حوارات

حوارات

22/11/2014

المفكّر العربيّ منير العكش

               

المفكّر العربيّ منير العكش:

الثّقافة الأميركيّة أكثر يهوديّة من اليهود أنفسهم

يكتسب الحوار مع المفكّر العربيّ الدّكتور منير العكش معنًى خاصّاً حين تدور معه الأسئلة حول المرتكزات اليهوديّة للثّقافة السّياسيّة الأميركيّة. والسّبب في ذلك يعود إلى تخصّصه في الفلسفة السّياسيّة والاجتماعيّة، وتدريسه في الجامعات والمعاهد الأميركيّة لفترةٍ مديدة من الزّمن. هذا فضلاً عن معايشته للمجتمع الأميركيّ وآليّات تشكّله منذ أن هاجر من بلده الأمّ سورية قبل أكثر من ثلث قرن. ولعلّ الجانب الأبرز في شخصيّته الفكريّة هو انتماؤه لفلسطين وشعبها وقضيّتها، باعتبارها القضيّة المركزيّة للعرب والمسلمين.

في هذا الحوار، المختصر والمنقول عن بعض المواقع الإلكترونية، سوف نطلّ على رؤيته لأميركا ولثقافتها العنصريّة، المستمدّة من الفكر الصّهيونيّ ومرجعيّته التّلموديّة.

 

كيف يمكن التّمييز بين أميركا التي أبادت الهنود الحمر و«أميركا الدّيمقراطيّة وبلد الحرّيّات»؟

فكرة أميركا التي جاء بها المهاجرون الأوائل الذين كانوا يطلقون على أنفسهم اسم البيوريتان (الأطهار) كانت الرّواية الإنجليزيّة لفكرة «إسرائيل» التّاريخيّة، أي أنّها تريد احتلال الأرض واستبدال شعب بآخر، وثقافة بثقافة، وتاريخ بتاريخ.

هذه الفكرة التي تتبّعتها في دراساتي وبحوثي لا تقتصر على عام 1620م [السنة التي وصلت فيها الدفعة الأولى من الذين سمّوا أنفسهم «الأطهار»، أو «الآباء الحجّاج» إلى القارّة الأميركيّة بحثاً عن الحريّة الدينيّة وفق أدبيّاتهم] وإنّما تجلّت في معظم فترات ومراحل التّاريخ الأميركيّ. نعم إنّنا نجدها متمثّلة بلغة مختلفة عمّا نراه الآن لكنّها تحمل نفس المعنى.

أمّا الديمقراطية التي ذكرتَها في سؤالك، واسمح لي بأن أضحك، فليست إلّا تمثيلاً لأخلاق وأفكار السّوق. إنّها ليست أكثر من ديمقراطيّة الرأسمال، بل لعلّها أحد أفتك أسلحته. وما جرى لأهلنا في العراق ليس استثناء.

مقولة الدّين المدنيّ الأميركيّ

يُحكى الكثير عن «الدّين المدنيّ» في أميركا بوصفه السّمة المكوّنة للثّقافة التّاريخيّة الأميركيّة، ما المقصود بالدّين المدني؟

باختصار شديد هو منظومة العقائد والإيثوس (الأخلاقيّات) التي استوعبت كلّ أيديولوجيّة «الأطهار» الأولى، وأشبعت بها الأفكار السياسيّة والاجتماعيّة والأيديولوجيّة والوطنيّة الحديثة، وعُمّمت على مختلف فئات الأمّة الأميركيّة. هذا ما تجلّى مثلاً في فكر الرئيس الأميركي جون كينيدي عندما يقول: «نحن هنا لتحقيق إرادة الله». طبعاً لا يحدّد كينيدي أيّ إله، لكنّه كان يشير إلى المهمّة الموكلة من الله «للشّعب المختار»، وما صار في حقب مختلفة يسمّى بالتفوّق العرقي: أبيض ضدّ أسود أو ملوّن، مسيحي ضدّ وثني أو غير مسيحي، وغير ذلك من الثّنائيّات التي صار آخرها هو «ثنائيّة الديمقراطيّة والاستبداد».

وعودة إلى السؤال الأوّل عن «تمييز أميركا»، قطعاً لا يُمكن اتّهام شعب وفق تعميم أعمى. يجب ألّا نجرّم أفراداً أو عرقاً أو شعباً، بل يجب أن ينصبّ اهتمامنا على الأفكار وعلى الذهنيّة والأيديولوجيّة والسّياسات المترتّبة عليها. فالشّعب الأميركيّ منوّع من أصول ثقافيّة وعرقيّة ودينيّة مختلفة.

وهنا يخطر ببالي الآن هذا السّؤال: ماذا لو قدِّر للشّعب الأميركيّ أن يتعرّض لما تعرّض له الشّعب العربيّ العراقيّ؟ إنّك بالتأكيد ستجد أميركا تتطاير مثل «العِهن المنفوش». فهناك أرضيّة خصبة من الخلاف العرقيّ والدينيّ والاجتماعيّ بشكل أكبر من أيّ مكان آخر على الأرض.

المشكلة الأساسيّة في أميركا أنّ هناك مؤسّسات محكومة بثقافة وتاريخ وأيديولوجيا لا يمكن الإفلات منها، قد يقع بعض التغيير لكنّه لا يحيد أبداً عن فكرة أميركا وخصائصها الخمس:

1- المعنى «الإسرائيلي» لأميركا. 2- عقيدة الاختيار والتفوّق العرقي والثقافي. 3- أنّ خلاص العالم مهمّة أميركيّة. 4- قَدَريّة التوسّع الذي لا نهاية له. 4- حقّ التضحية بالآخر.

فعلى سبيل المثال قد يختلفون على فيتنام أو العلاقة مع الفيلبين مثلاً، أمّا بالنسبة إلى منطقتنا العربيّة، وتحديداً فلسطين، فترَى أميركا متّفقة بأكملها. إذ ما تكاد تذكر فلسطين حتّى تعوم أميركا على بحر من الخرافة (وأقصد هنا أميركا المؤسّسة الحاكمة) حيث تنسى العقل والمنطق وتطنّ فيها الخرافات القياميّة كما يطنّ سربُ النحل.

أمّا فيما يتّصل بالمواطن العادي فهو بريء وضحيّة المؤسّسة التي تقولب وتتلاعب بأفكاره وبـ «لاوعيه» الجَمعي لتوقظ فيه كلّ الشرّ المطلوب، وذلك باستخدام الإعلام، والنظام التعليميّ، والضّخ السياسيّ القائم على شَيطنة الآخر، وفي الواقع لا توجد أمّة عملت على شَيطنة العالَم كما فعل الإنجليز والأميركيّون.

أليس مستغرباً أن ترى دولة تقوم على مبدأ «الديمقراطيّة السياسيّة والحرّيات المدنيّة والتعدديّة الثقافيّة والعرقيّة»، تواصل إعادة تأسيس خطاب ديني أصولي قديم؟

معلوماتنا عن الولايات المتّحدة في الخارج على أنّها دولة علمانيّة فيها الكثير من الخَلل. وهذا بصراحة يعود إلى تقصيرنا نحن العرب في دراسة أميركا خلافاً لما تفعله بقيّة الأمم، ولا أدلّ على ذلك من أنّه لا توجد في الجامعات العربيّة أي مراكز للدراسات الأميركيّة، فالطالب العربي يدرس الأدب والتاريخ الأميركيّ لكنّه لا يدرس أميركا نفسها.

تصوّر أنّ بريطانيا التي أسّست أميركا أنشأت مركزاً بحثيّاً للدراسات الأميركيّة، في أوروبا هناك رابطة للدّراسات الأميركيّة تشارك فيها 16 دولة، حتّى «إسرائيل» لديها مراكز خاصّة بالدراسات الأميركيّة، بينما نحن ما زلنا محصورين فيما يتعلّق بمعرفتنا عن أميركا في المجال الإعلاميّ، وما يتردّد عن وجود لوبي قويّ يتحكّم بالسياسة والفرد الأميركيّ، والمسيحيّة الصهيونيّة. طبعاً أنا لا أنكر صحّة هذه المعلومات ولكنّها ليست كلّ شيء، أو لعلّها رأس جبل الجليد.

أميركا المُتصهينة

دعني أتساءل هنا لماذا لم ينشئ اليهود لوبياً قويّاً في ألمانيا مثلاً؟ والجواب ببساطة لأنّ الأرض غير صالحة، وأقصد هنا بالأرض الأرضيّة السياسيّة والثقافيّة والتاريخيّة غير المهيّأة لتأسيس لوبي يهودي قوي وفاعل في ألمانيا، أمّا الأرضيّة الأميركيّة فهي صالحة لقيام لوبي من هذا النوع، فالولايات المتّحدة أرض خصبة دينيّاً وفكريّاً واجتماعيّاً لكلّ تطرّفٍ صهيونيّ.

هناك حاخام أميركي يدعى «لي ليفنغر» وضع كتاباً عن تاريخ اليهود في أميركا قال فيه إنّ الثقافة الأميركيّة أكثر يهوديّة من اليهود أنفسهم. فالمهاجرون الأوائل –البيوريتان- الذين خرجوا من بريطانيا وهولندا إلى العالم الجديد، كانوا يسمّون أنفسهم أيضا «العبريّين»، وعندما وصلوا إلى أميركا أطلقوا على الأرض الجديدة اسم «بلاد كنعان، وصهيون، وأرض الميعاد»، وأوّل كتاب وضعه توماس مورتن كان عنوانه «بلاد كنعان الإنجليزيّة»، ولذلك كان هذا المهاجر البيوريتاني يطلق على الهنود الحُمْر - وطبعاً هم ليسوا هنوداً بالتأكيد - اسم الكنعانيّين، ويشعر براحة كبيرة في إزالتهم من الوجود، ليقينه أنّه يمتلك من الله تفويضاً بذلك، وأنّ الله خلق هؤلاء الهنود الحُمْر لهذه الوظيفة، كما سخّر الله الماشية للذبح والركوب والتنقّل، أي كأنّ الله فوّضه بإدارة مسلخ بشري.

وعليه، فإنّ الجرائم التي ارتُكبت باسم هذا المعتقد وفي هذا الإطار كانت أفظع وأكبر من كلّ عبارات الوصف. ويكفي على ذلك دليلاً القول إن كريستوفر كولومبس - مكتشف أميركا - عندما وصل إلى العالم الجديد كان هناك ما لا يقلّ عن 112 مليون إنسان حسب الوثائق التاريخيّة. وبالتالي فإنّ ما كان يقال عن وجود قبائل ومجموعات صغيرة ليس صحيحاً، بل مجرّد أكاذيب. ففي المذكّرات التي وضعها مطران إسباني رافق البعثة الأولى اسمه برتولومي دي لا سكازاس، يقول: «إنّ هذه البلاد تعجّ بالبشر، كما تعجّ خليّة النحل، وكأنّ الله وضع فيها كلَّ خلقِه».

ومن رواياته أيضاً أنه عندما كان يُشحَن الهنود الحُمْر كعبيد على ظهور السفن من جزيرة إلى جزيرة لم يعطوا الطعام، فكان الموت نصيب عدد كبير منهم لتُرمى جُثَثُهم بالبحر، حتّى وصل الأمر - كما يقول المطران الإسباني - إلى أنّ ربابنة السفن لم يكونوا بحاجة إلى بوصلة لأنّهم كانوا يستدلّون على طريقهم بواسطة الجثث الطافية.

وفي نهاية القرن التاسع عشر، جرى إحصاء في الولايات المتّحدة أشار إلى وجود ربع مليون شخص من الهنود الحُمْر، ولنأخذ الرّقعة الجغرافية التي تقوم عليها الولايات المتّحدة بشكلها الحالي، تقول الوثائق التاريخيّة إنّ هذه المنطقة كانت موطناً لما لا يقلّ عن 18 مليون نسمة موزّعين على ما يقارب 500 أمّة وليس قبيلة.

ومن المراجع التاريخيّة المهمّة للهجرات الأولى إلى العالم الجديد كوتن ماذر الذي وضع كتاباً باللغة اللاتينيّة عنوانه «ماغناليا كريستي أميركانا» يحوي مجلّدات كثيرة، والبارز في هذا الكتاب أنّ المؤلف لا يتحدّث عن سكّان أميركا الأصليّين بعبارة «قبيلة» بل كان يصفهم بعبارة «أمم وشعوب»، ولم ترد في كتابه كلمة «قبيلة» إلّا ثلاث مرات عندما كان يتحدّث عن قبائل بني إسرائيل.

وفي الوثائق التّاريخيّة التي استندتُ عليها في كتابي الأخير (أميركا والإبادات الثقافية: لعنة كنعان الإنجليزيّة)، وجدت ما يشير إلى وجود عواصم كانت عامرة بالبناء والأراضي الزراعيّة الخصبة، دُمّرت كلّها عن بكرة أبيها.

في عام 1975، إبّان عهد الرئيس الأميركي جيرالد فورد، طلب أن يبنوا له مسبحاً، وتحديداً في الحديقة الورديّة التي تمّت فيها في التسعينيّات من القرن الماضي مراسم توقيع اتّفاقيّة أوسلو. وما أن بدأوا الحفر لبناء المسبح حتى اكتشف العمال عاديات، وغلايين، وآثارًا أخرى مثل حجر الصابون، وهياكل عظمية بشرية تحت البيت الأبيض، فسارع القائمون على العمل بمدّ العشب، وتمّت التعمية على الموضوع، بَيد أنّ الحركة الهنديّة في الولايات المتحدة أجرت تحقيقات تبيّن أن الغزاة وصلوا عام 1623 إلى المنطقة المعروفة باسم «تشسبيك باي» التي كان يقطنها في ذلك الوقت شعب الكونوي وملكُه تشكياس. وبعد قتال مرير بين الطرفين عرض البِيض عقد سلام مع سكّان المنطقة الأصليين بكلمات معسولة كالعادة. فكان أن التقى الملك تشكياس مع الجنرال تاكر الذي أجرى المفاوضات وقدّم له الكحول المسمّمة فسقط «الملك الهندي» ميتاً ومعه كثيرون من زعماء شعب كونوي الذي كان يسكن في المنطقة التي تعرف حالياً باسم واشنطن. وكان هناك مدينة تدعى «نكن شتنكة» وقد قامت على أنقاضها العاصمة الأميركية وعلى جثث سكانها الأصليّين.

واكتشفت الحركة الهنديّة أنّ المسافة الممتدّة من البيت الأبيض حتّى «الكابيتول هيل» - وتعرف حاليّاً باسم «المول» وتضمّ أهم المتاحف في الولايات المتحدة - كانت السوق التجاريّة لمدينة نكن شتنكة التي كانت تتعامل تجاريّاً مع الأمم والحواضر الأخرى، وإمعاناً في السّاديّة الإنجليزيّة - إن جاز التعبير- أُقيم متحف المحرقة اليهوديّة (الهلوكوست) في نفس المنطقة فوق جثث السكّان الأصليّين.

وواشنطن ليست الاستثناء، بل يمكن القول إنّ العديد من المدن الأميركية الحاليّة قامت على أنقاض المدن والبلدات والقرى التي أقامها وأسّسها الهنود الحمر، مع التحفّظ طبعاً على هذه التسمية.

كلّ الخصائص التي جاء بها البيوريتانيّون إلى أميركا مسيطرة على العقلية السياسية الحاكمة في الولايات المتّحدة، وبالتالي فإن وجود اللّوبي الصّهيوني بات تحصيل حاصل لموروثٍ أيديولوجيٍّ وعقائديّ. فلا غرابةَ، إذاً، في القول إنّ في الكونغرس الأميركيّ 532 نتنياهو، ولا داعي لوجود لوبي من بضعة أشخاص ليضغط عليهم.

ذهنيّة القراصنة

هل يمكن القول إنّ سياسات أميركا الخارجيّة وحروبها في العراق وأفغانستان مثلاً هي استمرار للعقليّة التي جاء بها المستوطنون الأوائل وأسّسها كريستوفر كولومبوس؟

هناك لفتة تاريخية يجدر ذكرها عن كولومبوس، وهي أنه أوصى في مذكّراته بالاستفادة من ذهب العالم الجديد لتحرير بيت المقدس، لكن العالم الجديد كان محطّ غزو للعديد من الشعوب - والأوروبية تحديداً - مثل الإسبان والبرتغاليين والألمان الذين جاؤوا ناهبين لخيرات القارة المكتشفة وثرواتها. لكن من جاء وفقاً لتصوّر أيديولوجي وعقائدي للمستقبل ورؤية محدّدة حيال السكّان الأصليّين، إضافةً إلى سَعيه لنهب الثروات، هم الإنجليز، حتّى إنّ سجلّهم سابق على الهجرة إلى العالم الجديد كما تشهد على ذلك مأساة الإيرلنديّين. وهناك مؤرّخ إيرلندي هو نيكولاس كاني يتحدّث عن تلك الفترة وكأنّه يتحدّث عمّا جرى في فلسطين، فما فعله الإنجليز بالإيرلنديّين يتطابق تماماً مع ما فعله ويفعله الصهاينة الآن مع الشعب الفلسطينيّ.

مأ أريد قوله هو أنّ «إسرائيل» أُسِّست، ليس على يد اليهود، بل أُسّست قبل فترة طويلة من وجود هرتزل، أي تمّ تأسيسها في العقليّة الأنجلوسكسونيّة التي واظبت منذ أكثر من 500 عام على تأسيس الفكرة.. حتّى كبار علمائهم ومنهم إسحاق نيوتن مكتشف الجاذبيّة الأرضيّة بقصّة التفاحة الشهيرة وضع – إلى جانب كتابَيه الرائعَين في العلوم - ما يقارب من أربعين كتاباً عن تصوّرات وحسابات للمعبد اليهودي وقياساته في وصفه لبناء هيكل سليمان، ويصرف وقتاً وجهداً في الحديث عن قداسة القياس بالذراع تشبّهاً بالعبريّين، أي بعبارة أخرى أن الأنجلوسكسون حاولوا بناء «إسرائيل» مجازياً قبل أن تؤسّس بشكلٍ ماديٍّ على أرض الواقع، ولهذا السبب يمكن القول إنّ قارّتَين على الأقل أُفرغتا من سكّانهما الأصليّين كليًّا، أميركا الشّماليّة التي كان يقطنها على الأقل 18 مليون هندي أحمر، وأستراليا التي تحتلّ المرتبة السادسة عالميّاً من حيث المساحة، إذ لم يبقَ من سكّانها الأصليّين «البوشمِن أو الأبورجينيالز» سوى أعداد قليلة تعتبر عيّنات ديكوريّة. أفرغوا قارّتَين ومئات الجزر – خاصّة في المحيط الهادي - من سكّانهم باسم «إسرائيل».

هل يُمكن القول، إذاً، إنّ الولايات المتحدة تمارس سياساتها انطلاقاً من النبوءة الدّينيّة التي تقول بتجميع اليهود في فلسطين تمهيداً لعودة المسيح؟

هذا يعود إلى فكر المسيحيّة الصهيونيّة، لكن يجب الانتباه إلى أنّ جميع مفكّري وزعامات هذا التّيّار هم أعداء لليهود بالمعنى العقائدي، لكنّهم أنصار للصهاينة، هذا أولاً.

ثانياً: وهي نقطة مهمّة، وهي «الإسرائيليّة – الإنجليزيّة»، وهي أخطر وأعمّ من الصّهيونيّة المسيحيّة. والمقصود بها المفهوم العرقيّ الذي تبّناه الأنجلوسكسون اعتقاداً راسخاً بأنّهم إسرائيليّون. وهذا موضوع بالغ التّعقيد لا يمكن تناوله بكلمات سريعة.

ختاماً: أريد الإشارة إلى وجود رابطة قوية بين ما يسمّى الدين العلماني والوطنية الأميركية. فالعلماني الأميركي بل وحتّى الملحد الذي لا يؤمن بشيء ومعه اليساري، بل وحركات السلام وحقوق الإنسان، لا يغضبون إلّا لوقوع قتلى أميركيّين، طبعاً هناك استثناءات تناقض هذا الواقع. وهناك العديد من الطبقات الثقافيّة التي تُخفي في طيّاتها ما هو أخطر، فيمكن أن ترى العنصرية وفكرة الكَنعنة عند رجل الدّين ظاهرة بوضوح، ولكن الأمر ربّما لا يبدو كذلك لدى الرجل العلماني، ومثال ذلك الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، حيث ألقى بعد توقيع «اتّفاق وادي عربة» بين الأردن و«إسرائيل» خطاباً أمام الكنيست كرّر فيه مقولة كينيدي الشهيرة: «نحن هنا لنحقّق إرادة الله»، مشيراً إلى أنّ الكاهن أحضره إلى «إسرائيل» قبل ثلاثة عشر عاماً من ذلك التاريخ لزيارة الأرض التوراتيّة، وأنّه أوصاه قائلاً: «إذا أغضبتَ إسرائيل فكأنك تُغضب الله».

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

22/11/2014

دوريات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات