الترغيب، والترهيب، والطائفيّة

الترغيب، والترهيب، والطائفيّة

03/05/2011

ثُلاثيّة الفراعنة في كلّ عصر. مَن لم يسقط بسلاح الترغيب، ثمّ الترهيب، فسلاحُ الطائفيّة الأشدّ فتكاً، بانتظاره.

الشيخ حسين كوراني


ثُلاثيّة الفراعنة في كلّ عصر. مَن لم يسقط بسلاح الترغيب، ثمّ الترهيب، فسلاحُ الطائفيّة الأشدّ فتكاً، بانتظاره.

والتراتُبيّة بين أسلحة الفراعنة الثلاثة هذه، هي في مجال الإستخدام، لا الإعداد، كتراتبيّة استخدام المُقاتل لعدّة أسلحةٍ يحملها.

الطائفيّة حاضرة في الترغيب والترهيب، وجاهزة، تنتظر عجزهما فتُنتضى وتُشهَر، ويبقى عرْضهما قائماً. أبواب المساومة مشرَعة في كلِّ مراحل الصراع مع المقاومة.

في «منطق» «فنِّ الممكن» أولويّةُ ارتفاع منسوب الترغيب والترهيب حين يُشهَر سلاح الطائفيّة، ليقنع بالتفاوض مَن لم تُسقِطه العروض المتدنّية.

في المراحل الأولى للتعامل بسلاحَي الترغيب والترهيب، يدفع المساوِم من جيبه، أي ممّا سرقه وصار في حيازته.

في مرحلة إشهار سلاح الطائفيّة يدفع «المساوم» من ثروات الطائفيّين، شباباً وعموم الجمهور، ونفطاً، ومالاً، وكرامةً، وقتلىً ودماء.

هذا هو اليوم عنوان مرحلة الأمّة، في صراعها مع فرعون الصهيو-أميركي.

**

يومَ حَطَّ في مطار باريس، شيخٌ ثمانينيّ، وتوجّه إلى ضاحية «نوفل لو شاتو»، كانت اتفاقيّة «كامب ديفيد» قد أُبرمت، وظنّ دهاقنة الصهيونيّة العالميّة، أنّهم دفنوا قضيّة فلسطين وإلى الأبد.

وتنفَّس الصبح في طهران، فإذا الثورة الإيرانيّة إسلاميّةٌ بدْريّةٌ كربلائيّة: القدس النّبْضُ، وفلسطين الفؤاد، وكلّ السمع والبصر والوجدان.

زاد دهاقنةَ الصهيونيّة-الأميركيّة بَرَماً وحنقاً، أنَّ عصب فلسطين في الرؤية الخمينيّة عالميّ. إنّه عنوان ثورة المستضعفين إلى أيِّ دينٍ انتمَوا ضدّ «مصّاصي الدماء» المستكبرين.

وكانت «الحرب المفروضة» التي لم ينطبق حساب حقلها الصهيوني على البيدر.

«الخير في ما وقع». كانت دورةً تدريبيّة للأمّة. لم يكن نصر تمّوز، ولا نصر غزّة، لِيَتحقَّقا لولا تلك الحرب العالميّة على إيران الإسلام.

تَمكَّن مسار «كامب ديفيد» أن يحتوي المقاومة -آنذاك- بالترغيب والترهيب، ليَخلُص إلى قتل «عرفات» واستلام «محمود عباس» زمام التفاوض، وها هم يفكّرون باستبداله.

وتمكّن مسار «الشيخ الثمانيني» وخليفتِه «الإمام الخامنئي» المُسدّدَيْن، من دعم النّهج المقاوِم في سوريا ولبنان وفلسطين، فإذا «إسرائيل، الغُدَّة السرطانيّة» محاصَرةٌ بين دمشق وغزّة ولبنان.

وكان العزاء للصهيو-الأميركي وجود «مصر مبارك»، الذي قال عنه الإمام الخميني في وصيّته «حسني اللّامبارك».

**


تفجّر البركان الشعبي المقموع منذ دخول «إلياهو بن أليسار» سفيراً للكيان الصهيوني إلى مصر.

كانت شرارة تونس -في عصر الفضائيّات- إيذاناً باكتمال الغلَيان. للحديث عن الثورات الشعبيّة العربيّة، سياقٌ آخر. إنَّه سياق «فلسطيني».

حديث مصر مركزيّ. إفلاتُها من قبضة الأسر الصهيوني في هذا الزمن الخميني، يعني أنّ على اللّفيف اليهودي في فلسطين أن يبحث عن المخيَّمات التي سيَتوزَّع عليها في أرجاء المعمورة.

اليهود بعد ثورة شعب مصر في خطر حقيقي. اكتمل الحصار.

تتابعت الثورات الشعبيّة بعد تونس ومصر. حكّام العرب العملاء مُهدَّدون. التقى الخطران فأنتجا إشهار سلاح الطائفيّة.

بلغ الخطر أذيال التخلّف الأعرق، والإستبداد الأعتى، والإرتهان بلا رهن.

في صميم مصلحة الحكَّام بلا أنظمة، إجهاض الثورات الشعبيّة بالطائفيّة.

وفي لُبِّ مصلحة الصهيو-أميركيّة، مواجهة المقاومة بالفِتَن الطائفيّة.

و«البحرين» التوقيت الأنسب. طبيعة المعارضة كطبيعة البلد الديموغرافيّة.

كانت مصر-وما تزال- كفيلة بِقلب السحر على الساحر. مصر معافاةٌ من مرض الطائفيّة، على العكس من «بلاد الشام». لا بدّ من استيراد العصب البغيض وتطعيم الشعب المصري به، فلعلَّ وعسى.

«هدْم قبور الأولياء» سلعة غير مجهولة المصدر، أُريدَ منها إغراق ثورة الشعب المصري كي لا يُحكَمَ  الحصار على «إسرائيل» وحكَّامها على العرب.

**

ما هو مآل الفتنة الطائفيّة المُدجّجة بالترهيب، المعزّزةِ برفع منسوب الترغيب، مدفوعاً من رصيد الأمّة؟

رغم أنّنا في البداية، وليس بالإمكان استقصاء الأضرار البالغة التي خلَّفها إشهار أميركا أمضى أسلحة تمزيق صفّ الأمّة. فإنّ لنا أن نوقِن بالنصر المؤزَّر للأمّة والمستضعَفين، ونُوقن باندحار الصهيونيّة ودهاقنتها المُتستِّرين بالطائفيّة.

قد تتعاظم الخسائر، إلّا أنَّها لا تكاد تُذكر قياساً بما خسرناه في غير درب «ذات الشوكة» وعقودِ تضييع البوصلة في غالب محطَّات ما بين 1948 و2006م.

مَبعثُ اليقين -في خطّ الثقة بوعد الله ببسط العدل وإقامة الحقّ- ثلاثةُ عوامل تتماهى لترسم لوحة الأمل الباسم:

الأوّل: أنّ الصهيونيّة المأزومة هي التي أشعلت نار الطائفيّة. تتبدّى الأزمة في إرهاصات انحسار المدّ الأميركي، وتراخي قبضته كَقطبٍ أوحد، وتتبدّى في حديث الصهاينة -لأوّل مرّة- عن زوال «إسرائيل».

أخرجت حربا «تمّوز» و«غزّة» الأمّة من نفق سايكس-بيكو المثبَّتِ بترهيب مجازر «الجيش الذي لا يُقهر»، فانطلق مارد ثورة الشعوب التي تحرَّرت للتوِّ من نير الصهيونيّة، وسرعان ما أفلت الوحش الطائفي من عقاله، فلم يخْفَ على الشعوب أنّ تَلاقي مصلحة الصهيونيّة ومصلحة أدواتها، يخطّط لِحَرْف مسار الثورات الشعبيّة لتَسقُط الأمّة والمستضعفون في مغالطة الإنشغال بذنب الأفعى، وتنسى الرأس. 

الثاني: تباشير واعدةٌ تتوالى -وإن ببطء- من أرض الكنانة، ومن الأزهر الشريف بالخصوص، في خطَّين: التزام قضية الأمّة والمستضعفين: «فلسطين»، والتزام وحدة الأمّة ونبذِ الطائفيّة. من شأن البناء على مواقف الأزهر والفجر المصري الجديد، التأسيسُ لتنقية الصفّ من الشوائب الدخيلة، لتخسر الصهيونيّة رهانها، ويتواصل عصر الإنتصارات.

الثالث: نضج الوعي الشعبي، ومساحة انتشاره الواسعة. راكمت التجارب خبرة الشعوب، ومكّنت الثورة المعلوماتيّة نشر هذا الوعي على أوسع نطاق، ممّا أفقد الإستبداد سلاح كمِّ الأفواه، وخنق الأمل في غياهب التعتيم.

اللاَّفت أنّ هذا الوعي الجماهيري، يرتكز معظمُه إلى الثقافة الدينيّة الأصيلة، التي ترى في الثورة على الطواغيت واجباً دينيّاً هو شعيرة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر». الذي به تُقام الفرائض، وتُعَظَّم «الشعائر».

تلازم الحراك الثوري مع «يوم الجمعة» والصلاة والدعاء، الأمر الذي يعزِّز الأمل بالمستقبل الواعد الذي ينتظر الأمّة والمستضعَفين.

اخبار مرتبطة

  العبادة تُوَلِّد الحركة والنشاط

العبادة تُوَلِّد الحركة والنشاط

04/05/2011

  خِصال أمير المؤمنين عليه السلام

خِصال أمير المؤمنين عليه السلام

04/05/2011

نفحات