الملف

الملف

03/09/2013

تعزيزُ التّوحيد، وتظهير الوحدة

 

﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ..﴾ الحج:28

تعزيزُ التّوحيد، وتظهير الوحدة

ـــــ العلّامة السّيّد محمّد حسين الطّباطبائيّ قدّس سرّه ـــــ

 

* «.. ثمّ تتّحدُ المجتمعاتُ لتُكوِّن مجتمعاً وسيعاً له من القوّة والعُدّة ما لا تقوم له الجبالُ الرّواسي، ولا تقوى عليه أيّ قوّة جبّارة طاحنة، ولا وسيلة إلى حلّ مشكلات الحياة كالتّعاضد، ولا سبيل إلى التّعاضد كالتّفاهم، ولا تفاهم كتفاهم الدّين».

* ما تقدّم، بعض ما أكّده العلّامة الطّباطبائيّ قدّس سرّه حول المنافع التي يشهدها الحُجّاج، والتي جعلها القرآن الكريم من غايات الحجّ.


قولُه تعالى: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ..﴾
الحج:28، إلخ، اللّام للتّعليل أو الغاية، والجار والمجرور متعلّق بقوله: ﴿يأتوك﴾ [قوله تعالى في الآية السّابقة: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا..] والمعنى يأتوك لشهادة منافع لهم، أو يأتوك فيَشهدوا منافع لهم.

وقد أُطلقت المنافع ولم تتقيد بالدّنيويّة أو الأُخرويّة.

والمنافعُ نوعان:

منافعُ دنيويّة، وهي التي تتقدّم بها حياة الانسان الاجتماعيّة، ويصفو بها العيش، وتُرفع بها الحوائج المتنوّعة، وتكمل بها النّواقص المختلفة من أنواع التّجارة والسّياسة والولاية والتّدبير، وأقسام الرّسوم والآداب والسُّنَن والعادات، ومختلف التّعاونات والتّعاضدات الاجتماعيّة، وغيرها.

فإذا اجتمعت أقوامٌ وأُمَمٌ من مختلف مناطق الأرض وأصقاعها -على ما لهم من اختلاف الأنساب والألوان والسُّنن والآداب- ثمّ تعارفوا بينَهم وكلمتُهم واحدة هي كلمة الحقّ، وإلهُهم واحدٌ، وهو الله عزّ اسمُه، ووجهتُهم واحدة هي الكعبة البيت الحرام، حملَهم اتّحادُ الأرواح على تقارب الأشباح، ووحدةُ القول على تشابه الفعل، فأخذ هذا من ذاك ما يرتضيه، وأعطاه ما يُرضيه، واستعان قومٌ بآخرين في حلّ مشكلتهم، وأعانوهم بما في مقدرتهم، فيتبدّل كلُّ مجتمعٍ جزئيّ [غير مكتمل خصائص الاجتماع] مجتمعاً أرقى، ثمّ تتّحد المجتمعات لتكوِّن مجتمعاً وسيعاً له من القوّة والعدّة ما لا تقومُ له الجبالُ الرّواسي، ولا تقوى عليه أيّ قوّة جبّارة طاحنة، ولا وسيلة إلى حلّ مشكلات الحياة كالتّعاضد، ولا سبيل إلى التّعاضد كالتّفاهم، ولا تفاهمَ كتَفاهم الدّين.

***

ومنافعُ أُخرويّة: وهي وجوه التّقرّب إلى الله تعالى بما يمثّل عبوديّة الإنسان من قولٍ وفعل، وعملُ الحجّ بما له من المناسك يتضمّن أنواعَ العبادات من التّوجّه إلى الله وترْك لذائذ الحياة وشواغل العيش والسّعي إليه بتحمّل المشاقّ، والطّواف حول بيته والصّلاة،  والتّضحية والإنفاق والصّيام وغير ذلك.

[ثمّ] إنّ عمل الحجّ بما له من الأركان والاجزاء يمثّل دورةً كاملةً ممّا جرى على إبراهيم عليه السّلام في مساره في مراحل التّوحيد ونَفي الشّريك وإخلاص العبوديّة لله سبحانه.

فإتيانُ النّاس إبراهيمَ عليه السّلام، أي حضورهم عند البيت لزيارته، يستعقبُ شهودَهم هذه المنافع: أُخْرَوِيِّها ودُنيويِّها، وإذا شهدوها تعلّقوا بها، فالإنسان مجبولٌ على حبّ النّفع.

 

عملُ الحجّ بما له من الأركان والأجزاء يمثّل دورةً كاملةً ممّا جرى على إبراهيم عليه السّلام في مساره في مراحل التّوحيد ونَفي الشّريك وإخلاص العبوديّة لله سبحانه.

 

في (الكافي) أيضا بإسناده عن الرّبيع بن خثيم قال: «شهدتُ أبا عبد الله عليه السّلام وهو يُطاف به حول الكعبة في محمَلٍ وهو شديدُ المرض، فكان كلّما بلغَ الرُّكنَ اليمانيّ أمرَهم فوضَعوه بالأرض، فأخرجَ يدَه من كُوّة المحمل حتى يجرّها على الأرض ثمّ يقول: ارفعوني.

فلمّا فعل ذلك مراراً في كلّ شوطٍ قلتُ له: جُعِلْتُ فِداك يا ابنَ رسول الله، إنّ هذا يشقّ عليك، فقال: إنّي سمعتُ الله عزّ وجلّ يقول: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ..﴾، فقلت [الرّبيع]: منافع الدّنيا أو منافع الآخرة؟ فقال [الإمام عليه السلام]: الكلّ».

وفي (المجمع) في الآية: «وقيل: منافع الآخرة وهي العفو والمغفرة وهو المرويّ عن أبي عبد الله عليه السّلام».

أقول: وإثبات إحدى المنفعتَين لا يُنفي العموم، كما في الرّواية السّابقة.

وفي (العيون) في ما كتبه الإمام الرّضا عليه السّلام إلى محمّد بن سنان في جواب مسائله في العِلل:

«وعلّة الحجّ الوفادةُ إلى الله عزّ وجلّ، وطلبُ الزّيادة، والخروجُ من كلّ ما اقترف، وليكونَ تائباً ممّا مضى مستأنفاً لما يستقبل، وما فيه من استخراج الأموال وتَعَب الأبدان، وحَظْرِها عن الشّهوات واللّذّات، والتّقرّب بالعبادة إلى الله عزّ وجلّ، والخضوع والاستكانة والذّلّ شاخصاً في الحرّ والبرد، والأمن والخوف، دائباً في ذلك دائماً. وما في ذلك لجميع الخلق من المنافع، والرّغبة والرّهبة إلى الله تعالى، ومنه تركُ قساوة القلب وجسارة [وخساسة] النّفس، ونسيان الذِّكر وانقطاع الرّجاء والأمل، وتجديد الحقوق، وحَظْر النّفس عن الفساد، ومنفعة مَن في شرق الأرض وغربها، ومَن في البرّ والبحر ممّن يحجّ ومن لا يحجّ، من تاجرٍ وجالبٍ وبائعٍ ومشتَرٍ وكاسبٍ ومسكين، وقضاء حوائج أهل الأطراف والمواضع الممكن لهم الاجتماع فيها كذلك ليشهدوا منافعَ لهم».

أقول: وروى فيه أيضاً ما يقرب منه عن الفضل بن شاذان عنه عليه السلام.

السّيّد الطّباطبائيّ، تفسير الميزان: ج 14/ ص 369 - 378 (ملخّصاً)

 

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريّات

دوريّات

05/09/2013

دوريّات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات