كتاب شعائر 6 - القسم الثالث

كتاب شعائر 6 - القسم الثالث

منذ 4 أيام

كتاب شعائر 6 - القسم الثالث

 

19

شهر رمضان

 

* العشر الأواخر

     * أعمالها الخاصّة

         * الاعتكاف

               * دعاء اليوم التاسع عشر

                       * صلاة الليلة العشرين

 

العشر الأواخر

لليالي العشر الأخيرة من شهر رمضان شخصيّة مميّزة ينبغي تقديم احترامٍ خاصٍّ لها يتجلّى بالاهتمام بها بما يتناسب مع كونها غاية الغاية ونقطة النهاية من القمّة التي بدأ السّير نحوها من أوّل ليلة من شهر رجب، ويتناسب أيضاً مع كونها قاعدة الانطلاق النموذجيّة نحو مدارج الكمال الإنساني، والتحليق في آفاق القرب التي لا تقع الجنّة إلّا محطّة في طريقها: ﴿..وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ التوبة: 72.

عن مولانا عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنّه قال: «لمّا كان أوّلُ ليلة من شهر رمضان قام رسول الله صلّى الله عليه وآله، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: أيّها النّاس، قد كفاكم الله عدوّكم من الجنّ والإنس، ووعدكم الإجابة وقال: ﴿..ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ..غافر:60. ألا وقد وكَّل الله سبحانه وتعالى بكلّ شيطانٍ مَريد سبعةً من الملائكة، فليس بمحلولٍ حتى ينقضيَ شهرُ رمضان، ألا وأبواب السماء مفتّحةٌ من أوّل ليلةٍ منه الى آخر ليلةٍ منه، ألا والدعاء فيه مقبول. حتّى إذا كان أوّل ليلة من العشر قام فحمد الله وأثنى عليه وقال مثل ذلك، ثمّ قام وشمّر وشدّ المئزر وبرز من بيته واعتكف وأحيا الليل كلّه، وكان يغتسل كلّ ليلة منه بين العشائين. فقلت: ما معنى شدّ المئزر؟ فقال: كان يعتزل النساء فيهنّ وفي رواية أخرى: انه ما كان يعتزلهنّ»[1].

وعن الإمام الصّادق عليه السلام: «كان رسول الله صلّى الله عليه وآله، إذا دخل العشر الأواخر شدّ المئزر، واجتنب النّساء، وأحيا اللّيل وتفرغ للعبادة»[2].

ولعلّ شدَّ المئزر كناية عن التشمير وبذل غاية الجهد[3].

وكان إذا دخلت العشر الأخيرة من شهر رمضان يطوى فراشه[4]. ولقد كان صلّى الله عليه وآله دائماً وفي كلّ الليالي المصداقَ الأوضح لقوله تعالى: ﴿كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ الذاريات:17، و﴿قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا المزمل:2، إلّا أنّه صلّى الله عليه وآله كان في الليالي العشر الأخيرة من شهر رمضان يترك النّوم نهائيّاً لأنّها آخر ضيافة الرحمن، فينبغي أن نتعاطى معها على هذا الأساس اقتداءً بمن جعله الله تعالى الأسوة الحسنة للخلق.

الأعمال الخاصّة للعشر الأواخر

وقد تناقلت الأجيال اهتمامه صلّى الله عليه وآله بأعمالٍ خاصّةٍ في هذه العشر الخاتمة للشهر، تكشف بمجموعها عن شخصيّتها المميّزة، كما أكّد الأئمّة من عترته الذين هم استمرارٌ له صلّى الله عليه وعليهم على أعمال خاصّة بها أيضاً، والمجموع كما يلي:

1- مجاورة سيّد الشهداء عليه السلام

قال السّيّد ابن طاوس: «ذكرُ ما نختار روايته من فضل المهاجرة إلى الحسين صلوات الله عليه في العشر الأواخر من شهر رمضان: روينا ذلك بأسنادنا ".." قال: سمعت الرضا عليّ بن موسى عليهما السلام يقول: عمرة في شهر رمضان تعدل حجّة، واعتكاف ليلة في شهر رمضان يعدل حجّة، واعتكاف ليلة في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله وعند قبره يعدل حجّة وعمرة، ومن زار الحسين عليه السلام يعتكف عنده العشر ".." الغوابر من شهر رمضان فكأنّما اعتكف عند قبر النبيّ صلّى الله عليه وآله، ومن اعتكف عند قبر رسول الله صلّى الله عليه وآله كان ذلك أفضل له من حجّة وعمرة بعد حجّة الإسلام. قال الرضا عليه السلام: وليحرصْ من زار الحسين عليه السلام في شهر رمضان ألاّ يفوتَه ليلة الجُهَنيّ عنده، وهي ليلة ثلاث وعشرين، فإنّها الليلة المرجوّة، قال: وأدنى الاعتكاف ساعة بين العشائين،

2- الغُسل في كلّ ليلة

تقدّم في عمل الليلة الأولى واليوم الأوّل تعداد الموارد التي يُستحبّ فيها الغسل، وأنّه مستحبٌّ في كلّ ليلة، ويضاف إلى ذلك أنّ استحباب الغسل في كلّ ليلة من العشر الأواخر قد ورد الحثّ عليه كعنوان مستقلّ.

عن أبي عبد الله (الإمام الصادق) عليه السلام قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يغتسل في شهر رمضان في العشر الأواخر في كلّ ليلة».[5]

الاعتـكاف

* تعـريفـه:

أ- هو اللّبث في مكان مخصوص للعبادة. [6]

ب- الاعتكاف في اللغة هو اللّبث المتطاول، وفي الشرع قُيِّد بالعبادة.[7] أي أنّه في الشرع اللّبث الطويل في مكان والإقامة فيه بنيّة العبادة. ولا يجوز الاعتكاف عند علمائنا أقلّ من ثلاثة أيّام بليلتين متواليات، خلافاً للعامّة كافّة، فإنّ الشافعي لم يقدّره بحدّ، بل جوَّز اعتكاف ساعة واحدة فأقلّ، وهو( منقول أيضاً) عن أحمد، وأبي حنيفة.[8]

وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا يكون الاعتكاف أقلّ من ثلاثة أيّام ومن اعتكف صام».[9]

وقد تقدّم استحباب كونه عشرة أيام اقتداءً برسول الله صلّى الله عليه وآله.

* حقيقتـُه

يمثّل الاعتكاف رفع وتيرة الصوم إلى أقصى الحدود الممكنة لكلّ صائم، وإتاحة الفرصة له لبلوغ أعلى الدرجات من خلال تهيئة أفضل مناخ أشدّ خصوصية ضمن المناخ الخاصّ أصلاً، الأمر الذي يجعل الاعتكاف نوعَ وقفٍ للنفس على طاعة الحقّ سبحانه ومجانبة الباطل، ودخولاً في دورة تدريبية طوعية ينحصر الانتساب إليها بالمشاركين في ضيافة الرحمن بالصوم، تهدف إلى نشر ثقافة «وقف النفس على الحق».

قال السّيّد ابن طاوس عليه الرحمة:

«واعلم أنّ كمال الاعتكاف هو إيقاف العقول والقلوب والجوارح على مجرّد العمل الصالح، وحبسها على باب الله جلّ جلاله ومقدّس إرادته، وتقييدها بقيود مراقباته، وصيانتها عمّا يصون الصائم كمال صونه عنه، ويزيد على احتياط الصائم في صومه زيادة معنى المراد من الاعتكاف، والالتزام بإقباله على الله وترك الإعراض عنه. فمتى أطلق المعتكف خاطراً لغير الله في طرق أنوار عقله وقلبه، أو استعمل جارحة في غير الطاعة لربّه، فإنّه يكون قد أفسد من حقيقة كمال الاعتكاف بقدر ما غفل أو هَوَّن به من كمال الأوصاف».[10]

وهكذا نكون مع خصائص الاعتكاف أمام مفصل تربويّ بالغ الأهمّية لمن أراد تزكية نفسه والمضيّ في مدارج الكمال الإنساني، يجب أن يحتلّ موقعه الطبيعي في حركة العمل الثقافي والتربوي، لتصبح المساجد الجامعة في شهر الله تعالى مراكز إعداد نوعيّ قد لا يكون مُتاحاً إلّا من خلال الاعتكاف.

إنّها أمنية برسم المعنيّين.

* فضلُه

قال السيّد: «الاعتكاف في هذه العشر الأواخر من شهر رمضان عظيمُ الفضل والرّجحان، مقدّم على غيره من الأزمان. وقد روينا بعدّة طرق عن الشيخ محمّد بن يعقوب الكُليني، وأبي جعفر محمّد بن بابويه، وجدّي أبي جعفر الطوسي قدّس الله أرواحهم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله كان يعتكف هذه العشرَ الأواخر من شهر رمضان».[11]

وقال الشيخ الطوسي: «الاعتكاف في العشر الأواخر من شهر رمضان مستحبٌّ مندوبٌ إليه فيه فضل كثير ".." ويحتاج إلى شروط ثلاثة: أحدها: أن يعتكف في أحد المساجد الأربعة: المسجد الحرام أو مسجد النبيّ صلّى الله عليه وآله أو مسجد الكوفة أو مسجد البصرة. والثاني: أن يصوم في زمان الاعتكاف. وثالثها: أن يكون ثلاثة أيّام فصاعداً. ويجب عليه أن يجتنب كلّما يجتنبُه المُحْرِم؛ من النساء، والطيب، والمماراة، والجدال. ويجب عليه أيضاً تركُ البيع والشراء والخروج عن المسجد إلّا لضرورة، والمشيِ تحت الظلال مع الاختيار، والقعودِ في غيره مع الاختيار، والصلاة في غير المسجد الذي اعتكف فيه إلّا بمكّة، فإنّه يصلّي كيف شاء وأين شاء، ومتى جامَع نهاراً لزمتْه كفّارتان، وإن جامع ليلاً لزمتْه كفّارة واحدة مثل ما يلزم من أفطر يوماً من شهر رمضان، وإذا مرض المعتكف أو حاضت المرأة خرَجا من المسجد، ثمّ يُعيدان الاعتكاف والصوم».[12]

وقال العلّامة الحلّي: «وقد أجمع المسلمون على استحبابه، لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله كان يعتكف في كلّ سنة، ويداوم عليه. وأفضل أوقاته العشر الأواخر من شهر رمضان. قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: اعتكاف عشر في شهر رمضان يعدل حجّتين وعمرتين. وداوَم على اعتكافها حتّى قبضه الله تعالى. فمن رغب إلى المحافظة على هذه السُنّة فينبغي أن يدخل المسجد قبل غروب الشمس يوم العشرين حتّى لا يفوته شئ من ليلة الحادي والعشرين».[13]

* مكانُـه

يُشترط أن يكون الاعتكاف في مسجد، والأفضل أن يكون المسجد الجامع، والأفضل منه في مسجدٍ صلّى فيه الجمعة نبيٌّ أو وصيّ.

قال العلّامة الحلّي: «وقد أجمع علماء الأمصار على اشتراط المسجد في الجملة، لقوله تعالى: ﴿..ولَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ.. البقرة: 187».[14]

«وقال ابن أبي عقيل "..": يصحّ الاعتكاف في كلّ مسجد. وقال: وأفضل الاعتكاف في المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلّى الله عليه وآله، ومسجد الكوفة، وسائر الأمصار مساجد الجماعات».[15]

* زمانـُه

عن أبي عبد الله (الإمام الصادق) عليه السلام قال: «اعتكف رسول الله صلّى الله عليه وآله في أوّل ما فرض شهر رمضان في العشر الأوَل، وفي السنة الثانية في العشر الأوسط، وفي السنة الثالثة في العشر الأواخر، فلم يزلْ يفعل ذلك حتّى مضى».[16]

قال الشيخ الطوسي: «وأفضل الأوقات للاعتكاف في العشر الأواخر من شهر رمضان».[17] وقد تقدّم ذلك عن العلّامة الحلّي أيضاً.

4- الأدعية الخاصّة

قال الشيخ الطوسيّ عليه الرحمة: «ونذكر الآن الدعاء المختصّ بالعشر الأواخر».[18] ثمّ أورد الأدعية التي ترِد في المصادر المختلفة، والهدف هنا التنبيه على أنّ ممّا يدلّ على وجود عنوان مستقلّ ومميّز هو العشر الأواخر، أنّ لهذه الليالي أدعية خاصّة بها.

وهذه الأدعية الخاصّة بالعشر الأواخر على قسمين:

ما يُدعى به في كلّ ليلة منها.

وما يُدعى به في ليلة واحدة منها.

وأكتفي هنا بذكر دعاءين يُدعى بهما في كلّ ليلة من العشر الأخيرة، وهما مرويّان عن الإمام الصادق عليه السلام.

1- عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «تقول في العشر الأواخر من شهر رمضان كلّ ليلة: أعوذ بجلال وجهك الكريم أن ينقضي عنّي شهر رمضان، أو يطلع الفجر من ليلتي هذه، وبقي لك عندي تبعةٌ أو ذنب تعذّبني عليه يوم ألقاك».[19]

وقد روي بدون كلمتي «يوم ألقاك»، كما روي مع إضافة.[20]

2- عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه كان يقول بعد الفرائض والنوافل: «أللهم أَدِّ عنّا حقّ ما مضى من شهر رمضان، واغفر لنا تقصيرنا فيه، وتسلّمه منّا مقبولاً، ولا تؤاخذنا بإسرافنا على أنفسنا، واجعلنا من المرحومين ولا تجعلنا من المحرومين. فمن قال ذلك غفر الله ما اجترح في ما مضى من شهر رمضان، وعصَمه في ما بقي».[21]

5- زيادة النوافل في العشر الأواخر

كما ينبغي أن يلحظ في السياق المتقدّم ارتفاع وتيرة النوافل في العشر الأواخر، ليبلغ عدد نوافلها نصف نوافل شهر رمضان، بالإضافة إلى احتضانها أفضل ليلتين من الليالي التي يُرجى التوفيق فيها لليلة القدر.

دعاء اليوم التاسع عشر

«اللهمّ وفِّر فيه حظّي من بركاته، وسهّل سبيلي إلى خَيْراته، ولا تحرمني قبول حسناته يا هادياً إلى الحقّ المبين».

لا يدرك المقيم في الظلمات مدى حرمانه والعمى، فإذا لاح له وميضُ نور، وبرَقَ له لامع من ضياء، طال منه الأنين وتواصل بثّ الشكوى والحنين.

تلك هي حال الداعي بعدما مضى من الشهر أكثره.

عمِيت عينٌ لا تراك عليها رقيباً ".." متى غبتَ حتى تحتاج إلى دليل.

ومتى خفيَ الحقّ المبين الصراح حتّى لا يُرى، ومتى اتّضح العمى والغيّ والضلال؟

إلهي لفرط ضلالي لا أرى الحقّ. إنّه الضلال البعيد. حالت بيني وبينك الحُجُب، ولا سبيل إلى العودة إلّا بتوفيرك حظّي من البركات، وتسهيلك سبيلي إلى الخيرات، وتوفيقي إلى الطاعات والحسنات. بك عرفتُك، وبك يمكنني أن أعود إليك وأصِل. يا هادياً إلى الحقّ المبين.

صلاة الليلة العشرين

1- حصّة هذه الليلة من الألف ركعة: هي آخر ليلة تُصلَّى فيها عشرون ركعة بالترتيب المتقدّم. وبدءًا من الليلة القادمة تُصبح صلوات الليالي عبارة عن ثلاثين ركعة.

2- عن رسول الله صلى الله عليه وآله: «ومن صلّى ليلة عشرين ثماني ركعات (بما تيسّر) غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر».[22]

3- قال الكفعمي: «ويستحبّ أن يصلّي في كلّ ليلة من شهر رمضان ركعتين بالحمد".." والتوحيد ثلاثاً، فإذا سلَّم قال: سبحان من هو حفيظٌ لا يَغفل، سبحان من هو رحيمٌ لا يعجل، سبحان من هو قائمٌ لا يسهو، سبحان من هو دائمٌ لا يلهو. ثمّ يقول التسبيحات الأربع سبعاً، ثمّ يقول: سبحانك سبحانك يا عظيم. إغفر لي الذنب العظيم. ثمّ تصلّي على النبيّ عشراً. من صلّاها غفر الله له سبعين ألف ذنب».[23]

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

20

 شهر رمضان

 

* في محراب عليّ عليه السلام

   * الغريب المظلوم

      * حبّ عليّ أو حبّ الدنيا

         * يا سِرَّ ليلة القدر

            * كيوم فقد المصطفى صلّى الله عليه وآله

              * فتـح مكّـة

                  * دعاء اليوم العشرين

                     * الليلة الحادية والعشرون

                        * فضيلتها

                           * الأعمـال الخاصّـة


 

في محراب عليّ عليه السلام

بين التاسع عشر والحادي والعشرين من شهر رمضان المبارك يومان كانت قلوب المؤمنين تنزف فيهما دماً قبل أن تتفطّر أسىً ولوعة، ويتفجّر فوّار لهيبها فجيعةً بشهادة سيّد الوصيين عليّ عليه السلام.

إلى سيّدنا ومولانا بقيّة الله في الأرَضين أُقدّم العزاء بذكرى شهادة جدّه المرتضى عليه السلام

من محراب أبي الحسن عليه السلام ينبغي الدخول إلى ليلة القدر، ومن محرابه نتذكّر فتح مكّة وكلّ جولات الإسلام الحاسمة ما بين بدر وحُنين، بل وما بين بدر والنّهروان.

وهل يُدرك أحدٌ ليلة القدر إذا لم يَدمِ قلبَه مصابُ شهيدها؟

وهل يمكن لأحد أن يكون ممّن ﴿..يَدْخُلُونَ فِي دِينِ الله أَفْوَاجًاً النصر:2، إذا لم يعِش الفجيعة بالمرتضى؟

بل هل يمكن لأحد أن يدّعي الإسلام إذا لم يخفق قلبه بحبّ علي؟

مصابٌ طالما أبكى المصطفى صلى الله عليه وآله، كيف أكون مقتدياً برسول الله إذا لم يُبكِني دماً؟

روي أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله التزم عليّاً (أي عانقه) وقبّل ما بين عينيه وقال: «بأبي الشهيد. بأبي الوحيد الشهيد».[24]

الغريب المظلوم

وهذه الليلة أيّها الموالون ذكرى غربة عليّ وذكرى شهادته. كان عليّ عليه السلام حاكماً يقود الجيوش وتحُفّ به الألوية، إلّا أنّه كان في الواقع غريباً غربة الحقّ بين أهل الباطل.

يقول ابن أبي الحديد: «وأعجب وأطرف ما جاء به الدهر -وإن كانت عجائبه وبدائعه جمّة- أن يُفضي أمرُ عليّ عليه السلام إلى أنّ يصير معاوية ندّاً له ونظيراً مماثلاً، يتعارضان الكتاب والجواب، ويتساويان في ما يواجه به أحدُهما صاحبه، ولا يقول له عليٌّ عليه السلام كلمة إلّا قال مثلها، وأخشن مَسّاً منها، فليْت محمّداً صلّى الله عليه وآله كان شاهد ذلك، ليرى عياناً لا خبراً أنّ الدعوة التي قام بها، وقاسى أعظم المشاقّ في تحمّلها، وكابد الأهوال في الذبّ عنها، وضرب بالسيوف عليها لتأييد دولتها، وشيّد أركانها، وملأ الآفاق بها، خلصت صفواً عفواً لأعدائه الذين كذّبوه، لمّا دعا إليها، وأخرجوه عن أوطانه لمّا حضّ عليها، وأدمَوا وجهه، وقتلوا عمّه وأهله، فكأنّه كان يسعى لهم ويدأب لراحتهم، كما قال أبو سفيان في أيّام عثمان، وقد مرّ بقبر حمزه، وضربه برجله، وقال: يا أبا عمارة! إنّ الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف أمسى في يد غلماننا اليوم يتلعّبون به! ثمّ آل الأمر إلى أن يفاخر معاوية عليّاً كما يتفاخر الأكفاء والنظراء».[25]

* وقد قال عليه السلام لابن عباس: «قُرِنتُ بابن آكلة الأكباد، وعمرو، وعقبة، والوليد، ومروان، وأتباعهم، فمتى اختلَج في صدري وأُلقيَ في روعي أنّ الأمر ينقاد إلى دنياً يكون هؤلاء فيها رؤوساً يطاعون..».[26]

* كما أوضح عليه السلام ما كان عليه الناس من حوله حين قال لأحد أصحابه: «والله لو أدخلت عليَّ عامّة شيعتي الذين بهم أقاتل، الذين أقَرّوا بطاعتي وسمّوني أمير المؤمنين واستحلُّوا جهاد مَن خالفني فحدّثتُهم ببعض ما أعلم من الحقّ في الكتاب الذي نزل به جبرئيل عليه السلام على محمّد صلى الله عليه وآله وسلّم، لتفرّقوا عنّي حتّى أبقى في عصابة من الحقّ قليلة..».[27]

* وروي عن المسيّب بن نَجَبَة أنّه قال: «بينا عليّ عليه السلام يخطب، إذ قام أعرابي وقال: وامظلمتاه (كان الإعرابي قد ظُلم من بعض الناس وأراد أن يشكو ظلامته إلى أمير المؤمنين عليه السلام) فاستدناه عليّ عليه السلام، فلمّا دنا قال: إنّما لك مظلمةٌ واحدة وأنا قد ظُلمتُ عدد المدَر والوبر».[28]

أيّها الموالي: ولكي تعيش بعض جوانب ظلامة الأمير عليه السلام، استعرِض مواقفه بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وآله، من بَدء البعثة فنُزول الآية المباركة ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَالشعراء:214، مروراً بالهجرة وبدر وإلى فتح مكّة، واستعرِض ما جرى له بعد رسول الله صلى الله عليه وآله.

قاتل عليه السلام آل أبي سفيان في حروبهم لاستئصال الإسلام، وقاتلهم وهم يدّعون أنّهم أحقّ بخلافة رسول الله صلّى الله عليه وآله منه، ولعنوه على منابر رسول الله مائة عام.

كان سلام الله عليه يحذو حذو رسول الله صلّى الله عليه وآله، وقد قاتل على التأويل كما قاتل على التنزيل، لا تأخذه في الله لومة لائم، قد وتر فيه صناديد العرب وقتل أبطالهم وناوش ذؤبانهم فأودَع قلوبهم أحقاداً بدرية وخيبرية وحنينية وغيرهم، فأضبّت على عداوته وأكبّت على منابذته حتّى قتل الناكثين والقاسطين والمارقين. كما ورد في دعاء النُدبة.

واستعرضْ أيّها الموالي ما جرى على أهل البيت بعد أمير المؤمنين عليه السلام، خصوصاً ما جرى في كربلاء من منع الماء عن أبي عبد الله حتّى عن طفله الرضيع، وسّبي زينب بنت أمير المؤمنين بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله.

استعرض ذلك لتعيش جوانب من تلك الظلامة، وتشارك رسول الله صلّى الله عليه وآله الحزن على مصاب أمير المؤمنين.

أوَلم يبكِ المصطفى الحبيب في آخر جمعة من شعبان عندما أورد خطبته المباركة حول شهر رمضان، وفي آخر الخطبة سأله أمير المؤمنين عليه السلام: «ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟ فقال صلّى الله عليه وآله: أفضل الأعمال الورع عن محارم الله، ثمّ بكى.. سأله أمير المؤمنين ما يبكيك؟ قال: يا عليّ! أبكي لما يُستحلّ منك في هذا الشهر، كأنّي بك وأنت تصلّي لربّك وقد انبعث أشقى الأوّلين والآخرين، شقيق عاقر ناقة ثمود، فيضربك ضربةً على قرنك تخضّب منها لحيتك».

حبّ عليّ أو حبّ الدنيا

في ذكرى شهادة أمير المؤمنين عليه السلام، ينبغي إذاً أن نشارك رسول الله صلّى الله عليه وآله تفجّعه، ولن تكون المشاركة حقيقيّة إلّا إذا حاولْنا أن نعرف سبب ظلامة أمير المؤمنين عليه السلام.

إنّه-أيها الأعزاء- حبّ الدنيا!

حبّ الدنيا هو الذي جعل معاوية وأضرابه يُقدمون على ما أقدموا عليه.

حبّ الدنيا هو الذي جعل أكثر الناس يتخاذلون عن عليّ، ثمّ الحسن ج وينصرون معاوية.

حبّ الدنيا هو الذي استنفر أهل الكوفة فوقفوا ضدّ الإمام الحسين عليه السلام.

روي عن عليّ عليه السلام: «كما أنّ الشمس والليل لا يجتمعان، كذلك حبّ الله وحبّ الدنيا لا يجتمعان».[29]

وبما أنّ حبّ عليّ فرْعُ حبّ رسول الله صلّى الله عليه وآله، وهو أيضاً فرع حبّ الله تعالى، فحبّ الدنيا وحبّ المصطفى لا يجتمعان، وحبّ الدنيا وحبّ عليّ لا يجتمعان.

لقد ادّعى التشيُّع لعليّ عليه السلام كثيرون، فسقطوا في الامتحان، وكشفتْهم الدنيا، وفضحهم حبُّها.

ماذا أخذ عليّ من الدنيا وكم نأخذ منها؟

«ليلةَ التاسع عشر من شهر رمضان قدّمت بنت أمير المؤمنين عليه السلام له طعام إفطاره: طَبقاً فيه قرصان من خبز الشعير، وقصعة فيها لبن وملح جريش (أي خشن)، فلمّا فرغ من صلاته أقبل على فطوره، فلمّا نظر إليه وتأمّله حرّك رأسه وبكى بكاءً شديداً عالياً وقال: ".." أتريدين أن يطول وقوفي غداً بين يدي الله عزَّ وجلّ يوم القيامة؟ أنا أريد أن أتّبع أخي وابن عمي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ما قُدِّم إليه إدامان في طبق واحد إلى أن قبضه الله، يا بُنيَّه: ما من رجل طاب مطعمه ومشربه وملبسه إلّا وطال وقوفه بين يدي الله عزَّ وجلّ يوم القيامة. يا بنيَّه إنّ الدنيا في حلالها حساب وفي حرامها عقاب».[30]

كان الناس مع معاوية لأنّهم كانوا مع حبّ الدنيا، فقد كانت مهمّة معاوية الشيطانية أن يعمل على تجذير حبّ الدنيا في قلوب الناس فيبعدهم عن حبّ الله تعالى ورسوله المصطفى صلّى الله عليه وآله ونفسه المرتضى وسائر أوليائه.

تفرّق الناس عن عليّ عليه السلام لأنّه كان يريد لهم أن يتجذّر إيمانُهم ويقوَى، فتتعزّز إنسانيّتهم.

وطريق الإيمان الذي هو الإنسانيّة الحقّ لا المدّعاة «كبيرة إلّا على الخاشعين».

كان عليٌّ عليه السلام –وما يزال- يريد للنّاس الجنّة، والفردوس وأعلى علّيّين، وكان معاوية يريد للنّاس النّار وأسفل سافلين.

والصعود رقيٌّ يستتبع الجهد والمراقبة وشدّ الانتباه والعزم، أمّا السقوط فهو التحلّل من ذلك كلّه.

كيف يمكنني أن أحزن على عليّ عليه السلام إذا كنت أحبّ الدّنيا؟

سيّدي يا أمير المؤمنين: لفرط اشتباكي بالدنيا أريد أن أجمع بين حبّك وحبّ الدنيا- وهو محال كالجمع بين الليل والنهار- آخذ من عليّ بعض ما أريد وآخذ من الدنيا كلّ ما أستطيع وأسمِّي ذلك بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان: ورعاً تارة، أو زهداً أو جهاداً! وأظلُّ مذبذباً لا مع أهل الدنيا في إقبالهم عليها ولا مع عليّ في طلاق الدنيا «غرّي غيري»، والانقطاع إلى الله تعالى.

يا سِرَّ ليلة القدر

سيّدي: في ليلة القدر يا سرَّها، سائل أنا وقف ببابك وهو باب المصطفى وباب الله تعالى، لا أريد شيئاً؛ لا مالاً، ولا حطاماً. أريد رضاك.

أعلم سيّدي أنّي سائل مثقِلٌ مِلحاح، أستحقّ الطرد، ولكنّي أعلم أنّك لا تطرد سائلاً توجّه بك إلى الله تعالى «من الذنوب هارباً»، خصوصاً في ليلة القدر التي جعلها الله تعالى رحمة لعباده، ليرجع الآبقون ويهتدي الضالّون.

***

يا إلهي وإله العالمين، اللهم لو وجدتُ أقربَ إليك من محمّد المصطفى وأهل بيته الأطهار صلواتك عليه وعليهم لتوسَّلت إليك بهم، اللهم إنّي أسألك بلوعة نبيك المصطفى لشهادة أمير المؤمنين عليه السلام إلّا ما وفّقتنا لليلة القدر.

اللهم إنّي أسألك بحرمة أمير المؤمنين عليه السلام إلّا ما منَنتَ علينا بعتق رقابنا من النار.

كيوم فقْد المصطفى صلّى الله عليه وآله

أيّها المؤمنون: عظّم الله أجوركم.

في مثل هذه الليلة، جمع أمير المؤمنين عليه السلام أولاده وأهل بيته وودّعهم، وكان ممّا قاله لهم:

يا أبا محمّد ويا أبا عبدالله! كأنّي بكما وقد خرجتْ عليكما من بعدي الفتن من ههنا، فاصبرا حتّى يحكم الله وهو خير الحاكمين. ثمّ قال: يا أبا عبد الله أنت شهيد هذه الأمّة، فعليك بتقوى الله والصبر على بلائه. ثمّ أغمي عليه ساعة، وأفاق وقال:

هذا رسول الله صلّى الله عليه وآله، وعمّي حمزة وأخي جعفر، وأصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله، وكلّهم يقولون: عجِّل قدومك علينا فإنّا إليك مشتاقون.

ثمّ أدار عينيه في أهل بيته كلّهم وقال: أستودعكم الله الله جميعاً، سدّدكم الله جميعاً، حفظكم الله جميعاً، خليفتي عليكمُ الله، وكفى بالله خليفة.

ثمّ قال: وعليكم السلام يا رُسل ربي.

ثمّ قال: لمثل هذا فليعمل العاملون. إنّ الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.

وعرق جبينه وهو يذكر الله كثيراً، وما زال يذكر الله كثيراً ويتشهّد الشهادتين.

ثمّ استقبل القبلة وغمّض عينيه ومدّ رجليه ويديه وقال: أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله. ثمّ التحق بجوار الله تعالى.

وارتفعت الصيّحة، وارتجّت الكوفة بأهلها، وكثر البكاء والنحيب والعجيج، وكان يوماً كيوم فقْد رسول الله صلّى الله عليه وآله.

وعلى القبر الشريف وقف صعصعة بنُ صَوحان العبدي ينوء بثقل الفجيعة، وثقلِ همّ غربة المؤمنين بعد أميرهم. وضع صعصعة إحدى يديه على فؤاده، والأخرى قد أخذ بها التّراب يضرب به على رأسه وهو يقول:

بأبي أنت وأمّي يا أمير المؤمنين، ثمّ قال:

هنيئاً لك يا أبا الحسن، فلقد طاب مولدُك وقَوِيَ صبرُك وعظُم جهادك، ".." وربحَتْ تجارتُك، وقدِمت على خالقك، فتلقّاك الله ببشارته، وحفّتْك ملائكتُه، ".." فأكرمك الله بجواره، ولحقتَ بدرجة أخيك المصطفى، وشربت بكأسه الأوفى، فاسأل الله أن يمنّ علينا باقتفائنا أثرك والعمل بسيرتك، والموالاة لأوليائك، والمعاداة لأعدائك، وأن يحشرنا في زمرة أوليائك، فقد نلت ما لم يَنلْه أحد، وأدركت ما لم يدْركه أحد، وجاهدت في سبيل ربّك بين يدي أخيك المصطفى حقّ جهاده، وقمتَ بدين الله حق القيام، حتى أقمت السنن، وأَبَرْتَ الفِتن، واستقام الإسلام، وانتظم الإيمان، فعليك منّي أفضل الصلاة والسلام، ".." سبقتَ إلى إجابة النبي صلى الله عليه وآله مقْدِماً مؤْثراً، وسارعتَ إلى نُصرته، ووَقَيْتَه بنفسك، ورميْت سيفك ذا الفقار في مواطن الخوْف والحذر، قصم الله بك [كلّ جبّار عنيد، وأذلّ بك] كلّ ذي بأس شديد، وهدم بك حصون أهل الشرك والكفر والعدوان والردى، وقتل بك أهل الضلال من العدى، فهنيئاً لك يا أمير المؤمنين، كنتَ أقرب الناس من رسول الله صلى الله عليه وآله قرباً، وأوّلهم سِلماً، وأكثرهم علماً وفهماً، فهنيئا لك يا أبا الحسن ".." فوالله لقد كانت حياتك مفاتح للخير ومغالق للشرّ، وإنّ يومك هذا مفتاح كلّ شر ومغلاق كلّ خير ".." ثمّ بكى بكاء شديداً وأبكى كلّ من كان معه.[31]

سلام عليك سيّدي يا صاحب العصر والزمان، وعظّم الله لك الأجر. وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

فتـْح مكّـة

قال الشيخ المفيد: «وفي العشرين منه سنة ثمان من الهجرة كان فتح مكّة، وهو يوم عيدٍ لأهل الإسلام، ومسرّةٍ بنصر الله تعالى نبيّه عليه السلام، وإنجازه له ما وعده، والإبانة عن حقّه، وبإبطال (الأصنام)».[32]

دعاء اليوم العشرين

«اللّهمّ افتح لي فيه أبواب الجنان، وأغلِق عنّي فيه أبواب النيران، ووفّقني فيه لتلاوة القرآن. يا منزل السّكينة في قلوب المؤمنين».

إلهي، في هذا اليوم وعلى مشارف هذه الليلة التي كَتبْتَ فيها على نفسك رحمة لا توصف، افتح لي أبواب الجنان ووفّقني للعمل الذي تُغلق به عنّي أبواب النيران، واجعلني من أوليائك الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وارزقني بتلاوة كتابك يقيناً تثبت به هذا الفؤاد الهلوع. يا منْزل السكينة في قلوب المؤمنين.

الليلة الحادية والعشرون

1- فضيلتها

وهي أفضل من كلّ ما تقدم الحثّ عليه من الليالي، ولا يفُوقها في الفضل إلّا ليلة الجُهَني، الليلة الثالثة والعشرون.

قال السيّد: «وليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان بلا خلاف، وهي ليلة الإفراد بلا خلاف. وقال أصحابنا: هي إحدى الليلتين: إمّا ليلة إحدى وعشرين أو ثلاثٍ عشرين».[33]

وقد مرّ في عمل الليلة التاسعة عشرة قوله: «ولعمري إنّ الأخبار واردة ومؤكَّدة في ليلة إحدى وعشرين منه أكثر من ليلة تسع عشرة، وفي ليلة ثلاث وعشرين أكثر من ليلة تسع عشرة ومن ليلة إحدى وعشرين».[34]

كما تحدّث في مكان آخر حول الروايات التي تحثّ على الاهتمام بليالي القدر الثلاث، فبيّن أنّ لكلّ ليلة منها مرتبةً من الأهميّة والفضيلة مستقلّةً عمّا سواها، وهو ما يحتّم الاهتمام بالجميع. قال رحمه الله:

«وقد كنت أجد الروايات متظاهراتٍ بتعظيم هذه الثلاث ليال المفردات: ليلة تسع عشرة وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين، فربّما اعتقدت أنّ تعظيمها لمجرد احتمال أن تكون واحدة منها ليلة القدر، ثمّ وجدت في الأخبار أنّ كلّ ليلة من هذه الثلاث ليال المذكورة فيها أسرارٌ لله جل جلاله وفوائد لعباده مذخورة، فمن ذلك ما رويتُه ".." عن زرارة قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: التقدير في ليلة تسع عشرة، والإبرام في ليلة إحدى وعشرين، والإمضاء في ليلة ثلاث وعشرين. ".." وقال الصادق عليه السلام: في ليلة تسع عشرة من شهر رمضان التقدير، وفي ليلة إحدى وعشرين القضاء، وفي ليلة ثلاث وعشرين إبرام ما يكون في السنة إلى مثلها، ولله عزّ وجلّ أن يفعل ما يشاء في خلقه».[35]

٢- الإسراء. رفعُ عيسى. قبضُ موسى، ووصيِّه، وسيّد الأوصياء

قال الشيخ المفيد: «وفي ليلة إحدى وعشرين منه كان الإسراء برسول الله صلّى الله عليه وآله، وفيها رفع الله عيسى بن مريم عليهما السلام، وفيها قُبض موسى بن عمران عليه السلام، وفي مثلها قُبض وصيّه يوشع بن نون عليه السلام، وفيها كانت وفاة أمير المؤمنين عليه السلام سنة أربعين من الهجرة وله يومئذٍ ثلاث وستّون سنة، وفيها كانت وفاة أمير المؤمنين عليه السلام سنة أربعين من الهجرة وله يومئذٍ ثلاث وستّون سنة، وهي الليلة التي يتجدّد فيها أحزان آل محمّد عليهم السلام وأشياعهم».[36]

وقد روي أنّ الإمام الباقر عليه السلام كان في الليلة الحادية والعشرين يدعو حتّى منتصف الليل ثمّ يبدأ بالصلاة.[37]

كما روي عن الإمام الصادق عليه السلام إحياؤها بالعبادة، قال الراوي:

«دخلتُ على أبي عبد الله عليه السلام ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان، فقال لي: يا حَمّاد اغتسلت؟ قلت: نعم جُعلت فداك، فدعا بحصير، ثمّ قال: إلى لِزْقي فصلِّ. فلم يزل يصلّي وأنا أصلّي إلى لِزْقه حتّى فرغنا من جميع صلاتنا، ثمّ أخذ يدعو وأنا أؤمّن على دعائه إلى أن اعترض الفجر، فأذّن وأقام ودعا بعض غلمانه، فقمنا خلفه فتقدّم وصلّى بنا الغداة، فقرأ بفاتحة الكتاب وإنّا أنزلناه في ليلة القدر في الأولى، وفي الركعة الثانية بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد. فلمّا فرغنا من التسبيح والتحميد والتقديس والثناء على الله تعالى، والصلاة على رسوله صلى الله عليه وآله، والدعاء لجميع المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأوّلين والآخرين، خرّ ساجداً ولا أسمع منه إلّا النفَس ساعةً طويلة، ثمّ سمعتُه يقول: لا إله إلّا أنت مقلّبُ القلوب والأبصار، لا إله إلّا أنت خالقُ الخلق بلا حاجةٍ فيك إليهم».[38]

3- الأعمـال الخاصـّة

الأعمال الخاصّة بالليلة الحادية والعشرين، هي:

1- الغسل

أورد الشيخ الكليني عن الإمام الصادق عليه السلام في حديث: «وغُسل ليلة إحدى وعشرين، وغسل ليلة ثلاث وعشرين سنّةٌ لا تتركهما، فإنّه يُرجى في إحداهنّ ليلة القدر».[39]

وعن الإمام الرضا عليه السلام في معرض حديثه عن جانب من سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله في شهر رمضان: «فلمّا كان ليلة إحدى وعشرين اغتسل حين غابت الشمس، وفَعل فيها مثل ما فعل في ليلة تسع عشرة».[40]

وقال الشيخ المفيد: «والغسل فيها كالذي ذكرته ".." ليلة تسعة عشر حسب ما قدّمناه».[41]

2- الإكثار من الصلاة على محمّد وآله صلّى الله عليه وآله.

أورد الشيخ المفيد في (مسارِّ الشيعة) في عداد أعمال الليلة «الإكثار من الصلاة على محمّد وآل محمد عليهم السلام».[42]

وسيأتي في كلامه حول صلاة المائة ركعة قوله:

«تفصل بين كلّ ركعتين بالإكثار من الصلاة على رسول الله صلّى الله عليه وآله، وأمير المؤمنين والأئمّة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين».

3- لعنُ قتَلة أمير المؤمنين عليه السلام.

قال الشيخ المفيد: «وتُكثر من الابتهال إلى الله تعالى في تعذيب قتلة أمير المؤمنين عليه السلام وذرّيّته الراشدين عليهم السلام، واللّعنة لهم بأسمائهم، ومن أسّس لهم ذلك، وفتح لهم فيه الأبواب، وسهّل الطُرُق، ومن اتّبعهم على ذلك من سائر العالمين، وتجتهد في الدعاء لنفسك، ولوالديك، ولإخوانك من المؤمنين».[43]

«والاجتهاد في الدعاء على ظالميهم، ومواصلة اللّعنة على قاتلي أمير المومنين عليه السلام، ومن (سهّل الطرق وأعان) على ذلك وسبّبه، ".." ورضيَه من سائر الناس».[44]

4- الصلوات

أ- صلاة مائة ركعة

قال الشيخ المفيد في (المُقنِعة): «فإذا كانت ليلة إحدى وعشرين، وهى الليلة التى قُبض فيها أمير المؤمنين عليه السلام اغتسلْتَ قبل مغيب الشمس كما صنعْتَ ليلة تسع عشرة، وصلّيتَ بعد العشاء الآخرة مائة ركعة، تقرأ فيها بإحدى السورتين المقدّم ذكرهما (الإخلاص أو القدر) تفصل بين كلّ ركعتين بالإكثار من الصلاة على رسول الله صلّى الله عليه وآله، وأمير المؤمنين والائّمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين».[45]

وقال السيّد في بيان نوافل شهر رمضان:

«وفي العشر الأواخر( تصلّي) ثلاثين ركعة في كلّ ليلة، في كلّ ركعة عشر مرات: قل هو الله أحد، فإن لم يكن فمرّة، إلّا في ليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين، فإنّ فيهما مائة ركعة في كلّ ركعة بعد فاتحة الكتاب عشر مرات قل هو الله أحد».[46]

ب - حصّة هذه الليلة من الألف ركعة: وهي ثلاثون ركعة، ثمان منها أو اثنتا عشرة بعد المغرب والباقي بعد العشاء، بالحمد مرّة والتوحيد مرّة أو ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو عشراً كما تقدّم.

ج- عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ومن صلّى ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان ثماني ركعات (بما تيسر) فُتحت له سبعُ سماوات واستُجيب له الدعاء، مع ما له عند الله من المزيد».[47]

3- قال الكفعمي: «ويستحبّ أن يصلّي في كلّ ليلة من شهر رمضان ركعتين بالحمد".." والتوحيد ثلاثاً، فإذا سلَّم قال: سبحان من هو حفيظٌ لا يَغفل، سبحان من هو رحيمٌ لا يعجل، سبحان من هو قائمٌ لا يسهو، سبحان من هو دائمٌ لا يلهو. ثمّ يقول التسبيحات الأربع سبعاً، ثمّ يقول: سبحانك سبحانك يا عظيم. إغفر لي الذنب العظيم. ثمّ تصلّي على النبيّ عشراً. من صلّاها غفر الله له سبعين ألف ذنب».[48]

في الختام يجدر التأكيد على أهمّية أيّام القدر، وأنّه ينبغي الإنشغال فيها بالعبادة، فقد روي أنّ يوم القدر مثل ليلته.

 

21

شهر رمضان

 

* أدعية العشر الأواخر

   * أن تجعل اسمي في السّعداء

      * دعاء اليوم الحادي والعشرين

           * صلاة الليلة الثانية والعشرين

 

أدعية العشر الأواخر

تقدّم أن للأيام العشر الأخيرة من شهر رمضان المبارك أهمّية خاصّة، فهي ذروة ضيافة الله تعالى بدليل احتضانها ليلة القدر وليلة الفطر التي لا تقلّ أهميةً عن ليلة القدر، وقد ورد الحثّ على الجِدّ في العبادة في العشر الأواخر اقتداءً برسول الله، فقد كان صلّى الله عليه وآله يطوي فراشه فلا ينام في ليالي هذه الأيّام، حتّى تلك الفترة القليلة التي كان ينامها في سائر الليالي.

وقد وردت أدعيةٌ خاصّة لهذه اللّيالي العشر تكشف ما ينبغي أن نركّز عليه في الدّعاء طيلة هذه الأيّام والليالي.[49]

وترِد في هذه الأدعية جميعاً فقرة تأتي ختاماً لدعاء كلّ ليلة، وهذه الفقرة مسبوقة في الأدعية كلّها بأسماء لله تعالى وصفات تختلف من ليلة إلى ليلة، والفقرة المشتركة هي كما يلي:

«أسألك أن تصلّيَ على محمّدٍ وآل محمّد وأن تجعل اسمي في هذه الليلة في السعداء، وروحي مع الشهداء، وإحساني في علّيين، وإساءتي مغفورة، وأن تهَبَ لي يقيناً تُباشر به قلبي، وإيماناً يُذهب الشكّ عني، وترضّني بما قسمت لي، وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار الحريق، وارزقني فيها ذكرك وشكرك والرغبة إليك، والإنابة والتوفيق لما وفّقتَ له محمداً وآل محمد عليه وعليهم السلام».

ومن الواضح أنّ اشتراك جميع أدعية الليالي العشر الأخيرة من شهر رمضان المبارك في هذه الفقرة يكشف عن أهميّة مضامينها، لذلك ينبغي التدبّر فيها جيداً. (للمزيد، يراجع أصل هذا الكتاب).

دعاء اليوم الحادي والعشرين

أللهم اجعل لي فيه إلى مرضاتك دليلاً، ولا تجعل للشيطان عليّ فيه سبيلاً، واجعل الجنّة لي منزلاً ومَقيلاً. يا قاضيَ حوائج الطالبين.

إلهي هل يهتدي الضّالّ في صحراء قلبه إلى واضح الطريق بدون دليل؟

كلّ ما في هذا القلب هوى النفس والضّلال، ولا هدىً إلّا في ما يُرضيك.

يا دليل المتحيّرين خذ بيدي، واجعل لي إلى مرضاتك دليلاً، وأدخلني في عبادك المخلَصين الذين ليس للشيطان عليهم سلطان، لأصلَ إلى دار القرار، يا نعمَ المولى يا قاضي حوائج الطالبين.

صلاة الليلة الثانية والعشرين

1- حصّة هذه الليلة من الألف ركعة: هي ثلاثون ركعة، ثمانٍ منها أو اثنتا عشرة بعد المغرب والباقي بعد العشاء، بالحمد مرّة والتوحيد مرّة أو ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو عشراً كما تقدّم.

2- عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ومن صلّى ليلة اثنتين وعشرين من شهر رمضان ثماني ركعات (بما تيسر) فُتحت له ثمانية أبواب الجنّة يدخل من أيّها شاء».[50]

3- قال الكفعمي: «ويستحبّ أن يصلّي في كلّ ليلة من شهر رمضان ركعتين بالحمد".." والتوحيد ثلاثاً، فإذا سلَّم قال: سبحان من هو حفيظ لا يَغفل، سبحان من هو رحيمٌ لا يعجل، سبحان من هو قائمٌ لا يسهو، سبحان من هو دائمٌ لا يلهو. ثمّ يقول التسبيحات الأربع سبعاً، ثمّ يقول: سبحانك سبحانك يا عظيم. إغفر لي الذنب العظيم. ثمّ تصلي على النبيّ عشراً. من صلّاها غفر الله له سبعين ألف ذنب».[51]

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

       

22

شهر رمضان

* دعاء اليوم الثاني والعشرين

       * ليلة الجُهَني

           * الروايات ورأي العلماء

               * معنى القـدْر

                     * ليلـة صـاحب الأمـر

                           * علامات ليلة القدر

                               * أعمال الليلة الثالثة والعشرين

 

دعاء اليوم الثّاني والعشرين

أللهمّ افتح لي فيه أبواب فضلك، وأنزِلْ عليّ فيه أبواب بركاتك، ووفّقني فيه لموجبات مرضاتك وأسكنّي فيه بحبوحات جنّاتك يا مجيب دعوة المضطرين.

بديهيٌّ أن يكون من مهامّ هذا الدعاء الإعداد لليلة القدر، وفي ظلاله يقرأ القلب:

إلهي، إذا أسفر الصبح من ليلة القدر ولم يكن اسمي في ديوان السعداء فأيَّ باب أطرق وإلى من أتوجه؟ ما أظنّك يا أرحم الراحمين تردّني في حاجة أفنيت عمري في طلبها. ما هكذا الظن بك ولا المعروف من فضلك. لا أسألك اتّكالاً على عملي وإنما أقف بأبواب فضلك اتّكالاً عليك. وحقٌّ لمن أحسن بك ظناً أن يطمع بعِلّيّين ومرافقة النبيّين إنك نِعمَ المولى وإن كنتُ بئس العبد.

من لي غيرك أسأله كشف ضرّي والنظر في أمري يا مجيب دعوة المضطرين.

ليلة الجُهَني

ها نحن على مشارف اللّيلة الثالثة والعشرين.

إنّها أفضل ليالي القدر على الإطلاق.

ويجدُ المتأمّل في الروايات أنّها تقرن الحديث عن الليلتين السابقتين بالحديث عن امتياز هذه الليلة، فهناك حرمة وفضيلة للّيلة التاسعة عشرة إلّا أنّ حُرمة الليلة الحادية والعشرين أكبر وفضيلتها أكثر، ولكنّها رغم ذلك دون فضيلة الليلة الثالثة والعشرين، التي تقع في المرتبة الأولى، بل هي ليلة القدر على الإطلاق، وإن كان لسابقتَيها ولليلة النصف من شعبان مدخليّة في التقدير، فذلك مرتبط بهذه الليلة ومتفرعٌ عليها.

وقد حظِيَتْ هذه الليلة من رسول الله صلّى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام بعناية لم تحظَ بها أيّ ليلة على الإطلاق، فقد روي عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله كان ".." يوقظ أهله ليلة ثلاث وعشرين، وكان يرشّ وجوه النيام بالماء في تلك الليلة، وكانت فاطمة عليها السلام، لا تدَعْ أحداً من أهلها ينام تلك الليلة، وتُداويهم بقلّة الطعام، وتتأهّب لها من النهار، وتقول: محرومٌ من حُرِم خيرها».[52]

إنّها ليلة الجُهَني. بهذا الاسم عُرِفت عبر القرون وما تزال، تمييزاً لها عمّا سواها، وشدّاً للانتباه لاستثمار كلّ لحظة من لحظاتها العظيمة.

ما معنى «الجُهَنيّ»؟

كان بالقرب من المدينة مسلمٌ من قبيلة جُهَينة، وكانت له إبلٌ وأغنام لا يستطيع أن يتركها ليدخل إلى المدينة المنوّرة ثلاث مرّات لإحياء ليالي القدر، فسأل رسول الله صلّى الله عليه وآله في محضر من المسلمين أن يحدّد له ليلة يدخل المدينة فيها لإحيائها بالتهجّد والعبادة، فأسرّ إليه المصطفى صلّى الله عليه وآله الجواب. والنتيجة أنّ الحاضرين قد سمعوا السؤال ولم يسمعوا الجواب، إلّا أن هذا الجُهَنيّ -وهي النسبة إلى قبيلته جُهينة- كان يشاهَد في ما بعد يدخل إلى المدينة في الليلة الثالثة والعشرين من شهر رمضان المبارك، وقد ربط المسلمون بين السؤال وما التزم به الجُهَنيّ، فسُمّيت هذه الليلة بليلة الجُهَنيّ.

* ملاحظات

1- اسم الجُهَنيّ: «عبد الرحمن بن أنيس الأنصاري».[53]

2- خبر الجُهَنيّ مرويّ عن الإمام الباقر عليه السلام، قال الراوي:

«سمعتُ أبا جعفر عليه السلام يقول: إنّ الجُهَنيّ أتى إلى رسول صلّى الله عليه وآله فقال له: يا رسول الله إنّ لي إبلاً وغنماً وغلمة، فأحبّ أن تأمرني ليلة أدخل فيها فأشهد الصلاة، وذلك في شهر رمضان، فدعاه رسول الله صلّى الله عليه وآله فسارّه في أذنه. قال: فكان الجُهَنيّ إذا كانت ليلة ثلاث وعشرين دخل بإبله وغنمه وأهله وولده وغلمته، فكان تلك الليلة ليلة ثلاث وعشرين بالمدينة، فإذا أصبح خرج بأهله وغنمه وإبله إلى مكانه».[54]

3- قال الشيخ الطوسي: «وإنّما لم تُعَيّن هذه الليلة ليتوفّر العباد على العمل في سائر الليالي».[55]

فلْنغتنم أيّها العزيز كلّ لحظة يمكننا استثمارها من ليلة الجُهَنيّ.

معنى القـدْر

قال الشيخ الطوسي: والقدْرُ كون الشيء على مساواة غيره من غير زيادة ولا نقصان، وليلة القدر هي:

1-  الليلة التي يحكم الله فيها ويقضي بما يكون في السنة بأجمعها من كلّ أمر ".." يقال: قدر الله  هذا الأمر يقدره قدراً إذا جعله على مقدار ما تدعو إليه الحكمة.

2- وقيل: فسّر الله تعالى ليلة القدر بقوله: ﴿فيها يُفرَقُ كلُّ أمْرٍ حكيمٍ الدخان:4.

3- وقيل: سُمّيت ليلة القدر لعظم شأنها وجلالة موقعها، من قولهم: فلانٌ له قدر. والأوّل أظهر.

ففي ليلة القدر تُحدَّد الأمور على مقاديرها (التي) جعلها الله في الآجال والأرزاق، والمواهب التي يجعلها الله للعباد. ويقع فيها غفران السيئات ويعظُم منزلة الحسنات على ما لا يقع في ليلة من الليالي».[56]

ومن الواضح أنّ مراد الشيخ رضوان الله تعالى عليه من «المساواة» ما فسّره بقوله: «ما تدعو إليه الحكمة». وهو يعني أنّ التساوي يقع بين المقدّمات والنتائج وفق موازين الرحمة والعدل، فيُعطَى كلُّ شخصٍ وكلّ جماعةٍ وكلّ مخلوقٍ عموماً، ما ينسجم مع هذه الموازين الإلهيّة، حتّى إذا لم تتحقّق به المساواة بين الناس أو بين المخلوقات، بمعنى أن يأخذ الجميع حصّة واحدة متساوية.

ليلة القدر إذاً، هي ليلة القانون الإلهيّ الذي يحكم الوجود كلّه، على قاعدة الإمهال.

ليلة صاحب الأمر

الحقيقة الصُّراح التي يجب عقدُ القلب عليها أنّ شهر رمضان هو شهر القرآن الكريم، وليلة القدر ليلة نزول القرآن، وليلة حاكمية الرحمن، ولذلك فهي ليلة رسول الله صلّى الله عليه وآله بما هو سيّد الرسل والمهيمن على كل ماجاؤوا به، وصاحب الأمر ورائد مشروع هداية البشرية إلى الحقّ وإنقاذها من براثن الجهل والشرك، وبما هو صلّى الله عليه وآله مركز كلّ أمر نزل من الله تعالى وينزل من بدء الخلق إلى ما بعد الجنة ونعيمها من رضوان الله تعالى، وبعد النار وجحيمها من عذاب الله تعالى للمستحقّين.

وحيث إنّ المصطفى صلّى الله عليه وآله قطب رحى ذلك كلّه، فَلَيلةُ القدر ليلته وليلة وصيّه الذي هو استمراره صلّى الله عليه وآله.

ومن غرائب الغفلة، أنّنا نعرف أنّ ليلة القدر ﴿تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربّهم من كل أمر القدر:4، ونعرف أنّ إمام زماننا بل إمام كلّ زمان يُطلق عليه اسم «صاحب الأمر» ولا نربط بين المعلومتين اللتين هما وجهان لحقيقة واحدة، فالأمر الذي ينزل هو نفسه الأمر الذي يُعتبر إمام الزمان صاحبه بإذن الله تعالى. والروايات المصرّحة بذلك كثيرة، منها:

1- عن أبي عبد الله (الصادق) عليه السلام قال: «ليس شيءٌ يخرج من عند الله عزّ وجلّ حتّى يبدأ برسول الله صلّى الله عليه وآله، ثمّ بعليّ عليه السلام، ثمّ بواحد واحد، لكيلا يكون آخرُنا أعلمَ من أوّلنا».[57]

2- قال الراوي: سألتُ أبا عبد الله عليه السلام، فقلت له: سمعتُك وأنت تقول غير مرّة: لولا أنّا نزداد لأنفدنا، فقال: أمّا الحلال والحرام فقد أنزل الله على نبيّه صلّى الله عليه وآله بكماله، وما يُزاد الإمام في حلال ولا حرام. قلت له: فما هذه الزيادة؟ فقال: في سائر الأشياء سوى الحلال والحرام. قلت: تزدادون شيئاً يخفى على رسول الله صلّى الله عليه وآله ولا يعلمه؟ فقال: لا، إنّما يخرج العلم من عند الله فيأتي به الملَك رسول الله صلّى الله عليه وآله، فيقول: يا محمّد ربّك يأمرك بكذا وكذا. فيقول: انطلق به إلى عليّ. فيأتي به علياً عليه السلام فيقول: انطلق به إلى الحسن. فلا يزال هكذا ينطلق به إلى واحد بعد واحد حتّى يخرج إلينا، ومحال أن يعلم الإمام شيئاً لم يعلمه رسول الله صلّى الله عليه وآله والإمام من قبله».[58]

3- عن أبي جعفر عليه السلام "..": إنّما يأتي الأمر من الله في ليال القدر إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله، وإلى الأوصياء عليهم السلام: افعل كذا وكذا.

وقد عقّب السيّد على هذه الروايات بقوله: «واعلم أنّ إلقاء هذه الأسرار في السَّنَة إلى وليّ الأمر ما هو من الوحي، لأنّ الوحي انقطع بوفاة النبيّ صلى الله عليه وآله، إنّما هو بوجهٍ من وجوه التعريف يعرفه من يُلقى إليه صلوات الله عليه، وقد قال جلّ جلاله: ﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ.. المائدة:111، وقال تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى.. القصص:7، وقال جلّ جلاله: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ.. النحل:68، ولكلّ منها تأويل غير الوحي النبوي.

وهكذا يتّضح أنّ ليلة القدر هي ليلة صاحب الأمر الذي نصّ عليه رسول الله صلّى الله عليه وآله، وإليه ينزل الأمر الذي قد قُضي وأُمضي من الله تعالى.

والروايات كذلك صريحةٌ في الحثّ على إدراك هذه الحقيقة بالتفصيل، لذلك فهي لا تكتفي بالعموميّات المتقدّمة رغم وضوحها، بل تريدنا أن نعرف أنّ المحور في سورة القدر، وليلة القدر، والأمر الحكيم، والأمر الذي ينزل أو يُفْرَق، هو «صاحب الأمر».

عن داود بن فرقد قال: «سألتّه [الصادق أو الكاظم ج] عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿إنّا أنزلناه في ليلة القدر*وما أدراك ما ليلة القدر. قال: ينزل فيها ما يكون من السنة من موت أو مولود.

قلت له: إلى من؟ فقال: إلى من عسى أن يكون؟ إنّ الناس في تلك الليلة في صلاة ودعاء ومسألة، وصاحب هذا الأمر في شغل تنزّل الملائكة إليه بأمور السنة من غروب الشمس إلى طلوعها من كلّ أمر. [سلام] هي له إلى أن يطلع الفجر».[59]

وعن أبي عبد الله (الإمام الصادق) عايه السلام قال:

«إنّ ليلة القدر يُكتب ما يكون منها في السنة إلى مثلها من خير أو شرّ، أو موت أو حياة أو مطر. ويُكتب فيها وفدُ الحاجّ. ثم يُفضي ذلك إلى أهل الأرض. فقلت: إلى مَن من أهل الأرض؟ فقال: إلى مَن ترى».[60]

علامات ليلة القدر

هل هناك علامة تُعرف بها ليلة القدر؟

ورد في الروايات ذكر عدّة علامات هي:

1- أن يطيب ريحها.

2- وتكون في البرد ليلة دافئة، وفي الحرّ باردة.

3- ليلة مضيئة تُرى نجومُها بوضوح.

وقد تحدّث السّيّد ابن طاوس قدس سره عن العلامات، فقال:

«فصلٌ في ما نذكره من الرواية بعلامات ليلة القدر: إعلم أنّنا لمّا رأينا الروايات بذلك منقولة، وأنّ إمكان الظفر بليلة القدر من الأمور المعقولة، اقتضى ذلك ذكر طرف من الروايات ببعض علامات ليلة القدر، والتنبيه على وقت ما يُرجى لها من السعادات.

ثمّ أورد الروايات التالية:

1- فمِن ذلك: ما ذكره ".." الكليني ".." عن أحدهما عليهما السلام قال (محمّد بن مسلم): سألته عن علامة ليلة القدر، فقال: علامتها أن تطيب ريحها، وإن كانت في برد دفئت، وإن كانت في حرّ بردت وطابت. وقد روى هذا الحديث ".." في كتاب (من لا يحضره الفقيه).

2- ومن ذلك: ".." قال (الراوي): قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنّهم يقولون إنّها لا ينبح فيها كلب، فبأيّ شيء تُعرف؟ قال: إن كانت في حرّ كانت باردة طيّبة، وإن كانت في شتاء كانت دفيئة ليّنة.

3- ومن ذلك أيضاً ".." عن أبي عبد الله عليه السلام: ".." في الشتاء تكون دفيئة، وفي الصيف تكون ريِّحة طيبة.

4- ومن ذلك ".." عن إسماعيل بن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليه السلام قال: ليلة القدر ليلة بلجة، لا حارّة ولا باردة، ونجومها كالشمس الضاحية.

5- أقول: ورأيت من غير طريق أهل البيت علامات أيضاً وأمارات لليلة القدر: فمن ذلك ما ".." عن ابن عبّاس فقال: ليلة القدر ليلة طلقة، لا حارّة ولا باردة، يصبح الشمس من يومها حمراء ضعيفة.[61]

أعمال الليلة الثالثة والعشرين

تقدّم ذكر الأعمال العامّة التي يؤتَى بها في كلّ ليلةٍ من ليالي القدر، وفي ما يلي بيان الأعمال الخاصّة مع التأكيد على بعض الأعمال العامّة لمزيد الحثّ عليها في هذه الليلة ممّا يجعلها كالخاصّة، وهي كما يلي:

1- الغُسل

تكرّر ذكر استحباب الغسل في هذه الليلة في سياق تعداد الأغسال المستحبّة في شهر

رمضان، أو لدى ذكر رواية تقرن بينه وبين غيره.

وفي حديث عن الإمام الرضا يذكر فيه جانباً من سيرة رسول الله صلّى الله عليه وآله في عمل شهر الله تعالى، ورد قوله عليه السلام: «فلمّا كان ليلة ثلاث وعشرين اغتسل ايضاً كما اغتسل في ليلة تسع عشرة، وكما اغتسل في ليلة إحدى وعشرين».[62]

ويقول أحد أصحاب الإمام الصادق عليه السلام: رأيتُه اغتسل في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان مرّة في أوّل الليل، ومرّة في آخره.[63]

وقد ورد التّأكيد على أن يتزامن الغسل مع مغيب الشمس. قال الشيخ المفيد: «وفيها غسلٌ عند وجوب الشمس».[64] أي مغيبها.

ولا يفوتنّك الغسل الآخر المستحبّ في آخر هذه الليلة.

2- الإحياء

قال الشيخ المفيد: «وتحيى هذه الليلة بالصلاة والدعاء والاستغفار».[65]

وقال السّيّد: «وأن تحيى بالعبادة كما قدّمناه. وممّا رويناه في تعظيم فضلها وإحيائها أيضاً ما رواه ابن أبي عمير"..": مرِض أبو عبد الله عليه السلام مرضاً شديداً، فلمّا كان ليلة ثلاث وعشرين أمر مَواليه فحملوه إلى المسجد، فكان فيه ليلته».[66]

ويأتي في صلاة المائة ركعة الحثّ على إحياء هذه الليلة بالخصوص، وقد تقدّم المزيد.

3- زيارة سيّد الشهداء عليه السلام

وهو أفضل أعمال هذه الليلة على الإطلاق، والمراد بزيارته عليه السلام التواجد في كربلاء كما سيأتي التصريح بذلك، إلّا أنّ للزيارة من بُعد أيضاً ثواباً عظيماً فلا ينبغي تركها. ومن الروايات في زيارته عليه السلام في هذه الليلة:

أ- عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليهما السلام في هذه الآية: ﴿فيها يُفرقُ كلّ أمر حكيم، قال: هي ليلة القدر، يقضي فيها أمر السنة من حجّ وعمرة، أو رزق أو أجل، أو أمر أو سفر، أو نكاح أو ولد، إلى سائر ما يلاقي ابن آدم ممّا يُكتب له أو عليه في بقيّة ذلك الحول من تلك الليلة إلى مثلها من عام قابل، وهي في العشر الأواخر من شهر رمضان، فمن أدركها -أو قال: شهدها- عند قبر الحسين عليه السلام يصلّي عنده ركعتين أو ما تيسّر له، وسأل الله تعالى الجنّة، واستعاذ به من النار، آتاه الله تعالى ما سأل، وأعاذه ممّا استعاذ منه، وكذلك إن سأل الله تعالى أن يؤتيَه من خيرِ ما فرَق وقضى في تلك الليلة، وأن يقيَه من شرّ ما كتب فيها، أو دعا الله وسأله تبارك وتعالى في أمرٍ لا إثم فيه، رجوتُ أن يؤتى سؤله، ويوقى محاذيره، ويشفع في عشرة من أهل بيته كلّهم قد استوجبوا العذاب، والله إلى سائله وعبده بالخير أسرع.[67]

ب- عن عبد العظيم الحسني، عن أبي جعفر الثاني عليه السلام في حديث قال: من زار الحسين عليه السلام ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان، وهي الليلة التي يُرجى أن تكون ليلة القدر وفيها يُفرق كلّ أمر حكيم، صافحه روح أربعة وعشرين ألف ملَك ونبيّ، كلّهم يستأذن الله في زيارة الحسين عليه السلام في تلك الليلة.[68]

4- السُوَر المباركة

ومن الأعمال الخاصّة بهذه الليلة قراءة أربع سور اثنتين منها من الأعمال الخاصّة، وهما العنكبوت والروم، واثنتين من الأعمال العامّة، وهما الدخان والقدر، وعليه، فإنّ من لا يذكر الدخان والقدر ضمن الأعمال الخاصّة لا ينفي استحباب قراءتهما، فلاحظ.

أ- العنكبوت والروم

قال الشيخ المفيد: «ويستحبّ أن يقرأ في هذه الليلة خاصّة سورتي العنكبوت والروم، فإنّ في ذلك ثواباً عظيماً».[69]

وقال السّيّد ابن طاوس: «ومن زيادات ليلة ثلاث وعشرين، القراءة فيها لسورة العنكبوت وسورة الروم. نروي ذلك بعدّة طرق عن الصادق عليه السلام أنّه قال: مَن قرأ سورة العنكبوت والرّوم في ليلة ثلاث وعشرين فهو والله يا أبا محمّد من أهل الجنة لا أستثني فيه أبداً، ولا أخاف أن يكتب الله تعالى عليّ في يميني إثماً، وإنّ لهاتين السورتين من الله تعالى مكاناً».[70]

ب- الدخان

قال السيّد ابن طاوس عليه الرحمة: «ومن الزيادات ليلة ثلاث وعشرين قراءة سورة الدخان فيها، وفي كلّ ليلة، وقد قدّمنا الرواية بذلك في أوّل ليلة».[71]

ج- القدْر

قال السيّد: «ومن القراءة فيها سورة إنّا أنزلناه في ليلة القدر ألف مرّة، وقد تقدّمت رواية لذلك في الليلة الأولى، وعموماً في الشهر كلّه. وروينا تخصيص قراءتها في هذه الليلة بعدّة طرق إلى مولانا أبي عبد الله عليه السلام، قال: لو قرأ رجل ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان إنّا أنزلناه في ليلة القدر ألف مرّة، لأصبح وهو شديد اليقين بالإعتراف بما يختصّ فينا، وما ذاك إلّا لشيء عاينه في نومه».[72]

5-      الأدعية [73]

أ- الدعاء لصاحب الأمر عجّل الله تعالى فرجه الشريف، وقد ورد التأكيد على الإكثار من قراءته في مختلف الحالات في كلّ ليلةٍ من شهر الله تعالى وفي هذه الليلة المباركة بشكل خاصّ، ويُعتبر هذا التأكيد نحوَ تنبيه إلى ضرورة الرّبط بين الليلة وبين وصيّ رسول الله صلّى الله عليه وآله الذي هو باب الله الذي منه يؤتى.

قال السيّد: «عن الصالحين عليهم السلام "..": وكرّر في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان قائماً وقاعداً وعلى كلّ حال، والشهر كلّه، وكيف أمكنك، ومتى حضرك في دهرك، تقول بعد تمجيد الله تعالى والصلاة على النبي وآله عليهم السلام: أللهمّ كن لوليّك..».[74]

والدعاء هو نفسه الذي تقدّم ذكره في عمل اليوم الأوّل، وله صيغتان إحداهما المعروفة المشهورة، والثانية أطول منها، وقد مرّ توضيح ذلك فراجع.

ب- دعاء يا ربّ ليلة القدر، وهو:

يا ربَّ ليلة القدر وجاعلَها خيراً من ألف شهر، وربّ اللّيل والنهار، والجبال والبحار، والظُّلَمِ والأنوار، والأرضِ والسماء، يا بارئُ يا مصوّر، يا حنّانُ يا منّان، يا ألله يا رحمان، يا حيُّ يا قيّوم، يا بديءُ يا بديعَ السماوات والأرض. يا أللهُ يا ألله، يا ألله يا ألله، يا ألله يا ألله، يا ألله، لك الأسماء الحسنى، والأمثال العُلْيا، والكبرياءُ والآلاء والنَّعماء، أسألك باسمك بسم الله الرحمن الرحيم، إن كنتَ قضيْتَ في هذه الليلة تَنَزُّلَ الملائكة والروح من كلّ أمر حكيم. فصلّ على محمّدٍ وآله، واجعل اسمي في هذه الليلة في السعداء، وروحي مع الشهداء، وإحساني في علِّيّين وإساءتي مغفورة، وأن تهب لي يقيناً تباشر به قلبي، وإيماناً يُذهِب الشكَّ عنّي، وتُرضيني بما قسَمت لي، وآتني في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقني عذاب النار . وارزقني يا رب فيها(الليلة) ذكرَك و شكرك، والرّغبة والإنابة اليك، والتوبة والتّوفيق لما وفّقت له شيعة آل محمّد يا أرحم الراحمين، ولا تَفْتِنِّي بطلب ما زَوَيْتَ عنّي بحولك وقوّتك، وأغنني يا ربّ برزقٍ منك واسع (و) بحلالك عن حرامك. وارزقني العفّة في بطني وفرْجي، وفرِّجْ عنّي كلَّ همٍّ وغمّ، ولا تُشمِتْ بي عدوّي ( ووفِّقني لليلة) القدر على أفضل ما رآها أحد، ووفّقني لما وفّقت له محمّداً وآل محمّد عليه وعليهم السلام. (و) افعل بي كذا وكذا، الليلة الليلة الساعة الساعة.. حتّى ينقطع النفس.[75] ت- أللهمّ امدُد لي في عمري، وأوسعْ لي في رزقي، وأصحَّ جسمي، وبلِّغني أملي، وإن كنتُ من الأشقياء فامْحُني من الأشقياء واكتبْني من السعداء، فانّك قلت في كتابك المنزل، على نبيّك المرسل صلواتك عليه وآله: ﴿يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ الرعد:39.

ث- أللهمّ إيّاك تعمّدْتُ الليلة بحاجتي، وبك أنزلت فقري ومسألتي، (فلْتَسَعْني) الليلة رحمتُك وعفوُك، فأنا لرحمتك (أرجى) منّي لعملي، ورحمتُك ومغفرتُك أوسع من ذنوبي، واقْضِ لي كلّ حاجةٍ هي لي، بقدرتك على ذلك وتيسيرِه عليك. فإنّي لم أُصِبْ خيراً إلا منك، ولم يصرف عني أحدٌ سوءاً قَطُّ غيرك، وليس لي رجاءٌ لديني ودنياي، ولا لآخرتي، ولا ليوم فقري، يوم أُدَلّى في حُفرتي، ويُفردُني الناس بعملي غيرَك، يا ربّ العالمين.

د- ومن دعاء ليلة ثلاث وعشرين:

أللهمّ اجعلني من أوفر عبادك نصيباً من كلّ خيرٍ أنزلتَه في هذه الليلة، أو أنت مُنْزِلُه، من نورٍ تهدي به، أو رحمةٍ تنشرها، أو رزقٍ تَقْسمه، أو بلاءٍ تَدفعه، أو ضُرٍّ تكشفه، واكتب لي ما كتبتَ لأوليائك الصالحين، الذين استوجبوا منك الثواب، وأمِنوا برضاك عنهم منك العقاب، يا كريمُ يا كريم، صلّ على محمّدٍ وآل محمّد، وافعل بي ذلك. برحمتك يا أرحم الراحمين.

ج- ومن الدعاء في هذه الليلة:

أسألك مسألة المسكين المستكين، وأبتهلُ إليك ابتهال المذنب البائس الذّليل مسألة من خضعت لك ناصيتُه، واعترف بخطيئته، ففاضت لك عَبْرَتُه، وهَمَلَتْ لك دموعُه، وضَلَّت حيلتُه، وانقطعت حجّتُه، أنْ تعطيَني في ليلتي هذه مغفرةَ ما مضى من ذنوبي، واعصِمني في ما بقي من عُمْري، وارزقني الحجّ والعمرة في عامي هذا، واجعلها حِجّةً مبرورةً خالصةً لوجهك، وارْزقْنيه أبداً ما أبْقيْتني، ولا تُخْلِني(من) زيار(ة بيتك) وزيارة قبر نبيّك محمّدٍ صلواتك عليه وآله. إلهي وأسألك أن تكفيَني مؤونة خَلْقِك من الجنّ والانس، والعرب والعجم، ومن كلّ دابّة أنت آخذ بناصيتها، إنّك على صراط مستقيم. أللهمّ اجعلْ في ما تقضي وتقدّر من الأمر المحتوم، وممّا تَفْرُق من الأمر الحكيم في هذه الليلة، في القضاء الذي لا يُردّ ولا يُبَدَّل، أن تكتبني من حجّاج بيتك الحرام، في عامي هذا، المبرورِ حجّهم، المشكورِ سعْيُهم، المغفورِ ذنوبهم، المكفّر عنهم سيّئاتُهم، وأن تطيل عمري، وتوسّع لي في رزقي، وارزقني ولداً بارّاً، إنّك على كلّ شيءٍ قدير، وبكلّ شيءٍ محيط.

ح- ومن دعاء ليلة ثلاث وعشرين:

أللهمَ إني أسألك سؤال المسكين المستكين، وأبتغي إليك ابتغاء البائس الفقير، وأتضرَّع إليك تضرُّع الضعيف الضرير، وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل، وأسألك مسألة من خضعت لك نفسُه، ورغم لك أنفُه، وعفَّر لك وجهه، وخضعت لك ناصيته، واعترف بخطيئته، وفاضت لك عَبرته، وانْهَمَلَتْ لك دموعُه، وضلّت عنه حيلته، وانقطعت عنه حجّته، بحقّ محمّدٍ وآل محمّدٍ عليك، وبحقك العظيم عليهم، أنْ تصلّي عليهم كما أنت أهله، وأن تصلّي على نبيك وآل نبيّك، وأن تعطيَني أفضلَ ما أعطيت السائلين من عبادك الماضين من المؤمنين، وأفضلَ ما تعطي الباقين من المؤمنين، وأفضلَ ما تعطي من تخلقه من أوليائك إلى يوم الدين، ممَن جعلتَ له خيرَ الدنيا وخيرَ الآخرة، يا كريم يا كريم يا كريم. وأَعطني في مجلسي هذا مغفرةَ ما مضى من ذنوبي، واعصمني في ما بقي من عمري، وارزقني الحجّ والعمرة في عامي هذا، متقبّلاً مبروراً خالصاً لوجهك يا كريم، وارزقنيه أبداً ما أبقيتني، يا كريم يا كريم يا كريم، واكفني مؤونة نفسي، واكفني مؤونة عيالي، واكفني مؤونة خلقك، واكفني شرّ فسَقة العرب والعجم، واكفني شرّ فسقة الجنّ والإنس، واكفني شرّ كلّ دابّةٍ أنت آخذٌ بناصيتها، إنّ ربّي على صراطٍ مستقيم.

د- ومن دعاء ليلة ثلاث وعشرين: -وقد تقدّم نحوه في ليلة تسع عشرة عن مولانا الكاظم عليه السلام- وهذا رويناه ".." عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يقول: اللهمّ اجعل في ما تقضي وفي ما تقدّر من الأمر المحتوم، وفي ما تفرُق من الأمر الحكيم في ليلة القدر، من القضاء الذي لا يردّ ولا يبدّل، أن تكتبني من حجّاج بيتك الحرام في عامي هذا، المبرور حجّهم، المشكور سعيهم، المغفور ذنوبهم، المكفّر عنهم سيّئاتهم، واجعل في ما تقضي وفي ما تقدّر أن تطيل عمري، وتوسّع لي في رزقي.

ذ- دعاء الإمام الحسن بن علي عليهما السلام في ليلة القدر: يا باطناً في ظهوره، ويا ظاهراً في بطونه، يا باطناً ليس ( يخفى) ويا ظاهراً ليس يُرى، يا موصوفاً لا يَبْلُغ بكيْنونِيّته موصوف، ولا حدٌّ محدود، يا غائباً غيرَ مفقود، ويا شاهداً غيرَ مشهود، يُطْلَبْ فيُصاب، ولم يَخْلُ منه السماوات والأرض وما بينهما طرفةَ عيْن، لا يُدرَك بكيْف، ولا يؤيَّن بأينٍ ولا بحَيْث. أنت نور النُّور، وربُّ الأرباب، أحَطّتَ بجميع الأمور، سبحان من ليس كمثله شئٌ وهو السميع البصير، سبحان من هو هكذا ولا هكذا غيره - ثمّ تدعو بما تريد.

* ويلحق بالدّعاء في هذه الليلة: الدّعاء للمؤمنين والكافرين

قال السيّد: «ولا يمتنع الإنسان في هذه الليلة من دعوات بظهر الغيب لأهل الحقّ، وقد قدّمنا في عمل اليوم والليلة فضائل الدعاء للإخوان».[76]

لا يحسُن إسلام المسلم ولا يستقيم إيمانه إذا فهم التّدين انغلاقاً على النفس وتقوقعاً في قُمْقُمِ الذات.

التديّن كالشمس الساطعة تبدّد الظلمات وتخترق الحجب، وكالهواء الطلق لا يقف في طريقه سدّ، وهو حركة القلب المنطلقة أبداً في خطّ بيانيّ تصاعدي في التحلّل من قيود الأنا البغيضة.

لا يعرِف التديّنُ التّعالي، فطَلَبُ العلوّ من شجرة الانغلاق البغيضة.

ولا ينسجم مع الحسد الشيطانيّ والحقدِ الممعن في الشيطنة.

التديّن فيضُ حبٍّ، ونبعُ حنان، ومَعينُ إيثار.

وبمقدار الاهتمام بالآخر يكون.

وليس مجرّد توصيةٍ عابرة أن يحمل المؤمن في ليلة القدر همّ غيره، فيدعو للمؤمنين بظهر الغيب.

إنّه مؤشرٌ مِدْماكٌ في الرؤية التوحيديّة، وقاعدةٌ للفكر الإسلامي، ومنهجٌ في بناء الشخصيّة الإسلامية.

«كان عيسى بن أعين إذا حجّ فصار إلى الموقف (في عرفة) أقبل على الدعاء لإخوانه حتّى يفيض الناس، فقيل له: تُنفق مالك وتُتعب بدنك حتّى إذا صِرتَ إلى الموضع الذي يُبثُّ فيه الحوائج إلى الله أقبلتَ على الدعاء لأخوانك وتترك نفسك؟ فقال: إنّي على يقين من دعاء الملَك لي وفي شكٍّ من الدعاء لنفسي».[77]

ونجدُ توضيح مراده في نموذج مماثل، وتلميذٍ أخر من مدرسة الإسلام المحمّدي كما قدّمه أهل البيت عليهم السلام:

«عن عبد الله بن جندب قال: كنت في الموقف، فلمّا أفَضْتُ لقيت إبراهيم بن شعيب، فسلّمت عليه وكان مصاباً بإحدى عينيه، وإذا عينُه الصحيحة حمراء كأنّها عَلَقةُ دم، فقلت له: قد أُصِبْتَ بإحدى عينيك، وأنا مشفقٌ لك على الأخرى فلو قصَرتَ من البكاء قليلاً.

قال: لا والله يا أبا محمّد، ما دعوت لنفسي اليوم بدعوة. فقلت: فلمن دعوت؟

قال: دعوت لإخواني. سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من دعا لأخيه بظهر الغيب وكل الله به ملَكاً يقول: ولك مثلاه. فأردتُ أن أكون إنّما أدعو لإخواني ويكون الملَك يدعو لي، لأنّي في شكّ من دعائي لنفسي، ولست في شكٍّ من دعاء الملَك لي».[78]

ولا تكتمل صورة روعة الحبّ في التديّن عند هذا الحدّ، بل لم يتجاوز الحديث عن الصورة الإطار!

ليست غاية الحبّ أن تحبّ إخوانك المؤمنين فتؤثرهم على نفسك في الدعاء إيثار تجارة تبغي بها مصلحتك، ولا هي غاية الحبّ أن تدعو لهم حبّاً منزَّهاً عن المردود الرّبْحي أو المصلحيّ مهما كان وجيهاً، بل غايتُه أن تحبّ الخير للكافرين وتؤثرهم على نفسك وتمضي شطراً من ليلة القدر بالدعاء لهم.

ولا تحرّك بالإنكار قلبك، لتعجل به، فسيأتي ما يبدّد كلّ غموض.

وتعالَ معي لنصغيَ بأذن القلب إلى تلميذ مدرسة أهل البيت المحمّدي السيّد ابن طاوس قدّس الله تعالى نفسه الزاكية حيث يقول:

«وكنتُ في ليلةٍ جليلة من شهر رمضان بعد تصنيف هذا الكتاب بزمان، وأنا أدعو في السَّحَر لمن يجب أو يحسُن تقديم الدعاء له، ولي، ولمن يليق بالتوفيق أن أدعو له، فورد على خاطري أنّ الجاحدين لله جلّ جلاله ولنِعَمه والمستخفّين بحرمته، والمُبدّلين لحُكمه في عباده وخليقته، ينبغي أن يبدأ بالدعاء لهم بالهداية من ضلالتهم، فإنّ جنايتهم على الربوبيّة، والحكمة الإلهية، والجلالة النبويّة أشدُّ من جناية العارفين بالله وبالرسول صلوات الله عليه وآله. فيقتضي تعظيم الله وتعظيم جلاله وتعظيم رسوله |وحقوق هدايته بمقاله وفعاله، أن يقدّم الدعاء بهداية من هو أعظم ضرراً وأشدّ خطراً، حيث لم يُقدر أن يزال ذلك بالجهاد، ومنعهم من الإلحاد والفساد. ".." فدعوتُ لكلّ ضالٍّ عن الله بالهداية إليه، ولكلّ ضالٍ عن الرسول بالرجوع إليه، ولكلّ ضالٍّ عن الحقّ بالاعتراف به والاعتماد عليه. ثمّ دعوت لأهل التوفيق والتحقيق بالثبوت على توفيقهم، والزيادة في تحقيقهم، ودعوت لنفسي ومن يعنيني أمره بحسب ما رجوته من الترتيب الذي يكون أقرب إلى من أتضرّع إليه، وإلى مُراد رسوله صلى الله عليه وآله، وقد قدّمت مهمّات الحاجات بحسب ما رجوت أن يكون أقرب إلى الإجابات».

ونتابع الإصغاء إلى بيان الحيثيّات، التي يشرحها السيّد بقوله: «أفلا ترى ما تضمّنه مقدّس القرآن من شفاعة إبراهيم عليه السلام في أهل الكفران، فقال الله تعالى:﴿يجادلُنا في قوم لوط إنّ إبراهيمَ لحليمٌ أوّاهٌ منيب﴾. فمدحَه تعالى على حلمه وشفاعته ومجادلته في قوم لوط، الذين قد بلغ كفرهم إلى تعجيل نقمته. ".." أما رأيت ما تضمّنته أخبار صاحب الرسالة، وهو قدوة أهل الجلالة، كيف كان كلّما آذاه قومه الكفّار، وبالغوا فيما يفعلون، قال صلوات الله عليه وآله: أللهمّ اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون. ".." أما رأيت الحديث عن عيسى عليه السلام: كن كالشمس تطلع على البَّر والفاجر. وقول نبيّنا صلوات الله عليه وآله: إصنع الخير إلى أهله وإلى غير أهله، فإن لم يكن أهلَه فكن أنت أهلَه، وقد تضمّن ترجيح مقام المحسنين إلى المسيئين، قوله: ﴿لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدّين ولم يُخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتُقسطوا إليهم إنّ الله يحبّ المقسطين. ويكفي أنّ محمّداً صلّى الله عليه وآله بُعث رحمة للعالمين».[79]

ومن الواضح أنّ السيد قدّس سرّه قد راعى الثوابت التالية:

1- أنّ الدعاء للكافرين ﴿..الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ.. الممتحنة:8.

2- أنّه لم يحبّهم على كفرهم، بل دعا لهم بالهداية.

3- أنّ الأصل في الدعاء لهم هو حبّ الله تعالى وحبّ نبيه ح الذي يحتّم حبّ وضع الحدّ للتمرّد على طاعة الله عزّ وجلّ ومخالفة سيّد أنبيائه عليه وآله وعليهم الصلاة والسلام.

4- أنّ مبالغة الكفّار في الأذى ما لم يصل إلى الحرب، لا تمنع من الدعاء لهم بالهداية.

5- أنّ المؤمن خيرٌ كلّه، لا يصدر منه إلّا الخير ﴿..إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ الممتحنة:8.

بهذا الفهم وهذه الروح ينبغي أن نستقبل ليلة القدر، موقنين بأنّه لاحول لنا ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.

6- الصلوات

أ- صلاة مائة ركعة: بالحمد مرّة والتوحيد عشراً، وقيل بالقدر عشراً، والأوّل أرجح، وهي من الأعمال العامّة لليالي القدر، ولكن ورد الحثّ عليها في هذه الليلة بشكل خاصّ.

1- عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: صلِّ في العشرين من شهر رمضان ثمانياً بعد المغرب، واثنتي عشرة ركعة بعد العتمة، فإذا كانت الليلة التي يُرجى فيها ما يُرْجى فصلِّ مائة ركعة، تقرأ في كلّ ركعة قل هو الله أحد عشر مرّات، قال: قلت: جُعلت فداك! فإن لم أَقْوَ قائماً؟ قال: فجالساً، قلتُ: فإن لم أقْوَ جالساً؟ قال: فصلّ وأنت مُسْتَلْقِ على فراشك.[80]

٢-عن (الإمام) أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليهما السلام، قال: من أحيا ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان وصلّى فيها مائة ركعة وسّع الله عليه معيشته في الدنيا وكفاه أمر من يُعاديه، وأعاذه من الغرق والهدم والسَّرَق ومن شرّ السّباع، ودفَع عنه هَول منكر ونكير، وخرج من قبره نور يتلألأ لأهل الجمع، ويُعطى كتابَه بيمينه، ويُكتب له براءةٌ من النّار، وجوازٌ على الصراط، وأمانٌ من العذاب ويدخل الجنّة بغير حساب، ويُجعل فيها من رفقاء النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين، وحَسُن أولئك رفيقاً.

 وقال الشيخ المفيد في (المُقنِعة): «فإذا كانت ليلة ثلاث وعشرين اغتسلتَ عند مغيب الشمس، وصلّيْتَ بعد العشاء الآخرة مائة ركعة، تقرأ في كلّ ركعة منها (فاتحة الكتاب) و(إنّا أنزلناه في ليلة القدر)».[81]

وقال في (مسارِّ الشيعة): «وصلاة مائة ركعة، يقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب وعشر مرّات إنّا انزلناه في ليلة القدر».[82]

وقال السيّد: «واعلم أنّ ليلة تسع عشرة أُولى الثلاث الليالي الأفراد، وهذه الليالي محلّ الزيادة في الاجتهاد ".." وقد رُوي أنّ هذه المائة ركعة تُصلَّى في كلّ ليلةٍ من المفردات كلّ ركعة بالحمد مرّة، وقل هو الله أحد عشر مرّات».[83]

تنبيه مهمّ: وتجدر الإشارة إلى الطريقتين الواردتين في الروايات لنوافل شهر رمضان، فمن أخَذ برواية توزيع الركعات الثمانين على الأيّام التي خُصِّصَتْ لها، فلا يصلّي غير المائة ركعة من الألف شيئاً، أمّا من أخذ بالطريقة الثانية، فينبغي أن يصلّي في الليالي الثلاث وهذه الليلة منها ثلا ثين ركعة، وقد سبق بيانُ ذلك بالتفصيل في عمل اليوم الأوّل.

ب- صلاة ثمان ركعات:

عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ومن صلّى ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان ثماني ركعات (بما تيسّر) فُتحت له أبوابُ السماوات السبع واستُجيب دعاؤه».[84]

ث - صلاة كلّ ليلة:

قال الكفعمي: «ويستحبّ أن يصلّي في كلّ ليلة من شهر رمضان ركعتين بالحمد ".." والتوحيد ثلاثاً، فإذا سلَّم قال: سبحان من هو حفيظ لا يغفل، سبحان من هو رحيم لا يعجل، سبحان من هو قائم لا يسهو، سبحان من هو دائم لا يلهو. ثمّ يقول التسبيحات الأربع سبعاً، ثمّ يقول: سبحانك سبحانك يا عظيم. إغفر لي الذنب العظيم. ثمّ تصلّي على النبيّ عشراً. من صلّاها غفر الله له سبعين ألف ذنب».[85]

 

 



[1]  الإقبال1/71-72.

[2]  العلامة الحلي، تذكرة الفقهاء6/236.

[3]  فُسر بغير ذلك في ذيل الرواية المتقدمة عن الأمير عليه السلام فلاحظ.

[4]  المحدث النوري، مستدرك الوسائل7/470، والسيد الطباطبائي، سُنن النبي صلى الله عليه وآله322.

[5]  المصدر.

[6] الشيخ الطوسي، مصباح المتهجد635.

[7]  المصدر243.

[8]  المصدر242. بتصرف.

[9]  المصدر243.

[10]  الإقبال1/358. بتصرف يسير.

[11]  المصدر357-358.

[12]  الشيخ الطوسي، مصباح المتهجد635-636.

[13]  العلامة الحلي، تذكرة الفقهاء6/240.

[14]  المصدر: 246.

[15]  المصدر: 244.

[16]  الإقبال: 1/230.

[17]  المصباح: 635.

[18]  المصباح: 628.

[19]  الإقبال: 1/365.

[20]  أورده مع إضافات، الشيخ الطوسي، المصباح: 628.

[21]  الكفعمي، المصباح: 582. وقد أورده المحدث القمي في مفاتيح الجنان.

[22]  الحر العاملي، وسائل الشيعة: 8/39؛ والكفعمي، البلد الأمين: 176. وما بين القوسين منه.

[23]  الكفعمي، المصباح: 563. الهامش.

[24]  أنظر: الشيخ المفيد، الأمالي74.

[25]  إبن أبي الحديد، شرح النهج: 16/136.

[26]  المحدث القمي (الشيخ عياس) بيت الأحزان: 92.

[27]  المجلسي، البحار: 53/70.

[28]  أنظر: إبن شهراشوب، المناقب: 1/382؛ ومحمد طاهر القمي الشيرازي، كتاب الأربعين: 176؛ والمجلسي، البحار: 28/374.

[29]  المحدث النوري، مستدرك الوسائل: 12/42.

[30]  المجلسي، البحار: 42/276.

[31]  المجلسي، البحار: 42/295-296.

[32]  الشيخ المفيد، مسارّ الشيعة: 26.

[33]  الإقبال: 1/149

[34]  الإقبال: 1/312. بتصرف بسير.

[35] الإقبال: 1/149-150.

[36]  الشيخ المفيد، مسارُّ الشيعة: 26.

[37]  المحدث القمي، مفاتيح الجنان، أعمال الليلة الواحدة والعشرين نقلاً عن الكليني في الكافي.

[38]  الإقبال: 1/366.

[39]  الكليني، الكافي: 3/40.

[40] الإقبال: 1/50.

[41]  مسارّ الشيعة: 26.

[42]  مسارُّ الشيعة: 27.

[43]  المقنعة: 167.

[44]  الشيخ المفيد، مسارُّ الشيعة: 27. وما بين القوسين مصحح في ضوء ما تقدم منه عن المقنعة.

[45] الشيخ المفيد، المقنعة: 167.

[46]  الإقبال: 1/48.

[47]  الحر العاملي، وسائل الشيعة: 8/40؛ والكفعمي، البلد الأمين: 176 والتوضيح بحسبه.

[48]  الكفعمي، المصباح: 563. الهامش.

[49]  تقدمت الإشارة إلى أن الشيخ الطوسي أورد أدعية الليالي العشر الأخيرة في المصباح: 628.

[50] الحر العاملي، وسائل الشيعة: 8/40؛ والكفعمي، البلد الأمين: 176، وما بين القوسين منه.

[51]  الكفعمي، المصباح: 563. الهامش.

[52]  المحدث النوري، مستدرك الوسائل: 7/470.

[53]  الإقبال: 1/375.

[54]  المصدر.

[55]  الشيخ الطوسي، التبيان في تفسير القرآن: 10/384.

[56]  الشيخ الطوسي، التبيان في تفسير القرآن: 10/384. بتصرف يسير.

[57]  الشيخ المفيد؟ الإختصاص313.

[58]  المصدر.

[59] الشيخ محمد باقر الملكي، توحيد الإمامية 358.

[60]  المصدر.

[61]  الإقبال: 1/151-152.

[62]  المصدر: 51.

[63]  الإقبال1/375-376.

[64]  مسارّ الشيعة27.

[65]  المصدر.

[66]  الإقبال1/386.

[67] الإقبال1/383.

[68]  المصدر.

[69]  مسارّ الشيعة27.

[70]  الإقبال1/381.

[71]  المصدر.

[72]  المصدر382.

[73]  أنظر في جميع الأدعية الواردة هنا : الإقبال378فما بعدها.

[74]  المصدر191. وانظر صيغة الدعاء المعروفة في مصباح الشيخ الطوسي631-632.

[75]  الإقبال1/378. وانظر: الطوسي، المصباح 630- 631باختلاف. مختصراً.

[76]  الإقبال1/384.

[77]  المجلسي، البحار90/391.

[78]  المصدر.

[79]  الإقبال: 1/384-385.

[80]  الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام: 3/64.

[81]  المقنعة: 168.

[82]  مسارّ الشيعة: 27.

[83] الإقبال: 1/312-313.

[84]  الحر العاملي، وسائل الشيعة: 8/40. والكفعمي، البلد الأمين: 176 ومابين القوسين بحسبه.

[85]  الكفعمي، المصباح: 563. الهامش.

اخبار مرتبطة

  كتاب شعائر 6 - القسم الرابع

كتاب شعائر 6 - القسم الرابع

  كتاب شعائر 6 - القسم الثاني

كتاب شعائر 6 - القسم الثاني

  كتاب شعائر 6 - القسم الأول

كتاب شعائر 6 - القسم الأول

نفحات