أحسن الحديث

أحسن الحديث

منذ 4 أيام

تفسيرُ القرآن الكريم


تفسيرُ القرآن الكريم

لمحة موجَزة في أصوله، وأبرز مناهجِه

ـــــ إعداد: «شعائر» ـــــ

«القرآنُ الكريم واضحٌ ومُيسّر للفهم، وكلّ مَن كان أصفى فطرةً وأكثر فِكراً وتدبّراً، فإنّه يحظى بفهمٍ أكبر، ويكون القرآن شفاءً ومصحّحاً للآراء والأفكار الّتي يحملها.

ولكن تبقى الحقائق المعنويّة وراء ستار الظّواهر، فاستلزمَ حَلُّها والكشفُ عن معانيها إلى فقهٍ ودراسةٍ، وتدبّرٍ، وإمعانِ نظر. هذا مضافاً إلى غرائب اللّغة الّتي جاءت في الكتاب المجيد على أفصحها وأبلغها، ما استوجب تفسيراً وكشفاً لما غمضَ من معانيها».

المقال التّالي في أصول تفسير القرآن الكريم وطرائقه، اختصرناه عن كتاب (دروس قرآنيّة)، من إعداد «مركز نون للتّأليف والتّرجمة»، في بيروت. 

 

قد يتمكّن أيّ إنسان من فهم ظواهر الألفاظ القرآنيّة، ولكنّه لن يصل إلى فهم مقاصده الأصليّة ومراميه الكلّيّة، إلّا من باب تزكية النّفس وتطهيرها من الأدران الخُلقيّة، فما دام الإنسانُ أسيرَ أهوائه وغرائزه، فإنّه لا يستطيع أن يدرك القرآن الّذي هو نور.

يقول الإمام الخمينيّ قدّس سرّه، في كلامٍ له عن القرآن الكريم:

 «الّذين يقفون خلف حُجُبٍ عديدة لا يُمكنهم أن يدركوا النّور.. ما دام الإنسانُ لم يخرج من حجاب نفسه المُظلم جدّاً، وطالما أنّه مُبتلى بالأهواء النّفسيّة، وبالعُجب، وبالأمور الّتي أَوْجَدَها في باطن نفسه، وتلك الظّلمات الّتي بعضُها فوق بعض، فإنّه لا يكون مؤهّلاً لانعكاس هذا النّور الإلهيّ [أي نور القرآن] في قلبه».

***

لا بدّ للمفسّر في استكشاف مُراد الله تعالى في القرآن الكريم، من التزام أحد ثلاثة أمور، هي أصول ُالتّفسير ومداركه:

1) اتّباعُ ظواهر الكتاب العزيز:

المُراد من ظاهر القرآن ما يفهمه العارفُ باللّغة العربيّة الفصيحة، من اللّفظ، ولم يقم على خلافه قرينة عقليّة أو نقليّة مُعتبرة، فالقرآن نزل بلسان يسيرٍ واضحٍ ومفهوم، وخاطبَ النّاسَ بالطّريقة المألوفة: ﴿..وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا..﴾ الحشر:7.

2) ما حكم به العقل الفطريّ الصّحيح:

الآيات القرآنيّة الّتي ينافي ظهورها الابتدائيّ أحكام العقل القطعيّة لا بدّ من حملها على معنًى يتلاءم مع تلك الأحكام، فالعقل يقطع بِوُجود الإله بعد التّفكّر والتّدبّر وعدم جواز الجسميّة له، فقوله تعالى: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾ الفجر:22، وإن كان ظاهراً ابتداءً في كون الجائي هو الرّبّ نفسه، المستلزم للجسميّة المُمْتَنِعَة في حقّه تعالى، إلّا أنّ حكم العقل القطعيّ باستحالة ذلك - لاستلزامه حاجة الخالق إلى جسمٍ، ما يجعله فقيراً مُحتاجاً كمخلوقاته -  يوجب عدم انعقاد ظهورٍ له في هذا المعنى، وهو اتّصافُ الرّبّ بالمجي‏ء المادّيّ، وعليه فلا بدّ من أن يكون المقصود بالمَجي‏ء معنى آخر، كحضور صفة من صفات الله تعالى.

3) ما ثبت عن المعصوم، من النّبيّ صلّى الله عليه وآله، أو الإمام عليه السّلام:

أمّا الإمام فلأنّه أحد الثّقلَيْن اللّذين أمَرَنا رسول الله صلّى الله عليه وآله بالتمسّك بهما. والأئمّة كما قال الصّادق‏ عليه السّلام: «وُلاةُ أَمْرِ اللهِ، وَخَزَنَةُ عِلْمِ اللهِ، وَعَيْبَةُ وَحْيِ اللهِ».

كما أنّ في القرآن قواعد كُلّيّة ومفاهيم عامّة لا نفهم جزئيّاتها وتفاصيلها وحدودها إلّا من خلال الرّسول صلّى الله عليه وآله، والعترة عليهم السّلام، وهذا ما يعبَّر عنه بالتّبيين. قال تعالى: ﴿..وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ..﴾ النّحل:44.

وذلك من قبيل قوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ..﴾ البقرة:110. فيأتي بيان النّبيّ صلّى الله عليه وآله: «صَلُّوا كَما رَأَيْتُموني أُصَلّي».

والمفسِّر عندما يريد كشفَ مراد الله تعالى، يتسلّح بهذه الأمور الثّلاثة ويعتمد عليها، فلا يجوز الاعتماد على الظُّنون والاستحسان، ولا على شي‏ءٍ لم يثبت أنّه حجّة من طريق العقل، أو من طريق الشّرع، للنّهي عن اتّباع الظّنّ، وحرمة إسناد شي‏ءٍ إلى الله بغير إذنه.

قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ..﴾ الإسراء:36. والرّوايات النّاهية عن التّفسير بالرّأي مستفيضةٌ من الطّرفَين.

 

 

طرائق التّفسير

 قد ظهرت طرائقُ مُتعدّدةٌ في تفسير القرآن الكريم عند المسلمين عامّة، نتيجة التّحوّلات الفكريّة الّتي شهدتها الأجيال اللّاحقة، ابتداءً من القرن الثّاني الهجريّ فصاعداً؛ كالتّفسير بالمأثور، والتّفسير الفلسفيّ، والتّفسير الصّوفيّ، والتّفسير الكلاميّ، والتّفسير البيانيّ، والتّفسير اللُّغويّ، والتّفسير التّاريخيّ، والتّفسير العلميّ. ونحن ذاكرون لكم بعضاً من هذه الطّرائق:

1- تفسير القرآن بالقرآن: 

وهو يتمّ من خلال مقابلة الآية بالآية، فما أُجمِل منها في مكان يتمّ تفسيره في مكانٍ آخر.

ورد عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله: «..وَإِنَّ القُرْآنَ لَمْ يَنْزِلْ لِيُكَذِّبَ بَعْضُهُ بَعْضاً، وَلَكِنْ نَزَلَ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضاً».

والقرآن كما قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «يَشْهَدُ بَعْضُهُ عَلى بَعْضٍ، وَيَنْطِقُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ».

كما أنّ الأئمّة المعصومين عليه السّلام، كانوا يستعملون هذا الأسلوب في استدلالاتهم واحتجاجاتهم من قبيل ما ذكر في (الكافي) عن عليّ بن يقطين، قال: «سأل المهديّ (العبّاسيّ) أبا الحسن [الإمام الكاظم] عليه السّلام عن الخمر، هل هي محرّمة في كتاب الله عزَّ وجلَّ؟ فإنّ النّاس إنّما يعرفون النّهيَ عنها ولا يعرفون تحريمها؟

فقال له أبو الحسن عليه السّلام: بلْ هِيَ مُحَرَّمَةٌ.

فقال: في أيّ موضع هي مُحرّمة في كتاب الله عزَّ وجلَّ، يا أبا الحسن؟

فقال عليه السّلام: قَوْلُ اللهِ تَعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ..﴾ الأعراف:33.

إلى أن قال عليه السّلام: فَأَمَّا الإِثْمُ فَإِنَّها الخَمْرُ بِعَيْنِها، وَقَدْ قالَ اللهُ تَعالى في مَوْضِعٍ آخَرَ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا..﴾ البقرة:219. فَأَمّا الإِثْمُ في كِتابِ اللهِ، فَهِيَ الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ، وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما كَما قالَ تَعالى».

ومن التّفاسير التي اتّبعت هذا الأسلوب، (الميزان في تفسير القرآن) للعلّامة الطّباطبائيّ.

2- التفسير الرّوائيّ: 

وهو التّفسير بالأحاديث الواردة عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله، والأئمّة عليهم السّلام. والأحاديث هذه تبلغ الآلاف من طريق الشّيعة، وفيها مقدارٌ كبيرٌ من الأحاديث الّتي يُمكن الاعتمادُ عليها.

وينبغي الالتفاتُ إلى أنّه ربّما تشير الرّوايات إلى المِصداق الأكمل في تفسير الآية، وهذا لا يمنع من تفسير الآية بطريقة أخرى توافق ظاهرها. وقد ثبت أنّ المَوْرِدَ لا يُخصِّصُ الواردَ، إلّا أن تقوم قرينةٌ قطعيّة على أنّ آيةً مُعيّنةً قد انحصرت في مَوْرِدِها كما في آية: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ..﴾ المائدة:55. ومن التّفاسير الّتي اتّبعت هذه المنهجيّة كتاب (نور الثّقلَيْن).

3- التّفسير اللّغويّ:

وهو تفسير مُفردات القرآن واشتقاقاتها وأصولها، كتفسير (مجمع البيان) للشّيخ الطّبرسيّ، و(مجمع البحرين) للشّيخ الطّريحيّ.

هذا، وقد تباينت توجّهات المُفسّرين واختلفت الجهات الّتي احتجّوا بها، كالجهة البلاغيّة، والفقهيّة، والكلاميّة، والفلسفيّة، والأخلاقيّة.

 

 

 

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريّات

دوريّات

منذ يوم

دوريّات

نفحات