الملف

الملف

30/12/2013

من خصائص النّبيّ: أشجعُ أهلِ زمانه

من خصائص النّبيّ: أشجعُ أهلِ زمانه

مصارعةُ النّبيّ، ركانة وأبا الأشدِّ بن الجَمْحيّ

------- إعداد: أسرة التّحرير-------

في مجتمعٍ يعتمدُ منطقَ القوّة البدنيّة والفروسيّة، يكثرُ فيه الأشدّاء، فهذا «يعدلُ ألفَ فارس»، وهذا يقفُ على الجِلد فيعجزُ عن جَذْبِه من تحتِه عشرةٌ من الأشدّاء، وذاك «أفتكُ النّاس»، وآخَر «لم يَصْرَعْهُ أحدٌ قطّ، ولم يمسّ جلدُه الأرضَ مغلوباً قطّ»، من الطّبيعيّ أن تواجهَ النّبيَّ دعواتٌ للمصارعة.

ما يلي، نماذج من كُتب السّيرة في هذا المجال.

 

مصارعة النّبيّ «رِكانة»

 وكان رجلٌ من بني هاشم يُقال له: «ركانة»، وكان كافراً من أفتكِ النّاس يَرعى غنماً له بوادٍ يقال له: وادي «إِضَم». فخرج النّبيّ صلّى الله عليه وآله إلى ذلك الوادي فَلَقِيَه ركانة، فقال: لولا رَحِمٌ بيني وبينَك ما كلّمتُك حتّى قتلتُك، أنت الّذي تشتمُ آلهتَنا. ادعُ إلهَك يُنجيك منّي، ثمّ قال: صارِعني، فإنْ أنتَ صَرَعْتَني فلك عشرةٌ من غَنمي، فأخذَه النّبيُّ صلّى الله عليه وآله وصرعَه وجلسَ على صدره، فقال ركانة: فلستَ بي فعلتَ هذا، إنّما فعلَه إلهُك، ثمّ قال ركانة: عُدْ، فإنْ أنتَ صرعتَني فلك عشرةٌ أخرى تختارُها، فصرعَه النّبيّ صلّى الله عليه وآله الثّانية، فقال: إنّما فعلَه إلهُك، عُدْ فإنْ أنتَ صرَعتَني فلك عشرةٌ أخرى، فصرعَه النّبيّ صلّى الله عليه وآله الثّالثة.

فقال ركانة: خَذَلَتِ اللّاتُ والعُزّى، فدونَك ثلاثين شاةً فاختَرها.

فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وآله: ما أريدُ ذلك، ولكنّي أدعوكَ إلى الإسلامِ يَا رِكانة [وأنفس بكَ أن تصيرَ إلى النّار، وإنّك إنْ تُسْلِم تَسْلَم].

فقال ركانة: لا، إلّا أنْ تُريَني آيةً.

فقال نبيُّ الله صلّى الله عليه وآله: اللهُ شهيدٌ عليك الآن إنْ دعوتُ ربِّي فَأَريتُك آيةً لَتُجيبني إلى ما أدعوك؟ قال: نعم.

وقريبٌ منه شجرةٌ مثمرةٌ، قال (النّبيّ): أَقْبِلي بإذنِ الله، فانشقّت باثنَين، وأقبلتْ على نصفِ ساقِها حتّى كانت بين يدَي نبيّ الله.

فقال ركانة: أريتَني شيئاً عظيماً، فمُرْها فَلْتَرجِع.

فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وآله: أللهُ شهيدٌ إنْ أنا دعوتُ ربّي يأمرها فرَجعتْ لَتجيبُني إلى ما أدعوك إليه؟ قال: نعم.

فأمرَها فرجعت حتّى التأَمتْ بشِقِّها.

فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وآله: تُسْلِم؟

 فقال ركانة: أكرهُ أن تتحدّث [نساء أهل المدينة وصبيانُهم] أنّي إنّما أجبتُك لِرُعبٍ دخلَ في قلبي منك، ولكن فاختَر غنمَك، فقال صلّى الله عليه وآله: ليس لي حاجةٌ إلى غَنَمِك إذا أبَيْتَ أن تُسْلِم.

الرّاونديّ- قصص الأنبياء

مصحّحاً في موردين بين معقوفتين [ ]، على (إمتاع الأسماع) للمقريزيّ: 12/88

من هو «رِكانة»

* (ركانة) بكَسر الرّاء وتخفيف الكاف (الشّروانيّ- حواشي الشّروانيّ.. ج9/399).

* رِكانة بن عبد العزيز بن هاشم بن عبد المطّلب بن عبد مناف بن قصيّ بن كلاب: القرشيّ، المطلبيّ، صحابيّ، من مُسلمة الفتح، له أحاديث، وهو الّذي صارعَ النّبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، فصرعَه النّبيُّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم مرّتين أو ثلاثاً بحيث كان سببَ إسلامه. نزل المدينة وتُوفّي بها، في أوّل خلافة معاوية. وقيل في سنة اثنتَين وأربعين، وقيل سنة إحدى، وقيل في خلافة عمر بن الخطّاب وقال أبو نعيم: سكنَ المدينة، وبقيَ إلى خلافة عثمان. ويقال: إنّه لا نظيرَ له في الأسماء. روى عنه ابنه يزيد، وحفيده عليّ بن يزيد، ونافع بن عجير. وكان أشدّ النّاس بحيث يُضرب به المَثل، فيُقال للشّيء إذا كان ثقيلاً: أثقل من محمّد بن ركانة.

(السّخاويّ، التّحفة اللّطيفة في تاريخ المدينة الشّريفة: ج1/350)

***

 

مصارعة أبي الأشدّ الجَمْحيّ؟

جاء في كتاب (الرَّوض الأنِف في شرح السّيرة النّبويّة، ص 65):

«أبو الأشدّ بن الجَمْحيّ: فصل: وذكر ابنُ إسحاق قولَ أبي جهلٍ مستهزئاً: يزعمُ محمّدٌ أنّ جنودَ ربِّه الّتي يُخوِّفكم بها تسعة عشر، وأنتم النّاس، إلى آخر القصّة. وأهل التّفسير يَعزون هذه المقالة إلى أبي الأشدّ بن الجَمْحيّ، واسمُه: كلدة بن أُسيد بن خلف ".." وأنّه قال: اكفوني منهم اثنَين، وأنا أَكفيكم سبعةَ عشر، إعجاباً منه بنفسه، وكان بلغَ من شدّته في ما زعموا أنّه كان يقفُ على جِلد البقرة، ويُجاذِبُه عشرة ، ليَنتزعوه من تحت قدمِه، فيتمزّق الجِلد، ولا يتزحزحُ عنه، وقد دعا النّبيَّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم إلى المصارعة، وقال: إنْ صرعتَني آمنتُ بك، فصرَعَه رسولُ الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم مِراراً ، فلم يُؤمن، وقد نسبَ ابنُ إسحاق خبرَ المصارعة إلى رِكانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطّلب، وسيأتي في الكتاب والله أعلم».

وجاء في ص 139:

«مصارعةُ رِكانة: فصل: وذكر حديث رِكانة ومصارعته النّبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم وقد تقدّم مثلُ هذا الحديث عن أبي الأشدّ (بن) الجَمْحيّ، ولعلّهما أن يكونا جميعاً صارعا رسولَ الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ".."».

* في تفسير (جوامع الجامع، 3/789) حول قوله تعالى ﴿أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌالبلد:5: «والضَّميرُ في ﴿أَيَحْسَبُ﴾ لبعضِ صنَاديدِ قُرَيْش الَّذين كانَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم يُكَابِدُ منْهُم ما يُكَابِدُ، والمعنى: أَيَظُنُّ هذا المُتَعزِّزُ القَويُّ في قَومِهِ ﴿أنْ لَّنْ يَقْدِرَ﴾ على الانتقامِ منْهُ وعلى مكَافَأَتِهِ أَحَدٌ؟ ﴿يَقُولُ أهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً﴾ كَثيراً، يُريدُ: كَثْرَةَ ما أَنْفَقَهُ في ما كانُوا يُسَمُّونَها مَكَارِمَ الأَخلاقِ. ﴿أَيَحْسَبُ أنْ لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ﴾ حينَ كانَ يُنْفِقُ ما يُنْفِقُ رِيَاءَ النَّاسِ؟ يعني: أنَّ اللهَ كانَ يَراهُ، وقيلَ: هو أَبو الأَشَدِّ، رَجُلٌ من جُمَح وكانَ قويّاً، بحيثُ يَقِفُ على أَديمٍ عُكَاظِيٍّ فَيَجُرُّهُ العَشْرَةُ من تَحْتِهِ فيُقْطَعُ ولا يَبْرَحُ من مكَانِهِ».

**

في (زبدة التّفاسير، ج7/244) للملّا فتح الله الكاشانيّ، حول قوله تعالى ﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَالمدّثّر:30:

 

«رُوي: أنّه لمّا نزلت ﴿عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ المدّثّر:30، قال أبو جهلٍ لقُريش: ثكلتكُم أمّهاتكُم، أسمعُ ابنَ أبي كبشة يخبرُكم أنّ خَزَنة النّار تسعة عشر، وأنتم الدَّهْمُ [الكثيرون عدداً] الشّجعان، أفيعجزُ كلُّ عشرةٍ منكم أن يبطشوا بِرَجُلٍ من خَزَنة جهنّم؟! فقال أبو الأشدّ بن أُسيد بن كِلدة الجَمْحيّ وكان شديدَ البطش: أنا أكفيكم سبعةَ عشر، عشرة على ظهري، وسبعة على بَطني، فَاكْفوني أنتم اثنَين. فنزلت: ﴿وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً..﴾ المدّثّر:31 أي: وما جَعلنا الموكّلين بالنّار رجالاً من جنسِكم، بل ما جعلناهم إلَّا ملائكةً ليُخالفوا جنسَ المعذَّبين من الثّقلَين، فلا يأخذهم ما يأخذُ المجانسَ من الرّأفة والرِّقّة، ولا يَستروحون إليهم. ولأنّهم أقوى الخَلق بأساً، وأشدّهم غَضَباً لله، وأقواهم بَطشاً. وعن عمرو بن دينار: واحدٌ منهم يدفعُ بالدّفعةِ الواحدةِ في جهنّم أكثرَ من ربيعة ومضر. وعن النّبيّ صلّى الله عليه وآله: كأنّ أعينَهم البَرق، وكأنّ أفواهَهم الصّياصي [الحصون]، يجرّون أشعارَهم، لأحدهم مثلُ قوّة الثّقلين، يسوقُ أحدُهم الأمّة وعلى رقبتِه جَبل، فيرمي بهم في النّار، ويَرمي بالجبلِ عليهم».

**

المصارعة

جاء في كتاب: (نظام الحكومة النّبويّة، المسمّى التّراتيب الإداريّة، ج2/148) تحت عنوان (المصارعة):

ذكر ابنُ إسحاق في (سيرته)، وغيرُه، أنّه كان بمكّة رجلٌ شديدُ القوّة يحسن الصّراع، وكان النّاس يأتونَه من البلاد للمصارعة فيصرعُهم.

بينما هو ذات يومٍ في شُعبٍ من شعاب مكّة إذ لقيَه النّبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم فقال له: يا «رِكانة» ألا تتّقي اللهَ وتقبل ما أدعوكَ إليه؟

 فقال له: يا محمّد، هل لك من شاهدٍ على صدقِك؟

 قال: نعم، أرأيتَ إنْ صرعتُك، أتؤمنُ باللهِ ورسوله؟

 قال: نعم يا محمّد، فقال له: تَهَيّأْ للمُصارعة، فقال تَهَيّأتُ.

 فدنا منه رسولُ الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم فصرعَه.

 قال (الرّاوي): فتعجّب «رِكانة» ثمّ سألَه الإقالةَ والعودةَ، ففعلَ به ذلك ثانياً وثالثاً، فوقف «ركانة» متعجّباً وقال: إنّ شأنَك لَعجيب.

رواه أبو نعيم والبيهقيّ عن أبي أمامة من طريقَين مرفوعاً ومُرسَلاً، و«رِكانة» المذكور هو ابنُ عبد يزيد بنِ هاشم بنِ المطّلب بن عبد مناف القرشيّ المكّيّ الصّحابيّ الّذي أسلمَ عامَ الفتح وتُوفّي في المدينة في خلافة معاوية عام 42، وكان شديدَ البأس قويّاً جسيماً معروفاً بالقوّة في المصارعة بحيث إنّه لم يصرعه أحدٌ قَطّ، ولم يمسّ جِلدُه الأرضَ مغلوباً قَطّ، وقد صحّ أنه صلّى الله عليه [وآله] وسلّم صارعَه فصرعَه. (قاله الخفاجيّ في النّسيم).

 وفي (حواشي ابن الطيّب الفاسيّ على القاموس) في «ركانة»: قصّتُه مشهورة وصرع النّبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم من أعظم معجزاته، وكان «ركانة» أصرعَ أهلِ زمانه، وكان من شدّته أنّه يقفُ على جِلد بعيرٍ ليِّنٍ جيّدٍ حين سَلْخِه فيجذبُه من تحتِه عشرة، فيتمزّقُ الجِلدُ ولا يتزحزحُ هو عن مكانِه كما في (شروح الشّفا) و(المواهب) وغيرهما.

وقال في كتاب (نظام الحكومة..): قلت: قصّة «ركانة» المذكورة رواها الحاكم في (مستدركه) عن أبي جعفر بن محمّد بن ركانة المصارع عن أبيه محمّد ".." وعندي رسالة لطيفة للحافظ السّيوطيّ سمّاها (المسارعة إلى المصارعة) ذكر فيها مصارعةَ النّبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم لأبي ركانة من طُرق، ومصارعة صغار الصّحابة فيما بينهم ليَنجحوا في الإذن لهم في شهودِ الغَزو، وأنّ أهلَ مكّة كانوا لا يصارعون أحداً إلّا صَرعوه حتّى رَغِبوا عن ماء زمزم، ومن طُرُق، مصارعة الحَسن للحُسين عليهما السّلام بمَرأىً منه صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، وقال في (نسيم الرّياض): على حديث رِكانة يقتضي جواز المصارعة، إلّا أنّهم قالوا بالمال حرام كالمسابقة عليه، أو أنّه من خصائصه عليه السّلام.

 

**

أدعو لكَ هذه الشّجرةَ الّتي تَرى فتَأتيني

تُجمعُ بعضُ نصوص قصّة رِكانة بين الحديث عن المصارعة وبين دعوة النّبيّ صلّى الله عليه وآله الشّجرة، وفي بعضها -كما تقدّم- الحديثُ عن دعوة النّبيّ صلّى الله عليه وآله «العِذْقَ» وهو من النّخلة كالعنقود من العنب، ويبدو أنّ تعدُّد حوادث المصارعة وتعدُّد دعوة الشّجرة تسبَّبا بتَداخل القِصص في بعض النّصوص.

ومن النّصوص الّتي وردَ فيها ذِكر دعوة النّبيّ الشّجرة، ما جاء في كتاب (الاكتفاء بما تضمّنه من مغازي رسول الله والثّلاثة الخلفاء، ج1/ 231) لسليمان بن موسى الكلاعيّ (ت: 634 للهجرة):

«وذكرَ محمّدُ بن إسحاق، عن أبيه قال: كان رِكانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلّب أشدَّ قريش، فخَلا يوماً برسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم فى بعض شِعاب مكّة، فقال له: يا رِكانة، ألا تتّقي اللهَ وتقبل ما أدعوك إليه؟! قال: لو أعلمُ أنّ الّذي تقول حقٌّ لاتّبعتُك.

فقال رسولُ الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم: أفرأيتَ إنْ صَرعتُك، أتعلمُ أنَّ ما أقولُ حقّ؟

قال: نعم. قال: فقُمْ حتّى أصارعَك. فقام إليه رِكانة فصارعَه، فلمّا بطشَ به رسولُ الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم أضجعَه لا يملكُ من نفسه شيئاً، ثمّ قال: عُدْ يا محمّد. فعادَ فصرعَه. فقال: يا محمّد، إنّ ذا لَلعَجَب، أتصرعني!! قال رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم: وَأَعجبُ من ذلك إنْ شئتَ أنْ أُرِيكَه إن اتّقيتَ اللهَ واتّبعتَ أمري، قال: ما هو؟ قال: أدعو لكَ هذه الشّجرةَ التي ترى فتَأتيني. قال: ادعُها. فدعا بها، فأقبلتْ حتّى وقفتْ بين يدَي رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم فقالَ لها: اِرجعي إلى مكانِك، فرجعتْ إلى مكانها، فذهب رِكانة إلى قومِه فقال: يا بني عبد مناف، ساحِروا بصاحبِكم أهلَ الأرض، فَوَاللهِ ما رأيتُ أسحرَ منه قطُّ. ثمّ أخبرهم بالّذي رأى وصنع».

وجاء في الهامش: انظُر الحديث في: (البداية والنّهاية) لابن كثير (3 / 103)، (دلائل النّبوّة) للبيهقيّ (6 / 250)، أبي داود في (المراسيل) (308)، البيهقيّ في (السُّنن الكبرى) (10 /18).

**

مصارعةُ رِكانة، وكيف أراهُ الشّجرةَ الّتي دعاها فأَقبلتْ

من المصادر الّتي وردَ فيها ذِكرُ مصارعة رِكانة مقترناً بذكر الشّجرة –كما ورد في نصّ القطب الرّاونديّ- كتاب (السّيرة النّبويّة) لابن كثير، ج2/81-83، فقد قال تحت عنوان:

«قصّة مصارعة رِكانة، وكيف أراه صلّى الله عليه [وآله] وسلّم الشّجرة الّتي دعاها فأقبلتْ،

قال ابنُ إسحاق: وحدَّثني أبي إسحاقُ بنُ يَسار قال: كان رِكانة بنُ عبد يزيد بنِ هاشم بنِ المطّلب بنِ عبد مناف أشدَّ قريش، فخَلا يوماً برسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم في بعض شِعاب مكّة، فقال له رسولُ الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم: يا رِكانة، ألا تتّقي اللهَ وتقبل ما أدعوكَ إليه؟

قال: إنّي لو أعلمُ أنّ الّذي تقول حقٌّ لاتَّبعتُك.

فقال له رسول الله: أفرأيتَ إنْ صرعتُك، أتعلمُ أنّ ما أقول حقّ؟ قال: نعم. قال: فقُم حتّى أصارعَك.

قال: فقام ركانة إليه فصارعَه، فلمّا بطشَ به رسولُ الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم أضجعَه لا يملكُ من نفسِه شيئاً.

ثمّ قال: عُدْ يا محمّد. فعادَ فصرعَه. فقال: يا محمّد، والله إنّ هذا لَلْعَجب، أتصرعُني؟!

قال: وأعجبُ من ذلك إنْ شئتَ أُرِيكَه، إنِ اتَّقيت اللهَ واتَّبعتَ أمري.

قال: وما هو؟ قال: أدعو لكَ هذه الشّجرةَ الّتي ترى فتَأتيني. قال: فادعها.

فدعاها فأقبلتْ حتّى وقفت بين يدَي رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم. فقال لها: اِرجعي إلى مكانك! فرجعتْ إلى مكانها.

قال: فذهب رِكانة إلى قومه فقال: يا بني عبد مناف ساحِروا بصاحبكم أهلَ الأرض، فوَاللهِ ما رأيتُ أسحرَ منه قطّ! ثمّ أخبرَهم بالّذي رأى والّذي صنع.

هكذا روى ابنُ إسحاق هذه القصّة مرسلةً بهذا البيان.

وقد روى أبو داود والتِّرمذيّ من حديث أبي الحَسن العسقلانيّ، عن أبي جعفر بن محمّد بن ركانة، عن أبيه، أنّ ركانة صارع النّبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، فصرعَهُ النّبيُّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم. ثمّ قال التّرمذيّ: غريب. ولا نعرف أبا الحسن ولا ابنَ ركانة.

قلت: وقد روى أبو بكر الشّافعيّ بإسنادٍ جيّد، عن ابن عبّاس رضي الله عنهما: أنّ يزيد بن ركانة صارع النّبيَّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم فصرعَه النّبيُّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ثلاثَ مرّات، كلّ مرّة على مائةٍ من الغَنم، فلمّا كان في الثّالثة قال: يا محمّد، ما وَضع ظهري إلى الأرض أحدٌ قبلك، وما كان أحدٌ أبغض إليَّ منك، وأنا أشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا الله وأنّك رسولُ الله. فقام عنه رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، وردَّ عليه غنمَه.

وأمّا قصّة دعائه الشّجرة فأقبلت، فسيأتي في كتاب (دلائل النّبوّة) بعد السّيرة من طرقٍ جيّدة صحيحة في مرّاتٍ متعدّدة. إن شاء الله وبه الثّقة.

وقد تقدّم عن أبي الأشدّين أنّه صارع النّبيَّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم فصرَعَه رسولُ الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم».

* يلاحَظ أنَّ بعض المصادر تعبِّر عن الجمحيّ بـ «أبي الأشدّين»، كما ورد هنا في نصّ ابن كثير، وفي أكثرها على ما يبدو بـ «أبي الأشدّ بن الجَمحيّ» والظّاهر أنّ الأوّل تصحيف.

 

ولولا أبو طالبٍ وابنُه

من أساليب ابن أبي الحديد في إيصال الفكرة، دون أن يشيطَ بدمه، مختصَره المفيد حولَ كافل الرّسول الأعظم صلّى الله عليه وآله في أصعبِ مراحل الإسلام.

قال ابنُ أبي الحديد: صنَّف بعضُ الطّالبيّين في هذا العصر كتاباً في إسلام أبي طالب، وبَعثَه إليّ

وسألَني أن أكتبَ عليه بخطّي نَظْماً أو نَثْراً، أشهدُ فيه بصحّة ذلك، وبوَثاقة الأدلّة عليه، فتحرَّجتُ أن أحكمَ بذلك حكماً قاطعاً، لِما عندي من التّوقُّف فيه، ولم أَستجِز أن أقعدَ عن تعظيم أبي طالب، فإنّي أعلمُ أنّه لولاه لَمَا قامت للإسلام دعامة. وأعلمُ أنّ حقّه واجبٌ على كلّ مسلمٍ في الدّنيا إلى أن تقومَ السّاعة، فكتبتُ على ظاهر المجلّد:

ولولا أبو طالبٍ وابنُه             لما مَثَل الدِّينُ شخصاً فقاما

فذاكَ بمكّةَ آوى وحامى                  وهذا بيَثربَ جسَّ الحِماما

تكفَّلَ عبدُ منافٍ بأمرٍ             وأَودَى فكانَ عليٌّ تماما

فقل في «ثَبِيرٍ» مضى بعد ما            قضى ما قضاه وأبقى «شماما»

فللَّه ذا فاتحاً للهدى              ولله ذا للمعالي خِتاما

وما ضرَّ مجدَ أبي طالبٍ         جَهولٌ لغا أو بصيرٌ تَعامى

كما لا يضرّ إياةَ الصّباحِ         مَن ظَنَّ ضوءَ النّهار الظّلاما

فوفيتُه حقَّه من التّعظيم والإجلال، ولم أجزم بأمرٍ عندي فيه وقف.

____

*«ثَبير» و«شمام» اسما جبلَين.

*إياة الصّبح: ضوءه، وأصلُه في الشّمس.

(شرح نهج البلاغة: ج 14/ ص 84)

 

اخبار مرتبطة

  دوريّات

دوريّات

02/01/2014

دوريّات

نفحات