْنِيِ فِيْهِ مِنْ مُوجِباتِ سَخَطِكَ، بِمَنِّكَ وَأَيادِيكَ يا مُنْتَهى رَغْبَةِ الرَّاغِبِينَ».[115]

أرأيتَ إلى المحبِّ الذي أساءَ إلى حَبيبِه، ثمّ عادتِ الأمورُ بينَهما إلى مَجاريها، كيف يحرصُ على رضا الحَبيب، ويحاذرُ أن يُسيءَ إليه فيُعَكِّرَ صفوَ الوئام؟

إلهي، تُبْتَ عليَّ، فَشَملْتَني ببُرد عفوِك ورأفِتك، فَأَتْمِمْ نعمتَك عليّ، وسدِّدني فلا أَعصي.

ما أقلَّ حيائي يا إلهي إنْ عصيتُك، وأنت تَتحبَّبُ إليّ!

وأنّى لي بالطّاعة إلّا بالتّسديد. أللّهمّ فلا تَخْذلني، ولا تَكِلْني إلى نَفسي فَأَرْتَكِس في المعاصي. يا مُنتَهى رغبةِ الرّاغبين.

صلاة اللّيلة السّابعة

تقدّمتِ الإشارة إلى أنّي أُورد لكلّ ليلة ثلاث صلوات ليَختار الرّاغبُ أيَّها أراد.

1- صلاة عشرين ركعة من أصل الألف، بـ (الحمد) مرّة، و(التّوحيد) مرّة، أو ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً، أو عشراً. يُؤتَى بثماني رَكعات منها بعد المغرب، والباقي بعد العشاء.

2- عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ومَن صلّى في اللّيلة السّابعة من شهر رمضان أربعَ ركعات، يقرأ في كلّ ركعة (الحمد) مرّة، و(إنّا أنزلناهُ في ليلة القدر) ثلاث عشرة مرّة، بَنَى اللهُ له في جنَّةِ عَدْن قصرَي ذَهَب، وكان في أمانِ الله تعالى إلى شهرِ رمضان مثلِه».[116]

3- قال الكفعمي: «ويُستَحبُّ أن يصلِّي في كلِّ ليلةٍ من شهر رمضان ركعتَين بـ (الحمد) مرّة، و(التّوحيد) ثلاثاً، فإذا سلَّم قال: سُبْحانَ مَنْ هُوَ حَفِيظٌ لا يَغْفَلُ، سُبْحانَ مَنْ هُوَ رَحِيمٌ لا يَعْجَلُ، سُبْحانَ مَنْ هُوَ قائِمٌ لا يَسْهُو، سُبْحانَ مَنْ هُوَ دائِمٌ لا يَلْهُو. ثمّ يقولُ التّسبيحاتِ الأربعة سبعاً، ثمَّ يقول: سُبحانَكَ سُبحانَكَ يا عظيمُ، اِغْفِرْ ليَ الذَّنبَ العَظيم. ثمَّ تُصلّي على النّبيّ عشراً. مَن صلَّاها غَفرَ اللهُ له سبعين ألف ذنبٍ».[117]

 

 

 


 

 

7

شهر رمضان

  

* دعاء اليوم السّابع

    * صلاة اللّيلة الثّامنة

 

دعاءُ اليوم السّابع

«أللَّهُمَّ أَعِنِّي فِيْهِ عَلى صِيامِهِ وَقِيامِهِ، وَجَنِّبْنِي فِيْهِ مِنْ هَفَواتِهِ وَآثامِهِ، وَارْزُقْنِي فِيْهِ ذِكْرَكَ بِدَوامِهِ، بِتَوْفِيقِكَ يا هادِيَ المُضِلِّينَ».

يُلاحَظ أنّ الرّوايات تُحدِّثنا عن شخصيّة مستقلّة لشهر رمضان المبارك، ولكن يُفهَم من بعضها -كما في خطبة المصطفى صلّى الله عليه وآله- التأكيدُ على شخصيّة مستقلّة لكلّ يومٍ من أيّام شهر رمضان، وكلّ ليلة من ليالي شهر رمضان، بل وكلّ ساعة من ساعات شهر رمضان.

وأدعيةُ أيّام شهر رمضان المبارك تؤكّد لنا على الشخصيّة المستقلّة لكلِّ يومٍ من أيّام هذا الشهر الكريم، ومن هنا نجدُ التركيز في دعاء كلّ يوم على خصوصيّاتٍ تُطلَب من الله عزّ وجلّ فيه.

وفي دعاء يومنا هذا نَجِدُ أنّنا مأمورون بالطّلب من الله تعالى أوّلاً أن يُعينَنا على صيامِه وقيامِه، وهذا أمرٌ ينبغي أن يستمرَّ طَلَبُه من الله تعالى طيلةَ الشّهر، كما أمرَنا المصطفى صلّى الله عليه وآله أن نطلبَه من الله تعالى قبلَ حلول الشّهر.

والأمرُ الثاني الذي وردَ التأكيدُ عليه في هذا الدعاء أن يجنِّبَنا اللهُ تعالى الهَفَواتِ والآثامَ في هذا اليوم.

والأمرُ الثالث أن يَمُنَّ علينا عزّ وجلّ بدوام الذِّكر، على قاعدة «خَيْرُ الأَعمالِ أدْوَمُها وإنْ قَلَّ».

إنّ ذِكْرَ الله تعالى مهمٌّ، إلّا أنّ الأهمَّ هو دوامُ هذا الذِّكر، فيَبقى الإنسان متذكِّراً ربّه باستمرار.

والأمرُ الرابع التأكيد على غرار الأدعية المتقدّمة أنّ ذلك لا يكون إلّا بتوفيقِ الله عزّ وجلّ: «بِتَوفِيقِكَ يا هَاديَ المُضِلِّيْنَ»، وكأنّ هذه العبارة الأخيرة تريدُ أن تقول أنّ مَن وصلَ في الضّلال إلى غايتِه فأصبحَ مُضِلّاً، فإنّ الله عزّ وجلّ أيضاً يَهديه، وهي بمَعنى: إلهي، سواء كنتُ ضالّاً فقط أو مُضِلّاً فأنتَ الآخذُ بيَدي، فأنت أرحمُ الرّاحمين.

صلاة اللّيلة الثّامنة

1- صلاة عشرين رَكعة، من الألف ركعة التي هي الأرجح عندَ الفقهاء بين روايات نوافل هذا الشّهر الكريم، كلّ ركعتَين بتسليمة، ثمان منها بين المغرب والعشاء، والباقي بعد العشاء، يقرأ في كلّ ركعة (الحمد) مرّة، و(التّوحيد) مرّة، أو ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً، أو عشراً.

2- عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «وَمَن صَلّى اللّيلةَ الثّامنةَ من شهر رمضان ركعتَين، يقرأُ في كلّ ركعة (الحمد) مرّة، و(قل هو الله أحد) عشرَ مرّات، وَسَبَّحَ ألفَ تَسبيحة، فُتِحَت له أبوابُ الجِنان الثّمانية، يَدخُلُ من أيِّها شاء».[118]

3- قال الكفعمي: «ويُستَحبُّ أن يصلِّي في كلِّ ليلةٍ من شهر رمضان ركعتَين بـ (الحمد) مرّة، و(التّوحيد) ثلاثاً، فإذا سلَّم قال: سُبْحانَ مَنْ هُوَ حَفِيظٌ لا يَغْفَلُ، سُبْحانَ مَنْ هُوَ رَحِيمٌ لا يَعْجَلُ، سُبْحانَ مَنْ هُوَ قائِمٌ لا يَسْهُو، سُبْحانَ مَنْ هُوَ دائِمٌ لا يَلْهُو. ثمّ يقولُ التّسبيحاتِ الأربعة سبعاً، ثمَّ يقول: سُبحانَكَ سُبحانَكَ يا عظيمُ، اِغْفِرْ ليَ الذَّنبَ العَظيم. ثمَّ تُصلّي على النّبيّ عشراً. مَن صلَّاها غَفرَ اللهُ له سبعين ألف ذنبٍ».[119]

 

8

شهر رمضان

 

* حُسْنُ الخُلُق

   * الرّحمة هي المَدخل

       * نظرة في النَّفْس، والبَيت

          * دعاءُ اليوم الثّامن

              * صلاةُ اللّيلة التّاسعة

 

في خطبةِ المصطفى الحبيب حولَ شهر رمضان المبارك وردَ قولُه صلّى الله عليه وآله:

«مَن حَسَّنَ مِنكُم في هذا الشَّهْرِ خُلُقَهُ كانَ لَه جَوازٌ على الصِّراطِ يومَ تَزِلُّ فيه الأقدامُ..».

حُسن الخُلُق

لِحُسن الخُلُق مرتبتَان:

الأولى: أن لا يُستفَزَّ الإنسان في باطنِه، بل يكون له من الحِلم وسائر الأخلاق الحَسَنة ما يحول بينَه وبين ذلك.

الثانية: أن تعتملَ في باطنه عواملُ الاستثارة والاستفزاز، ولكنّه يسيطر عليها فلا يَدَعُها تتفجّر لتنعكسَ على ظاهره، فضلاً عن أن يتصرّف على أساسها، فيُعامل الطرفَ الآخر بما ينسجمُ معها.

وبديهيٌّ أنّ حُسنَ الخُلُق بالمعنى الأول: أن لا يُثار في باطنه، أصعب بكثير من حُسن الخُلُق بالمعنى الثاني: أن لا يعبّر عما في داخله، أو لا يتصرّف تصرّفاً سيّئاً مُستجيباً لما يدور في باطنه من جرّاء سوء الخُلُق الكامن.

إلّا أنّ مَن وصل إلى حُسن الخُلق بهذا المعنى الثاني، أي إلى مرحلة أنّه يُستثار لكنّه وإنْ أُثيرَ في داخلِه إلّا أنّه على مستوى الخارج لا يستجيبُ للإثارة، بل يتماسكُ ويتجلّدُ ويكظِمُ غيظَه، فهو في مرحلة متقدّمة جدّاً من «حُسن الخُلُق»، ومع أنّها أقلّ مرتبة من الأولى، إلّا أنّها الطريقُ الحصريُّ عادةً للوصول إلى الأولى.

ولا بدّ من التّنبُّه إلى أنّ الهدف الذي ينبغي أن يكون نصبَ العين دائماً هو الأُولى، أي حسُن الخُلق بأعلى مراتبه، ولا يصحّ أن تكون صعوبتُه الشديدة مانعاً من الحُلُم بتحقّقه، لأمرَين:

1- أنّ الوصول إلى أيّ مرتبة من الخُلُق الحَسن، فرعُ الإصرار للوصول، والإلحاحِ في الطّلَب، ومَن رأى اللهَ تعالى صدقَه أعطاه، وما دام هذا الوصولُ ليس بحَولنا وقوّتنا بل بحوَل الله سبحانه وقوّته فلماذا لا نطلبُ ما نظنّه مستحيلاً؟

2- أنّ مجرّد بقاء آثار سوء الخُلق في الداخل، يهدّد أيّ إنجاز، بمعنى أنّ مَن وصلَ إلى مرتبة أنّه يُستثار في داخله، ولكنّه يكظمُ غيظَه، فقد ينفجر هذا الغيظ بعض المرّات فيبدأ يَضرى في نفسه ويَقوى، ثمّ يغلبُه فيُصبح عاجزاً عن كَظْمِه.

كما لا بدّ من التّنبُّه بعدَ ما سبقَ إلى أنّ الظاهر من حديث حُسن الخُلق عند كثيرٍ ممَّن تصدّوا له وبشكلٍ عامّ، هو المعنى الثاني، أي السيطرة على الخارج ومَنْع الجوارح من الانسياق أمامَ رغبة الباطن، إلّا أنّ من الوضوح بمكان أنّ النصوص، سواء الآيات أو الروايات، تطرحُ المعنيَين المتقدّمَين بشكلٍ تَراتُبيّ، فالثاني هدفٌ يتيحُ الوصولَ إلى الأوّل.

ويكفي لإثبات ذلك التأمّل في النصوص التي تتحدّث عن حُسن السريرة، وطهارة الباطن، وسلامةِ القلب، وقَلْع الشّرِّ من الصدر، وغيرها.

والفائدة العمليّة هي أن نحرصَ في التضرّع والتوسّل لِيَمُنَّ الله تعالى علينا بأعلى مراتب حُسن الخُلُق، وما ذلكَ عليه بعزيز.

الرّحمة هي المَدخل

العلاقة بين الرحمة وحُسُن الخلق بحاجة إلى توضيح، فليسَ معنى ذلك أنّ كلَّ مَن تصدرُ منه الرحمةُ فهو يَتَحلّى بحُسُن الخُلُق، لأنّ ما نشاهدُه وجداناً أنّ من الناس مَن يرحمُ ويعطف، إلّا أنّه سيّئُ الخُلُق، يُستَثار ويستجيبُ للإثارة، ويتصرّف بما لا يليقُ ولا ينبغي.

إلّا أنّ الفرقَ الجوهريّ بين مَن يمتلكُ الرحمةَ وتظهر في تصرّفاته، وبين مَن لا يمتلكُها، هو أنّه مؤهَّلٌ للتّحلّي بالخُلُقِ الحَسن، لأنّ الرّحمةَ تكشفُ عن درجةٍ مهمّةٍ من درجات حياة القلب، التي قد نعبِّر عنها بأنّه صاحبُ ضميرٍ حَيّ.

إنّ وجود الرحمة في القلب بأيّ مرتبة كانت، يعني وجودَ مرتبة من لِين القلب والرِّقّة، وهي مؤشّر على إمكانيّة الوصول إلى مكارم الأخلاق، كما هي استجابةُ الجسد -الذي يحتمَل موتُه- لبعضِ الإسعافات الأوليّة مؤشِّرٌ على إمكانيّة الشفاء.

ومن المجالات التي يظهر فيها تأثير الرّحمة ورِقّة القلب في حُسن الخُلُق أنّ الإنسان الذي يمتلك مرتبة من مراتب الرحمة إذا صدر منه تصرّف غير سليم يكشف عن سُوء خُلُق، فإنّه يشعر بوَخز الضمير الذي يلاحقُه إلى أن يعتذر -وإنْ لم يفعل لأنّ رحمتَه لم تَصِل بعدُ إلى هذه المرتبة- فإنّ هذه المعاناة تشكِّل على الأقلّ دافعاً يُعينه في المراحل التالية من حياته على الاقتراب من حُسن الخُلُق.

من هنا كانت الرحمة المدخلَ إلى التخلُّص من سوء الخُلُق والوصول إلى حُسن الخُلُق ومكارم الأخلاق المحمّديّة.

وبمقدار التنبّه إلى هذا الترابط بين ما في القلب من رحمة، واستثماره في مجال بناء النفس، تكون النتيجة أفضلَ وأسرع.

والترجمة العمليّة لذلك هي أن ينطلقَ كلٌّ منّا من مخزون الرحمة الذي يكتشفُه في قلبِه للوصول إلى التّحلّي بمكارم الأخلاق، وذلك بالبيان التالي:

1- التأمّل في تعقيدات النّفْس: «إِلهِي أَشْكُو إِلَيْكَ نَفْسَاً بِالسُّوءِ أَمَّارَةً، وَإِلى الخَطِيئَةِ مُبادِرَةً، وَبِمَعاصِيكَ مُولَعَةً، وَلِسَخَطِكَ مُتَعَرِّضَةً، تَسْلُكُ بِي مَسالِكَ المَهالِكِ وَتَجْعَلُنِي عِنْدَكَ أَهْوَنَ هالِكٍ، كَثِيرَةَ العِلَلِ، طَوِيلَةَ الأملِ».[120]

2- إدراك صعوبة التخلّص من الصّفات الرّاسخة في هذه النّفْس والتي هي الخُلُق، فالخُلُق هو الصفة الثابتة في النّفْس والراسخة فيها، فإذا أرادَ الإنسان أن يتخلّصَ من صفة سيّئة واحدة كَسُوء الظّنّ، أو حبّ السُّمعَة والجاه، أوالرياء، أو العُجب، أوالتكبُّر، فكَم يحتاجُ إلى بَذْلِ الجُهد؟

يُنقل في هذا المجال أنّ تلامذةَ السيّد بحر العلوم رضوان الله عليه رأَوه ذات يوم فرحاً مسروراً، وسألوه عن السبب فقال: «بعدَ جُهْدٍ استمرّ عشرين سنة، تمكَّنتُ هذا اليوم أن أتخلّصَ من الرّياء».

إذا كانت خِصلة واحدة سيّئة تحتاج إلى كلّ هذا الجهاد الأكبر، فكيف يستطيع الإنسان أن يتخلّص من سائر الصفات السيّئة فيه ليصبحَ حسَن الخُلُق.

3- هنا يأتي دور مخزون الرحمة الصغير أو الكبير الذي يجده أحدُنا في قلبه، فاستثمارُ هذه الرحمة هو الطريقُ الأقصر للوصول إلى حُسن الخُلُق، وذلك على قاعدة: مَن أراد أن يُرحَم فَلْيَرْحَم، مَن أرادَ أن يَتَحَنَّنَ اللهُ عليه، فَلْيَتَحَنّن.

4- وهذا يستدعي ممّن يريدُ الوصولَ بالرحمةِ إلى حُسن الخُلق، أن يحمل همَّ تهذيب نفسه من مساوئ الأخلاق، ويبحث عن مواطن الرحمة ليَرحم فلعلّه يُرحَم، يبحث عن يتيم، أو فقير قد سحقَه الفقر بكَلْكَلِه وهو ممّن يحسبُهم الجاهل أغنياءَ من التعفّف، أو مريض لا سبيلَ له إلى العلاج، فيُسدي إليه يداً ويخدمُه بما يستطيع، ولو بالإصغاء إليه والتخفيف عنه بكلماتٍ هي فيضُ خزينِ الرّحمة في قلبه، ويكون هدفه أنّه يفعل ذلك لأنّه حقّ، ونوعٌ من حُسن الخُلق، وهو يرجو من كَرَم الله تعالى أن يخلِّصَه من سُوء الخُلق ويُحلّي قلبَه بحُسنه.

5- التأمّل دائماً في مخاطر سُوء الخُلُق ليعزِّزَ في نفسه شدّة الحبّ للتخلُّص منها، وَلْيَظهر ذلك في مدى ما يستعدّ له من رحمة الآخرين، وَلْيَظهر أيضاً في حرارة التضرُّع إلى الله تعالى لِيَمُنّ عليه بهذه النقلة الكبيرة من مهاوي سُوء الخُلُق إلى قِمَمِ حُسن الخُلق.

6- وفي الوقت الذي يتعامل المؤمن مع مفردات سوء الخُلق التي يريد الخلاص منها، فيذكر كُلّاً منها بخصوصه، ينبغي التركيز على الكليّات والعناوين العامّة من قبيل حبّ الدنيا، وغَلَبة الشِّقوة والهَوى وغير ذلك، ولكلٍّ من الطريقتَين فوائدُ كبيرة كما لا يخفى.

وهكذا نكون أمام منهجيّة استثمار الرحمة التي نكتشف بقاءَها في القلب رغم كلِّ فَتْكِ الذنوب، لنتدرَّجَ بها ومعَها في مدارج الكمال.

أيّها العزيز: شهرُ الله تعالى مناخٌ لتَحسين الخُلق، فلا نجعله مناخاً لتجذير سوء الخُلُق. إنّ الهمّ الكبير الذي ينبغي أن نحملَه طيلة هذا الشهر العظّيم، هو كيف يُمكننا أن نتخلّص من الأخلاق السيّئة، وإذا لم نلتفت لذلك وأرخَينا لأنفسنا العنان فإنّنا تلقائيّاً، وبسبب هذه الغَفلة والصّوم والجوع، نُصبح نُستَثار بسرعة أكبر، فنغضب ونُكثر من التصرّفات المنافية، وستكون النتيجة أنّنا بدلَ أن نستثمر شهرَ الله تعالى، ونستفيد من الصيام لتَحسين الخُلُق، فإنّنا سنخرج من شهر رمضان وقد تجذَّر فينا سُوءُ الخُلُق، والعياذُ بالله تعالى.

لذلك ينبغي الانتباه والحذَر وأن نلتزم عمليّاً في شهر الله تعالى بتحسين أخلاقنا ولو بحدود متدنّية، فإنّ أصلَ الإصرار على ذلك يفتحُ البابَ أمام القلب على المراتب التالية.

أُشير هنا إلى أنّ المصطفى صلّى الله عليه وآله يقول: «مَن حَسَّنَ منكُم في هذا الشَّهْرِ خُلُقَه..»، وهو يشملُ مَن لم يُصبح حسَنَ الخُلُق مطلقاً، أي أنّ مَن تحسّنت أخلاقُه نسبيّاً فهو أيضاً «له جوازٌ على الصّراط»، وهذا منتَهى الواقعيّة، بمعنى أنّ مَن لا يستطيع الوصول إلى حُسن الخُلُق التامّ، فَلْيُحاول على الأقلّ أن تصبحَ أخلاقُه أحسنَ ممّا هي عليه الآن.

نظرة في النّفْس، والبيت

ويتوقّف ذلك على إدراك أنّ من الأساسيّات في هذا الشهر العمل على تحسين الخُلق.

ومن المفيد لحَمل النّفْس على ذلك، التفكير في مضارّ سُوء الخُلُق، من خلال طرح الأسئلة التالية على النّفْس:

أيُّ نُبلٍ في سُوء الخُلُق يا تُرى؟

لقد غضبتُ في كثيرٍ من الموارد فيما مضى، فماذا كانت النتيجة؟

ما أسوأَ موقف مَن يغضب فيُرغي ويُزبد ثمّ يتبيّن أنّه لم يكن على حقّ؟

أيّهما أفضل، أن يتكلّم الإنسان ما يريدُه بطريقة هادئة وهو مسيطر على أعصابه فيَشعر بالسعادة لأنّه تصرّف بعقل وحكمة، ويُلقّن الآخرين درساً في حُسن الخُلُق، أو أن يسمحَ للشّيطان بأنْ يستَفِزّه فإذا هو خفيفٌ لا قيمةَ له ولا وزن، ريشة في مهبِّ ريح الشيطان، وكرة يتقاذفُها؟

ولا يُمكن تصويبُ عمليّة التفكير هذه وترشيدُها بمَعزلٍ عن الإكثار من التواصل مع الرّوايات، خصوصاً ما كان منها منصبّاً على مضارّ سُوء الخُلق، من قبيل:

1- «مَن ساءَ خُلُقُه عذَّبَ نفسَه».

2- «مَن ساءَ خُلُقُه مَلَّهُ أهلُه».

3- «مَن ساءَ خُلُقُه أعوزَه الصّديقُ والرّفيق».

4- «سوءُ الخُلُق نَكَدُ العيشِ وعذابُ النَّفْس».

5- «إنّ سوءَ الخُلُق لَيُفسِدُ العملَ كما يُفسدُ الخلُّ العَسَل».[121]

هل نحمل في شهر الله تعالى همَّ أن نصلَ إلى العيد وتوزيع الجوائز، وإذا من بين الجوائز التي حصلنا عليها جائزة مكارم الأخلاق، أو جائزة التخلّص من الرياء، أو من الغضب، أو العُجب، أو جائزة أن يكون هذا البيت محمّديّاً.

إنّ سوء الخُلُق يُسمِّمُ جوَّ البيت، ويجعلُه جحيماً لا يُطاق، وقد يكون الأبُ وحدَه هو مصدر هذا الجحيم، وقد تكون الأم شريكةً، وربّما كان العكس.

ما ذنبُ الأولاد ليَعيشوا في جحيمٍ بسببِ سُوءِ أخلاق الأبوَين، وهل من حقّ الولد على الوالد أن يحسنَ تسميتَه وليس من حقِّه عليه أن يُحسِنَ تربيتَه؟!

وأيّ سوءِ تربيةٍ يفوقُ أن يلقِّنَ الأبوان -وهما القدوة- سوءَ الخُلُق للوَلد؟

هل نفكّر أيّها الأعزّاء في شهر الله تعالى أن نُطلَّ على أولادنا بروحٍ جديدة؟

فَلْيُفَكّر كلٌّ منّا بما يعمرُ قلبَه من الحبّ العارم والحنان الطافح عندما يغيبُ عن أولادِه أو عندما يغيبُ عنه أولادُه، ليتصوّر نفسَه أنّه ماتَ وبَقِيَ أولادُه بعدَه؟

يساعدُنا على تحسين الخُلُق، أن نعَمِّقَ حبَّ أولادنا في نفوسنا ونعمّقَ فيها كذلك خطورةَ سُوء الخُلُق، خصوصاً في شهر الله تعالى.

يجبُ أن نَرْبَأَ ببيوتِنا عن أن تشعرَ المرأةُ في البيت بإهانة، خصوصاً في شهر رمضان، أو أن يشعرَ الأولاد بأنّ أباهم غاضبٌ لأنّه صائم.

ويجبُ على المرأة أن تحفظَ حُرمةَ الأب ومكانتَه في نفسِها وأمامَ أولادها.

ومَن اعتبر الصّومَ عذراً لسُوء خُلُقِه، فليَتنبَّه ببساطة إلى أنّ الآخرين أيضاً صائمون، وهذه التصرّفات لا تناسبُ المسلم.

هذا البيتُ المحمّديُّ المبارك ينبغي أن يُعطَّر بحُسن الخُلُق المحمّديّ، لا سيّما في شهر الله تعالى، ومَن لم يستطع أن يكونَ حَسَن الخُلُق دائماً فَلْيُحاول في البدء أن ينشرَ شَذا هذه الروح المحمّديّة المباركة: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ القلم:4،  ولو لساعات، وهي كفيلةٌ بالأَخْذ بيدِه وبمَجامع القلب إلى أعتاب سيّد المرسلين، فإنّه صلّى الله عليه وآله: ﴿..عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤوفٌ رَحِيمٌ﴾ التوبة:128.

دعاءُ اليوم الثّامن

«أللَّهُمَّ ارْزُقْنِي فِيْهِ رَحْمَةَ الأيْتامِ، وَإِطْعامَ الطَّعامِ، وَإِفْشاءَ السَّلامِ، وَصُحْبَةَ الكِرَامِ، بِطَوْلِكَ يا مَلْجَأَ الآمِنِينَ».

لماذا يبدأُ الدعاء بالتركيز على رحمةِ الأيتام؟

إنّ اليتيم منقَطِعٌ لا ملجأَ له من الناس، يقفُ وحيداً في مهبّ الأعاصير مكشوفاً، لا يُخدَم عادةً لهَدفٍ مَصلَحيّ، وإنّما قُربةً إلى الله تعالى، ومَن رُزِق رحمتَه فقد رُزِق إخلاصاً مَحضاً، وبهذه الرّحمة المُخلصة تتّصل نيّة مَن خدم اليتيمَ بسائر ينابيعِ الحبّ -وهل الدِّينُ إلّا الحُبّ- فيُطعِمُ الطّعامَ لوجهِ الله لا يريدُ جزاءً ولا شكوراً، ويُفشي السلام، وينشرُ المحبّةَ والأمنَ والإحساسَ بالطّمأنينة في بيتِه وبين جيرانه ومعارفِه، كذلك لوجهِ الله، فيَنتظم في سِرب الكرام البَررَة -شبيهُ الشّيء منجَذِبٌ إليه- ومَن رُزِق صحبةَ الكرام فقد أقامَ الجسرَ الذي يعبرُ به من سُوء الخُلق إلى ديار الفضائلِ ومكارم الأخلاق، الذي تهفو إليه نفسُه ويَهوى الفؤاد، فيُردِّد: إلهي، مُنَّ عليّ بذلك، فأنتَ ذو الطَّول الغنيُّ المتفضِّلُ بطَوْلِكَ يا ملجأَ الآمنينَ.

 

صلاةُ اللّيلة التّاسعة

1- صلاة عشرين ركعة، هي حصّة كلّ ليلة إلى اليوم العشرين، من الألْف ركعة، ثمان منها بين المغرب والعشاء، والباقي بعد العشاء، كلّ ركعتَين بتسليمة، يقرأ في كلّ ركعة (فاتحة الكتاب) مرّة، و(قل هو الله أحد) مرّة، أو ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً، أو عشراً.

2- عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ومَن صَلّى فِي اللّيلةِ التّاسعة من شَهر رمضان قبلَ العشاءَين ستّ رَكعات، يقرأُ في كلِّ ركعة (الحمد) و(آية الكرسيّ) سبعَ مرّات، وصَلَّى على النّبيّ خمسينَ مرّة، صَعدتِ الملائكةُ بعَملِه كعَملِ الصّدّيقين والشّهداء والصّالحين».[122]

3- قال الكفعمي: «ويُستَحبُّ أن يصلِّي في كلِّ ليلةٍ من شهر رمضان ركعتَين بـ (الحمد) مرّة، و(التّوحيد) ثلاثاً، فإذا سلَّم قال: سُبْحانَ مَنْ هُوَ حَفِيظٌ لا يَغْفَلُ، سُبْحانَ مَنْ هُوَ رَحِيمٌ لا يَعْجَلُ، سُبْحانَ مَنْ هُوَ قائِمٌ لا يَسْهُو، سُبْحانَ مَنْ هُوَ دائِمٌ لا يَلْهُو. ثمّ يقولُ التّسبيحاتِ الأربعة سبعاً، ثمَّ يقول: سُبحانَكَ سُبحانَكَ يا عظيمُ، اِغْفِرْ ليَ الذَّنبَ العَظيم. ثمَّ تُصلّي على النّبيّ عشراً. مَن صلَّاها غَفرَ اللهُ له سبعين ألف ذنبٍ».[123]

 

9

شهر رمضان

 

* آدابُ الإفطار

       * سيرةُ المعصومين

     * بَرمجةُ القلب

         * تنبيهات هامّة

                * دعاء اليوم التّاسع

                       * صلاة اللّيلة العاشرة


 

آدابُ الإفطار

المحورُ الذي تتفرّع عليه كلُّ مظاهر العناية بهذه المحطّة هو التالي:

صحيحٌ أنّ ضغطَ الجوع يجعل الصائم يبادر تلقائياً إلى الإفطار، ولا مانع من ذلك حتّى إذا قدّم الإنسانُ الإفطار على الصّلاة، خصوصاً إذا كان هناك مَن ينتظره، بل مَن يحبّ أن يكون معه على الإفطار ولو لم ينتَظره، ولكن ما المانع من الإتيان بدَعوات مختصرَة قبل الإفطار؟

أكثر من ذلك، ما المانع أن تكون هذه الدّعوات أحياناً غيرَ مختصَرة جدّاً، يختار لها من اللّيالي ما يساعدُه فيه ظرفُه بمختلَف جوانبه على تحمّل تأخير إفطاره عشر دقائق مثلاً.

من الضروريّ التّنبُّه إلى أنّ التغيير على صعيد القلب والنَّفْس هو عادةً أكبر بكثير من الزّمان الذي يستغرقُه التّغيير في عالم الظّاهر ويتمّ فيه، على أنّ التّغيير في عالم الظّاهر قد يكون مدوّياً تتردّد أصداؤه عبر قرون، ولا يستغرق من الوقت إلّا دقائق وربّما لحظات، فلا يصحّ أن يكون قِصَرُ الوقت الذي يَستدعيه العملُ منطلَقاً للاستخفاف به، خاصّةً عندما يكون الحديثُ عن التغيير في عالَم النَّفْس.

إنّ لحظةَ التّوبة الصّادقة أكبر من عُمر صاحبِها، ولحظة تَضييعها عندما تُتاح هي أيضاً أكبر منه، لأنّ كلّاً منهما يتحكّم بالمصير ويحدّد نتائجَه بما يتطابق معه.

في هذا السياق ينبغي أن يوضَع الاهتمام بلحظات الإفطار.

سيرةُ المعصومين

1- حول إفطار النّبيّ صلّى الله عليه وآله وكيفَ كان يَدعو قبل أن يفطر، وردَ عن الإمام الصّادق عليه السلام أنَّ النّبيَّ صلّى الله عليه وآله كانَ إذا أفطرَ قال: «أللَّهُمَّ لكَ صُمْنا وعلى رِزْقِكَ أفْطَرْنا، فتَقَبَّلْهُ، ذَهَبَ الظَّمَأُ، وابْتَلَّتِ العُروقُ، وبَقِيَ الأجْرُ».[124]

2- ورُوي أيضاً عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «إنَّ لِكُلِّ صائمٍ عند فِطْرِه دعوةً مُستجابةً، فإذا كانَ في أوّلِ لُقمة، فَقُل: بِسمِ الله، يا واسِعَ المغفرةِ، اِغفِرْ لي، فمَن قالَها عندَ إفطارِه، غُفِرَ له».[125]

3- ورد عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنّه كان إذا أفطرَ قال: «بسمِ اللهِ، أللَّهُمَّ لكَ صُمْنا وعلى رِزْقِكَ أفْطَرْنا، فتَقَبَّلْ منَّا إنَّك أنتَ السَّميعُ العليمُ».[126]

4- وكان الإمام الصّادق عليه السلام يقول عند الإفطار في كلّ ليلة من شهر رمضان: «أَلْحَمْدُ للهِ الّذِي أَعَانَنَا فَصُمْنَا، وَرَزَقَنَا فَأَفْطَرْنَا، أللّهُمّ تَقَبَّلْ مِنّا وَأَعِنّا عَلَيْهِ، وَسَلِّمْنَا فِيْهِ وَتَسَلَّمْهُ مِنّا فِي يُسْرٍ وَعَافِيَةٍ، أَلْحَمْدُ للهِ الّذي قَضَى عَنّا يَوْمَاً مِنْ شَهْرِ رَمَضَان».[127]

5- في رواية عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله:

«مَا مِن عبدٍ يصومُ ويقولُ عند إفطارِه هذا الدُّعاءَ، إلّا خَرجَ من ذُنوبِه كَيومِ وَلَدَتْهُ أمُّه، وهو: يَا عظيمُ يَا عظيمُ يَا عظيمُ، أنتَ اللهُ الّذي لا إلهَ إلّا أنتَ، اِغفِرْ ليَ الذَّنبَ العظيم، إنَّه لا يَغفِرُ الذَّنبَ العظيمَ إلّا أنتَ يا عظيمُ».[128]

6- عن الإمام الصّادق عليه السلام:

«مَن قرأ (القَدْر) عند سحورِه وعند إفطارِه كان بينَهما كالمُتشَحِّطِ بِدَمِه في سبيلِ الله».[129]

وهكذا يُمكننا أن نفهمَ من اختلاف النّصوص رغمَ اتّفاقها في بعض المَضامين أنّه ليست هناك صيغة خاصّة ينبغي التّقيّد بها، فيُمكن للصّائم أن يذكرَ الله تعالى بأيٍّ من هذه الأذكار قبل إفطارِه.

7- كما وردَ الحديثُ عن دعاءٍ ليس مُطوَّلاً ولا هو باختصار ما تقدّم، وقد أوردتُه في أعمال اللّيلة الأولى، ومَن لم يستطع أن يقرأه كلّ ليلة، فيَنبغي أن لا يحرمَ نفسَه من بركاته، ولو أحياناً، فقد تضمَّنَت روايتُه من الثوابِ ما يكفي بعضُه لمزيدِ الاهتمامِ به، كما نجدُ في الرّواية التّالية.

عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله أنّه قال لعَليٍّ عليه السلام: «يا أبا الحَسن، هذا شهرُ رمضانَ قد أَقبَل، فاجعَلْ دُعاءَك قبلَ فطورِك، فإنَّ جبرئيلَ عليه السلام أَخبرَني عن اللهِ تعالى أنّه مَن دَعا هذا الدُّعاءَ في شهرِ رمضان قبلَ أنْ يُفطر، استجابَ اللهُ له دعاءَه، وقَبِلَ صَوْمَه وصلاتَه، واستجابَ له عشرَ دعوات، وغَفَر له ذَنْبَه، وفرَّجَ همَّه، ونفَّس كَرْبَه، وقَضى حوائجَه، وأَنجحَ طَلِبتَه، ورفعَ عملَه مع أعمال النّبيّين، وجاءَ يومَ القيامة وَوجهُه أَضوأُ من القمر ليلةَ البدر..».

وأوّلُ الدّعاء: «أللّهُمَّ ربَّ النُّورِ العَظيمِ، ورَبَّ الكُرسيِّ الرَّفيعِ، وربَّ البَحرِ المسْجورِ..».

وهو غيرُ دعاء العَهد المعروف رغم أنّه يشتركُ معَه في بداياته.

برمجة القلب

والنّتيجة التي نخرجُ بها من استعراض هذه الروايات التي تحثُّ على الدعاء قبل أن يفطرَ الصائم، أو قراءة (سورة القدر)، أنّ الصائم الذي أمضى نهارَه يعزِّزُ البُعدَ الروحي فيه، ويُضعِفُ البُعدَ الحيواني، فيُنمّي الرّوحَ على حساب الجَسد في الحدودِ المسموحِ بها بل المطلوبة، أصبحَ الآن عندما حلَّ وقتُ الإفطار أمامَ نمطَين من التصرّف، نمطٍ يكشفُ عن إدراكِه لأهميّة ما قامَ به، ونمطٍ يكشف عن ضعفِ هذا الإدراك كثيراً، أو يكشفُ عن عَدَمِه، ولِمَصلحةِ الصائم أن يُلفَتَ إلى رفع مستوى فهمِه لأهدافِ الصوم، كما يُلفَتُ المسرعُ إلى المائدة إلى ضرورة إلقاء التحيّة على الموجودين لِتَستقرّ في قلبِه بذرةُ الآداب الاجتماعيّة في مثل هذا الظرف وما يُشبهه، أو يزول الرّكام عن هذه البِذرة الموجودة أصلاً.

إنّ هذه اللّحظات القليلة التي تقعُ بين نيّة الإفطار وبين تناول الطعام، فترةٌ خصبةٌ يُمكِّن استثمارُها بذكرِ الله تعالى من برمجةِ القلب ليَنطلقَ في دروب الحياة في المَسار الصّحيح الذي يُشكِّلُ الأساسَ فيه والمناخَ والتّربة إدراكُ القِيَم والتعامل معها بما يعنيه ذلك من إدراكٍ لإنسانيّة الإنسان، وَوَعيٍ لأهميّتها، وأنّها أنبلُ من أن تطويها عَجَلَةُ ضَغْطِ الجوع أو العَطش، أو غلبةُ أيّ غريزةٍ أُخرى مهما كانت شديدةَ الوَطْأَة.

إنّ هذه اللحظات القليلة التي يُمضيها الصائم في الإقبال على الله عزّ وجلّ وفي التوجّه إليه سبحانه، تكشفُ عن مضمونٍ إنسانيّ راقٍ، وكأنّه يريد أن يقول: «إلهي أريدُ أن أحافظَ على حَصيلتي الروحيّة من الصيام، لا أريد أن أُقبل على الطعام بجَشع ناسياً لك ولذِكرِك، بل أقبلُ عليه ذاكراً، إلهي أعِنّي على نفسي، واغفرْ لي». ومهما كان الدّعاء مختصَراً، فإنّ آثارَه كبيرة، فيَنبغي العناية بهذا الحثّ على الدعاء قبل الإفطار والاهتمام به.

تنبيهات مهمّة

1- في تَهيئة الطّعام

قال السيّد ابن طاوس عليه الرحمة: «إعلم أنّنا قد ذكَرنا في ما تقدّم من هذا الكتاب كيفيّة الاحتياط في الطعام والشراب، ونضيفُ إليه هنا أنّه ينبغي أن يكون الطعام والشراب الذي يُفطر عليه، مع طهارتِه من الحرام والشُّبُهات، قد تنزَّهَتْ طُرُق تهيئتِه لمَن يُفطر عليه، من أن يكون قد اشتغلَ به مَن هيّأَه عن عبادةٍ لله جلَّ جلالُه، وهي أهمُّ منه، فربّما يصير ذلك شُبهةً في الطّعام والشّراب، لكونه عُمِلَ في وقتٍ كان اللهُ جلّ جلالُه كارهاً للعمل فيه، ومُعرضاً عنه. وَحَسْبُكَ في سُقمِ طعامٍ أو شرابٍ أن يكونَ صاحبُه -ربّ الأرباب- كارهاً لتَهيئتِه على تلك الوجوه والأسباب، فما يؤمن المستعملُ له أن يكونَ سُقماً في القلوب والأجسام والألباب».[130]

والمثالُ الذي يوضِحُ ما أرادَه السيّد هو أن تنشغلَ المرأةُ مثلاً بالطّعام عن بعض عباداتها، كأنْ يصرفَها إعدادُ طعامِ الإفطار عن دعاءٍ له وقتٌ محدّد وأهميّة خاصّة، أو يحولَ إعدادُ طعامِ السّحور بينَها وبين صلاة اللّيل، وما شابه.

ولكن ما قاله رضوان الله تعالى عليه يفتحُ بابَ المراقبة لاجتنابِ كلّ طعامٍ تداخلَ مع إعدادِه أذى الآخرين، بحيث ينطبقُ عليه عنوانُ أنّ ربَّ الأرباب كارهٌ لتهيئتِه بهذه الوجوه والأسباب، أي بهذه الطريقة، فهو حينئذٍ مشتركٌ مع ما تقدّم في أنّه لا يؤمَنُ أن يكونَ مرضاً للظّاهر والباطن معاً.

ومن الواضح أنّ هذا الباب ليس خاصّاً بشهر الله تعالى، بل هو عامٌّ لكلّ الأوقات، إلّا أنّ خصوصيّة الشّهر ترفعُ من مستوى الحَذَر من أيّ تصرُّفٍ يُحمِّلُ الآخرين عبءَ تَرْكِ عبادةٍ ما لأجلِ الطعام، أوعبءَ إهانةٍ مّا، مخافةَ أن يتحوّل هذا العبءُ إلى مرضٍ يفتكُ بروح صاحبِه وجَسَدِه.

2- في نيّة الإفطار

ليست النيّةُ العفويّة التي تصدر تلقائيّاً، إلّا ثمرة السلوك العامّ لصاحبِها، وليس السلوك العامّ إلّا نتيجة النوايا غير العفويّة، بل تلك التي يتمّ اتّخاذ القرار بها، والتصرّف على أساسها.

من هنا كان طبيعيّاً جدّاً أن يُولي النصّ المعصوم أهميّة قصوى لتصحيح النيّة عند الإفطار.

قال السيّد ابن طاوس عليه الرحمة: «إعلم أنّ الافطار عملٌ يقومُ به ديوان العبادة، ومطلبٌ نتيجتُه السعادة، فلا بدّ له من قَصْدٍ يليقُ بذلك، ومن أهمّ ما يقصد الصائم بإفطارِه، ويختم به تلك العبادة مع العالمِ بأسراره، هو امتثالُ أمرِ الله جلّ جلالُه بحفظِ حياته. وإذا لم يقصد بذلك حفظَها طاعةً لله تعالى، فكأنّه قد ضيّعَ الطعام وأتلفَه، وأتلفَ نفسَه، فتُصبحُ الطاعاتُ تصدرُ منه عن قوّةٍ لم يُحسن بالنيّة رعايتَها. وأيّ كُلفةٍ أو مشقّةٍ في ما ذكرناه من صلاح النيّة، ليُصرّ الصائم على اجتنابِها، ويلجأ إلى الإفطار بما تَقتضيه الغريزة، إلى غير ذلك من الأضرار».[131]

3- ذكرُ الله عندَ تناولِ الطّعام

وليست النيّةُ المدروسةُ والمستندةُ إلى قرار، إلّا نتيجةَ محاولاتٍ متكرِّرةٍ في تصحيحِ النيّة للوصول إلى حيث تَخلو النيّةُ من التكلُّف، وتصبح نيّةً حقيقيّةً خالصةً من شوائب الادّعاء، وليس جهادُ النَّفْس على عظيم منزلتِه إلّا هذه المحاولات المتكرّرة في تصحيح النّوايا.

من هذا المنطلق ينبغي التعامل مع الحثّ على أمورٍ نرى أنّنا نتكلّف كثيراً إذا حاولنا حمْلَ النّفْس عليها، من قبيل ما تقدّم من أن تكونَ نيّةُ تناولِ الإفطار التقويةَ على طاعة الله تعالى، أو من قبيل التنبّه إلى ذِكر الله تعالى أثناءَ الطعام، فَلِلْمُتَنَدّر أن يقول: «نريدُ أن نأكل، فَدَعوا مواعظَكم جانباً»! وهو كلامٌ طريف، لكنّه -غرائزيٌّ- غيرُ مسؤول.

قال السيّد ابن طاوس عليه الرحمة: «كانَ رسولُ الله يَحْمَدُ بينَ كلِّ لُقمتَين».

ثمّ أضاف السّيد: «أقولُ أنا: أيّها المسلمُ المصدِّقُ بالقرآن، المُمتَثِلُ لأمرِ اللهِ جلّ جلالُه، إيّاكَ أن تخالفَ قولَه تعالى في رسولِه فَاتّبَعوه واتَّبَعوا النّورَ الذي أُنزل معَه [من مضمون الآية 157 من سورة الأعراف]. أُسلك سبيلَ هذه الآداب، فإنّها بُراقٌ وعَطايا تُفتَح لها أنوارُ سعادة الدّنيا ويوم الحساب».[132]

وليست الأهميّة في ذكر الله تعالى -عند الطعام ومعه- لحَركةِ اللّسان، بل لحركةِ القلب التي قد تستتبعُ حركةَ اللّسان، وقد تنفصلُ عنها، إلّا أنّ من شأن الذِّكرِ اللّسانيّ إيقاظَ القلب، وقد يكون الإيقاظُ مزعِجاً لكن المصلحة فيه لا تُفَوَّت، وكما تتحمّلُ الأمُّ ممانعةَ وَلَدِها الذي تُوقظه لأنّه قد حان وقتُ ذهابِه إلى المدرسة وما يرافق ذلك من نَكَدٍ لا يعتبَر مسوّغاً لِتَرْكِه يغطُّ في نومِه، فيَنبغي لنا أن نتحمّل مَضَضَ إيقاظِ القلب ليستجيبَ لنصيحةِ العقل، فيكون ذاكراً على كلّ حال.

وقد يكون هذا المَضَض خروجاً على المألوف الذي قد يثيرُ تندُّرَ البعض.

ويتّضح ممّا تقدم أنّ المحور في الذِّكر هو القلب، وليس الذِّكر اللّساني إلّا المفتاح.

4- عندَ الفراغ منه

ويلحقُ بذلك الذِّكرُ عند الفراغ من الطعام في شهر رمضان وغيره، إلّا أنّ خصوصيّته في ضيافة الرّحمن لا تَخفى. قال السيّد عليه الرحمة والرضوان:

«عن الأئمّة عليهم السلام "..": وَتَقُولُ عندَ الفراغِ من الطّعام: ألحمدُ للهِ الذي أَطْعَمَنِي فَأَشْبَعَنِي، وَسَقَاني فَأَرْوَانِي، وَصَانَنِي وَحَمَاني، ألحمدُ للهِ الذي عرَّفَني البركةَ واليُمنَ بِمَا أَصَبْتُه وتركتُه منه..».[133]

ويجبُ التأكيدُ على أنّ هذه المفردات وأمثالها في التشريع الإسلامي، إنّما هي جزءٌ من كُلّ، وحرفٌ من القصيدةِ العَصماء، وكما لا يصحُّ من الناحية المَنهجيّة دراسةُ كلِّ حرفٍ أو كلمةٍ، ولا شَطْرٍ ولا أبياتٍ وحدَها، لإصدارِ حُكْمٍ على القصيدة، لا يَصِحُّ منهجيّاً أَخْذُ بعضِ التشريعات والانطلاق منها لإصدار حُكْمٍ على الشريعة كلِّها.

وإنما أقفُ عند هذه الخصوصيّات لما تحمله لوثاتُ التغريب المنتشرة بينَنا من طريقة التعامل مع المستحبّات والمكروهات، في الوقت ذاته الذي يستبدلُها فيه هؤلاء بمستحبّاتٍ عندَهم ومكروهاتٍ لهم في «التَّعقيم» الموبوء، و«آداب المائدة»، ومنها ما يُذهب بالعقل، و«الحفل الرسميّ» القائمٍ أصلاً على تَشييء الإنسان، وغير ذلك ممّا يصلُ عندَهم إلى حدّ القَداسة.

إنّ على كلّ مؤمنٍ أن يُصغيَ قلبُه إلى آداب الإسلام، ويُصِرَّ على الالتزام بها، فهي آدابُ الله تعالى لعبادِه، وما أمسَّ الحاجةَ إلى مغادرةِ تَحييدِ المستحبّات والمكروهات عن الواجهة ومحاصرتِها في قعرِ الاهتمام، وزوايا حركة الحياة والسلوك.

ويتوقّفُ الشفاء من هذا الفصام الثقافيّ، بالخروج من هذه اللّوثة القاتلة، بل الوباء الذّريع.

دعاءُ اليوم التّاسع

«أللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي فِيْهِ نَصِيباً مِنْ رَحْمَتِكَ الوَاسِعَةِ، وَاهْدِنِي فِيْهِ لِبَراهِينِكَ السَّاطِعَةِ، وَخُذْ بِناصِيَتِي إِلى مَرْضاتِكَ الجامِعَةِ، بِمَحَبَّتِكَ يا أَمَلَ المُشْتاقِينَ».

كأنّ الدّعاء يريدُ لكُلٍّ منّا أن يقول: إلهي وَسِعَتْ رَحمتُكَ كلَّ شَيءٍ، وأنا شَيْءٌ فَارْحَمْنِي. اِجْعَلْ لي نَصيبَاً من رحمتِك، فإنّها لا يُنقِصُها شيءٌ، وَأَزِحْ عن بَصيرتي حُجُبَ الذّنوبِ وظلامَ المعاصي. أَرِنِي الأمورَ كما هي. إلهي، وإنْ نَازَعَتْني نفسي إلى مَعصيتِك، فكما يأخذُ الأبُ بِيَدِ ابنِه إلى الطّبيب رغماً عنه حبّاً له، فَخُذْ بناصيتي إلى مرضاتِك الجامعةِ بحبِّك لي يا أملَ المُشتاقين.

صلاةُ اللّيلة العاشرة

1- حصّةُ هذه اللّيلة من الألف ركعة، وهي عشرون رَكعة، كلّ ركعتَين بتسليمة، ثمان منها بعد المغرب، والباقي بعد العشاء، تقرأُ في كلّ ركعة (الحمد) مرّة، و(التوحيد) مرّة، أو ثلاثاً، أو خَمساً، أو سبعاً، أو عشراً.

2- عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ومَن صَلّى اللّيلة العاشرة من شهرِ رمضان عشرينَ ركعة، يقرأُ في كلّ ركعة (الحمد) مرّة، و(قل هو الله أحد) إحدى وثلاثينَ مرّة، وسَّعَ اللهُ عليه رزقَه، وكان من الفائزين».[134]

3- قال الكفعمي: «ويُستَحبُّ أن يصلِّي في كلِّ ليلةٍ من شهر رمضان ركعتَين بـ (الحمد) مرّة، و(التّوحيد) ثلاثاً، فإذا سلَّم قال: سُبْحانَ مَنْ هُوَ حَفِيظٌ لا يَغْفَلُ، سُبْحانَ مَنْ هُوَ رَحِيمٌ لا يَعْجَلُ، سُبْحانَ مَنْ هُوَ قائِمٌ لا يَسْهُو، سُبْحانَ مَنْ هُوَ دائِمٌ لا يَلْهُو. ثمّ يقولُ التّسبيحاتِ الأربعة سبعاً، ثمَّ يقول: سُبحانَكَ سُبحانَكَ يا عظيمُ، اِغْفِرْ ليَ الذَّنبَ العَظيم. ثمَّ تُصلّي على النّبيّ عشراً. مَن صلَّاها غَفرَ اللهُ له سبعين ألف ذنبٍ».[135]

10

شهر رمضان

 

* حسن الظّنّ بالله

   * في دعاء السَّحَر

        * في الرّوايات

            * دعاء اليوم العاشر

               * صلاة اللّيلة الحادية عشر


 

حُسنُ الظّنِّ بالله عزّ وجلّ

قال تعالى: ﴿وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ فصلت:23.

إذاً، وبصريح القرآن الكريم هناك نوع من الظّنّ بالله يكون سبب الهلاك، وهو سوء الظّنّ بالله عزَّ وجلَّ، بدليل قوله تقدَّست أسماؤه:

﴿الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا الفتح:6.

ما المُراد إجمالاً بحسن الظّنّ بالله تعالى؟

كلٌّ منّا يحمل في ذهنه عادةً، تصوُّراتٍ معيّنة عن النّاس الذين يتعامل معهم، فيقول هذا كريم يلبِّي بسرعة، وهذا بخيل، وهذا بين وبين وهلمّ جرّاً.

فأيّ انطباعٍ وتصوّرٍ نحمله عن الله تعالى؟

هل نُحسن الظّنّ به عزَّ وجلَّ أم أنّنا لفرط معاصينا نعتبر أنّه لن يغفر لنا؟

هل نَشعرُ بنعمة؟ أم أنّنا لفرط غفلتنا نعتبر أنّ المال من فلان، والشّفاء من الطّبيب، والعلم من الأستاذ وهكذا، فنركض خلف الكثرة، وتعمينا حُجُبها فلا ندرك حقيقة التّوحيد؟

هل نحسن الظّنّ به عزَّ وجلَّ وأنّه يعطينا إذا احتجنا ولا يتركنا؟

هل نحسن الظّنّ به عزَّ وجلّ أنّه يرحمنا إذا عصينا، ويغفر لنا ذنوبنا مهما كانت؟

هل نعتقد حقّاً بأنّ ذنوبنا مهما عظمت فإنّها دون عظمته، وأنّ طلباتنا مهما كثرت فإنّها قليلٌ من كثير، وأنّها عليه سهلٌ يسير؟

في دعاء السَّحَر

ورد في دعاء السَّحر:

1- بكَ عرفتُكَ وأنتَ دَللتّني عليك ودَعوْتَني إليكَ، ولولا أنتَ لمْ أدْرِ ما أنت، الحمدُ للهِ الذي أدعُوه فيُجيبني وإنْ كنتُ بطيئاً حين يَدعوني، الحمدُ للهِ الذي أسألُهُ فيُعطيني وإنْ كنتُ بخيلاً حين يَستقرضُني.

إلهي أعظمُ النِّعم عليّ نعمة معرفتك، وأنا لم أصِل إلى معرفتك بنفسي، وإنّما أنت أوصلتني ولو أردْتَ هواني لم تَهدني، أنتَ دَلَلتني عليك ولولا أنت لم أدرِ ما أنت، إلهي كلّما احتَجتُك أجِدك سريعاً في الإجابة، وكلّما أمرتَني تجِدني بطيئاً إلّا أنّك مع ذلك تظلُّ تغمرني بعطفك وحنانك؛ أسألُك فتعطيني، وتَستقرضُني حين تحثُّني على العطاء والإنفاق، أوالقرض، وحين تريدني أن أكون بارّاً متسامحاً أعفو وأصفح. تَستقرضني لأعطي من المال ومن الخُلُق الحَسن فيغلب عليّ البخل، إلّا أنّ ذلك لا يمنعك من مواصلة عطائي.

2- والحمدُ للهِ الّذي أُناديه كلَّما شئتُ لحاجتي وأَخلو به حيثُ شئتُ لسرّي.

أرأيتَ ملكاً يستطيعُ الفقيرُ أن يناديه كلّما كانت له إليه حاجة، إنّ ملك الملوك عزَّ وجلَّ قريبٌ من عباده، كيف أنّ الأمَّ من فرطِ حبِّها لابنها تُجيبه كلّما ناداها ومهما كانت أعمالها، إنّ حنانَ الله عزَّ وجلَّ وحبَّه لنا أكبر من حبِّ الأم بكثير، بل إنَّ حبَّ الأمِّ تماوجٌ محدودٌ من فيضِ حبِّه عزَّ وجلَّ.

هذه المعاني وأمثالها في دعاء السَّحَر وفي دعاء الافتتاح، تريد أن تعزّز فينا حسن الظّنّ بالله عزَّ وجلَّ، حتّى لا نحمل في ذهننا تصوُّر أنّ الله تعالى بعيدٌ عنّا، لا يهتمّ بنا لا باستجابة أدعيتنا ولا بطلباتنا.

ليس مِن حُسن الظّنّ أن نحمل مثل هذه التّصوّرات، بل ينبغي أن نعيش بعمقٍ أنّه قريبٌ منّا، وأنّه تعالى أمل الآملين، وملاذ اللّائذين.

4- وأنا يا سيِّدي عائذٌ بفضلكَ هاربٌ منكَ إليك متنجّزٌ ما وَعَدْتَ من الصّفح عمَّن أحسنَ بك ظناً.

إلهي مَن لي غيرك. جئتُكَ مستجيراً بك من النّار فأجرني، مستعيذاً بك فأعذني. إلهي لا أحمل إلّا حُسنَ ظني بك، لا أتَّكل على عملي لأنّك أرحم الراحمين، أكرم الأكرمين، كلّ زادي هو حُسن ظنّي بك وسوءُ ظنّي بنفسي.

5- أفَتُراك يا ربّي تُخلِف ظنوننا أو تخيّب آمالنا، كلّا يا كريم فليس هذا ظنّنا بك ولا هذا فيك طمعنا، يا ربّ إنّ لنا فيك أملاً طويلاً كثيراً، إنّ لنا فيكَ رجاءً عظيماً، عصيناكَ ونحن نرجو أنْ تستر علينا، ودعوْناك ونحن نرجو أن تستجيبَ لنا، فحقِّق رجاءَنا مولانا، فقد علِمنا ما نَستوجبُ بأعمالنا ولكنّ علمَك فينا وعلمنا بأنّك لا تَصرِفنا عنك وإنْ كنّا غير مُستوجِبين لِرحمتِك، فأنتَ أهلٌ أن تجودَ علينا وعلى المُذنبين بفضل سعتِكَ.

من الواضح أنّ حُسن الظّنّ بالله عزَّ وجلَّ هو المناخ الملائم لاستجابة الدّعاء، ومن الواضح أنّ سوء الظّنّ بالله عزَّ وجلَّ حجابٌ يجعل الإنسان غير قادر على الدّعاء بحقّ، يجعله لا يستطيع أن يطلب من الله عزَّ وجلَّ طلباً حقيقيّاً. إنّ طلبَ الإنسان السّيّئ الظّنّ بالله عزَّ وجلَّ، كالطّلب من شخصٍ تعْلم مسبقاً أنّه لن يُلبّي طلبَك، ممّا يجعل طلبك منه شكليّاً، فهو شبه طلب. إنّه طلبُ اليائس.

في الرّوايات

1- عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «والّذي لا إله إلّا هو لا يَحسُن ظنُّ عبدٍ بالله إلّا كان اللهُ عند حُسنِ ظنِّ عبده المؤمن، لأنّ اللهَ كريمٌ بيده الخيرات، يَستحي أن يكون المؤمنُ قد أحسنَ الظنّ به ثمّ يُخلِف ظنَّه ورجاهُ، فأحسنوا بالله الظّنّ وارغَبوا إليه»[136].

وهكذا نكون قد كوَّننا فكرة مجملة عن خطورة سوء الظّنّ، وأهمّيّة حسن الظّنّ، فإذا أردنا أن نعرف ما هو حُسن الظّنّ بشكلٍ دقيقٍ، نجد ما يلي:

2- عن الإمام الصّادق عليه السلام: «حسن الظّنّ بالله أن لا ترجو إلّا الله، ولا تخاف إلّا ذنبَك».

حُسن الظّنّ بالله عزّ وجلّ إذاً، أن ينحصرَ الرّجاءُ به، أي أن نوقنَ بأنّ كلّ شيءٍ هو منه سبحانه وتعالى.

بديهيٌّ أنّ مَن حسُن ظنّه بشخصٍ، فهو يلجأ إليه، وكلّما كان حُسن الظّنّ به أقوى، كان اللُّجوء إليه أكثر.

وعلى هذه القاعدة فلا ينبغي اللّجوء إلّا إلى الله تعالى، لكنّ ذلك يتوقّف على أن نُحسنَ الظّنّ به وحده دون سواه.

الجمعُ بين حُسن الظنّ وشدّة الخوف

ويقترنُ الحديثُ عن حُسن الظّنّ بالله في هذه الرّواية بالحديث عن مخافة الذنب، وهي مفصلٌ شديدُ الحساسية في باب حُسن الظّنّ وسوئه، والمراد أنّ من يُحسنُ الظّنّ بالله عزَّ وجلَّ، ويصل به ذلك إلى حدِّ عدم الخوف مطلقاً من ذنوبه، فهو أقرب إلى الأمن من عذاب الله عزَّ وجلَّ، بل والتّجرّؤ على الله تعالى، لأنّ حُسن الظّنّ المطلوب هو أن يخاف الإنسان من ذنوبه فيلجأ إلى الله عزَّ وجلَّ ويُحسن الظنَّ به، لا أن لا يخاف من ذنوبه نهائيّاً ويعتبر أنّه بمنأًى من العذاب وفي مأمنٍ منه.

ونجد توضيح ذلك في الرّواية التالية:

3- عن أمير المؤمنين عليه السلام: «إنِ استطعتُم أنْ يشتدَّ خوفُكم من الله وأن يَحسُن ظنُّكم به فاجمَعوا بينهما، فإنَّ العبدَ إنّما يكونُ حسنُ ظنِّه بربِّه على قدر خوفه من ربِّه، وإنَّ أحسنَ النّاس ظنّاً بالله أشدُّهم خوفاً لله عزَّ وجلَّ».

بمقدار ما نخاف الله تعالى يكون حُسن الظّنّ به، أخافُ ربّي عندما أعيش حقيقة التّوحيد وأُدرك أنّه لا يحقّ لي أن أتجرّأ عليه عزَّ وجلَّ فأعيش بذلك خطورة المعصية، وأعيش من خلال ذلك عجزي وضعفي فأُدرك أنّه لا ملجأ من الله عزَّ وجلَّ إلّا إليه، وأُدرك رحمتَه الواسعة، عندها سيكون حُسن ظنّي بربِّي سبحانه وتعالى كبيراً وبشكلٍ تلقائيٍّ.

والنتيجة العمليّة أن يفكِّر كلٌّ منّا في ظنّه بالله عزَّ وجلَّ، هل أنا حَسَن الظّنّ بربّي أم أنّي والعياذ بالله سيّئ الظّنّ؟ وأنْ يرفعَ كلٌّ منّا من مستوى حسن ظنّه به، فهو أرحمُ الراحمين، تمتدُّ رحمتُه يوم القيامة كما ورد في الروايات، لتتّسع لأصنافٍ من الخلائق كان إبليس يعتبرهم من جُنده، وعندئذٍ يطمع هو في أن تشمَلَه رحمةُ الله سبحانه وتعالى!

دعاء اليوم العاشر

«أللَّهُمَّ اجْعَلْنِي فِيْهِ مِنْ المُتَوَكِّلِينَ عَلَيْكَ، وَاجْعَلْنِي فِيْهِ مِنْ الفائِزِينَ لَدَيْكَ، وَاجْعَلْنِي فِيْهِ مِنْ المُقَرَّبِينَ إِلَيْكَ، بِإحْسانِكَ يا غايَةَ الطَّالِبِينَ».

أللّهمّ ارزُقني يقيناً ثمرته التّوكّل عليك، وأَتمم نعمتَك عليّ بتمام اليقين والتّوكّل، وهما أساس كلّ عملٍ صالحٍ لأكون من الفائزين لديك المبادِرين المقرّبين إليك، وأنّى لي بذلك يا إلهي إلّا بإحسانك، أن تأخذ بيدي رغم أنّي لا أستحقّ، فأصل إلى حِماك وأكون في دِرعكَ الحصينة يا غاية الطّالبين.

صلاة الليلة الحادية عشر

1- مواصلة صلاة الألف ركعة

تُصلّي عشرين ركعة كلّ ركعتَين بتسليمة، ثماني ركعات بعد المغرب، والباقي بعد العشاء وتقرأ في كلّ ركعة (الحمد) مرّة، و(التّوحيد) مرّة أو ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً، أو عشراً.

2- عن رسول الله صلّى الله عليه وآله:

«ومَن صلّى ليلة إحدى عشرة من شهر رمضان ركعتَين، يقرأ في كلّ ركعة (الحمد) مرّة و(إنّا أعطيناك الكوثر) عشرين مرّة، لم يتبعه في ذلك اليوم ذنبٌ وإنْ جهدَ الشّيطانُ جهدَه»[137].

3- قال الكفعميّ: «ويُستحبُّ أن يصلِّي في كلِّ ليلةٍ من شهر رمضان ركعتَين بـ(الحمد) ".." و(التّوحيد) ثلاثاً، فإذا سلَّم قال: سُبْحانَ مَنْ هُوَ حَفِيظٌ لا يَغْفَلُ سُبْحانَ مَنْ هُوَ رَحِيمٌ لا يَعْجَلُ سُبْحانَ مَنْ هُوَ قائِمٌ لا يَسْهُو سُبْحانَ مَنْ هُوَ دائِمٌ لا يَلْهُو. ثمّ يقول التّسبيحات الأربع سبعاً، ثمَّ يقول: سُبحانَكَ سُبحانَكَ يا عظيمُ، اِغْفِرْ ليَ الذَّنبَ العَظيم. ثمَّ تُصلّي على النّبيّ عشراً. مَن صلَّاها غَفرَ اللهُ له سبعين ألف ذنبٍ..»[138].

 

 

11

شهر رمضان

 

 

                                      * الاهتمام بمعرفة ليلة القدر

             * طلبُ معرفة ليلة القدر

                       * صلاة لمعرفة ليلة القدر

                           * دعاء اليوم الحادي عشر

                                 * صلاة اللّيلة الثّانية عشر


 

الاهتمام بمعرفة ليلة القدر

شهر رمضان المبارك شهر الثّورة في الذّات باتّجاه المصالحة مع الكون، والانسجام مع تسبيح الموجودات جميعها للهِ الواحد القهّار.

﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا الإسراء:44.

ويمكن لهذه المصالحة رغم صعوبتها أن تتمّ في لحظة من لحظات ليلة القدر.

 ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ﴾ القدر:2.

ولست هنا بصدد الحديث عن عظمة هذه اللّيلة المباركة ولا عن خصوصيّاتها، فربّما يوفِّق الله سبحانه وتعالى للحديث عن ذلك على أبواب ليالي القدر، وإنّما أنا هنا بصدد الحديث عن الاهتمام بمعرفة ليلة القدر.

**

عندما نتأمّل مضامين أدعية شهر رمضان المبارك، نجد تركيزاً على ليلة القدر يلحّ علينا بشكلٍ أو بآخر أن نتنبّه إلى أهميّة هذه اللّيلة المباركة.

وَرد في الأدعية المُلحقة بدعاء الافتتاح وليلة القدر: «وحجَّ بيتِك الحرام وقتلاً في سبيلك فوفّق لنا»، كما ورد في مختلف الأدعية الحديث عن ليلة القدر تارةً بلهجة الدّعاء والتّوسّل للتّوفيق لها ولإدراكها، وتارةً بلهجة: «واجعل في ما تقضي وتقدِّر من الأمر المحتوم وفي ما تفرقُ من الأمرِ الحكيمِ في ليلةِ القدر، مِن القضاء الذي لا يُرَدّ ولا يُبدَّل..».

طلبُ معرفة ليلة القدر

ماذا تريد هذه المضامين المباركة للأدعية المباركة حول ليلة القدر أن تقول لنا؟

لدى الرّجوع إلى كلمات العلماء الأعلام في هذا المجال، نجد بوضوح أنّ من أمّهات المطالب التي ينبغي على الصّائم باستمرارٍ، من أوّل شهر رمضان، أن يركّز عليها هو أن يُوفَّق لليلة القدر.

ما المُراد بالتّوفيق لليلة القدر؟ هل المُراد أن يوفّق الإنسان للدّعاء فيها؟

هذا مطلوبٌ طبعاً، إلّا أنّ السّيّد ابن طاوس وكذلك آية الله التبريزي عليهما الرّحمة، يؤكِّدان على أهمّية أن يدعو الصّائم باستمرار طيلة شهر رمضان المبارك أن يُعرّفه اللهُ تعالى ليلة القدر، فيُوفّق حينئذٍ لإحيائها والدّعاء فيها.

معرفةُ ليلة القدر إذاً، همٌّ ينبغي أن يحمله الصّائم طيلة أيّام شهر رمضان المبارك قبل ليالي القدر، فيكون هاجس القلب ووِرْدُ لسان الحال: إلهي عرّفني ليلة القدر، في أيّة ليلةٍ هي؟

قد يتصوَّر البعض أنّ هذا الطّلَب غريب.

عن هذه النّقطة بالذات يتحدّث السّيّد ابن طاوس عليه الرّحمة، فيُبيّن ضرورة أن يطلب الصّائم أن يُعرِّفه الله عزَّ وجلَّ ليلة القدر، ويقول:

«إنَّ طَلَبَ معرفة ليلة القدر من مُهمّات ذوي العبادات، حيث لمْ أجِد في المعقولات والمنقولات ما يَمنع مِن طلب معرفتها والظّفر بما فيها من السّعادات، ولقد قلتُ لبعض مَن حدَّثتُه من الأعيان: لماذا لا تطلبون من أوّل شهر رمضان بالدّعاء أنْ يعرّفكم اللهُ جلَّ جلالُه بليلة القدر، فإنّه تقدَّست أسماؤه قد جَعلَكم أهلاً لمعرفتِه ومعرفةِ رسولِه ومعرفةِ خاصّتِه، وليست ليلةُ القدر أعظم من ذلك، فلم نَجِد له عذراً إلَّا اتّباع العادة في أنّهم ما وجدوا مَن يهتمّ بهذا المطلب الجليل، فقلّدوهم ومضَوْا على ذلك السبيل»[139].

حقّاً، لماذا لا ندعو اللهَ طيلة الأيّام واللّيالي المباركة من هذا الشّهر المبارك قبل ليالي القدر، أن يعرّفنا ليلة القدر؟

سيأتي في كلمات السّيّد ابن طاوس عليه الرّحمة وغيره من العلماء، أنّ هذا الأمر طبيعيٌّ، وأنّ من النّاس مَن يُعرّفهم اللهُ عزَّ وجلَّ ليلةَ القدر بِطُرقٍ مختلفة، فيعرف أحدهم أنّ ليلة القدر هي اللّيلة الفلانية فيوفَّق للدَّعاء فيها ولإحيائها، ويكون موقِناً أنّها ليلةُ القدر.

فهل هذا الأمرُ عاديُّ لا ينبغي الاهتمامُ به؟

يذكر السّيّد عليه الرّحمة أنّه أورد لِمَن خاطبه من أهل زمانه مثالاً، هو الآتي:

لو أنَّ شخصاً صادقاً يُقطع بِصحّة كلامه، أخبرَ شخصاً فقيراً مسحوقاً أنَّ في هذه الأرض مساحة ثلاثين ذراع، وفي ذراع من هذه الثّلاثين ذراع كنزٌ، إذا أمكن الوصول إليه فإنّه يغني كلّ فقيرٍ، وأنتَ ستخرج من الفقر بمجرّد أن تَحصل على هذا الكنز.

فكيف يَتصرّف هذا الفقير مع هذه المعلومة؟

ألَا يطوفُ البلدان ليَسأل أهل الخبرة؟ ألَا يبحث في هذا الثّلاثين ذراعاً بحثاً مُضنياً؟

إذاً لماذا لا نتعامل مع ليلة القدر كما يَتعامل هذا الفقير مع هذه الثّلاثين ذراعاً، ثلاثون ليلة، وليلةٌ منها هي ليلة القدر، ولا نهتمّ بمعرفتها!!

كيف نرضى أن يأتي شهرُ الله تعالى ويمضي ونحن لسنا مُستنفَرين لمعرفة هذه اللّيلة المباركة؟

أين حُسن الظّنّ بربِّنا عزَّ وجلَّ؟ لماذا لا نثق بأنّنا إذا كنّا صادقين في طلب معرفة هذه اللّيلة، فإنّه عزَّ وجلَّ أكرم الأكرمين، ولن يردّ سائلاً وَقفَ ببابه، وهو يريد أن يوفّق لدعائه وعبادته في ليلةٍ مباركةٍ هي خيرٌ من ألف شهر.

كيف يردّنا عزَّ وجلَّ؟

الواقع أنَّ غفلتنا كبيرة جداً، وجزى الله سيّد المراقبين السّيّد ابن طاوس عن المسلمين جميعاً خير الجزاء لتنبيهنا إلى هذه الحقيقة.

صلاة لإدراك ليلة القدر

إذا وَجَدنا في أنفسنا اهتماماً بمعرفة ليلة القدر، فهناك صلاة ذَكَرها السّيّد ابن طاوس عليه الرّحمة، وذَكرها كذلك آيةُ الله التّبريزي في (المراقبات) نقلاً عن السيّد، وهي كما يلي:

«رُوي عن عبد الله بن عبّاس أنّه قال: يا رسولَ الله طُوبى لِمَن رأى ليلة القدر، فقال له: يا ابن عبّاس، ألا أُعلمّك صلاةً إذا صلّيتها رأيتَ بها ليلة القدر، كلَّ ليلةٍ عشرين مرّة وأفضل، فقال: علّمني، صلّى الله عليك، فقال له:

تُصلّي أربع ركعات في تسليمةٍ واحدة، ويكون بعد العشاء الأولى، وتكون قبل الوتر:

* في الرّكعة الأولى (فاتحة الكتاب) و(قُل يا أيّها الكافرون) ثلاث مرّات، و(قُل هو الله أحدٌ) ثلاث مرّات.

* وفي الثّانية (فاتحة الكتاب) و(قُل يا أيّها الكافرون) ثلاث مرّات، و(قُل هو الله أحدٌ) ثلاث مرّات.

*وفي الثّالثة والرّابعة مثل ذلك، فإذا سلّمت تقول ثلاث عشر مرة: أستغفرُ الله.

فَوَحقّ مَن بعثني بالحقّ نبيّا،ً مَن صلّى هذه الصّلاة وسبَّح في آخرها ثلاث عشر مرّة، واستغفرَ الله، فإنّه يرى ليلة القدر كلّما صلّى بهذه الصّلاة ويوم القيامة يُشفَّع في سبعمائة ألفٍ من أمّتي، وغفر اللهُ له ولوالديه إنْ شاء الله تعالى»[140].

الفقه التّخصصيّ: لا تشريع ولا تضييع

يؤكِّد الشّهيد السّيّد محمّد باقر الصّدر، وهو المرجع النّوعيّ البارز، أنّ العقلَ يحكمُ بترتيبِ الأثَر على الاحتمال الضّعيف، عندما يكون المُحتَمَلُ قويّاً، وهذا الأصل هو الّذي جَرَت عليه سيرةُ الفقهاء وما تزال، فعندما يجدون أنَّ روايةَ عمل ليلة الرّغائب مثلاً ضعيفة السّنّد، لا يُشرِّعون –وحاشاهم- لكن لا يُضيِّعون المحتمل القويّ لضعف الاحتمال، فيُنبِّهون على الاهتمام بهذا المحتمَل «برجاء المطلوبيّة».

وتأمّل معي في ما علَّق به عليها آية الله التبريزيّ حول «صلاة معرفة ليلة القدر»، حيث قال:

«وقد رَوَى لِدَرْك فضيلة ليلة القدر في (الإقبال) روايةً، وهي وإنْ لم يَثبت اعتبارُها، إلّا أنّها من أجْل عَظَمة أمرِها، ينبغي أن يُعمل بها رجاءً لصحّتها وثبوتها في الواقع».

ثمّ أورد الرّواية، وعقَّبَ بقوله:

«أقول: لم يُعلم المُراد من الرّواية صريحاً، ويمكن أن يكون المُراد أنَّه يحصل له من الثّواب ما يعادلُ أفضل من لذّة رؤية ليلة القدر عشرين مرّة..»[141].

وأمّا السيّد عليه الرحمة فقد أكَّد بعد ذكر هذه الرّواية أنّك إذا كنتَ تريد أن تصلّي هذه الصّلاة فصَلِّها، ولكن لا تقتصر عليها في طلب معرفة ليلة القدر، بل تضرّع وادعُ الله عزَّ وجلَّ ليعرفك إيّاها، ثمّ أكّد على طلب معرفتها وأن لا يحُول الاستبعاد دون ذلك، فقال:

«اِعلم أنَّ اللهَ جلَّ جلالُه قادرٌ أن يُعرِّف بليلة القدر مَن يشاءُ، كما يشاءُ، وبما يشاءُ، فلا تَلزم هذه العلامة من التّعريف، واطلب زيادة الكشف من المالك الرّحيم الرّؤوف اللّطيف، فإنّني -يضيف السّيّد- عرفتُ وتحقَّقتُ من بعض مَن أدركتُه أنَّه كان يعرف ليلة القدر كلّ سنةٍ على اليقين ".." وهي رحمةٌ أدركتْه من ربِّ العالمين، وليست بأعظم من رحمةِ الله جلَّ جلالُه بمعرفة ذاته المقدّسة وصفاتِه المُنزّهة، ومعرفة سيّد المرسلين وخواصّ عترته الطّاهرين، وإيّاك أن تُكذِّب بما لم تُحِط به علماً من فضل الله جلَّ جلالُه العظيم، فتكون كما قال الله جلَّ جلالُه: ﴿..وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ الأحقاف:11، فكلّ المعلومات لم تَكن محيطاً بها ثمّ علمْتَ بعد الاستبعاد له. ولو قال لكَ قائلٌ: إنَّه رأى تراباً يمشي على الأرض باختياره، ويُحيط بعلومٍ كثيرةٍ في أسراره، ويغلب مَن هو أقوى منه مثل السّبع والفيل، والأمور الّتي يتمكَّن منها ابنُ آدم في اقتِداره، كنتَ قد استبعَدْتَ هذا القول من قائله، وتطلَّعت إلى تَحقيقه ودلائلِه، فإذا قال لك: هذا التُّراب الّذي أشرتُ إليه هو أنتَ على اليقين، فإنّك تعلم أنّك مِن ترابٍ وتعود الى ترابٍ، وإنّما صرْتَ كما أنتَ بقدرة ربّ العالمين، فذلك الّذي أقدرك مع استبعاداتك هو الّذي يُقدِر غيرك على ما لم تُحِط به علماً بفطنتك»[142].

يريد رضوان الله تعالى عليه التّأكيد على أمرين:

الأوّل: أنَّ معرفتك بليلة القدر هي دون معرفتِك بالله سبحانه وتعالى، والله عزَّ وجلَّ قد سمح لك بمعرفته، فلماذا لا يمُنُّ عليك بتعريفك ليلة القدر؟

الثّاني: أنّ الاستبعاد الّذي هو الاستغراب، لا يصلح دليلاً تَستند إليه، فتَنفي ما تستبعده، فلا تَستند إلى استبعادِ أن تعرف ليلة القدر فتَحرم نفسَك من بركاتها.

أللّهمَّ وفقنا لمعرفة ليلة القدر بالزّهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسّرّ المستودَع فيها.

* رؤية ليلة القدر

ما تقدّم كان الهدف منه معرفة ليلة القدر على وجه التّحديد، وهناك عنوانٌ آخَر يُتداول على الألسن، وربّما لا يعرف الكثيرون أنّه يمكن أن يحصل وهو: «رؤية ليلة القدر».

تحدّث عنه آية الله المَلَكي التّبريزي، الّذي طرح السّؤال عن إمكانيّة رؤية ليلة القدر، وأجاب عليه فقال:

«فإن قلتَ: ما معنى رؤية ليلة القدر؟

قلتُ: رؤيةُ ليلة القدر كما أشرنا إليه سابقاً، عبارة عن كَشفِ ما يقعُ فيها من نزولِ الأمرِ إلى الأرضِ، كما يُكشفُ لإمامِ العصر عليه السلام في «تلك» اللّيلة.

أضاف آية الله المَلَكي: وإنْ أردْتَ لهذا الإجمال توضيحاً، فاعلم أنَّ للهِ تعالى بين عالمَي الأرواح والأجسام عالَماً يُسمَّى عالم المثال والبرزخ، وهو عالَمٌ بين العالمَيْن، ليس مُضيَّقاً مظلماً مثل عالم الأجسام، ولا واسعاً نَيِّراً مثل عالم الأرواح، لأنَّ عالمَ الأرواح مجرّدٌ عن كَدَر المادّة وضِيق الصّورة والمقدار. وعالمُ الأجسام مقيّدٌ بالمادّة والصّورة. وعالَمُ المثال مجرّدٌ عن المادّة ومقيّدٌ بالصّورة والمقدار، وهو مشتملٌ على عوالم كثيرة. وكلُّ موجودٍ في عالم الأجسام فلَهُ في هذه العوالم المثاليّة صوَرٌ مختلفة غيرُ هذه الصّورة الّتي (هي له) في عالم الأجسام. وكلُّ ما في هذا العالم إنّما يوجد بعد وجودِه في العالمَيْن الأوَّلَين بنحوِ وجودٍ يليق بهما، بل كلُّ موجودٍ في العالم إنّما يَنزلُ إليه من خزائن الله الّتي أُشيرَ في القرآن إليها بقوله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ..  الحجر:21. وكلُّ جسمٍ وجسمانيٍّ في هذا العالّم، إنّما ينزل عليه من عالمِ المِثال بتوسُّط ملائكة الله تعالى.

والذي يدلُّ عليه الأخبارُ أنّ أحكام كلِّ سَنةٍ من تقديرِ أرزاقِ موجودات هذا العالَم وآجالها، ينزلُ إلى الأرض في ليلة القدر، وينكشفُ ذلك لمَن هو خليفةُ الله في الأرض في هذه اللّيلة، ويسمّى انكشافُ نزول الأمر-بتوسّط الملائكة له عليه السّلام- رؤية ليلة القدر، ولذّةُ هذا الكشف ومشاهدةُ نزول الأمر والملائكة إنّما يعرفُهما أهلُهما، ولعلّ ذلك من قبيل ما أُرِيَ لإبراهيم الخليل من مَلَكوت السّماوات والأرض.

أضافَ آية الله المَلكيّ: ولكلّ إنسانٍ نصيبٌ كاملٌ من هذه العوالم مخصوصٌ به، وأغلبُ النّاس غافلون عن عوالمِهم المثاليّة، وغافلون عن غفلتِهم أيضاً، وكذلك عن عوالمِهم الرّوحانيّة إلّا مَن منَّ اللهُ عليه بمعرفة النّفس، ومعرفةِ عالَم المثال في طريق معرفة النّفس، لأنّ حقيقة النّفس من عالم الأرواح، فمَن كُشف له حجابُ المادّة عن وجه روحِه ونفْسِه، ورأى نفسَه مجرّدةً عنها في عالَم المثال يسهلُ له الانتقالُ إلى حقيقة روحِه المجرّدة عن الصّورة أيضاً، وهذه المعرفة للنّفس هي المرادُ من قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «مَن عرفَ نفسَه فقد عرفَ ربَّه»، ووَجهُ ارتباط معرفة النّفس بمعرفة الرّبّ لا يعرفُه إلّا مَن وُفِّقَ لهذه المعرفة، وهذا المقدارُ من البيان كافٍ في ما نحن بصددِه من تعريف ما يزولُ به الإنكارُ والاستبعاد، لدَركِ حقيقة ليلة القدر للعاملين العابدين، لأجل تحصيل الشّوق اللّازمِ للوصول»[143].

ومن الواضح لدى التّأمّل في كلامه رضوان الله تعالى عليه، أنّ ما ينكشف لِصاحب الأمر عليه صلوات الرّحمن، هو التّجلّي الأتمّ الخاصّ به، إلّا أنّ لكلّ مَن وَصلَ إلى مرتبة إمكانيّة ذلك الانكشاف له، مرتبةً تناسبه من «رؤية ليلة القدر»، الأمر الّذي يعني بوضوح أنّ باستطاعة المؤمن أنْ يرى ليلةَ القدر بِحَسبِه، وهذا هو السّبب في تطرُّق آية الله الملكي إلى هذا الموضوع، كما صرَّح به في آخر كلامه المتقدِّم.

دعاء اليوم الحادي عشر

«أللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيَّ فِيْهِ الإحْسانَ، وَكَرِّهْ إِلَيَّ فِيْهِ الفُسُوقَ وَالعِصْيانَ، وَحَرِّمْ عَلَيَّ فِيْهِ السَّخَطَ وَالنِّيرانَ، بِعَوْنِكَ يا غِياثَ المُسْتَغِيثِينَ».

الإحسانُ جعْلُ الشّيء حسناً، ومَن أصابَ يُقال له أحسَنْت لأنّه جعل ما فعلَه حَسَناً، وأوْضح مصاديق الصّواب، الانسجام مع الحقّ وطاعة الله تعالى وقد ورد: «الإحسانُ أنْ تعبدَ الله كأنّك تراه، فإنْ لم تكُن تراه فإنَّه يَراك».

فالمُحسن بهذا المعنى لا يُخطئ، لأنّه عُصِم من الذّنوب بِحسبه.

أللّهمّ حبِّب إليّ في يومي هذا الإحسانَ، وكرّه إليّ فيه التّمرُّد عليك، فما رأيتُ منك إلّا جميلاً وما رأيتَ مني جميلاً، تتحبّبُ إليّ فأتبغّض إليك.

خُذ بيدي يا دليلَ المتحيِّرين، وجنّبني أن أفعلَ ما أستحقُّ به سخطَكَ والنّيران، إلهي هل تَمُنّ على هذا الغريق فتنتشله من لُجَج البُعد ومرارته، إلى أُنْس القُرب وحلاوتِه، تكرُّماً منك بعونك. أغِثني، يا غِياثَ المُستغيثين.

صلاة اللّيلة الثانية عشرة

1- مواصلة صلاة الألف ركعة

تُصلّي عشرين ركعة كلّ ركعتّين بتسليمةٍ، ثماني ركعات بعد المغرب، والباقي بعد العشاء، وتقرأ في كلّ ركعة (الحمد) مرّة و(قل هو الله أحد) مرّة، أو ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً، أو عشراً.

2- عن رسول الله صلّى الله عليه وآله:

«ومَن صلّى ليلة اثنتي عشرة من شهر رمضان ثماني ركعات، يقرأُ في كلِّ ركعة (الحمد) مرّة، و(إنّا أنزلناه) ثلاثين مرّة، أعطاهُ اللهُ ثوابَ الشّاكرين وكان يوم القيامة من الفائزين»[144].

3- قال الكفعميّ: «ويُستحبُّ أن يصلِّي في كلِّ ليلةٍ من شهر رمضان ركعتَين بـ(الحمد) «..» و(التّوحيد) ثلاثاً، فإذا سلَّم قال: سُبْحانَ مَنْ هُوَ حَفِيظٌ لا يَغْفَلُ سُبْحانَ مَنْ هُوَ رَحِيمٌ لا يَعْجَلُ سُبْحانَ مَنْ هُوَ قائِمٌ لا يَسْهُو سُبْحانَ مَنْ هُوَ دائِمٌ لا يَلْهُو. ثمّ يقول التّسبيحات الأربع سبعاً، ثمَّ يقول: سُبحانَكَ سُبحانَكَ يا عظيمُ، اِغْفِرْ ليَ الذَّنبَ العَظيم. ثمَّ تُصلّي على النّبيّ عشراً. مَن صلَّاها غَفرَ اللهُ له سبعين ألف ذنبٍ..»[145].

 

 

12

شهر رمضان

* وحجّ بيتك الحرام

   * حقيقة الحجّ

      * الضّيافة الأخصّ

          * دعاء اليوم الثّاني عشر

              * صلاة اللّيلة الثّالثة عشر

                     * صلاة اللّيالي البِيض


 

وحجّ بيتك الحرام

من المضامين الّتي تتكرّر في أدعية شهر رمضان المبارك طلب التّوفيق لحجّ بيت الله الحرام.

وهذه بعض النّماذج:

1- نجد مثلاً في دعاءٍ ملحق بدعاء الافتتاح: «أللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ أن تجعلَ في ما تَقضي وتُقدّر من الأمرِ المحتومِ في الأمرِ الحكيمِ من القضاءِ الّذي لا يُردّ ولا يُبدَّل أن تكتُبَني من حجَّاجِ بيتكَ الحرام المَبرورِ حجُّهم، المشكورِ سعيُهم، المغفورِ ذنوبُهم، المكَفَّر عنهم سيّئاتهم».

2- ونجد في دعاءٍ آخر: «أللَّهُمَّ إنِّي بِكَ ومِنْكَ أطْلُبُ حَاجَتي، أللَّهُمَّ مَنْ طَلَبَ حَاجَتَهُ إلَى أحَدٍ مِنَ المَخْلُوقِينَ، فَإنِّي لا أطْلُبُ حَاجَتِي إلَّا مِنْكَ، أسْأَلُكَ بِفَضْلِكَ ورِضْوانِكَ أنْ تُصَلِّيَ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، وأنْ تَجْعَلَ لِي في عَامي هَذا إلى بَيْتِكَ الحَرامِ سَبِيلاً، حِجَّةً مَبْرُورَةً مُتَقَبَّلَةً زاكِيَةً خَالِصَةً لَك، تَقَرُّ بِها عَيْنِي، وتَرْفَعُ بِها دَرَجَتِي».

3- كذلك نجد في دعاءٍ آخر: «أللَّهُمَّ ارْزُقْنِي حَجَّ بَيْتِكَ الحَرامِ فِي عَامِي هَذا وفِي كُلِّ عَامٍ ما أبْقَيْتَنِي فِي يُسْرٍ وعَافِيةٍ وَسَعَةِ رِزْقٍ، وَلا تُخْلِني مِنْ تِلْكَ المَواقِفِ الكَرِيمةِ والمَشَاهِدِ الشَّرِيفَةِ» إلى آخر ما في الدعاء وفيه مزيد من التّأكيد على حجِّ بيت الله الحرام.

 4- ويُضاف إلى ما تقدّم جميع ما ورد في الرّوايات من أنّ وفدَ الله عزّ وجلّ يُكتب في ليلة القدر، أي تتحدّد أسماء الذين يفدون على بيت الله عزَّ وجلَّ، في ليلة القدر.

حقيقة الحجّ

وتكشف هذه المضامين جميعها عن أهمّيّة خاصّةٍ للحجّ، وأنّ موقعه من منظومة الرّؤية التّوحيديّة للكون في البُعدَين النّظري والعملي أكبر بكثير ممّا هو السّائد بيننا، وهو ما يلحّ بوقفةٍ على أعتابِ الحجّ بهدف إعادة النّظر وتصويب النّظرة والتّعامل.

 يمثّل الحجّ في الحقيقة دورة تدريبيّة في المجالات التّالية:

1-  تجذير التّوحيد وتعزيزه في نفس الحاجّ. وتصبُّ في هذا الهدف كلّ مناسك الحجّ، ومنها ما يأتي ذكره، لتكون النّتيجة أنّ الهدف المركزيّ للحجّ هو هذا الهدف بالذّات.

2-  الارتباط برسول الله صلّى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السّلام من خلال زيارة قبر المصطفى الحبيب صلّى الله عليه وآله وتجديد البَيعة معه، وإعلان اتّباعه كما أمَرَ من خلال طاعة أهل بيته الأطهار صلوات الله وسلامه عليه وعليهم.

3-  كذلك نجد أنّ العلاقة بين الحجّ والمعاد حاضرة بقوّة، فمنظر الحجّاج بثياب الإحرام يُذكّر تلقائيّاً بتلك الصّورة الّتي يختزنُها المسلمُ في ذهنه عن يوم المَحشر، وكما ينفصل الرّاحل إلى المعاد عن كلّ شيء، يترك الحاجّ الدّنيا وما فيها ويتوجّه إلى الله عزَّ وجلَّ، وكما هي أرض المَحشَر ساحة الطّاعة بلا معصية، فإنّ الحاجّ يلتزم بأوامر الله تعالى دون أيِّ تردّد. يُؤمَر فيُطِيع. هنا ينبغي أن تُحرِم وهنا تُلبِّي. لا يجوز أن تَستظِلّ. هنا جاء دور الطّواف، وهنا السّعي. وهكذا.

يَرى نفسَه ممتثلاً لأوامر الرّحمن وقد ترك كلّ ما يربطه بالدّنيا، حتّى ثيابه الّتي اعتاد عليها، وهو يقول لَبَّيكَ اللَّهُمَّ لَبَّيكَ، ولعلّ القلب يردِّد:

﴿يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا  طه:108.

4- والحجّ دورة تدريبيّة على الوَلاءِ للهِ عزَّ وجلَّ، ورفض الشّرك وازدواجيّة الوَلاء، فهو تعبيرٌ عن رفضِ الشّيطان ومُعسكر الشّيطان، ومغادرة اتِّباع خطواتِ الشّيطان إلى حدِّ رَجْمه، والخضوع المُطلَق للرَّحمن.

ولعلّ ممّا يُسهم كثيراً في رسم ملامح الصّورة السّائدة بيننا للحجّ، والّتي تتناقض مع هذه المعاني العظيمة والواضحة، هو أنَّنا في الغالب على الأقلّ نحجّ ولا تَظهر فينا آثارُ إدراك هذه الحقائق والتّفاعل معها، فنُكَوِّن عن الحجّ تصوُّراً لا ينسجم معه من قريبٍ ولا بعيدٍ.

والفرقُ كبير ٌجدّاً بين الحجِّ المقبول وغير المقبول، والحجُّ القيمة المهمّة والأساسيّة، هو الحجّ المقبول. لذلك نجد التّأكيد واضحاً في الأدعية على حقيقة «أنْ تَكْتُبَنِي مِنْ حُجَّاجِ بَيْتِكَ الحَرامِ، المَبْرُورِ حَجُّهُمْ، المَشْكُورِ سَعْيُهُمْ، المَغْفُورِ ذُنُوبُهُم، المُكَفَّرِ عَنْهُم سَيِّئاتُهُمْ».

 وطيلة شهر رمضان المبارك يرافقنا الدُّعاء الدّائم الحضور ليُوفِّقنا اللهُ تعالى لنكون من الوافدين عليه المقبولين لديه، وفي ليلة القدر يبرزُ الدُّعاء إلى الله تعالى ليَكتبنا في هذه اللّيلة في عدادِ الوافدين عليه المبرور حجُّهم.

الضّيافة الأخصّ

ويَطرحُ ذلك سؤالاً وجيهاً عن مدى كَوْن شهر رمضان موسم إعدادٍ لِموسم الحجّ، وضيافة خاصّة يتمّ من خلالها توجيه الدّعوة إلى ضيافةٍ أخصّ.

إنَّ الرّوايات الّتي تتحدّث عن أنَّ وفدَ الله عزَّ وجلَّ يُحدَّد، وتُكتب أسماءُ أعضاء هذا الوفد في ليلة القدر، تدلّنا بوضوحٍ على ما تقدّم.

وليس معنى هذا أنّ كلّ مَن يذهب إلى مكة في موسم الحجّ يُقبَل عملُه، فإنَّ تحديد المقبولين يتمّ في نفس الوقت الّذي تُسجَّل فيه الأسماء بما لا يُنافي العدل، واستِناداً إلى علمِ مَن هو بكلِّ شيءٍ عليم، ولذلك فقد يُكتَب في عدادِ وَفدِ الحجّ مَن يَخرجُ من الشّهر دون فائدةٍ تُذكَر، ثمّ يتوب توبةً صادقةً فتَرفعه حركةُ قلبِه إلى طلائع الوافدين.

ثمّ إنّ مَن يَحجّ ولا يُقبَل حجُّه، قد يكون ذلك المرحلة الأولى الضّروريّة له ليُقبَل في موسمِ حجٍّ آخَر.

والفائدة العمليّة الجوهريّة ممّا سَبق هي أنْ يُدركَ القلبُ من أوَّل ليلةٍ من رجب أنّنا أمام تهيئةٍ للضّيافة الإلهيّة الأخصّ في الحرم الإلهيّ ومركزِه: البيت الحرام، وأنَّ أعمالَ رجب وشعبان وشهر رمضان خطواتٌ جادّة في هذا الطّريق.

***

كلُّ صائمٍ، بل وكلُّ مسلمٍ مدعوٌّ إلى أنْ يطلبَ من اللهِ تعالى أنْ يوفِّقه لِحجِّ بيته الحرام، ويتأكَّد هذا المعنى عندما نتأمَّل الرّوايات ونجد الفضل الكبير والثّواب الجزيل للحجَّاج، إلَّا أنّ هناك لِبعض الأعزّاء خصوصيّة في هذا المجال، ولِأجلهم كان هذا الحديث في الواقع، وأقصد الأخوة والأخوات الّذين استَطاعوا الحجَّ فوَجَب عليهم إلَّا أنّهم لم يحجّوا، وكثيرٌ من هؤلاء الأعزّاء يَصومون ويُصلّون ويَخافون الله عزَّ وجلَّ، إلّا أنّهم يقعون في التّسويف والمماطلة في موضوع الحجّ.

أختمُ بروايةٍ مُخيفةٍ تدلّ بوضوحٍ أنّ مَن استطاع أنْ يحجّ ولم يحجّ لا يموت مسلماً.

عن الإمام الصّادق عليه السّلام: «مَن ماتَ ولم يَحجّ حجَّةَ الإسلام، ولمْ يَمنعهُ مِن ذلكَ حاجةٌ تُجحِفُ به، أو مرضٌ لا يُطيق الحجَّ من أجلِه، أو سلطانٌ يمنعهُ، فلْيَمُت إنْ شاء يهوديّاً وإنْ شاءَ نصرانيّاً».[146]

أيّها الأعزّاء، مَن استطاعَ الحجّ ولم يحجّ، فيجب أن يحرص على أداء الحجّ في هذه السّنة.

* يوم المؤاخاة

قال الشّيخ المفيد: «وفي اليوم الثّاني عشر نزل الإنجيلُ على عيسى بن مريم عليه السّلام. ويومُ المؤاخاة الّذي آخى فيه النّبيّ صلّى الله عليه وآله بين صَحْبِه، وآخى بينه وبين عليٍّ صلوات الله عليهما»[147].

دعاء اليوم الثّاني عشر

أللَّهُمَّ زَيِّنْ لي فِيْهِ السِّتْرَ وَالعَفاف، وَاسْتُرْنِي فِيْهِ بِلِباسِ القُنُوعِ وَالكَفافِ، وَحلِّني فِيهِ بحليِّ الفضلِ والإنصافِ، بِعِصْمَتِكَ يا عِصْمَةَ الخائِفِينَ.

إلهي مَن زيّنتَ له السّترَ والعفافَ لمْ يعصِكَ، ومَن سَترتَه بلباسِ القناعة فأخرَجْتَ حبَّ الدُنيا من قلبه لم يُفتَضَح، ومَن حلّيْتَه بحليّ الفضل والإنصاف سَمَا ولم يَجِد منك بَدلاً، واستحقَّ أن يكون في عصمتكَ، فاعصِمْني فإنِّي خائفٌ، وحُقَّ لِمَن طالَ إحسانُك إليه وتمرُّده، ونِعَمك ونُكرانه، وإمهالك واغتراره، أن يخاف، أستعيذُ بك يا إلهي فأَعذني، وأستجيرُ بك من النّار فأجِرني يا عِصمةَ الخائفين.

صلاة اللّيلة الثّالثة عشرة

1- حصّة هذه الليلة من الألف ركعة الموزَّعة على عشرين، هي عشرون ركعة تقرأ في كلّ ركعة (الحمد) مرّة و(قل هو الله أحد) مرّة، أو ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً، أو عشراً، بالتّرتيب المتقدِّم.

ولا تنسَ الدُّعاء بعد كلِّ ركعتّين ولو بالدُّعاء المختصَر، وقد سبق بيان ذلك بالتّفصيل في عمل أوّل ليلةٍ، ضمن أعمال اليوم الأوّل.

2- عن رسول الله صلّى الله عليه وآله:

«ومَن صلّى ليلة ثلاث عشرة من شهر رمضان أربع ركعات يقرأ في كل ركعة (فاتحة الكتاب) مرة وخمساً وعشرين مرة (قل هو الله أحد)، جاء يوم القيامة على الصِّراط كالبرق الخاطف»[148].

3- قال الكفعميّ: «ويُستحبُّ أن يصلِّي في كلِّ ليلةٍ من شهر رمضان ركعتَين بـ(الحمد) ".." و(التّوحيد) ثلاثاً، فإذا سلَّم قال: سُبْحانَ مَنْ هُوَ حَفِيظٌ لا يَغْفَلُ سُبْحانَ مَنْ هُوَ رَحِيمٌ لا يَعْجَلُ سُبْحانَ مَنْ هُوَ قائِمٌ لا يَسْهُو سُبْحانَ مَنْ هُوَ دائِمٌ لا يَلْهُو. ثمّ يقول التّسبيحات الأربع سبعاً، ثمَّ يقول: سُبحانَكَ سُبحانَكَ يا عظيمُ، اِغْفِرْ ليَ الذَّنبَ العَظيم. ثمَّ تُصلّي على النّبيّ عشراً. مَن صلَّاها غَفرَ اللهُ له سبعين ألف ذنبٍ..»[149].

صلاة اللَّيالي البِيض

هذه اللّيلة القادمة هي الثّالثة عشر من شهر رمضان المبارك، فهي أوَّل اللّيالي البِيض. ومن الواضح أنَّ للأيّام البِيض واللّيالي البيض أهمّيّة خاصّة.

والأعمال الخاصّة باللّيلة الثّالثة عشر كما يلي:

أولاً: الغسل وهو مستحبٌّ في كلّ ليلة مفردة من شهر رمضان المبارك.

ثانياً: صلاة أربع ركعات كلّ ركعتَين بتسليمة، نقرأ في كلّ ركعة (الحمد) مرّة و(قل هو الله أحد) خمساً وعشرين مرّة. إذاً الأمر الثّاني المُستحبّ في هذه اللّيلة بعد الغسل هو صلاة أربع ركعات نقرأ فيها (الحمد) مرّة و(قل هو الله أحد) خمساً وعشرين مرّة.

ثالثاً: صلاة تقدَّم الحديثُ عنها في اللّيالي البِيض من شهر رجب، وفي اللّيالي البيض من شهر شعبان، وهي مرويّة عن الإمام الصّادق عليه السلام، وخلاصة الرّواية- وقد تقدَّم ذكرُها- أنّ الله عزَّ وجلَّ أعطى هذه الأمّة ثلاثة أشهر لم يُعطِ أمّةً من الأُمم مثلها هي رجب وشعبان وشهر رمضان المبارك، وأعطى هذه الأمّة ثلاث ليالي لم يعطِ أمّةً من الأُمم مثلها وهي اللّيالي البِيض من هذه الأشهر، وأعطى الله عزَّ وجلَّ هذه الأمّة ثلاث سُوَر لم يعطِ أمّة من الأمم مثلها هي سورة (يس) وسورة (تبارك) وسورة (قل هو الله أحد).

يقول الإمام الصّادق عليه السلام: فمَن جمع بين هذه الثّلاثة، فقد جُمع له خيرٌ كثير. وعندما سُئل عليه السّلام: كيف يُجمع بين هذه الثّلاثات أوضح في الجواب: تُصلّي كلّ ليلة من هذه اللّيالي البيض، في كلّ شهر من هذه الأشهر، صلاةً تقرأ فيها هذه السُّوَر الثلاث، ثمّ بَيَّن ما حاصله:

تصلّي ليلة الثّالث عشر ركعتَين، وليلة الرابع عشر أربع ركعات، وليلة الخامس عشر ستّ ركعات، وتأتي الإشارة إلى هاتين الصّلاتين في اللّيلتين القادمتّين إن شاء الله تعالى.

صلاة هذه الليلة إذاً، عبارة عن ركعتين تقرأ في كلّ ركعة (الحمد) مرّة، وسورة (يس) وسورة (تبارك) وسورة (قل هو الله أحد)، كلّ سورة منها مرّة.

 

 

13

شهر رمضان

 

* وقتلاً في سبيلك

   * فوق كلّ بِرّ

     * الفصل الدّخيل

       * هل الشّهادة أمنيتنا

          * أذى المجاهدين!

             * دعاء اليوم الثّالث عشر

                * دعاء المُجير

                   * صلاة اللّيلة الرابعة عشر

                      * صلاة اللّيالي البِيض

 

وقتلاً في سبيلك

من المحاور التي وَرد التّأكيد عليها في مضامين أدعية شهر رمضان المبارك، محوَر القتل في سبيل الله عزَّ وجلَّ، أي أن يتمنّى المؤمنُ الشّهادة في سبيل الله، ويدعو الله سبحانه وتعالى طيلة هذا الشّهر المبارك أن يمنّ عليه بالشّهادة في سبيله.

يردّد الصّائم في كلّ ليلة عادةً «وقتلاً في سبيلِك فوفِّق لنا» باختلاف الصِّيَغ: «وقتلاً في سبيلك مع وليك فوفِّق لنا»، أو «تحت رايةِ نبيِّك» كما سيأتي في نصٍّ آخر.

وفي الدّعاء عن الإمام السّجّاد عليه السلام حول شهر رمضان المبارك «وأن تَجعل اسمي في السّعداء، ورُوحي مع الشّهداء، وإحساني في علّيّين».

وفي دعاءٍ مرويٍّ عن الإمام الصّادق عليه السلام: «وأسألُك أن تجعلَ وفاتي قتلاً في سبيلك تحتَ رايةِ نبيِّك مع أوليائك، وأسألُك أن تقتلَ بي أعداءَك وأعداءَ رسولِك».

فوق كلِّ بِرّ

ونرجع إلى النّصوص حول الشّهادة والجهاد، فنجد أنّ موقع القتل في سبيل الله يحتلّ القمّة: «فوق كلِّ برٍّ برّ حتّى يُقتَل المرءُ في سبيل الله، فإذا قُتل في سبيل الله عزَّ وجلَّ فليس فوقه برّ» كما ورد عن رسول الله صلّى الله عليه وآله.

وتُظهر سيرة المصطفى الحبيب صلّى الله عليه وآله بوضوح أنّ الذين تربُّوا على يديه والذين أصبحوا مَضربَ المثل في العبادة، والزُّهد، والوَرع، والتّقوى، كان كلٌّ منهم يحنُّ إلى الشّهادة، ويعتبر أنّه لم يحصل على ما يريد لأنّه لم يُستشهد بعد.

تأمّل في حديث حارثة، الصّحابيّ الشّاب الذي كان بعد صلاة الصّبح يغفو ويفيق، وما دار بينه وبين رسول الله صلّى الله عليه وآله وقوله فيه: «هذا رجلٌ نوَّر اللهُ في قلبِه اليقين، يا حارثة اِلزَم ما أنت عليه».

وماذا قال حارثة؟ ماذا طلبَ من المصطفى، وقد واتَتْهُ الفرصة؟ قال: «يا رسول الله، اُدعُ اللهَ تعالى لي بالشّهادة»!

وفعلاً بعد مدّة كانت غزوة، وخرج حارثة في مَن خَرج، وكان أحد الشّهداء رضوان الله تعالى عليه وعليهم.

لم يكتفِ حارثة بشهادة المصطفى صلّى الله عليه وآله بأنّه من أهل اليقين، وإنّما أراد أن يتوِّج ما وصل إليه بتاج الشّهادة: القتل في سبيل الله تعالى، بل لأجل ذلك كانت شهادة المصطفى له.

الفصل الدَّخيل

 تُرى كيف تبدّلَت المفاهيم فإذا بنا أمام فهمٍ يفصل بين التّديُّن والشّهادة؟

كيف تبدّلَت المفاهيم فإذا بأتباعِ المصطفى الحبيب صلّى الله عليه وآله، الّذي أمضى حياتَه الطّاهرة ينتقل من خندقٍ إلى خندقٍ، ومن موقعٍ إلى موقعٍ، يتصوَّر الكثير منهم -من أتباعه- أنَّ بالإمكان أن يكون الشّخص مؤمناً دون أن يحمل هَمّ الجهاد، ودون أن يعيش بعمق حلم الشّهادة.

كيف أصبحنا أمام إسلامٍ منزوع الفتيل، لا يفكّر صاحبه بجهادٍ بل وأحياناً -والعياذ بالله- يُحارِب المجاهدين؟!

من أين جاءنا ذلك؟

إذا كنّا في أدعيتنا في شهر الله تعالى نؤكِّد على طلب الشهادة «وقتلاً في سبيلك فوفِّق لنا»، فهل يمكن أن نتصوَّر عبادةً، وبناءً للنفس، أو ورعاً، وزهداً، بدون الحرص على قمّة الإيمان وتاج الإيمان أي الشّهادة؟

هل الشّهادة أمنِيَتنا

ما أحوَجنا إلى هذه الرّوح، روح طلب الشّهادة وحبّ الاستشهاد، رُوح «وقتلاً في سبيلك».

ما أحوَجنا إلى ذلك باستمرار، وما أحوَجنا إليه بشكلٍ خاصٍّ الآن، في هذه المرحلة بالذّات حيث يصرّ الشّيطان الأكبر على الهيمنة، وهو يتصرّف مع جميع الشّعوب على طريقة الأشقياء و«القبضايات» الّذين يفرضون «الخوّات» في هذا الموقف للسّيارات، أو في هذا الشّارع، أو ذاك.

أيّها الأعزّاء، إنّ محمّديّاً واحداً يحمل رُوح الجهاد والشّهادة، قادرٌ بعون الله تعالى على أن يذلّ أمريكا ويذلّ الكيان الصّهيونيّ.

المهمّ أن تبقى جذوة الجهاد فينا متّقِدة.

ما دمنا نحمل هذه الرّوح البدريّة الكربلائيّة، فإنّ المستقبل يحمل لنا كلّ خيرٍ، ولن يرى الأعداء منّا إلّا ما يسوؤهم بإذن الله.

بمقدار ما نحبّ الشّهادة في سبيله سبحانه وتقدّست أسماؤه، بمقدار ما يكون قربُنا منه، ونكون في درعه الحصينة الّتي يجعل فيها من يشاء.

أذى المجاهدين!

أيّها الأعزّاء، إنْ كنّا لا نجاهد في سبيل الله تعالى، فلنحذر أن نؤذي المجاهدين.

عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «من اغتاب غازياً أو آذاه أو خلفه بأهله بخلافة سوءٍ، نُصِب له يوم القيامة عَلَمٌ فيستفرغ بحسناته (أي تُستوفى كلّ حسناته حتى لا تبقى له حسنة واحدة) ويُركس في النّار»[150].

وعنه صلّى الله عليه وآله: «اِتّقوا أذى المجاهدين في سبيل الله، فإنَّ اللهَ يغضب لهم كما يغضب للرُّسل، ويستجيبُ لهم كما يستجيب لهم».

دعاء اليوم الثّالث عشر

أللَّهمّ طهِّرني فيه من الدَّنس والأقذار، وصبِّرني فيه على كائنات الأقدار، ووَفِّقني فيه للتُّقى وصحبَةِ الأبرار، بِعونك يا قرَّة عينِ المساكين.

إلهي خلَقتَني بشراً سويّاً طاهراً من الدَّنس، وحبّبتَ إليَّ الصراط المستقيم، ركَزْتَ في فطرتي حبّ أحسن تقويم، وهدَيتني إلى حبِّك وحبِّ الطاهرين محمّدٍ المصطفى وآله، فلم أقابل الحبَّ بالحبِّ، والنّعمةَ بالشّكرِ، وطالَت على الخطايا الإقامة، فشوّهتُ فطرتي ودنّستُ نفسي، وها أنا عبدُك الآبق أعود إليك منكسراً مستقيلاً، أحملُ أوزاري على ظهري فطهّرني يا إلهي من دنسها والأقذار، ومُنّ عليّ بصبرٍ من عندك أواجه به الشّدائد حتى لا يَستزلّني بها الشّيطان فأعود إلى التّمرُّد والعصيان، وأتْمِم نعمتك عليّ بتوفيقي للاستقامة وصحبة أوليائك الأبرار، مسكينٌ أنا يا إلهي بِما جَنَتْه يداي، فتصدّق على هذا المسكين بِعَونِك لتقرَّ عينُه. يا قرّة عين المساكين.

دعاء المُجير

يستحبُّ قراءة هذا الدّعاء في الأيّام البيض من شهر رمضان، وقد وَرد أنّ ثوابه عظيم، وأنّه لقضاء الحوائج، وظاهر النّصّ حوله أن يُقرأ في الأيّام البِيض الثلاثة، ولو مرّة واحدة، وبديهيّ أنّ مَن زاد فقد ربح، لا سيَّما من كانت له حاجة يُلحّ في قضائها.

قال المحدِّث القمّيّ عليه الرّحمة والرّضوان:

«وهو دعاءٌ رفيعُ الشأن مرويّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله، نزل به جبرئيل على النّبيّ صلّى الله عليه وآله، وهو يصلّي في مقام إبراهيم، ذَكر الكفعمي هذا الدّعاء في كتابَيه (البلد الأمين)، و(المصباح)، وأشار في الهامش إلى ما لهُ من الفضل، ومن جملتها أنَّ مَن دعا به في الأيّام البيض من شهر رمضان، غُفرت ذنوبُه ولو كانت عدد قطر المطر، وورق الشّجر، ورمل البرّ، ويُجدي في شفاء المريض، وقضاء الدَّين، والغِنى من الفقر، ويفرِّج الغمّ، ويكشف الكرب، وهو هذا الدّعاء[151]: سبحانك يا الله، تعاليتَ يا رحمن، أجِرْنا من النار يا مُجير..»، وأَوْرد الدّعاء بتمامه.

وقد اقتصر الشّيخ الكفعمي في (البلد الأمين) على إيراد الدّعاء بعد أن قال: دعاء المجير وهو مرويٌّ عن النّبيّ [152].

أمّا في (المصباح) فقال:

هذا الدّعاء يُسمّى دعاء المجير، رفيع الشّأن عظيم المنزلة، وله نُسخٌ كثيرة أَكْمَلُها ما رقَمناه، ثمّ أورد ما نقله عنه المحدِّث ملخّصاً، إلى أن قال: وهو مكتوبٌ على حُجرات الجنّة، ومن حافظ على قراءته أمِن من كلّ آفة، وكان رفيقك (يا رسول الله. المتحدِّث جبرئيل عليه السلام) في الجنّة، وحُشر ووجهه كالقمر ليلة البدر. ومن صام ثلاثاً وقرأ[ه] سبعاً ونام على ظهره رآك في نومه، إلى قوله: وثواب قاريه لا يُحصى ".." ثمّ ذكر بعض آثاره وهي التي نقلها عنه المحدّث القمّي، إلى قوله: ومن ضاع له شيء، أو سُرِق فليصلِّ أربع ركعات يقرأ في كلِّ ركعة (الحمد) مرة و(التوحيد) إحدى عشر مرّة، ثمّ يقرأ الدعاء ويضعه تحت رأسه فإنّه تعالى يردُّ عليه ما ذهب له، ولو قُرئ بإخلاص على ميِّت لعاش..»[153].

صلاة اللّيلة الرابعة عشرة

1- حصّة هذه اللّيلة من الصّلاة الأهمّ، الألف ركعة، هي عبارة عن عشرين ركعة، ثمانٍ منها بعد المغرب، واثنا عشرة ركعة بعد العشاء، تقرأ في كل ركعة (الحمد) مرة، و(التّوحيد) مرّة أو ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً، أو عشراً.

2- عن رسول الله صلّى الله عليه وآله:

«ومَن صلّى ليلة أربع عشرة من شهر رمضان ستّ ركعات يقرأ في كلّ ركعة (الحمد) مرّة و(إذا زلزلت) ثلاثين مرّة هوَّن اللهُ عليه سكرات الموت ومنكراً ونكيراً»[154].

3- قال الكفعميّ: «ويُستحبُّ أن يصلِّي في كلِّ ليلةٍ من شهر رمضان ركعتَين بـ(الحمد) ".." و(التّوحيد) ثلاثاً، فإذا سلَّم قال: سُبْحانَ مَنْ هُوَ حَفِيظٌ لا يَغْفَلُ سُبْحانَ مَنْ هُوَ رَحِيمٌ لا يَعْجَلُ سُبْحانَ مَنْ هُوَ قائِمٌ لا يَسْهُو سُبْحانَ مَنْ هُوَ دائِمٌ لا يَلْهُو. ثمّ يقول التّسبيحات الأربع سبعاً، ثمَّ يقول: سُبحانَكَ سُبحانَكَ يا عظيمُ، اِغْفِرْ ليَ الذَّنبَ العَظيم. ثمَّ تُصلّي على النّبيّ عشراً. مَن صلَّاها غَفرَ اللهُ له سبعين ألف ذنبٍ..»[155].

* صلاة اللّيالي البيض

لهذه اللّيلة صلاة خاصّة باعتبارها من اللّيالي البِيض، وهي عبارة عن أربع ركعات كلّ اثنتين بتسليمة، تقرأ في كلّ ركعة (الحمد) مرّة، وسورة (ياسين) مرّة، وسورة (تبارك) مرة، وسورة (قل هو الله أحد) مرّة.

 



[1]  إبن فهد الحلي، الرسائل العشر: ص 438.

[2]  العلامة الحلي، منتهى المطلب (ط.ق): 1/211.

[3]  ملا صدرا الشيرازي (صدر المتألهين)، الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة: 5/331.

[4]  السيد ابن طاوس، إقبال الأعمال: 1/71-73.

[5]  السيد ابن طاوس، إقبال الإعمال: 1/74.

[6] الإقبال: 1/28، بتصرّف يسير.

[7] الشيخ المفيد، الأمالي: ص 231.

[8]  الإقبال: 1/70.

[9] الإقبال: 1/71.

[10] الكليني، الكافي: 4/70-71.

[11] المحدّث القمّي، مفاتيح الجنان؛ والإقبال: 1/63.

[12] الإقبال: 1/65؛ والمحدّث النوري، مستدرك الوسائل: 7/442، وانظر: بإضافة كلمة «يارحيم».

 [13]أنظر في كلّ ما تقدّم حول الغسل: الإقبال: 1/55؛ والكافي: 3/40.

[14]  المصدر؛ وانظر في استحباب الغسل في أول ليلة: الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/79؛ والشيخ المفيد، المقنعة: ص 51؛ وفي توقيته: الحر العاملي، الوسائل: 3/325.

[15] المجلسي، البحار: 88/384 نقلاً عن مصباح المتهجّد، ومكارم الأخلاق؛ وانظر: الشيخ المفيد، الأشراف: ص 29-30؛ والطبرسي، مكارم الأخلاق: ص 327.

[16]  الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 2/99.

[17]  الكليني، الكافي: 4/88، بتصرّف يسير.

[18] الإقبال: 1/45-46.

[19] الإقبال: 1/115.

[20] أنظر: الإقبال: 1/44، و63، و76، و110، و145-148.

[21] الإقبال: 1/116-118، مصحّحاً جزئيّاً على ما نقله عنه في البحار: 94/341-343؛ وانظر: الكليني، الكافي: 4/72.

[22] الإقبال: 1/118-119.

[23] الكفعمي (الشيخ ابراهيم، الوفاة حوالي 900 هج)، المصباح: ص 247 (ط: حجرية، مؤسسة الأعلمي، بيروت 1403هج، 1983م)؛ وانظر:المجلسي، البحار: 78/331؛ والمحدّث القمّي، مفاتيح الجنان، ومنازل الآخرة: ص 198، (ت: السيد ياسين الموسوي).

[24] الإقبال: 1/144، وفي هامشه: «1- رواه الصدوق في الهداية مرسلاً عن الصّادق عليه السلام، عنه البحار: 96/311، وليس فيه: (يا علّام)..».

[25] الإقبال: 1/198، وعنه: الحر العاملي، الوسائل: 8/41. وليُلاحظ أنّ هذه الصلاة لم تَرِد بعنوان صلاة اللّيلة الأولى، بل بعنوان «عند دخول شهر رمضان»، وقد نقلها السيد ابن طاوس عن كتاب ابن أبي قرة في «عمل أول يوم من شهر رمضان»، إلا أنّ السيّد -كما تقدّم في فقرة أدعية اللّيلة الأولى- يصرّح بأنّ أول الشهر هو أول ليلته الأولى، وعليه فيقتضي الاستظهار والاحتياط بأن يُؤتى بهذه الصلاة مرّتين، في اللّيلة الأولى وفي اليوم الأول، مع إمكان الاكتفاء بالإتيان بها في اللّيلة الأولى. والله العالم.

[26] الإقبال1/75.

[27] الحر العاملي، الوسائل: 8/38.

[28]  الإقبال: 1/41.

[29]  المحدّث القمّي، مفاتيح الجنان، في أعمال أوائل الشهور.

[30]  المجلسي، البحار: 36/105.

 [31] السيد ابن طاوس، الدروع الواقية: ص 42.

[32] «البِرسام -بالكسر- علّةٌ يُهذى فيها، نعوذ بالله منها، وهو ورمٌ حارّ يعرضُ للحجاب الذى بين الكبد والأمعاء ثم يتّصل إلى الدماغ. وقد بُرْسِمَ الرَّجل –بالضمّ- فهو مبرسِم». الزبيدي، تاج العروس: 8/199.

[33] السيد ابن طاوس، إقبال الأعمال: ج 1/ ص 193.

[34] الإقبال: 1/193-194.

[35]  السيّد ابن طاوس، الدّروع الواقية: ص 43.

[36]  السيّد ابن طاوس، الدّروع الواقية: ص 44-45.

 [37] السيّد ابن طاوس، الدّروع الواقية: ص 46.

[38]  السيّد ابن طاوس، الدّروع الواقية: ص 45، بتصرّف.

 [39]السيّد ابن طاوس، الدّروع الواقية: ص 43-46، بتصرّف يسير.

[40] تقدّم بيان ذلك في أعمال الثلاثين من شهر رجب، والمراد به باختصار أنّ لكلّ يوم من أيّام الأسبوع خفيراً وحامياً بإذن الله تعالى، فالسبت لرسول الله صلّى الله عليه وآله، والأحد للأمير عليه السلام، والاثنين للحسنَين عليهما السلام، والثلاثاء للثلاثة بعدهما، والأربعاء للأربعة بعدهم، والخميس للعسكري عليه السلام، والجمعة لصاحب العصر صلوات الله عليهم أجمعين، وينبغي استحضار الخفير على قاعدة: ﴿..وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ..﴾.

[41]  الإقبال: ج 1، ص 190-192، مصحّحاً على ما في (وظيفة الأنام) للأصفهاني: ص 22. 

[42] الإقبال: 1/79، قال السيّد حوله: «وتدعو عَقيب كلّ فريضة في شهر رمضان ليلاً كان أو نهاراً، فتقول..»؛ والكفعمي، المصباح: ص 630، قال: «ومن كتاب الفردوس، أنّه يُدعى بهذا الدعاء في كل يوم من شهر رمضان وهو..».

[43] المحدّث الشيخ عبّاس القمّي، مفاتيح الجنان، أعمال شهر رمضان العامّة، نقلاً عن الشيخ الكفعمي. أنظر: البلد الأمين: ص 222 (ط: بيروت، بدون مشخّصات) أدعية أيام شهر رمضان، والمصباح: ص 617 ( ط: مؤسسة الأعلمي، بيروت).

[44] المحدّث القمّي، مفاتيح الجنان؛ وانظر: الإقبال: 1/79.

[45] الكليني، الكافي: 4/74؛ والسيد ابن طاوس، الإقبال: 1/78؛ والحر العاملي، وسائل الشيعة: 10/325.

[46]  المحدّث القمّي، مفاتيح الجنان؛ وانظر الإقبال: 1/78-79؛ والكافي: 4/74.

[47]  نقلاً عن المفاتيح للمحدّث القمي؛ وانظر: الإقبال: 1/144؛ والكفعمي، البلد الأمين: ص 223.

[48] أي: واجعل شهر رمضان الذي أنا فيه أتمّ شهر رمضان عليّ نعمةً، وأعمَّه عافيةً. إلخ.

[49] أي: مع انقضاء بقيّة اليوم أو طلوع الفجر، أو خروج هذا الشهر.

[50] تُوقفَني.

[51] الغلول: الخيانة، ومنه -على رأي- السَّرقة من الغَنيمة في الحرب.

[52] نقضُ العهد و اليَمين.

[53] هكذا وردت العبارة أيضاً في (البحار)، والظّاهر أنّها الارتكان إلى الظّالم.

[54] الحُوْب بالضّمّ: الإثم.

[55] العورات هنا بمعنى الثغرات التي يُخشى دخول الضّرر من خلالها.

[56] لا تحمِّلنا إصراً: لا تكلِّفنا تكليفاً شاقّاً. والإصر: الذَّنْبُ والثِّقل.

[57] أَوبقَتْني: أَهلكَتْني.

[58] الأَزَل: الضِّيقُ والحَبس.

[59] أجِنَّني: اجعلني في جُنَّة، وهي الوقاية.

[60] وردتْ هذه العبارة في (الإقبال): «باسمِ المحمودِ غيرِ المحمود»، إلّا أنّها في (البحار) نقلاً عن (الإقبال): «غير المحدود»، وعلى فَرْض الأوّل فيُمكن أن يكون المعَنى: المستحقّ للحَمد ولا يحمدُه الخلْق. واللهُ العالم.

[61] في المصدر وفي (البحار) وقد نقل عنه: «والجِلْدُ بارِك»، وعلّقَ محقّق (البحار) باحتمال كَوْنه: «والجلدُ بارد»، أي قبلَ دبيبِ الحرارة التي هي علامةُ الموت، وهو محتمَلٌ كما يحتمَل «بارك»، أي لم يتحرّك وينطلق كما تبركُ الناقة.

[62] نشر الصّحف: المراد هنا نشرُها لتكتبَ فيها الملائكة الحسنات والسيّئات، وهو غير نشرِها يومَ القيامة للحساب.

[63]   الإقبال: 1:/119 – 137.

[64]  الحر العاملي، وسائل الشيعة: 10/325.

[65] الإقبال: 1/230؛ والكفعمي، البلد الأمين: ص 219، أدعية أيّام شهر رمضان، والمصباح: ص 612-613؛ والمجلسي، البحار: 95/4، عن الإقبال. ونظراً للاختلاف بين النُّسَخ المطبوعة من المصادر المذكورة آنفاً، فقد اعتمدتُ في إيراد أدعية الأيّام اللّفظ الذي أوردَه المحدّث القمّي في (مفاتيح الجنان)، وهو في دعاء اليوم الأول، مطابقٌ لما في (المصباح). 

[66] المحدّث النوري، مستدرك الوسائل: 5/123؛ والمجلسي، البحار: 73/189، كلاهما نقلاً عن: (مصباح الشريعة).

[67]  الكفعمي، البلد الأمين: ص 231.

[68]  الكفعمي، البلد الأمين: ص 231.

[69]  الكفعمي، البلد الأمين: ص 231.

[70]  الكفعمي، البلد الأمين: ص 232.

[71]  الكفعمي، البلد الأمين: ص 232.

[72] الإقبال: 1/239 - 240؛ والكفعمي، البلد الأمين: ص 231-232.

[73] الشيخ الطوسي، مصباح المتهجّد: ص 623 - 624.

[74] الشيخ الطوسي، مصباح المتهجّد: ص 623 - 624.

[75] الإقبال: 1/235 – 236، بتصرّفٍ في العبارات الأخيرة.

[76] الشيخ الطوسي، مصباح المتهجّد: ص 636.

[77] السيد اليزدي، العروة الوثقى: 2/149 – 150 (ط: جديدة).

[78] الإقبال: 1/138. وانظر: الكفعمي، البلد الأمين: ص 193 – 195، والمصباح: ص 579 -582.

[79] الشيخ الطوسي، مصباح المتهجّد: ص 577 - 581.

[80] السيد ابن طاوس، إقبال الأعمال: 1/111.

[81] الكفعمي، المصباح: ص 562 – 564، والبلد الأمين: ص 175، «صلوات شهر رمضان». وقال في المصدرَين: «وأمّا صلوات ليالي شهر رمضان، فنقلتُها من (كتاب الأربعين حديثاً) للشّهيد رحمَه الله، مرويّة عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم».

[82] الحر العاملي، وسائل الشيعة: 8/38.

[83] الكفعمي، المصباح: ص 563، الهامش، وقد ورد فيه: «ركعتَين بالحمد فيها والتوحيد ثلاثاً»، وإنّما عدَلت عنه لما في المتن لأنّه المراد وحذَر التشويش على مَن يختار هذه الصلاة، فليُلاحَظ.

[84] الشهيد الثاني، شرح اللّمعة الدمشقية: 1/693.

[85] المقصود بقوله عليه السلام: «الزيادة منها»: الألف ركعة، لأنّها زيادة على النوافل اليوميّة الرّاتبة.

[86] الإقبال: 1/52.

[87] الشيخ المفيد، المُقنِعة.

[88]  الكفعمي، المصباح: ص 579، الهامش، نقلاً عن السيد ابن طاوس. أنظر: الإقبال: 1/80.

[89] الحر العاملي، وسائل الشيعة: 8/38؛ والكفعمي، البلد الأمين: ص 175، والمصباح: ص 563.

[90] الشيخ المفيد، المقنعة: ص 316.

[91] الشيخ الطوسي، مصباح المتهجّد: ص 626، بتصرّف.

[92] الإقبال: 1/185.

[93] الإقبال: 1/186.

[94] الإقبال: 1/187.

[95] الإقبال: 1/189.

[96]- الإقبال: 1/69؛ وانظر: الكليني، الكافي: 4/66.

[97] - الإقبال: 1/69 - 70.

[98]- الإقبال: 1/69 - 70، مصحّحاً على نسخة دار الكتب الإسلامية، طهران 1367هجري شمسي ص 20، وليُلاحظ أنّ في العبارة مع ذلك خَلَلاً بحسب الظاهر، حاولتُ تلافيه بما بين المعقوفَتين.

[99]- أنظر في قصّة قوم إدريس عليه السلام: الطّباطبائي، تفسير الميزان: 14/66 – 68، وقصّة قوم يونس عليه السلام معروفة.

[100]- الحرّ العاملي، وسائل الشيعة: 8/38؛ والكفعمي، البلد الأمين: ص 175.

[101]- الكفعمي، المصباح: ص 563، الهامش.

[102] - الإقبال: 1/70 – 71، بتصرّف.

[103]- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 8/38؛ والكفعمي، البلد الأمين: ص 175.

[104]- الكفعمي، المصباح: ص 563، الهامش.

[105]- آية الله ملكي تبريزي، المراقبات: ص 95 (م.م)، بتصرّف يسير.

[106]- آية الله ملكي تبريزي، المراقبات: ص 98.

[107]- آية الله ملكي تبريزي، المراقبات: ص 99، بتصرّف.

[108]- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 8/38؛ والكفعمي، البلد الأمين: ص 175.

[109]- الكفعمي، المصباح: ص 563، الهامش.

[110]- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 8/38؛ والكفعمي، البلد الأمين: ص 175.

[111]- الكفعمي، المصباح: ص 563، الهامش.

[112]- المجلسي، البحار: 16/217، و14/384، بتصرّف.

[113]- الشيخ المفيد، مسارُّ الشيعة: ص 22.

[114]- الإقبال: 3/264 - 265.

[115]- المحدّث القمّي، مفاتيح الجنان، أدعية أيّام شهر رمضان؛ وانظر: الكفعمي، البلد الأمين: ص 219 – 220، واللّفظ للأوّل.

[116]- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 8/39؛ والكفعمي، البلد الأمين: ص 175، وفي الثاني: «بُني له قصرٌ من ذهب».

[117]- الكفعمي، المصباح: ص 563، الهامش.

[118]- الحرّ العاملي، وسائل الشيعة: 8/39؛ والكفعمي، البلد الأمين: ص 175.

[119]- الكفعمي، المصباح: ص 563، الهامش.

[120]- من مناجاة الشّاكِين للإمام السجّاد عليه السلام.

[121]- أنظر: الرّيشهري، ميزان الحكمة.

[122]- الحرّ العاملي، وسائل الشيعة: 8/38؛ والكفعمي، البلد الأمين: ص 175.

[123]  الكفعمي، المصباح: ص 563، الهامش.

[124]- الكفعمي، البلد الأمين: ص 231.

[125]- الكفعمي، البلد الأمين: ص 232.

[126]- الكفعمي، البلد الأمين: ص 231.

[127]- الكفعمي، البلد الأمين: ص 231.

[128]- الكفعمي، البلد الأمين: ص 231.

[129]- الكفعمي، البلد الأمين: ص 231.

[130]- الإقبال: 1/241، بتصرّف.

[131]- الإقبال: 1/242، بتصرّف.

[132]- الإقبال: 1/246، بتصرّف.

[133]- الإقبال: 1/246، بتصرّف؛ وانظر: المجلسي، البحار: 63/381، و95/15؛ والطبرسي، مكارم الأخلاق: ص 144؛ والمحدّث النوري، مستدرك الوسائل: 16/280، وقد ورد في الجميع بلفظٍ واحدٍ ومنه قوله: «تركتُه منه»، غير أنّ للذِّكر تتمّة، فليُلاحظ.

[134]- الحرّ العاملي، وسائل الشيعة: 8/38؛ والكفعمي، البلد الأمين: ص 175 - 176.

[135]- الكفعمي، المصباح: ص 563، الهامش.

[136]  انظر فيه وما بعده: الريشهري، ميزان الحكمة.

[137]  الحرّ العاملي، وسائل الشيعة: 8/39؛ والكفعمي، البلد الأمين: 176.

[138]  الكفعمي، المصباح: 563. الهامش.

[139]  السيد ابن طاوس، إقبال الأعمال: ج1/148

[140]  الإقبال: 1/153-154.

[141]  المراقبات: 137 (م.م).

[142]  الإقبال: 154.

[143]  المراقبات: 137-139 بتصرّفٍ يسير.

[144]  الحر العاملي، وسائل الشيعة: 8/39؛ والكفعمي، البلد الأمين: 176.

[145]  الكفعمي، المصباح: 563. الهامش.

[146]  المصدر. وانظر: الأحسائي، عوالي اللآلي 3/150؛ والحر العاملي، الفصول المهمة في أصول الأئمة: 2/175، وليس فيهما: «إن شاء»؛ والمجلسي، البحار: 96/20، واللفظ له.

2 الشيخ المفيد، مسارّ الشيعة: ص 22.

[148]  الحر العاملي، وسائل الشيعة: 8/39؛ والكفعمي، البلد الأمين: 176.

[149]  الكفعمي، المصباح: 563. الهامش.

[150]  أنظر:  الكليني، الكافي: 5/8؛ المحدث النوري، مستدرك الوسائل: 11/33؛ والقطب الراوندي، النوادر: 141-142. والمجلسي، البحار: 97/50 باختلاف  في «فيستفرغ» وفي كثير منها «فيستغرق».

[151]  المحدّث القمي، مفاتيح الجنان: الدعاء الرابع بعد دعاء كميل.

[152]  الكفعمي، البلد الأمين: 362-364.

[153]  الكفعمي، المصباح: 268-269، الهامش.

[154] الحر العاملي، وسائل الشيعة: 8/39؛ والكفعمي، البلد الأمين: 176.

[155] الكفعمي، المصباح: 563، الهامش.

اخبار مرتبطة

  كتاب شعائر 6 - القسم الرابع

كتاب شعائر 6 - القسم الرابع

  كتاب شعائر 6 - القسم الثالث

كتاب شعائر 6 - القسم الثالث

  كتاب شعائر 6 - القسم الثاني

كتاب شعائر 6 - القسم الثاني

نفحات