الخبير في مجال الطاقة د. بسّام التّقي في حوار مع «شعائر»

الخبير في مجال الطاقة د. بسّام التّقي في حوار مع «شعائر»

04/05/2011

الطاقة وجود وحياة وتطوّر

حوار: سليمان بيضون

في هذا اللقاء، تحاور «شعائر» الدكتور بسام التّقي، الخبير في مجال الطاقة والطاقة البديلة، والحائز على درجة الدكتوراه بإدارة الطاقة من جامعة Rochville في الولايات المتحدة، وقد ساهم في تخطيط وتنفيذ مشاريع كبرى، خصوصاً في شمال أفريقيا. وله العديد من الدراسات المتخصّصة بالطّاقة وأشكالها وسُبل الإفادة القصوى منها. في حوارنا معه سوف نتعرّف على أبرز مظاهر الطاقة ومجالات استخدامها وآليات التوفير فيها.

*  ماذا نعني بالطاقة، وما هي مصادرها في الطبيعة؟

الطاقة تعني الكثير، تعني الحياة، الوجود، الحركة، الإستمراريّة والتطوّر، بل تعني قصّة تشكُّل الكون بعد قول الله تعالى «كُن» فكان كما أراد الله عزَّ وجلَّ له أن يكون. وشاء الله تعالى بتقديره وعلمه وتفضُّله على مخلوقاته، أن تتحوّل هذه الطاقة من شكلٍ الى آخر وَفق قوانين سنّها الله لها، وسخّرها لتكون لنا آية وعبرة.
يجدر القول أنّ الكون الذي نعيش فيه هو مادّة وطاقة، فالمادة هي الأشياء الملموسة، مثل المعادن، والذرّات، والماء، والهواء. والطاقة هي الأشياء غير الملموسة، مثل الضوء، والحرارة، والصوت، والأشعّة.
وقد أدرك العلماء أشكالاً كثيرة من الطاقة، وجميعها عبارة عن موجات تتحرّك بشكل ما. فالضوء الذي نرى بواسطته الأشياء، هو موجات «كهرطيسية» لها طاقة محدّدة لكنّنا لا نراها. أمّا الصوت الذي نسمعه ونتواصل بواسطته، فهو موجات «ميكانيكية» تنتقل في الهواء، ولها طاقة محدّدة ولا نراها. وكذلك أيّ عمل نبذله هو عبارة عن طاقة.
إذاً الحقيقة العلميّة هي أنّ كلّ ما في الكون يتألّف من ذرّات، وبما أنّ الذرّة تهتزّ، فإنّ كلّ شيء من حولنا يهتزّ وينشر حوله مجالاً من الطاقة.

* ما المقصود بالطاقة البديلة؟

هي الطاقة المجّانية الموجودة في الطبيعة، والمُهداة من الخالق سبحانه وتعالى. هي الطاقة المتجدّدة والنظيفة، الخالية من الإحتراق، والتي هي صديقة للبيئة. أهمّها الطاقة الشمسية، التي حَظِيت بأوسع اهتمام في أرجاء العالم، بسبب ضخامة كمّيات الطاقة التي تُرسلها إلى الأرض، وبسبب تعدّد أشكال استعمالها.
وتأتي طاقة الرياح في المرتبة الثانية، وهي تتوفّر على مستوى العديد من دول العالم. وهناك أنواع أخرى، كالطاقة الحراريّة في جوف الأرض «جيوحرارية»، وطاقة المدّ والجزْر، وهي تأخذ طابعاً موضعيّاً، أي في أمكنة حصول المدّ والجزر. ناهيك عن طاقة غاز «الميثان» المُنتَج من مخلّفات الحيوانات، والقُمامة، والنفايات.

* إذاً الشمس من أوّل مصادر الطاقة البديلة، ما هي مجالات الإفادة منها؟ وهل يُمكن تخزينها؟ وإلى أيّ مدىً جرى استثمارها؟

الشمس مصدر طاقة الحياة على كوكبنا، وقد أدرك الإنسان أهمّيتها منذ القِدم، فراح يعمل على كشف المزيد والمزيد من الحقائق المحيطة بها. ويُستفاد من الطاقة الشمسية بتسخين المياه وتبريدها، ويُستفاد من أشعّتها بتشغيل الأفران الشمسيّة، لأغراض الطبخ، أو لصَهر المعادن. ومن جهة أخرى بالإمكان صنع محرّك بُخاريّ، وخاصّة إذا كان المجمع الشمسيّ يدور حول محور عموديّ لمتابعة حركة الشمس.
كما يمكن الاستفادة من الطاقة الشمسية، بتشغيل جهازٍ لتقطير المياه، والحصول على مياه عذبة، وأيضاً يُمكن توليد الكهرباء مباشرة من أشعّة الشمس، وذلك باستعمال الخلايا الشمسيّة «فوتوفولتيّة»، وتتميّز هذه الطاقة بمرونتها الواسعة، وإمكانيّة تحويلها إلى أشكال أخرى من الطاقة، كالطاقة الحراريّة، والميكانيكيّة، وهي طاقةٌ نظيفة.
هذا ويمكن أن تُخزَّن الطاقة الكهربائيّة المُنتجَة في بطّاريّات صناعيّة، أو المياه الساخنة في خزّانات ذات عزل جيّد للحرارة، لاستخدامها عند الحاجة.
كما يستفاد من الشمس بتجفيف المحاصيل في بعض المناطق الريفيّة، حيث لا تتوفّر مراوح دفع الهواء، ولا الطاقة الكهربائيّة.

* الرياح من مصادر الطاقة البديلة، هل من شروط يجب أن تتوفّر لإمكانيّة الإفادة منها؟

 من شروط الإفادة من الطاقة البديلة وجود أماكن مثاليّة أو جيّدة لحركة الرياح، وهذه الأماكن تُعتَبر أماكن استراتيجيّة في المستقبل، لأنّ الرياح هبّات ونِعَمٌ من الرحمن عزّ وجلّ، تحمل طاقات نظيفة، بشرط استغلالها بالصورة السليمة. من هنا فإنّ زرع «التوربينات» الهوائيّة في الأماكن المناسبة، وربطَها على الشبكة العامّة ضمن الأصول والقواعد الفنيّة، هما بمثابة مشروع إنتاجيّ ناجح، وله فوائد فنيّة جمّة.

* استُخدم الماء منذ القِدَم عبر بناء السدود وإدارة النواعير، ما هي أشكال الاستفادة من هذا المصدر حاليّاً؟

استعملت المياه في تشغيل النواعير العموديّة والأفقيّة، وتوسّعت لتشمل ضخّ المياه وتشغيل آلات نشر الأخشاب وطحن الحبوب. ويرتبط هذا المفهوم أيضاً بمحطّات توليد الطاقة الكهربائيّة، ويترافق معها بناء السدود وتكوين بحيرات اصطناعيّة لحجز مياه الأنهار، وضمان توفير كميّات من الماء تكفي لتشغيل محطّات الطاقة بشكل دائم. وتعتمد كميّة الإنتاج على مقدار كميّة الماء، وعلى ارتفاع مساقط المياه، فكلّما ارتفعت قيمة أيٍّ من العاملَين ارتفعت قيمة الطاقة الكامنة. ومن الطبيعيّ أنّ هذا النوع من المحطّات يحتاج إلى خصائص «طوبّوغرافية» ملائمة لإقامة السدود.
وممّا لا شكّ فيه أنّ حساب كميّة الطاقة والاستفادة منها ليسا بالأمر السهل، لاعتمادهما على عدّة عوامل، منها: كميّة الأمطار المتوفّرة، وارتفاع المساقط، وكيفيّة نقلها وغير ذلك.

* ماهي نسبة النجاح في مجالات الطاقة البديلة، ولماذا لم تحلّ محلّ الطاقة التقليديّة على نطاق واسع؟

ارتفعت وتيرة الاهتمام بالأبحاث عن الطاقة البديلة، وتزاحمت أفكار ودراسات في شأنها، حقّق بعضها درجات مختلفة من النجاح. ففي آب 2010 أصدرت الولايات المتحدة قانوناً حمل رقم (15- 25) لتشجيع إنتاج الطاقة المتجدّدة، وذلك بواسطة تقديم حوافز لاستخدامها. ويقول «كارل شولتش» وهو خبير ماليّ لشركات الطاقة في لندن، أنّ هناك طلباً كبيراً من المستثمرين الراغبين في موافقة الأمم المتّحدة على مشروعاتهم المختصّة بالطاقة الخضراء، وقد تأكّد للجميع أنّ المسألة ليست مرتبطة بتغيير أسعار النفط، بل تتعلّق بقدرة المخزون الاحتياطي والقابل للنفاد بحكم الطلب المتزايد على الطاقة.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الطاقة البديلة لم تحلّ محلّ غيرها، لأنّ الوقود «الأحفوري» أقلّ تكلفة وأكثر إنتاجاً للطاقة، ولأنّ التحكّم بامصادر الطاقة التقليديّة ليس بالصعب. غير أنّ طاقة الرياح مثلاً غير منتظمة في توفّرها، وتتغيّر سرعتها بشكل كبير، وخلال فترات قصيرة جداً. والأمر شبيهٌ بما يحدث للشمس، فهي متغيّرة المسارات، ودوامها في النهار فقط.
لكن، وعلى الرغم من ذلك، لا مفرّ من اللّجوء إلى الطاقة المتجدّدة على وجه السرعة، ومن خلال استغلال نعمتَي الرياح والشمس، مردُّ ذلك إلىّ ندرة الموارد الأوليّة في لبنان وفي كثيرٍ من بلدان العالم، وشحّ المياه، وارتفاع أسعار النفط والغاز عالميّاً، مع ملاحظة أنّ لبنان يستورد أكثر من 95% من احتياجاته الطاقوية على شكل مشتقّات نفطيّة، وما زال عاجزاً عن تلبية الأحمال الكهربائية القديمة والحاضرة، ناهيك عن الأحمال المستقبليّة التي ستكون أضعافاً مُضاعفة.
لذلك، لابدّ من خطّة وطنيّة لاستثمار الطاقات البديلة المُتاحة، وهي غير قليلة. ويُفترض بهذه الخطّة الوطنيّة أن تُراعي المعايير العالميّة لناحية مستوى الأداء، ودرجة الكفاءة، والتشغيل الإقتصادي، إضافةً إلى المعايير الفنيّة الدقيقة، من قبيل عدم فصل المولّدات عن الشبكات وعن المحوّلات، وعدم استخدام الطاقة المتجدّدة بالحجم الكبير وربطها مع الشبكة العامة ما دامت هذه الأخيرة ضعيفة.

* أوليتم عناية خاصّة بمسألة توفير استهلاك الطاقة، لو تُعطون القارىء فكرةً عن أهميّة ذلك؟

 في السبعينيّات من القرن الماضي، كان استهلاك الطاقة الكهربائيّة بمثابة وسام تمدُّن ورقيّ للدول الحضاريّة، ولكن بعد إنذار الطبيعة وصرختها، صار معيار التقدّم مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بتوفير استهلاك الطاقة. وهناك بصماتٌ لتجارب كثيرة في هذا المجال، داخل لبنان وخارجه، وعلى أنواع مختلفة من الأحمال، مثل المطاحن والكسّارات، ومعامل البلاستيك والمستشفيات، إلخ...
إنّ آخر مشروع تمّ إنجازه في هذا المجال كان لأحد المجمعات التجارية الكبرى في منطقة الجناح في بيروت، وكان هذا المشروع سابقة نوعية، نال المشروع اهتمام المختصّين داخل لبنان وخارجه. وقد استغرق حوالى السنة من العمل، تمّ فيها محاكاة الأحمال بأنواعها وأحجامها ومواقعها، وأخذُ القياسات بشكل دوري، ومراقبة شكل وحركة الموجة الكهربائيّة. كذلك تمّ تركيب أجهزة توفير بشكل دقيق، وقد وُزّعت  بشكل هندسي مدروس ومحكم، يناسب هيكليّة الشبكة والأحمال، بحيث ارتفعت كفاءة المنظومة بشكل عام، ناهيك عن استبدال 7600 مصباح كهربائي ذات الإنارة الأفضل والأوفر من المصابيح القديمة، ويجري إطفاؤها أوتوماتيكيّاً حال عدم لزومها، وهذه النقاط مجتمعة أدّت إلى إلغاء مولّدَين، قدرة كلّ واحدٍ منهما 750 ك.ف.أ. وبهذا تجاوزت نسبة التوفير 40%. وعليه، فإنّ ترشيد استهلاك الطاقة، هو الوقود الخامس. ومن الضروري اعتماد هذا الترشيد، لأنّه يساهم بمواجهة الاحتياجات لبناء محطّات الإنتاج وشبكات النقل والتوزيع، وكلّها موارد وطنيّة، ومن الواجب الحفاظ عليها. كما أنّ من الواجب أيضاً رفع درجة الوعي لدى المستهلك، ليُدرك قيمة المادّة التي يستهلكها، خصوصاً تلك التي تُصرف في غير الأوجه المفيدة، والتي لا تجلب له منفعة حقيقيّة باستهلاكه لها. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإنّ توفير 15% من أحمال المنازل في لبنان، يؤجّل إنشاء محطّة توليد لمدّة سنتين وأكثر.

* ما مدى صحّة الفكرة القائلة بأنّ البرق والرعد يُسهمان في مدّ الكرة الأرضية بالطاقة؟

تبلغ قوّة ومضة البرق نحواً من 100 ميغافولت و20 كيلوأمبير، الأمر الذي دفع العلماء اليوم إلى محاولة الإستفادة منها. وما نعرفه عن الشقيقين (البرق والرعد)، أنّهما يُغذِّيان الأرض بالآزوت، وإنبات أنواع مختلفة من الفطريات والكمأ، كما يُساهمان في التوازن البيئي، وكلّما ازداد الخلل في الطبيعة من فعل الإنسان، ازداد البرق والرعد تكراراً وقوّة ليساعدا الطبيعة في عودتها إلى نقطة الاتّزان.


* أشرتم في البداية إلى أنّ الكون عبارة عن مادّة وطاقة، ونعلم أنّ لكم رأياً خاصّاً حول انبعاث الطاقة في فترة ما بين الطلوعين، وأنّها الفترة المثالية للجسم البشري ليحظى بنصيبه من هذه الطاقة المتدفّقة، حبّذا لو شرحتم لنا ذلك؟

الطاقة الفيزيائيّة التي يدرسها العلماء قابلة للقياس والكشف بواسطة الأجهزة، أمّا الطاقة الكونيّة فهي غير قابلة  للقياس بالوسائل المُتاحة.
وقد وجد العلماء أنّ كلّ خليّة من خلايا الجسم لها اهتزازات محدّدة، وتتأثّر بالاهتزازات الأخرى سلباً أو إيجاباً. فالخليّة تتأثّر بالصوت لأنّه عبارة عن اهتزازات ميكانيكيّة، وتتأثّر بالحقول المغناطيسيّة لأنّ هذه الحقول عبارة عن اهتزازات كهربائيّة ومغناطيسيّة وهكذا.
والجدير بالذكر، أنّ الذرّة التي هي أدقّ مكوّنات العناصر التي خلق الله تعالى منها مادّة الكون المنظور وغير المنظور، تتكوّن من النواة في الوسط وشحنتها موجِبة، وتدور حولها جُسيمات سالبة تُسمّى الواحدة منها «إليكترون»، هذه الإليكترونات تدور حول النواة بسرعة فائقة جدّاً ينشأ منها اهتزاز أو ذبذبة عالية جدّاً، وتتفاوت سرعتها من عنصر إلى آخر، فالكون يهتزّ من حولنا بدرجة عالية ولكنّها ثابتة.
ويعجّ الكون الفسيح بإشعاعات طويلة تصل إلى 100 ألف كيلو متر تنطلق في الإتّجاهات كافّة، وهي ذات طاقة «كهرومغناطيسية» نابعة من اهتزاز العناصر في الكون، وثبت أنّ الوقت الذي نستطيع فيه توفير قدر أكبر من هذه الإشعاعات هو بين الطلوعين.
ومن جهة أخرى ثبت أنّ الدّماغ البشري نفسه يبعث بأمواج كهربائيّة بمعدل 2000 ذبذبة في الثانية الواحدة، وهذه طاقة على شكل إشعاعات غير منظورة. وبناءً عليه، يُمكن أن نفسِّر إحساساتنا بدلالة الذبذبات. وأوّل من أثبت ذلك علميّاً هو د. والتر كيلنر الذي كان يعمل بمستشفى «توماس» بلندن، والذي تحدّث عن وجود «الهالة» أو «الحقل الطاقوي» المحيط بالإنسان، وقد نشر كتاباً بهذا الخصوص في سنة 1920م سمّاه (الغلاف البشري).
اذاً أصبحت صحّة الإنسان تعتمد على مدى انسياب الطاقة الكهرومغناطيسية خلال جسمه، ويعني ذلك أنّ تعثّر هذا الإنسياب سيؤدّي بالضرورة إلى اعتلال الجسم البيولوجي.
لذلك نقول إنّ الإستفادة الأفضل من فترة ما بين الطلوعين تساعد على بقاء النوع الإنسانيّ -الروح والجسد معاً- في حالة صيانة دائمة على مدار اليوم، عبر تجديد الطاقة، وإزالة أثر الضغوط التي يتعرّض لها الإنسان في حياته اليوميّة.

اخبار مرتبطة

  العبادة تُوَلِّد الحركة والنشاط

العبادة تُوَلِّد الحركة والنشاط

04/05/2011

  خِصال أمير المؤمنين عليه السلام

خِصال أمير المؤمنين عليه السلام

04/05/2011

نفحات