يزكّيهم

يزكّيهم

25/04/2014

كيف نرجو الله تعالى؟


كَيْفَ نَرْجو اللهَ تَعالى؟

لِكُلِّ عَمَلٍ حَقيقِيٍّ أَثَرٌ

ـــــ الميرزا الملكيّ التّبريزيّ قدّس سرّه ـــــ

 

في سِياقِ بَيانِهِ لِمَعاني دُعاء «يا مَنْ أَرْجُوهُ لِكُلِّ خَير..»، المَرويِّ عَنِ الإِمامِ الصّادِقِ عليه السّلام، والّذي تُسْتَحبُّ قِراءتُهُ طيلَةَ أَيّامِ شَهْرِ رَجَبٍ وَفي أَعْقابِ الفَرائِضِ، يَقِفُ العَلّامَةُ المَلَكي التَّبْريزِيُّ في كِتابِهِ (المُراقَبات) عِنْدَ مَعْنى «الأَمْنِ مِنْ سَخَطِ اللهِ تَعالى»، مُبَيِّناً أَنَّ الدُّعاءَ بِشُروطِهِ مِفْتاحٌ لِكُلِّ خَيْرٍ، وَأَنَّ لِلرَّجاءِ أَماراتٍ خارِجِيَّةً يَسْتَدِلُّ بِها العَبْدُ عَلى صِدْقِ رَجائِهِ.

لا تَغفلْ أنّك تقولُ في أوّلِ هذا الدُّعاءِ إنّك ترجو اللهَ لكلِّ خيرٍ، وتأمنُ سخَطَهُ عند كلِّ شرّ، ومن (مظاهر) هذا السّخَطِ مَكْرُ الله، والحال أنّ الأمْنَ من مَكْرِ اللهِ من المَعاصي الكبيرة، فَلْيَكُن قصدُك من هذه العبارةِ (مشروطاً بـ) التّوبة، فكأنّك تقول: أَمَّن [يا مَن] جَعَلَ لعبادِه طَريقاً إذا سَلَكوه أمِنوا سخَطَه، وهو التّوبة. وهذا ليس أَمْناً فِعليّاً من مَكْرِ الله.

وكذا قولك: «أَرْجُوهُ لِكُلِّ خَيْرٍ»، فكأنّك تَقولُ: يا مَنْ جَعَلَ لِعبادِهِ طَريقاً إذا سَلَكوه، وفتحَ لهم باباً إذا دَخلوا منه، نالوا به كُلَّ خيرٍ يريدونه، وهو الدُّعاء.

مَنْشَأُ الرَّجاءِ دَليلٌ عَلى صِدْقِهِ

اعلم أنّك لا تنالُ لِخيرِ الدُّعاء وإجابته كمالاً إلّا إذا اتّصفَ سرُّك وروحُك وقلبُك بصفاتِ الدُّعاء، والاتّصافُ بصفاتِه (يتحقّق عندما ينطلق دعاؤك من) سرّك وروحك وقلبك، مثلاً إذا قلتَ: أرجوكَ لكلِّ خيرٍ، تكون راجياً اللهَ بِسِرِّكَ وروحِكَ وقَلْبِكَ، ولِكلٍّ منها آثارٌ، (فاحرص أن تظهر) آثارُه في عَمَلِكَ، فمَن تحقّق الرَّجاءُ في سرِّه وحقيقتِه، فكأنّه يصيرُ رجاءً كلّه، ومَن كان ذلك في روحه فكأنّه تكون حياته بالرّجاء، ومَن كان راجياً بقلبه تكون أعمالُه الّتي يُصدرها عن قصدٍ واختيار ملازمةً للرّجاء، فاحذر أن (تخلو) شؤونُك من الرّجاء.

(انظُر) هل ترى في حركاتِك أثرَ الرّجاء، وهو الطلّب، أم لا؟ أمَا سمعتَ قولَ المعصوم عليه السّلام: «مَنْ رَجا شَيْئاً طَلَبَهُ»، وهو كذلك؛ لأنّك ترى في أحوالِ الرّاجين من أهل الدُّنيا في الأمور الدُّنيويّة، أنّهم إذا رَجوا خَيْراً من أحدٍ أو شيءٍ، طلَبوه من هذا الشّخص ومن هذا الشّيء الّذي رجوه فيه بقدر رجائهم.

وقِسْ على الرّجاءِ غَيْرَهُ من مَطالبِ الدّعاءِ من التَّسبيح، والتّهليل، والتّحميد، والتَّضرُّع، والاستكانَة، والاستغفار، والتّوبة، فإنّ كلّ ذلك له حقائقُ ودعاوى، فالأَثَرُ للحقيقة، مثلاً إذا كنت بسرّك وروحك وقلبك منزِّهاً لله تعالى عن النّقائص، فكيف لا (تَثِقُ بـ) وعده في أمر رزقِك وقد ضمنَه لك، وإذا كنتَ مُنزِّهاً له من أن يكونَ له شريكٌ في مُلكِه، فكيفَ تَخافُ غيرَه في طاعتِه، ولا تَخافُه في طاعةِ الغيرِ بِمَعْصِيَتِهِ؟

بل لو كنتَ عارفاً حقّ المعرفة أنّ الله يسمعُ دُعاءَك، ويرى باطِنَك كما يرى ظاهِرَك، وأنتَ بين يَدَيْهِ مُسخَّرٌ مَربوبٌ وهو يفعلُ ما يشاءُ بك، فلا أقلَّ من أن تهابَه (وتجتنبَ) في حضوره الكَذِبَ والفِرية، والدّعاوى الباطلة، فالمُظهِرُ لمراسمِ العُبوديّةِ صورةً لا باطناً، يُسمَّى مستهزئاً عندَ أهلِ العُرف، لكنّ واقعَ الأمرِ في الأغلب ليس كذلك، لأنّ خُلُوَّ الباطنِ عن مَراسمِ العُبوديّةِ وحَقائِقِها ليس مَعلوماً للعبد، بل هو يَرى أنَّ عِبادتَه حقيقيّةٌ وليستْ بِصُوريّة، وهو مَغرورٌ، (و) بذلك يَخْرُجُ عن المُستهزئين، ولكنّه يدخلُ في الْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ الكهف:104.                                    (بتصرّف)

 

 

اخبار مرتبطة

  ملحق شعائر 14

ملحق شعائر 14

  دوريّات

دوريّات

25/04/2014

دوريّات

نفحات