مرابطة

مرابطة

26/07/2014

«مملكة داعش»


«مملكة داعش»

الكارثة السّعوديّة.. السّعوديّة الكارثة

____ بقلم: جان عزيز*____

«أن تكون دولة في الألفيّة الثّالثة باسم عائلة، وأن يكون شعب رعيّة بلا هويّة، وأن يكون الآخَر مُلغى، والعقل مُلغى، والفنّ مُلغى، ".." والمرأة مُلغاة... في الفكر والواقع، بالقوّة وبالفعل. هنا تكمن الكارثة السّعوديّة».

مقالة مختارة من جريدة «الأخبار» اللّبنانيّة، تستحقّ الوقوف على ظاهرةٍ عجيبة؛ دولة تعيش في القرن الحادي والعشرين، بمقوّمات قرونٍ خلت، اندثرت أسباب بقائها، إلّا أنّها لا تزال قائمة، بل وتسعى لتلميع صورتها.

مع انتفاضة «داعش» العُنفيّة الدّمويّة من شمال غرب العراق، مروراً بسوريا، وصولاً إلى قلب لبنان، تحرّكت الماكينة البروباغانديّة السّعوديّة لمعالجة الأضرار الجانبيّة الّتي يمكن للتّنظيم التّكفيريّ الإرهابيّ أن يكون قد ألحقَها بصورة الدّولة العائليّة. خطّة شاملة وممنهجة وُضعت في الرّياض، طالبة من ممثّليّاتها الدّبلوماسيّة في العواصم المَعنيّة، التّحرّك بسرعة وفاعليّة.

الأهداف المعلنة هي إدانة ارتكابات «داعش» أوّلاً، وتأكيد رفض مملكة العائلة السّعوديّة لها ثانياً، والعمل ثالثاً بكلّ الوسائل المتاحة على «تبييض» صورة العائلة ونظامها أيّاً كان الثّمن. مع رصد إمكانات هائلة وُضعت بتصرّف حملة العلاقات العامّة تلك، للتّعاون مع صحافيّين ووسائل إعلام وأقلام وصفحات ومواقع، وألسن وسياسيّين وصانعي رأي عامّ... دفاعاً عن دولة العائلة.
وفي هذا السّياق، تشدّد الحملة السّعوديّة المُضادّة، على عدد من العناوين التّسويقيّة لمعركتها الصّعبة، خصوصاً في بيروت، وبالأخصّ بعد انكشاف التّابعيّات السّعوديّة لعدد من المُشتبه بارتكابهم الجرائم الدّاعشيّة الإرهابيّة.

تلميعاً لصورة العائلة

عنوان أوّل عامّ، هو أنّ مملكة العائلة تمثّل إسلام الاعتدال في مواجهة إسلام الضّلال الإرهابيّ. ثانياً، أنّ نظام العائلة نفسها كان قد صنَّف «داعش» تنظيماً إرهابيّاً منذ آذار الماضي، إضافة إلى سواها من التّنظيمات، مثل «جبهة النّصرة»، و«الإخوان المسلمون»، و«حزب الله السّعوديّ»، وغيرها. ثالث عناوين بروباغاندا العائلة السّعوديّة، أنّه من المرجّح أن تكون خلايا الإرهاب الدّاعشيّ في بيروت تُخطّط لاستهداف مصالح العائلة السّعوديّة نفسها، وعلى خلفيّة هذا التّصنيف الإرهابيّ بالذّات، مع تفصيلٍ بليد مكمِّل لهذا العنوان، يحاول الإيحاء بأنّ «داعش» وأخواتها باتت مُتضرّرة جدّاً من قرار نظام العائلة المذكور. ذلك أنّه حظَّر على أيّ سعودي تقديم أيّ دعمٍ ماليٍّ لتلك الحركات. علماً أنّ هذه الحُجّة السّمجة، تُعتبَر إدانة للعائلة أكثر ممّا هي إنجاز لسياساتها في مكافحة الإرهاب. وفي السّياق نفسه، يأتي العنوان الأخير الّذي تسعى الحملة الدّعائيّة إلى تسويقه، وهو أنّ أيّ تحقيق لم يظهر مرّة واحدة، منذ بدء الموجات التّكفيريّة والإرهابيّة، بأنّ أيّاً منها قد نال أيّ دعمٍ ماليٍّ رسميٍّ من العائلة السّعوديّة كنظام دولة. مع ما يعني ذلك من إقرارٍ بقنوات تمويل أخرى، ظلّت تُعتبَر فرديّة وشخصيّة، ومبادرات تلقائيّة لا علاقة لدولة العائلة بها.

اللّافت في هذه الحملة، أنّها تخاطب العقل الغربيّ، وخصوصاً الأميركيّ منه، في سطحيّته وفي أحاديّة فكره السّياسيّ. كأنّما الفكر التّكفيريّ والإرهابيّ هو مجرّد عبوة، أو عبارة عن مادّة «سي 4» وصاعق لا غير. وبالتّالي كأنّما الإرهاب التّكفيريّ هو مختزل ومقتصر على حفنة البترو ـــ دولار الّتي اشترت المادّة المتفجّرة، أو دفعت ثمن الصّاعق، أو أمّنت بدل أتعاب الأصوليّ المُفجِّر أو المُتفجِّر. ولذلك نرى الأبحاث الغربيّة عموماً والأميركيّة تحديداً، تركِّز على الجانب التّمويليّ للإرهاب التّكفيريّ لا غير. منذ 11 أيلول وإجراءات «باتريوت آكت»، وصولاً إلى كلّ تحقيقات وزارة الخزانة الأميركيّة، وانتهاء بدراسات مراكز الأبحاث. فيما الحقيقة المركزيّة في مكانٍ آخر.

السّعوديّة، دولة عائلة، وشعب بلا هويّة

جاءت الطّامّة الكبرى مع تنافس قطر والمملكة على سرعة العودة إلى الخلف، وهي أنّ الإرهاب لا يبدأ في الذّراع الّتي فجَّرت. بل في العقل الّذي كفّر. وفي هذه النّقطة الجوهريّة بالذّات، تظهر المسؤوليّة الجرميّة والجنائيّة، المعنويّة والمادّيّة الكاملة لنظام العائلة السّعوديّة. من مصر إلى لبنان تتّضح تلك الكارثة الّتي خلّفتها ذهنيّة تلك المملكة وسلوكيّتها. مصر ولبنان بالذّات، لأنّهما أبرز نموذجين لحداثة العالم العربيّ وحضارته وانفتاحه وثقافته وصحافته وتلاقحه مع العالم ومع العصر، ومع رفاه الإنسان وحقوقه. فالقاهرة كانت ولا تزال وستظلّ رائدة العالم العربيّ، وقاطرة فكره وسياسته وثقافته. ومَن يشاهد فيلماً سينمائيّاً لمصر الخمسينات، يسأل نفسه أيّ كارثة حلّت بهذا البلد في غضون نصف قرن، على صعيد حضارته وثقافته وفنونه وكلّ أنشطة العقل والحياة فيه. يروي الشّاهد على كلّ حياة مصر، علاء الأسوانيّ، أنّ تلك الكارثة بدأت بعد العام 1973؛ بعد الحرب وأزمة النّفط واضطرار القاهرة إلى أموال الرّياض، وسط بهلوانيّات السّادات ومنهجيّة النّظام السّعوديّ في اختراق الأفكار والعقول. دخل المال السّعوديّ إلى مصر، ودخل معه العقل الوهّابيّ إلى إسلام مصر. وبدأ الانهيار. بعدها جاءت الطامّة الكبرى طبعاً، مع تنافس قطر والسّعوديّة على سرعة العودة إلى الخلف وعلى تسارع التّخلّف. فصارت الكوارث العربيّة تتوالى بسرعةِ انقطاع الضّوء.

في لبنان، العنوان نفسه، والانهيار نفسه. يروي الكاتب محمّد أبي سمرا، في كتابه البحثيّ الموثَّق، (طرابلس ساحة الله وميناء الحداثة)، كيف أنَّ النّواة الأولى للأُصوليّة هناك بدأت بدعمٍ سعوديٍّ، وتمويلٍ سعوديٍّ، وإيعاز ونموذج سعوديّين. من جماعة «الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر» الوهّابيّة السّعوديّة، إلى «نواة الجيش الإسلاميّ» في لبنان، أوّل تسمية مذهبيّة عنفيّة دخلت تركيبة الشّخصيّة اللّبنانيّة، مثل فيروس معلوماتيّ لم يلبث أن شاع وشلع وشنّع... حتّى أنّ وزيراً طرابلسيّاً يروي طرفةً أنّ أحد المتنوِّرين الطّرابلسيّين ترشّح قبل أعوام لانتخابات بلديّة طرابلس. فجعل لبرنامجه الانتخابيّ عنواناً وحيداً: «أَعِدُكم العمل على إعادة طرابلس نصف قرن إلى الوراء»!

مسؤوليّة نظام العائلة السّعوديّة ليست في التّمويل، ولا في جنسيّات الإرهابيّين، ولا في إلغاء سمات الدّخول، ولا في الصّراع المذهبيّ مع الشّيعة، ولا في التّنافس الجيو-استراتيجيّ مع إيران. مسؤوليّة نظام تلك العائلة هي أوّلاً وأخيراً في الفكر. هي في أن تكون دولة في الألفيّة الثّالثة باسم عائلة، وأن يكون شعب رعيّة بلا هويّة، وأن يكون الآخَر مُلغى، والعقل مُلغى، والفنّ مُلغى، والرّبّ مُلغى، والمرأة مُلغاة... في الفكر والواقع، بالقوّة وبالفعل. هنا تكمن الكارثة السّعوديّة، الّتي لا بروباغاندا تنفع معها ولا دعاية تشفع في تسويقها.

____________________________________________________

* نقلاً عن جريدة «الأخبار» اللّبنانيّة (28 حزيران 2014م).

 

اخبار مرتبطة

  دوريّات

دوريّات

26/07/2014

دوريّات

نفحات