ملحق شعائر 18

ملحق شعائر 18

26/09/2014

آدابُ الحجّ والزّيارة من تَوجيهات الفقيه العارف الشّيخ البهاري

ملحق

شعائر  18

 

آدابُ الحجّ والزّيارة

من تَوجيهات الفقيه العارف الشّيخ البهاري

 

 

إصدار المركز الإسلامي

بيروت – لبنان

1435 هـ – 2014 م

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرّحمن الرّحيم

تقديم

يؤدّي هذا الملحق الذي انتخبناه من كتاب «تذكِرة المتّقين في آداب السّير والسلوك» لثُلّةٍ من كبار الفقهاء العرفاء رسالة عظيمة الأثر على الأبعاد المعنويّة للشعائر الإلهيّة المقدسة.

فعلى الأهمية التعليمية والتوجيهية للمنصوص عليه حول مناسك الحج والزيارة، والمنظومة الفقهية التي تحدّد شرائط أدائها، تأتي القواعد الأخلاقية والأدبية والمعنوية لتمنحَها مقاماً سامياً يفتح السبيل للدخول في معارج القُرب والتعرّف إلى الحقّ جلّ جلاله.

على أنّ التلازم الوطيد بين التعبّد والتأدُّب، هو عين المقصود من الوحي الذي تنزَّل على النبي الأعظم، صلّى الله عليه وآله، وصار فؤاده الشريف كعبةَ الرحمن في عالَم الخلق. وما جاء قوله عليه وعلى آله الصلاة والسلام، «أدَّبَني ربِّي فَأَحْسَنَ تَأْديبي» و«إِنَّما بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكارِمَ الأَخْلاقِ»، إلا ليبلِّغ الناس ما شاء الله لهم من بعثته ورسالته الخاتمة.

وكتاب الله المجيد بيّنٌ في آياته الكريمات، ولا سيما لناحية التذكير من أنّ القصد الأعلى من نزوله هو دعوة العباد إلى ربّ الآخرة والأولى، وتعليمهم الارتقاء من حضيض النقص والخسران إلى ذُرى الكمال والعرفان. وكلّ ذلك من خلال إدراك كُنه كلماته تعالى، وهي: معرفة الحقّ الأوّل وصفاته وآثاره، ومعرفة الصراط المستقيم وكيفية الصعود إليه، وانتهاءً بمعرفة المعاد والرجوع إليه سبحانه.

وأرباب المعرفة والكشف من الذين ورثوا العلم اللّدنّيّ من النبيّ الخاتم إلى السلسلة الطاهرة من الأئمة المعصومين، عليهم السّلام، هم على يقين من أنّ الطريق إلى معرفة الحق هو طريقُ الراسخين في العلم من أهل العصمة الذين عَلِموا تأويلَه.

*****

سنجدُ في ما قدّمه عددٌ من كبار الفقهاء العرفاء في «تذكِرة المتّقين»، تظهيراً للتلازم الجوهري بين التعبُّد والتخلُّق. الأمر الذي أكّدته ورسخته مدرسة أهل البيت الأطهار عليهم السّلام. وهي المدرسة التي عرفتْ أساتذة وفقهاء، وعرفاء، وفلاسفة كبار، شكَّل فقهُ القلبِ والوجود، والبُعدُ الروحيُّ للإسلام الأصيلِ الجامعَ المشترك بينهم. فسنكتشف – كما يشير العلّامة الشيخ حسين كوراني في ترجمته لكتاب آية الله البهاري الهمداني- أنّ هذه الصفوة من الأكابر، رغم التنوّع في اختصاصاتهم المعرفية والعلمية،  قد اجتمعوا على العروة الوثقى بين علم العقل وتزكية النفس، ومكارم الأخلاق.

فلهذه الإشارة ما يسدّدها في قول إمامنا الصادق عليه السّلام: «لَا يَقْبَلُ الله عزَّ وجلَّ عَمَلاً إِلَّا بِمَعْرِفَةٍ، ولَا مَعْرِفَةَ إِلَّا بِعَمَلٍ، فَمَنْ عَرَفَ دَلَّتْهُ الْمَعْرِفَةُ عَلَى الْعَمَلِ، ومَنْ لَمْ يَعْمَلْ فَلَا مَعْرِفَةَ لَه، أَلَا إِنَّ الإِيمَانَ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ».

من هذا المنطلق أمكن لنا أن نرى إلى «تَذكِرة المتّقين» وما جاء فيها من فصول وتوجيهات، بوَصفِها سفراً جليلاً في عالَم المعنى.

فإذا أردنا أن نقدّم عنواناً إجمالياً لمقاصد «تذكرة المتّقين» وخصوصاً ما يتعلّق بالفصول الثلاثة الواردة في هذا الملحق، وهي آداب الرفقة والحجّ والزيارة، فهو في بيان التكامل والترابط بين ظاهر الشريعة وحقائقها الباطنة. من أجل ذلك استحقّ مضمون الكتاب عنوانه بما هو رسالة تعريف بالشريعة المقدسة، والقواعد المطلوب العمل بها للتعرّف إلى حقائقها.

*****

في ما يتصل بقصّة تأليف هذا الكتاب، تشير مقدمة الطبعة الفارسية إلى أنّ كتاب (تذكرة المتقين) قد جمع موادّه العالم العابد الزاهد الشيخ إسماعيل التبريزي، وأدرج فيه رسائل ومطالب أخلاقية لأساتذة العرفان البيدآبادي، والآخوند الهمداني، والشيخ محمد البهاري، والسيد أحمد الكربلائي.

 

وقد اخترنا منه لهذا الملحق ما كتبه آية الله العارف الشيخ محمد البهاري الهمداني، وهو رسالة في السير والسلوك، كتبها لأحد تلامذته الذي كان متوجّهاً إلى الحجّ؛ فقد طلب التلميذ من الشيخ برنامجاً في آداب الزيارة والسلوك، فأورد الشيخ مطالب مهمّة، اندرجت في ثلاثة مواضيع:

الأوّل: آداب الحج، وقد تحدّث فيه عن الآداب الباطنية والظاهرية ونُبذة من أسرار الحج.

الثاني: آداب الزيارة، وفيها توجيهات وبيانات للشروط والقواعد الواجبة لأدائها على النحو الذي شاء الله تعالى أن يكون التوسّل بأوليائه وصدِّيقيه سبيلاً من سبل التقرّب إلى جنابه الأقدس.

الثالث: آداب الرفقة.

يأتي مضمونُ هذا الملحق، ليُضيءَ على المعنى الروحاني لشعيرتَي الحجّ والزيارة، ثم ليبيّن للقارئ جملةً من الحقائق تُفضي إلى التَّلازُم الوثيق بين العلم والعمل.

أمّا هذه الحقائق- كما أشارت مقدمة العلّامة كوراني لهذه الفصول بخاصة، وللكتاب بوجه عام- فهي الوجه التالي:

أولاً: أنّ لباب العلم (المعرفة).

ثانياً: أنّ العمل بالعلم يُفضي إلى دقّة التقيّد بالأحكام الشرعية.

ثالثاً: أنّ التواضع، هو مِدماكُ الأمن الاجتماعي في جميع الدوائر.

رابعاً: أنّ التَّفاني يَكمن في حفظ حقوق الآخرين وفي مقدّمها (الحرية والكرامة).

خامساً: أنّ اليقين الدائم يكون بعدم الاكتفاء العلمي، أي ضرورة البحث الدائم عن الحقيقة، كما في قصّة موسى والخضر، عليهما السلام، في القرآن الكريم.

وممّا يجدر التوجيه إليه أنّ ثمّة سببَين أساسيّين في إيلاء عناية خاصة بترجمة وتصدير: «تذكِرة المتقين»، وهما:

الأوّل: حقيقة أنّ العلاقة بين الفقه والأصول والعُمق العلمي عموماً، وبين ريادة المنحى الروحي المعبِّر عنها بالعرفان، ليست علاقةَ تَنافر وتباين.

الثاني: حقيقة أنّ كلّ التوجيهات التي يتضمّنها الكتاب مبنيّة بإحكام على وجوب التقيّد بالرسالة العملية والأحكام الشرعية.

*****

ولبيان الفهرسة المنهجية لهذا الملحق، تجدر الإشارة إلى أنّه يتوزّع على ثلاثة عناوين هي:

- آداب الرفقة.

- آداب الحجّ.

- آداب الزيارة.

ومغزى توزيع العناوين المشار إليها، على هذا النحو، يعود أولاً إلى التكامل الروحي والأخلاقي في ما بينها. حيث إنّ آداب الرفقة بقدر ما تتعلّق بالفضاء الأخلاقي الكلّي للاجتماع الإنساني، فهي تتّصل بخصوصيّة العلاقة بشعيرتَي الحجّ والزيارة.

كما يعود، ثانياً، إلى ورود هذه العناوين الثلاثة على نحو الارتباط والتكامل ضمن الرسالة الجامعة في السير والسلوك للشيخ العارف الهمداني. فلهذَين الاعتبارين وجدنا أن نضمّ القسم الذي يبحث في آداب الرفقة إلى آداب الحجّ والزيارة، لنُعيد نشرَ الملحق تحت هذا العنوان الجامع.

*****

إنّنا إذ نضع هذا الملحق في متناول القرّاء الأعزّاء، وخصوصاً بين أيدي أخوتنا حجّاج البيت العتيق، وزوّار العتبَات المقدّسة، فَلِكي يفيدوا من هذه الهدية المعنوية، وما تحتويه من توجيهات تُعينهم على التأسّي بسيرة النبي الأعظم والأئمّة الأطهار من أوصيائه عليهم السّلام.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.   

«شعائر»

ذو الحجّة 1435

تشرين أوّل 2014

 

 

آداب الرّفقة

 

 

 

 

 

 

 

حيث إنّه كان من المفترض الإشارة إلى كيفيّة الصّحبة في السّفر وغيره، فاعلم أيَّدك الله تعالى للعمل، أنّه يجب أن لا تكون لك أهداف دنيويّة مع أيّ شخص تريد صحبته، لأنّك ستيأس، بل يجب أن تكون مؤاخاتك له لله وفي الله.

وأخبار أهل البيت في مدح هذا النّحو من المؤاخاة بلغت حدّ التّواتر المعنويّ.

وبعد تحقُّق هذا الهدف تنبغي مراعاةُ عدّة أمورٍ في الطّرف المقابل (مَن تريد صحبته)، فليس كلّ شخصٍ صالحاً للأخوّة في الله، بل يجب أن تتوفّر فيه عدّة صفات على الأقل، ولذا قال رسولُ الله صلّى الله عليه وآله: «المَرْءُ على دِينِ خَليلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخالِلْ»[1].

الصّفة الأولى: أنّه يجب أن يكون عاقلاً، أي أنّه يعلم حجم كلّ أمرٍ على ما هو عليه، ولو بالتّعلُّم من الغير، لأنّه لا خير في صحبة الأحمق[2]، ومن البديهيّات الأوّليّة أنّ الأحمق يريد أن ينفعك فيضرّك [3] ضرراً دنيويّاً أو غير دنيويّ، وذلك بدافع عدم الإدراك وحبّ الخير بحسب اعتقاده.

الثّانية: أن يكون حسن الخُلق، فمطلق العقل لا يكفي، لأنّه كثيراً ما يكون الإنسان عاقلاً ولكن تغلب عليه إحدى القوّتَين؛ الشّهويّة والغضبيّة، ولذا يتصرّف بخلاف مدركاته العقليّة، من غير شعور، وتترتّب على ذلك مفاسد عظيمة.

الثّالثة: أن يكون من أهل التّقوى والصّلاح، لأنّ الفاسق الّذي يخالف ربَّه لن يأبى أن يخالفك.. ثمّ إنّه يدور وراء هواه، ويتلوَّن كلّ ساعة بلون بحسب اختلاف الأغراض.. والشّاهد على أصل المُدَّعى الآية الشّريفة: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ النّجم:29. ولصحبته مفاسدُ أُخَرُ، منها أنّ معاشرة أهل الفسق تُسهِّل المعاصي – نستجير بالله - في نظر الإنسان.. والله العالم.

الرّابعة: أن لا يكون مبتدعاً (من أهل البِدَع)، لأنّه بالإضافة إلى خوف سراية البدعة، يُخشى أن يشملك العذاب أو اللّعنة الّتي تحلّ عليه.

في الرّواية: «لا تَصْحَبُوا أَهْلَ البِدَعِ وَلا تُجالِسُوهُمْ، فتَصِيرُوا عِنْدَ اللهِ كَواحِدٍ مِنْهُمْ»[4]. وهذا خطر عظيم.

الخامسة: أن لا يكون حريصاً على الدّنيا، فإنّ مجالسته سمٌّ قاتل قهراً، وسيسري إليك بسبب أنّ الطّبع يسرق.. ولعلّ إلى جميع ما ذُكر يشير قول مولانا الصّادق عليه السّلام:

«احْذَرْ أَنْ تُؤاخِيَ مَنْ أَرادَكَ لِطَمَعٍ أَوْ خَوْفٍ أَوْ فَشَلٍ (مَيْلٍ) أَوْ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ، وَاطْلُبْ مُؤاخاةَ الأَتْقِياءِ وَلَوْ في ظُلُماتِ الأَرْضِ وَإِنْ أَفْنَيْتَ عُمُرَكَ في طَلَبَهِمْ، فَإِنَّ اللهَ لَمْ يَخْلُقْ بَعْدَ النَّبِيّينَ عَلى وَجْهِ الأَرْضِ أَفْضَلَ مِنْهُمْ؛ وَما أَنْعَمَ اللهُ عَلى العَبْدِ مِثْلَ ما أَنْعَمَ بِهِ مِنَ التَّوْفيقِ بِصُحْبَتِهِمْ؛ قالَ اللهُ تَعالى: ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾ الزّخرف: 67»، وبشكلٍ عامّ.. إنّ الأمر في الصّحبة أكثر من هذا.. والهدف هنا الاختصار.

نُقل عن المأمون أنّ الرفيق على ثلاثة أقسام:

الأوّل: كالأكل الّذي يحتاج الإنسان إليه.

الثّاني: كالدّواء الّذي يحتاج الإنسان إليه.

الثالث: كالمرض الّذي لا يحتاج الإنسان إليه أبداً، لكنّه قد يُبتلى به أحياناً.

نعم، إذا وجدتَ رفيقاً متّصفاً بالصّفات الحميدة[5]، فيجب أن تعرف قدره ولا تخسره بسهولة.. راعِ حقوقه.. فإنّ له عليك أنواعاً من الحقوق:

الحقّ الأوّل: الحقّ الماليّ، يجب أن تبذل له المال، ولهذا مراتب:

أحطُّها، أن تعتبره بمنزلة خادمك وعبدك[6]، إذا احتاج إلى مالك بذلتَه له.. قبل أن يطلبه منك، وإذا جعلته يحتاج إلى طلبه والسؤال، فقد قصّرت.

- المرتبة الثّانية: أن تنزله منزلة نفسك ويكون شريك مالك بالسَّويَّة.

- المرتبة الثّالثة: أن تؤثره بمالك حتّى إذا كنتَ محتاجاً إليه.

والمرتبة الأعلى من هذه، أن تؤثره بالنفس، كما أنّ عليّاً عليه السّلام آثر ليلة المبيت..

لكن لا يجب التّقصير في بذل المال، فإنّ الشّرع يَحُثّ عليه كثيراً.

رُوي عن مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام: «لَعِشْرونَ دِرْهَماً اُعطيها أخي في الله، أحبُّ إليّ من مائة درهمٍ أتصدَّق بها على المساكين».

الحقّ الثّاني: أنّ له حقّاً في بدنك.

أي أن تسعى في حوائجه كما تسعى في حوائجك، بل أكثر بدون أن يرجوك.. تقوم بذلك بمُنتهى البشاشة والامتنان، وتقدِّمه في قضاء الحوائج والإكرامات والزيارات وغيرها على أقاربك وأولادك.

الحقّ الثّالث: أنّ له حقّاً بالخصوص في لسانك، وهو على أقسام:

- القسم الأوّل: أن تَسكت عن معايبه سواءً في حضوره أو غيابه، بل تتجاهلها، وإذا أردتَ أن لا يكون متّصفاً بذلك، فيجب أن تفهِّمه ذلك بطريق الرّأفة والحنان، وبمنتهى اللياقة والتهذيب، لعلّ ذلك يزول منه.

* وكذلك ينبغي أن تحفظ نفسك من إفشاء أسراره حتّى لأخصّ أصدقائك. يجب أن تحفظ سرَّه في قلبك لأنّ إظهاره من لؤم الطبيعة وخُبث الباطن.. بل هو من الجهل والحماقة. قال عليٌّ عليه السّلام:

«قَلْبُ الأحْمَقِ فِي فِيه، وَلِسانُ العاقِلِ في قَلْبِهِ».

إذاً، حفظُ الأسرار، سواءً كانت أسرار غيره أو أسراره، في غاية الأهمّيّة[7].

وهذا بابٌ له في الأخلاق بيانُه الوافي، وله حِكم ومصالح كثيرة لا تتّسع له هذه الأوراق.

* كذلك يجب أن يصمت لسانك عن ذمِّ زوجته وأولاده وأصدقائه. بل إنّ عدم ذمّ الصّديق لصديقه سهل، (المهمّ) أن لا يُنقل له الذّمّ عن الآخرين لأنّه سيتأذّى أوّلاً ممَّن نقل له، وبعد ذلك يتأذّى من المنقول عنه، بخلاف المدح المنقول. إذاً، يجب السكوت عن كلّ ما يكرهه الطبع، إلّا ما أَمَرَ الشرع المطهَّر بإظهاره، في مثل ذلك فليتأذّى، لا ضررَ في ذلك، لأنّه في الواقع إحسانٌ إليه.

وإجمالاً يجب أن لا يكون الشّخص (ممَّن)  يبحث عن العيب أو ينقل العيب[8]، لأنّ هذه الصّفة في حدِّ نفسها من الصّفات المُهلِكة، والشّيء الّذي يمنع الإنسان عن البحث عن عيوب غيره هو أن يتذكّر عيوبه، ويرى كم هو من الصعب أن يبعد عن نفسه عيباً من العيوب، ثمّ يرى أنّ هذا الآخَر مبتلًى مثله أيضاً، إذاً، ماذا ينبغي أن يفعل؟

النّفس قاهرة للإنسان.. ويجب أن يعلم أيضاً أنّ المُبَرَّأ من كلّ عيبٍ على فرض وجوده، فهو جوهرة محفوظة في خزانة السلطان ومصونة.. لا يمكننا الحصول عليها.

غاية حُسن الرّفيق لنا أن تغلب محاسنُه مساوئه.. ويجب أن يكون هدف الإنسان في الرّفيق وغيره هو هذا، أن تكون له محسّنات [حسنات] يتعلّمها منه بدافع الشّوق إلى ذلك إذا كان هو فاقداً لتلك الصفة، لا أن يكون بصدد البحث عن قبائحه كما هو من عادات المنافقين، وكذلك يجب أن يكون في اللّسان والقلب معاً، ساكتاً عن سوء الظّنّ به، إذا لم يُمكن أن يجد محملاً يحمل عمله عليه، فَلْيَحمله على السّهو والنّسيان.

وحملُ أفعال الغير على الفساد، وكشفُ أسراره وعيوبه أمام الناس هو الحركة الناشئة من الحقد والحسد الباطنيَّين لامتلاء باطنه منهما، فإذا اغتنما[9] فرصة، رَشَحَ الباطلُ من باطنه إلى ظاهره، لأنّ الإناء يَنضَحُ بما فيه..

- القسم الثّاني: يجب أن يسكت عن مجادلته، لأنّ المجادلة في المحادثات تُضرم نار الفتنة.. بالإضافة إلى أنّ لها مفاسد أخرى. وتفصيل ذلك مدوَّن في آداب المتعلّمين (منية المريد) للشّهيد الثّاني رحمة الله عليه.

- القسم الثّالث: من الحقّ المُتعلّق باللّسان، هو أيضاً على عدّة أقسام:

1-        أن يُظهر محبّته له مهما أمكن، لأنّ ذلك من أسباب ثبوت الأُخوّة.

2-   أن ينشر محامده، إنْ في حضوره أو غيابه، وبالرّغم من أنَّ في المدح الحضوريّ منعاً، إلَّا أنّه في بعض الموارد ولأجل الإلفة لعلّه ليس مضرّاً، وللرّواية قرائن وهي لم تمنع من جميع موارد المدح الحضوريّ بإطلاقها، والله العالم. وأن يشكره على نِعَمِه باللّسان إذا استحقّ منه ذلك.

3-   إذا كان يحتاج إلى التعليم فلا يتذمّر من تعليمه، بالطّريقة التي يُراعي بها آداب المعلّم، الّتي من جملتها أنّه إذا كان صاحب علم خاصّ فلا يخَطِّئ أصحاب العلوم الأخرى، إذا كان فقيهاً فلا يقُل: وما قيمة الحكمة إنّها مشحونة بالشُّبُهات الباطلة، أو إذا كان حكيماً فلا يقل: أين مسائل الدم والحيض والنفاس من مسائل معرفة الله، وهكذا، فإنّ جميع أنواع الذّمّ هذه، لا منشأ لها إلّا الجهل بالعلم الآخَر، لأنّ لكلِّ علمٍ فائدة في موضوعه وإطاره، إلّا أن يكون نُهِيَ عن تعلّمه شرعاً بالخصوص. والهدف هنا، بيان هذه الآداب الخاصّة، وإلّا فالآداب كثيرة في محلّها، لأنّ الحاجة إلى العلم أشدّ من الحاجة إلى المال.

وأن ينصحه ويرشده إلى الأمور الدينيّة إذا رآه يتقاعس، وأن يحسّن له الحسنات ويقبّح له القبائح.. ولكن مهما أمكن، وليكن ذلك خفيَة حتّى لا ينتبه الناس إلى جهله فيَخجل ويُفتضح، لأنّ من العلامات الفارقة بين النّصيحة والفضيحة، الإعلان والإسرار، فيجب أن يُطلعَه على عيوبه بالرّفق والمداراة، لأنّ إراءة العيب كإراءة الأفعى المهلكة..

إذا رأيت شخصاً تريد أفعى أو عقرب أن تلدغَه، وألفَتَّه إلى ذلك برفق وحيلة لطيفة، فسيكون ممتنّاً لك، أما إذا فاجَأته فسيستبدّ به الذّعر، ولن يكون ممتنّاً كثيراً.

وإذا رأيتَه يُخفي عيبَه عنك فلا تُظهِره له بعدَ ذلك، وإذا رأيتَ الطّبع غالباً عليه ولا يستطيع التّرك فالسّكوت أولى.

وأمّا إذا رأيته يقصِّر في حقّك فتحمّل واعفُ.. وتجاهل، وإذا رأيت أنّ ذلك بلغَ به إلى درجة قطع علاقتكما، فعاتِبه في الخفاء فهو أَوْلى من العلانية؛ كَنِّ، فهي أفضلُ من التّصريح. ولذا كان رسول الله صلّى الله عليه وآله إذا رأى مِن أحدٍ ما ينافي.. قال: ما بالُ أقوامٍ إلخ...

ومهما أمكن فالتّحمّل أَوْلى، حيث إنّ في الحديث القدسيّ [ما مضمونه]: «أخفيْتُ رِضايَ في جَفاءِ المَخْلوقينَ.. فمَنْ كان طالِباً لِرضايَ فليَتَحَمَّل جَفَاء الخَلْقِ..».[10]

وإذا رأيتَ أنّ عَيْبَه من قِبَل الإصرار على المعاصي- نعوذ بالله - قيل وجب انقطاعه (وجبت قطيعته)، لأنّ المفروض أنّ الحبّ والبغض بينهما ينبغي أن يكونا لله، قال بعض الأعاظم: أيضاً لا تُقَاطِعه، لأنّ هذا هو طبع الإنسان، تارة يَعْوَجّ وتارةً يستقيم، ثمّ إنّه في مثل هذا الحال يحتاج إليك أكثر لتحملَ همّه، وتأخذ بيده، تُخرجه بلطف من هوّة المعصية، ويكون لك ثواب «مَن أحيا نفساً»، لأنّ خجل الحضور الحاصل من الصّحبة أمر مهمّ. وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ الآية الشريفة ﴿..قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا..﴾ التّحريم:6، تشمل هذا المورد لأنّه أصبح ذا قرابة معك، وأصبحتْ لُحمته كلُحمة النسَب، بدلالة قول الصّادق عليه السّلام في بعض الأخبار، حيث يقول: «مَوَدَّةُ يَومٍ صِلَة، ومَوَدَّةُ شَهرٍ قرابة، ومَوَدَّةُ سَنَةٍ رَحِمٌ ماسّة، مَنْ قَطَعَها قَطَعَهُ اللهُ».

يُعلم من مجموع ما ذُكر أنّ مؤاخاة الفاسق ابتداءً ليست حسَنة، لكنّ الاستمرار فيها حَسَن..[11] من قبيل ترك النّكاح والطّلاق.[12]

يُحكى أنّ شخصَين كانا رفيقَين، ابتُليَ أحدُهما بمرض العشق، قال المُبتَلى للآخر: أخي، كنتَ حتّى الآن رفيقي، والآن ابتُلي قلبي بهذه العلّة، فإذا أردتَ أن لا تتحمّل عقد الأخوّة فليس لديّ ما أقوله، قال له صاحبه: لن أتخلّى عنك لأنّك ابتُليت بالمعصية. ثمّ قرَّر أن لا يقرّ له قرار حتّى يمنّ ربُّ العالمين على رفيقه بالخلاص من هذه البليّة.. واشتغل بالذِّكر عدّة أربعينات على هذا النّحو، حتّى نجّى اللهُ رفيقه.

- القسم الرّابع: أن لا يرى أيّة مشقّة في الدّعاء له والزّيارة عنه (وسائر) القرُبات، لأنّ الدّعاء لرفيقه هو في الواقع دعاء لنفسه، إنْ في حياته أو مماته.

في الحديث النّبويّ، صلّى الله عليه وآله وسلّم، أنّك عندما تدعو لأيّ شخص يقول الله: «ولكَ مِثْلُ ذَلِكَ[13]..» إذاً، لا ينبغي التّقصير في ذلك.

- القسم الخامس: أن يكون وفيّاً، ومن جملة علامات الوفاء، أن يقوم الشخص بعد موت صديقه بحوائج أهله وعياله وأولاده، وبتكريم أصدقائه، ولذا كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يكرم عجوزاً كانت تأتيه أيّام خديجة، كذلك من آثار الوفاء أنّه إذا ارتفع شأنه وعظُم جاهه فلا يغيِّر من تواضعه له.. بل يبقى معه كما كان أوّلاً.

ومن كمال الوفاء أيضاً الجزع من فراقه، ولهذا كان المجتبى سلام الله عليه يبكي عند شهادته، فسُئل عن سبب ذلك فقال: ما حاصله: «لِهَوْلِ المُطَّلعِ وَفراقِ الأَحَبَّةِ»[14].

- القسم السّادس: أن تسهِّل أمرَه ولا تحمله على الكِلفة[15] مهما أمكن، فإذا توقّعت منه أكثر من المعتاد، أوقعْتَهُ في ما لا ينبغي، وأوْقَعْتَ نفسك أيضاً، بل يكون القصد من محبّته هو الوسيلة إلى التّبرّك بدعائه والاستيناس بلقائه.. والاستعانة على [لـ] دينه، والتّقرّب إليه تعالى بتحمُّل أعبائه وقضاء حوائجه، وأمثال ذلك من الأمور المُستحسَنة شرعاً، ومن هنا قيل: إذا وقعت الكِلفةُ بطلَت الإلفةُ.

فمحصّل مجموع هذه الكلمات إذاً، أنّه يجب السّعي دائماً في إصلاح رفيقك، وتنسب النقص لنفسك، لا أن تحمّله للآخر، وتتوقّع منه الحَسَن وتنسى نفسك.

الرّجل هو الذي يغلب حياؤه شهوتَه، ويكون عطفُه على النّاس غالباً على حسدِه، وعفوُه غالباً على حقدِه.

نعم.. «أخشى أن تتأذّى.. وإلَّا فالكلامُ كثير». ".."

 

 

 

آداب الحجّ..

 

 

 

 

 

الحمد لله ربِّ العالمين.. والصّلاة والسّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمّدٍ وآله الطّيّبين الطّاهرين.

وبعد.. فاعلم أيُّها الطّالب للوصول إلى بيت الله الحرام، أنّ لله جلَّ شأنه العظيم بيوتاً مختلفة أحدها يُسمَّى الكعبة الظّاهريّة، الّتي أنت قاصدُها، وبيت المقدس، والبيت المعمور، والعرش، وهكذا إلى أن نصل إلى حيث البيت الحقيقيّ الأصليّ الذي يُسمَّى القلب، الذي هو أعظم من كلّ هذه البيوت.

ولا شكّ ولا ريب في أنّ لكلّ بيتٍ من البيوت لطالبيه رسوماً وآداباً.

أمّا ما هو معنى بيته؟ وهل هذه الإضافة «بيت الله» من باب التّشريف أو غير ذلك، فليس الهدف بيان ذلك، إذ أنّ الهدف من هذه الرّسالة منحصرٌ بآداب الكعبة الظاهريّة، غير تلك الآداب التي تُذكَر في المناسك.

وقد تُذكَر ضمناً إشارات إلى آداب الكعبة الحقيقيّة على سبيل الإجمال.

".." اعلم أنَّ الهدف من تشريع هذا العمل الشريف، «الحجّ»، قد يكون أنّ الهدف المقصود الأصليّ من خلق الإنسان هو معرفة الله والوصول إلى درجة حبِّه والأُنس به، ولا يُمكن حصول هذَين الأمرَين إلّا بتصفية القلب، وذلك لا يُمكن حصوله أيضاً إلّا بكفّ النفس عن الشهوات والانقطاع عن الدنيا الدنيّة، و(حمْلها) على المشاقّ من العبادات؛ ظاهريّة وباطنيّة.

ومن هنا لم يجعل الشارع المقدّس العبادات نَسَقاً واحداً، بل جعلها متنوِّعة، حيث تتكفّل كلٌّ منها بإزالة رذيلة من الرذائل لتتمّ تصفية النفس تماماً، بالاشتغال بتلك العبادة.

فالصّدقات والحقوق الماليّة، يقطع أداؤها الميلَ إلى حطام الدّنيا.

والصّوم يقطع الإنسان عن المشتهيات النّفسانيّة.

والصّلاة تنهى عن كلّ فحشاءٍ ومنكَر.

وهكذا سائر العبادات، ولأنّ الحجّ مجمع العناوين، وزيادة، لأنّه يشتمل على جملة من مشاقّ الأعمال الّتي تتوفّر في كلٍّ منها صلاحية تصفية النّفس، مثل: إنفاق المال الكثير، والقطع [الانقطاع] عن الأهل والأولاد والوطن، والحشر مع النفوس الشريرة، وطيّ المنازل البعيدة، مع الابتلاء بالعطش في الحرِّ الشديد في بعض الأوقات، والقيام بأعمال غير مأنوسة، لا تقبلها الطِّباع، من الرَّمْي والطّواف والسّعي والإحرام وغير ذلك من الفضائل الكثيرة، من قبيل:

التّذكير بأحوال الآخرة، من خلال رؤية أصناف الخلق والاجتماع الحاشد في صُقعٍ واحد [بقعة واحدة] على نهجٍ واحد، لا سيّما في الإحرام والوقوفَين.

والوصول إلى محلّ الوحي ونزول الملائكة على الأنبياء من آدم إلى الخاتَم صلوات الله عليهم أجمعين، والتشرّف بمحلِّ أقدام أولئك العظماء، مضافاً إلى التّشرّف بحَرَم الله وبيتِه، مع الحصول على الرّقّة التي تُورث صفاء القلب برؤية هذه الأمكنة الشّريفة، مع الأمكنة الشّريفة الأخرى الّتي لا تتّسع الرّسالة لتفصيلها..

الحاصل، حيث إنّ للحجّ فضائلَ كثيرة، ويتضمّن جملةً من المشاقّ، كان من أهمّ الأعمال، ولذا قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: اسْتَبْدَلْنا الرَّهْبانِيَّةَ بِالجِهادِ وَالحَجِّ. الحديث[16].. ولا يصلُ الإنسان إلى هذه الكرامة العظمى إلّا بملاحظة الآداب والرّسوم الحقيقيّة، وهي أمور:

* الأوّل: أنّ كلّ عبادة من العبادات، يجب أن تكون بِنِيَّةٍ صادقة، وتؤدَّى بقصد امتثال أمر الشارع، لتصبح عبادة، فمَن أراد الحجّ يجب أولاً أن يتأمّل بعض الشيء في نيّته، فيضع هوى النفس جانباً، ويرى هل أنّ هدفه من هذا السفر هو امتثال الأمر الإلهيّ، والحصول على ثوابه تعالى، والفرار من عقابه، أم أنّ هدفَه - نَستجيرُ بالله - تحصيلُ الاعتبار، أو خوف ذمّ الناس، أو تفسيقُهم له، أو الخوف من الفقر، بناءً على أنّ كلّ مَن تَرك الحجَّ ابتُلي بالفقر، أو أمور أخرى من قبيل التجارة، والنزهة، والسياحة في البلاد، وغير ذلك.

إذا تأمّل في نفسه جيّداً استطاع أن يدرك حقيقة نيّته، ولو بالآثار، فإذا تبيّن له أنّ الهدف ليس الله تعالى، وجب أن يسعى في إصلاح قصده بأن يلتفت على الأقلّ إلى قُبح عمله، حيث قَصَد حريمَ ملك الملوك لمثل هذه الأمور العبثيّة، فيشعر على الأقلّ بالخجل بدلاً من الغرور والعُجْب.

* الثّاني: أن يُهيِّئ نفسه لحضور مجلس الروحانيّين بتوبةٍ صادقة، بجميع مقدّماتها[17] التي من جملتها ردّ الحقوق سواء الماليّة، [أو المعنويّة] مثل الغيبة، وأذيّة هتك الغير وجرْح كرامته، وسائر الجنايات على الآخرين ممّا يجب الاستحلال من أصحابها، بالتّفاصيل المذكورة في محلّها.

ويحسُن إيقاع التّوبة بعد هذه المقدّمات في يوم الأحد كما هو مذكور في (منهاج العارفين)[18]، وإذا كان أحد والدَيه على قيد الحياة، فليُرضِه عنه مهما أمكن، ليخرج من منزله طاهراً نقيّاً، بل يُزيل تمام تعلّقاته، ويقطع رأس انشغال قلبه وعدم حضوره، ليتوجّه بتمام قلبه إلى الله، وليتصرّف على أساس أنّه لن يرجع أبداً.

وبناءً على هذا، يجب أن يُوصي وصيّةً تامّةً كاملة، بمعرفة أشخاص خيّرين، عارفين، ليُوضحوا له كيفيّة الوصيّة، فلا يضيِّق الأمر على الوصيّ، بل يجعله وصيَّه في الثُّلُث ويترك له حرّيّة الحركة، حتّى لا يقع مسلمٌ بسببه بعد موته في الحرَج..

ومع ذلك يترك أهله وعياله في كفالة الكفيل الحقيقيّ، فإنّه خيرُ معينٍ ونعم الوكيل.

وباختصار، إنّ عليه أنْ يتصرّف بحيث إنّه إذا لم يرجع، فلا يكون قد بقي أيّ جزئيٍّ من جزئيّات أموره معلّقاً، بل، كذلك يجب أن يكون مَن لا يعرف تماماً متى يموت.

* الثّالث: أن لا يُهيّئ لنفسه في سفره أسباب انشغال القلب[19]، فيمنعه ذلك عن أن يكون في حركاته وسكَناته في ذكر المحبوب (سبحانه)، سواء كانت أسباب الانشغال هذه من قبيل العيال والأولاد، أو الرفيق غير الملائم للطَّبع، أو بضاعة للتجارة أو غير ذلك، المهمّ أن لا يُهيِّئ هو بيده ما يضطرّه إلى صرف اهتمامه فيه، بل إذا استطاع فليُسافر مع أشخاص يغلب عليهم تذكيره، أو يذكّرونه دائماً كلّما غفل، قصّة السيّد ابن طاوس مع رفاقه في السّفر معروفة.

* الرابع: أن يبذل الجهد مهما أمكنه، لإحراز حلّيّة مصرفه[20]، ويأخذ منه ما يزيد على حاجتِه، وأن لا يضيق ذرعاً في الإنفاق[21]، لأنّ الإنفاق في الحجّ إنفاقٌ في سبيل الله، فلماذا ينقبض قلب الإنسان من الزيادة في المصرف، فليَحمِل أحسنَ الزاد، وليُكثِر الإنفاق؛ فإنّ درهماً منه، في أحاديث أهل البيت سلام الله عليهم أجمعين، بسبعين درهماً.

أزهد الزهّاد، أعني السّيّد السّجّاد سلام الله عليه، كان عندما يريد الحجّ يحمل معه مثل اللوز، والسّكّر، والحلويّات، والسُّوَيق.

بل من جملة أسباب سعادة الإنسان، إذا تلفَ له شيءٌ في هذا السّفر أو سُرق منه، أو زادت مصاريفه، فليَشعر بكمال الامتنان، بل ينبغي أن تغمره الفرحة لأنّ جميع ذلك يتمّ ثبتُه وتسجيلُه على المُضيف في الديوان الأعلى، وسيعوِّضه عليه بأضعاف مضاعفة.

ألا ترى أنّك إذا دعاك شخص إلى ضيافته في بيته، وواجهت في أثناء الطّريق ضرراً ما.. فإنّ صاحبَ البيت إذا استطاع يعوِّض ذلك عليك بقدر ما يُمكنه، لأنّه هو الّذي طلبَك.. يفعل ذلك، مع أنّه (بالنّسبة إلى الله تعالى) لئيمٌ وعاجز، فكيف ظنّك بأقدر القادرين وأكرم الأكرمين، حاشا وكلَّا أن يكون كرمُه أقلّ من عربيٍّ يسكن البادية. نعوذ بالله من سوء الظّنّ بالخالق.

وصِدقُ هذا القول واضح لمَن تنقَّل بين أعراب البادية، واطَّلع على أحوالهم.

* الخامس: أن يكون حسنَ الخُلق[22]، ويتواضع للرفيق من «السائق» وغيره، ويحذر اللّغو والفُحش والحِدَّة، والكلام غير المناسب، وليس حُسن الخلق أن لا يُؤذي أحداً فقط، بل من جملة الأخلاق الحسنة أن يتحمّل أذى الآخرين، بل بالإضافة إلى تحمُّل الأذى، يخفض جناحَه، وإلى ذلك يشير قوله في الحديث القدسيّ [وحاصله:] «أَخْفَيْتُ رِضَايَ في جَفاءِ المَخْلوقِ، فمَنْ كانَ يُريدُ رِضايَ فَلْيَتَحَمَّلْ مِنَ الآخَرينَ جَفاءَهُمْ».[23]

* السّادس: أن يقصد الحجّ، فقط دون غيره، بل يجب أن يقصد ضمن ذلك عدة عبادات - إحداها الحجّ - من قبيل: زيارة القبور المطهَّرة للشّهداء والأولياء، والسّعي في حوائج المؤمنين، وتعليم الأحكام الدّينيّة وتعلّمها، وترويج المذهب الحقّ، وتعظيم شعائر الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك.

* السّابع: أن لا يُهيِّئ لنفسه أسباب التكبّر، بل ينبغي أن يذهب إلى الحرم الإلهيّ مُنكسرَ القلب مغبرّاً، كما أُشيرَ إلى ذلك في المناسك في باب الإحرام.

* الثّامن: أن لا يخرج من بيته إلّا بعد أن يودِع[24] نفسَه وكلّ ما معه من رفقائه، وما حملَه، وأهلَ بيته، وكلّ ما له تعلّقٌ به، أمانةً عند خالقه جلّ ثناؤه، ويخرج عند ذلك من بيته، بكمال الاطمئنان، فإنّه جلّت عظَمته نِعْمَ الحفيظ ونِعْمَ الوكيل، نِعْم المَولى ونِعْم النّصير.

وهناك آداب أخرى ذُكرت في المناسك، بلى، يهتمّ اهتماماً تامّاً بالصَّدَقة، بمعنى أن يشتري صحّته وسلامته من خالقه بهذه الصدقة.

* التّاسع: أن لا يكون اعتمادُه على محفظة نقوده وقوّته وشبابه[25]، بل يكون اعتمادُه في كلّ حال، بالنّسبة إلى كلّ شيءٍ، على صاحب البيت.

والمقدّمات أكثر من ذلك، إلّا أنّ الإطالة في الرسالة ليست الهدف.

«إذا كانَ في البَيْتِ أَحَدٌ، فَحَرْفٌ واحِدٌ يَكْفي».[26]

يجب التأمّل والتنبّه إلى أنّ هذا السَّفَر سَفَرٌ جسمانيٌّ إلى الله، وأنّه سيسافر سفراً روحانيّاً إلى الله (بالموت).

إنّه لم يَأْتِ إلى الدّنيا من أجل الطعام والشراب[27]، بل خُلق للمعرفة، وتكميل النفس..

في ذلك السفر (الجسمانيّ) يحتاج إلى الزّاد والرّاحلة، والرّفيق وأمير الحاجّ، والدّليل والخدَم، وغير ذلك. وعدم توفُّر أيّ من ذلك يُحدِثُ خَللَاً في سفره، وقد لا يصل إلى المقصد، بل قد يقع في التَّهْلُكَة.

وفي هذا السَّفر (الروحانيّ) يحتاج إلى ذلك بعينِه، وإلّا فإنّه لن يستطيع أن يخطوَ خطوةً واحدة.. وإذا توهَّم أنّه يُمكنه السفر من دون هذه المقدّمات، فإنّه قد ضلّ الطريق قطعاً وليس متوجِّهاً إلى الكعبة الحقيقيّة.

أمّا الرّاحلة في هذا السّفر (الرّوحانيّ) إلى الله تعالى، فهي البدن، فيجب أن لا يقصِّر في خدمته بنحو الاعتدال، فلا يُشبعه إلى حيث يتمرّد ويَطغى ولا يُمكِنُه ترويضُه، ولا يجوِّعه بحيث يستولي عليه الضعف، فيقصِّر في العبادة، خَيْرُ الأُمورِ أَوْسَطُها، والإفراط والتّفريط مذمومان.

وأمّا زاده فهو أعماله الخارجيّة، التي يعبَّر عنها بالتّقوى، من فعل الواجبات، وترك المحرّمات والمكروهات، والإتيان بالمُستحبّات[28]. وأصلُ معنى التّقوى «الحِمْيَة» وأدنى درجاتها الحِمية عن المحرّمات، وآخرها الحِمية عن ما سوى الله جلّ جلاله، وبينهما متوسِّطات.

فحاصلُ الكلام أنّ كُلّاً من ترك المحرّمات والإتيان بالواجبات بمنزلة الزاد الّذي يحتاج كلّ شخصٍ إلى قسم منه في منزلٍ من المنازل الأُخْرَوِيّة بدرجات الحاجة المتفاوتة، وإذا لم تكن قد حَمَلته معك ابتُليتَ، نستجير بالله من هذه البلوى العظيمة.

وأمّا الرّفقاء في هذا السّفر (الرّوحانيّ) فهم المؤمنون الذين يستطيع الشّخص بهمَّةِ كلٍّ منهم واتّحاد قلوبهم أن يقطع هذه المنازل (مراحل الطريق) بالطيران[29]، وإليه يشير قوله عزَّ من قائل: ﴿..وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى..﴾ المائدة:2.

ولعلّ هذا السفر لا يتيسَّر من دون الجماعة، وربّما كان هذا هو السبب في منع الرهبانيّة في هذه الأُمّة. كان أستاذنا[30] عليه الرّحمة يقول:

«اتِّحاد القلوب يُمَكِّن من كثيرِ فعلٍ لا سبيل إليه مع تفرُّق القلوب».

وكان يهتمّ اهتماماً تامّاً بهذا الأمر، وهو كذلك.

كلّ المفاسد تنشأ من اختلاف القلوب، وشرح ذلك يطول.. لعلّي أوفّق للإشارة إلى ما يجب أن يكون عليه الرّفيق، إنْ في الحضَر، أو السفر، وكيف يجب أن يكون سلوكك معه.

* وأمّا أمير الحاجّ في هذا السّفر إلى الآخرة فهم الأئمّة الطّاهرون سلام الله عليهم أجمعين[31]، الذين يجب أن تكون ظِلالهم فوق رأسك، وتتمسَّك بحبل ولايتهم المتين، مُلتجئاً كلّ الالتجاء إليهم باعتبارهم آل العصمة والطهارة، لتستطيع أنْ تخطوَ بعض الخطوات، وإلّا اختطفك شياطين الجنّ والإنس في القدم الأول، كما هو الأمر في السلب الذي يقوم به العرب البدو، وغاراتهم على الحجّاج الّذين يسيرون من دون أمير، كما هو واضح، خصوصاً كلّما اقترب الحجّاج من الحَرَم.

نعم، إذا أوصل الشخص نفسه [دون توسُّل] إلى الحرم، فإنّه بمأمن من كلِّ خوف: ﴿..وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا..﴾ آل عمران:97.

ولكن هيهات أن يستطيع الوصول، إنَّ ذلك لن يكون، والله العالم.

وأمّا دليل هذا الطّريق إلى الآخرة، فبالرّغم أنّ الأئمّة الطّاهرين، سلام الله عليهم، أَدِلَّاء على الله تعالى، إلّا أنّنا نحن، نتيجة سوء التّربية وانحطاط المرتبة، لا نستطيع تلقّي الفيوضات من أولئك العظماء بلا واسطة.. لذا فنحن محتاجون في الدلالات الجزئيّة والتفصيليّة إلى العلماء بالآخرة وأهل التّقوى لنتمكَّن بيُمْنِ هدايتهم وتعليمهم أن ندرك الفيوضات التي لا سبيل إليها بدون وساطتهم إلّا بمنتهى العسرة والتّعذّر، إنّنا محتاجون إلى العلماء ولا يمكننا أن نحصل على شيءٍ من دونهم.[32]

نعم، وعندما يصل الحاجّ إلى الميقات، ينزع ثيابه في الظاهر ويلبس ثوبَي الإحرام.. وأمّا في الباطن فينبغي أن يكون قصده أنّه خلع عن نفسه ثياب المعصية والكفر والرياء والنفاق، ولبس ثوب الطاعة والعبوديّة، ويتنبَّه كذلك إلى أنّه كما يلاقي ربَّه في الدّنيا (في حال الإحرام) بغير زيِّه وعادته، مُغبرّاً، حاسر الرأس، حافي القدميْن، فكذلك سيلاقي ملائكة ربِّه بعد الموت، فينبغي أن يكون عند ارتداء ثوبي الإحرام، بمنتهى الذلّ والانكسار، وقبل ارتداء ثوبَي الإحرام، أثناء التنظيف، وهو عارٍ يجب أن يكون قصده تنظيف الروح من درنِ المعاصي، ويعقد ثوبي الإحرام بقصد التوبة الصحيحة، أي أن يحَرِّم على نفسه بعزم وإرادة صادقة، كلّ الأمور التي حرَّمها ربُّ العالمين، بحيث يقرّر أنّه من الآن فصاعداً، وبعد رجوعه من مكّة المعظّمة لن يطوف حول المعاصي.

وعندما يقول لبَّيك، ينبغي أن يتنبّه إلى أن قوله هذا، إجابة للنّداء الذي وُجِّه إليه، فينوي أولاً: قبلتُ كلّ طاعة لله تعالى. وثانياً: يعيش التردّد بين قبول هذا العمل منه وعدم قبوله «فيكون بينَ الخَوْفِ والرّجاء».

ليستحضر هنا قضيّة سيِّد الساجدين، سلام الله عليه، حيث لم يتمكّن في الإحرام أن يقول: لبَّيك، وأُغمي عليه، وعندما سئل عن ذلك قال: «أخافُ أنْ يَقولَ رَبِّي: لا لَبَّيْكَ..»[33].

وليستحضر بذلك يوم المحشر، حيث يخرج جميع الناس على هذا الشكل من قبورهم، شعْث الشعور غبْر الوجوه، حفاة، في زحامٍ لا نظير له، بعضهم في زمرة المقبولين, والبعض الآخر في زمرة المردودين، بعضٌ مُنعّم، وبعضٌ مُعذّب، وبعضٌ مُتحيِّر في الأمر، بعد أن كانوا جميعاً في الورطة الأولى في شكٍّ من أمرهم وترديد.

وعندما يدخل الحرم، يجب أن يكون حاله حال الرجاء والأمن من السّخط والغضب الإلهيَّين، كحال المُذنب الّذي وصل الى حصنٍ حصين، والتجأ إلى ملجأٍ أمين. بمفاد الآية الشّريفة ﴿..وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا..﴾ آل عمران:97. فإنّ مكان زيادة الرجاء والأمل هو هذا المكان.

ذلك لأنّ شرف البيت العظيم وصاحبه، يقتضيان توسعة الرّحمة على الرّاجي الكريم.

فأنت هناك ضيف خاصّ لأكرم الأكرمين، كان يبحث عن مبرِّرٍ ليدعوك ولو مرّة واحدة في العمر إلى بيته، رغم أنّك كنت ضيفه دائماً، والآن تيسّر ذلك، حاشا كرمه وكلّا.. أن يتبرّم بطلبك مهما طلبت منه، حيث إنّه يستطيع التكرُّم به..

ما هكذا الظنّ به جلَّت عظَمته.

مثل هذا الظنّ ينبغي أن لا يُظنّ ببعض أسخياء العرب، فضلاً عن الجواد المطلَق.

أمّا اذا كنت أنت لا تستطيع الحصول على ما تريد، أو تحصل عليه ولا تستطيع المحافظة عليه، أو أنّك من الأصل لا تعرف ماذا يجب أن تطلب، أو تفعل شيئاً بحيث تكون أنت السبب في عدم وجود المقتضي لعطائك، فليس الذنب في ذلك ذنب أحد (غيرك).

الاستجداء لا ينسجم مع الكسل وموت الهمّة، بلى إنّ الخلل هنا.

أكثر الناس الذين يتشرّفون بمكّة أعظم هَمّهِم أن يؤدّوا ظاهر هذه الأعمال، ويلقوها عن ظهورهم على سبيل الاستعجال وعند ذلك ينصرفون براحة بالٍ إلى المشتريات، ولا يبذلون جهداً ليتركّز الانتباه على التفكير بمقدار ذرّة على معنى هذه الأعمال، مع أنّ كلّ حواسّ الضيف يجب أن تكون متوجِّهة إلى المضيف، حتى أنّ الصوم المستحبّ مذموم بدون إذن المضيف (من الناس)، لأنّك عندما تكون ضيف شخصٍ وتصوم في بيته دون إذنه، فقد تجرّأت عليه في بيته..

والتجرُّؤ على كرامة سلطان السلاطين، هو الاشتغال بما نهى عنه.

أيّ حاجٍّ من الحجّاج الاعتياديّين، دخل إلى الحرم الإلهيّ ولم تصدر منه مائة معصية على الأقلّ من الكذب، والغيبة، وأذى الغير، والنميمة، وتعطيل حقّ الغير، والفحش للسائق، والمعرِّف (الحملدار) وغيره ممّا لا تتّسع الورقة لبيانه[34]، والله أعلم.

وعندما يبدأ الطواف، يجب أن يستولي على جميعِ ذرّات وجودِهِ الهيبةُ، والعظَمةُ، والخوفُ، والخِشيةُ، والرجاءُ، وطلبُ العفو والرحمة، وإذا لم ترتجف الأعضاء الخارجية، فلا أقلّ من أن يرتجف القلب، مثل الملائكة الذين يطوفون دائماً حول العرش، كما في الأخبار، إذا أردتَ أن تتشبَّه بهم.

ويجب أن ينتبه إلى أنّ الطواف ليس منحصراً بالطواف الجسمانيّ، بل هناك طوافٌ آخر هو أصلُ الطواف الحقيقيّ، وهو طواف القلب حول ذِكر ربِّ البيت، وإنّما هو أصلٌ لأنّ الأعمال الجسديّة جُعِلت أمثِلة للأعمال القلبيّة، لينتقل الإنسان من تلك (الأعمال الجسديّة) إلى هذه (القلبيّة) كما هو مضمون الرواية.

وأيضاً يجب أن يعلم أنّه كما لا يمكن الوصول إلى هذا البيت من دون قطع العلاقة بالأشغال الدنيويّة، والمرأة، والولد وغير ذلك، فكذلك الأمر في الوصول إلى الكعبة الحقيقيّة. إنّ أساس الحُجُب المانعة من الوصول إليها العُلقة: «علاقة القلب بالدّنيا».

عند تقبيل الحجر، والالتصاق بالمُستجار[35]، وعند استلام الحطيم[36]، والتشبُّث بأذيال ستار الكعبة، يجب أن يكون حاله حال المذنب الفارّ من خوف الأذى أو خوف أن يُكْوَى أو يقتَل.. فالتجأ إلى عظيمٍ ليعفوَ عن ذنبه.. ولذا فهو، تارةً، يقبّل يدَيْه ورجلَيْه، وطَوْراً يلوذُ به لياذَ العاجز الحقير.. تارةً يبكي، وطَوْراً يُقسم عليه بأعزِّ الأشخاص عنده ويتضرَّع، لعلّه يُنقذه من هذه المَهلكة، خاصّةً إذا كان مَن التجأ إليه مَن يعرف أنّه لن يجد ملجأً غيره، إنّه حين ذلك لا يفكِّر بالخروج من عنده إلّا بعد أن يحصلَ على الأمر بالعفو عنه.

لا وربِّ الكعبة، إنّ الإنسان بالنسبة إلى الأمور الدّنيويّة، (يكون) كما تقدّم.. أمّا بالنسبة إلى عذاب الآخرة، فلأنّها دَيْن.. وليست نقداً، فإنّه لا يفكّر بمثل هذه الأمور[37] من التذلُّل والالتجاء والتضرّع.

الحُجّاج الّذين يكون حجُّهم كاذباً، يركضون قليلاً حول الكعبة، ثمّ يذهبون للتفرجّ على الحجارة والأسواق والجدران.

وعندما يأتي [الحاجّ] إلى السَّعي [بين الصّفا والمروة]، يجب أن يكون سعيُه [هَمُّه]، أن يجعل هذا السَّعي بمنزلة التردُّد في بيت السلطان برجاء عطائه ومنّه.

وأمّا في عرفات، فليَتذكّر المحشر، من خلال ازدحام الخلق، وارتفاع أصواتهم بأنواع التضرّع والنحيب، والالتماس باختلاف الألسِنة، وتوسُّل كلّ فئةٍ منهم بأئمّتهم طلباً للشفاعة.

فليَبذل جهدَه في كمال التضرّع والإلحاح هنا (في عرفات)، حتّى لا يُبتلى هناك (في المحشر)، وَلْيـَقْوَ ظنُّه كثيراً بحصول مراده، لأنّ يوم الموقف الشريف، عظيم، والنفوس مجتمعة، والقلوب منقطعة إلى الله، وأيدي الأولياء وغيرهم ممتدّة إلى الله جلّ شأنه، والرِّقاب مشرئبّة نحوه، العيون باكية من خوفه، والمفاصل مرتجفة من هَيبته، واليوم يوم إحسان، والأبدال والأوتاد[38] في المحضر حاضرون، وقد قرّر السلطانُ العفوَ والإنعام، وهو أيضاً يوم تقليد الوسام لرئيس وزراء الدّولة العتيدة، عَجَّلَ اللهُ فَرَجَه، وسهَّل مخرجه.

في مثل هذا اليوم لا يُستبعَد حصول الفيض بأعلى مدارجه لجميع الناس والخلائق.

هل تظنّ أنّ خالقك سيضيِّع سعيَك مع أنّك انقطعت عن الأهل والأولاد؟! ألا يرحمُ غربتَك؟!

ما هَكَذا الظَّنُّ بِهِ وَلا المَعْروفُ مِنْ فَضْلِهِ.

ومن هنا ورد في الحديث:

«إنَّ مِنْ أَعْظَمِ الذُّنوبِ أنْ يَحْضُرَ أحدٌ عَرَفاتَ وَيَظُنَّ أنَّهُ لا يُغْفَرُ لَهُ»[39]. أللّهُمَّ ارزقنا.

وعندما يفيض من عرفاتٍ، ويتوجّه إلى الحَرَم[40]، فَلْيَنتبه إلى أنّ هذا الإذن الثاني بدخول الحرم سببٌ للتفاؤل بقبول حجِّه، وقربه من ربِّه، وأمنه من العذاب الإلهيّ.

وعندما يصل إلى مِنى، فليَرمِ الجِمار[41] مُلتفتاً إلى أنّ روحَ هذا العمل في الباطن إبعادُ الشيطان، فإنْ كان كالخليل فكالخليل، وإلّا فلا.[42]

وعندما يودِّع الحرم يجب أن يكون في منتهى التضرّع، مُشوَّش الحال، بحيث إنَّ كلّ مَن رآه أدرك أنّه مثل مَن يترك شخصاً عزيزاً، ويرحل عنه، مثل تَرْكِ إبراهيم إسماعيلَ عليهما السّلام وهاجر.

ويكون قراره أنّه سيرجع في أوّل أزمنة التمكّن من الرجوع إلى هذا المكان الشريف.

ويجب أن يكون متوجِّهاً إلى المضيف، سبحانه، في كلّ حال، حذِراً من أن يودِّعه بما ينافي الأدب، فيُصبح المضيف لا يرضى برجوع هذا الضّيف إلى بيته أبدَ الآبدين.

ورغم أنّ هذا المُضيف، جلَّ جلاله، سريع الرّضا، إلّا أنّ على الضيف مراعاة الأدب إلى أقصى الحدود.

إذا استطاع، فليَحرص بمقدار وُسعِه على الذهاب إلى البقاع التي تعبّدَ فيها رسولُ الله، صلّى الله عليه وآله، مثل جبال مكّة المظلمة، يذهب إليها بقصد التشرّف بمحلّ أقدامه المباركة، لا بقصد التفرّج، بل يصلّي فيها ركعتَين[43] بقصد القربة المُطلقة، بل يبقى فيها - إذا تمكّن - مدّةً أطول من المُتعارَف.

وإذا كان حجُّه هو الأوّل، فلا يترك الدّخول إلى الكعبة بالآداب المأثورة في الشّرع المُطهَّر، كما ذُكر في محلِّه.

**

 

 

 

آداب الزّيارة..

 

 

 

 

 

بلى.. إذا قصد الزّيارة للأولياء الحقيقيّين، سلام الله عليهم، فيجب أن يعلم، أوّلاً، أنّ النفوس المُقدّسة الطيّبة الطاهرة.. حين تفارق الأبدان الجسمانيّة، تتّصل بعالم القُدس والمُجرّدات.. فإنّ غلبتَها على هذا العالم وإحاطتَها به تصبح أقوى، وتغدو تصرّفاتها في هذه النشأة أكثر من السابق.. كما أنّ معرفتها بالزائرين أتمّ وأكمل[44].. فهم ﴿أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ..﴾ آل عمران:169-170.

إذاً، نَسيمُ ألطافهم ورشَحَات أنوار أولئك العظماء تصل إلى زُوّارهم وقاصديهم، خصوصاً للخُلَّص من قاصديهم..

وعليه فينبغي للزوّار أن يتوّجهوا إلى هؤلاء العظماء بقصد تجديد العهد بهم[45]، وإعلاء كلمتهم، ورغماً لأنف أعدائهم، وقصد زيارة المؤمن الخالص الإيمان.. وعلى أمل طلب الشفاعة لغفران الذنوب ورجاء الوصول إلى الفيوضات العظيمة، مع مُراعاة الآداب المُدوَّنة في كُتب المزار.

ويجب أن يعلم أنّهم مطَّلِعون على حركاته وسكَنَاته.. بل هم مُطَّلِعون على خَطَرات قلبه، ولذلك يجب أن يبذل قُصارى جهده في التّضرّع والتذلُّل والانكسار، خصوصاً عند الدخول إلى مراقدهم الشريفة.. وَلْيَكُن بكامل التنبّه واليَقَظَة.. فإنَّ تشتُّتَ البال وتوزّعَ الحواسّ بمنزلة إدارة الظهر للإمام[46]، وحذار أن يتكلّم مع أحدٍ بكلامٍ خارج (عن جوّ الزيارة)، فضلاً عن أن – نستجير بالله - يغتاب في الحرم المطهَّر، أو يستمع إلى الغيبة، أو يكذب أو يرتكب شيئاً من سائر المعاصي.. بل يلزم أن لا يرفع صوته أيضاً ﴿..لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ..﴾ الحجرات:2، تجري هنا أيضاً، خصوصاً في حرم الأمير، سلام الله عليه، الذي هو بمنزلة نفس رسول الله، صلّى الله عليه وآله وسلّم.. لِيُقَبِّل زوايا القبر المُطهَّر الأربع، ويشرح وضعَه (ويقدّم شكواه) بِلُغتِه، وَلْيَطلب حاجاتِه من ذلك العظيم، يقول: يا أكبرَ من كلّ شخص (بلحاظ أنّك نفسُ المصطفى) إمّا أن يحملك الوفاء على أن تطلبني إليك أنا المُتخلِّف.. وإمّا أن تطلب من الله موتي فأنت الطاهر المُطهَّر[47].

وعند تقبيل العتبة.. من المناسب قراءة هذا البيت[48]:

«إن لم أكن شيئاً.. ومهما كنتُ فإنّي لك.. يكفيني أنّي كلبٌ وضعَ رأسَه على عَتَبتِك»[49].

ويستودعَه إيمانه بعد أن يعرضَه عليه على سبيل الأمانة ليردّه إليه عند الحاجة، حتّى لا يستطيع الشيطان أن يسلبَه إيّاه عند الموت..

وَلْيَستَحضِر المصائبَ الواردة عن أولئك العُظماء، خُصوصاً في الحرم المُطهَّر لحرم أبي عبد الله الحسين عليه السّلام.. مصيبةً مصيبة.. بالتفصيل.. وَلْيَبكِ لأجلها.

إذا استطاع فليَتُبْ بين يدي الإمام، عليه السّلام، توبةً صحيحة، تشتمل على جميع الشرائط المعلومة المُقرّرة في محلِّها.. وَلْيَجعَل ذلك العظيم شاهداً وشفيعاً، وليُقرّر، عند المراجعة، أن لا يلوِّث بالمعاصي، مرّةً أخرى، الفمَ الذي وصل إلى تلك الحضرة الشريفة، والأعضاء التي تمسَّحت بها واكتسبت النور ببركتِهم.. بل أن يجتنب أيضاً اللّغوَ الذي لا فائدة منه..

يجب أن يكون بين حاله بعد الزيارة وقبلها تفاوتٌ بَيِّنٌ، ومهما أمكن فليُراعِ الخدّام والمُجاورين وليُكرِمهم بالعطاء والبذل والإحسان[50]، وَلْيَنظر إليهم بعين التقدير، ومهما رأى من الجفاء فَلْيَتحمّله بحلاوة[51] ليتنبّه ممّن جاءَه وفي طريق مَن.

لا يتضايق من بذل المال.. وَلْيُكرِم مشايخَهم وأهلَ العلم منهم وَلْيُوَقِّرهم أكثرَ من الجميع.. ولا يَضجَرْ أو يندم على ما أقدمَ عليه للصّعاب وشدائد السفر.. خصوصاً في مجال الخوف من الأعداء، فقد قالوا عليهم السّلام: «أَلَا تُحِبُّونَ أنْ تَخَافُوا فِينا..».

ولا يستعجل الرجوعَ من المشاهد المشرّفة.. فليُطِل الإقامةَ مهما أمكن، ووساوس الخيال من قبيل: تأجيل عملي.. عيالي وحدهم، المصروف لا يكفي، سيرجع رفيقي، وغير ذلك من الأفكار التي إذا تأمّلها يعلم أنّ الشيطان يغويه ليُحرَم من الزيارة.. فلا يفسح لها المجال.. خصوصاً إذا كانت الجمعة أو إحدى الزيارات قريبةً.. لأنّه قد مضى من عمره أربعون أو خمسون أو أكثر حتّى وُفِّقَ مرّةً للزيارة.. وهيهات أن يوفَّق للرجوع مرةً أخرى..

ما دام هناك، يتصوَّر أنّ الرجوع والمجيء أمرٌ سهل.. إلّا أنّ ذلك لا يتحقّق، وقد جُرِّب..

نعم، بقيَ الكلام في أنّه ما دام في المشاهد.. فهل يزور الإمام ويدخل الحرم كثيراً أم لا، فيكتفي بالتشرّف صباحاً وعند الغروب..

قال الأجلّاء: كلّما كانت الزيارة أكثر فذلك أفضل.. لكنّ الحقّ أنَّ في المسألة تفصيلاً، ما ذُكر ليس صحيحاً بإطلاقه.. وإجمالُ الأمر أنّ الإكثار من الزيارة بشرائطها المُقرّرة التي ذُكِرت سابقاً مطلوب جدّاً.. وما عدا ذلك له تفصيلٌ آخر لا تتّسع له الورقة، والله العالمُ بالصّواب.

***

 

 

 

 

 

 

 

 



[1]) بحار الأنوار ج 74 / 192 وقد ورد فيه من (يخالل) وكانت هنا في الأصل (يتخالل).

[2]) إنْ وضع الأحمق حلوى قرب فمي.. فأنا من حلوى الأحمق في برم. الأصفهانيّ. (مضمون بيت) لمولوي، مثنوي معنوي.

[3]) مأخوذ من نصيحة الإمام أمير المؤمنين لولده الإمام الحسن عليهما السلام:

«يا بني إيّاك ومصادقة الأحمق، فإنّه يريد أن ينفعك فيضرّك». نهج البلاغة – الحكم/ 37

[4]) هكذا أورد، رحمه الله، الحديث بالفارسيّة. وفي البحار ج 74/ 201 «عند الناس» بدلاً من «عند الله» ولعلّ ثمّة حديثاً آخر بهذا المضمون.

[5] ) هذا هو الكبريت الأحمر والناموس الأعظم، أي وجود الأتقياء. قال علي عليه السلام:

هُمومُ الرجال في أمورٍ كَثيرة                             وهمّي في الدُّنيا صَديقٌ مُوافقُ

***

شيئانِ لَوْ بَكَتِ الدِّماءَ عليهما      عيناي حتى تؤذنا بِذَهابِ

لم يبلغ المعشار من حقّيهما        فَقْدُ الشَّبابِ وفرقةُ الأحبابِ

(* في المصدر نسبة البيتين إلى الأمير عليه السلام وبفارق يسير لأبي العيناء، ومحمود الورّاق)

ولعلّ إلى هذا الحديث أشار المولى محمد البلخي، قدس سره، المعروف بالعارف الرومي:

إذا أردت جذبةً من الكبرياء فتوجه إلى من يجالسون الدراويش والأولياء (مضمون بيت)

وفي مواعظ البحار روي عن الإمام الصادق عليه السلام: «الإِخْوانُ ثَلاثَةٌ، فَواحِدٌ كَالغِذاءِ الّذي يَحْتاجُ إِلَيْهِ في كُلِّ وَقْتٍ، وَهُوَ العاقِلُ، وَالثّاني في مَعْنى الدّاءِ وَهُوَ الأَحْمَقُ، وَالثّالِثُ في مَعْنى الدَّواءِ وَهُوَ اللَّبيبُ».. وحول حقّ المؤمن على المؤمن يراجَع حديث المعلّى بن خنيس في باب المؤاخاة. عن الصادق عليه السلام: قلت له ما حقّ المسلم على المسلم؟..الأصفهانيّ. [الهوامش المذيّلة بعبارة الأصفهاني، هي تعليقات آية الله العارف الشيخ حسن علي نخودكي الأصفهاني]

[6]) المراد كونه جزءاً من شؤون نفسك التي تعتبر أنّك ملزمٌ بها.

[7]) الظاهر أنّ المراد أنّ على من يجاهد نفسه أن يحفظ أسراره وأسرار غيره من أصحابه. وقد يكون المراد بأسرار غيره أسرار الصديق المرتبطة بغيره والتي عرفها منه بطريقة مشروعة.

[8]) إن في كل عمل خلاقٍّ وفنٍّ عيباً فلا تنظر إلى العيب لترى الخَلّاقيّة والفنّ. (مضمون بيت لنظامي، مخزن الأسرار، وقد ورد في المصدر بمعنى: إنّ في كلّ شيء فنّاً وعيباً، فلا تنظر إلى العيب إذا أردتَ أن ترى الفنّ)

رُوي أن عيسى عليه السّلام مرّ يوماً ومعه الحواريّون على مزبلة عليها كلب ميت متعفّن يتأذّى المارّة من نتن رائحته.. فأمسك الحواريّون بأفواههم احترازاً من تلك الرّائحة. فقال عيسى عليه السّلام: انظروا إلى بياض أسنانه. الأصفهانيّ.

[9]) الضمير راجع إلى الحقد والحسد.

[10]) في البحار عن الإمام الصادق عليه السلام: «مَنْ لا يَصْبِرُ عَلى جَفاءِ الخَلْقِ لا يَصِلُ إِلى رِضا الله تعالى، لِأَنَّ رِضا اللهِ مَشوبٌ بِجَفاءِ الخَلْقِ». البحار ج 11 / 422.

[11]) بهذا المعنى أن الإنسان إذا ظنّ أن الصداقة ستكون سبباً في إقلاع هذا الشخص عن فِسقه، فالصداقة معه جيدة، وأما في غير هذه الصورة فيجب الاحتراز للنهي الوارد في الأخبار، تماماً كما هو الحال في الأمراض الظاهرية، فما دام ثمّة أمل بالعلاج، فإنّ التطبيب والاهتمام مطلوبان وإلا فلا. ثم إنّ للفظة الفاسق معنيَين: الأول الفاسق الذي يقابل العادل وليس هو المراد هنا، بل المراد القسم المشهور والمعروف وهو أن يكون الشخص في سلك المتديّنين، وفجأة يُبتلى بعَثرة، ويصدر منه خطأ فيكون بحسب الإصطلاح (فاسقاً). الأصفهانيّ.

[12]) في إحدى النسَخ القديمة ما ترجمته: «كما هو الحال في الطلاق...»، ويبدو أن هذا هو المراد، وعليه فترْك النكاح والطلاق تعبيران عن معنى واحد؛ والمراد أنّ من يريد الزواج يمكنه أن يُعرض لعدم توفّر بعض الشروط، أما إذا اختار فينبغي أن يستمر ولا يلجأ إلى الطلاق..

[13]) الشيخ الطوسي، الأمالي/150.

[14]– الحسين بن سعيد الكوفي الأهوازي (القرنان الثّاني والثّالث للهجرة)، الزهد/79، تحقيق غلام رضا عرفانيان، المطبعة العلمية، قم 1399هج.

[15] ) قال عليٌّ عليه السّلام لابنه الحسن عليه السّلام: «وَراعِ الإخوانَ في اللهِ».

من يحقّ له أن يدّعي الوفاء لحبيبه، هو الذي يريد نفسه للحبيب..لا الحبيب لنفسه. (مضمون بيت)

ظِلّ الشمس مجدّ في طلبِ الرَّكْب، يبحث عن مشقّة نفسه وراحة الأصحاب. (مضمون بيت لنظامي، مخزن الأسرار)

وليَهتم كثيراً أن لا يدخل في «شر الإخوان»، قال عليٌّ عليه السّلام: «شَرُّ الإِخوانِ مَنْ تُكُلِّفَ لَهُ». الأصفهانيّ.

[16] انظر: المجلسي، بحار الأنوار ج41/72، والطبرسي، مجمع البيان ج9/404، فقد أوردا في حديث طويل عن ابن مسعود عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، قال: «ما رَهْبانِيَّةُ أُمَّتي؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: الهِجْرَةُ وَالجِهادُ وَالصَّلاةُ وَالصَّوْمُ وَالحَجُّ وَالعُمْرَةُ».

[17]) اغسل (نفسك) ثمّ امشِ إلى الخَرِبة بوقار، حتّى لا يتلوّث منك هذا الدّير الخَرِب. الأصفهانيّ. (مضمون بيت)

[18]) [انظر: مفاتيح الجنان، أعمال شهر ذي القعدة]

[19]) فرِّغ قلبَك من الأغيار إذا قصدتَ محلّتنا..لا تنظر إلى الغير إذا كنت تَهوانا. الأصفهانيّ. (مضمون بيت)

[20]) احفظ هذه النكتة: إنَّ غزال التبَّت.. ما لم يأكل السنبل لا يصبح دمه مسكاً. الأصفهانيّ. (مضمون بيت)

[21]) إذا أنفقتَ كلَّ ما تملك في سبيل العشق..فأنا كافرٌ إذا رأيتَ أدنى ضرر. الأصفهانيّ. (مضمون بيت)

[22]) قال لي إن رقيبي سيّئ الخُلقِ فَدارِه. قلتُ: دَعْنِي، وجهُكَ الجنّةُ حُفَّت بالمكاره. الأصفهانيّ.

[23])* انظر: النوري، مستدرك الوسائل ج11/289، عن رسول الله، صلّى الله عليه وآله: «مَثَلُ المُؤْمِنِ كَمَثَلِ الأَرْضِ، مَنافِعُهُمْ مِنْها وأذَاهُمْ عَلَيْها [الضّمير راجع إلى النّاس]، وَمَنْ لا يَصْبِرُ عَلى جَفاءِ الخَلْقِ، لا يَصِلُ إِلى رِضَى اللهِ تَعالى، لِأَنَّ رِضَى اللهِ تَعالى مَشوبٌ بِجَفاءِ الخَلْقِ..».

[24]) * جاء في العروة الوثقى ج 2 / 226 حول ذلك ما خلاصتُه أن يصلّي العازم على السفر ركعتَين أو أربعاً في بيته ثم يقول: «أللّهمّ إنّي أَسْتَودِعُكَ نَفسي وَأَهلِي وَمَالِي وَذُرّيّتِي وَدُنيَايَ وَآخِرَتِي وَأمَانَتِي وَخَاتِمَةَ عَمَلِي». فيُعطيه الله تعالى ما سأل.

[25]) الاعتماد على التقوى والعلم في الطريقة كُفر... لا بدّ للسّالك من التوكّل ولو كان يُتقن مائة فن. الأصفهانيّ. (مضمون بيت)

 

[26]) * ترجمة مثل فارسي بمَعنى: «إنّ اللّبيب من الإشارة يَفهم».

[27]) أيّها الآدميّ، ابذل جهدك في العلم والعمل والمعرفة، وإلّا فأنت حمار في صورة إنسان. الأصفهانيّ. (مضمون بيت)

[28]) لا زادَ في هذا الطريق إلا التقوى.. فدَع في زاويةٍ الخبزَ والحلوى. الأصفهانيّ. (مضمون بيت)

 

[29]) حال الذئاب والكلاب الفُرقة.. إنما تتّحد أرواحُ أُسودِ الله. الأصفهانيّ. (مضمون بيت لمولوي، مثنوي معنوي)

[30]) يبدو أنّ المراد به المرحوم آية الله الشيخ عبد الحسين الهمدانيّ رضوان الله تعالى عليه.

[31]) وأما رسول الله صلّى الله عليه وآله فهو أجلّ شأناً..وأمير الحاجّ موفَد من قِبَلِه.

[32]) بهذا المعنى أنّه كما هو الأمر في فقه الظاهر.. لا يستطيع الشخص أن يعمل بالأخبار بمجرّد أن يفهم العبارة العربية، بل لا بدّ له من شرائط الاجتهاد ولوازمه.. كذلك في فقه الباطن بطريقٍ أَولى..لأن الأحكام في فقه الظاهر عامّة.. وفي فقه الباطن خاصّة.. فلا بدّ للشخص من تَعلُّم فقه الباطن عمّن تلقّاها من أستاذٍ [هو] أهل لذلك حتّى ينتهي إلى الأئّمة عليهم السّلام..

أيضاً كما أنه في الأمراض الجسمية لا يستطيع الشخص أن يتصدّى للعلاج - بمجرّد حصوله على كتاب ينقل معالجات سقراط وجالينوس- بل لا بدّ له من تعلّم ذلك على أستاذ يتعلّم منه دقائق المعالجة.. كذلك الأمر في معالجة أمراض الباطن.. لا يمكن التصدّي للعلاج بمجرّد معرفة الأخبار.. بل هو أصعب من علاج أمراض الظاهر وأكثر تعقيداً بمراتب. وليس المراد من فهم الأخبار في هذا المجال فهم ظواهرها.. بل بلحاظ الحديث الشريف: «أَحاديثُنا (حَديثُنا) صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ لا يُدْرِكُهُ إِلّا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ أَوْ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ أَوْ عَبْدٌ امْتَحَنَ اللهُ قَلْبَهُ للإِيمانِ». وفي بعض الأخبار: «أو مدينة محصورة». فالمراد من ذلك نوع الفهم والإدراك، فإنّ المدرك (حقّاً) هو النفس القدسية.. فكما أن المطالب التي تدركها حواسّ الباطن لا تُدركها حواس الظاهر، بل ما يدركه البصر لا يمكن أن يدركه السمع وبالعكس، كذلك من المحال أن يدرك المطالب القدسية، مَن ليس صاحبَ نفس قدسية.. والحديث الشريف في أصول الكافي المروي عن الصادق عليه السلام يشير إلى هذه الحقيقة: «حَرامٌ عَلى قُلوبِكُمْ أَنْ تَعْرِفَ ".." حَلاوَةَ الإيمانِ حَتّى تَزْهُدوا في الدُّنْيا..»، كذلك ورد في الحديث: «لَيْسَ العِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، إِنّما هُوَ نورٌ يَقَعُ في قَلْبِ مَنْ يُريدُ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ»، وَلَنِعْمَ ما قال:

تعالجُ جهلَ الباطن بعِلم الظاهر.. إذا أحرقتَ الكافور فهل يُصبح سقمونيا؟ (مضمون بيت)

والسّقمونيا دواءٌ نادر.. ولِنُدرَتِه يحرَق الكافور بطريقة معيّنة فيصبح شبيهُه شكلاً..إلا أنّه ليس له آثارُه على الإطلاق. الأصفهانيّ.

[33]) المشهور رواية هذا المعنى عن الإمام الصادق عليه السلام، انظر: الشيخ الصدوق، الخصال/167، والأمالي (له) 234، إلا أنه مروي أيضاً عن الإمام السجاد عليهما السلام: انظر: شرح أصول الكافي للمولى محمد صالح المازندراني ج11/347، والأحسائي، عوالي اللئالي ج4/35.

[34]) بعض ما ذكر يبدو أنه من لوازم البشرية.. ولكن يجب تذكّر الحديث الشريف: «عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: ما مِنْ عَبْدٍ يُصْبِحُ صائِماً فَيُشْتَمُ فَيَقولُ: سَلامٌ عَلَيْكُمْ إِنّي صائِمٌ، إِلّا قالَ اللهُ تَعالى: اسْتَجارَ عَبْدي مِنْ عَبْدي بِالصِّيامِ، فَأَدْخِلوهُ جَنَّتي». مستدرك الوسائل ج7/ 370. إذاً، رعاية ذلك في الحجّ بطريقٍ أَولى. الأصفهانيّ (أورد الشيخ هذا الحديث بالمضمون).

[35]) المُستَجار في اللّغة معنى المطلوب للأمان والالتجاء. الأصفهانيّ.

المستجَار المكان المقابل لظهر باب الكعبة، من الجهة الأخرى، وهو المكان الذي كان في السابق باب الكعبة قبل تجديد البناء على ما قيل.. أو هو المكان الذي استجارت عنده بالبيت فاطمة بنت أسد أمّ أمير المؤمنين عليه السلام عند ولادته في الكعبة.

[36]) الحطيم بين باب الكعبة والحجر الأسود، أو ما بين الركن وزمزم والمقام.. وسمِّي بذلك لأن الناس يُظهرون الانكسار والتواضع هناك ويلوذون بالدعاء بخضوع وخشوع.. وفي الجاهلية كان مكاناً للقسم. وحطّم بمعنى كسّر.. وقيل: سُمّي بذلك لازدحام الناس عنده يَحطِمُ بعضُهم بعضاً، أو لأنّه يحطم الذنوب. وفي بعض الروايات أنه أشرف البقاع، وبعده في الفضل قرب مقام ابراهيم ثم حِجر اسماعيل عليهما السلام.

[37])  ملأ البيت حنطةً ولم يُرسل إلى القبر حبّة شعير، أليس غمّ موتك مثل غمّ استحقاق (فاتورة) الشتاء؟ (مضمون بيت).

في هذا المقام أيضاً..لا يهتمّ الإنسان للعذاب الروحاني المخلّد أو شبه المخلّد كالاهتمام الذي يُبديه للعذاب الجسماني رغم قِصر مدته. الأصفهانيّ.

[38]) الأبدال رجال الله، الأشخاص الشُّرفاء والصالحون والخيّرون. الأوتاد: الأجلّاء والأدلّاء وكبار الطريقة.. وهم القدوة في التقوى والعبادة وثبات القدم. الأصفهانيّ.

[39]) في المحجّة البيضاء ج 2/ 148: «وأعظم الناس جُرماً من أهل عرفات الذي ينصرف من عرفات وهو يظن أنه لم يغفَر له»، وفي عوالي اللئالي ج4/33: «وروي عنهم عليهم السلام أَنَّ أَعْظَمَ النّاسِ ذَنْباً مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ وَظَنَّ أَنَّ اللهَ لَمْ يَغْفِرْ لَهُ».

[40]) من الجدير بالذكر أن أعمال الحجّاج بعد الوقوف بعرفات، بالترتيب التالي: 1- الوقوف في المشعر الحرام. 2- الدخول إلى مِنى (رمي الجمرة والذبح والحلق والتقصير). 3- الرجوع إلى مكّة والإتيان بخمسة أعمال (الطواف، صلاة الطواف، السعي بين الصفا والمروة، طواف النساء، وصلاته). الأصفهانيّ

[41]) رَمْيُ الجمار هو رمي الحصى إلى الأعمدة التي هي في مِنى، وكلٌّ منها يُسمَّى الجمرة.. وهي ثلاثة أعمدة صخرية معروفة، ويجب أن يرميها الحجّاج بالحصى في اليوم العاشر والحادي عشر والثاني عشر. الأصفهانيّ.

[42]) يمكن أن يكون معنى هذه العبارة كما يلي: فإذا كان كإبراهيم الخليل، عليه السلام، قد طرد الشيطان عنه، فقد عمل الحاجّ كإبراهيم الخليل وإلا فلا. ويمكن أن يكون المراد منها: أنّ الحاج إذا عمل لذلك فهو جيد وإلا فلا.. وأصل العبارة مأخوذ من جملة للشيخ بهاء الدّين العامليّ، قدس سره، ذكرها في بحث توابع المنادى من كتابه (الصمدية). يبدو أنها لاشتهارها أصبحت كالمثل السائر. الأصفهانيّ.

* فإنْ كان موحّداً كالخليل عليه السلام، فليتصرّف مثله.. ليكون قريباً من الله تعالى وإلا فلا.

[43] ) أُقبِّلُ أرضاً سار فيها جِمالُها               فكيف بدارٍ دارَ فيها جَمالُها. الأصفهانيّ.

[44]) يموت الشخص عندما يمتلئ إناؤه..أما نحن فنحيا عندما يمتلئ إناؤنا (مضمون بيت) الأصفهانيّ.

[45]) المراد الإلفات إلى أن يتوجّه الزائر إلى الزيارة.. ويزور وهو موقِن بحياة مَن يزوره فتكون زيارته له كما لو أنه زار شخصا حيّاً.. لتجديد العهد به.

[46]) احفظوا قلوبكم يا مَن لم تحصلوا على طائل.. في محضر أصحاب القلوب.

عند أهل الجسم، الأدب أدبُ الظاهر.. وعند أهل القلب أدب الباطن. (مضمون بيتَين)

احذروهم هم جواسيس القلوب. الأصفهانيّ.

[47]) مضمون بيت.

[48]) الأفضل أن يخطر في ذهنه عند الدخول هذا البيت للحقير:

إلى أعتابك جاء رأسُ إرادتنا.. فإذا حَظِيَ بالقبول فيا لسعادتنا.

أو يجري على لسانه.. وعند الخروج يقرأ بيت المرحوم الشيخ البهاري. الأصفهانيّ.

[49]) مأخوذ من قوله تعالى: ﴿.. وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ..﴾. وليس الخضوع لرسول الله إلا خضوعاً لله تعالى، وقد ثبت لمَن أمر صلّى الله عليه وآله بالرجوع إليه ما ثبت له في هذا المجال.

[50]) أحبّ لحبّها تلعاتِ نجدٍ.

أُحِبُّ لِحُبِّها السُّودانَ حَتّى    أُحِبُّ لِحُبِّها سودَ الكِ لابِ.

الأصفهانيّ.

* الشطر الأول صدر بيت للأبيوردي (...- 507) من شعراء العصر العبّاسيّ، والعَجز: وَما شَغَفي بِها لَوْلا هَواها..

والبيت بعده لم أعرف قائله وقد أورده في الفتوحات المكية ج 1/ 197 – 198 مشيراً إلى أنه لغيره وأنّ له بهذا المعنى: أحب لحبّك الحبشان طرّاً * وأعشقُ لاسمك البدرَ المنيرا.

[51]) إذا كان الرجُل يسير في طريق التوكّل فإنّ شوك أمّ غيلان في طريقه سيصبح ورداً. الأصفهانيّ. (مضمون بيت)

 

 

 

اخبار مرتبطة

  شعائر العدد الخامس و الخمسون -شهر ذو الحجة 1435 - تشرين أول 2014

شعائر العدد الخامس و الخمسون -شهر ذو الحجة 1435 - تشرين أول 2014

نفحات