كلمة سواء

كلمة سواء

04/09/2013

الإيمان كشَرطٍ لحوارٍ خلَّاق


الأديان والسّلام العالميّ

الإيمان كشَرطٍ لحوارٍ خلَّاق

ـــــ كريم عبد الرّحمن* ـــــ

 

تبدو الحياة الإنسانيّة اليوم بحاجة إلى آفاق واسعة من المبادئ، تستمدّ رحمانيّتها من الإيمان بالله الواحد الأحد. وأيّاً تكُن الاجتهادات في هذا المجال، فالدّيانات قادرة بلا شكّ على توفير المصادر الضّروريّة لصياغة عالميّة جديدة بالتّعاون المستمرّ بين أتباعها، حتّى في ظلِّ الانقسام والصِّراع والعنف والتّعصُّب. كذلك بإمكانها تقديم رؤية شاملة أو ربّما عالميّة، تؤكِّد الحاجةَ للتّضامن الإنسانيّ ومواجهة مواقف الانقسام. وإذا ما توافرت إمكانيّة واقعيّة لصياغة أخلاق عالميّة جديدة، يتوجَّب على عالم الإيمان أن يلتمس التّحدّيات الدّاخليّة الجوهريّة.

وبهذا يستطيع المسلمون والمسيحيّون الوصول إلى وفاقٍ فكريٍّ استراتيجيٍّ، ينبني على احترام التّغاير في التّعبير عن الإيمان، وصولاً الى بلورة منظومة قِيَمِيّة إيمانيّة تُفضي إلى حلّ إشكالات النّظام العالميّ الرّاهنة.

إنَّ صياغة شراكة روحانيّة بين الأديان هو الهدف النّهائيّ للإنسان على الأرض. على أنَّ رسالة الإسلام ترى في الإنسان خليفة الله على الأرض، وتدعو إلى تغيير العالم عبوراً إلى نظامٍ اجتماعيٍّ أخلاقيٍّ وعادلٍ، فيما ترى المسيحيّة أنَّ المصير النّهائيّ للإنسان الّذي كُلِّف وحده بمهمّة خدمة الرّبّ هو أن يكون عاملاً في التّحوُّل الرّوحيّ لهذا العالم.

وبما أنَّ إجراءات هذا العمل لم تُنجَز بعد، فبالإمكان وضع تصوُّر إجماليّ يستند إلى مفهومَين دينيَّين أساسيَّين: الأوّل هو التّوحيد، والثّاني هو الخلافة، وهما معاً يمثِّلان جوهر صلة العبد بربِّه. ولأنَّ الله منح الإنسان الخلافة، فعلى الإنسان بالمقابل أن يشتغل في قوله وسلوكه وسيره على مستوى الصِّفات الّتي ينسبها الله لذاته. وهذان المفهومان، التّوحيد والاستخلاف، يشكِّلان أساساً لرؤيةٍ تؤدِّي مباشرة إلى استعادة التّوازن لكافّة أبعاد الحياة «لعيال الله». وفي الواقع فإنَّ نقد الإسلام في بدايته الأولى للمجتمع المكّيّ المُضطرب قيميّاً وأخلاقيّاً وإيمانيّاً، قابل لأن يسري اليوم على حاضر النّظام العالميّ الرّاهن.

يعزِّز مفهوما التَّوحيد والخلافة رؤية يمكن ترجمتُها إلى نظامٍ لترتيب الشُّؤون الإنسانيّة المتمركزة على إنجاز العدالة العالميّة، وذلك بإيجاد توازن بين الحاجات الشّرعيّة والطموحات الفرديّة والاجتماعيّة، وكذلك إلى مسؤوليّة متبادلة بين العبد وخالقه في إطارٍ مقدَّسٍ ومُتَسامٍ. فعلى صعيد الاقتصاد العالميّ، مثلاً، يقدِّم مفهوما التّوحيد والخلافة البديل للتّوجّه الإنسانيّ النّزعة والعقلانيّ المرجعيّة. ويتضمَّن التّوحيد في هذا السِّياق الامتلاك المطلَق لكلِّ الثّروات، أمّا الاستخلاف فيدلّ على حرّيّة التّملّك والتّجارة كعهدة من الله. وتسعى هذه الرّؤية الاقتصاديّة إلى تحقيق المساواة القائمة على أساس الإيمان بأنَّ جميع البشر يمتلكون حقوقاً متساوية في الحياة الكريمة، حيث تُجمع الثّروة دون الإضرار بالآخرين وتُستخدم في مساعدتهم.

وإذا كان بإمكان الأديان أن تنشئ إطاراً نظريّاً للسِّلم العالميّ بين الحضارات والثّقافات، فمثل هذه الإمكانيّة لا تني، وستبقى لأمدٍ غير منظور، تحت طائلة الامتناع عن التّحوّل إلى حقيقةٍ واقعيّة. وما ذاك إلَّا لأنّ الأديان في تَمَوْضعها التّاريخيّ والحضاريّ لا تغادر حقول الاحتدام. فهي في قلب تلك الحقول، بل إنَّها في أحوال ومطارح شتّى تبدو مولِّدة للتّصادم والاحتراب، بل عاملاً مانعاً للسّلام بين أهل الجغرافيا الواحدة.

ذلك يفترض الرُّجوع إلى العمل على مرجعيّة الإيمان بالقصد الإلهيّ من الخلق. وهنا يُطرح السُّؤال عمّا يمكن أن يكون الإيمان هو المنفسح الّذي تنمو فيه رحمانيّة اللّقاء والتّعرُّف والحوار الخلَّاق.

سيبدو الجوابُ شاقّاً وعسيراً، ربّما لأمر متَّصلٍ بالسِّمة اللّاتاريخيّة للإيمان، وصعوبة صيرورة الإيمان حاكماً على تاريخيّة ومكانيّة الاجتماع البشريّ، ومع ذلك فإنَّ مثل هذا التّوصيف لن يؤدِّي بنا إلى المستحيل. ذاك أنَّ قاعدة الإيمان في المسيحيّة كما في الإسلام، هي القاعدة الكلّيّة الّتي منها يندرج ومن ثمّة الدِّين ومثاله في عالم الإنسان، ليأخذ ظهوراته الإلهيّة في التّاريخ.

ولأنَّ ثمّة «واحديّة غير قابلة للفصل» بين الإيمان كَوَحْيٍ، والدِّين كَقانونٍ الهيٍّ ينظّم حركة الإنسان في الزّمان والمكان، فلن يستوي الحال على ثنائيّة تناقض بين طورَين لا يقوم أحدهما إلَّا على نفي الآخر. بل هناك تراتب طوليّ يجري فيه نظام الدِّين في عالم الإنسان مجرى الأصالة المتَّصلة بعالم الغَيب.

 

* المقال نقلاً عن (مركز دلتا للأبحاث)

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريّات

دوريّات

05/09/2013

دوريّات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات