مصطلحات

مصطلحات

05/09/2013

«الكرامة»


 «الكرامة»

فعلُ اللهِ تعالى على يدِ مَن يختارُه

______أحمد بن أحمد السّجاعيّ*______

الكرامات جمعُ كرامة، وهي أمرٌ خارِقٌ للعادةِ غيرُ مقرونٍ بِدَعوى النُّبوَّة ولا هو مقدِّمةٌ لها، تظهرُ على يدِ عبدٍ ظاهرِ الصَّلاحِ مُلتزمٍ لِمتابعةِ نَبيٍّ كُلِّفَ بشريعته، مَصْحوبٍ بِصحيحِ الاعتقاد والعمل الصَّالح، عَلمَ بها أو لم يَعلمْ، فتَمتاز [الكرامة] بعدم الاقتران  المذكور [دعوى النّبوّة] عن المعجزة، فلا تَلتَبِس بها، و[تمتاز] بِنَفيِ مقدِّمتها عن الإرهاص: وهو ما يَظهر على يدِ الأنبياء قبل النّبوّة: كَتظليلِ الغمام لنبيِّنا صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، و[تمتاز] بظهور الصّلاح عما يُسمَّى معونةً، كما يظهر على يد بعض عوامِّ المسلمين تخليصاً لهم من المِحَن والمكاره، و[تمتاز] بالتزام متابعة نبيّ عن الخوارق المؤكِّدة لِكَذِبِ الكاذبين وتُسمَّى إهانة، كبصق مُسَيلِمة في بئرٍ عذبةِ الماء لِيزدادَ ماؤها حلاوةً فصارَ مِلحاً أجاجاً، و[تمتاز] بالمصحوبيّة بصحيح الاعتقاد عن الاستدراج، كما خَرج السِّحرُ عن جهاتٍ عدّة.

ودليل الجواز أنَّ ظهورَ الخارقِ أمرٌ ممكنٌ في نفسه، وكلّ ما هو كذلك فهو صالحٌ لِشمولِ القدرة لإيجاده، ودليل ذلك الأمر وإمكانه أنّه لا يَلزم مِن فرضِ وقوعه محالٌ، ودليلُ الوقوعِ ما جاءَ في الكتاب العزيز من قصّة مريم عليها السلام وولادتها عيسى -على نبيِّنا [وآله] وعليه وعلى سائر الأنبياء الصّلاة والسّلام- من غير زوجٍ، مع كفالة زكريّا لها عليه الصّلاة والسّلام؛ وكان لا يَدخلُ عليها غيرُه، وإذا خَرَج مِن عندِها أَغلقَ عليها سبعةَ أبوابٍ، وكان يَجِدُ عندها فاكهة الصّيف في الشّتاء وفاكهة الشّتاء في الصّيف. ومِن قصّة آصف وإتيانِه بعرشِ بلقيس قبل ارتدادِ طَرْف سليمان عليه السلام. وقد تَواتَر وقوعُ الكرامات من الصَّحابة والتّابعين ومَن بعدهم إلى وقتِنا هذا، وقد أطال العلامة اللّفانيّ وولدُه الكلامَ على ذلك عند قوله في (جوهرته):

 

واَثْبِتَنْ لِلأولياءِ الكرامهْ

ومَن نَفاها اِنبذَنْ كلامَهْ

 

أيْ لِطَرْحِ كلام مَن يَنفيها من المعتزلة ومَن جرى على طريقتِهم، وقد قال: «قال العلّامة النّسفيّ في (عقائده): كراماتُ الأولياءِ حقّ، فتَظهر الكرامةُ على طريقِ نقضِ العادةِ للوليِّ، من قَطعِ المسافة البعيدة في المدَّة القليلة، وظهورِ الطَّعام والشَّراب واللّباس عند الحاجة، والمَشي على الماءِ وفي الهواءِ، وكلام الجماد والعَجماء، وغير ذلك من الأشياء، ويكون ذلك معجزةً للرّسول الّذي ظهرت هذه الكرامة لواحدٍ من أمّته لأنّه ظَهَر بها أنَّه وليّ، ولا يكونُ وليّاً إلَّا إذا كان مُحقّاً في ديانته برسالة رسولِه» انتهى.

ليس للعبدِ خَلْقُ الأفعال

إذا علمْتَ هذا اتَّضح لكَ أنَّ الفاعلَ للكراماتِ كالمعجزاتِ إنّما هو اللهُ تعالى وحدَه، لكن أظهرَها اللهُ سبحانه وتعالى على أيْدي أهلِ طاعتِه الموصوفين بما تقدّم، إكراماً لهم وإذلالاً لِمُنازِعيهِم وخُصمائِهم، وليسَ لهُم في ذلك اكتسابٌ ولا لهم على ذلك اقتِدار؛ فمَن نَسَبَ لهم في ذلك فِعلاً فقد ضلَّ وحادَ عن الطّريق المستقيم، إذ ".."  أنَّ العبدَ لا يخلقُ شيئاً من الأفعال، بل المُنفرِد بالخَلق والإيجاد هو اللهُ الفاعلُ المختارُ، وحينئذٍ لا فرق في إظهارِها على يدِ أحدٍ منهم بين كونه حيّاً أو ميتاً، وإنكارُ أهلِ الجهل والبُهتان وقوعها على يدِ الأموات لاعتقادهم الفاسِد أنَّ الفاعلَ هو صاحبُ الكرامة، وقد علِمْتَ بطلانَه وأنَّه مبنيٌّ على قاعدةِ أهل الاعتزال والمَلامة. ومن المُشاهَدِ المَحسوس حِفْظُ اللهِ تعالى لِمَن أرادَ زيارتَهم بِحُسنِ إخلاصٍ واعتقادٍ صحيحٍ مِن شرِّ الأعداء المُراقبين له ومِن قطَّاع الطَّريق، فلا يقعُ خلاف ذلك إلَّا نادراً، فهذه كرامةٌ عظمى. وأمّا ما يقع من الأُنس الباطنيّ والإشراق الظّاهريّ وحُسن الحال لِمَن ذكر، فأمرٌ يعرفُه مَن ذاقَهُ مِن أهل الإيقان، ولا يُنكره إلّا المحرومُ المطرودُ عن بابِ الفضل والإحسان.

__________________________________

* عالم مصري أزهريّ (ت: 1199 للهجرة)، والنّصّ من كتابه (رسالة في إثبات كرامات الأولياء)

 

 

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريّات

دوريّات

05/09/2013

دوريّات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات