مصطلحات

مصطلحات

05/09/2013

«الحتميّة»


«الحتميّة»

لكلِّ حادثٍ تفسيرٌ سببيّ

_____إعداد: «شعائر»_____

إطلالةٌ على مصطلح «الحتميّة»، وارتكازه على مبدأ السّببيّة، أو العلاقة بين العلّة والمعلول، اقتطفته «شعائر» من (الموسوعة العربيّة) بتصرّف يسير.  

الحتميّة «determinism» مذهبٌ يرى أنَّ كلَّ ما يحدث في الكَون على الإطلاق يخضع لقانون سببيٍّ ما؛ فلكلِّ حادثٍ تفسيرٌ سببيّ، أي لكلِّ حادثٍ أسباب ضروريّة وكافية تفسِّر حدوثه. وهذا ما دعا بعض المفكِّرين إلى القول إنَّ الحتميّة بمعناها البسيط ليست غير «الارتباط العلّيّ»، فالعلّيّة  هي «التّعبير الظّاهريّ للحتميّة»، وتكاد تكون مرادفاً للحتميّة وعنواناً بديلاً لها عند أكثر الباحثين. والواقع أنَّ مبدأ الحتميّة يتضمَّن مسلَّمات تسبقه وتبرِّره وتَهبه محتواه، أوَّلها أنَّ ثمّة نظاماً في الطّبيعة، وأنَّ هذا النّظام المتكرِّر الوقوع في اطِّراد، وتحكم ذلك الاطِّراد العلاقةُ بين العلّة والمعلول (العلّيّة).

ويؤمن فلاسفة الحتميّة أنّ كلّ ما يحدث في الكون قابل للتّفسير والتَّنبُّؤ من حيث المبدأ. وبهذا يُفضي مفهومُ الحتميّة إلى الحقيقة القائلة إنَّ: «معرفتنا لجميع الشُّروط الّتي تعيِّن ظهور الظّاهرة تمكِّننا من التَّنبُّؤ بما سيَحدث حتماً»، وهذا التّنبّؤ وليدُ اطّراد العلاقات بين الظّواهر وترابطها؛ فتزايد معرفتنا بالظّروف الّتي تحيط بسلوك الإنسان مثلاً، كفيل بالمساعدة على اكتشاف القوانين الصّحيحة الّتي تَحكم سلوك البشر.

ويؤدِّي مبدأ الحتميّة دوراً مهمّاً في ميدان العلم، والمنهج العلميّ تحديداً، لأنَّه يُمكِّن العلماء من الاستقراء والتّعميم التّجريبيّ، بحيث أنّه ما يَصدُق على الأمثلة الملاحظة لظاهرةٍ معلومة، يَصدق على كلّ أمثلة الفئة المعيَّنة الّتي تُشبه الأمثلة الملاحَظَة.

وقد تعدّدت نظريّات الحتميّة بتعدُّد تطبيقاتها والاعتبارات الّتي دَفعت إليها، لكنَّ العنصر المشترك بينها جميعاً هي اتِّفاقها على خضوع الحوادث في الكَون لقانونٍ سببيٍّ؛ فأصحابُ الحتميّة الأخلاقيّة يقولون إنَّ الإنسان يسعى إلى اختيار الأفضل [بنظره]، ولا يمكن له أن يختار بِمَحض إرادته فعلاً ما يضرُّ به نفسه [من وجهة نظره].

أمَّا أصحاب الحتميّة المنطقيّة أمثال (ديودورس والميغاريّون والرّواقيّون) فهم يرون أنّ هناك عللاً منطقيّة تستبقها بالضّرورة نتائج منطقيّة محتومة.

وقد تطوَّرت دلالة الحتميّة، فظهرت أوَّلاً الحتميّة الميكانيكيّة الصّارمة الّتي استمدَّت أساسَها من إسحاق نيوتن، وعبَّر عنها المفكِّر الرّياضيّ الفرنسيّ بيير سيمون دو لابلاس Laplace (1749-1827) بمقولته المشهورة: «لو استَطاع عقلٌ ما أنْ يعلم في لحظة معينة جميع القوى الّتي تحرِّك الطّبيعة، وموقع كلّ كائن من الكائنات الّتي تتكوَّن منها، ولو كان هذا العقل من السّعة بحيث يستطيع أن يُخضِع تلك المعطيات للتّحليل، لاستطاعَ أن يعبِّر بصيغةٍ واحدةٍ عن حركة أكبر أجسام الكون، وعن حركة أخفِّ الذّرّات وزناً، ولكان علمه بكلّ شيء يقينيّاً، ولأصبح المستقبل والماضي ماثلَين أمام ناظرَيه كالحاضر تماماً».

هذا، ولم تكن الحتميّة الفيزيائيّة إلّا صورة من صُوَر الحتميّة العلميّة الّتي شَمَلت مجالَ علمِ النّفس والعلوم الاجتماعيّة، فنادت الحتميّة النّفسيّة بما قاله هوبز، ومفادُه تقييد نشاط الإنسان وسلوكه الإراديّ بحالاته النّفسيّة السّابقة عليه، أي إنَّ للسُّلوك مسبِّباته. فالإرادة مشروطة دائماً بالبواعث والدّوافع الدّاخليّة الّتي تحدِّد أفعال الإنسان، وإذا ما عُرفت تلك البواعث يكون سهلاً التّنبّؤ بالأفعال. وأضاف الطّبّ النّفسيّ إلى الدّوافع الشّعوريّة دوافع أُخَرَ لا شعوريّة، قال عنها إنّها محدِّدات السّلوك الأصلّية.

واتَّخذ مبدأ الحتميّة دلالات جديدة بعد عودة الفكر الجدليّ لتاريخيّة الفلسفة الحديثة في القرن التّاسع عشر حتّى اليوم، شملت المذهب المثاليّ والمذهب المادّيّ معاً؛ ففي فلسفة الطّبيعة والمجتمع والتّاريخ البشريّ، تمحوَر مبدأ «المادّيّة الجدليّة» أو الحتميّة الجدليّة على قانونَي التّناقض والتّركيب، اللذين يحكمان جميع العلاقات في مستوى الوجود - المادّة، والمعرفة - الفكر، والمجتمع - العلاقات، ووسائط الإنتاج والإنتاجيّة. فظهرت في فلسفة التّاريخ الاجتماعيّ مبدأ «الحتميّة التّاريخيّة» التي ترى أنَّ التّاريخ يسير وفق قوانين ثابتة، وأنّ للأُمم والحضارات دورات حياة تشبه دورة حياة الكائنات الحيّة، ومن هؤلاء فيكو وهيغل وشبنغلر وتوينبي.

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريّات

دوريّات

05/09/2013

دوريّات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات