بسملة

بسملة

منذ يومين

أزْمَـــة العـالَـم.. أخـلاقيّــة

أزْمَـــة العـالَـم.. أخـلاقيّــة

بقلم: الشيخ حسين كَـوراني

﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ

بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾

(الأعراف:179 )

عالَمٌ مأزوم: يملأ الخافقَين العجزُ عن حلّ الأزَمات الاجتماعية بالسياسة، وعن حلّ الأزمات السياسيّة بالديموقراطية أو الأمن والعسكر.

يتفاقم التأزّم وتتراكم الأزمات وتتوالد. يحدو بـفراعنة «الرأسمال المتوحّش» سراب آمالٍ عِراض. يدعون إلهَهم «المال» لاحتواء الأزمات العالمية.

يضرب التأزّم عصب «المال»: ﴿وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا﴾ (الكهف:35). ﴿وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا..﴾ (الكهف:42). ﴿..كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ..﴾ (الكهف:45).

ما أشبه فراعنة المال في مفتتَح الألفية الثالثة بذلك البدويّ الذي اتّخذ في الجاهلية إلهاً من تمر فلمّا جاع أكلَه. وجهُ الشَّبَه أنّ «الرأسمال المتوحّش» يأكل اليوم فراعنتَه.

***

أزمة العالم أخلاقيّة: ليس مَردّ أزمات العالم اليوم، إلى أزْمة نظام الحكم والإدارة. مردّها والمرجع والسّبب هو أزْمة أخلاق الحاكم والمحكوم.

 عالم «حقّ النَّقْض»، (الفيتو)، و«القطب الأوحد» الذي «يبني العالم كما يحلو له»، تعصفُ به «أزْمة ضمير».

 تُراكِم الصهيو - أميركيّة أسلحة «الدمار الشامل» لِعَولَمة مأساة الهنود الحمر لتصبح البشريّة كلّها «هنوداً حمراً»، غرباء، فقراء، مشرّدين - كالشّعب الفلسطينيّ - ومطارَدين بجرم «الخيانة العظمى».

دقِّق في مشاهد الجرّارات الصهيونية الهائلة (الحديثة - حداثة آلاف الأحصنة والبغال!! والمتطورة - على طريقة «دارْوِن» في تطوّر القرد إلى إنسان!!)، أنْعِم النَّظر في هذه الجرّارات وهي تهدم في القدس - أو غيرها - بيت أسرة فلسطينيّة وتُجبرها على دفع بدل الأتعاب!!

إنّها التعبير الأصدق عن جنون فراعنة هذا العالَم، وعن أزْمة الضمير العالمية التي يُعمل على «عوْلمتها».

قارن بين هذه الجرّارات، وبين الدول النوويّة «الهيروشيميّة»، وهي تشنّ الحروب في أربع رياح الأرض لنزْع أسلحة الدمار الشامل، لتحمي حقوق الإنسان! وتصون الكرامة والحريّات، والنظام الدولي الجديد!

أحدث ما بلغَه «التحضّر» الصهيو - أميركي، أنّ على صاحب البيت الذي ألزم «القانون» بهدمه، أن يدفع ثمن الجرّارات، وكلفة الهدم، ورواتب سخيّة للمشغّلين، وللجنود المرابطين على التلال والروابي يتظاهرون بمنع سائقي الجرّارات من الهَدم، ويرشقونهم بالحجارة، ويمرّرون لهم – معها - الوَقود والمؤن.

أليس هذا عين ما تمارسه الصهيونية العالمية عبر دواعشها الأميركية والوهّابية في محاولات هدم سوريا والعراق والمنطقة، بدمنا، ونفطنا، والمصائر؟

                                            ***
أيّ أخلاقٍ هي الحلّ؟ أخطر ما في أزمة الأخلاق هو العجز عن فهم حقيقة الأخلاق.

هل هي أخلاق الحيوان والغرائزيّة والنّزَوات، أم أخلاق المادّة والآلة، أم أخلاق الإنسان والإنسانية؟

يشارك الحيوان الإنسان في الغرائز والأهواء، ويفترق الإنسان عنه بالعقل، ويفترق الإنسان والحيوان عن الآلة بالعقل والغرائز.

كلّ ما يمكن للحيوان فعلُه فهو ساحة الغرائز. الأذى والمناطَحة. إعمال الحيلة في مواجهة الصعاب. «معرفة» خصائص المرعى والطريق منه وإليه وما شابه. كلّ ذلك فعل غريزة لا علاقة له بالعقل. لا عقلَ للحيوان.

تبدأ خطوة العقل الأولى بعد آخر حدود ساحة الغرائز. بإعمال العقل تُشرق أنوار الإنسانية.

من قرّر أن يمضي دهره في غياهب الغرائز وظُلماتها، فهو أضلّ سبيلاً من الحيوان. إنه الآلة العمياء حتّى عن أدنى طيفٍ من الأحاسيس والمشاعر. قبرٌ متجوّل. ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾ (البقرة:18). ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾ (فاطر:19-22). ﴿.. أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ (الأعراف:179). ﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ (النحل:21).

***

الحلّ محمّديّ: الأخلاق علمٌ وحِلم. العلم معرفةٌ تُلتزَم. المعرفة وعيُ الوجود، وفقهُ المَوجود، والقلُب والحياةُ الطيّبة. الحِلم رفقٌ بالنّفس والناس.

يقول وارثُ وارثِ النّبيّين، الإمام السجّاد عليّ بن الحسين عليهما السّلام:

«.. الْحَمْدُ لله الَّذِي لَوْ حَبَسَ عَنْ عِبَادِه مَعْرِفَةَ حَمْدِه عَلَى مَا أَبْلَاهُمْ مِنْ مِنَنِه الْمُتَتَابِعَةِ، وأَسْبَغَ عَلَيْهِمْ مِنْ نِعَمِه الْمُتَظَاهِرَةِ، لَتَصَرَّفُوا فِي مِنَنِه فَلَمْ يَحْمَدُوه، وتَوَسَّعُوا فِي رِزْقِه فَلَمْ يَشْكُرُوه.

ولَوْ كَانُوا كَذَلِكَ لَخَرَجُوا مِنْ حُدُودِ الإِنْسَانِيَّةِ إِلَى حَدِّ الْبَهِيمِيَّةِ فَكَانُوا كَمَا وَصَفَ فِي مُحْكَمِ كِتَابِه ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾.

والْحَمْدُ لله عَلَى مَا عَرَّفَنَا مِنْ نَفْسِه، وأَلْهَمَنَا مِنْ شُكْرِه، وفَتَحَ لَنَا مِنْ أَبْوَابِ الْعِلْمِ بِرُبُوبِيَّتِه، ودَلَّنَا عَلَيْه مِنَ الإِخْلَاصِ لَه فِي تَوْحِيدِه، وجَنَّبَنَا مِنَ الإِلْحَادِ والشَّكِّ فِي أَمْرِه. حَمْداً نُعَمَّرُ بِه فِي مَنْ حَمِدَه مِنْ خَلْقِه، ونَسْبِقُ بِه مَنْ سَبَقَ إِلَى رِضَاه وعَفْوِه.

حَمْداً يُضِيءُ لَنَا بِه ظُلُمَاتِ الْبَرْزَخِ، ويُسَهِّلُ عَلَيْنَا بِه سَبِيلَ الْمَبْعَثِ، ويُشَرِّفُ بِه مَنَازِلَنَا عِنْدَ مَوَاقِفِ الأَشْهَادِ، يَوْمَ تُجْزى ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾، ﴿يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً ولا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾.

حَمْداً يَرْتَفِعُ مِنَّا إِلَى أَعْلَى عِلِّيِّينَ فِي كِتَابٍ مَرْقُومٍ ﴿يَشْهَدُه الْمُقَرَّبُونَ﴾. حَمْداً تَقَرُّ بِه عُيُونُنَا إِذَا بَرِقَتِ الأَبْصَارُ، وتَبْيَضُّ بِه وُجُوهُنَا إِذَا اسْوَدَّتِ الأَبْشَارُ.

حَمْداً نُعْتَقُ بِه مِنْ أَلِيمِ نَارِ الله إِلَى كَرِيمِ جِوَارِ الله. حَمْداً نُزَاحِمُ بِه مَلَائِكَتَه الْمُقَرَّبِينَ، ونُضَامُّ بِه أَنْبِيَاءَه الْمُرْسَلِينَ فِي دَارِ الْمُقَامَةِ الَّتِي لَا تَزُولُ، ومَحَلِّ كَرَامَتِه الَّتِي لَا تَحُولُ.

والْحَمْدُ لله الَّذِي اخْتَارَ لَنَا مَحَاسِنَ الْخلقِ، وأَجْرَى عَلَيْنَا طَيِّبَاتِ الرِّزْقِ».

يستبدُّ بالعالَم العطش إلى مكارم الأخلاق الإنسانيّة المحمّديّة.

ما بعدَ حَشرَجَات التحالف الصهيوني الوهّابي - الأموي الراهن، فتحُ مكّةَ والعالمين.

اخبار مرتبطة

  دوريّات

دوريّات

منذ يومين

دوريّات

نفحات